تفسير سورة الأنفال

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة الأنفال مدنية، أو مدنية إلا سبع آيات ﴿ وإذ يمكر بك ﴾ إلى آخر السبع [ ٣٠ - ٣٦ ] لما سألوا عن الأنفال يوم بدر نزلت.

١ - ﴿الأَنفَالِ﴾ الغنائم، أو [أنفال] السرايا التي تتقدم أمير الجيش، أو ما شذْ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو دابة، أو خمس الفيء والغنائم الذي لأهل الخمس، أو الزيادة يزيدها الإمام لبعض الجيش لما يراه من الصلاح، والنفل: العطية، والنوفل: الكثير العطايا، أو النفل: الزيادة من الخير ومنه صلاة النافلة، سألوا عن الأنفال لجهلهم بِحِلها لأنها كانت حراماً على الأمم فنزلت، أو نزلت فيمن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار [واختلفوا] وكانوا
522
أثلاثاً فملكها الله - تعالى - رسوله ﷺ فقسمها كما أراه، أو لما قتل سعد بن أبي وقاص سعيد بن أبي العاص يوم بدر وأخذ سيفه وقال: / للرسول ﷺ هبه لي فقال: اطرحه في القبض فشقّ عليه فنزلت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهب فخذ سيفك، أو قال الرسول ﷺ يوم بدر مَن صنع كذا فله كذا وكذا فسارع الشبان
523
وبقي الشيوخ تحت الرايات فلما فُتح عليهم طلبوا ما جعل لهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءاً لكم، فنزلت، وهي محكمة، أو منسوخة بقوله - تعالى - ﴿واعلموا أن ما غنمتم﴾ [٤١] ﴿الأنفال لله﴾ مع الدنيا والآخرة وللرسول ﷺ يضعها حيث أُمر. ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ برد أهل القوة على أهل الضعف، أو بالتسليم لله - تعالى - ورسوله ﷺ ليحكما في الغنيمة بما شاءا. ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون (٢) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (٣) أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (٤) ﴾
524
٢ - ﴿وَجِلَتْ﴾ خافت، أو رقت. ﴿إِيمَاناً﴾ تصديقاً، أو خشية. ﴿كمآ أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون (٥) يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (٦) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين (٧) ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون (٨) ﴾
٥ - ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ﴾ بمكة إلى المدينة مع كراهية فريق
524
من المؤمنين، كذلك ينجز نصرك، أو من بيتك بالمدينة إلى بدر كذلك جعل لك غنيمة بدر، ﴿بِالْحَقِّ﴾ ومعك الحق، أو بالحق الذي وجب عليك. ﴿لَكَارِهُونَ﴾ خروجك، أو صرف الغنيمة عنهم، لأنهم لم يعلموا أن الله - تعالى - جعله لرسوله ﷺ دونهم.
525
٦ - ﴿يجادلونك﴾ بعض المؤمنين خرجوا لطلب العيرففاتهم فأمروا بالقتال فقالوا: ما تأهَّبنا للقاء العدو، فجادلوا بذلك طلباً للرخصة، أو المجادل المشركون قاله ابن زيد. ﴿فِى الْحَقِّ﴾ القتال يوم بدر.
٧ - ﴿إِحْدَى الطَّآئِفَتَيْنِ﴾ عِير أبي سفيان أو قريش الذين خرجوا لمنعها. ﴿الشَّوْكَةِ﴾ كنى بها عن الحرب، وهي الشدة لما في الحرب من الشدة، أو الشوكة من قولهم: رجل شاكٍ في السلاح. ﴿يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ يظهر الحق بإعزاز الدين بما تقدّم من وعده، أو يحق الحق في أمره بالجهاد، نزلت هذه الآية قبل قوله ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بيتك﴾ [٥] قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه - ((فقيل للرسول ﷺ يوم بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء فقال: العباس وهو أسير - ليس لك ذلك، قال / لمَ؟ قال: لأن الله - تعالى - وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك)). {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (٩) وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله
525
عزيز حكيم (١٠) }
526
٩ - ﴿تَسْتَغِيثُونَ﴾ تستنصرون، أو تستجيرون، فالمستجير: طالب الخلاص، والمستنصر: طالب الظفر، والمستغيث: المسلوب القدرة، والمستعين: الضعيف القدرة. ﴿فاستجاب لكم﴾ أغاثكم، الاستجابة ماتقدمها امتناع، والإجابة مالم يتقدمها امتناع وكلاهما بعد السؤال. ﴿مُرْدِفِينَ﴾ مع كل ملك ملك فهم ألفان، أو متتابعين، أو ممدين للمسلمين، والإرداف: الإمداد.
