الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثين في المصحف الكريم
بعدما انتهينا من تفسير " سورة الشعراء " المكية نشرع اليوم بعون الله وتوفيقه في تفسير " سورة النمل " المكية أيضا، وقد أطلق على هذه السورة " سورة النمل " أخذا من قوله تعالى في الآية الثامنة عشرة منها :﴿ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون* فتبسم ضاحكا من قولها ﴾،
والملاحظ أن فاتحة السورة النمل هذه مشابهة كل الشبه لفاتحة سورة الشعراء السابقة، إذ كل من السورتين مفتتح بحروف مقطعة من حروف الهجاء، ففي سورة الشعراء ( طسم ) وفي سورة النمل ( طس ) وأول آية في سورة الشعراء :﴿ تلك آيات الكتاب المبين ﴾ وأول آية في سورة النمل :﴿ تلك آيات القرآن وكتاب مبين ﴾، وكما تصدى كتاب الله في سورة الشعراء لإبطال شبهات أعداء القرآن تصدى هنا لنفس الشيء، زيادة في الإقناع والبيان، وكما تضمنت سورة الشعراء جملة من قصص الأنبياء والمرسلين أوردت سورة النمل حلقات أخرى من بعض تلك القصص، كقصة موسى وقصة صالح وقصة لوط، وأضافت قصصا أخرى فيها عبرة للمعتبرين، وحجة قائمة على الجاحدين والمنكرين، كقصة سليمان التي تخللتها قصة النمل وقصة الهدهد وقصة ملكة سبأ.
وبعد التذكير بما في هذه القصص من مواعظ وعبر أخذ كتاب الله يوجه الخطاب تلو الخطاب إلى كافة البشر، من تقدم منهم في عهد الرسالة ومن تأخر، داعيا إياهم إلى التأمل في آيات الله السارية في الكون، بما فيه من أرض وسماء، وبر وبحر، ورياح وأمطار، وجبال وأنهار، وليل ونهار، ومن هذا المنطلق انتقل كتاب الله إلى الحديث عن البعث والحشر وبعض أشراط الساعة، وناقش الشاكين في البعث والمكذبين بالحياة الآخرة مناقشة تبطل شبهاتهم، وتقضي على تحدياتهم، وتخللت ذلك كله آيات بينات، تؤكد لخاتم الأنبياء والرسل رعاية الله له من فوق سبع سماوات، وهو يخوض أقسى معركة خاضها رسول ضد الشبهات والشهوات.
ﰡ
وبعد التذكير بما في هذه القصص من مواعظ وعبر أخذ كتاب الله يوجه الخطاب تلو الخطاب إلى كافة البشر، من تقدم منهم في عهد الرسالة ومن تأخر، داعيا إياهم إلى التأمل في آيات الله السارية في الكون، بما فيه من أرض وسماء، وبر وبحر، ورياح وأمطار، وجبال وأنهار، وليل ونهار، ومن هذا المنطلق انتقل كتاب الله إلى الحديث عن البعث والحشر وبعض أشراط الساعة، وناقش الشاكين في البعث والمكذبين بالحياة الآخرة مناقشة تبطل شبهاتهم، وتقضي على تحدياتهم، وتخللت ذلك كله آيات بينات، تؤكد لخاتم الأنبياء والرسل رعاية الله له من فوق سبع سماوات، وهو يخوض أقسى معركة خاضها رسول ضد الشبهات والشهوات.
فقوله تعالى :﴿ تلك آيات القرآن وكتاب مبين ﴾﴿ هدى وبشرى للمؤمنين ﴾، ينص على أن كتاب الله يتضمن أمرين :
الأمر الأول هداية الخلق، إلى كل ما هو حق، حتى يتفادوا كل ما هو باطل، قولا وفعلا واعتقادا.
الأمر الثاني تعريف المهتدين به، بما يلقونه من البشائر في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلا يعتري حياتهم خلل ولا اضطراب، ويكونون بمنجاة من أليم العذاب.
الأمر الأول هداية الخلق، إلى كل ما هو حق، حتى يتفادوا كل ما هو باطل، قولا وفعلا واعتقادا.
الأمر الثاني تعريف المهتدين به، بما يلقونه من البشائر في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلا يعتري حياتهم خلل ولا اضطراب، ويكونون بمنجاة من أليم العذاب.
