ﰡ
سورة الأنبياء
مكية
وآياتها مائة واثنتا عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (١) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ (٥) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦)شرح الكلمات:
اقترب١ للناس حسابهم: أي قرب زمن حسابهم وهو يوم القيامة.
وهم في غفلة: أي عما هم صائرون إليه
معرضون: أي عن التأهب ليوم الحساب بصالح الأعمال بعد ترك
من ذكر من ربهم محدث: أي من قرآن نازل من ربهم محدث جديد النزول.
وهم يلعبون: أي ساخرين مستهزئين.
لاهية قلوبهم: مشغولة عنه بما لا يغني من الباطل والشر والفساد.
واسروا النجوى.: أي أخفوا مناجاتهم بينهم.
أضغاث أحلام: أي أخلاط رآها في المنام.
بل افتراه: أي اختلقه وكذبه ولم يوح إليه.
أفهم يؤمنون: أي لا يؤمنون فالاستفهام للنفي.
معنى الآيات:
يخبر تعالى فيقول وقوله الحق: ﴿اقترب للناس١ حسابهم﴾ أي دنا وقرب وقت حسابهم على أعمالهم خيرها وشرها ﴿وهم في٢ غفلة﴾ عما ينتظرهم من حساب وجزاء ﴿معرضون﴾ عما يدعون إليه من التأهب ليوم الحساب بترك الشرك والمعاصي والتزود بالإيمان وصالح الأعمال. وقوله تعالى: ﴿ما يأتيهم من ذكر٣ من ربهم محدث٤﴾ أي ما ينزل الله من قرآن يعظهم به ويذكرهم بما فيه ﴿إلا استمعوه وهم يلعبون﴾ أي استعموه وهم هازئون ساخرون لاعبون غير متدبرين له ولا متفكرين فيه. وقوله تعالى: ﴿لاهية قلوبهم﴾ أي مشغولة عنه منصرفة عما تحمل الآيات المحدثة النزول من هدى ونور، ﴿وأسروا النجوى الذين ظلموا٥﴾ وهم المشركون قالوا في تناجيهم بينهم: ﴿هل هذا إلا بشر مثلكم﴾ أي ما محمد إلا إنسان مثلكم فكيف تؤمنون به وتتابعونه على ما جاء. به،
٢ الجملة حالية أي: اقترب للناس حسابهم والحال أنّهم في غفلة معرضون.
٣ محدث: أي: في نزوله وقراءة جبريل له على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كان ينزل آية آية وسورة سورة وجائز أن يكون الذكر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقرينة الآيات كقوله: ﴿هل هذا إلا بشر مثلكم﴾ وقوله: ﴿قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولاً..﴾ فرسول بدلا، ق قوله: (ذكرا) وقوله (إلا استمعوه) ي: الرسول وهم يلعبون. قاله الحسن بن الفضل.
٤ لاهية: ساهية معرضة عن ذكر الله تعالى. يقال: لهيت عن الشيء إذا تركته وسهرت عنه، وهو نعت تقدّم عن الاسم فنصب على الحال نحو: (خاشعة أبصارهم)، (ودانية عليهم ظلالها) وكقول كثير عزّة:
لعزة موحشا طلل
يلوح كأنه خِلَلُ
٥ ﴿الذين ظلموا﴾ بدل من واو الجماعة في: ﴿وأسروا النجوى﴾.
وقوله تعالى: ﴿بل قالوا﴾ أي أولئك المتناجون الظالمون ﴿أضغاث أحلام﴾ أي قالوا في القرآن يأتيهم من ربهم محدث لهم؛ ليهتدوا به قالوا فيه أضغاث أي أخلاط رؤيا منامية وليس بكلام الله ووحيه، ﴿بل افتراه﴾ انتقلوا من قول إلى آخر لحيرتهم ﴿بل هو شاعر﴾ أي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يقوله ليس من جنس الشعر الذي هو ذكر أشياء لا واقع لها ولا حقيقة. وقوله تعالى عنه: ﴿فليأتنا بآية كما أرسل الأولون﴾ أي إن كان رسولاً كما يدعي وليس بشاعر ولا ساحر فليأتنا بآية أي معجزة كآية صالح أو موسى أو عيسى كما أرسل بها الأنبياء الأولون. قال تعالى: ﴿ما آمنت قبلهم من٢ قرية﴾ أي أهل قرية ﴿أهلكناها﴾ بالعذاب لما جاءتها الآية فكذبت أفهم٣ يؤمنون أي لا يؤمنون إذ شأنهم شأن غيرهم، فلذا لا معنى لإعطائهم الآية من أجل الإيمان ونحن نعلم أنهم لا يؤمنون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- قرب الساعة.
٢- بيان ما كان عليه المشركون من غفلة ولهو وإعراض، والناس اليوم أكثر منهم في ذلك.
٣- بيان حيرة المشركين إزاء الوحي الإلهي والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- المعجزات لم تكن يوماً سبباً في هداية الناس بل كانت سبب إهلاكهم إذ هذا طبع الإنسان إذا لم يرد الإيمان والهداية فإنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية.
٢ ﴿من﴾ : زائدة لتقوية الكلام وتوكيد النفي المستفاد من حرف (ما).
٣ الاستفهام للإنكار أي: إنكار إيمانهم لو جاءتهم الآية أي: فهم لا يؤمنون.
شرح الكلمات:
قبلك: يا محمد.
أهل الذكر: أي الكتاب الأول وهم أهل الكتاب.
جسداً: أي أجساداً آدمية.
الوعد: أي الذي واعدناهم.
المسرفين: أي في الظلم والشرك والمعاصي.
كتاباً: هو القرآن العظيم.
فيه ذكركم: أي ما تذكرون به ربكم وما تذكرون به من الشرف بين الناس.
معنى الآيات:
كانت مطالب قريش من اعتراضاتهم تدور حَوْلَ لِمَ يكون الرسول بشراً، ولِمَ يكون رسولاً ويأكل الطعام لم لا يكون له كنز أو جنة يأكل منها، لم لا يأتينا بآية كما أرسل بها الأولون، وهكذا. قال قتادة قال أهل مكة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وإذا كان ما تقوله حقاً ويسرك أن نؤمن فحول لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا "أي ينزل بهم العذاب فوراً" وإن شئت استأنيت بقومك، قال بل استأني بقومي فأنزل الله ﴿ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون﴾.
وقوله تعالى: ﴿لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون؟﴾ يقول تعالى لأولئك المشركين المطالبين بالآيات التي قد تكون سبب هلاكهم ودمارهم ﴿لقد أنزلنا إليكم﴾ لهدايتكم وإصلاحكم ثم إسعادكم ﴿كتاباً﴾ عظيم الشأن ﴿فيه ذكركم﴾ ٦ أي ما تذكرون به وتتعظون فتهتدون إلى سبيل سلامتكم وسعادتكم، فيه ذكركم بين الأمم والشعوب لأنه نزل بلغتكم الناس لكم فيه تبع وهو شرف أي شرف لكم. أتشتطون في المكايدة والعناد فلا تعقلون، ما هو خير لكم مما هو شر لكم.
٢ جائز أن يكون أهل الذكر أي: الكتاب الأوّل هم اليهود والنصارى إذ كان أهل مكة يسألون يهود المدينة وجائز أن يكون القرآن وهم المؤمنون ولذا قال عليّ وهو صادق: نحن أهل الذكر. أي: فليناظروا المؤمنين كعلي وأبي بكر الصديق وبلال. وفي الآية دليل على وجوب تقليد العامة العلماء إذ هم أهل الذكر ووجوب العمل بما يفتونهم به ويعلمونهم به.
٣ الجسد: الجسم لا حياة فيه كالجثة. وفي العبارة تهكم بالمشركين لسخف عقولهم إذ أنكروا على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل الطعام فقالوا: ﴿ما لهذا الرسول يأكل الطعام﴾ وهل يعقل وجود أجسام بشرية تستغني عن الأكل والشرب؟
٤ ولذا هم يموتون ولا يخلدون وهذه حقيقة الآدمي.
٥ الوعد: منصوب على نزع الخافض أي: صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم، وهو وعدهم بنصرهم وإهلاك أعدائهم.
٦ ﴿فيه ذكركم﴾ : أي: فيه ذكر أمر دينكم وأحكام شرعكم وبيان ما تصيرون إليه من ثواب أو عقاب وفيه ذكر مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم.
من هداية الآيات:
١- تقرير مبدأ أن الرسل لا يكونون إلا بشراً ذكوراً لا إناثاً.
٢- تعين سؤال أهل العلم في كل ما لا يعلم إلا من طريقهم، من أمور االدين والآخرة.
٣- ذم الإسراف في كل شيء وهو كالغلو في الشرك والظلم.
٤- القرآن ذكر يذكر به الله تعالى لما فيه من دلائل التوحيد وموعظة لما فيه من قصص الأولين وشرف أي شرف لمن آمن به وعمل بما فيه من شرائع وآداب وأخلاق.
وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (١٥)
شرح الكلمات:
وكم قصمنا: أي وكثيراً من أهل القرى قصمناهم بإهلاكهم وتفتيت أجسامهم.
كانت ظالمة: أي كان أهلها ظالمين.
يركضون: أي فارين هاربين.
إلى ما أترفتم فيه: أي من وافر الطعام والشراب والمسكن والمركب.
تسألون: أي عن شيء من دنياكم على عادتكم.
تلك دعواهم: أي دعوتهم التي يرددونها وهي: ﴿يا ويلنا إنا كنا ظالمين﴾.
حصيداً خامدين: أي لم يبق منهم قائم فهم كالزرع المحصود خامدين لا حراك لهم كالنار إذا أُخمدت.