١٠ - / ﴿إلا بشرى﴾ الإمداد هو البشرى، أوبشرتهم الملائكة بالنصر فكانت هي البشرى المذكورة، وقاتلوا مع الرسول ﷺ أو نزلوا بالبشرى ولم يقاتلوا، ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ لا من الملائكة. ﴿إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيكان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام (١١) إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان (١٢) ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب (١٣) ذالكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار (١٤) ﴾
١١ - ﴿النعاس﴾ غشيهم النعاس ببدر فهوم الرسول ﷺ وكثير من أصحابه - رضي الله تعالى عنهم - فناموا، فبشر جبريل - عليه السلام - الرسول ﷺ بالنصر، فأخبر به أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - مَنَّ عليهم به لما فيه من زوال رعبهم، والأمن مُنيم والخوف مُسهر، أو منَّ به لما فيه
526
من الاستراحة للقتال من الغد. والنعاس محل الرأس مع حياة القلب، والنوم يحل القلب بعد نزوله من الرأس قاله سهل بن عبد الله التستري. ﴿أمنة) من العدو، أومن الله تعالى، والأمنة: الدعة وسكون النفس. {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ لتلبيد الرمل ويطهرهم من وساوس الشيطان التي أرعبهم بها أو من الأحداث والأنجاس التي أصابتهم قاله الجمهور، أنزل ماء طهر به ظواهرهم، ورحمة نَوَّر بها سرائرهم قاله ابن عطاء، ووصفه بالتطهير، لأنها أخص أوصافه وألزمها. ﴿رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ [قوله] : إن المشركين قد غلبوهم على الماء، أو قوله: ليس لكم بهؤلاء طاقة. ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ لتلبيده الرمل الذي لا يثبت عليه قدم، أو بالنصر الذي أفرغه عليهم حتى يثبتوا لعدوهم.
527
١٢ - ﴿إني معكم﴾ معينكم. ﴿فثبتوا الذين آمنوا﴾ بحضوركم الحرب، أو بقتالكم يوم بدر، أو بقولكم لا بأس عليكم من عدوكم. ﴿سَأُلْقَى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ﴾ قال ذلك للملائكة إعانة لهم، أو ليثبتوا به المؤمنين. ﴿فَوْقَ الأَعْنَاقِ﴾ فوق صلة، أو الرؤوس التي فوق الأعناق أو على الأعناق، أو أعلى الأعناق، أو جلدة الأعناق. ﴿بَنَانٍ﴾ مفاصل أطراف الأيدي والأرجل، والبنان أطراف أصابع اليدين والرجلين. {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (١٥) ومن يولهم
527
يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (١٦) }
528
١٥ - ﴿زَحْفاً﴾ الدنو قليلاً قليلاً. ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ﴾ ولا تنهزموا، عام في كل مسلم لاقى العدو، أو خاص بأهل بدر، ولزمهم في أول الإسلام أن لا ينهزم المسلم عن عشرة بقوله - تعالى - ﴿إن يكن منكم عشرون﴾ إلى قوله - تعالى - ﴿لا يفقهون﴾ [٦٥] ما فرض الله - تعالى - عليهم من الإسلام، أو لا يعلمون ما فرض عليهم من القتال، فلما كثروا واشتدت شوكتهم نسخ ذلك بقوله - تعال -: ﴿الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ [وعلم أن فيكم] ضعفا﴾ [٦٦] و ﴿ضَعْفاً﴾ واحد، أو بالفتح في الأموال وبالضم في الأحوال، أو بالضم في النيات وبالفتح في الأبدان، أو بالعكس فيهما. ﴿مَعَ الصَّابِرينَ﴾ على القتال بإعانتهم على أعدائهم / أو الصابرين على الطاعة بإجزال ثوابهم.
