تفسير سورة الطلاق

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الطلاق وهي مدنية في قول الجميع.

قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء﴾ فَإِن قيل: كَيفَ خَاطب النَّبِي وَحده فِي الِابْتِدَاء ثمَّ قَالَ: ﴿إِذا طلّقْتُم النِّسَاء﴾ ؟ وَالْجَوَاب من أوجه: أَحدهَا: أَن خطاب النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خطاب لأمته، مثل خطاب الرئيس يكون خطابا للأتباع وَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا أَيهَا النَّبِي والمؤمنون إِذا طلّقْتُم النِّسَاء.
وَالْجَوَاب الثَّانِي أَن قَوْله: ﴿إِذا طلّقْتُم النِّسَاء﴾ على تَحْويل الْخطاب إِلَى الْغَيْر مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم برِيح طيبَة وفرحوا بهَا..﴾.
وَالْجَوَاب الثَّالِث: أَن فِيهِ تَقْدِير مَحْذُوف، وَتَقْدِيره: يَا أَيهَا النَّبِي قل للْمُؤْمِنين إِذا طلّقْتُم النِّسَاء. وروى قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي طلق حَفْصَة، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: يَقُول لَك رَبك: رَاجعهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة، وَهِي من أَزوَاجك فِي الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿فطلقوهن لعدتهن﴾ مَعْنَاهُ: لزمان عدتهن وَهُوَ الطُّهْر، وَفِيه دَلِيل على أَن الْأَقْرَاء الَّتِي تنقض بهَا الْعدة هِيَ الْأَطْهَار، وَهَذَا قَول أهل الْحجاز. وَأما من قَالَ: إِن الْأَقْرَاء هِيَ الْحيض، قَالَ معنى قَوْله: ﴿لعدتهن﴾ أَي: ليعتددن مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا﴾ أَي: ليحزنوا، ذكره النّحاس، وَقَرَأَ فِي الشاذ: " فطلقوهن لقبل عدتهن " وَقيل: إِنَّهَا قِرَاءَة النَّبِي، فَمن قَالَ: إِن الْأَقْرَاء هِيَ الْحيض اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة، لِأَن هَذِه اللَّفْظَة تَقْتَضِي أَن يكون زمَان الطَّلَاق قبل
457
﴿وأحصوا الْعدة وَاتَّقوا الله ربكُم﴾ زمَان الْعدة، وَأَن زمَان الْعدة يتعقب زمَان الطَّلَاق.
وَأما من قَالَ: بِأَن الْأَقْرَاء هن الْأَطْهَار، قَالَ فَمَعْنَى قَوْله: " لقبل عدتهن " أَي: لوجه عدتهن؛ فَإِن قيل: إِن قبل الشَّيْء وَجهه، وَالْمرَاد فِي أول زمَان الطُّهْر، فَإِن قيل: أول زمَان الطُّهْر وَآخره وَاحِد فِي الطَّلَاق؛ فَلَيْسَ الْمَعْنى إِلَّا مَا ذكرنَا.
قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِك، بل الأولى أَن يُطلق فِي أول زمَان الطُّهْر إِذا أَرَادَ الطَّلَاق؛ لِأَنَّهُ إِذا أخر لم يَأْمَن أَن يُجَامِعهَا ثمَّ يُطلق، فَيكون قد طلق طَلَاق الْبِدْعَة.
وَقد رُوِيَ عَن عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَغَيره من التَّابِعين معنى قَوْله: ﴿لعدتهن﴾ أَي: طَاهِرا من غير جماع. وَقد ثَبت هَذَا اللَّفْظ عَن النَّبِي بِرِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته فِي حَال الْحيض، فَقَالَ لَهُ النَّبِي: " رَاجعهَا ثمَّ أمْسكهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر ثمَّ إِن شِئْت طَلقهَا طَاهِرا من غير جماع ". وَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء. وَفِي رِوَايَة: أَنه قَالَ لعمر: " مره فَلْيُرَاجِعهَا ". وَفِي رِوَايَة " ثمَّ إِذا طهرت إِن شَاءَ طَلقهَا طَاهِرا من غير جماع " وَلم يذكر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر. وَعَن أنس [و] ابْن سِيرِين أَنه قَالَ لِابْنِ عمر: " احتسبت بِتِلْكَ الطَّلقَة؟ قَالَ: نعم.
