تفسير سورة الجاثية

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وتسمى سورة الشريعة مكية وهي سبع وثلاثون آية، وأربعمائة وثمان وثمانون كلمة، وألفان ومائة وأحد وتسعون حرفا.

سورة الجاثية
وتسمى سورة الشريعة مكية وهي سبع وثلاثون آية وأربعمائة وثمان وثمانون كلمة وألفان ومائة وأحد وتسعون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة الجاثية (٤٥): الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤)
قوله عز وجل: حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي إن في خلق السموات والأرض وهما خلقان عظيمان يدلان على قدرة القادر المختار وهو قوله لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ أي وخلق أنفسكم من تراب ثم من نطفة إلى أن يصير إنسانا ذا عقل وتمييز وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ أي وما يفرق في الأرض من جميع الحيوانات على اختلاف أجناسها في الخلق والشكل والصورة آياتٌ دلالات تدل على وحدانية من خلقها وأنه الإله القادر المختار لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ يعني أنه لا إله غيره.
[سورة الجاثية (٤٥): الآيات ٥ الى ١١]
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩)
مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١)
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يعني بالظلام والضياء والطول والقصر وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ يعني المطر الذي هو سبب أرزاق العباد فَأَحْيا بِهِ أي بالمطر الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي بعد يبسها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ أي في مهابها فمنها الصبا والدبور والشمال والجنوب ومنها الحارة والباردة وغير ذلك آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
فإن قلت ما وجه هذا الترتيب في قوله لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ولِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ويَعْقِلُونَ.
قلت معناه إن المنصفين من العباد إذا نظروا في هذه الدلائل النظر الصحيح علموا أنها مصنوعة وأنه لا بد لها من صانع فآمنوا به وأقروا أنه الإله القادر على كل شيء ثم إذا أمعنوا النظر ازدادوا إيقانا وزال عنهم اللبس فحينئذ استحكم علمهم وعدوا في زمرة العقلاء الذين عقلوا عن الله مراده في أسرار كتابه تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها
قوله عز وجل :﴿ إن في السماوات والأرض ﴾ أي إن في خلق السماوات والأرض، وهما خلقان عظيمان يدلان على قدرة القادر المختار وهو قوله ﴿ لآيات للمؤمنين ﴾.
﴿ وفي خلقكم ﴾ أي وخلق أنفسكم من تراب ثم من نطفة إلى أن يصير إنساناً ذا عقل وتمييز ﴿ وما يبث من دابة ﴾ أي وما يفرق في الأرض من جميع الحيوانات على اختلاف أجناسها في الخلق والشكل والصورة ﴿ آيات ﴾ دلالات تدل على وحدانية من خلقها وأنه الإله القادر المختار ﴿ لقوم يوقنون ﴾ يعني أنه لا إله غيره.
﴿ واختلاف الليل والنهار ﴾ يعني بالظلام والضياء والطول والقصر ﴿ وما أنزل الله من السماء من رزق ﴾ يعني المطر الذي هو سبب أرزاق العباد ﴿ فأحيا به ﴾ أي بالمطر ﴿ الأرض بعد موتها ﴾ أي بعد يبسها ﴿ وتصريف الرياح ﴾ أي في مهابها فمنها الصبا والدبور والشمال والجنوب ومنها الحارة والباردة وغير ذلك ﴿ آيات لقوم يعقلون ﴾.
فإن قلت ما وجه هذا الترتيب في قوله ﴿ لآيات للمؤمنين ﴾ و﴿ لقوم يوقنون ﴾ ﴿ ويعقلون ﴾.
قلت معناه إن المنصفين من العباد إذا نظروا في هذه الدلائل النظر الصحيح علموا أنها مصنوعة وأنه لا بد لها من صانع فآمنوا به وأقروا أنه الإله القادر على كل شيء، ثم إذا أمعنوا النظر ازدادوا إيقاناً وزال عنهم اللبس فحينئذٍ استحكم علمهم وعدوا في زمرة العقلاء الذين عقلوا عن الله مراده في أسرار كتابه.