١٦ - ﴿بَآءَ بِغَضَبٍ﴾ بالمكان الذي استحق به الغضب، من المبوأ وهو المكان. ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم (١٧) ذالكم وأن الله موهن كيد الكافرين (١٨) ﴾
١٧ - ﴿وما رميت﴾ أخذ الرسول ﷺ قبضة من تراب يوم بدر فرماهم بها، وقال شاهت الوجوه، فألقى الله - تعالى - القبضة في أبصارهم فشغلوا بأنفسهم وأظهر الله - تعالى - المسلمين عليهم فذلك قوله - تعالى -: {وَمَا
528
رَمَيْتَ}، أو ما ظفرت إذ رميت ولكن الله - تعالى - أظفرك، أو ﴿وَمَا رَمَيْتَ﴾ قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب ولكن الله - تعالى - ملأ قلوبهم رعبا، أو وما رمي أصحابك بالسهام ولكن الله رمى بإعانة الريح لسهامهم حتى تسددت وأصابت أضاف رميهم إليه لأنهم رموا عنه ﴿بَلآءً حَسَناً﴾ الإنعام بالظفر والغنيمة. ﴿إِن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين (١٩) ﴾
529
١٩ - ﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ) أيها المشركون تستقضوا {فَقَدْ جَآءَكُمُ﴾ قضاؤنا بنصر الرسول ﷺ عليكم. أو الفتح: النصر، فقد جاء نصر الرسول ﷺ عليكم، قالوا يوم بدر: اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصر عليه فنصر المسلمون. ﴿وَإِن تَعُودُوا﴾ إلى الاستفتاح ﴿نَعُدْ﴾ إلى نصر الرسول ﷺ أو إن تعودوا إلى التكذيب نعد إلى مثل هذا التصديق. أو إن تستفتحوا أيها المسلمون فقد جاءكم النصر لأنهم استنصروا فنصروا. ﴿وَإِن تَنتَهُواْ﴾ عما فعلتموه في الأسرى والغنيمة، ﴿وَإِن تَعُودُواْ﴾ إلى الطمع {نَعُدْ) إلى المؤاخذة، أو إن تعودوا إلى ما كان منكم في الأسرى والغنيمة نعد إلى الإنكار عليكم. {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (٢٠) ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون (٢١) إن شر الدواب عند الله الصم البكم
529
الذين لا يعقلون (٢٢) ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون (٢٣) }
٢٢ -،
530
٢٣ - ﴿شر الدواب﴾ نزلت في بني عبد الدار. ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ﴾ الحجج والمواعظ سماع تفهيم، أو لأسمعهم كلام الذي طلبوا إحياءه من قصي بن كلاب وغيره يشهدون بنبوتك، أو لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه. ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون (٢٤) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة واعلموا أن الله شديد العقاب (٢٥) واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فئاواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون (٢٦) ﴾
﴿ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ﴾ الحجج والمواعظ سماع تفهيم، أو لأسمعهم كلام الذي طلبوا إحياءه من قصي بن كلاب وغيره يشهدون بنبوتك، أو لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه.
٢٤ - ﴿اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ﴾ بطاعته لما كانت في مقابلة الدعاء سماها إجابة ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ الإيمان، أو الحق، أو ما في القرآن، أو الحرب وجهاد العدو، أو ما فيه دوام حياة الآخرة، أو كل مأمور ﴿يَحُولُ بَيْنَ﴾ الكافر والإيمان وبين
530
المؤمن والكفر قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أو بين المرء وعقله فلا يدري ما يعمل، أو بين المرء وقلبه أن يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه، أو هو قريب من قلبه يحول بينه وبين أن يخفي عليه سره أو جهره. فهو ﴿أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ [ق: ١٦] وهذا تحذير شديد قاله قتادة، أو يفرق بينه وبين قلبه بالموت فلا يقدر على استدراك فائت، أو بينه وبين ما يتمنى بقلبه من البقاء وطول العمر والظفر والنصر، أو بينه وبين ما في قلبه من رعب وخوف وقوة وأمن، فيأمن المؤمن بعد خوفه ويخاف الكافر بعد أمنه.