(وَفِي رِوَايَة: خَمْسَة). وَفِي رِوَايَة ثَالِثَة: قَالَ: نعم وَإِن عجزت واستحمقت.
وَقَوله: ﴿وأحصوا الْعدة﴾ هَذَا خطاب للأزواج، أَمرهم أَن يحصوا الْعدة ليعرفوا زمَان الرّجْعَة وَمُدَّة انقطاعها. وَيُقَال: ليعرفوا مُدَّة الْإِنْفَاق عَلَيْهِنَّ.
وَقَوله: ﴿وَاتَّقوا الله ربكُم﴾ يَعْنِي: طلقوا للسّنة، وَلَا تطلقوا للبدعة. وَيُقَال: اتَّقوا ربكُم فِي ترك إخراجهن من الْبيُوت، وَأما صفة طَلَاق السّنة فَهُوَ من حَيْثُ الْوَقْت أَن
458
﴿لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة﴾ يطلقهَا طَاهِرا من غير جماع، وَأما من حَيْثُ الْعدة، فمذهب مَالك وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَكثير من الْعلمَاء أَنه يكره الطَّلَاق ثَلَاثًا جملَة، وَالسّنة أَن يطلقهَا وَاحِدَة وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا، هَذِه هُوَ الأولى، قَالَه مَالك. وَإِن أَرَادَ أَن يُطلق ثَلَاثًا فرق على الْأَطْهَار، فيطلق لكل طهر طَلْقَة، وَأما مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَيْسَ فِي الْجمع والتفريق سنة وَلَا بِدعَة. وَقد ذكر الْأَصْحَاب الأولى أَن يُطلق وَاحِدَة وَإِن لم يكره الْجمع بَين الثَّلَاث، قَالُوا: وَهُوَ الْمَذْهَب. وَفِي الْآيَة دَلِيل (الشَّافِعِي) على قَوْله؛ لِأَن الله تَعَالَى أَبَاحَ الطَّلَاق بقوله: ﴿فطلقوهن لعدتهن﴾ مُطلقًا وَلم يفرق بَين أَن يُطلق وَاحِدَة أَو أَكثر مِنْهَا، وَلِأَن الله تَعَالَى بَين وَقت الطَّلَاق وَلم يبين عدده، وَالْآيَة وَردت لبَيَان الْمسنون من الطَّلَاق، فَلَو كَانَ فِي عدد الطَّلَاق سنة لم يُؤَخر بَيَانهَا.
وَقَوله: ﴿لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ﴾ أَي: فِي زمَان الْعدة، وَنسب الْبيُوت إلَيْهِنَّ لأجل السُّكْنَى.
وَقَوله: ﴿وَلَا يخْرجن﴾ أَي: لَا يخْرجن بِأَنْفُسِهِنَّ.
وَقَوله: ﴿إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة﴾ اخْتلف القَوْل فِي معنى الْفَاحِشَة هَاهُنَا، فأظهر الْأَقَاوِيل: أَنَّهَا الزِّنَا، وَهَذَا قَول ابْن مَسْعُود وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ قَول الْحسن وَالشعْبِيّ وَعِكْرِمَة و (حَمَّاد بن أبي سَلمَة) وَاللَّيْث وَجَمَاعَة كَثِيرَة، وَالْمرَاد من الْآيَة على هَذَا إِلَّا أَن تَزني فَتخرج لإِقَامَة الْحَد.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْفَاحِشَة هِيَ أَن تبذو على أَهلهَا، قَالَه ابْن عَبَّاس فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُقَال فِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " إِلَّا أَن يفحشن " وَهَذِه الْقِرَاءَة تقَوِّي هَذَا القَوْل. وَرُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت لفاطمة بنت قيس: اتقِي الله فَإنَّك تعلمين أَن
459
﴿وَتلك حُدُود الله وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا (١) فَإِذا بلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن بِمَعْرُوف أَو فارقوهن﴾ الرَّسُول أخرجك، يَعْنِي: من بَيت زَوجهَا، وَكَانَت تبذو بلسانها.