﴿ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله ﴾ أي بعد كتاب الله ﴿ وآياته يؤمنون ﴾.
قوله تعالى :﴿ ويل لكل أفاك أثيم ﴾ أي كذاب صاحب إثم يعني النضر بن الحارث.
﴿ يسمع آيات الله ﴾ يعني القرآن ﴿ تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم ﴾.
﴿ وإذا علم من آياتنا شيئاً ﴾ يعني آيات القرآن ﴿ اتخذها هزوا ﴾ أي سخر منها ﴿ أولئك ﴾ إشارة إلى من هذه صفته ﴿ لهم عذاب مهين ﴾.
ثم وصفهم فقال تعالى :﴿ من ورائهم جهنم ﴾ يعني أمامهم جهنم وذلك جهنم، وذلك خزيهم في الدنيا ولهم في الآخرة النار ﴿ ولا يغني عنهم ما كسبوا ﴾ أي من الأموال ﴿ شيئاً ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ﴾ أي ولا يغني عنهم ما عبدوا من دون الله من الآلهة ﴿ ولهم عذاب عظيم ﴾.
﴿ هذا ﴾ يعني القرآن ﴿ هدى ﴾ أي هو هدى من الضلالة ﴿ والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ﴾.
عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ أي بعد كتاب الله وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ أي كذاب صاحب إثم يعني النضر بن الحارث يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ يعني القرآن تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً يعني آيات القرآن اتَّخَذَها هُزُواً أي سخر منها أُولئِكَ إشارة إلى من هذه صفته لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ثم وصفهم فقال تعالى: مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ يعني أمامهم جهنم وذلك جهنم وذلك خزيهم في الدنيا ولهم في الآخرة النار وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا أي من الأموال شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ أي ولا يغني عنهم ما عبدوا من دون الله من الآلهة وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ هذا يعني القرآن هُدىً أي هو هدى من الضلالة وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ.
[سورة الجاثية (٤٥): الآيات ١٢ الى ١٧]
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦)
وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧)
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي بسبب التجارة واستخراج منافعه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته على ذلك وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعني أنه تعالى خلقها ومنافعها فهي مسخرة لنا من حيث إنا ننتفع بها جَمِيعاً مِنْهُ قال ابن عباس: كل ذلك رحمه منه وقيل كل ذلك تفضل منه وإحسان إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
قوله عز وجل: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ أي لا يخافون وقائع الله ولا يبالون بمقته، قال ابن عباس: نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أن رجلا من بني غفار شتمه بمكة فهم عمر أن يبطش به فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يعفو عنه وقيل نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله هذه الآية ثم نسخها بآية القتال لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي من الأعمال ثم فسر ذلك فقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ.
قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ يعني التوراة وَالْحُكْمَ يعني معرفة أحكام الله وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي الحلالات وهو ما وسع عليهم في الدنيا وأورثهم أموال قوم فرعون وديارهم وأنزل عليهم المن والسلوى وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ أي على عالمي زمانهم، قال ابن عباس: لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله ولا أحب إليه منهم وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ أي بيان الحلال والحرام وقيل العلم ببعث محمد صلّى الله عليه وسلّم وما بين لهم من أمره فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ معناه التعجب من حالهم وذلك لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الاختلاف وهنا صار مجيء العلم سببا لحصول الاختلاف وذلك أنه لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم وإنما كان مقصودهم منه طلب الرياسة والتقدم ثم إنهم لما علموا عاندوا وأظهروا النزاع والحسد والاختلاف إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
﴿ وسخر لكم ما في السماوات والأرض ﴾ يعني أنه تعالى خلقها ومنافعها، فهي مسخرة لنا من حيث إنا ننتفع بها ﴿ جميعاً منه ﴾ قال ابن عباس : كل ذلك رحمة منه، وقيل كل ذلك تفضل منه وإحسان ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾.
قوله عز وجل :﴿ قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ﴾ أي لا يخافون وقائع الله ولا يبالون بمقته، قال ابن عباس : نزلت في عمر بن الخطاب، وذلك أن رجلاً من بني غفار شتمه بمكة فهم عمر أن يبطش به فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يعفو عنه، وقيل نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية ثم نسخها بآية القتال ﴿ ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون ﴾ أي من الأعمال.