يقول تعالى منذراً قريشاً أن يحل بها ما حل بغيرها ممن أصروا على التكذيب والعناد ﴿وكم قصمنا﴾ أي أهلكنا وأبدنا إبادة كاملة ﴿من قرية١﴾ أي أهل قرية ﴿كانت ظالمة﴾ أي كان أهلها ظالمين بالشرك والمعاصي والمكابرة والعناد، ﴿وأنشأنا بعدها قوماً آخرين﴾ هم خير من أولئك الهالكين. وقوله تعالى: ﴿فلما أحسوا٢ بأسنا إذا هم منها يركضون﴾ أي فلما أحسَّ أولئك الظالمون ﴿بأسنا﴾ أي شعروا به وأدركوه بحواسهم بأسماعهم وأبصارهم ﴿إذ هم منها﴾ من تلك القرية يركضون هاربين فراراً من الموت. والملائكة تقول لهم توبيخاً لهم وتقريعاً: لا تركضوا هاربين ﴿وارجعوا إلى ما أُترفتم فيه﴾ نُعِمْتُم فيه من وافِرِ الطعام والشراب والكساء والمسكن والمركب ﴿لعلكم تسألون﴾ على العادة عن شيء من أموركم وأمور دنياكم٣، فكان جوابهم ما أخبر تعالى به عنهم: ﴿قالوا يا ويلنا﴾ أي يا هلاكنا أحضر هذا أو آن حضورك إنا كنا ظالمين أنفسنا بالشرك والمعاصي والتكذيب والعناد. قال تعالى: ﴿فما زالت تلك دعواهم﴾ أي ما زال قولهم ﴿يا ويلنا إنا كنا ظالمين﴾ تلك دعوتهم٤ التي يرددونها ﴿حتى جعلناهم حصيداً٥ خامدين﴾ أي مُجتثين من أصولهم ساقطين في الأرض خامدين لا حراك لهم كالنار إذا أُخمدت فلم يبق لها لهيب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التنديد بالظلم وأعلى درجاته الشرك بالله.
٢- جواز الاستهزاء بالمشرك الظالم إذا حل به العذاب تقريعاً له وتوبيخاً.
٣- لا تنفع التوبة عند معاينة العذاب لو طلبها الهالكون.
٤- شدة الهول ورؤية العذاب قد تفقد صاحبها رشده وصوابه فيهْذِرُ ولا يدري ما يقول.
٢ الإحساس: الإدراك بالحس فيكون برؤية ما يزعجهم أو سماع أصوات مؤذنة بالهلاك كالصواعق والرياح.
٣ وهذا استهزاء بهم وتهكم وتقريع وتوبيخ لهم.
٤ أي: الكلمة التي يكررونها وهي: يا ويلنا إنا كنا ظالمين حتى هلكوا عن آخرهم.
٥ الحصد: جزّ الزرع والنبات بالمنجل لا باليد، وشاع إطلاق الحصيد على الزرع المحصود، والخامد الذي لا حراك له من خمدت النار إذا زال لهيبها.
شرح الكلمات:
لاعبين: أي عابثين لا مقصد حَسَن لنا في ذلك.
لهوا: أي زوجة وولداً.
من لدنا. أي من عندنا من الحور العين أو الملائكة.
بل نقذف بالحق: أي نرمي بالحق على الباطل.
فيدمغه: أي يشج رأسه حتى تبلغ الشجة دماغه فيهلك.
فإذا هو زاهق: أي ذاهب مُضْمحِل.
ولكم الويل مما تصفون: أي ولكم العذاب الشديد من أجل وصفكم الكاذب للديان بأن له زوجة وولداً وللرسول بأنه ساحر ومفترٍ.
وله من في السموات والأرض: خلقاً وملكاً وتدبيراً لا شريك له في ذلك.
ولا يستحسرون: أي لا يعيون ولا يتعبون فيتركون التسبيح.
لا يفترون: عن التسبيح لأنه منهم كالنفس منا لا يتعب أحدنا من التنفس ولا يشغله عنه شيء.
معنى الآيات:
كونه تعالى يهلك الأمم الظالمة بالشرك والمعاصي دليل أنه لم يخلق الإنسان والحياة
٢ الآية ردّ على افتراءات المبطلين جهلة البشر الذين نسبوا لله تعالى الصاحبة والولد بغير علم من عقل ولا نقل.
٣ الدمغ: شج الرأس حتى تبلغ الشجة الدماغ، والباطل هو الشيطان والحق؟ القرآن، في قول مجاهد إذ قال كل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان.
٤ لا يستحسرون أي: لا يعيون مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع من الإعياء والتعب يقال: حسر البعير يحسر حسوراً: أعيا وكلّ واستحسر وتحسر مثله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تنزه الرب تعالى عن اللهو واللعب والصاحبة والولد.
٢- حجج القرآن هي الحق متى رمى بها الباطل دمغته فذهب واضحمل.
٣- إقامة البراهين العقلية على إبطال الباطل أمر محمود، وقد يكون لا بد منه.
٤- بيان غنى الله المطلق عن كل مخلوقاته.
٥ بيان حال الملائكة في عبادتهم وتسبيحهم لله تعالى.
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (٢١) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ (٢٤) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)
أم اتخذوا آلهة من الأرض: أيْ من معادنها كالذهب والفضة والنحاس والحجر.
هم ينشرون: أي يحيون الأموات إذ لا يكون إلهاً حقاً إلا من يحيي الموتى.
لو كان فيهما: أي في السموات والأرض.
لفسدتا: أي السموات والأرض لأن تعدد الآلهة يقتضى التنازع عادة وهو يقضي بفساد النظام.
فسبحان الله: أي تنزيه لله عما لا يليق بحلاله وكماله.
رب العرش: أي خالقه ومالكه والمختص به.
عما يصفون: أي الله تعالى من صفات النقص كالزوجة والولد والشريك.
لا يسأل عما يفعل: إذ هو الملك المتصرف، وغيره يسأل عن فعله لعجزه وجهله وكونه مربوباً.
قل هاتوا برهانكم: أي على ما اتخذتم من دونه من آلهة ولا برهان لهم على ذلك فهم كاذبون.
هذا ذكر من معي: أي القرآن ذكر أمتي.
وذكر من قبلي: أي التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله الكل يشهد أنه لا إله إلا الله.
لا يعلمون الحق: أي توحيد الله ووجوبه على العباد فلذا هم معرضون.
فاعبدون: أي وحدوني في العبادة فلا تعبدوا معي غيري إذ لا يستحق العبادة سواي.
معنى الآيات:
يوبخ تعالى المشركين على شركهم فيقول ﴿أم اتخذوا١ آلهة من الأرض﴾ أي من أحجارها ومعادنها آلهة ﴿هم ينشرون﴾ أي يحيون الموتى والجواب كلا إنهم لا يحيون والذي لا يحيي الموتى لا يستحق الألوهية بحال من الأحوال. هذا ما دل عليه قوله
٢ هذا ما يسمى بدليل أو برهان التمانع وأنه وإن كان فيه ما يرده إلا أنه في الجملة دليل مسكت للخصم مقنع لذي العقول.
٣ إظهار اسم الجلالة في مكان الإضمار كان لتربية المهابة منه عزّ وجل إذ كان المفروض أن يقوله سبحانه.
٤ قال ابن جريج: لا يسأله الخلق عن قضائه فيهم وهو يسألهم عن أعمالهم لأنهم عبيده وبهذا انهدّ معتقد المشركين والقدريين معاً إذ لا يسأل عمال يفعل وغيره يسأل فالذي يسأل ويحاسب ويجزي لن يكون إلهاً أبداً.
(أم) بمعنى: بل والاستفهام التعبجي أي: بل اتخذوا من دون الله آلهة يا للعجب فليأتوا إذاً ببرهان عقلي على صحة دعواهم ومن أين لهم إذاً أفلا يتوبون.
٦ زيادة على إقامة بطلان الشرك بشهادة القرآن كتاب الله وشهادة الكتب السابقة وفيها التهديد والوعيد للمشركين.
٧ قرأ الحق بالرفع ابن محيسن والحسن على تقدير هذا هو الحق وقرأ الجمهور بالنصب مفعول أي: لا يعلمون الحق الذي هو القرآن العظيم فهم لا يتأملونه فحججه وبراهينه على إبطال الشرك ظاهرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- من أخص صفات الإله أن يخلق ويرزق ويحيى ويميت فإن لم يكن كذلك فليس بإله.
٢- وحدة النظام دالة على وحدة المنظم، ووحدة الوجود دالة على وحدة الموجد وهذا برهان التمانع الذي يقرر منطقياً وجود الله ووجوب عبادة وحده.
٣- لا برهان على الشرك أبداً، ولا يصح في الذهن وجود دليل على صحة عبادة غير الله تعالى.
٤- القرآن والتوراة وكل كتب الله متضافرة على تقرير توحيد الله تعالى.
٥- تقرير توحيد الله تعالى وإبطال الشرك والتنديد بالمشركين.
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)
ولداً: أي من الملائكة حيث قالوا الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
سبحانه: تنزيه له تعالى عن اتخاذ الولد.
ب ل عباد ومكرمون: هم الملائكة، ومن كان عبداً لا يكون ابناً ولا بنتاً.
لا يسبقونه بالقول: أي لا يقولون حتى يقول هو وهذا شأن العبد لا يتقدم سيده بشيء.
وهم بأمره يعملون: أي فهم مطيعون متأدبون لا يعملون إلا بإذنه لهم.
ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى: أي إلاّ لمن رضي تعالى أن يشفع له.
مشفقون: أي خائفون.
من دونه: أي من دون الله كإبليس عليه لعائن الله.
كذلك نجزي الظالمين: أي لأنفسهم بالشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
بعد أن أبطلت الآيات السابقة الشرك ونددت بالمشركين جاءت هذه الآيات في إبطال باطل آخر للمشركين وهو نسبتهم الولد لله تعالى فقال تعالى عنهم و ﴿قالوا١ اتخذ الرحمن ولداً﴾ وهو زعمهم أن الملائكة بنات الله فنزه تعالى نفسه عن هذا النقص فقال ﴿سبحانه﴾ وأبطل دعواهم وأضرب عنها فقال ﴿بل عباد مكرمون٢﴾ أي فمن نسبوهم لله بنات له هم عباد له مكرمون عنده ووصفهم تعالى قوله: ﴿لا يسبقونه بالقول﴾ فهم لكمال عبوديتهم لا يقولون حتى يقول هو سبحانه وتعالى، وهم يعملون بأمره فلا يقولون ولا يعملون إلا بعد إذنه لهم، وأخبر تعالى أته يعلم ما بين أيديهم٣ وما خلفهم فعلمه عز وجل محيط بهم ولا يشفعون لأحد من خلقه إلا لمن ارتضى أن يشفع٤ له فقال تعالى:
٢ ﴿بل عباد مكرمون﴾ أي: بل هم عباد مكرمون، فعباد: خبر لمبتدأ محذوف ومكرمون: نعت للخبر.