531
٢٥ - ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً﴾ أُمروا أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم / فيعمهم العذاب، قاله " ع "، أو الفتنة: ما يبتلى به الإنسان، أو الأموال والأولاد، أو نزلت في النكاح بلا ولي، قاله بشر بن الحارث ﴿لاَّ تُصِيبَنَّ﴾ الفتنة، أو عقابها، أو دعاء للمؤمن ألا تصيبه فتنة قاله الأخفش.
٢٦ - ﴿قَلِيلٌ﴾ بمكة تستضعفكم قريش، ذّكَّرهم نعمه، أو أخبرهم بصدق وعده. ﴿يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ كفار قريش، أو فارس والروم. ﴿فَآوَاكُمْ﴾ إلى المدينة، أو جعل لكم مأوى تسكنونه آمنين ﴿وَأَيَّدَكُم﴾ قوَّاكم بنصره يوم بدر. ﴿الطَّيِّبَاتِ﴾ الحلال من الغنائم، أو ما مكنوا فيه من الخيرات، قيل نزلت في
531
المهاجرين خاصة بعد بدر. ﴿يآ أيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (٢٧) واعلموا أنمآ أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم (٢٨) يآ أيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم (٢٩) ﴾
532
٢٧ - ﴿لا تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ كما صنع المنافقون، قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه -، أو لا تخونوا فيما جعله لعباده في أموالكم. ﴿أَمَانَاتِكُمْ﴾ ما أخذتموه من الغنيمة أن تحضروه إلى المغنم، أو ما ائتمنكم الله عليه من الفرائض والأحكام [أن] تؤدوها بحقها، ولا تخونوا بتركها، أو عام في كل أمانه ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنها أمانة بغير شبهة، أو ما في الخيانة من المأثم. قيل نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر لما أرسل إلى بني قريظة لينزلوا على حكم سعد فاستشاروه، وكان أحرز أمواله وأولاده عندهم، فأشار بأن لا يفعلوا، وأومأ بيده إلى حلقه إنه الذبح فنزلت إلى قوله: ﴿واعلموا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وأولادكم فتنة﴾ [٢٨].
٢٩ - ﴿فُرْقَاناً﴾ هداية في القلوب تفرِّقون بها بين الحق والباطل، أو مخرجاً من الدنيا والآخرة، أو نجاة، أو فتحاً ونصراً.
532
﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (٣٠) ﴾
533
٣٠ - ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾ لما تآمرت قريش على الرسول ﷺ في دار الندوة، فقال عمرو بن هشام: قيِّدوه واحبسوه في بيت نتربَّص به رَيْب المنون، وقال أبو البختري أخرجوه عنكم على بعير مطروداً تستريحون من أذاه، فقال أبو جهل، ما هذا برأي، ولكن ليجتمع عليه من كل قبيلة رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فيرضى حينئذ بنو هاشم بالدية، فأعلم الله - تعالى - رسوله ﷺ بذلك فخرج إلى الغار ثم هاجر منه إلى المدينة.
533
﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ في الوثاق " ع " أو في الحبس، أو يجرحوك، أثبته في الحرب: جرحه. ﴿أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ نفياً إلى طرف من الأطراف، أو على بعير مطروداً حتى تهلك، أو يأخذك بعض العرب فيريحهم منك. ﴿وإذا تتلى عليهم ءاياتنا قالوا قد سمعنا لو نشآء لقلنا مثل هذآ إن هذآ إلآ أساطير الأولين (٣١) وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السمآء أو ائتنا بعذاب أليم (٣٢) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (٣٣) ﴾
534
٣١ - ﴿لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا﴾ نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، ونزلت فيه ﴿وَإِذْ قَالُواْ اللهم إن كان هذا﴾ [٣٢] و ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ﴾ [المعارج: ١] و ﴿رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قطنا﴾ [ص: ١٦] قال عطاء: نزل فيه بضع عشرة آية.
٣٢ - ﴿فأمطر علينا﴾ قاله عناداً وبغضاً للرسول ﷺ أو اعتقاداً أنه ليس بحق.
