تفسير سورة التغابن

الدر المصون
تفسير سورة سورة التغابن من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون .
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿لَهُ الملك﴾ : مبتدأٌ وخبرٌ. وقدَّمَ الخبر ليفِيد اختصاصَ المُلْكِ والحمدِ بالله، إذ المُلْكُ والحمدُ لله حقيقةٌ.
قوله: ﴿صُوَرَكُمْ﴾ : قرأه العامَّةُ بضم الصادِ، وهو القياسُ في فُعْلَة. وقرأ زيدُ بن علي والأعمش وأبو زيد بكسرِها، وليس بقياسٍ، وهو عكسُ «لُحَى» بالضمِّ، والقياسُ لِحى بالكسر.
قوله: ﴿مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ : العامَّةُ على الخطابِ في الحرفَيْن. ورُوِي عن أبي عمروٍ وعاصمٍ بياء الغَيْبةِ، فتحتملُ الالتفاتَ وتحتملُ الإِخبارَ عن الغائبين.
قوله: ﴿بِأَنَّهُ﴾ : الهاءُ للشأنِ والحديثِ، و ﴿كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم﴾ خبرُها و «استغنى» بمعنى المجرَّد. وقال الزمخشري: «ظَهَر غِناه فالسين ليسَتْ للطلبِ».
347
قوله: ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ يجوزُ أَنْ يرتفعَ على الفاعلية، ويكونَ من الاشتغال، وهو الأرجحُ لأنَّ الأداةَ تطلبُ الفعلَ، وأن يكونَ مبتدأً وخبراً. وجُمع الضميرُ في «يَهْدوننا» إذ البشرُ اسمُ جنسٍ.
348
قوله: ﴿أَن لَّن يُبْعَثُواْ﴾ :«أنْ» مخففةٌ، لا ناصبةٌ لئلا يَدْخُلَ ناصبٌ على مثلِه، و «أنْ» وما في حَيِّزها سادَّةٌ مَسَدّ المفعولَيْنِ للزعمِ أو المفعول. و «بلى» إيجابٌ للنفي، و «لَتُبْعَثُنَّ». جوابُ قسم مقدرٍ.
قوله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ﴾ : منصوبٌ بقولِه: «لَتُنَبَّؤُنَّ» عند النحاس وب «خَبيرٌ» عند الحوفي، وب «اذكُر» مضمراً عند الزمخشري، فيكون مفعولاً به، وبما دَلَّ عليه الكلامُ، أي: تتفاوتون يومَ يجمعُكم، قاله أبو البقاء. والعامَّةُ بفتح الياءِ وضمِّ العين. ورُوِي سكونُها وإشمامُها عن أبي عمروٍ. وهذا منقولٌ عنه في الراء نحو ﴿يَنصُرُكُمْ﴾ [الملك: ٢٠] وبابِه كما تقدَّم في البقرة. وقرأ يعقوب وسلام وزيد بن علي والشعبي «نجمعكم» بنونِ العظمة.
348
والتَّغابُنُ: تفاعُلٌ من الغَبْن في البيعِ والشراءِ على الاستعارة وهو أَخْذُ الشيءِ بدون قيمتِه. وقيل: الغَبْنُ: الإِخفَاءُ ومنه: غَبْنُ البيعِ لاستخفائِه. والتفاعُل هنا من واحدٍ لا من اثنين ويقال: غَبَنْتُ الثوبَ وخَبَنْتُه، أي: أخَذْتُ ما طالَ منه مقدارِك فهو نقصٌ وإخفاءٌ. وفي التفسير: هو أن يكتسبَ الرجلُ مالاً مِنْ غيرِ وجهه، فَيَرِثَه غيرُه فيعملَ فيه بطاعةِ اللهِ، فيَدْخلَ الأولُ النارَ والثاني الجنةَ بذلك المالِ، فذلك هو الغَبْنُ البيِّنُ.
349
قوله: ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ : بالياءِ مجزوماً جواباً للشرط قراءة العامَّة. وابن جبير وابن هرمز وطلحة والأزرق بالنون والضحاك وأبو جعفر وأبو عبد الرحمن «يُهْدَ» مبنياً للمفعولِ «قلبُه» قائم مقامَ الفاعلِ. ومالك بن دينار وعمرو بن دينار «يَهْدَأْ» بهمزة ساكنة، «قلبُه» فاعلٌ به بمعنى يطمئنُّ ويَسْكُن. وعمرو بن فائد «يَهْدا» بألفٍ مبدلة من الهمزة كالتي قبلَها، ولم يَحْذِفْها نظراً إلى الأصل وهي أفصح اللغتين. وعكرمة ومالك بن دينار أيضاً يَهْدَ بحذفِ هذه الألفِ إجراءً لها مُجرى الألفِ الأصليةِ كقولِ زهير:
٤٢٧٠ - جَريءٌ متى يُظْلَمْ يُعاقِبْ بِظُلْمِه سريعاً وإنْ لا يُبْدَ بالظلمِ يُظْلَمِ
وقد تقدَّم إعرابُ ما قبلَ هذه الآيةِ وما بعدها.
قوله: ﴿خَيْراً لأَنفُسِكُمْ﴾ : فيه أوجهٌ، أحدها: وهو قولُ سيبويه أنه مفعولٌ بفعل مقدرٍ، أي: وَأْتُوا خيراً كقولِه: ﴿انتهوا خَيْراً لَّكُمْ﴾ [النساء: ١٧١]. الثاني: تقديرُه: يكنِ الإِنفاقُ خيراً، فهو خبرُ كان المضمرة، وهو قولُ أبي عبيد. الثالث: أنه نعتُ مصدرٍ محذوفٍ، وهو قولُ الكسائيِّ والفراء، أي: إنفاقاً خيراً. الرابع: أنه حالٌ وهو قولُ الكوفيين. الخامس: أنه مفعولٌ بقولِه: «أَنْفِقوا»، أي: أَنْفقوا مالاً خيراً. وقد تقدَّم الخلافُ في قراءةِ ﴿يُضَاعِفَهُ﴾ [الحديد: ١١] و ﴿يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ [الحشر: ٩].
Icon