ووصف كتاب الله عاقبة هذا النوع التائه المنحرف فقال :﴿ أولئك الذين لهم سوء العذاب، وهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾.
﴿ فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ﴾ أي بورك فيك يا موسى وفي الملائكة، فأنت نزيل البقعة المباركة،
﴿ وسبحان الله رب العالمين ﴾
﴿ وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ﴾ أي ولى خائفا ولم يرجع،
لكن ناداه ربه ليهدي روعه ﴿ يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ﴾
﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين ﴾.
وقوله تعالى :﴿ في تسع آيات ﴾ إخبار لموسى عليه السلام بأن الآيات المادية التي سيؤيده الله بها أمام فرعون وقومه يبلغ عددها تسعا، وأن إلقاءه لعصاه، وإخراجه ليده من جيبه بيضاء يندرجان في تلك الآيات التسع، وسبق في الآية السابعة والثلاثين بعد المائة من سورة الأعراف الإشارة إلى بعضها، كما سبق في الآية الثامنة والثمانين من سورة يونس الإشارة إلى بعضها الآخر، وأكبر الآيات التسع التي أيد الله بها موسى هي التي وردت في الآية الثالثة والستين من سورة الشعراء الماضية، حيث قال تعالى :﴿ فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴾.
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء " :
قال تعالى تمهيدا لقصة سليمان منوها بأبيه داود، وبما آل إلي بعد موت أبيه من النبوة والملك دون بقية إخوته ﴿ ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين * وورث سليمان داود ﴾ وهذه الآية تضمن تنويه الحق سبحانه وتعالى بنعمة " العلم "، واعتبارها من أجل النعم وأجزل القسم، وأن من فضله الله بالعلم على غيره من الناس يجب أن يقابل نعمة الله عليه في كل آن، بالشكر والامتنان. ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في آية أخرى :﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾ [ المجادلة : ١١ ].
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء " :
وكما استعمل كتاب الله ( الإرث ) بمعناه المجازي في قوله :﴿ وورث سليمان داود ﴾ استعمل بنفس المعنى في قوله صلى الله عليه سلم :( العلماء ورثة الأنبياء )، تعبيرا عن كونهم حملة لعلمهم، أمناء على رسالتهم، حراسا للدين بين قومهم.
وقوله تعالى حكاية عن سليمان :﴿ وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ﴾، إشارة إلى أنه كان يتحدث إلى قومه بنعمة الله ليبرز فضل الله عليه، إذ الكل منه وإليه، والمراد بمنطق الطير الذي علمه الله إياه ليصدقه بنو إسرائيل في كونه رسولا من عند الله هو فهم المشاعر التي تجول في نفوسها عن طريق الأصوات التي تنطق بها، فتتفاهم فيما بينها، والمراد " بكل شيء " في قوله :﴿ وأوتينا من كل شيء ﴾ كل شيء يحتاج ملكه إليه، ويتوقف عليه، على غرار ما وصفت به ملكة سبأ في آية لاحقة ﴿ وأويت من كل شيء ﴾.
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء " :
وقوله تعالى :﴿ وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ﴾ إشارة إلى جمع جنوده واستعراضهم أمامه على نظام وترتيب لا يتقدم فيه أحد عن منزلته، ولا يتأخر أحد عن مرتبته، وكل صنف منهم يجري عرضه وفق طبيعته، قال قتادة : " كان لكل صنف وزعة في رتبتهم مواضعهم ". ويطلق " الوازع " على الموكل بتنظيم الصفوف في العرض، ليكف من تقدم إذا كان حقه التأخير، ويقدم من تأخر إذا كان حقه التقديم :﴿ فهم يوزعون ﴾.
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء " :
وقوله تعالى :﴿ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون* فتبسم ضاحكا من قولها ﴾ إشارة إلى أن سليمان عليه السلام، كما علمه الله منطق الطير علمه منطق النمل، ولذلك فهم مقالة النملة التي تقود قافلتهم، وتبسم ضاحكا من قولها المهذب، وإنما تبسم من قولها لأنها برأت ساحته وساحة جنوده من الاتهام بالقصد إلى التحطيم والعدوان، وحملتهم منذ البداية حمل العدل والحنان والإحسان، عندما قالت :﴿ لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾
قال الإمام القشيري تعليقا على قوله تعالى هنا :﴿ قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان ﴾ : " فيه دليل على وجوب سياسة الكبار لمن هو في رعيتهم، وعلى حسن الاحتراز مما يخشى وقوعه، وأن ذلك مما تقتضيه عادة النفس ".