٣ قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعلم ما عملوا وما هم عاملون كما يعلم ما بين أيديهم من الآخرة وما خلفهم من الدنيا.
٤ قال ابن عباس: هم أهل شهادة أن لا إله إلا الله. وقال مجاهد: هم كل من رضي الله عنه. وهو أعم من الأوّل، وأخص أيضاً باعتبار جهتين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إبطال نسبة الولد إلى الله تعالى من قبل المشركين وكذا اليهود والنصارى.
٢- بيان كمال عبودية الملائكة لله تعالى وكمال أدبهم وطاعتهم لربهم سبحانه وتعالى.
٣- بطلان دعوى المشركين في شفاعة الملائكة لهم، إذ الملائكة لا يشفعون إلا لمن رضى الله تعالى أن يشفعوا له.
٤- تقرير وجود شفاعة يوم القيامة ولكن بشروطها وهي أن يكون الشافع قد أذن له بالشفاعة، وأن يكون المشفوع له من أهل التوحيد فأهل الشرك لا تنفعهم شفاعة الشافعين.
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)
كانتا رتقا: أي كتلة واحدة منسدة لا انفتاح فيها.
ففتقناهما: أي جعلنا السماء سبع سموات والأرض سبع أرضين.
رواسي: أي جبالاً ثابتة.
أن تميد بهم:: أي تتحرك فتميل بهم.
فجاجاً سبلاً: أي طرقاً واسعة يسلكونها تصل بهم إلى حيث يريدون.
لعلهم يهتدون: إلى مقاصدهم في أسفارهم.
وهم عن آياتها: من الشمس والقمر والليل والنهار معرضون.
كل في فلك يسبحون: الفلك كل شيء دائر.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد ووجوب تنزيه الله تعالى عن صفات النقص والعجز فقال تعالى: ﴿أو لم١ ير الذين كفروا﴾ أي الكافرون بتوحيد الله وقدرته وعلمه ووجوب عبادته إلى مظاهر قدرته وعلمه وحكمته في هذه المخلوقات العلوية والسفلية فالسموات والأرض كانتا كتلة واحدة من سديم فخلق الله تعالى منها السموات والأرضين كما أن السماء تتفتق بإذنه تعالى عن الأمطار، والأرض تتفتق عن النباتات المختلفة الألوان والروائح والطعوم والمنافع، وأن كل شيء حيّ في هذه الأرض من إنسان وحيوان ونبات هو من الماء أليست هذه كلها دالة على وجود الله ووجوب عبادته وتوحيده فيها؟
فما للناس لا يؤمنون؟ هذا ما دل عليه قوله تعالى في الآية الأولى (٣٠) ﴿أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا٢ ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون؟﴾ وقوله تعالى: ﴿وجعلنا في الأرض رواسي﴾ أي جبالاً٣ ثواتب كيلا تميد أي
٢ ﴿رتقا﴾ : الرتق: السدّ ضد الفتق، يقال: رتقت الفتق ارتقه فارتتق. أي: التأم، ومنه: امرأة رتقاء أي: منضمة الفرج غير مفتوق، والمراد أن السموات والأرض كانت شيئاً واحداً ملتزقتين ففصل الله بينهما وما في التفسير إشارة إلى ما اختارهُ ابن جرير الطبري وهو: أن السماء كانت رتقا لا تمطر والأرض كانت رتقا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات والآية دالة على الوجهين والوجهان صحيحان.
٣ ﴿جعلنا﴾ بمعنى: خلقنا، وهذا اللفظ صالح للدلالة على أنّ كل شيء في هذه المخلوقات من الحيوان والنبات خلق من الماء، والنار: أن حيا ة هذه المخلوفات تحفظ بالماء، وفي الحديث: "كل شيء خلق من الماء". ذكره القرطبي رحمه الله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده والإيمان به وطاعته.
٢- بيان الحكمة من خلق الجبال الراوسي.
٣- بيان دقة النظام الإلهي، وعظيم العلم والحكمة له سبحانه وتعالى.
٤- إعراض أكثر الناس عن آيات الله في الآفاق كإعراضهم عن آياته القرآنية هو سبب جهلهم وشركهم وشرهم وفسادهم.
٢ سميت السماء سقفاً لأنها مرفوعة فوق الأرض مظلمة لها كالسقف على النار.
٣ هذه كلها منن الله تعالى على عباده وآيات قدرته وعلمه وحكمته وكلها موجبة للإيمان به وعبادته وتوحيده وإعراض الناس عن النظر والتدبر هو الذي حرمهم هداية الله تعالى.
٤ ﴿كل في فلك يسبحون﴾ : هذه جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً جوابا لمن سمع الآيات، فتساءل عن الشمس والقمر وعن باقي الأجرام السماوية قائلاً: كيف لا يقع بينها تصادم ولا يتخلّف بعضها فيحدث خلل في الكون والحياة فأجيب بقوله تعالى: ﴿كل في فلك يسبحون... ﴾.
شرح الكلمات:
الخلد: أي البقاء في الدنيا.
ذائقة الموت: أي مرارة مفارقة الجسد.
ونبلوكم: أي نختبركم.
بالشر والخير: فالشر كالفقر والمرض، والخير كالغنى والصحة.
فتنة: أي لأجل الفتنة لننظر أتصبرون وتشكرون أم تجزعون وتكفرون.
إن يتخذونك إلا هزواً: أي ما يتخذونك إلا هزواً أي مهزوءاً بك.
يذكر آلهتكم: أي يعيبها.
بذكر الرحمن هم كافرون: حيث أنكروا اسم الرحمن لله تعالى وقالوا: ما الرحمن؟
خلق الإنسان من عجل: حيث خلق الله آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة على عجل، فورث بنوه طبع العجلة عنه.
سأوريكم آياتي: أي سأريكم ما حملته آياتي من وعيد لكم بالعذاب في الدنيا والآخرة.
كأنَّ المشركين قالوا شامتين إن محمداً سيموت، وقالوا نتربص به ريب المنون فأخبر تعالى أنه لم يجعل لبشر من قبل نبيّه ولا من بعده الخلد حتى يخلد هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل نفس ذائقة الموت، ولكن إن مات رسوله فهل المشركون يخلدون والجواب لا، إذاً فلا وجه للشماتة بالموت لو كانوا يعقلون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٣٤) ﴿وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مِّتَّ فهم١ الخالدون﴾ وقوله تعالى: ﴿كل نفس ذائقة الموت٢﴾ أي كل نفس منفوسة ذائقة مرارة الموت بمفارقة الروح للبدن، والحكمة في ذلك أن يتلقى العبد بعد الموت جزاء عمله خيراً كان أو شراً، دل عليه قوله بعد: ﴿ونبلوكم بالشر والخير﴾ من غِنى وفقر ومرض وصحة وشدة ورخاء ﴿فتنة﴾ أي لأجل فتنتكم أي اختباركم ليرى الصابر الشاكر والجزِع الكافر. وقوله تعالى: ﴿وإلينا ترجعون﴾ أي بعد الموت للحساب والجزاء على كسبكم خيره وشره.
وقوله تعالى: ﴿وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً﴾ يخبر تعالى رسوله بأن المشركين إذا رأوه ما يتخذونه إلا هزواً وذلك لجهلهم بمقامه وعدم معرفتهم فضله عليهم وهو حامل الهدى لهم، وبين وجه استهزائهم به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: ﴿أهذا الذي يذكر آلهتكم﴾ أي بعيبها وانتقاصها، قال تعالى: ﴿وهم بذكر الرحمن٣ هم كافرون﴾ أي عجباً لهم يتألمون لذكر ألهتم بسوء وهي محط السوء فعلاً، ولا يتألمون لكفرهم بالرحمن ربهم سبحانه وتعالى حتى إنهم أنكروا أن يكون اسم الرحمن اسماً لله تعالى وقالوا لا رحمن إلا رحمن اليمامة.
وقوله تعالى: ﴿خلق الإنسان٤ من عجل﴾ قال تعالى هذا لما استعجل المشركون
رفوني وقالوا يا خويلد لا تُرع
فقلت وأنكسرت الوجوه هم هم
أي: أهم؟ ومعنى رفوني سكّنوني يقال رفاه إذا سكنه.
٢ يروى أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قد استشهد بالبيتين الآتيين:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
٣عجباً لجهلهم وسوء فهمهم يعيبون من جحد إلهية أصنامهم وهم يجحدون إلهية الرحمن إنّ هذا لغاية الجهل والغرور.
٤ إنّ طبع الإنسان العجلة إنه يستعجل الأشياء وإن كان فيها مضرته، ولفظ الإنسان جائز أن لا يكون المراد به جنس الإنسان أو آدم عليه السلام قال سعيد بن جبير لما دخل الروح في عين آدم نظر في ثمار الجنة، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك قوله تعالى ﴿خلق الإنسان من عجل﴾.
هداية الآيات
هن هداية الآيات:
١- إبطال ما شاع من أن الخضر حيي مخلد لا يموت لنفيه تعالى ذلك عن كل البشر.
٢- بيان العلة من وجود خير وشر في هذه الحياة الدنيا وهي الاختبار.
٣ بيان ما كان عليه المشركون من الاستهزاء بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- تقرير حقيقة أن الإنسان مطبوع على العجلة فلذا من غير طبعه بالتربية فأصبح ذا أناة وتؤدة كان من أكمل الناس وأشرفهم.
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (٤٠) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (٤١) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ
شرح الكلمات:
لا يكفون: أي لا يمنعون ولا يدفعون النار عن وجوههم.
بل تأتيهم بغتة: أي تأتيهم القيامة بغتة أي فجأة.
فتبهتهم: أي تُحيرهم.
ولا هم ينظرون: أي يمهلون ليتوبوا.
وحاق بهم: أي نزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون.
