في حديثنا الماضي ختمنا بعون الله وتوفيقه سورة الأعراف المكية، وكانت ثالث سورة مكية في ترتيب المصحف الكريم، علاوة على سورة الفاتحة وسورة الأنعام المكيتين أيضا، وانتقلنا من سورة الأعراف إلى سورة الأنفال المدنية التي نحن بصدد تفسيرها الآن، وهي خامس سورة مدنية في ترتيب المصحف الكريم، بالإضافة إلى سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، التي هي سور مدنية أيضا.
وسورة الأنفال نزلت بمناسبة غزوة بدر الكبرى، وكانت كما قال الإمام مالك " في سبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان " وذلك في السنة الثانية للهجرة، وغزوة بدر في الإسلام تمثل الجولة الأولى من جولات الكفاح الإسلامي المظفر، لصد العدوان ورد الطغيان، وإنقاذ المستضعفين الذين كانوا يضطهدون بمكة من الرجال والنساء والولدان.
ومن أجل ذلك أطلق بعض الصحابة على سورة الأنفال اسم " سورة بدر ". قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " : " إن السورة هي سورة بدر كلها، وكلها مدنية إلا سبع آيات، فإنها نزلت بمكة، وهي قوله تعالى :﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين ﴾ إلى آخر الآيات السبع ".
وقد تضمنت سورة الأنفال أهم المبادئ الأساسية التي جاء بها الإسلام لتنظيم شؤون السلم والحرب، وتحديد عوامل النصر وأسباب الهزيمة، وتعيين واجبات المجاهدين في سبيل الله من جهة الإعداد والاستعداد، وتوضيح حقوقهم على الدولة الإسلامية التي يدافعون عن كيانها، وتبيين الطريقة التي يعامل بها أسرى الحرب، والطريقة التي تتبع في الغنائم. وبالإجمال فإن هذه السورة الكريمة وضعت الحجر الأساسي للسياسة الحربية العامة التي يجب أن يطبقها الإسلام كلما اضطر المسلمون إلى خوض غمار الحرب للدفاع عن أنفسهم، ولم يجدوا من خصومهم عدلا ولا استعدادا للسلام.
وسميت هذه السورة " سورة الأنفال " أخذا من مطلعها الخاص، حيث ابتدأت بقوله تعالى :﴿ يسألونك عن الأنفال، قل الأنفال لله والرسول ﴾.
ﰡ
ونبهت الآيات الكريمة إلى أن الحكمة الإلهية في جعل الحكم في الغنائم موكولا إلى الله ورسوله هو تنقية الجو من كل ما يؤدي إلى فساد ذات البين بين الإخوة المجاهدين، وحمايتهم من عوامل الشقاق والنزاع، إذ متى كان الحكم في أمر من الأمور صادرا عن الله ورسوله، فلن يسع المؤمنين أجمعين إلا طاعة حكمهما، والائتمار بأمرهما، ومن شأن المؤمن إذا ذكر الله أمامه أن يخشع ويلين، ويخضع لحكمه ويستكين، وذلك ما أشار إليه قوله تعالى بعد مطلع سورة الأنفال-آخر الربع الماضي- :﴿ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ﴾ -أي زادتهم تصديقا- ﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾ الآية.
ومن أحسن ما ورد في ذلك ما قاله القاضي عبد الجبار :﴿ هذا الجنس من الحذف ربما يعد في كمال الفصاحة، فبشر الله نبيه بالنصرة التامة وجميل العاقبة يوم بدر، كما سهل له الخروج من بيته ﴾ إلى آخر كلامه، وذلك رغما عن تثاقل بعض المؤمنين وترددهم في الخروج، طبقا لقوله تعالى في نفس السياق :﴿ وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ﴾ وإنما ثقل الخروج عليهم لقتال المشركين، لما فيه من المشقة الزائدة، على حد قوله تعالى في آية أخرى :﴿ كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم، وأنتم لا تعلمون ﴾. وليس المراد أنهم كرهوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك لا يتصور في شأن المؤمنين، خصوصا السابقين الأولين.
وقد نقلت دواوين السيرة وكتب الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغه خروج قريش لقتال المسلمين أخبر الناس واستشارهم، فكان مما قاله المقداد بن عمرو من المهاجرين- وهو الذي اشتهر بالمقداد ابن الأسود- : " يا رسول الله امض لما أمرك الله به فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا وإنا معكما مقاتلون ".
ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( أشيروا علي أيها الناس ) وكان يريد أن يعرف رأي الأنصار بعدما عرف رأي المهاجرين، ويتخوف أن يكون رأيهم هو التعهد بنصرته ممن دهمه بالمدينة، لا بنصرته ممن هاجمه خارجها، فقال له سعد بن معاذ : " والله لكأنك تريدنا يا رسول الله. قال : أجل. فقال سعد باسم الأنصار : " فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد، إنا لصبر عند الحرب، جمع " صبور " صدق عند اللقاء " جمع صدوق " فسر على بركة الله ". فسر رسول الله صلى اله عليه وسلم بقول سعد وقال للمسلمين :( سيروا على بركة الله وأبشروا. والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ).
وهذا تنبيه من كتاب الله إلى أن الرجوع إلى الله واستمداد عونه ونصره في مثل هذه المواقف- مواقف الدفاع عن الإسلام والتضحية في سبيله بالنفس والنفيس- أمر لا غنى عنه في كسب المعارك لمن يريد النصر ويسعى إليه. ومن أجل ذلك سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السنة : سنة الاستغاثة بالله والاستنصار بقوته، رجاء إمداده وإعانته، إذ لا غنى عنهما في سلم أو حرب، لقوي أو ضعيف.
وإلى هذه المعاني يشير قوله تعالى :﴿ فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ﴾ –أي متتابعين- :﴿ وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم، وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حكيم ﴾، وقوله تعالى :
﴿ وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام، إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ﴾وقوله تعالى :
﴿ فلم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ﴾ أي ليعرف المؤمنين نعمته عليهم بإظهارهم على عدوهم، رغما عن كثرته وقلتهم :﴿ ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ﴾.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( اجتنبوا السبع الموبقات. قيل يا رسول الله وما هن قال : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات }.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( اجتنبوا السبع الموبقات. قيل يا رسول الله وما هن قال : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات }.
وقوله تعالى عقب ذلك :﴿ وأن الله مع المؤمنين ﴾ تعهد من الله تعالى بإعانة أهل الإيمان الحق، وبنصرتهم على غيرهم ولو كانوا ثلة قليلة، ما تمسكوا بإيمانهم وثبتوا على دينهم، وكانت صلتهم بالله موصولة غير مقطوعة.