قوله تعالى :﴿ ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب ﴾ يعني التوراة ﴿ والحكم ﴾ يعني معرفة أحكام الله ﴿ والنبوة ورزقناهم من الطيبات ﴾ أي الحلالات وهو ما وسع عليهم في الدنيا وأورثهم أموال قوم فرعون وديارهم وأنزل عليهم المن والسلوى ﴿ وفضلناهم على العالمين ﴾ أي على عالمي زمانهم، قال ابن عباس : لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله ولا أحب إليه منهم.
﴿ وآتيناهم بينات من الأمر ﴾ أي بيان الحلال والحرام، وقيل العلم ببعث محمد صلى الله عليه وسلم وما بين لهم من أمره ﴿ فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ﴾ معناه التعجب من حالهم، وذلك لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الاختلاف، وهنا صار مجيء العلم سبباً لحصول الاختلاف، وذلك أنه لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم، وإنما كان مقصودهم منه طلب الرياسة والتقدم، ثم إنهم لما علموا عاندوا وأظهروا النزاع والحسد والاختلاف ﴿ إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾.

[سورة الجاثية (٤٥): الآيات ١٨ الى ٢٣]

ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)
ثُمَّ جَعَلْناكَ يا محمد عَلى شَرِيعَةٍ أي على طريقة ومنهاج وسنة بعد موسى مِنَ الْأَمْرِ أي من الدين فَاتَّبِعْها أي اتبع شريعتك الثابتة وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يعني مراد الكافرين وذلك أنهم كانوا يقولون له أرجع إلى دين آبائك فإنهم كانوا أفضل منك قال الله تعالى: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئا إن اتبعت أهواءهم وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يعني إن الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا ولأولى لهم في الآخرة وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ أي هو ناصرهم في الدنيا ووليهم في الآخرة هذا يعني القرآن بَصائِرُ لِلنَّاسِ أي معالم للناس في الحدود والأحكام يبصرون به وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أي اكتسبوا المعاصي والكفر أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
نزلت في نفر من مشركي مكة قالوا للمؤمنين لئن كان ما تقولون حقا لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
معناه أحسبوا أن حياة الكافرين ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم سواء كلا والمعنى أن المؤمن مؤمن في محياه ومماته في الدنيا والآخرة والكافر كافر في محياه ومماته في الدنيا والآخرة وشتان ما بين الحالين في الحال والمآل ساءَ ما يَحْكُمُونَ
أي بئس ما يقضون قال مسروق قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري ولقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد ويبكي أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
الآية وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي بالعدل وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ومعنى الآية أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة ذلك لا يتم إلا في القيامة ليحصل التفاوت بين المحقين والمبطلين في الدرجات والدركات.
قوله عز وجل: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قال ابن عباس: اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه ولا يحرم ما حرم الله وقيل معناه اتخذ معبوده ما تهواه نفسه وذلك أن العرب كانت تعبد الحجارة والذهب والفضة فإذا رأوا شيئا أحسن من الأول رموا بالأول وكسروه وعبدوا الآخر وقيل إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ أي علما منه بعاقبة أمره وقيل على ما سبق في علم الله أنه ضال قبل أن يخلقه وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ أي فلم يسمع الهدى ولم يعقله بقلبه وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً يعني ظلمة فهو لا يبصر الهدى فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أي من بعد أن أضله الله أَفَلا تَذَكَّرُونَ قال الواحدي ليس يبقى للقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة لأن الله صرح بمنعه إياه عن الهدى حتى أخبر أنه ختم على سمعه وقلبه وبصره.
قال الله تعالى :﴿ إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً ﴾ أي لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئاً إن اتبعت أهواءهم ﴿ وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ﴾ يعني إن الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا ولا ولي لهم في الآخرة ﴿ والله ولي المتقين ﴾ أي هو ناصرهم في الدنيا ووليهم في الآخرة.
