تفسير سورة لقمان

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٣١ شرح إعراب سورة لقمان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢)
الم تِلْكَ في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي هذه تلك، ويقال: تيك.
آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ بدل من «تلك».
[سورة لقمان (٣١) : آية ٣]
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣)
هُدىً وَرَحْمَةً نصب على الحال، مثل هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً [الأعراف: ٧٣، وهود: ٦٤] وهذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم والكسائي، وقرأ حمزة هدى ورحمة «١» بالرفع، وهو من جهتين: إحداهما على إضمار مبتدأ لأنه أول آية، والأخرى أن يكون خبر تلك.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٤]
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ في موضع رفع على إضمار مبتدأ، لأنه أول آية أو في موضع نصب بمعنى أعني، أو في موضع خفض على أنه نعت للمحسنين.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٦]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ مِنَ في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة.
وعن رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما أن «لهو الحديث» هاهنا الغناء وأنه ممنوع بالكتاب والسنة فيكون التقدير ومن الناس من يشتري ذا لهو أو ذات لهو، مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] أو يكون التقدير: لما
(١) انظر تيسير الداني ١٤٣، والبحر المحيط ٧/ ١٧٩.
كان إنما يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشترى اللهو. لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي ليضلّ غيره ومن قرأ ليضل «١» فعلى اللازم له عنده، وَيَتَّخِذَها «٢» قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وَيَتَّخِذَها عطفا على ليضلّ. والرفع من وجهين: أحدهما أن يكون معطوفا على يشتري، والآخر أن يكون مستأنفا. والهاء كناية عن الآيات، ويجوز أن تكون كناية عن السبيل لأن السبيل يذكّر ويؤنّث.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٧]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧)
كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً اسم كأنّ وتحذف الضمة لثقلها فيقال: أذن.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٠]
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠)
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها يكون تَرَوْنَها في موضع خفض على النعت لعمد أي بغير عمد مرئية، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال. قال أبو جعفر:
وسمعت علي بن سليمان يقول: الأولى أن يكون مستأنفا ويكون بغير عمد التمام. أَنْ تَمِيدَ في موضع نصب أي كراهة أن تميد، والكوفيون يقدّرونه بمعنى لئلا تميد.
فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ عن ابن عباس: من كلّ نوع حسن، وتأوّله الشعبي على الناس لأنهم مخلوقون من الأرض، قال: فمن كان منهم يصير إلى الجنة فهو الكريم ومن كان يصير إلى النار فهو اللئيم، وقد تأول غيره أن النطفة مخلوقة من تراب وظاهر القرآن يدلّ على ذلك.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١١]
هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١)
هذا خَلْقُ اللَّهِ مبتدأ وخبر. فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ «ما» في موضع رفع بالابتداء وخبره «ذا» وذا بمعنى الذي، وخلق واقع على هاء محذوفة على هذا، تقول: ماذا تعلّمت أنحو أم شعر، ويجوز أن يكون «ما» في موضع نصب بخلق و «ذا» زائدة، وعلى هذا تقول: ماذا تعلمت أنحوا أم شعرا. بَلِ الظَّالِمُونَ رفع بالابتداء.
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في موضع الخبر.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٢]
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)
(١) انظر تيسير الداني ١٤٣، والبحر المحيط ٧/ ١٧٩، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو.
(٢) انظر تيسير الداني ١٤٣، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥١٢.