أول ما ينبغي التنبيه إليه في بداية هذه الحصة هو أن أول آية من هذا الربع، ترتبط ارتباطا وثيقا بالآيات السابقة عليها في أواخر الربع الماضي، فقد سبق قبلها قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾. ومعنى هذه الآيات السابقة أن طاعة الله ورسوله واجبة على المؤمنين، وأن مخالفة أمر الرسول بعد العلم بأمره محرمة عليهم وهم منهيون عنها نهيا باتا، ثم طالبهم الحق سبحانه وتعالى بأن لا يسلكوا مسلك المشركين والمنافقين، إذ المشركون مجاهرون بالمخالفة، مصرون على العناد، والمنافقون – وإن أظهروا الطاعة- فهم ينطوون على النفاق والإلحاد، ومن هذا السياق انتقل كتاب الله مباشرة إلى وصف دقيق فيه تبكيت وتنكيت ينطبق على المشركين والمنفقين الذين نهى الله المؤمنين عن اتباعهم وسلوك مسلكهم، وفي ذلك تحذير من نفس السلوك، فقال تعالى في شأنهم، تقريعا وتوبيخا، في بداية هذا الربع :﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ﴾ أي الصم عن سماع الحق، لأنهم لا يستجيبون له، وإن قالوا سمعنا فهم لا يسمعون، والبكم عن الاعتراف بالحق – رغما عن تلقيه – لأنهم يمتنعون من ذكره وترديده.
وتعبير كتاب الله عن هذا الصنف من الخلق بكلمة ﴿ شر الدواب ﴾ مناسب لما لهم عليه كل المناسبة، فهم يشبهون الحيوانات العجماء في كونها لا تدرك عن طريق الاستماع بآذانها إلى كلام الناس إلا أصواتا غامضة تعجز كل العجز عن فهمها والإلمام بمعانيها، وهم يشبهون الحيوانات العجماء في كونها – وإن كان لها لسان- إلا أنها لا يصل منها إلى الغير إلا نبرات صوتية، لا قيمة لها ولا أهمية، وما دامت آذان هذا الصنف من الناس حين تسمع لا تنقل ما تسمعه إلى قلوبهم، وما دامت ألسنتهم حين تنطق إنما تهرف بما لا تعرف دون وعي ولا شعور، فآذانهم وألسنتهم أشبه ما تكون بآذان الدواب العجماء وألسنتها، وهم بسبب ذلك أدخل في عالم البهائم وأعرق، وأبعد من عالم الإنسان كل البعد. وسبق قوله تعالى في مثل هذا المقام :﴿ أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون ﴾.
قال القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " عند تفسير قوله تعالى، ﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾ :" ذمهم على ترك القبول، ثم شبههم بالصم والبكم على طريقة اللغة، في مبالغة ذم من لا يقبل الحق، فربما قيل فيه إنه ميت، كما قال الله تعالى عن مثلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إنك لا تسمع الموتى ﴾ ولذلك قال هنا بعده :﴿ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ﴾، ثم قال ﴿ ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ﴾ فذمهم نهاية الذم " إذ لا خير فيهم ولا أمل في هدايتهم ﴿ ولو أسمعهم ﴾ أي أفهمهم ﴿ لتولوا ﴾ أي لارتدوا بعد فهمه على أدبارهم ﴿ وهم معرضون ﴾ أي صادون عنه منصرفون، ولن ينفع العقل وحده صاحبه إذا كان قلبه ميتا، وإحساسه متبلدا
أول ما ينبغي التنبيه إليه في بداية هذه الحصة هو أن أول آية من هذا الربع، ترتبط ارتباطا وثيقا بالآيات السابقة عليها في أواخر الربع الماضي، فقد سبق قبلها قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾. ومعنى هذه الآيات السابقة أن طاعة الله ورسوله واجبة على المؤمنين، وأن مخالفة أمر الرسول بعد العلم بأمره محرمة عليهم وهم منهيون عنها نهيا باتا، ثم طالبهم الحق سبحانه وتعالى بأن لا يسلكوا مسلك المشركين والمنافقين، إذ المشركون مجاهرون بالمخالفة، مصرون على العناد، والمنافقون – وإن أظهروا الطاعة- فهم ينطوون على النفاق والإلحاد، ومن هذا السياق انتقل كتاب الله مباشرة إلى وصف دقيق فيه تبكيت وتنكيت ينطبق على المشركين والمنفقين الذين نهى الله المؤمنين عن اتباعهم وسلوك مسلكهم، وفي ذلك تحذير من نفس السلوك، فقال تعالى في شأنهم، تقريعا وتوبيخا، في بداية هذا الربع :﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ﴾ أي الصم عن سماع الحق، لأنهم لا يستجيبون له، وإن قالوا سمعنا فهم لا يسمعون، والبكم عن الاعتراف بالحق – رغما عن تلقيه – لأنهم يمتنعون من ذكره وترديده.
وتعبير كتاب الله عن هذا الصنف من الخلق بكلمة ﴿ شر الدواب ﴾ مناسب لما لهم عليه كل المناسبة، فهم يشبهون الحيوانات العجماء في كونها لا تدرك عن طريق الاستماع بآذانها إلى كلام الناس إلا أصواتا غامضة تعجز كل العجز عن فهمها والإلمام بمعانيها، وهم يشبهون الحيوانات العجماء في كونها – وإن كان لها لسان- إلا أنها لا يصل منها إلى الغير إلا نبرات صوتية، لا قيمة لها ولا أهمية، وما دامت آذان هذا الصنف من الناس حين تسمع لا تنقل ما تسمعه إلى قلوبهم، وما دامت ألسنتهم حين تنطق إنما تهرف بما لا تعرف دون وعي ولا شعور، فآذانهم وألسنتهم أشبه ما تكون بآذان الدواب العجماء وألسنتها، وهم بسبب ذلك أدخل في عالم البهائم وأعرق، وأبعد من عالم الإنسان كل البعد. وسبق قوله تعالى في مثل هذا المقام :﴿ أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون ﴾.