﴿ هذا ﴾ يعني القرآن ﴿ بصائر للناس ﴾ أي معالم للناس في الحدود والأحكام يبصرون به ﴿ وهدى ورحمة لقوم يوقنون ﴾.
﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ﴾ أي اكتسبوا المعاصي والكفر ﴿ أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ نزلت في نفر من مشركي مكة قالوا للمؤمنين لئن كان ما تقولون حقاً لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا ﴿ سواء محياهم ومماتهم ﴾ معناه أحسبوا أن حياة الكافرين ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم سواء، كلا، والمعنى أن المؤمن مؤمن في محياه ومماته في الدنيا والآخرة، والكافر كافر في محياه ومماته في الدنيا والآخرة وشتان ما بين الحالين في الحال والمآل ﴿ ساء ما يحكمون ﴾ أي بئس ما يقضون. قال مسروق قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري ولقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد ويبكي ﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ﴾ الآية.
﴿ وخلق ﴾ الله السماوات والأرض بالحق أي بالعدل ﴿ ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ﴾ ومعنى الآية أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة، ذلك لا يتم إلا في القيامة ليحصل التفاوت بين المحقين والمبطلين في الدرجات والدركات.
قوله عز وجل :﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ﴾ قال ابن عباس : اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئاً إلا ركبه ؛ لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه ولا يحرم ما حرم الله. وقيل معناه اتخذ معبوده ما تهواه نفسه، وذلك أن العرب كانت تعبد الحجارة والذهب والفضة فإذا رأوا شيئاً أحسن من الأول رموا بالأول وكسروه وعبدوا الآخر. وقيل إنما سمي هوى ؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار ﴿ وأضله الله على علم ﴾ أي علماً منه بعاقبة أمره. وقيل على ما سبق في علم الله أنه ضال قبل أن يخلقه ﴿ وختم على سمعه وقلبه ﴾ أي فلم يسمع الهدى ولم يعقله بقلبه ﴿ وجعل على بصره غشاوة ﴾ يعني ظلمة فهو لا يبصر الهدى ﴿ فمن يهديه من بعد الله ﴾ أي من بعد أن أضله الله ﴿ أفلا تذكرون ﴾ قال الواحدي ليس يبقى للقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة ؛ لأن الله صرح بمنعه إياه عن الهدى حتى أخبر أنه ختم على سمعه وقلبه وبصره.

[سورة الجاثية (٤٥): الآيات ٢٤ الى ٢٧]

وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧)
وَقالُوا يعني منكري البعث. ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا يعني ما الحياة إلا حياتنا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيا يعني يموت الآباء ويحيا الأبناء وقيل تقديره نحيا ونموت وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ يعني وما يفنينا إلا ممر الزمان واختلاف الليل والنهار وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ يعني لم يقولوه عن علم علموه إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الله عز وجل: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» وفي رواية «يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليلة ونهاره فإذا شئت قبضتهما» وفي رواية «يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار» ومعنى هذه الأحاديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل لأنهم كانوا ينسبون إلى الدهر ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد وسبوا فاعلها كان مرجع سبهم إلى الله تعالى إذا هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر لا الدهر فنهوا عن سبب الدهر قيل لهم لا تسبوا فاعل ذلك فإنه هو الله عز وجل والدهر متصرف فيه يقع به التأثير كما يقع بكم والله أعلم.
قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ معناه أن منكري البعث احتجوا بأن قالوا إن صح ذلك فأتوا بآبائنا الذين ماتوا ليشهدوا لنا بصحة البعث قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ يعني في ذلك اليوم يظهر خسران أصحاب الأباطيل وهم الكافرون يصيرون إلى النار.
[سورة الجاثية (٤٥): الآيات ٢٨ الى ٣٢]
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢)
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً أي باركة على الركب وهي جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء قال سلمان الفارسي إن في القيامة ساعة هي عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على الركب حتى إبراهيم ينادي ربه لا أسألك إلا نفسي كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا أي الذي فيه أعمالها ويقال لهم الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي من خير وشر هذا كِتابُنا يعني ديوان الحفظة.