وَالْقَوْل الثَّالِث مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: الْفَاحِشَة نفس الْخُرُوج. وَهُوَ محكي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. فعلى هَذَا تَقْدِير الْآيَة إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة بخروجهن.
وَقَالَ بَعضهم: الْفَاحِشَة هَاهُنَا جَمِيع الْمعاصِي. وَأولى الْأَقَاوِيل هُوَ الأول لِكَثْرَة من قَالَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مُوَافق لقَوْله: ﴿واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة﴾ وَأَجْمعُوا على أَن المُرَاد بِهِ الزِّنَا.
وَقَوله: ﴿وَتلك حُدُود الله﴾ قَالَ السدى: هِيَ شُرُوط الله. وَيُقَال: شرع الله، وَقيل: أمره وَنَهْيه.
وَقَوله: ﴿وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه﴾ أَي: أهلك نَفسه وأوبقها.
وَقَوله: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا﴾ القَوْل الْمَعْرُوف فِي هَذَا أَنه الرَّغْبَة فِي الْمُرَاجَعَة، وَفِيه دَلِيل على أَن المُرَاد بقوله: ﴿فطلقوهن﴾ فِي ابْتِدَاء الْآيَة هُوَ الطَّلقَة والطلقتان دون الثَّلَاثَة، وَيُقَال: إِن المُرَاد مِنْهُ الْوَاحِدَة وَالثَّلَاث جَمِيعًا. قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا﴾ قَالَ: هُوَ النّسخ؛ وَمَعْنَاهُ: لَعَلَّ الله ينْسَخ هَذَا الحكم وَيَرْفَعهُ. وَقيل: هُوَ الرَّغْبَة فِي ابْتِدَاء النِّكَاح بعد زوج آخر.
460
وَقَوله: ﴿فَإِذا بلغن أَجلهنَّ﴾ أَي: قاربن بُلُوغ أَجلهنَّ، وَهُوَ انْقِضَاء الْعدة.
وَقَوله: ﴿فأمسكوهن بِمَعْرُوف﴾ أَي: راجعوهن بِمَعْرُوف، وَمَعْنَاهُ: على أَمر الله تَعَالَى. وَيُقَال: الْمَعْرُوف هَاهُنَا: هُوَ أَن يُرَاجِعهَا ليمسكها لَا أَن يُرَاجِعهَا فيطلقها، فَيطول الْعدة عَلَيْهَا على مَا كَانَ يَفْعَله أهل الْجَاهِلِيَّة.
وَقَوله: ﴿أَو فارقوهن بِمَعْرُوف﴾ مَعْنَاهُ: أَن يَتْرُكهَا لتنقضي الْعدة فَتَقَع الْفرْقَة. وَالْمَعْرُوف: هُوَ مَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ من إِيصَال حَقّهَا إِلَيْهَا من السُّكْنَى وَالنَّفقَة فِي
460
﴿بِمَعْرُوف وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله ذَلِكُم يوعظ بِهِ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا (٢) وَيَرْزقهُ من﴾ مَوضِع الْوُجُوب، وَيُقَال: بِمَعْرُوف أَي: من غير قصد مضارة.
قَوْله: ﴿وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم﴾ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْإِشْهَاد وَاجِب فِي الطَّلَاق وَالرَّجْعَة بِظَاهِر الْآيَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْإِشْهَاد يجب فِي الرّجْعَة وَلَا يجب فِي الْمُفَارقَة وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ قَول طَاوس من التَّابِعين.
وَالْقَوْل (الثَّانِي) : أَنه ينْدب إِلَى الْإِشْهَاد فِي الرّجْعَة، وَلَا يجب، وَعَلِيهِ أَكثر أهل الْعلم، وَهُوَ قَول آخر الشَّافِعِي رَحمَه الله عَلَيْهِ.
وَأما الْعدْل هُوَ مُسْتَقِيم الْحَال فِي معاملات الشَّرْع وأوامره. وَقَالَ مَنْصُور: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن الْعدْل فَقَالَ: هُوَ الَّذِي لم يظْهر فِيهِ رِيبَة.