قال القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " عند تفسير قوله تعالى، ﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾ :" ذمهم على ترك القبول، ثم شبههم بالصم والبكم على طريقة اللغة، في مبالغة ذم من لا يقبل الحق، فربما قيل فيه إنه ميت، كما قال الله تعالى عن مثلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إنك لا تسمع الموتى ﴾ ولذلك قال هنا بعده :﴿ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ﴾، ثم قال ﴿ ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ﴾ فذمهم نهاية الذم " إذ لا خير فيهم ولا أمل في هدايتهم ﴿ ولو أسمعهم ﴾ أي أفهمهم ﴿ لتولوا ﴾ أي لارتدوا بعد فهمه على أدبارهم ﴿ وهم معرضون ﴾ أي صادون عنه منصرفون، ولن ينفع العقل وحده صاحبه إذا كان قلبه ميتا، وإحساسه متبلدا
في المصحف الكريم
أول ما ينبغي التنبيه إليه في بداية هذه الحصة هو أن أول آية من هذا الربع، ترتبط ارتباطا وثيقا بالآيات السابقة عليها في أواخر الربع الماضي، فقد سبق قبلها قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾. ومعنى هذه الآيات السابقة أن طاعة الله ورسوله واجبة على المؤمنين، وأن مخالفة أمر الرسول بعد العلم بأمره محرمة عليهم وهم منهيون عنها نهيا باتا، ثم طالبهم الحق سبحانه وتعالى بأن لا يسلكوا مسلك المشركين والمنافقين، إذ المشركون مجاهرون بالمخالفة، مصرون على العناد، والمنافقون – وإن أظهروا الطاعة- فهم ينطوون على النفاق والإلحاد، ومن هذا السياق انتقل كتاب الله مباشرة إلى وصف دقيق فيه تبكيت وتنكيت ينطبق على المشركين والمنفقين الذين نهى الله المؤمنين عن اتباعهم وسلوك مسلكهم، وفي ذلك تحذير من نفس السلوك، فقال تعالى في شأنهم، تقريعا وتوبيخا، في بداية هذا الربع :﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ﴾ أي الصم عن سماع الحق، لأنهم لا يستجيبون له، وإن قالوا سمعنا فهم لا يسمعون، والبكم عن الاعتراف بالحق – رغما عن تلقيه – لأنهم يمتنعون من ذكره وترديده.
وتعبير كتاب الله عن هذا الصنف من الخلق بكلمة ﴿ شر الدواب ﴾ مناسب لما لهم عليه كل المناسبة، فهم يشبهون الحيوانات العجماء في كونها لا تدرك عن طريق الاستماع بآذانها إلى كلام الناس إلا أصواتا غامضة تعجز كل العجز عن فهمها والإلمام بمعانيها، وهم يشبهون الحيوانات العجماء في كونها – وإن كان لها لسان- إلا أنها لا يصل منها إلى الغير إلا نبرات صوتية، لا قيمة لها ولا أهمية، وما دامت آذان هذا الصنف من الناس حين تسمع لا تنقل ما تسمعه إلى قلوبهم، وما دامت ألسنتهم حين تنطق إنما تهرف بما لا تعرف دون وعي ولا شعور، فآذانهم وألسنتهم أشبه ما تكون بآذان الدواب العجماء وألسنتها، وهم بسبب ذلك أدخل في عالم البهائم وأعرق، وأبعد من عالم الإنسان كل البعد. وسبق قوله تعالى في مثل هذا المقام :﴿ أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون ﴾.
قال القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " عند تفسير قوله تعالى، ﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾ :" ذمهم على ترك القبول، ثم شبههم بالصم والبكم على طريقة اللغة، في مبالغة ذم من لا يقبل الحق، فربما قيل فيه إنه ميت، كما قال الله تعالى عن مثلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إنك لا تسمع الموتى ﴾ ولذلك قال هنا بعده :﴿ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ﴾، ثم قال ﴿ ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ﴾ فذمهم نهاية الذم " إذ لا خير فيهم ولا أمل في هدايتهم ﴿ ولو أسمعهم ﴾ أي أفهمهم ﴿ لتولوا ﴾ أي لارتدوا بعد فهمه على أدبارهم ﴿ وهم معرضون ﴾ أي صادون عنه منصرفون، ولن ينفع العقل وحده صاحبه إذا كان قلبه ميتا، وإحساسه متبلدا
في المصحف الكريم
أول ما ينبغي التنبيه إليه في بداية هذه الحصة هو أن أول آية من هذا الربع، ترتبط ارتباطا وثيقا بالآيات السابقة عليها في أواخر الربع الماضي، فقد سبق قبلها قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾. ومعنى هذه الآيات السابقة أن طاعة الله ورسوله واجبة على المؤمنين، وأن مخالفة أمر الرسول بعد العلم بأمره محرمة عليهم وهم منهيون عنها نهيا باتا، ثم طالبهم الحق سبحانه وتعالى بأن لا يسلكوا مسلك المشركين والمنافقين، إذ المشركون مجاهرون بالمخالفة، مصرون على العناد، والمنافقون – وإن أظهروا الطاعة- فهم ينطوون على النفاق والإلحاد، ومن هذا السياق انتقل كتاب الله مباشرة إلى وصف دقيق فيه تبكيت وتنكيت ينطبق على المشركين والمنفقين الذين نهى الله المؤمنين عن اتباعهم وسلوك مسلكهم، وفي ذلك تحذير من نفس السلوك، فقال تعالى في شأنهم، تقريعا وتوبيخا، في بداية هذا الربع :﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ﴾ أي الصم عن سماع الحق، لأنهم لا يستجيبون له، وإن قالوا سمعنا فهم لا يسمعون، والبكم عن الاعتراف بالحق – رغما عن تلقيه – لأنهم يمتنعون من ذكره وترديده.
وتعبير كتاب الله عن هذا الصنف من الخلق بكلمة ﴿ شر الدواب ﴾ مناسب لما لهم عليه كل المناسبة، فهم يشبهون الحيوانات العجماء في كونها لا تدرك عن طريق الاستماع بآذانها إلى كلام الناس إلا أصواتا غامضة تعجز كل العجز عن فهمها والإلمام بمعانيها، وهم يشبهون الحيوانات العجماء في كونها – وإن كان لها لسان- إلا أنها لا يصل منها إلى الغير إلا نبرات صوتية، لا قيمة لها ولا أهمية، وما دامت آذان هذا الصنف من الناس حين تسمع لا تنقل ما تسمعه إلى قلوبهم، وما دامت ألسنتهم حين تنطق إنما تهرف بما لا تعرف دون وعي ولا شعور، فآذانهم وألسنتهم أشبه ما تكون بآذان الدواب العجماء وألسنتها، وهم بسبب ذلك أدخل في عالم البهائم وأعرق، وأبعد من عالم الإنسان كل البعد. وسبق قوله تعالى في مثل هذا المقام :﴿ أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون ﴾.