٣٣ - ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ﴾ وقد بقي فيهم من المسلمين من يستغفر، أو لا يعذبهم / في الدنيا وهم يقولون غفرانك في طوافهم، أو الاستغفار: الإسلام، أو هو دعاء إلى الاستغفار معناه لو استغفروا لم يُعذَّبوا، أو ما كان الله مهلكهم وقد علم أن لهم ذرية يؤمنون ويستغفرون. ﴿وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أوليآءه إن أوليآؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون (٣٤) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكآء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (٣٥) ﴾
٣٥ - ﴿مُكَآءً﴾ إدخال أصابعهم في أفواههم، أو أن يشبك بين أصابعه ويُصفِّر في كفه بفمه، والمكاء الصفير، قال:
(.......................... تمكو فريصته كشدق الأعلم)
﴿وَتَصْدِيَةً﴾ التصفيق، أو الصد عن البيت الحرام، أو تصدى بعضهم لبعض ليفعل مثل فعله ويُصفِّر له إن غفل عنه، أو من صد يصد إذا ضج، أو الصدى الذي يجيب الصائح فيرد عليه مثل قوله، وكان الرسول ﷺ إذا صلّى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبدار عن يمينه يصفران صفير المكاء
535
- وهو طائر - ورَجُلان عن يساره يصفقان بأيديهما ليخلطوا على الرسول ﷺ - القراءة والصلاة، فنزلت، وسماها صلاة لأنهم أقاموها مقام الدعاء والتسبيح، أو كانوا يعملون كعمل الصلاة. -ayah text-primary">﴿فَذُوقُواْ﴾ فالقوا، أو فجربوا عذاب السيف ببدر، أو يقال لهم ذلك في عذاب الآخرة. -ayah text-primary">﴿إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون (٣٦) ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون (٣٧) ﴾
536
٣٦ - ﴿يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ نفقة قريش في القتال ببدر، أو استأجر أبو سفيان يوم أُحُد ألفين من الأحابيش من كنانة.
٣٧ - ﴿الْخَبِيثَ﴾ الحرام، والطيب: الحلال، أو الخبيث: ما لم تخرج منه حقوق الله - تعالى - والطيب: ما أُخرجت منه حقوقه. ﴿بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ﴾ يجمعه في الآخرة وإن تفرقا في الدنيا. ﴿فَيَرْكُمَهُ﴾ يجعل بعضه فوق بعض. ﴿فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾ يعذبون به ﴿يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٣٥] أو يجعلها معهم في النار ذلاًّ وهواناً كما كانت في الدنيا نعيماً وعزاً. {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين (٣٨) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير (٣٩) وإن تولوا فاعلموا أن الله
536
مولاكم نعم المولى ونعم النصير (٤٠) }
537
٣٨ - ﴿وإن يعودوا﴾ إلى الحرب ﴿فقد مضت سنة﴾ قتلى بدر وأسراهم، أو إن يعودوا إلى الكفر فقد مضت سنة الله - تعالى - بإهلاك الكفرة، ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - نزلت لما دخل الرسول ﷺ مكة عام الفتح فقال: ما في ظنكم وما ترون أني صانع بكم، فقالوا: ابن عم كريم فإن تعفُ فذاك الظن بك، وإن تنتقم فقد أسأنا، فقال: بل أقول كما قال يوسف لإخوته: ﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ الآية " [يوسف: ٩٢] فنزلت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " اللهم كما أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرهم نوالاً ". ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم ءامنتم بالله ومآ أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير (٤١) ﴾
٤١ - ﴿غنمتم﴾ ذكر الغنيمة ها هنا والفيء في الحشر وهما واحد، ونسخت آية الحشر بهذه، أو الغنيمة ما أُخذ عَنوة، والفيء ما أُخذ صلحاً،
537
أو الغنيمة ما ظهر عليه المسلمون من الأموال، والفيء ما ظهر عليه من الأرضين. ﴿لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ افتتاح كلام، وله الدنيا والآخرة، المعنى للرسول / خمسه أو الخمس لله ورسوله يصرف سهم الله في بيته، كان الرسول ﷺ يأخذ الخمس فيضرب فيه بيده فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله. ﴿وَلِلرَّسُولِ﴾ افتتاح كلام - أيضاً - ولا شيء له من ذلك فيقسم الخمس على أربعة " ع "، أو للرسول الخمس عند الجمهور، ويكون سهمه للخليفة بعده، أو يورث عنه، أو يرد على السهام الباقية فيقسم الخمس على أربعة، أو يصرف إلى الكراع والسلاح فعله أبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما -، أو إلى المصالح العامة. ﴿وَلِذِى الْقُرْبَى﴾ بنو هاشم، أو قريش، أو بنو هاشم وبنو المطلب، وهو باقٍ لهم أبداً، أو لقرابة الخليفة القائم بأمور الأمة، أو للإمام وضعه حيث شاء، أو يرد سهمهم وسهم الرسول ﷺ على باقي السهام فتكون ثلاثة. ﴿اليتامى﴾ من مات أبوه من الأطفال بخلاف البهائم فإنه من ماتت أمه، ويشترط الإسلام والحاجة، ويختص بأيتام أهل الفيء أو يعم ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ المسافر المسلم المحتاج من أهل الفيء، أو يعم. ﴿الْفُرْقَانِ﴾ يوم بدر فرق فيه بين الحق والباطل. {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو
538
تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة وإن الله لسميع عليم (٤٢) }
539
٤٢ - ﴿العدوة الدنيا﴾ شفير الوادي الأدنى إلى المدينة.