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ مفعولان ولم ينصرف لقمان لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين فأشبه فعلان الذي أنثاه فعلى فلم يصرف في المعرفة لأن ذلك ثقل ثان وانصرف في النكرة لأن أحد الثقلين زال. وزعم عكرمة أن لقمان كان نبيا وفي الحديث أنه كان حبشيا «١». أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ فيه تقديران: أحدهما أن تكون «أن» بمعنى أي مفسرة أي قلنا له اشكر، والقول الآخر أنها في موضع نصب والفعل داخل في صلتها، كما حكى سيبويه: كتبت إليه أن قم إلا أن هذا الوجه بعيد. وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ جزم بالشرط، ويجوز الرفع على أن من بمعنى الذي.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٣]
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ «إذ» في موضع نصب، والمعنى واذكر، وحكى أبو إسحاق في كتابه في القرآن أن «إذ» في موضع نصب بآياتنا وأن المعنى ولقد آتينا لقمان الحكمة إذ قال. قال أبو جعفر: وأحسبه غلطا لأن في الكلام واوا تمنع من ذلك وأيضا فإن اسم لقمان مذكور بعد قال. يا بُنَيَّ «٢» بكسر الياء لأنها دالّة على الياء المحذوفة ومن فتحها فلخفّة الفتحة عنده.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٦]
يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)
إِنَّها الكتابة عن القصة أو عن الفعلة أو بمعنى: إنّ التي سألتني عنها لأنه يروى أنه سأله، والبصريون يجيزون إنّها زيد ضربته، بمعنى أن القصة، والكوفيون لا يجيزون هذا إلّا في المؤنث إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ خبر «تك» واسمها مضمر فيها، واستبعد أبو حاتم أن يقرأ إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ «٣» بالرفع. لأن مثقالا مذكّر فلا يجوز عنده إلا بالياء. قال أبو جعفر: وهذا جائز صحيح وهو محمول على المعنى لأن المعنى واحد، وهذا كثير في كلام العرب يقال: اجتمعت أهل القيامة لأن من كلامهم اجتمعت اليمامة، وزعم الفراء أن مثل الآية قول الشاعر:
٣٣٩-
وتشرق بالقول الّذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدّم «٤»
فأما وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ فمعترض بين كلام لقمان كما روى شعبة عن سماك ابن حرب عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قالت أم سعد لسعد: أليس قد أمر الله جلّ
(١) انظر البحر المحيط ٧/ ١٨١.
(٢) انظر تيسير الداني ١٤٣، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥١٣.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٢٨، والبحر المحيط ٧/ ١٨٢.
(٤) مرّ الشاهد رقم (١٣٠).
وعزّ ببرّ الوالدة؟ فو الله لا أطعم ولا أشرب حتى تكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وكانوا إذا أرادوا أن يطعموها أو جروها بالعصا وجعلوا في فيها الطعام والشراب، فنزلت وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إلى وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ الآية فأما نصب «وهنا على وهن» قال أبو جعفر: فما علمت أن أحدا من النحويين ذكره فيكون مفعولا ثانيا على حذف الحرف أي حملته بضعف على ضعف أو فازدادت ضعفا على ضعف، ومَعْرُوفاً نعت لمصدر محذوف. وزعم أبو إسحاق في كتابه أن «أن» في موضع نصب وأن المعنى ووصينا الإنسان بوالديه أن اشكر لي ولوالديك. وهذا القول على مذهب سيبويه بعيد ولم يذكر أبو إسحاق فيما علمت غيره. وأجود منه أن تكون «أن» مفسرة والمعنى: قلنا له اشكر لي ولوالديك.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٧]
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ معنى إقامة الصّلاة إتمامها بجميع فروضها، كما يقال: فلان قيّم بعمله الذي وليه أي قد وفّى العمل جميع حقوقه، ومنه هذا قوام الأمر وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ وهو أن لا يخرج من الجزع إلى معصية الله وكذا الصبر عن المعاصي.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٨]
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨)
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قد ذكرناه وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال: «تصاعر» من واحد مثل عافاه الله وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي متبخترا متكبرا. وهو مصدر في موضع الحال.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٩]
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ أي توسّط والتوسط أحمد الأمور، وكذا وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ أدّبه الله جلّ وعزّ بالأمر بترك الصياح في وجوه الناس تهاونا بهم إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ قال أبو عبيدة «١» : أي أشدّ، وقال الضحاك: وهما جميعا على المجاز.
وفي الحديث «ما صاح حمار ولا نبح كلب إلّا أن يرى شيطانا» «٢».
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٠]
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠)
(١) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ٢/ ١٢٧.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه- الدعاء ١٣/ ١٣، بمعناه.
