تفسير سورة الأنفال

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

الواحد من " الأَنفال " : النَفَلُ ".
﴿ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ﴾ ( ١ ) فأضاف ﴿ ذاتَ ﴾ إلى " البَيْنِ " وجعله ﴿ ذاتَ ﴾ لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث وبعضه يذكر نحو " الدار " و " الحائط " أنّثت " الدار " وذكّر " الحائط ".
وقال ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ﴾ ( ٥ ) فهذه الكاف يجوز أن تكون على قوله ﴿ أُوْلئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ ( ٤ ) ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ﴾. وقال بعض أهل العلم ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾
وقال ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾ ( ٧ ) فقوله ﴿ أَنَّهَا ﴾ بدل من قوله ﴿ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ ﴾ وقال ﴿ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ﴾ فأنث لأنه يعني " الطائفة ".
وقال ﴿ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ ﴾ ( ١٢ ) معناها : " إِضْرِبُوا الأَعْناقِ " كما تقول : " رأيتُ نَفْسَ زَيْدٍ " تريد " زيداً ".
﴿ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ ( ١٢ ) واحد " البَنانِ " : " البَنَانَةُ ".
وقال ﴿ ذالِكُمْ فَذُوقُوهُ [ ١٢٤ ء ] وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ ( ١٤ ) كأنه جعل " ذلكم " خبراً لمبتدأ أَوْ مبتدأ أضمر خبره حتى كأنه قال : " ذلِكُمْ الأَمْرُ " أوْ " الأَمْرُ ذلك م ". ثم قال ﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴾ أيْ : الأَمْرُ ذلكم وهذا، فلذلك انفتحت " أَنَّ ". ومثل ذلك قوله ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ ( ١٨ ) وأمّا قول الشاعر :[ من البسيط وهو الشاهد العشرون بعد المئتين ] :
ذاكَ وإِنِّي على جاري لَذُو حَدَبٍ أَحنو عَلَيْهِ كما يُحْنى على الجارِ
فإِنما كسر " إِنَّ " لدُخول اللام. قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الحادي والعشرون بعد المئتين ] :
وَأَعْلَمُ عِلْماً ليسَ بالظنِّ أَنَّه إِذا ذَلَّ مَوْلَى المَرْءِ فَهْوَ ذَليل
وإِنَّ لِسانَ المَرْءِ ما لَمْ تَكُنْ لَهُ * حَصاةٌ على عَوْراتِهِ لَدَلِيلُ
فكسر الثانية لأن اللام بعدها. ومن العرب من يفتحها لأنه لا يدري* أن بعدها لاما وقد سمع مثل ذلك من العرب في قوله ﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ( ٩ ) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ( ١٠ ) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ( ١١ ) ﴾ ففتح وهو غير ذاكر للام وهذا غلط قبيح.
وقال ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ ( ١٧ ) تقول العرب : " و اللهِ ما ضَرَبْتُ غَيْرَهُ " وإِنما ضربت أخاه كما تقول " ضَرَبَهُ الأَميرُ " والأميرُ لم يَلِ ضَرْبَهُ. ومثلُ هذا في كلام العرب كثير.
وقال ﴿ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ [ ١٢٤ ب ] الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً ﴾ ( ٢٥ ) فليس قوله - و الله أعلم - ﴿ تُصِيبَنَّ ﴾ بجواب ولكنه نَهْيٌ بعدَ أمر، ولو كان جوابا ما دخلت النون.
وقال ﴿ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ ﴾ ( ٣٢ ) فنصب ﴿ الحقَّ ﴾ لأن ﴿ هُوَ ﴾ - و الله أعلم - جعلت ها هنا صلة في الكلام زائدة توكيدا كزيادة ﴿ ما ﴾. ولا تزاد إلا في كل فعل لا يستغنى عن خبر، وليست ﴿ هُوَ ﴾ بصفة ل﴿ هذا ﴾ لأنك لو قلت : " رأيتُ هذا هُوَ " لم يكن كلاما ولا تكون هذه المضمرة من صفة الظاهرة ولكنها تكون من صفة المضمرة في نحو قوله ﴿ ولكن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ ﴾ و﴿ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ﴾ لأنك تقول " وَجَدْتُهُ هُوَ " و " أتاني هُو " فتكون صفة، وقد تكون في هذا المعنى أيضاً غير صفة ولكنها تكون زائدة كما كان في الأول. وقد تجري في جميع هذا مجرى الاسم فيرفع ما بعده أن كان ما قبله ظاهرا أو مضمرا في لغة لبني تميم في قوله ﴿ إِنْ كانَ هذا هَوَ الحَقُّ ﴾ [ و ] ﴿ ولكنْ كانُوا هُمْ الظّالِمونَ ﴾ و﴿ تَجِدُوهُ عندَ اللهِ هوَ خَيْرٌ وأَعْظَمُ أَجْرا ﴾ كما تقول " كانُوا آباؤُهم الظالَمُون " وإنما جعلوا هذا المضمر نحو قولهم " هُوَ " و " هُما " و " أَنْتَ " زائدا في هذا المكان ولم يجعل في مواضع الصفة لأنه فصل أراد أن يبين به انه ليس بصفة [ ١٢٥ ء ] ما بعده لما قبله ولم يحتج إلى هذا في الموضع الذي لا يكون له خبر.