﴿والقصوى﴾ الأقصى منها إلى مكة. ﴿وَالرَّكْبُ﴾ عير أبي سفيان أسفل الوادي على شط البحر بثلاثة أميال ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُمْ﴾ ثم بلغكم كثرتهم لتأخرتم ونقضتم الميعاد، [أ] ولو تواعدتم من غير معونة من الله - تعالى - لاختلفتم في الميعاد بالقواطع والعوائق، أو لو تواعدتم أن تتفقوا مجتمعين لاختلفتم بالتقدم والتأخر والزيادة والنقصان من غير قصد لذلك. ﴿لِّيَهْلِكَ﴾ ليقتل منهم ببدر من قتل عن حجة، وليبقى منهم من بقي عن قدره، أو ليكفر من قريش بعد الحجة من كفر ببيان ما وعدوا، ويؤمن من آمن بعد العلم بصحة إيمانهم. ﴿إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور (٤٣) وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور (٤٤) ﴾
٤٣ - ﴿فِى مَنَامِكَ﴾ موضع النوم - وهي العين - فرأى قلتهم عياناً، أو ألقى عليه النوم فرأى قلتهم في نومه، قاله الجمهور: وكان ذلك لطفاً بهم. ﴿لَّفَشِلْتُمْ﴾ لجبنتم وانهزمتم، أو لاختلفتم في لقائهم، أو الكف عنهم. {يآ أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم
539
تفلحون (٤٥) وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين (٤٦) }
540
٤٦ - ﴿فَتَفْشَلُواْ﴾ هو التقاعد عن القتال جبناً. ﴿رِيحُكُمْ﴾ قوتكم، أو دولتكم، أو الريح المرسلة لنصر أولياء الله وخذلان أعدائه، قاله قتادة. ﴿ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط (٤٧) وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب (٤٨) إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلآء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم (٤٩) ﴾
٤٧ - ﴿كَالَّذِينَ خَرَجُواْ﴾ قريش لحماية العير فنجا بها أبو سفيان، فقال أبو جهل لا نرجع حتى نردَ بدراً وننحر جزوراً ونشرب خمراً وتعزف علينا القينات فكان من أمرهم ما كان.
٤٨ - ﴿زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ﴾ ظهر لهم في صورة سراقة بن جعشم من بني كنانة. ﴿نَكَصَ﴾ هرب ذليلاً خازياً. ﴿مَا لا تَرَوْنَ﴾ من إمداد الملائكة.