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وذلك من نعم الله جلّ وعزّ على بني آدم فالأشياء كلّها مسخرة لهم من شمس وقمر ونجوم وملائكة تحوطهم، وتجرّ إليهم منافعهم، ومن سماء وما فيهما لا يحصى وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً على الحال ومن قرأ نعمة ظاهرة وباطنة «١» جعله نعتا، وهي قراءة ابن عباس من وجوه صحاح مروية وفسرها: الإسلام وشرح هذا أنّ سعيد بن جبير قال في قوله جلّ وعزّ:
وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [المائدة: ٦] قال: يدخلكم الجنة وتمام نعمة الله على العبد أن يدخله الجنة فكذا لمّا كان الإسلام يؤول أمره إلى الجنة سمّي نعمة، وعن ابن عباس قال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ قال: هو النّضر بن الحارث.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢١]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١)
أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ أي أولو كان كذا يتّبعونه على التوبيخ.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٢]
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢)
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وقراءة أبي عبد الرحمن السلمي وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ. قال: «يسلم» في هذا أعرف، كما قال جلّ وعزّ: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ومعنى «أسلمت وجهي لله» قصدت بعبادتي إلى الله وأقررت أنه لا إله غيره، ويجوز أن يكون التقدير: ومن يسلم نفسه إلى الله مثل كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:
٨٨] معناه إلّا إياه. ويكون يسلّم على التكثير إلّا أنّ المستعمل في سلّمت أنه بمعنى دفعت يقال: سلّمت في الحنطة وقد يقال: أسلمت. وروى جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جلّ وعزّ: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى قال: لا إله إلا الله.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٧]
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ «أنّ» في موضع رفع، والتقدير ولو وقع هذا و «أقلام» خبر أن. وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مرفوع من جهتين: إحداهما العطف على الموضع،
(١) انظر تيسير الداني ١٤٣، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥١٣. [.....]
والأخرى أن يكون في موضع الحال. وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ «١» بالنصب على اللفظ. وحكى يونس عن ابن أبي عمرو بن العلاء قال: ما أعرف للرفع وجها إلّا أن يجعل البحر أقلاما وأبو عبيد يختار الرفع لكثرة من قرأ به إلا أنه قال: يلزم من قرأ بالرفع أن يقرأ وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة: ٤٥]. قال أبو جعفر:
هذا مخالف لذاك عند سيبويه، قال سيبويه «٢» : أي والبحر هذا أمره يجعل الواو تؤدّي عن الحال، وليس هذا في وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ (يمدّه)، وحكي «يمدّه» على أنهما لغتان بمعنى واحد، وحكي التفريق بين اللغتين وأنّه يقال فيما كان يزيد في الشيء مدّة يمدّه كما تقول: مدّ النيل الخليج، أي زاد فيه، وأمدّ الله جلّ وعزّ الخليج بالنيل. وهذا أحسن القولين، وهو مذهب الفراء «٣»، ويجوز تمدّه. مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ على تأنيث السبعة. ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ قال قتادة: قالوا: إنّ ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم سينفد فأنزل الله جلّ وعزّ يعني هذا.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٨]
ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)
ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ قال الضحاك: أي ما ابتداء خلقكم جميعا إلّا كخلق نفس واحدة، وما بعثكم يوم القيامة إلّا كبعث نفس واحدة. قال أبو جعفر:
وهكذا قدّره النحويون بمعنى إلّا كخلق نفس واحدة مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٩]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ عن ابن مسعود أنه قال: قصر نهار الشتاء في طول ليله، وقصر ليل الصيف في طول نهاره.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٣٢]
وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)
وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ لأن سبيل الموج إذا اشتدّ أن يرتفع. قال الفراء: يعني بالظّلل السحاب. قال الخليل وسيبويه رحمهما الله في قاض وجاز: يوقف عليهما بغير تاء، وعلتهما في ذلك أن يعرف أنه في الوصل كذلك وكان القياس أن يوقف عليهما بالياء لأن التنوين يزول في الوقف، وحكى يونس أن بعض العرب الموثوق بلغتهم يقف بالياء فيقول: جاءني قاضي وجازي.
(١) انظر تيسير الداني ١٤٣، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥١٣.
(٢) انظر الكتاب ٢/ ١٤٥.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٢٩.

[سورة لقمان (٣١) : آية ٣٤]

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ «١» الْغَيْثَ زعم الفراء «٢» أن في هذا معنى النفي أي ما لم يعلمه أحد إلّا الله جل وعز. قال أبو جعفر: إنما صار فيه معنى النفي والإيجاب بتوقيف الرسول صلّى الله عليه وسلّم على ذلك لأنه صلّى الله عليه وسلّم في قول الله جلّ وعزّ وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام: ٥٩] لا يعلمها إلّا هو أنها هذه. قال أبو إسحاق: فمن زعم أنه يعلم شيئا من هذا فقد كفر إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ومن العرب من يقول: بأيّة أرض. فمن قال:
بأيّ أرض قال: تأنيث الأرض يكفي من تأنيث أي، ومن قال: بأيّة أرض قال: أي تنفرد تأتي بغير إضافة لو قال: جاءتني امرأة، قلت أيّة إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ نعت لعليم أو خبر بعد خبر.
(١) انظر تيسير الداني ١٤٣.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣٠.
Icon