من يكلؤكم: أي من يحفظكم ويحرسكم.
من الرحمن: أي من عذابه إن أراد إنزاله بكم.
بل هم عن ذكر ربهم معرضون: أي هم عن القرآن معرضون فلا يستمعون إليه ولا يفكرون فيه.
ولا هم منا يصحبون: أي لا يجدون من يجيرهم من عذابنا.
معنى الآيات:
يقول تعالى ﴿لو١ يعلم الذين كفروا﴾ المستعجلون بالعذاب المطالبون به حين أي الوقت الذي يُلقون فيه في جهنم والنار تأكل وجوههم وظهورهم، ولا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم منها ولا هم ينصرون بمن يدفع العذاب عنهم لو علموا هذا وأيقنوا به لما طالبوا بالعذاب ولا استعجلوا يومه وهو يوم القيامة، هذا ما دل عليه قوله تعالى: ﴿لو يعلم الذين٢ كفروا حين٣ لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون﴾ وقوله تعالى:
٢ جواب لو: محذوف كما تقدم آنفاً، والغرض من حذفه تحويل جنسه فتذهب نفس السامع كل مذهب. وجملة: ﴿لو يعلمون..﴾ الخ مستأنفة استئنافاً بيانياً.
٣ ﴿حين﴾ اسم زمان منصرف منصوب على المفعولية لا على الظرفية أي: لو علموا وقته وأيقنوا بحصوله لما كذّبوا به.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير أن الساعة لا تأتي إلا بغتة.
٢- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٣- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما كان عليه الرسل من قبله وما لا قوه من أُممهم.
٢ يكلأكم: أي يحرسكم ويحفظكم إذ الكلاءة: الحفظ والحراسة يقال: كلاه الله كلاءة أي: حفظه وحرسه ومنه قول الشاعر:
إنّ سليمى والله يكلأها
ضنّت بشيء ما كان يرزؤها
والاستفهام في: من يكلأكم: للنفي.
٣ فسر يصحبون بيمنعون، ويجارون قال الشاعر:
ينادي بأعلى صوته متعوذاً
ليصحب منها والرماح دواني
٥- بيان أن علة إصرار المشركين على الشرك والكفر هو عدم إقبالهم على تدبر القرآن الكريم وتفكرهم في آياته وما تحمله من هدى ونور.
بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ (٤٥) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)
شرح الكلمات:
متعنا هؤلاء وآباءهم: أي بما أنعمنا عليهم من الخيرات.
حتى طال عليهم العمر: فانغرُّوا بذلك.
ننقصها من أطرافها: أي بالفتح على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه المؤمنين.
إنما أنذركم بالوحي: أي بأخبار الله تعالى التي يوحيها إلى وليس هناك شيء من عندي.
نفحة: أي وقعة من عذاب خفيفة.
يا ويلنا إنا كنا ظالمين: أي يقولون يا ويلنا أي يا هلاكنا.
إنا كنا ظالمين: أي بالشرك والتكذيب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلا تظلم نفس شيئاً: لا حسنة ولا بزيادة معصية.
مثقال حبة: أي زنة حبة من خردل.
وكفى بنا حاسبين: أي محصين لكل شيء.
معنى الآيات:
ما زال السياق في إبطال دعاوي المشركين فقال تعالى: ﴿بل متعنا١ هؤلاء﴾ بما أنعمنا عليهم هم وآباؤهم فظنوا أن آلهتهم هي الحافظة لهم بل الله هو الحافظ حتى طال عليهم العمر٢ فانغروا بذلك. ﴿أفلا يرون أنا نأتي الأرض﴾ أرض الجزيرة بلادهم ﴿ننقصها من أطرافها﴾ بدخول أهلها في الإسلام بلداً بعد بلد. ﴿أفهم٣ الغالبون﴾ ؟ الله هو الغالب حيث مكن لرسوله والمؤمنين وفتح عليهم، ثم أمر رسوله أن يقول لهم أيها المكذبون إنما أنذركم العذاب وأخوفكم من عاقبة شرككم بالوحي الإلهي لا من تلقاء نفسي، وقوله تعالي: ﴿ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون﴾ فالصم لحبهم الباطل الذي هم عليه لا يسمعون الدعاء إذا ما ينذرون وفي الخبر حبك الشيء يعمي ويصم فحبهم للشرك وآلهته جعلهم لا يسمعون فاستوى إنذارهم وعدمه وقوله تعالى: ﴿ولئن٤ مَسَّتهُمْ نفحة من عذاب ربك﴾ أي وقعة خفيفة من العذاب لصاحوا يدعون بالويل على أنفسهم قائلين ﴿يا ويلنا إنا كنا ظالمين٥﴾ فكيف بهم إذا وضعت الموازين العدل ليوم القيامة حيث لا تظلم نفسر شيئاً وإن قل وإن كان مثقال حبة من حسنة أو سيئة آتينا بها ووزناها ﴿وكفى بنا حاسبين٦﴾ أي محصين لأعمال العباد لعلمنا المحيط بكل شيء وقدرتنا التي لا يعجزها شيء.. ألا فلنتق الله أيها العقلاء!!
٢ ﴿طال عليهم العمر﴾ أي: في النعمة فظنوا أنها لا تزول عنهم؟ فانغروا وأعرضوا عن تدبرّ حجج الله عز وجل.
٣ المس: اتصال بظاهر الجسم، والنفحة: المرّة من النفح في العطية، يقال: نفحه بشيء إذا أعطاه. وما في التفسير مغن عن هذا.
٤ هذا اعتراف منهم في حين لا ينفع الاعتراف.
٥ قيل: يجوز أن يكون لكل عامل ميزان خاص به فتكثر الموازين كما قال الشاعر:
ملك تقوم الحادثات لعدله
فلكل حادثة لها ميزان
٦ ضمير الجمع في ﴿حاسبين﴾ : مراعى فيه ضمير العظمة، وهو منصوب على الحال أو التمييز لكفى.
من هداية الآيات:
١- طول العمر والرزق الواسع كثيراً ما يُسبب الغرور لصاحبه.
٢- حب الشيء يعمي صاحبه حتى لا يرى إلا ما أحبه ويصمه بحيث لا يسمع إلا ما أحبه.
٣- بيان ضعف الإنسان وأن أدنى عذاب ينزل به لا يتحمله ويصرخ داعياً يا هلاكاه.
٤- تقرير البعث والحساب والجزاء.
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (٥٠)
شرح الكلمات:
الفرقان: التوراة لأنها فارقة بين الحق والباطل كالقرآن.
وضياء: أي يهدي إلى الحق في العقائد والشرائع.
وذكراً: أي موعظة.
يخشون ربهم بالغيب: أي يخافون ربهم وهم لا يرونه في الدنيا فلا يعصونه بترك واجب ولا بفعل حرام.
وهم من الساعة مشفقون: أي وهم من أهوال يوم القيامة وعذابه خائفون.
وهذا ذكر مبارك: أي القرآن الكريم تنال بركته قارئه والعامل به.
أفأنتم له منكرون: الاستفهام للتوبيخ يوبخ تعالى من أنكر أن القرآن كتاب الله.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أنه آتى موسى وهارون الفرقان١ أي الحق الذي فرق بين حق موسى وهارون
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إظهار منة الله تعالى على موسى وقومه ومحمد وأمته بإنزال التوراة على موسى والقرآن على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢ بيان صفات المتقين وهم الذين يخشون ربهم بالغيب فلا يعصونه بترك واجب ولا بفعل محرم: وهم دائماً في اشفاق وخوف من يوم القيامة.
٣- الإشادة بالقرآن الكريم حيث أنزله تعالى مباركاً.
٤- توبيخ وتقريع من يكفر بالقرآن وينكر ما فيه من الهدى والنور.
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (٥١) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (٥٣)
٢ الإشفاق: هو رجاء حادث مخوف.
٣ الاستفهام للتعجب والتوبيخ.
شرح الكلمات:
رشده: أي هداه بمعرفة ربّه والإيمان به ووجوب ط٣اعته والتقرب إليه.
التماثيل: جمع تمثال وهو الصورة المصنوعة على شبه إنسان أو حيوان.
التي أنتم لها عاكفون: أي مقبلون عليها ملازمون لها تعبداً.
أم أنت من اللاعبين: أي الهازلين غير الجادين فيما يقولون أو يفعلون.
ربكم رب السموات: أي المستحق للعبادة مالك السموات والأرض.
الذي فطرهن: أي أنشأهن خلقاً وإيجاداً على غير مثال سابق.
لأكيدن أصنامكم: أي لأحتالن على كسر أصنامكم وتحطيمها.
جذاذاً: فتاتاً وقطعاً صغيرة.
إلا كبيراً لهم: إلا أكبر صنم لهم فإنه لم يكسره.
لعلهم إليه يرجعون: كي يرجعوا إليه فيؤمنوا بالله ويوحّدوه بعد أن يظهر لهم عجز آلهتهم.
معنى الآيات:
على ذكر ما منّ به تعالى على موسى وهارون ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إيتائه إياهم التوراة والقرآن ذكر أنه امتن قبل ذلك على إبراهيم فآتاه رشده في صباه فعرفه به وبجلاله وكماله ووجوب
فرد عليهم إبراهيم بما أخبر تعالى عنه في قوله ﴿قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم﴾ أي الذين قلدتموهم في عبادة الأصنام ﴿في ضلال﴾ أي عن الهدى الذي يجب أن تكونوا عليه ﴿مبين﴾ لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، وردوا على إبراهيم قوله هذا فقالوا بما أخبر تعالى به عنهم ﴿قالوا أجئتنا بالحق٤﴾ أي فيما قلت لنا من أنَّا وآباءنا في ضلال مبين ﴿أم أنت من اللاعبين﴾ أي في قولك الذي قلت لنا فلم تكن جاداً فيما تقول وإنما أنت لاعب لا غير ورد إبراهيم عليهم بما أخبر تعالى به عنه في قوله: ﴿قال بل٥ ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين﴾ أي ليس ربكم تلك التماثيل بل ربكم الحق الذي يستحق عبادتكم الذي فطر السموات والأرض فأنشأهن خلقاً عجيباً من غير مثال سابق وأنا على كون ربكم رب السموات والأرض من الشاهدين إذ لا رب لكم غيره، ولا إله حق لكم سواه. ﴿وتالله﴾ قسماً به تعالى ﴿لأكيدن أصنامكم﴾ أي لأحتالن٦ عليها فأكسرها ﴿بعد أن تولوا مدبرين٧﴾ أي بعد أن ترجعوا عنها وتتركوها وحدها.