وَقَوله: ﴿وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله﴾ هُوَ خطاب للشهداء بأَدَاء الشَّهَادَات على وجوهها.
وَقَوله: ﴿ذَلِكُم يوعظ بِهِ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾
وَقَوله: ﴿وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: من كل أَمر ضَاقَ على النَّاس. وَعنهُ قَالَ: إِذا اتَّقى الله فِي الطَّلَاق على وَجه السّنة بِأَن طلق وَاحِدَة، جعل لَهُ مخرجا مِنْهُ فِي جَوَاز الرّجْعَة وَرُوِيَ أَن رجلا أَتَاهُ وَقَالَ: إِن عمي طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فَهَل لَهُ مخرج؟ فَقَالَ: إِن عمك عصى الله فأثم، وأطاع الشَّيْطَان فَلم يَجْعَل لَهُ مخرجا. وَفِي بعض الْأَخْبَار بِرِوَايَة ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي قَالَ فِي قَوْله: " ﴿وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا﴾ قَالَ: " من غموم الدُّنْيَا وغمرات الْمَوْت وشدائد الْآخِرَة ".
461
وَقَوله: ﴿وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب﴾ أَي: من حَيْثُ لَا يَرْجُو وَلَا يأمل، وَقيل:
461
﴿حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه إِن الله بَالغ أمره قد جعل الله لكل شَيْء قدرا (٣) واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم﴾ يقنعه بِمَا رزقه. وَفِي التَّفْسِير: " أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ أسر ابْنه، فجَاء إِلَى النَّبِي يشكو إِلَيْهِ فَقَالَ: " اصبر وَاتَّقِ الله " فَرجع، ثمَّ إِن الْعَدو غفلوا عَن ابْنه، مرّة، فهرب مِنْهُم وسَاق مَعَ نَفسه إبِلا وَرجع إِلَى أَبِيه وَجَاء بِالْإِبِلِ، فَأتى النَّبِي وَأخْبرهُ بذلك، وَسَأَلَهُ عَمَّا سَاقه إِلَيْهِ ابْنه هَل يحل لَهُ ذَلِك؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة " فَالْمَعْنى بقوله: ﴿وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب﴾ هُوَ مَا جَاءَ بِهِ ابْن عَوْف ابْن مَالك إِلَى أَبِيه من الْإِبِل.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه﴾ أَي: يَثِق بِاللَّه ويفوض أمره إِلَيْهِ: وَيُقَال: التَّوَكُّل على الله هُوَ الرِّضَا بِقَضَائِهِ. وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من انْقَطع إِلَى الله كَفاهُ الله كل مُؤنَة، وَمن انْقَطع إِلَى الْخلق وَكله إِلَيْهِم ".
وَقَوله: ﴿إِن الله بَالغ أمره﴾ أَي: كل مَا يُريدهُ فِي خلقه.
وَقَوله: ﴿قد جعل الله لكل شَيْء قدرا﴾ أَي: مِقْدَارًا وأجلا يَنْتَهِي إِلَيْهِ.
462
قَوْله تَعَالَى: ﴿واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم﴾ الْآيَة مشكلة لقَوْله: ﴿إِن ارتبتم﴾ وَاخْتلفت الْأَقْوَال فِي قَوْله: ﴿إِن ارتبتم﴾ أظهر الْأَقَاوِيل: أَن الله تَعَالَى لما بَين عدَّة ذَوَات الْأَقْرَاء قَالَ جمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله قد عرفنَا عدَّة ذَوَات
462
﴿إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ﴾ الْأَقْرَاء، فَكيف عدَّة الآيسات والصغائر وَذَوَات الْأَحْمَال؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿إِن ارتبتم﴾ خطاب لأولئك الْجَمَاعَة أَي: شَكَكْتُمْ فِي عدتهن فَلم تعرفوها. وَفِي بعض التفاسير: أم معَاذ بن جبل سَأَلَ رَسُول الله عَن ذَلِك. وَعَن بَعضهم: أَن أبي بن كَعْب سَأَلَ رَسُول الله عَن ذَلِك.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن ارتبتم﴾ أَي: لم تعرفوا أَنَّهَا تحيض، أَو لَا تحيض وَذَلِكَ فِي الْمَرْأَة الشَّابَّة إِذا ارْتَفع حَيْضهَا لعِلَّة. قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: تنْتَظر سَبْعَة أشهر، فَإِن لم تَرَ الْحيض اعْتدت بِثَلَاثَة أشهر، وَهَذَا قَول مَالك، وَحكي عَن مُجَاهِد نَحْو مَا ذكرنَا.