قال القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " عند تفسير قوله تعالى، ﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾ :" ذمهم على ترك القبول، ثم شبههم بالصم والبكم على طريقة اللغة، في مبالغة ذم من لا يقبل الحق، فربما قيل فيه إنه ميت، كما قال الله تعالى عن مثلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إنك لا تسمع الموتى ﴾ ولذلك قال هنا بعده :﴿ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ﴾، ثم قال ﴿ ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ﴾ فذمهم نهاية الذم " إذ لا خير فيهم ولا أمل في هدايتهم ﴿ ولو أسمعهم ﴾ أي أفهمهم ﴿ لتولوا ﴾ أي لارتدوا بعد فهمه على أدبارهم ﴿ وهم معرضون ﴾ أي صادون عنه منصرفون، ولن ينفع العقل وحده صاحبه إذا كان قلبه ميتا، وإحساسه متبلدا
والتعبير هنا بقوله تعالى :﴿ تخافون أن يتخطفكم الناس ﴾ تعبير حقيقي ينطبق على الواقع، فقد كان عدد المسلمين في بداية أمرهم بمكة أقل من القليل، وهم لا يتجاوزون بضع عشرات، وكانوا كالنقطة البيضاء في جلد الثور الأسود، إذ ليس في العالم باستثنائهم إذ ذاك إلا مشرك أو مجوسي أو يهودي أو نصراني، والكل يحوك لهم الدسائس، ويتربص بهم الدوائر، وينتظر لهم أسوأ مصير، فلم تمض إلا سنوات معدودة حتى نصر الله عبده، وهزم الأحزاب وحده، وفك عن الإسلام الحصار المضروب من حوله، وانطلق كالموج الزاخر يزحف في مده الطالع من مكان إلى آخر، وكالشمس المضيئة تسطع على بقاع العالم بقعة بعد أخرى.
ويقابل معنى الحياة والإحياء المستفاد من قوله تعالى هنا في هذا الربع :﴿ استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ﴾ معنى الهلاك والفناء المضاد له، المستفاد من قوله تعالى في سورة البقرة :﴿ وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين ﴾. روى الترمذي وصححه، وأبو داوود، والنسائي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وقال الحاكم إنه على شرط الشيخين، وابن جرير في تفسيره، كلهم من حديث يزيد ابن أبي حبيب عن " أسلم " مولى عمران التجيبي قال : " حمل رجل من المسلمين على صف الروم في غزوة كانوا يغزونها حتى دخل فيهم، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس : ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الأنصاري، أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل، نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا معشر الأنصار، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر واجتمعنا معشر الأنصار تخفيا، فقلنا قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونصره، حتى فشا الإسلام وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فأنزل الله تعالى على نبيه يرد علينا ما قلنا :﴿ وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وفي ترك الجهاد. قال " أسلم " راوي هذا الحديث : فما زال أبو أيوب الأنصاري شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
وقد نبه مصلحو الإسلام في القرن الأخير، وفي طليعتهم حكيم المشرق جمال الدين الأفغاني الحسيني ومؤرخ المغرب أحمد ابن خالد الناصري الجعفري إلى أن أهم سبب كان ولا يزال لطمع الأجانب في العالم الإسلامي هو إهمال المسلمين، لما أمرهم الله به وحضهم عليه، من العناية التامة بالقوة العسكرية، والفنون الحربية، ومن تركهم الاستعداد للجهاد، واعتمادهم في العدة والعتاد على نفس الأجانب الطامعين في السيطرة على العباد والبلاد.
و " الأمانة " شجرة وارفة الظلال ذات فروع وأغصان، ويندرج تحتها جميع الأعمال التي ائتمن الله عليها الإنسان، فتبدأ بالخلافة عن الله في الأرض، والقيام بتطبيق بنود الدستور الإلهي بين جنباتها :﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ﴾ وتتسع الأمانة شيئا فشيئا حتى تشمل واجب المسلم في جميع مجالات الحياة : واجبه نحو ملته، ونحو أمته، ونحو دولته، ونحو مجتمعه، ونحو أسرته وأولاده، ونحو عماله وطلابه، ونحو نفسه التي بين جنبيه، ففي جميع هذه المجالات، وفيما هو أعلى منها أو دونها، توجد أمانة مقدسة، وتوجد مسؤولية كبرى عن تلك الأمانة، حتى لا يضيعها المؤتمنون عليها فيحسبوا في عداد الخائنين. ومن خان أي نوع من أنواع الأمانة الملقاة على عاتقه في أي مجال من مجالاتها يعد خائنا لله ورسوله في نظر الإسلام، لأنه يعتبر العدو " رقم واحد " للصالح العام.
قال ابن كثير : " والصحيح أن هذه الآية عامة، وإن صح أنها وردت على سبب خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء، و " الخيانة " تعم الذنوب الصغار والكبار، اللازمة والمتعدية }.
في المصحف الكريم
يتناول حديث هذا اليوم، ابتداء من قوله تعالى :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، والله على كل شيء قدير ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا، إنهم لا يعجزون ﴾.
بعدما سجلت سورة الأنفال المدنية في مطلعها السابق أن " الأنفال " – وهي هنا المغانم التي غنمها المسلمون في غزوة بدر – موكول أمرها إلى الله ورسوله، لا إلى تقدير المجاهدين أنفسهم ورأيهم الخاص، وأنها ليست ملكا مباشرا لهم بمجرد الغزو والجهاد :﴿ يسألونك عن الأنفال، قل الأنفال لله وللرسول ﴾ جاءت الآيات في بداية هذا الربع، تعلن حكم الله ورسوله في شأن تلك الأنفال خاصة، وفي شأن غيرها من الغنائم التي يغنمها المسلمون في حروبهم عامة، وهذا الحكم يتلخص في قسم الغنائم على يد الإمام أو من يخلفه في قيادة الجيش، إلى خمسة أخماس، تكون أربعة أخماس منها لمجموع المجاهدين الذين قاتلوا في سبيل الله، ويخصص الخمس الباقي لمصالح المسلمين العامة، ولاسيما لذوي الحاجات منهم، الذين يحمل بيت مال المسلمين عادة عبء الصرف على حاجاتهم الضرورية.
وهذا الخمس العام المردود على ذوي الحاجات من المسلمين هو الذي يطلق عليه كتاب الله هنا ﴿ خمس الله والرسول ﴾ كما يطلق في عرف الشرع على أي نوع من أنواع الحقوق العامة اسم " حق الله " وإن كان مآل ذلك الحق إلى عموم الناس. ﴿ والله غني عن العالمين ﴾ وذلك قوله تعالى :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ وفيه تعيين لمصارف الخمس العام.
قال عمر ابن عبد العزيز : " قوله :﴿ فأن لله خمسه وللرسول ﴾ يعني في سبيل الله " وقال عطاء ابن أبي رباح : " خمس الله والرسول واحد ". وقال أبو بكر " ابن العربي " : " إنما ذكر الله نفسه في هذا المقام، تشريفا لهذا الكسب الذي جعله الله من أفضل وجوه الكسب ".