٢ أي: باهليته لإيتاء الرشد وصالح للنبوة، وجائز أن يكون عالمين به في الوقت الذي قال لأبيه وقومه: ﴿ما هذه التماثيل﴾ والظرف متعلق باذكر.
٣ ظاهر السؤال أنه سؤال استعلام فلذا أجابوه بحسبه فقالوا: ﴿وجدنا آباءنا لها عابدين﴾، وضمّن (عاكفون) معنى العبادة فعُدّي باللام.
٤ الاستفهام للاستعلام أي: جئتنا بالحق في اعتقادك أم أنت مازح فيما تقول؟
٥ أي: لست بلاعب ولا مازح ﴿بل ربكم ربّ السموات..﴾ الخ.
٦ أقسم لهم بالله على أنه لم يكتف بالمحاجة باللسان وإنما سيكيد أصنامهم فيكسرها وذلك لوثوقه بربه تعالى، ولتوطينه نفسه على مقاساة المكروه في الذبّ عن دين الله والتاء في تالله تختص بالقسم بالله وحده، والواو تختص بكل اسم ظاهر والباء بكل مضمر ومظهر.
٧ ﴿مدبرين﴾ حال مؤكدة لعاملها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مظاهر إنعام الله وإكرامه لمن أصطفى من عباده.
٢- تقرير النبوة والتوحيد، والتنديد بالشرك والمشركين.
٣- ذم التقليد وأنه ليس بدليل ولا برهان للمقلد على ما يعتقد أو يفعل.
٤- مشروعية الشهادة وفضلها في مواطن تعز فيها ويحتاج إليها.
٥- تغيير المنكر باليد لمن قدر عليه مقدم على تغييره باللسان والجمع بينهما أفضل.
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (٦٠) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (٦٢) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (٦٥)
شرح الكلمات:
بآلهتنا: أي بأصنامهم التي سموها آلهة لأنهم يعبدونها ويؤلهونها.
على أعين الناس: أي ظاهراً يرونه بأعينهم.
يشهدون: أي عليه بأنه الذي كسر الآلهة، ويشهدون العقوبة التي ننزلها به.
أأنت فعلت هذا: هذه صيغة الاستنطاق والاستجواب.
بل فعله كبيرهم هذا: أشار إلى إصبعه نحو الصنم الكبير الذي علق به الفأس قائلاً بل فعله كبيرهم هذا وَوَرَّى بإصبعه تحاشيا للكذب.
يرجعوا إلى أنفسهم: أي بعد التفكر والتأمل حكموا على أنفسهم بالظلم لعبادتهم مالا ينطق.
نكسوا على رؤوسهم: أي بعد اعترافهم بالحق رجعوا إلى إقرار الباطل فكانوا كمن نكس فجعل رأسه أسفل ورجلاه أعلى.
ما هؤلاء ينطقون: فكيف تطلب منا أن نسألهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم فيما دار بين إبراهيم الخليل وقومه من حوار حول العقيدة انه لما استغل إبراهيم فرصة خروج القوم إلى عيدهم خارج البلد ودخل البهو فكسر الآلهة فجعلها قطعاً متناثرة وعلق الفأس بكبير الآلهة المزعومة وعظيمها وخرج فلما جاء المساء وعادوا إلى البلد ذهبوا إلى الآلهة المزعومة لأخذ الطعام الموضوع بين يديها لتباركه في زعمهم واعتقادهم الباطل وجدوها مهشمة مكسرة صاحوا قائلين: ﴿من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين﴾ فأجاب بعضهم بعضاً قائلاً: ﴿سمعنا١ فتى يذكرهم﴾ أي شاباً يذكر الآلهة بعيب وازدراء، واسمه إبراهيم، وهنا قالوا إذاً ﴿فأتوا به على أعين٢ الناس﴾ لنشاهده ونحقق معه فإذا ثبت أنه هو عاقبناه وتشهد الناس عقوبته فيكون ذلك نكالاً لغيره، وجاءوا به عليه السلام وأخذوا في استنطاقه فقالوا ما أخبر تعالى به عنهم: ﴿أأنت فعلت هذا﴾
٢ في هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد قد لا تثبت بل لابد من التحري حتى تثبت أو لا تثبت كما هو في شرعنا الإسلامي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الظلم معروف لدى البشر كلهم ومنكر بينهم ولولا ظلمة النفوس لما أقروه بينهم.
٢- إقامة البينة على الدعاوي أمر مقرر في عرف الناس وجاءت به الشرائع من قبل.
٣- أسلوب المحاكمة يعتمد على الاستنطاق والاستجواب أولا.
٤- مشروعية التورية خشية القول بالكذب٣.
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ
٢ قال ابن عباس رضي الله عنهما: أدركهم الشقاء فعادوا إلى كفرهم.
٣ الكذب: هو الإخبار بما يخالف الواقع، والتورية: أن يقول أو يفعل شيئاً ويوري بغيره تجنباً للكذب، وفي الحديث الصحيح: "لم يكذب إبراهيم النبي في شيء قط إلا في ثلاث: قوله: إني سقيم، وقوله لسارة: أختي، وقوله: بل فعله كبيرهم" وهي في الواقع معاريض وليست بالكذب الصريح، وكانت في ذات الله تعالى.
شرح الكلمات:
مالا ينفعكم شيئاً: أي آلهة لا تنفعكم شيئاً ولا تضركم إن أرادت ضركم.
أفٍ لكم: أي قبحاً لكم ولما تعبدون من دون الله.
قالوا: حرقوه: أي أحرقوه بالنار انتصاراً لألهتكم التي كسرها.
برداً وسلاماً: أي على إبراهيم فكانت كذلك فلم يحرق منه غير وثاقه "الحبل الذي وثق به".
كيداً: وهو تحريقه بالنار للتخلص منه.
فجعلناهم الأخسرين: حيث خرج من النار ولم تحرقه ونجا من قبضتهم وذهب كيدهم ولم يحصلوا على شيء.
ونجيناه ولوطاً: أي ابن أخيه هارون.
التي باركنا فيها: وهي أرض الشام.
ويعقوب نافلة: زيادة على طلبه الولد فطلب ولداً فأعطاه ما طلب وزاده آخر.
وكلاً جعلنا صالحين: أي وجعلنا كل واحد منهم صالحاً من الصالحين الذين يؤدون حقوق الله كاملة وحقوق الناس كذلك.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أن إبراهيم عليه السلام قال لقومه منكراً عليهم عبادة ألهتهم {أفتعبدون١
٢ بعد إن أعيتهم الحجة وانقطعوا ببيان اللسان لاذوا إلى قوة السنان، وهذا شأن الإنسان إذا كتب عليه الخسران، والعياذ بالرحمن.
٣ روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ومجاهد وابن جريج: أنّ الذي قال حرّقوه: رجل من الأكراد من بادية فارس واسمه هيزرُ وخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة: وقيل: إن القائل: ملكهم نمرود. والله أعلم.
٤ روي أنهم جمعوا الحطب في مدة شهر كامل ولما ألقوه في النار عرض له جبريل عليه السلام فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل. وقال عليّ وابن عباس رضي الله عنهم لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها ولم تبق دابة في المنطقة إلاّ أطفأت عن إبراهيم النار إلاّ الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فلذا أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلها وسمّاها الفويسقة.
٥ هذه النجاة ثانية. الأولى كانت من النار وهذه من ديار الكفار، إذ هاجر من أرض الكلدانيين إلى أرض فلسطين، وهي بلاد الكنعانيين يومئذٍ، وهجرة إبراهيم هذه أول هجرة في تاريخ الإسلام، إذ خرج إبراهيم وابن أخيه لوط بن هاران وزوجه وابنة عمه سارة عليهم السلام، ونصب لوط على المفعول معه، وضمّن فعل نجيناه معنى الإخراج فعدي بإلى.
٦ قيل لها مباركة لكثرة خصبها وأنهارها وثمارها ولأنها معادن الأنبياء والبركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير. إذا لزم مكانه ولم يبرحه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان قوة حجة إبراهيم عليه السلام، ومتانة أسلوبه في دعوته٢ وذلك مما آتاه ربّه.
٢- مشروعية توبيخ أهل الباطل وتأنيبهم.
٣- آية إبطال مفعول النار فلم تحرق إبراهيم إلا وثاقه لما أراد الله تعالى ذلك.
٤- قوة التوكل على الله كانت سبب تلك المعجزة إذ قال إبراهيم حسبي الله ونعم الوكيل.
فقال الله تعالى للنار: ﴿كوني برداً وسلاماً على إبراهيم﴾ فكانت، وكفاه ما أهمه بصدق توكله عليه، ويؤثر أن جبريل عرض له قبل أن يقع في النار فقال هل لك يا إبراهيم من حاجة؟ فقال إبراهيم: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل.
٥- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين.
٦- خروج إبراهيم من أرض العراق إلى أرض الشام كانت أول هجرة في سبيل الله في التاريخ.
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (٧٣) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ
٢ قال تعالى: ﴿وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه﴾ من سورة الأنعام.
شرح الكلمات:
أئمة: أي يقتدى بهم في الخير.
يهدون بأمرنا: أي يرشدون الناس ويعلمونهم ما به كمالهم ونجاتهم وسعادتهم بإذن الله تعالى لهم بذلك حيث جعلهم رسلاً مبلغين.
وكانوا لنا عابدين: أي خاشعين مطيعين قائمين بأمرنا.
ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً: أي أعطينا لوطاً حكماً أي فصلا بين الخصوم وفقهاً في الدين وكل هذا يدخل تحت النبوة والرسالة وقد نبأه وأرسله.
تعمل الخبائث: كاللواط وغيره من المفاسد.