وَالْقَوْل الثَّالِث أَن قَوْله: ﴿إِن ارتبتم﴾ رَاجع إِلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن﴾ وَالْمعْنَى إِن ارتبتم فِي انْقِضَاء عدتهَا فَلَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن، ذكره النّحاس. وَأما الآيسة فَهِيَ الَّتِي لَا ترى أَمْثَالهَا الْحيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر. وعَلى مَذْهَب أَكثر الْعلمَاء أَن الشَّابَّة وَإِن ارْتَفع حَيْضهَا لعِلَّة لَا تَنْقَضِي عدتهَا بالشهور مَا لم تيئس، قَالُوا: وَلَو شَاءَ الله لابتلاها بِأَكْثَرَ من ذَلِك.
وَقَوله: ﴿واللائي لم يحضن﴾ هن الصَّغَائِر.
وَقَوله: ﴿وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ﴾ هَذَا الحكم مُتَّفق عَلَيْهِ فِي المطلقات الْحَوَامِل، فَأَما الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا اخْتلف الصَّحَابَة فِي ذَلِك، فَقَالَ عَليّ وَابْن عَبَّاس: إِن عدتهَا أبعد الْأَجَليْنِ. وَقَالَ عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة: إِن عدتهَا بِوَضْع الْحمل، وَهَذَا هُوَ القَوْل الْمُخْتَار. وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: نزلت سُورَة
463
﴿وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا (٤) ذَلِك أَمر الله أنزلهُ إِلَيْكُم وَمن يتق الله يكفر عَنهُ سيئاته ويعظم لَهُ أجرا (٥) أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من﴾ النِّسَاء القصوى بعد قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا﴾ فقد نقل ابْن مَسْعُود نسخ تِلْكَ الْآيَة بِهَذِهِ الْآيَة. وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه قَالَ: هَذِه الْآيَة ناسخة لتِلْك الْآيَة. وَرُوِيَ أَن أَبَا هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس اخْتلفَا فِي هَذِه (الْمَسْأَلَة)، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: تَعْتَد بأبعد الْأَجَليْنِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: تَعْتَد بِوَضْع الْحمل؛ فَبعث ابْن عَبَّاس كريبا مَوْلَاهُ إِلَى أم سَلمَة يسْأَلهَا عَن ذَلِك، فروت أَن سبيعة الأسْلَمِيَّة توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل فَوضعت لنصف شهر؛ فَسَأَلت رَسُول الله عَن ذَلِك فَقَالَ: " حللت للأزواج ". وَهَذَا خبر صَحِيح.
وَقَوله: ﴿وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا﴾ أَي: يتق الله فِي أَمر الطَّلَاق فيطلب للسّنة.
وَقَوله: ﴿يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا﴾ أَي: الرّجْعَة (وَقَالَ بَعضهم) :" وَمن يتق الله " أَي: يحذر من الْمعاصِي وَيعْمل بالطاعات " يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا " أَي: يوفقه ويسدده وييسر عَلَيْهِ الْأُمُور.
464
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك أَمر الله أنزلهُ إِلَيْكُم﴾ أَي: مَا تقدم من الْأَمر وَالنَّهْي فِي الطَّلَاق وَأَحْكَامه.
وَقَوله: ﴿وَمن يتق الله يكفر عَنهُ سيئاته ويعظم لَهُ أجرا﴾ أَي: فِي الْقِيَامَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من وجدكم﴾ اخْتلف الْعلمَاء فِي وجوب السُّكْنَى للمبتوتة مَعَ اتِّفَاقهم أَنَّهَا وَاجِبَة للرجعية؛ فمذهب الشَّافِعِي: أَن السُّكْنَى وَاجِبَة لَهَا دون النَّفَقَة إِلَّا الْحَامِل تجب لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى، وَهُوَ قَول مَالك.