٤٩ - ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ المشركون، أو قوم تكلموا بالإسلام / وهم بمكة، أو قوم مرتابون لم يظهروا عداوة النبي ﷺ بخلاف المنافقين، والمرض في القلب: هو الشك. ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملآئكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق (٥٠) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد (٥١) كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب (٥٢) ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم (٥٣) كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنآ ءال فرعون وكل كانوا ظالمين (٥٤) ﴾
٥٠ - ﴿يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ عند قبض أرواحهم. ﴿يَضْرِبُونَ وجوههم﴾ يوم القيامة، أو القتل ببدر. ﴿إن شر الدوآب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (٥٥) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون (٥٦) فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون (٥٧) ﴾
٥٧ - ﴿تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ تصادفهم، أو تظفر بهم. ﴿فَشَرِّدْ﴾ أنذر، أو نكل، أو بدد. ﴿وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوآء إن الله لا يحب الخآئنين (٥٨﴾
٥٨ - ﴿خِيَانَةً﴾ في نقض العهد. ﴿فَانبِذْ إِلَيْهِمْ﴾ ألقِ إليهم عهدهم كي لا ينسبوك إلى الغدر بهم، والنبذ: الإلقاء. ﴿عَلَى سَوَآءٍ﴾ مهل، أو مجاهرة بما تفعل بهم، أو على استواء في العلم به حتى لا يسبقوك إلى فعل ما يريدونه
541
بك، أو عدل من غير تحيف، أو وسط. قيل نزلت في بني قريظة. ﴿ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون (٥٩) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخير ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (٦٠) ﴾
542
٦٠ - ﴿قُوَّةٍ﴾ السلاح، أو التظافر واتفاق الكلمة، أو الثقة بالله - تعالى - والرغبة إليه، أو الرمي مروي عن الرسول ﷺ أو ذكور الخيل. ﴿ورباط الْخَيْلِ﴾ إناثها، أو رباطها: الذكور والإناث عند الجمهور ﴿عَدُوَّ اللَّهِ﴾ بالكفر
542
﴿وَعَدُوَّكُمْ﴾ بالمباينة، أو عدو الله: هو عدوكم، لأن عدو الله - تعالى - عدو لأوليائه. ﴿لا تَعْلَمُونَهُمُ﴾ بنو قريظة، أو المنافقون، أو أهل فارس، أو الشياطين أو من لا تعرفون عداوته على العموم. ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (٦٢) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (٦٢) وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم (٦٣) ﴾
543
٦١ - ﴿للسلم﴾ الموادعة، أو إن تَوقفوا عن الحرب مسالمة فتوقف عنها مسالمة، أو إن أظهروا الإسلام فاقبله وإن لم تعلم بواطنهم، عامة في كل من سأل الموادعة ثم نسختها آية السيف أو خاصة بالكتابيين يبذلون الجزية، أو في معينين سألوا الموادعة فأمر بإجابتهم. {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين (٦٤) يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوما لا يفقهون (٦٥) الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ
543
﴿وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين (٦٦) ﴾
544
٦٤ - ﴿حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ أن تتوكل عليه، والمؤمنون: أن تقاتل بهم، أو حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين الله، قيل نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.
٦٥ - ﴿عِشْرُونَ﴾ أُمروا يوم بدر أن لا يفر أحدهم عن عشرة فشقَّ عليهم فنسخ بقوله - تعالى - ﴿الآن خفف الله عنكم﴾ [٦٦]، أو وُعدوا أن يُنْصر كل رجل على عشرة. ﴿ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم (٦٧) لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (٦٨) فلكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم (٦٩) ﴾
٦٧ - ﴿ماكان لِنَبِىٍّ﴾ أن يفادي، نزلت لما استقر رأي الرسول ﷺ بعد مشاورة أصحابه على أخذ الفداء بالمال عن كل أسير من أسرى بدر أربعة آلاف درهم، فنزلت إنكاراً لما فعلوه. ﴿يُثْخِنَ﴾ بالغلبة والاستيلاء، أو بكثرة القتل لِيُعَزَّ به المسلمون ويُذَلَّ الكفرة. ﴿عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ سماه بذلك لقلة بقائه. ﴿يُرِيدُ الأَخِرَةَ﴾ العمل بما يوجب ثوابها.