فاسقين: أي عصاة متمردين عن الشرع تاركين للعمل به.
ونوحاً إذ نادى من قبل: أي واذكر نوحاً إذ دعا ربّه على قومه الكفرة.
من الكرب العظيم: أي من الغرق الناتج عن الطوفان الذي عم سطح الأرض.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر أفضال الله تعالى على إبراهيم وولده فقال تعالى: ﴿وجعلناهم﴾ أي إبراهيم واسحق ويعقوب أئمة هداة يقتدى بهم في الخير ويهدون الناس إلى
وقوله تعالى: ﴿ونوحاً﴾ أي واذكر يا رسولنا في سلك هؤلاء الصالحين عبدنا ورسولنا نوحاً الوقت الذي نادى ربه من قبل إبراهيم٤ فقال إني مغلوبٌ فانتصر، ﴿فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب٥ العظيم﴾ حيث نجاه تعالى وأهله إلا امرأته وولده كنعان فإنهما لم يكونا من أهله لكفرهما وظلمهما فكانا من المغرقين. وقوله: ﴿ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا﴾ أي ونصرناه بإنجائنا له منهم فلم يمسوه بسوء، وأغرقناهم أجمعين لأنهم كانوا قوم سوء فاسقين ظالمين٦.
٢ ﴿ولوطاً﴾ : منصوب على الاشتغال أي: وآتينا لوطا آتيناه. والحكم: الحكمة وهو النبوة والعلم علم الشريعة.
٣ الخبائث: جمع خبيثة وهي الفعلة الشنيعة، ومن خبائثهم: اللواط، والتضارط في الأندية وحذف الحصى، والتحريش بين الديك والكلاب. والقرية هي سدوم وعمورة، وما حولهما إذ كانت سبع مدن قلب جبريل منها ستة وأبقى واحدة للوط وعياله وهي: زغر من كورة فلسطين.
٤ من قبل إبراهيم ولوط عليهما السلام.
٥ الكرب: هو الغّم الشديد وهو هنا: الطرفان.
٦ السوء: بفتح السين مصدر: القبيح المكروه من القول والفعل وبضم السين اسم مصدر وهو أعم من السوء بفتح السين.
من هداية الآيات:
١- فضل الدعوة إلى الله تعالى وشرف القائمين بها.
٢- فضل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات.
٣- ثناء الله تعالى على أوليائه وصالحي عباده بعبادتهم، وخشوعهم له.
٤- الخبث إذا كثر في الأمة استوجبت الهلاك والدمار.
٥- التنديد بالفسق والتحذير من عواقبه فإنها مدمرة والعياذ بالله.
٦- تقرير النبوة المحمدية وتأكيدها إذ مثل هذا القصص لا يتأتى إلا لمن يوحى إليه.
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (٨٢)
شرح الكلمات:
في الحرث: أي في الكرم الذي رعته الماشية ليلا.
نفشت فيه١: أي رعته ليلاً بدون راع.
ففهمناها: أي القضية التي جرى فيها الحكم.
وكلاً آتينا حكماً وعلماً: أي كلاً من داود وولده سليمان أعطيناه حكماً أي النبوة وعلماً بأحكام الله وفقهها.
يسبحن: أي معه إذا سبح.
وكنا فاعلين: أي لما هو أغرب وأعجب من تسبيح الجبال والطير فلا تعجبوا.
صنعة لبوس لكم: هي الدروع وهي من لباس الحرب.
لتحصنكم: أي تقيكم وتحفظكم من ضرب السيوف وطعن الرماح.
فهل أنتم شاكرون: أي اشكروا فالاستفهام معناه الأمر هنا.
إلى الأرض التي باركنا: أي أرض الشام.
يغوصون: أي في أعماق البحر لاستخراج الجواهر.
ويعملون عملاً دون ذلك: أي دون الغوص كالبناء وغيره وبعض الصناعات.
وكنا لهم حافظين: أي لأعمالهم حتى لا يفسدوها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده، وفي ذلك تقرير لنبوة نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كذبت بها قريش فقال تعالى: ﴿وداود وسليمان﴾ أي واذكر يا نبينا داود وسليمان ﴿إذ يحكمان في الحرث﴾ أي اذكرهما في الوقت الذي كانا يحكمان في الحرث الذي ﴿نفشت فيه غنم القوم﴾ أي رعت فيه ليلاً بدون راع فأكلته وأتلفته ﴿وكنا لحكمهم شاهدين﴾ حاضرين لا يخفى علينا ما حكم به كل منهما، إذ حكم داود بأن يأخذ صاحب الحرث الماشية مقابل ما أتلفته لأن المتلف يعادل قيمة الغنم التي أتلفته، وحكم سليمان بأن يأخذ صاحب الماشية الزرع يقوم عليه حتى يعود كما كان، ويأخذ صاحب الحرث الماشية يستغل صوفها ولبنها وسخالها فإذا
وقوله: ﴿وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير﴾ هذا ذكر لبعض ما أنعم به على داود عليه السلام وهو أنه سخر الجبال والطير تسبح معه إذا سبح سواء أمرها بذلك فأطاعته أو لم يأمرها فإنه إذا صلى وسبح صلت معه وسبحت، وقوله: ﴿وكنا فاعلين﴾ أي لما هو أعجب من تسخير الجبال والطير تسبح مع سليمان لأنا لا يعجزنا شيء وقد كتب هذا في كتاب المقادير فأخرجه في حينه، وقوله تعالى: ﴿وعلمناه﴾ أي داود ﴿صنعة لبوس٣ لكم﴾ وهي الدورع السابغة التي تقي لابسها طعن الرماح وضرب السيوف بإذن الله تعالى فهي آلة حرب ولذا قال تعالى ﴿لتحصنكم من بأسكم٤﴾ ﴿فهل أنتم٥ شاكرون؟﴾ أمر لعباده بالشكر على إنعامه عليهم والشكر يكون بحمد الله تعالى والاعتراف بإنعامه، وطاعته وصرف النعمة فيما من أجله أنعم بها على عبده، وقوله ﴿ولسليمان﴾ أي وسخرنا لسليمان ﴿الريح عاصفة﴾ شديدة السرعة ﴿تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها﴾ إذْ يخرج غازياً أول النهار وفي آخره تعود به الريح تحمل بساطه الذي هو كأكبر سفينة حربية اليوم إلى الأرض التي بارك الله وهي أرض الشام. وقوله: ﴿وكنا بكل شيء عالمين﴾ يخبر تعالى أنه كان وما زال عليماً بكل شيء ما ظهر للناس وما غاب عنهم فكل أحداث الكون تتم حسب علم الله وإذنه وتقديره وحكمته فلذا وجبت له الطاعة واستحق الألوهة والعبادة.
٢ اختلف هل كان حكمهما بوحي أو باجتهاد فإن كان بوحي فهو نسخ للحكم الأول بالثاني، وإن كان باجتهاد وهو ما عليه الجمهور، ولم يخطى داود ولكن الحكم الذي ألهمه سليمان كان أرفق بالطرفين.
٣ هذا مع إلانة الحديد له فقال تعالى في سورة سبأ: ﴿وألنا له الحديد أن اعمل سابغات﴾ واللبوس في العربية: سلاح الحرب من سيف ورمح ودرع وغيرها واللبوس أيضاً: كل ما يلبس قال الشاعر:
إلبس لكل حالة لبوسها
إمّا نعيمها وإما بؤسها
٤ قرأ حفص: ﴿لتحصنكم﴾ بالتاء أي: الدروع، وقرأ نافع ﴿ليحصنكم﴾ : أي: اللبوس وقرأ ورش لنُحصنكم بالنون، والإحصان: الوقاية والحماية وفي الآية دليل على وجوب الصناعة على الكفاية.
٥ الاستفهام هنا للأمر بالشكر.
هداية الآيات:
من هداية الآلات:
١- وجوب نصب القضاة للحكم بين الناس.
٢- بيان حكم الماشية ترعى في حرث الناس وإن كان شرعنا على خلاف شرع من سبقنا فالحكم عندنا إن رعت الماشية ليلاً قوم المتلف على صاحب الماشية ودفعه لصاحب الزرع، وإن رعت نهاراً فلا شيء لصاحب الزرع لأن عليه أن يحفظ زرعه من أن ترعى فيه مواشي الناس لحديث العجماء جبار وحديث ناقة البراء بن عازب.
٣- فضل التسبيح.
٤- وجوب صنع آلة الحرب وإعدادها للجهاد في سبيل الله.
٥- وجوب شكر الله تعالى على كل نعمة تستجد للعبد.
٦- بيان تسخير الله تعالى الجن لسليمان يعملون له أشياء.
٧- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ من أرسل هؤلاء الرسل وأنعم عليهم بما أنعم لا يستنكر عليه إرسال محمد رسولاً وقد أرسل من قبله رسلاً.
٨- كل ما يحدث في الكون من أحداث يحدث بعلم الله تعالى وتقديره ولحكمة تقضيه.
شرح الكلمات:
وأيوب: أي واذكر أيوب.
إذ نادى ربه: أي دعاه لما ابتلى بفقد ماله وولده ومرض جسده.
مسني الضر: هو ما ضر بجسمه أو ماله أو ولده.
وذكر ى للعابدين: أي عظة للعابدين، ليصبروا فيثابوا.
وأدخلناهم في رحمتنا: بأن نبأناهم فانخرطوا في سلك الأنبياء إنهم من الصالحين.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من شاء من عباده الصالحين فقوله تعالى في الآية الأولى (٨٣) ﴿وأيوب﴾ أي واذكر عبدنا في شكره وصبره وسرعة أَوْبِتَه، وقد ابتليناه بالعافية والمال والولد، فشكر وابتليناه بالمرض وذهاب المال والأهل والولد فصبر. أذكره ﴿إذ نادى ربه﴾ أي داعياً ضارعاً بعد بلوغ البلاء متتهاه ربّ
وقوله تعالى: ﴿وإسماعيل وإدريس وذا الكفل٣﴾ أي واذكر في عداد المصطفين من أهل الصبر والشكر إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وإدريس وهو اخنوخ وذا الكفل ﴿كل من الصابرين﴾ على عبادتنا الشاكرين لنعمائنا، وأدخلناهم في رحمتنا فنبأنا منهم من نبأنا وأنعمنا عليهم وأكرمناهم بجوارنا إنهم من الصالحين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- علو مقام الصبر ومثله الشكر فالأول على البأساء والثاني على النعماء.