464
﴿وجدكم وَلَا تضاروهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ﴾ وَمذهب أَحْمد وَجَمَاعَة: أَن السُّكْنَى وَالنَّفقَة غير واجبين للمبتوتة لحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس.
وَمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله: أَنَّهُمَا واجبتان.
وَقَوله: ﴿من وجدكم﴾ أَي: من سعتكم. وَقَالَ الْفراء: مِمَّا تَجِدُونَ. وَقَرَأَ الْأَعْرَج: " من وجدكم " وَهُوَ لحن لِأَن الوجد من الوجد من الْجدّة، وَالْجد من الْحزن والحث والعطف، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه.
وَقَالَ: ﴿وَلَا تضاروهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ﴾ قَالَ مَنْصُور عَن [أبي] الضُّحَى: المضارة هُوَ أَن يرجعها حِين تشرف على انْقِضَاء الْعدة من غير رَغْبَة لطول عَلَيْهَا الْعدة. وَيُقَال: [إِن] المُرَاد من المضارة هَاهُنَا هُوَ المضارة فِي الْمنزل وَالسُّكْنَى، قَالَه مُجَاهِد.
وَقَوله: ﴿وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ﴾
من لم يُوجب النَّفَقَة للمبتوتة الْحَامِل اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى: شَرط فِي وجوب النَّفَقَة للمبتوتات أَن يكن حوامل. وَمن أوجب النَّفَقَة لَهُنَّ قَالَ: قَوْله: ﴿وَلَا تضاروهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ﴾ أَي: فِي ترك الْإِنْفَاق على الْعُمُوم فِي المبتوتات.
وَقَوله: ﴿وَإِن كن أولات حمل﴾ تَخْصِيص بعض مَا تنَاوله اللَّفْظ الأول بِالذكر مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجِبْرِيل وميكال﴾ بعد ذكر الْمَلَائِكَة. قَالَ بَعضهم: الْآيَة لبَيَان مُدَّة النَّفَقَة يَعْنِي: أَن النَّفَقَة تجب للحامل وَإِن طَالَتْ مُدَّة حملهَا إِلَى أَن تضع الْحمل.
وَقَوله: ﴿فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ﴾ أَي: الْأُم إِذا أرضعت بعد الطَّلَاق
465
﴿وأتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف وَإِن تعاسرتم فسترضع لَهُ أُخْرَى (٦) لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا﴾ يؤتيها الْأَب أجرهَا.
وَقَوله: ﴿وأتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف﴾ أَي: لينفق الْوَالِد والوالدة على مَا هُوَ الأنفع للصَّبِيّ، فَلَا تمْتَنع الوالدة من الْإِرْضَاع، وَلَا يمْتَنع الْأَب من إِعْطَاء الْأجر. قَالَ السدى: " وأنتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف " أَي: تشاوروا بَيْنكُم بِالْمَعْرُوفِ. وَهُوَ قَول ضَعِيف. وَقَالَ الْمبرد: ليأمر بَعْضكُم بَعْضًا بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَوله: ﴿وَإِن تعاسرتم﴾ أَي: تضايقتم وتنازعتم فِي الْأجر.
وَقَوله: ﴿فسترضع لَهُ أُخْرَى﴾ أَي: إِذا لم ترض الْأُم بِأَجْر الْمثل وَطلبت أَكثر مِنْهُ يسلم الْوَلَد إِلَى غَيرهَا لترضع بِأَجْر الْمثل.
وَقَوله: ﴿فسترضع لَهُ أُخْرَى﴾ خبر بِمَعْنى الْأَمر أَي: لترضع، مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ﴾.
