مدنية، وهي خمس آيات.
ومناسبتها : أن المعتصم به، والمتعوذ به، هو الموصوف في السورة قبلها، كما في حديث عثمان أنه صلى الله عليه وسلم عاده، وقال :" أعيذك بالله الأحد الصمد "، وأمره بالتعوذ بذلك.
وقيل في مناسبة التعوذ بعد الإخلاص : إن سبب نزول سورة الإخلاص ما وقع من الجهل وسوء الأدب، بالسؤال عن نسب الله، وكفى به شرا، فأمره بالتعوذ من كل شر، ثم من خصوص شر الغاسق ؛ لأنه عنده يقع النفث والسحر، ثم من الحسد ؛ لأنه الحامل على ذلك والباعث، ثم من الوسواس ؛ لأنه أصل كل ذلك، فلا يقع شر اختياري إلا بوسوسة إنس أو جن. والله أعلم.
قال المحلي : نزلت هذه والتي بعدها لما سحر لبيد اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم. ه.
وفي الثعلبي : قال ابن عباس وعائشة : كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وتولاه لبيد بن الأعصم، ودفنه في بئر لبني زريق، يقال لها : ذروان، فمرض النبي صلى الله عليه وسلم، وانتثر شعر رأسه، ولبث شهرا يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه، فبينما هو قائم أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه، للذي عند رأسه : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب، قال من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم، قال : وفيم طبه ؟ قال : في مشط ومشاطة، وطلعة ذكر، قال : أين هو ؟ في جف طلعة تحت راعوفة، في بئر ذروان. والجف : قشر الطلع، والراعوفة : حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح- وهو الساقي-، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم مذعورا، وقال :" يا عائشة، أما شعرت أن الله تعالى أخبرني بدائي "، ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وعمارا، فنزحوا ماء تلك البئر، كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجُفّ، فإذا مشاطة رأسه، وأسنان من مشطه، وإذا وتر، معقود فيه إحدى عشرة عقدة، مغرزة بالإبر، فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية على عدد العقد، وأمره أن يتعوذ بهما، فجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة، ووجد النبي صلى الله عليه وسلم خِفة، حتى انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عِقال، فقالوا : يا رسول الله ؛ ألا نقتل الخبيث ؟ فقال عليه السلام :" أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير الناس شرا " ١، فلم ينتقم عليه السلام لنفسه، ولا غضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله، فلا يقوم لغضبه شيء.
ﰡ
وفي تعليق العياذ بالرب، المضاف إلى الفلق، المنبئ عن النور بعد الظلمة، وعن السعة بعد الضيق، والفتق بعد الرتَق، عِدَة كريمة بإعاذة العامة مما يتعوّذ منه، وإنجائه منه، وفَلْق ما عقد له من السحر وانحلاله عنه، وتقوية رجائه بتذكير بعض نظائره، ومزيد ترغيب في الاعتناء بقرع باب الالتجاء إلى الله تعالى.