٢- فضيلة الدعاء وهو باب الاستجابة وطريقها من ألهمه ألهم الاستجابة.
٣- في سير الصالحين مواعظ وفي قصص الماضيين عبر.
٤- من ابتلى بفقد مال أو أهل أو ولد فصبر كان له من الله الخلف وما يقال عند المصيبة "إنا لله وإنا إليه لراجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً مِنها".
٢ اختلف في مدة مرضه، أصح ما قيل فيها أنها ثماني عشرة سنة وهذا مروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣ اختلف في ذي الكفل من هو؟ وأرجح الأقوال ما رواه أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن ذا الكفل لم يكن نبيًّا ولكنه كان عبداً صالحاً فتكفل بعمل رجل صالح عند موته وكان يصلي لله كل يوم مائة صلاة فأحسن الله الثناء عليه".
شرح الكلمات:
وذا النون: هو يونس بن متَّى عليه السلام وأُضيف إلى النون الذي هو الحوت في قوله تعالى ﴿ولا تكن كصاحب الحوت﴾ لأن حوتة كبيرة ابتعلته.
إذ ذهب مغاضباً: أي لربه تعالى حيث لم يرجع إلى قومه لما بلغه أن الله رفع عنهم العذاب.
فظن أن لن نقدر عليه: أي أن لن نحبسه ونضيق عليه في بطن الحوت من أجل مغاضبته.
في الظلمات: ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل.
ونجيناه من الغم: أي الكرب الذي أصابه وهو في بطن الحوت.
لا تذرني فرداً: أي بلا ولد يرث عني النبوة والعلم والحكمة بقرينة ويرث
رغباً ورهباً: أي طمعاً فينا ورهباً منا أي خوفاً ورجاءاً.
أحصنت فرجها: أي صانته وحفظته من الفاحشة.
من روحنا: أي جبريل حيث نفخ في كم درعها عليها السلام.
آية للعالمين: أي علامة على قدرة الله تعالى ووجوب عبادته بذكره وشكره.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر افضال الله تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده فقال تعالى: ﴿وذا النون﴾ أي واذكر ذا النون أي يونس بن متَّى ﴿إذ ذهب مغاضباً١﴾ لربه تعالى حيث لم يصبر على بقائه مع قومه يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته وطاعته وطاعة رسوله فسأل لهم العذاب، ولما تابوا ورفع عنهم العذاب بتوبتهم وعلم بذلك فلم يرجع إليهم فكان هذا منه مغاضبة لربه تعالى وقوله تعالى عنه: ﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾ أي ظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لا يحبسه في بطن الحوت، لا يضيق عليه وهو حسن ظن منه في ربه سبحانه وتعالى؟ ولكن لمغاضبته ربه بعدم العودة إلى قومه بعد أن رفع عنهم العذاب أصابه ربّه تطهيراً له من أمر المخالفة الخفيفة بأن ألقاه في ظلمات ثلاث، ظلمة الحوت والبحر والليل ثم ألهمه الدعاء الذي به النجاة فكان يسبح في الظلمات الثلاث ﴿لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين٢﴾ فاستجاب الله تعالى له وهو معنى قوله: ﴿وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إني٣ كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم﴾ الذي أصابه من وجوده في ظلمات محبوساً لا أنيس ولا طعام ولا شراب مع غم نفسه من جراء عدم عودته إلى قومه وقد أنجاهم الله من العذاب. وهو سبب المصيبة، وقوله تعالى:
٢ ﴿من الظالمين﴾ حيث ترك مداومة قومه والصبر عليهم أو في الخروج من غير إذن له فنزّه ربّه عن الظلم ونسبه إلى نفسه اعترافاً واستحقاقاً.
٣ روى أبو داود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "دعاء ذي النون في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلاّ استجيب له".
وقوله تعالى: ﴿والتي أحصنت فرجها٤ فنفخنا فيها من روحنا٥﴾ أي واذكر يا نبينا تلك المؤمنة التي أحصنت فرجها أي منعته مما حرم الله تعالى عليها وهي مريم بننت عمران اذكرها في عداد من أنعمنا عليهم وأكرمناهم وفضلناهم على كثير من عبادنا الصالحين، حيث نفخنا فيها من روحنا إذ أمرنا جبريل روح القدس ينفخ في كم درعها فسرت النفخة إلى فرجها فحبلت وولدت في ساعة من نهار، وقوله تعالى: ﴿وجعلناها وابنها﴾ أي عيسى كلمة الله وروحه ﴿آية﴾ أي٦ علامة كبرى على وجودنا وقدرتنا وعلمنا وحكمتنا وإنعامنا وواجب عبادتنا وتوحيدنا فيها حيث لا يعبد غيرنا ﴿للعالمين﴾ أي للناس أجمعين
٢ قيل: الرغب: الدعاء ببطون الأكف إلى السماء، والرهب: رفع ظهورهما. روى الترمذي عن عمر رضي الله عنهما. قال: "كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع يديه لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه " وروى الترمذي أيضاً عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا سألتم الله فأسالوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورهما وامسحوا بهما وجوهكم". وعن ابن عباس: إن رفع اليدين حذاء الصدر هو الدعاء ورفعهما حتى يجاوز بهما الرأس: فهو الابتهال.
٣ ﴿رغبا ورهبا﴾ يصح نصبهما على المصدرية وعلى الحال، وعلى المفعول لأجله.
٤ ﴿أحصنت فرجها﴾ : أي: عفّت فامتنعت عن الفاحشة، وقيل: إن المراد من فرجها فرج القميص: أي لم تعلق بثيابها ريبة أي: أنها طاهرة الأثواب وفروج القميص أربعة: الكمان والأعلى والأسفل، قال السهيلي: هذا من لطيف الكناية لأن القرآن ألطف إشارة وأنزه عبارة.
٥ إضافة الروح إلى الله تعالى: إضافة تشريف كبيت الله، وقيل فيه: روح الله لأنه مبعوث من قبله سبحانه وتعالى.
٦ آية اسم جنس فمريم آية، وعيسى عليه السلام آية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- فضيلة دعوة ذي النون: ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾. إذ ورد أنه ما دعا بها مؤمن إلا استجيب له، وقوله تعالى: ﴿وكذلك ننجي المؤمنين﴾ يقوي هذا الخبر.
٢- استحباب سؤال الولد لغرض صالح لا من أجل الزينة واللهو به فقط.
٣- تقرير أن الزوجة الصالحة من حسنة الدنيا.
٤- فضيلة المسارعة في الخيرات والدعاء برغبة ورهبة والخشوع في العبادات وخاصة في الصلاة والدعاء.
٥- فضيلة العفة والاحصان للفرج.
٦- كون مريم وابنها آية لأن مريم ولدت من غير فحل، ولأن عيسى كان كذلك وكلم الناس في المهد، وكان يحيى الموتى بإذن الله تعالى.
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (٩٣) فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٩٤) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (٩٦)
شرح الكلمات:
إن هذه أمتكم: أي ملتكم وهي الإسلام ملة واحدة من عهد آدم إلى العهد المحمدي إذ دين الأنبياء واحد وهو عبادة الله تعالى وحده بما يشرع لهم.
وأنا ربكم فاعبدون: أنا إلهكم الحق حيث خلقتكم ورزقتكم فلا تنبغي العبادة إلا لي فاعبدون ولا تعبدوا معي غيري.
وتقطعوا أمرهم بينهم: أي وتفرقوا في دينهم فأصبح لكل فرقة دين كاليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنيات وما أكثرها.
كل إلينا راجعون: أي كل فرقة من تلك الفرق التي قطعت الإسلام راجعة إلينا وسوف نجزيها بكسبها.
فلا كفران لسعيه: أي لا نكران ولا جحود لعمله بل سوف يجزى به وافياً.
وإنا له كاتبون: إذ الكرام الكاتبون يكتبون أعمال العباد خيرها وشرها.
وحرام: أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا.
يأجوج ومأجوج: قبيلتان موجودتان وراء سدهما الذي سيفتح عند قرب الساعة.
حدب: أي مرتفع من الأرض.
ينسلون: أي يسرعون المشي.
الوعد الحق: يوم القيامة.
في غفلة من هذا: أي من يوم القيامة وما فيه من أحداث.
بعد ذكر أولئك الأنبياء وما أكرمهم الله تعالى به من افضالات وما كانوا عليه من كمالات قال تعالى مخاطباً الناس كلهم: ﴿إن هذه أمتكم﴾ ١ أي ملتكم ﴿أمة واحدة﴾ أي ملة واحد من عهد أول الرسل إلى خاتمهم وهو الإسلام القائم على الإخلاص لله في العبادة والخلوص من الشرك وقوله تعالى: ﴿وتقطعوا٢ أمرهم بينهم﴾ ينعي تعالى على الناس تقطعيهم الإسلام إلى ملل شتى كاليهودية والنصرانية وغيرهما، وتمزيقه إلى طوائف ونحل، وقوله: ﴿وكل إلينا راجعون﴾ إخبار منه تعالى أنهم راجعون إليه لا محالة بعد موتهم وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون ومن ذلك تقطيعهم للدين الإسلامي وتمزيقهم له فذهبت كل فرقة بقطعة منه. وقوله تعالى: ﴿فمن٣ يعمل من الصالحات﴾ والحال أنه مؤمن، والمراد من الصالحات ما شرعه الله تعالى من عبادات قلبية وقولية وفعلية ﴿فلا كفران لسعيه﴾ أي لعمله فلا يجحد ولا ينكر بل يراه ويجزى به كاملاً. وقوله تعالى: ﴿وإنا له كاتبون﴾ يريد أن الملائكة تكتب أعماله الصالحة بأمرنا ونجزيه بها أيضاً أحسن جزاء وهذا وعد من الله تعالى لأهل الإيمان والعمل الصالح جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم.