وكلمة " الغنيمة " يراد بها ما أخذ من أموال الكفار بقتال، بينما كلمة " الفيء " – وستأتي في آيات أخرى من كتاب الله – يراد بها ما أخذ منهم بغير قتال، كالأموال التي يصالحون عليها، أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، وكالخراج والجزية، وهذا النوع لا يخمس مثل الغنيمة، وإنما يتصرف فيه الإمام بما فيه مصلحة المسلمين، ويطلق عليه لفظ " الفيء " لأن الله أفاءه ورده على رسوله والمؤمنين، ووضعه بين أيديهم لينتفعوا به في مصالحهم العامة، وهم أهل لكل خير، وأحق بكل نفع. قال ابن كثير : " هذه الآية :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ﴾ هي توكيد لتخميس كل قليل وكثير، حتى الخيط والمخيط، مصداقا لقوله تعالى :﴿ ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة ﴾ الآية.
وروى أبو داوود والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا يحل لي من غنائمكم – مثل هذه- إلا الخمس، والخمس مردود عليكم ).
وروى البيهقي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغنيمة فقال :( لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش ). ثم سئل فما أحد أولى به من أحد ؟ فقال :( لا، ولا السهم تستخرجه من جيبك، ليس أنت أحق به من أخيك المسلم ).
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم فيكم ).
وفي الصحيح :( إنما أنا قاسم بعثت أن أقسم بينكم، والله المعطي، فالله حاكم، والنبي قاسم، والحق للخلق ).
والخطاب بالأمر في قوله تعالى :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ﴾. موجه إلى الذكور من المسلمين القادرين على القتال، فهم الذين منحهم الله بفضله أربعة أخماس الغنيمة، وإذا تطوعت المرأة بالقتال – رغما عن كونه لم يفرض عليها- كان لها نصيب من نفس الغنيمة، لكن بصفة عطية وهدية مجردة، لا بصفة سهم مفروض، كما ثبت في الصحيح :( أن النساء كن يحذين من الغنيمة ولا يسهم لهن ) ومعنى يحذين – أي يعطين- من " الحذوة "، وهي العطية والهدية، واستحسن ابن حبيب من أئمة المالكية أن يكون لها سهم في الغنيمة أيضا.
والعبرة بالنسبة إلى التعبئة وحمل السلاح في الإسلام إنما هي بإطاقة القتال والقدرة عليه، بحيث يقبل فيه حتى المراهقون متى كانوا أقوياء على القتال، فقد عرض ابن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يوم الخندق وهو ابن خمسة عشرة سنة، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه، وأذن له بالمشاركة في المعركة مع كبار المجاهدين.
وإنما يثبت السهم في الغنيمة لمن حضر القتال دون من غاب، ولو كانت غيبته لعذر، اللهم إلا إذا كان الغائب قد تغيب في مصلحة الجيش، فإنه يشارك من حضر بسهمه، كما ذهب إليه محمد بن المواز من المالكية، ومن حضر مريضا كمن لم يحضر، اللهم إلا إذا كان له رأي يساهم به في تدبير الحرب، وذهب أشهب من المالكية إلى أن المجاهد الأسير يسهم له وإن كان مقيدا بالحديد.
وأما من يصحب الجيش للمعاش كالأجراء والصناع والتجار ممن لم يقصدوا القتال ولا خرجوا للجهاد، فلا حق لهم في الغنيمة، مصداقا لقوله تعالى في سورة المزمل :﴿ علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وآخرون يقاتلون في سبيل الله ﴾ فقد ميز الله في هذه الآية المقاتلين عن أهل المعاش من المسلمين. وبين حال كل فريق وحكمه، نعم، إذا اشترك الأجراء والصناع والتجار في نفس القتال إلى جانب بقية المجاهدين – علاوة على ما يقومون به من كسب معاشهم – كان لهم حقهم في الغنيمة، لأن سبب الاستحقاق قد وجد منهم كما نص عليه المحققون.
وإذا كان كتاب الله لم ينص على أي تفصيل أو تفضيل في شأن الأربعة الأخماس التي منحها للمجاهدين الغانمين، فقد جاءت السنة النبوية الكريمة ببعض التفصيل والتفضيل، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فاضل بين الفارس والراجل من المجاهدين، فأعطى للراجل سهما واحدا، وأعطى للفارس سهمين اثنين.
قال أبو بكر " ابن العربي " : " وذلك لكثرة العناء وعظم المنفعة " - أي بالنسبة للفارس – " فجعل الله التقدير في الغنيمة بقدر العناء في أخذها، حكمة منه سبحانه فيها، ووقف بعض العلماء عند الحد الذي فاضل به رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفارس والراجل، واستحسن البعض الآخر إعطاء الفارس بدلا من سهمين ثلاثة أسهم، له واحد ولفرسه اثنان، ومن له عدة أفراس أسهم لواحد منها، إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لأكثر من فرس واحد }.
وهكذا أحكم الله أمر الغنيمة بقوله تعالى :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ وبهذا الحكم الإلهي الحكيم في الغنائم، أسقط الله حكم الجاهلية الظالم :﴿ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ولذي القربى ﴾ ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد به نفس المعنى المقصود في قوله تعالى :﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾ وعن عمر بن عبد العزيز أن القرابة لا يعطون من الخمس إلا بالفقر، قال مالك : وبه أقول. واحتج مالك بأن ذلك جعل لهم عوضا عن الصدقة، لأنها لا تحل لآل البيت.
وقوله تعالى :﴿ واليتامى ﴾ المراد به أيتام المسلمين الفقراء، واليتيم من فيه ثلاثة أوصاف : موت أبيه قبل بلوغه، ووجود الإسلام فيه أصلا أو تبعا لأبويه، وحاجته إلى المساعدة.
وتوسع بعض العلماء فأدرج في اليتامى المستحقين حتى اليتامى الأغنياء، بوصف يتمهم، لا بوصف غناهم.
وقوله تعالى :﴿ وابن السبيل ﴾ المراد به المسافر الذي يجتاز الطريق محتاجا، وإن كان غنيا في بلده، ومثله من عزم على السفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة، دون أن يكون عنده ما ينفقه في ذلك السفر.
وقوله تعالى :﴿ يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ﴾ إشارة إلى يوم بدر الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل، وأعلى كلمة الإيمان على كلمة الشرك،
وقوله تعالى :﴿ والركب أسفل منكم ﴾ إشارة إلى العير التي كانت تحمل تجارة قريش من الشام في طريقها إلى مكة، محاذية لساحل البحر.
وقوله تعالى :﴿ ليقضي الله أمر كان مفعولا ﴾ أي ليقضي ما أراده من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، بقدرته ولطفه.