فإن قلت كيف أضاف الكتاب إليهم أولا بقوله تُدْعى إِلى كِتابِهَا وإليه ثانيا بقوله هذا كِتابُنا.
قلت لا منافاة بينهما فإضافته إليهم لأنه كتاب أعمالهم وإضافته إليه لأنه تعالى هو آمر الحفظة بكتبه يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ أي يشهد عليكم ببيان شاف كأنه ينطق وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم وكتابتها وإثباتها عليكم وقيل نستنسخ أي نأخذ نسخته وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله منه ما كان له ثواب وعليه عقاب ويطرح منه اللغو نحو قولهم هلم واذهب، وقيل الاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم والاستنساخ لا
قوله تعالى :﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ﴾ معناه أن منكري البعث احتجوا بأن قالوا إن صح ذلك فأتوا بآبائنا الذين ماتوا ليشهدوا لنا بصحة البعث.
﴿ قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ﴾ يعني في ذلك اليوم يظهر خسران أصحاب الأباطيل وهم الكافرون يصيرون إلى النار.
﴿ وترى كل أمة جاثية ﴾ أي باركة على الركب وهي جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء. قال سلمان الفارسي إن في القيامة ساعة هي عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على الركب حتى إبراهيم ينادي ربه : لا أسألك إلا نفسي ﴿ كل أمة تدعى إلى كتابها ﴾ أي الذي فيه أعمالها ويقال لهم ﴿ اليوم تجزون ما كنتم تعملون ﴾ أي من خير وشر.
﴿ هذا كتابنا ﴾ يعني ديوان الحفظة.
فإن قلت كيف أضاف الكتاب إليهم أولاً بقوله ﴿ تدعى إلى كتابها ﴾ وإليه ثانياً بقوله ﴿ هذا كتابنا ﴾.
قلت لا منافاة بينهما فإضافته إليهم ؛ لأنه كتاب أعمالهم، وإضافته إليه ؛ لأنه تعالى هو آمر الحفظة بكتبه ﴿ ينطق عليكم بالحق ﴾ أي يشهد عليكم ببيان شاف كأنه ينطق. وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ﴿ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾ أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم وكتابتها وإثباتها عليكم. وقيل نستنسخ أي نأخذ نسخته وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله منه ما كان له ثواب وعليه عقاب ويطرح منه اللغو نحو قولهم هلم واذهب، وقيل الاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم والاستنساخ لا يكون إلا من أصل فينسخ كتاب من كتاب.
﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ﴾ أي جنته ﴿ ذلك هو الفوز المبين ﴾ أي الظفر الظاهر.
﴿ وأما الذين كفروا ﴾ أي يقال لهم ﴿ أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ﴾ يعني آيات القرآن ﴿ فاستكبرتم ﴾ أي عن الإيمان بها ﴿ وكنتم قوماً مجرمين ﴾ يعني كافرين منكرين.
قوله عز وجل :﴿ وإذا قيل إن وعد الله حق ﴾ أي البعث كائن ﴿ والساعة لا ريب فيها ﴾ أي لا شك في أنها كائنة ﴿ قلتم ما ندري ما الساعة ﴾ أي أنكرتموها وقلتم ﴿ إن نظن إلا ظناً ﴾ أي ما نعلم ذلك إلا حدساً وتوهماً ﴿ وما نحن بمستيقنين ﴾ أي إنها كائنة.
يكون إلا من أصل فينسخ كتاب من كتاب فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ أي جنته ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ أي الظفر الظاهر وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أي يقال لهم أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني آيات القرآن فَاسْتَكْبَرْتُمْ أي عن الإيمان بها وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ يعني كافرين منكرين قوله عز وجل:
وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي البعث كائن وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها أي لا شك في أنها كائنة قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ أي أنكرتموها وقلتم إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا أي ما نعلم ذلك إلا حدسا وتوهما وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ أي إنها كائنة.