466
وَقَوله: ﴿لينفق ذُو سَعَة من سعته﴾ أَي: بِمِقْدَار سعته، وَهُوَ حث على التَّوَسُّع فِي النَّفَقَة لمن وسع الله عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه﴾ أَي: ضيق عَلَيْهِ رزقه، وَلم يكن لَهُ إِلَّا الْقُوت وَمَا يُشبههُ وَهُوَ قَوْله: ﴿فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله﴾ أَي: على قدر ذَلِك. وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع أَن أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح يلبس الثَّوْب الخشن، وَيَأْكُل الطَّعَام (الجشب)، فَبعث إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار من بَيت المَال، وَأمر الرَّسُول أَن يتعرف حَاله بعد ذَلِك، فتوسع وَأكل الطّيب من الطَّعَام، وَلبس اللين من الثِّيَاب، فَرجع الرَّسُول فَأخْبر عمر بذلك فَقَالَ: إِنَّه تَأَول قَوْله تَعَالَى: ﴿لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله﴾ ذكره الْقفال فِي تَفْسِيره.
وَقَوله: ﴿لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا آتاها﴾
466
﴿آتاها سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا (٧) وكأين من قَرْيَة عَتَتْ عَن أَمر رَبهَا وَرُسُله فحاسبناها حسابا شَدِيدا وعذبناها عذَابا نكرا (٨) فذاقت وبال أمرهَا وَكَانَ عَاقِبَة أمرهَا خسرا (٩) أعد الله لَهُم عذَابا شَدِيدا فَاتَّقُوا الله يَا أولي الْأَلْبَاب الَّذين آمنُوا قد أنزل الله إِلَيْكُم ذكرا (١٠) رَسُولا يَتْلُوا عَلَيْكُم﴾
وَقَوله: ﴿سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا﴾ أَي: بعد ضيق سَعَة، وَبعد فقر غنى. قَالَ أهل التَّفْسِير: أَرَادَ بِهِ أَصْحَاب رَسُول الله كَانُوا فِي ضيق، ثمَّ وسع الله عَلَيْهِم.
467
قَوْله تَعَالَى: ﴿وكأين من قَرْيَة عَتَتْ عَن أَمر رَبهَا وَرُسُله﴾ أَي: عتى أَهلهَا عَن أَمر رَبهَا، والعتو هُوَ الْمُبَالغَة فِي الْعِصْيَان. وَعَن ابْن عَبَّاس: أَن الله تَعَالَى لم ينزل قَطْرَة من السَّمَاء إِلَّا بِوَزْن مَعْلُوم إِلَّا فِي زمَان نوح، وَلَا يُرْسل ريحًا إِلَّا بكيل مَعْلُوم إِلَّا فِي زمَان عَاد، فَإِنَّهَا عَتَتْ على خزانها.
وَقَوله: ﴿فحاسبناها حسابا شَدِيدا﴾ الْحساب الشَّديد هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ عَفْو وَلَا تجَاوز.
وَقَوله: ﴿وعذبناها عذَابا نكرا﴾ أَي: يُنكر، وَالْمُنكر: الفظيع.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فذاقت وبال أمرهَا﴾ أَي: عَاقِبَة أمرهَا من الْمَكْرُوه، وَيُقَال: طَعَام وبيل أَي: مَكْرُوه، وَهُوَ ضد الهنيء من الطَّعَام. وَيَقُول: الوبيل من الطَّعَام: هُوَ الَّذِي تُؤدِّي عاقبته إِلَى الْهَلَاك.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ عَاقِبَة أمرهَا خسرا﴾ أَي: هَلَاكًا، وَقيل: نُقْصَانا.
وَقَوله تَعَالَى ﴿أعد الله لَهُم عذَابا شَدِيدا﴾ وَهُوَ النَّار.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا الله يَا أولي الْأَلْبَاب﴾ أَي: أولي الْعُقُول الَّذين آمنُوا، وَهَذَا يدل على أَن الْعقل إِنَّمَا ينفع مَعَ الْإِيمَان، وَأما بِدُونِ الْإِيمَان لَا ينفع.
467
﴿آيَات الله مبينات ليخرج الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وَمن يُؤمن بِاللَّه وَيعْمل صَالحا يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا أبدا قد أحسن الله لَهُ رزقا (١١) الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن﴾
وَقَوله: ﴿قد أنزل الله إِلَيْكُم ذكرا رَسُولا﴾ فِيهِ وُجُوه: أَحدهَا: أنزل إِلَيْكُم ذكرا أَي: دَلِيلا، وَأنزل رَسُولا. وَيُقَال: الذّكر: الْقُرْآن،
468
وَقَوله: ﴿رَسُولا﴾ مَنْصُوب على الْبَدَل. وَقيل: " رَسُولا " أَي: رِسَالَة. فَمَعْنَاه: أنزل قُرْآنًا رِسَالَة.