وقال قتادة في تفسير هذه الآية : " افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون، عند الضرب بالسيوف ". قال أبو بكر " ابن العربي " : " قوله تعالى :﴿ واذكروا الله ﴾ فيه ثلاث احتمالات :
١ ) اذكروا الله عند جزع قلوبكم، فإن ذكره يثبت.
٢ ) اذكروا الله بالقلب واللسان حتى يثبت القلب على اليقين ويسكن، ويثبت اللسان على الذكر ولا يضطرب.
٣ ) اذكروا ما عندكم من وعد الله لكم، بابتياعه أنفسكم منكم، ومثامنته لكم.
ثم عقب على هذه الاحتمالات قائلا : " وكلها مراد، وأقواها أوسطها، فإن ذلك إنما يكون عن قوة المعرفة، ونفاذ القريحة، واتقاد البصيرة، وهي الشجاعة المحمودة في الناس.
بعدما نبه كتاب الله في نهاية الربع الماضي إلى ما قد يتعرض له المؤمنون من دسائس ومؤامرات، يبيتها لهم أعداء الإسلام، وخاصة ما يقوم به أولئك الأعداء من خيانة متوالية للعهود، ونقض مستمر للمواثيق، إذ لا عهد لهم ولا ميثاق، فقال تعالى في شأنهم :﴿ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ﴾.
وبعدما دعا كتاب الله إلى وجوب التنكيل بأعداء الإسلام الخائنين للعهود، والضرب على أيديهم عند لقائهم دون هوادة، حتى يعتبر بهم غيرهم من بقية الأعداء، وحتى لا يحدثوا أنفسهم بالعدوان من جديد على المسلمين، فقال تعالى :﴿ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ﴾.
وبعدما أمر الله رسوله والمؤمنين بالاحتياط التام، من تحركات أعداء الإسلام، وبالمبادرة إلى نقض عهدهم عند توقع خيانتهم، بمجرد ظهور بوادر الخيانة وبروز آثارها، وإن لم يكونوا قد أعلنوا خيانتهم رسميا، فقال تعالى :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين ﴾ جاءت الآيات الكريمة في أول هذا الربع ( الربع الثاني من الحزب التاسع عشر في المصحف الكريم )، بقاعدة قرآنية عامة، وخطاب إلهي موجه إلى كافة المومنين، بصفة مؤبدة ومستمرة إلى يوم الدين، وذلك قوله تعالى :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾. ففي هذا الخطاب الإلهي الحكيم يأمر الله عباده المومنين أمرا قاطعا بإعداد كل ما في إمكانهم واستطاعتهم من وسائل القوة، الكافية لمجابهة أعداء الإسلام، وعدم الغفلة عن هذا الاستعداد، على مدى السنين والأعوام
بعدما نبه كتاب الله في نهاية الربع الماضي إلى ما قد يتعرض له المؤمنون من دسائس ومؤامرات، يبيتها لهم أعداء الإسلام، وخاصة ما يقوم به أولئك الأعداء من خيانة متوالية للعهود، ونقض مستمر للمواثيق، إذ لا عهد لهم ولا ميثاق، فقال تعالى في شأنهم :﴿ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ﴾.
وبعدما دعا كتاب الله إلى وجوب التنكيل بأعداء الإسلام الخائنين للعهود، والضرب على أيديهم عند لقائهم دون هوادة، حتى يعتبر بهم غيرهم من بقية الأعداء، وحتى لا يحدثوا أنفسهم بالعدوان من جديد على المسلمين، فقال تعالى :﴿ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ﴾.
وبعدما أمر الله رسوله والمؤمنين بالاحتياط التام، من تحركات أعداء الإسلام، وبالمبادرة إلى نقض عهدهم عند توقع خيانتهم، بمجرد ظهور بوادر الخيانة وبروز آثارها، وإن لم يكونوا قد أعلنوا خيانتهم رسميا، فقال تعالى :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين ﴾ جاءت الآيات الكريمة في أول هذا الربع ( الربع الثاني من الحزب التاسع عشر في المصحف الكريم )، بقاعدة قرآنية عامة، وخطاب إلهي موجه إلى كافة المومنين، بصفة مؤبدة ومستمرة إلى يوم الدين، وذلك قوله تعالى :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾. ففي هذا الخطاب الإلهي الحكيم يأمر الله عباده المومنين أمرا قاطعا بإعداد كل ما في إمكانهم واستطاعتهم من وسائل القوة، الكافية لمجابهة أعداء الإسلام، وعدم الغفلة عن هذا الاستعداد، على مدى السنين والأعوام
بعدما نبه كتاب الله في نهاية الربع الماضي إلى ما قد يتعرض له المؤمنون من دسائس ومؤامرات، يبيتها لهم أعداء الإسلام، وخاصة ما يقوم به أولئك الأعداء من خيانة متوالية للعهود، ونقض مستمر للمواثيق، إذ لا عهد لهم ولا ميثاق، فقال تعالى في شأنهم :﴿ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ﴾.
وبعدما دعا كتاب الله إلى وجوب التنكيل بأعداء الإسلام الخائنين للعهود، والضرب على أيديهم عند لقائهم دون هوادة، حتى يعتبر بهم غيرهم من بقية الأعداء، وحتى لا يحدثوا أنفسهم بالعدوان من جديد على المسلمين، فقال تعالى :﴿ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ﴾.
وبعدما أمر الله رسوله والمؤمنين بالاحتياط التام، من تحركات أعداء الإسلام، وبالمبادرة إلى نقض عهدهم عند توقع خيانتهم، بمجرد ظهور بوادر الخيانة وبروز آثارها، وإن لم يكونوا قد أعلنوا خيانتهم رسميا، فقال تعالى :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين ﴾ جاءت الآيات الكريمة في أول هذا الربع ( الربع الثاني من الحزب التاسع عشر في المصحف الكريم )، بقاعدة قرآنية عامة، وخطاب إلهي موجه إلى كافة المومنين، بصفة مؤبدة ومستمرة إلى يوم الدين، وذلك قوله تعالى :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾. ففي هذا الخطاب الإلهي الحكيم يأمر الله عباده المومنين أمرا قاطعا بإعداد كل ما في إمكانهم واستطاعتهم من وسائل القوة، الكافية لمجابهة أعداء الإسلام، وعدم الغفلة عن هذا الاستعداد، على مدى السنين والأعوام
بعدما نبه كتاب الله في نهاية الربع الماضي إلى ما قد يتعرض له المؤمنون من دسائس ومؤامرات، يبيتها لهم أعداء الإسلام، وخاصة ما يقوم به أولئك الأعداء من خيانة متوالية للعهود، ونقض مستمر للمواثيق، إذ لا عهد لهم ولا ميثاق، فقال تعالى في شأنهم :﴿ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ﴾.
