تفسير سورة الفلق

تفسير ابن عطية
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز المعروف بـتفسير ابن عطية .
لمؤلفه ابن عطية . المتوفي سنة 542 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الفلق. ١
هذه السورة قال ابن عباس : هي مدنية، وقال قتادة : هي مكية.
١ في الأصول: "تفسير سورة المعوذة الأولى"، واخترنا الاسم المشهور والمثبت في المصحف الشريف..

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الفلق
هذه السورة قال ابن عباس هي مدنية، وقال قتادة: هي مكية.
قوله عز وجل:
[سورة الفلق (١١٣) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد هو آحاد أمته، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن والقرظي وقتادة ومجاهد وابن زيد: الْفَلَقِ: الصبح، كقوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ [الأنعام: ٩٦] وقال ابن عباس أيضا وجماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم: الْفَلَقِ: جب في جهنم ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ يعم كل موجود له شر، وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين: بأن الله لم يخلق الشر «من شر ما خلق» على النفي وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، الله خالق كل شيء، واختلف الناس في: «الغاسق إذا وقب» فقال ابن عباس ومجاهد والحسن: «الغاسق» : الليل ووَقَبَ معناه: أظلم ودخل على الناس، وقال الشاعر [ابن قيس الرقيات] :[المديد]
إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقا
وقال محمد بن كعب: «الغاسق إذا وقب»، النهار دخل في الليل، وقال ابن زيد عن العرب، «الغاسق» سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وقال عليه السلام: النجم هو الغاسق فيحتمل أن يريد الثريا، وقال لعائشة وقد نظر إلى القمر: «تعوذي بالله مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ، فهذا هو»، وقال القتبي وغيره: هو البدر إذا دخل في ساهوره فخسف، قال الزهري في «الغاسق إذا وقب» :
الشمس إذا غربت، ووَقَبَ في كلام العرب: دخل، وقد قال ابن عباس في كتاب النقاش: «الغاسق إذا وقب» : ذكر الرجل، فهذا التعوذ في هذا التأويل نحو قوله عليه السلام وهو يعلم السائل التعوذ: «قل أعوذ بالله من شر سمعي وشر قلبي وشر بصري وشر لساني وشر منيي»، ذكر الحديث جماعة والنَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ السواحر، ويقال إن الإشارة أولا إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي كن ساحرات وهن اللواتي سحرن مع أبيهم النبي ﷺ وعقدن له إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى إحدى عشرة آية
538
بعد العقد، هي المعوذتان، فشفى الله النبي صلى الله عليه وسلم، والنفث شبه النفخ دون تفل ريق، وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك، وهذا الشأن في زمننا موجود شائع في صحراء المغرب، وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطا أحمر قد عقد فيه عقد على فصلان فمنعت بذلك رضاع أمهاتها، فكان إذا حل جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع أعاذنا الله من شر السحر والسحرة بقدرته، وقرأ عبد الله بن القاسم والحسن وابن عمر: «النافثات في العقد»، وقوله تعالى:
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ قال قتادة: من شر عينه ونفسه، يريد بالنفس السعي الخبيث والإذاية كيف قدر لأنه عدو مجد ممتحن، وقال الشاعر:
كل عداوة قد ترجى إفاقتها إلا عداوة من عاداك من حسد
وعين الحاسد في الأغلب لاقعة نعوذ بالله من شرها ولا أعدمنا الله حسدة. [الكامل]
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
والحسد: في الاثنين اللتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسد مستحسن غير ضار»، وإنما هو باعث على خير، وهذه السورة خمس آيات فقال بعض الحذاق: وهي مراد الناس بقولهم للحاسد إذا نظر إليهم: الخمس على عينيك، وقد غلطت العامة في هذا فيشيرون في ذلك بالأصابع لكونها خمسة، وأمال أبو عمرو حاسِدٍ، والباقون بفتح الحاء وقال الحسن بن الفضل: ذكر الله تعالى الشر في هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليظهر أنه أخس طبع.
539
Icon