وقال ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ﴾ ( ٣٤ ) ف﴿ أَنْ ﴾ ها هنا زائدة - و الله أعلم - وقد عملت وقد جاء في الشعر، قال :[ من البسيط وهو الشاهد السابع والأربعون بعد المئة ] :
لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفانٌ لا ذُنُوبَ لَها إِلَيَّ لامَتْ ذَوُو أَحْسابِها عُمَرا
وقوله ﴿ ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا مكان مفعولا ﴾ ( ٤٢ ) وأمر الله كله مفعول ولكن أراد أن يقص الاحتجاج عليهم وقطع العذر قبل إهلاكهم.
وقال ﴿ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾ ( ٣٥ ) نصب على خبر " كانَ ".
وقال ﴿ لِيَمَيِّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ ( ٣٧ ) جعله من " مَيَّزَ " مثقلة وخففها بعضهم فقال ﴿ ليَمِيزَ ﴾ من " مازَ " " يَمِيزُ " وبها نقرأ.
وقال ﴿ إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ﴾ ( ٤٢ ) وقال بعضهم ﴿ بالعُدْوَةِ ﴾ وبها نقرأ وهما لغتان. وقال بعض العرب الفصحاء :[ " العُدْيَةِ " ] فقلب الواو ياء كما تقلب الياء واوا في نحو " شَرْوَى " و " بَلْوى " لأن ذلك يفعل بها فيما هو نحو من ذا نحو " عَصِيّ " و " أرض مَسُنِيَّةٌ " وفي قولهم " قِنْيَة " لأنها من " قَنَوْتُ ".
وقال ﴿ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ ( ٤٢ ) فجعل " الأَسْفَلَ " ظرفا ولو شئت قلت ﴿ أَسْفَلُ منكم ﴾ [ ١٢٥ ب ] إذا جعلته ﴿ الرَكْب ﴾ ولم تجعله ظرفا.
وقال ﴿ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾ ( ٤٢ ) فالزم الإدغام إذ صار في موضع يلزمه الفتح فصار مثل باب التضعيف. فإذا كان في موضع لا يلزمه الفتح لم يدغم نحو ﴿ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ إلا أن تشاء أن تخفي وتكون في زنة متحرك لأنها لا تلزمه لأنك تقول ﴿ تُحْيِي ﴾ فتسكن في الرفع وتحذف في الجزم، فكل هذا يمنعه الإدغام. وقال بعضهم ﴿ مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ ولم يدغم إذا كان لا يدغمه في سائر ذلك. وهذا أقبح الوجهين لأنّ " حَيِيَ " مثل " خَشِيَ " لما صارت مثل غير التضعيف أجرى الياء الآخرة مثل ياء " خَشِيَ ". وتقول للجميع " قد حَيُوا " كما تقول " قَدْ خَشُوا " ولا تدغم لأن ياء " خَشُوا " تعتل ها هنا. وقال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المئتين ] :
وَحَيٍّ حَسِبْناهُمْ فَوارِسَ كَهْمَسٍ حَيُوا بَعْدَما ماتُوا من الدَهْرِ أَعْصُرا
وقد ثَقَّل بعضُهم وتركها على ما كانت عليه وذلك قبيح. قال الشاعر :[ من مجزوء الكامل وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المئتين ] :
عَيُّوا بأَمْرِهِمُ كَما عَيَّتْ بِبَيْضَتِها الحَمامَة
جَعَلَتْ لَهُ عُودَيْنِ مِنْ نَشَمٍ وآخَرَ من ثُمَامَهْ
وقال ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ ( ٥٠ ) [ ١٢٦ ء ] فأضمر الخبر والله اعلم. وقال الشاعر :[ من الخفيف وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المئة ] :
إِنْ يَكُنْ طِبَّكِ الدَّلالُ فَلَوْفِي سالِفِ الدَّهْرِ والسنينَ الخَوالي
يريد بقوله " فَلَوِفي سالِفِ الدَهْرِ " [ إن ] يقول : " فلو كان في سالف الدهر لكان كذا وكذا " فحذف هذا الكلام كلّه.
وقال ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ﴾ ( ٦١ ) فأنث " السَّلْمَ " وهو " الصُلْح " وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر.
وقال ﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ﴾ ( ٦٢ ) لأنَّ " حسبَك " اسم.
وقال ﴿ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ ( ٧٢ ) وهو في الولاءِ. وأَمّا في السلطان ف " الوِلايَة " ولا أعلم كسر الواو في الأخرى إلا لغة.
وقال ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ ﴾ ( ٧٥ ) فجعل الخبر بالفاء كما تقول : " الذي يَأْتِيني فَلَه دِرْهَمان " فتلحق الفاء لما صارت في معنى المجازاة.
Icon