وَقَوله: ﴿يَتْلُو﴾ يُقَال: هُوَ مُحَمَّد، (وَيُقَال) : هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَوله: ﴿عَلَيْكُم آيَات مبينات﴾ أَي: واضحات.
وَقَوله: ﴿ليخرج الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات من الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ أَي: من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان، وَمن الْبَاطِل إِلَى الْحق، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَقَوله: ﴿وَمن يُؤمن بِاللَّه وَيعْمل صَالحا يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا أبدا قد أحسن الله لَهُ رزقا﴾ أَي: الْجنَّة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ﴾ لَيْسَ فِي الْقُرْآن آيَة تدل على عدد الْأَرْضين بِسبع مثل عدد السَّمَوَات سوى هَذِه الْآيَة، وَقد ثَبت أَيْضا عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من غصب شبْرًا من أَرض طوقه الله من سبعين أَرضين ".
وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: سبع سموات بَعْضهَا فَوق بعض، وَسبع أَرضين بَعْضهَا تَحت بعض، وَبَين كل سَمَاء وسماء مسيرَة خَمْسمِائَة سنة، وَكَذَلِكَ بَين كل أَرض وَأَرْض. وَعنهُ أَنه قَالَ: خلق السَّمَاء الدُّنْيَا من موج مكفوف، وَالسَّمَاء الثَّانِيَة من صَخْرَة، وَالسَّمَاء الثَّالِثَة من حَدِيد، وَالرَّابِعَة من نُحَاس، وَالْخَامِسَة من فضَّة، وَالسَّادِسَة
468
﴿الأَرْض مِثْلهنَّ يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شَيْء قدير وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شَيْء علما (١٢) ﴾ من ذهب، وَالسَّابِعَة من درة، وَخلق الْكُرْسِيّ فَوق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي جنب الْكُرْسِيّ كحلقة فِي فلاة وَيحمل الْكُرْسِيّ أَرْبَعَة أَمْلَاك لكل ملك أَرْبَعَة أوجه، وَجه على صُورَة الْآدَمِيّين يسْأَل الرزق للبشر، وَوجه على صُورَة سيد السبَاع وَهُوَ الْأسد يسْأَل الرزق للسباع، وَوجه على صُورَة سيد الطير وَهُوَ النسْر يسْأَل الرزق للطيور. وَوجه على صُورَة سيد الْأَنْعَام وَهُوَ الثور يسْأَل الرزق للأنعام.
قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا زَالَت على وَجهه الَّذِي هُوَ على صُورَة الثور عِمَامَة مُنْذُ عبد الْعجل من دون الله، فملكان يَقُولَانِ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد على حملك بعد علمك، وملكان يَقُولَانِ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد على عفوك بعد قدرتك.
وَعنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: فِي كل ارْض آدم كآدم أبي الْبشر، ونوح مثل نوح، وَإِبْرَاهِيم كإبراهيم، ومُوسَى كموسى، وَعِيسَى كعيسى، وَمُحَمّد كمحمد. ذكر هَذِه الْآثَار عَن ابْن عَبَّاس أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن النقاش فِي تَفْسِيره. وَعَن قَتَادَة قَالَ: فِي كل سَمَاء وَفِي كل أَرض خلق من خلقه، وَأمر من أمره، وَقَضَاء من قَضَائِهِ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ﴾ أَي: بَين السَّمَوَات وَالْأَرضين، وَهُوَ معنى مَا بَينا.
وَقَوله: ﴿لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شَيْء قدير﴾ أَي: قَادر.
وَقَوله: ﴿وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شَيْء علما﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَهُوَ مَنْصُوب على (التَّفْسِير)، وَالله أعلم.
469

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك تبتغي مرضات أَزوَاجك وَالله غَفُور رَحِيم (١) ﴾
تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم
وَهِي مَدَنِيَّة
470
Icon