وقوله تعالى: ﴿وحرام٤ على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون﴾ يخبر تعالى أنه ممتنع امتناعاً كاملاً أن يهلك أمة بذنوبها في الدنيا ثم يردها إلى الحياة في الدنيا، وهذا بناء على أن ﴿لا﴾ مزيدة لتقوية الكلام ويحتمل الكلام معنى آخر وهي ممتنع على أهل قرية قضى الله تعالى بعذابهم في الدنيا أو في الآخرة أنهم يرجعون إلى الإيمان والطاعة بالتوبة الصادقة وذلك بعد أن كذبوا وعاندوا وظلموا وفسقوا فطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون إلى التوبة بحال، ومعنى ثالث وهو حرام على أهل قرية أهلكهم الله بذنوبهم فأبادهم إنهم
٢ تفرقوا في الدين واختلفوا فيه.
٣ ﴿من الصالحات﴾ من للتبعيض إذ من غير الممكن أن يعمل العبد كل الصالحات ويأتي بكل الطاعات، وقوله ﴿وهو مؤمن﴾ وموحد أيضاً فإن الشرك محبط للعمل.
٤ في حرام قراءات ووجوه منها: ﴿حرام﴾ وهي قراءة الجمهور وحِرم مثل حِل وحلال. وحرم كمرض، وحرُم كشرف، وحرّم: كضرب، وحرّم كبدّل، وحرم كعلم مشددة اللام وحَرم كفرح وحُرم كقفل تسع قراءات.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وحدة الدين وكون الإسلام هو دين البشرية كافة لأنه قائم على أساس توحيد الله تعالى في عبادته التي شرعها ليعبد بها.
٢- بيان ما حدث للبشرية من تمزيق الدين بينها بحسب الأهواء والأطماع والأغراض.
٣- وعد الله لأهل الإيمان والعمل الصالح بالجزاء الحسن وهو الجنة.
وإنّ حراماً لا أرى الدهر باكيا
على شجوه إلا بكيت على صخر
تريد أخاها صخراً.
٢ في الكلام حذف تقديره: حتى إذا فتع سد يأجوج ومأجوج، مثل: واسأل القرية. أي أهل القرية.
٣ الحدب: ما انقطع من الأرض، والجمع حداب مأخوذ من حدبة الظهر، قال عنترة:
فما رعشت يداي ولا ازدهاني
تواترهم إليّ من الحداب
و (ينسلون) يخرجون مسرعين، قال امرؤ القيس: فسلي ثيابي من ثيابك تنسل.
وقال النابغة: عسلان الذئب أمسى قارباً
برد الليل عليه فنَسلَ
أي أسرع.
٤ قل: الواو زائدة مقحمة، والمعنى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق. فاقترب: جواب إذا والواو مقحمة، ومثله: وتلّه للجبين، وناديناه أي: للجبين ناديناه، وأجاز بعضهم أن يكون جواب إذا: فإذا هي شاخصة ويكون اقترب الوعد الحق: معطوفاً.
٥ هي: ضمير الأبصار، والأبصار بعدها: تفسير لها كأنه قال: فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيىء الوعد.
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (١٠٤)
شرح الكلمات:
وما تعبدون من دون الله: أي من الأوثان والأصنام.
حصب جهنم: أي ما توقد به جهنم.
لو كان هؤلاء آلهة: أي الأوثان التي يعبدها المشركون من قريش.
ما وردوها: أي لحالوا بين عابديهم ودخول النار لأنهم آلهة قادرون على ذلك ولكنهم ليسوا آلهة حف فلذا لا يمنعون عابديهم
وكل فيها خالدون: أي العابدون من الناس والمعبودون من الشياطين والأوثان.
لهم فيها زفير: أي لأهل النار فيها أنين وتنفس شديد وهو الزفير.
سبقت لهم منا الحسنى: أي كتب الله تعالى أزلاً أنهم أهل الجنة.
حسيسها: أي حِسّ صوتها.
لا يحزنهم الفزع الأكبر: أي عند النفخة الثانية نفخة البعث فإنهم يقومون من قبورهم آمنين غير خائفين.
كطي السجل للكتب: أي يطوي الجبار سبحانه وتعالى السماء طيّ الورقة لتدخل في الظرف.
كما بدأنا أول خلق نعيده: أي يعيد الله الخلائق كما بدأهم أول مرة فيبعث الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا، كما ولدوا لم ينقص منهم شيء.
معنى الآيات:
يقول تعالى للمشركين الذين بدأت السورة الكريمة بالحديث عنهم، وهم مشركوا قريش يقول لهم مُوعداً: ﴿إنكم وما تعبدون١ من دون الله﴾ من أصنام وأوثان ﴿حصب٢ جهنم﴾ أي ستكونون أنتم وما تعبدون من أصنام وقوداً لجهنم التي أنتم واردوها لا محالة، وقوله تعالى: ﴿لو كان هؤلاء آلهة﴾ لو كان هؤلاء التماثيل من الأحجار التي يعبدها المشركون لو كانوا آلهة حقاً ما ورد النار عابدوها لأنهم يخلصونهم منها ولما ورد النار المشركون ودخلوها دل ذلك على أن آلهتهم كانت آلهة باطلة لا تستحق العبادة بحال. وقوله تعالى: ﴿كل فيها خالدون﴾ أي المعبودات الباطلة وعابدوها الكل في جهنم
٢ قرأ الجمهور حصب بالصاد، وقرأ علي وعائشة رضي الله عنهما بالطاء أي حطب. والحصب أعَمّ، إذ كل ما هُيجت به النار وأوقدت به فهو حصب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء.
٢ لا يُحزنهم بضم الياء من أحزنه، وبفتحها من حزنه قراءتان سبعيتان، والفزع الأكبر: أهوال يوم القيامة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار.
٣ السجل: الكاتب يكتب الصحيفة ثم يطويها عند انتهاء كتابتها. هذا المعنى أوضح مما في التفسير.
٤ الغرل: جمع أغرل وهو من لم يختتن فتقطع منه غلفة ذكره، وأول من يكسى إبراهيم كما في صحيح مسلم.
٣- بيان عظمة الله وقدرته إذ يطوي السماء بيمينه، والأرض في قبضته يوم القيامة.
٤- بعث الناس حفاة عراة غرلا لم ينزع منهم شيء ولا غلفة الذكر إنجاز الله وعده في قوله: ﴿كما بدأكم تعودون﴾ فسبحان الواحد القهار العزيز الجبار.
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (١٠٦) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (١٠٧) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (١١١) قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١١٢)
شرح الكلمات:
ولقد كتبنا في الزبور: أي في الكتب التي أنزلنا كصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والقرآن.
من بعد الذكر: أي من بعد أن كتبنا ذلك في الذكر الذي هو اللوح المحفوظ.
عبادي الصالحون: هم أهل الإيمان والعمل الصالح من سائر الأمم من أتباع الرسل عامة.
إن في هذا لبلاغا: أي إن في القران لبلاغاً أي لكفاية وبلغة لدخول الجنة فكل من آمن به وعمل بما فيه دخل الجنة.
لقوم عابدين: أي مطيعين الله ورسوله.
رحمة للعالمين: أي الإنس والجن فالمؤمنون المتقون يدخلون الجنة والكافرون ينجون من عذاب الاستئصال والابادة الذي كان يصيب الأمم السابقة.
فهل أنتم مسلمون: أي أسلموا فالاستفهام للأمر.
وان أدرى: أي ما أدري.
فتنة لكم: أي اختبار لكم.
على ما تصفون: من الكذب من أن النبي ساحر، وأن الله اتخذ ولداً وأن القرآن شعر.
معنى الآيات:
يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بوعده الكريم الذي كتبه في كتبه المنزلة بعد كتابته في الذكر الذي هو كتاب المقادير المسمى باللوح المحفوظ أن أرض الجنة يرثها عباده الصالحون هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٥٥) وقوله تعالى: ﴿إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين٢﴾ أي في هذا القرآن العظيم لبلاغاً لمن كان من العابدين لله بأداء فرائضه واجتناب نواهيه لكفاية في الوصول به إلى بغيته وهي رضوان الله والجنة وقوله تعالى ﴿وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين﴾ يخبر تعالى أنّه ما أرسل رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا رحمة للعالمين٣
٢ العابدون قال أبو هريرة وسفيان الثوري هم أهل الصلوات الخمس.
٣ قال ابن زيد: المؤمنون خاصة، والعموم أولى وأصح من الخصوص.
وقوله: ﴿وإن أدري﴾ أي وما أدرى ﴿لعله٢﴾ أي تأخير العذاب عنكم بعد استحقاقكم له يحرِ بكم للإسلام ونبيه ﴿فتنة لكم﴾ أي اختبار لعلكم تتوبون فيرفع عنكم العذاب أو هو متاع لكم بالحياة إلى آجالكم، ثم تعذبون بعد موتكم. فهذا علمه إلى ربي هو يعلمه، وبهذا أمرني بأن أقوله لكم. وقوله تعالى: ﴿قال رب احكم بالحق﴾ وفي قراءة قُلْ رب احكم بالحق أي قال الرسول بعد أمر الله تعالى بذلك يا رب احكم بيني وبين قومي المكذبين لي المحاربين لدعوتك وعبادك المؤمنين بالحق وذلك بنصري عليهم أو بإنزال نقمتك بهم، وقوله: ﴿وربنا الرحمان المستعان على ما تصفون٣﴾ أي وربنا الرحمن عز
٢ لعله أي الإمهال والتأخير.
٣ تصفون قرأ الجمهور تصفون بالتاء، وقرأ بعض يصفون بالياء.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- المؤمنون المتقون وهم الصالحون هم ورثة الجنة دار النعيم المقيم.
٢- في القرآن الكريم البُلغة الكافية لمن آمن به وعمل بما فيه بتحقيق ما يصبو إليه من سعادة الدار الآخرة.
٣- بيان فضل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكرامته على ربه حيث جعله رحمة للعالمين.
٤- وجوب المفاصلة بين أهل الشرك وأهل التوحيد.
٥- طلب الاستعانة بالله على كل ما يواجه العبد من صعاب وأتعاب
مكية ومدنية
وآياتها١ ثمان وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