[سورة الجاثية (٤٥): الآيات ٣٣ الى ٣٧]
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)
وَبَدا لَهُمْ أي في الآخرة سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا أي في الدنيا والمعنى بدا لهم جزاء سيئاتهم وَحاقَ بِهِمْ أي نزل بهم ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي تركتم الإيمان والعمل للقاء هذا اليوم وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ أي ما لكم من مانعين يمنعونكم من العذاب ذلِكُمْ أي هذا الجزاء بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا يعني حين قلتم لا بعث ولا حساب فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها أي من النار وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله والإيمان به لأنه لا يقبل ذلك اليوم عذر ولا توبة فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ معناه فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء من السموات والأرض والعالمين فإن مثل الربوبية والعامة توجب الحمد والثناء على كل حال وَلَهُ الْكِبْرِياءُ أي وكبروه فإن له الكبرياء والعظمة فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وحق لمثله أن يكبر ويعظم وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (م) عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «العز إزاره والكبرياء رداؤه» قال الله تعالى: «فمن ينازعني عذبته» لفظ مسلم وأخرجه البرقاني وأبو مسعود رضي الله عنهما يقول الله عز وجل:
«العز إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني شيئا منهما عذبته» ولأبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الله تعالى: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار».
(شرح غريب ألفاظ الحديث) قيل هذا الكلام خرج على ما تعتاده العرب في بديع استعاراتهم وذلك أنهم يكنون عن الصفة اللازمة بالثياب يقولون شعار فلان الزهد ولباسه التقوى فضرب الله عز وجل الإزار والرداء مثلا له في انفراده سبحانه وتعالى بصفة الكبرياء والعظمة، والمعنى أنهما ليسا كسائر الصفات التي يتصف بها بعض المخلوقين مجازا كالرحمة والكرم وغيرهما وشبههما بالإزار والرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ولأنه لا يشاركه في إزاره وردائه أحد فكذلك الله تعالى لا ينبغي أن يشاركه فيهما أحد لأنهما من صفاته اللازمة له المختصة به التي لا تليق بغيره والله أعلم.
﴿ وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ أي تركتم الإيمان والعمل للقاء هذا اليوم ﴿ ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ﴾ أي ما لكم من مانعين يمنعونكم من العذاب.
﴿ ذلكم ﴾ أي هذا الجزاء ﴿ بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا ﴾ يعني حين قلتم لا بعث ولا حساب ﴿ فاليوم لا يخرجون منها ﴾ أي من النار ﴿ ولا هم يستعتبون ﴾ أي لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله والإيمان به ؛ لأنه لا يقبل ذلك اليوم عذر ولا توبة.
﴿ فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ﴾ معناه فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء من السماوات والأرض والعالمين، فإن مثل هذه الربوبية العامة توجب الحمد والثناء على كل حال.
﴿ وله الكبرياء ﴾ أي وكبروه فإن له الكبرياء والعظمة ﴿ في السماوات والأرض ﴾ وحق لمثله أن يكبر ويعظم ﴿ وهو العزيز الحكيم ﴾ ( م ) عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «العز إزاره والكبرياء رداؤه » قال الله تعالى :«فمن ينازعني عذبته » لفظ مسلم وأخرجه البرقاني وأبو مسعود رضي الله عنهما يقول الله عز وجل :«العز إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني شيئاً منهما عذبته » ولأبي داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى :«الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار ».
( شرح غريب ألفاظ الحديث )
قيل هذا الكلام خرج على ما تعتاده العرب في بديع استعاراتهم وذلك أنهم يكنون عن الصفة اللازمة بالثياب يقولون شعار فلان الزهد ولباسه التقوى، فضرب الله عز وجل الإزار والرداء مثلاً له في انفراده سبحانه وتعالى بصفة الكبرياء والعظمة، والمعنى أنهما ليسا كسائر الصفات التي يتصف بها بعض المخلوقين مجازاً كالرحمة والكرم وغيرهما. وشبههما بالإزار والرداء ؛ لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ولأنه لا يشاركه في إزاره وردائه أحد، فكذلك الله تعالى لا ينبغي أن يشاركه فيهما أحد ؛ لأنهما من صفاته اللازمة له المختصة به التي لا تليق بغيره والله أعلم.
Icon