وبعدما دعا كتاب الله إلى وجوب التنكيل بأعداء الإسلام الخائنين للعهود، والضرب على أيديهم عند لقائهم دون هوادة، حتى يعتبر بهم غيرهم من بقية الأعداء، وحتى لا يحدثوا أنفسهم بالعدوان من جديد على المسلمين، فقال تعالى :﴿ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ﴾.
وبعدما أمر الله رسوله والمؤمنين بالاحتياط التام، من تحركات أعداء الإسلام، وبالمبادرة إلى نقض عهدهم عند توقع خيانتهم، بمجرد ظهور بوادر الخيانة وبروز آثارها، وإن لم يكونوا قد أعلنوا خيانتهم رسميا، فقال تعالى :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين ﴾ جاءت الآيات الكريمة في أول هذا الربع ( الربع الثاني من الحزب التاسع عشر في المصحف الكريم )، بقاعدة قرآنية عامة، وخطاب إلهي موجه إلى كافة المومنين، بصفة مؤبدة ومستمرة إلى يوم الدين، وذلك قوله تعالى :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾. ففي هذا الخطاب الإلهي الحكيم يأمر الله عباده المومنين أمرا قاطعا بإعداد كل ما في إمكانهم واستطاعتهم من وسائل القوة، الكافية لمجابهة أعداء الإسلام، وعدم الغفلة عن هذا الاستعداد، على مدى السنين والأعوام
في المصحف الكريم
بعدما نبه كتاب الله في نهاية الربع الماضي إلى ما قد يتعرض له المؤمنون من دسائس ومؤامرات، يبيتها لهم أعداء الإسلام، وخاصة ما يقوم به أولئك الأعداء من خيانة متوالية للعهود، ونقض مستمر للمواثيق، إذ لا عهد لهم ولا ميثاق، فقال تعالى في شأنهم :﴿ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ﴾.
وبعدما دعا كتاب الله إلى وجوب التنكيل بأعداء الإسلام الخائنين للعهود، والضرب على أيديهم عند لقائهم دون هوادة، حتى يعتبر بهم غيرهم من بقية الأعداء، وحتى لا يحدثوا أنفسهم بالعدوان من جديد على المسلمين، فقال تعالى :﴿ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ﴾.
وبعدما أمر الله رسوله والمؤمنين بالاحتياط التام، من تحركات أعداء الإسلام، وبالمبادرة إلى نقض عهدهم عند توقع خيانتهم، بمجرد ظهور بوادر الخيانة وبروز آثارها، وإن لم يكونوا قد أعلنوا خيانتهم رسميا، فقال تعالى :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين ﴾ جاءت الآيات الكريمة في أول هذا الربع ( الربع الثاني من الحزب التاسع عشر في المصحف الكريم )، بقاعدة قرآنية عامة، وخطاب إلهي موجه إلى كافة المومنين، بصفة مؤبدة ومستمرة إلى يوم الدين، وذلك قوله تعالى :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾. ففي هذا الخطاب الإلهي الحكيم يأمر الله عباده المومنين أمرا قاطعا بإعداد كل ما في إمكانهم واستطاعتهم من وسائل القوة، الكافية لمجابهة أعداء الإسلام، وعدم الغفلة عن هذا الاستعداد، على مدى السنين والأعوام
وكتاب الله في هذه الآية لا يحدد نوعا خاصا من أنواع " القوة " وإنما يأمر بإعداد القوة بكل ما في الوسع والطاقة، وعلى الإطلاق والشمول، دون تعيين لنوعها، ولا تحديد لشكلها، لأن أنواع القوة وأدواتها تختلف من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، فلكل عصر نوع من القوة يقهر الأعداء، ونوع من السلاح يفيد في مقاومتهم ويردهم على أعقابهم. والله تعالى بمقتضى هذه الآية يلزم المسلمين بأن يكونوا أقوياء غير ضعفاء، وبأن يكونوا في مستوى كاف من القوة يجعلهم في مأمن من طمع الطامعين، وعدوان المعتدين، إذ هو سبحانه وتعالى أعلم بما سيواجه الإسلام منذ ظهوره في العالم من أحلاف عدائية، ودسائس سياسية وعسكرية، ومؤامرات صليبية وصهيونية وإلحادية، دون انقطاع، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولذلك نزلت هذه الآية المحكمة واضحة كل الوضوح، صريحة كل الصراحة، تحذيرا للمسلمين من الغفلة عما يقويهم، وتذكيرا لهم بما يحيط بهم باستمرار من دسائس أعدائهم ومؤامراتهم، مما يلزم الاستعداد لرده والوقوف في وجهه في كل جيل، دون تهاون ولا إهمال ولا تردد. قال القاضي أبو بكر " ابن العربي " : " أمر الله سبحانه وتعالى بإعداد القوة للأعداء، بعد أن أكد في تقدمة التقوى، وأن الله تعالى لو شاء لهزمهم – أي الأعداء – بالكلام والتفل في الوجوه " إلى أن قال : " ولكنه أراد أن يبلو بعض الناس ببعض، بعلمه السابق، وقضائه النافذ، فأمر بإعداد القوى والآلة من فنون الحرب، التي تكون لنا عدة، وعليهم قوة، ووعد على الصبر والتقوى بإمداد الملائكة العليا ".
وكتاب الله عندما يتحدث عن " القوة " ويدعو المسلمين إلى إعدادها بكل الوسائل لا يقصد بلفظ القوة معناها المادي المجرد وحده، المتمثل في الآلات والأدوات الحربية، وإنما يقصد منها معناها المادي ومعناها الروحي في آن واحد، بل إن القوة الروحية عنده بالنسبة إلى القوة المادية تعتبر كالجوهر بالنسبة للعرض، والروح بالنسبة للجسد، فالقوة الروحية في نظر الدين والأخلاق، والروح المعنوية العالية، في نظر المختصين من رجال الدراسات النفسية والأبحاث العسكرية، هي منبع كل قوة، وأساس كل نصر، وبدونها تضطرب القلوب وتنهار الأعصاب، وتصبح الهزيمة من كل جيش قاب قوسين وعلى الأبواب، لكن إذا كانت قوة الإيمان بالله وتقوى الله تقود جنود الإسلام، في خطواتهم إلى الأمام، فبشرهم من عند الله بالفتح المبين، والنصر والتمكين، ووقتئذ يتم وعد الله بالغلبة على الكافرين، ويصدق قول الله تعالى وهو أصدق القائلين :﴿ ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا، إنهم لا يعجزون ﴾ أي أنهم لا يعجزون الله، فهم في قبضته، وتحت قهره ومشيئته.