٦٨ - ﴿أَخَذْتُمْ) من الفداء {لَّوْلا كِتَابٌ﴾ سبق لأهل بدر أن لا يعذبوا لمسهم في أخذ الفداء عذاب عظيم، أو سبق في إحلال الغنائم لمسهم في تعجلها من أهل بدر عذاب عظيم، أو سبق بأن لا يعذب من أتى عملاً على
544
جهالة، أو الكتاب القرآن المقتضي لغفران الصغائر، ولما شاور الرسول ﷺ أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - / قال: قومك وعشيرتك فاستبقهم لعل الله - تعالى - أن يهديهم، وقال عمر - رضي الله تعالى عنه -: أعداء الله - تعالى - ورسوله كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم، فمال الرسول ﷺ إلى قول أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -، وأخذ الفداء ليقوى به المسلمون، وقال: أنتم عالة يعني للمهاجرين، فلما نزلت هذه الآية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لعمر - رضي الله تعالى عنه - لو عذبنا في هذا الأمر - يا عمر - لما نجا غيرك ثم، أحل الغنائم، بقوله - تعالى - ﴿فَكُلُواْ مما غنمتم﴾ [٦٩]. ﴿يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم (٧٠) وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم (٧١) ﴾
545
٧٠ - ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّآ أُخِذّ مِنكُمْ﴾ لما أُسر العباس يوم بدر أخذ منه الرسول ﷺ فداء نفسه وابني أخيه عقيل
545
ونوفل، قال: يا رسول الله كنت مسلماً وأخرجت مكرهاً ولقد تركتني فقيراً أتكفف الناس، فقال: فأين الأواقي التي دفعتها سراً لأم الفضل عند خروجك فقال: إن الله - تعالى - ليزيدنا ثقة بنبوتك، قال العباس: فصدق الله - تعالى - وعده فيما أتاني، وإن لي لعشرين مملوكاً يضرب كل مملوك منهم بعشرين ألفاً في التجارة، فقد أعطاني الله - تعالى - خيرامما أخذ مني يوم بدر. ﴿إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولائك بعضهم أولياء بعض والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير﴾
546
٧٢ - ﴿آمنوا﴾ بالله ﴿وَهَاجَرُواْ﴾ من ديارهم في طاعته ﴿وَجَاهَدُواْ بأموالهم﴾ بإنفاقها ﴿وأنفسهم﴾ بالقتال أراد المهاجرين مع الرسول ﷺ إلى المدينة ﴿والذين آووا﴾ المهاجرين في منازلهم ﴿ونصروا﴾ النبي ﷺ والمهاجرين معه، يريد الأنصار. ﴿أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ أعوان بعض عند الجمهور [أو] أولى بميراث بعض، جعل الله - تعالى - المريراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام. ﴿والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم﴾ من ميراثهم من شيء ﴿حَتَّى يُهَاجِرُواْ﴾. فعملوا بذلك حتى نسخت بقوله - تعالى - ﴿وَأْوْلُواْ الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله﴾ [٧٥] يعني في الميراث، فصار الميراث لذوي الأرحام. ﴿والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (٧٣) والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولائك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم (٧٤) ﴾
٧٣ - ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ﴾ أنصار بعض، أو بعضهم وارث بعض ((ع)) ﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ﴾ إلا تتناصروا - أيها المؤمنون - ﴿تَكُن فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ﴾ بغلبة الكفرة ﴿وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ بضعف الإيمان، أو إلا تتوارثوا بالإسلام والهجرة ﴿تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ﴾ باختلاف الكلمة ﴿وَفسَادٌ كَبِيرٌ﴾ بتقوية الخارج عن الجماعة (ع).
547
سورة التوبة
سورة التوبة مدنية اتفاقاً، أو إلا آيتين في آخرها، ﴿لقد جاءكم﴾ [١٢٨، ١٢٩]، نزلتا بمكة، وكانت تسمى على عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] الفاضحة " ع "، وسورة البحوث لبحثها عن أسرار المنافقين وفضحها لهم، وسميت في عهده وبعده المبعثرة لما كشفت من السرائر. وتركت البسملة في أولها، لأنها مع الأنفال كسورة واحدة الأنفال في العهود وبراءة في رفع العهود، وكانتا تدعيان القرينتين، أو البسملة أمان، وبراءة نزلت برفع الأمان. ونزلت سنة تسع / فأنزلها [٦٩ / أ] الرسول [صلى الله عليه وسلم] مع علي - رضي الله تعالى عنه - وكان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - صاحب الموسم فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" لا يبلغ عني إلا رجل مني "، أو
5
أنفذه بعشر آيات من أولها، أو بتسع تقرأ في الموسم، فقرأها علي - رضي الله تعالى عنه - يوم النحر على جمرة العقبة. ﴿براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين﴾
6
Icon