وبعدما أمر الله المسلمين بإعداد القوة لكبح جماح أعداء الإسلام، بشكل عام، خص كتاب الله بالذكر من بين أنواع القوة نوع الخيل، فقال تعالى، ﴿ ومن رباط الخيل ﴾ وقد كانت الخيل في الحروب الماضية تحتل مكانا بالغ الأهمية، ولا تزال الخيل إلى اليوم تقوم بدور مهم في العمليات الحربية، ولا سيما عندما تتعذر الحركة على الأدوات الآلية. ولعل ذكر " الخيل " هو إنما ورد على وجه التنبيه، نظرا لأن الخيل كانت في العهد الإسلامي الأول أهم شيء في الحرب، وذلك حتى يقيس المسلمون عليها غيرها، ويهتموا في مستقبل الأيام بكل ما يحدث ويتجدد من أدوات القوة ووسائلها الفعالة، فالعبرة أولا وأخيرا إنما هي بإعداد القوة التي لا تضام، والاستعداد التام للعدو الظاهر والخفي على الدوام.
ومن اللطائف في هذا الباب ما قام به علماء الشريعة من مناقشات، وما شغلوا به أنفسهم من مقارنات بين أدوات الحرب أيها أفضل، اهتماما بهذا الموضوع : هل أن ركوب الخيل أفضل من الرمي، أم أن الرمي أفضل من ركوب الخيل، فذهب الإمام مالك إلى الرأي الأول، استنادا فيما يظهر إلى قوله تعالى هنا :﴿ ومن رباط الخيل ﴾ وإلى قوله صلى الله عليه وسلم :( الخيل معقود في نواصيها الخير، إلى يوم القيامة. الأجر والمغنم ) وهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه عن عروة ابن أبي الجعد.
وذهب غيره إلى الرأي الثاني، استنادا إلى أحاديث نبوية أخرى، فقد روى الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر :( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي. ثلاثا ) وهذا الحديث مروي عن رسول الله في صحيح مسلم أيضا. وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن من حديث صالح بن كيسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ارموا واركبوا، وأن ترموا خير من أن تركبوا ).
وبعدما أمر كتاب الله المؤمنين من عباده بإعداد القوة لمواجهة خصوم الإسلام، حتى يصونوا البيضة ويحموا الذمار، أخذ يكشف الستار عن الحكمة الإلهية من وراء هذا الأمر القاطع، في إيجاز وإعجاز، فقال تعالى :﴿ ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم ﴾ ومعنى هذه الآية الكريمة أن الحكمة من وراء أمر المسلمين ببذل كل ما في المستطاع، للحصول على القوة المادية إلى جانب القوة المعنوية، هي تخويف أعدائهم من مواجهتهم، وقطع كل أمل في الطمع فيهم، وتحذيرهم من نتائج أي عدوان يغامرون به ضد المسلمين، إذ إن ضعف الضعفاء يغري بهم ويطمع فيهم جميع الأقوياء، فالقوة مهما وجدت وتيقن العدو من وجودها وحسن استعمالها، فكر العدو في الأمر وقدر ولم يغامر في أغلب الظروف، بحيث متى راوده الطمع في المسلمين يوما من الأيام وجدهم على أهبة الاستعداد، ووقفوا له صفا واحدا بالمرصاد.
وكتاب الله ينبه المسلمين إلى أن عدو الله هو عدو لهم في نفس الوقت كما قال تعالى هنا :﴿ عدو الله وعدوكم ﴾ والمراد بعدو الله دينه، وعدو رسوله، وعدو كتابه، وعدو الأمة المؤمنة. ومن خلل العقل وبلادة الذهن اعتقاد بعض البسطاء أن عدو الله يمكن أن يكون عدوا لدودا للإسلام، لكن يكون في نفس الوقت صديقا حميما للمسلمين. فهذه فكرة سخيفة لا تنسجم مع عقل ولا مع شرع.
وها هي الأحداث الأخيرة قد كشفت النقاب بما لا يدع الشك لمسلم، عن أمرين خطيرين :
الأمر الأول : ما لا يزال يحمله أعداء الإسلام للمسلمين من حقد وضغينة وشماتة، ونوايا سيئة ضدهم جميعا، وذلك بمناسبة نكبة فلسطين الكبرى، التي وجدتهم مضعضعي القوى ماديا وروحيا.
والأمر الثاني : صدق كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووجوب تنفيذ أمره، بإعداد القوة والاستعداد للعدو، وبذل النفس والنفيس في هذا السبيل، وإلا حقت على المسلمين كلمة العذاب، وطرقت ساحتهم المصائب والنوائب من كل باب.
وقوله تعالى في هذا السياق :﴿ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم ﴾ إشارة إلى أن للإسلام والمسلمين أعداء ألداء غير ظاهرين، وإلى أنه كما يجب على المسلمين أن يستعدوا لأعدائهم التقليديين المعروفين، فعليهم أن يدخلوا في حسابهم دائما أولئك الأعداء المتسترين الذين يعملون ضدهم في السر والخفاء، بينما يواجهونهم بالكلام المعسول واللين لا بالجفاء :﴿ يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ﴾.
وأخيرا حذر كتاب الله من مخالفة هذه الأوامر الإلهية الصارمة، التي بامتثالها ينهض المسلمون وينصرون، وبمخالفتها تدول دولتهم ويقبرون، فقال تعالى :﴿ إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ﴾. ففي هذه الآية الكريمة آخر إنذار وجهه كتاب الله مباشرة إلى كافة المؤمنين، ومضمون هذا الإنذار الإلهي الخطير : إنكم أيها المسلمون إن ضيعتم الألفة التي عقدتها بينكم، وانقسمتم على أنفسكم، وواليتم أعداء الإسلام بدلا من موالاة بعضكم، وإن أهملتم إعداد القوة اللازمة لحفظ كيانكم، والعمل المتواصل لتدعيم سلطانكم، وإن تخاذلتم عن إعزاز ملتكم وحماية دولتكم، وإن تهاونتم في السعي إلى فرض هيبتكم وإعلاء كلمتكم ﴿ إلا تفعلوه ﴾ أي أن لا تفعلوا كل هذا :﴿ تكن فتنة في الأرض ﴾ أي تقم فتنة في أطراف العالم، وفي طليعة العالم الإسلامي، وذلك لتسلط قوات الشر والعدوان في كل مكان، ولفقدان التوازن بين القوات المتطاحنة في الميدان، وهكذا يسود البغي والفساد، في جميع أطراف البلاد :﴿ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ﴾ وهذا التفسير الذي فسرنا به قوله تعالى هنا :﴿ إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ﴾، يزداد جلاء ووضوحا كلما تدبرنا بإمعان وروية قوله تعالى في سورة البقرة تعقيبا على صراع طالوت وجالوت :﴿ ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين ﴾، وقوله تعالى في سورة الحج :﴿ ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز ﴾.