ثم عقب على ذلك مستنكرا ما وجد عليه أهل سبأ من عبادة الشمس والسجود لها، بدلا من عبادة الله والسجود له، معترفا بأن الله الذي ألهمه معرفة الماء المغيب تحت الأرض هو الذي يكشف لخلقه عن كل ما هو سر مغيب عنهم، سواء كان في السماء وطباقها، أو في الأرض وأطباقها، وللتعبير عن هذه المعاني حكى عنه كتاب الله قوله :﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ﴾
ثم عقب على ذلك مستنكرا ما وجد عليه أهل سبأ من عبادة الشمس والسجود لها، بدلا من عبادة الله والسجود له، معترفا بأن الله الذي ألهمه معرفة الماء المغيب تحت الأرض هو الذي يكشف لخلقه عن كل ما هو سر مغيب عنهم، سواء كان في السماء وطباقها، أو في الأرض وأطباقها، وللتعبير عن هذه المعاني حكى عنه كتاب الله قوله :﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ﴾
لا يزال كتاب الله يواصل الحديث عن قصة سليمان، ويبرز جوانب متنوعة من شخصيته، وسياسته الحكيمة في رعيته، مما فيه عبرة للمعتبرين، من المسؤولين القدماء والمحدثين، فها هو سليمان بعدما استمع إلى الهدهد يتحداه ويقول :﴿ أحطت بما لم يحط به علما، وجئتك من سبأ بنبأ يقين ﴾ يجيبه بكل هدوء قائلا :﴿ سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ﴾، فلم يسرع إلى ما وعده به من العذاب أو الذبح لأول ما وجده غائبا، طبقا لما قال :﴿ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ﴾، وإنما وقف عند حد ما التزم به في الأخير إذ قال :﴿ أولياتيني بسلطان مبين ﴾، فالأمر مرهون في النهاية بالحجة والبرهان، لا بالسطوة والسلطان، ومراد سليمان بالنظر في صدق الهدهد أو كذبه عندما قال له :﴿ سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ﴾ هو التأمل فيما اعتذر به الهدهد عن غيبته، وفيما أخبر به مما اكتشف في رحلته، عملا بما يجب من التحري في تلقي الأخبار، والتعرف على الأسرار، ومن هذه الآية التي حكى كتاب الله على لسان سليمان استنبط الإمام القشيري في كتابه ( لطائف الإشارات ) " أن خبر الواحد لا يوجب العلم، بل يجب التوقف فيه على حد التجويز، وأنه لا يطرح، بل يجب ان يتعرف هل هو صدق أم كذب، وأن الوالي يمنعه عدله من الحيف على رعيته، ويقبل عذر من وجده في صورة المجرمين إذا كان صادقا في معذرته ". ونفس الرأي أخذ به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) وتابعه عليه القرطبي في تفسيره حيث قال : " في قوله أصدقت أم كنت من الكاذبين دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم، ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة، وفي الصحيح : " ليس أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل "، وحيث أن " الهدهد هو الذي قال ما قال لزمه الخروج من عهدة ما قال "،
ويلاحظ على سليمان أنه لم يصدع بهذا الأمر إلى الهدهد فور ما سمعه يقول :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء، ولها عرش عظيم ﴾، وإنما اهتز لذلك، ونطق بأمره، بعدما سمعه يقول :﴿ وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ﴾، فالأمر هنا لا يتعلق بالتوسع في الملك، والمزيد من السطوة والسلطان، بقدر ما يتعلق بنشر التوحيد وعبادة الله، بدلا من عبادة الطبيعة والأوثان، وإنما قال :﴿ فألقه إليهم ﴾ بضمير الجمع بدلا من ( ألقه إليها ) لينسجم مع قوله قبل ذلك :﴿ وجدتها وقومها يسجدون للشمس ﴾ فالكتاب موجه إليها وإلى قومها، بدليل قوله تعالى فيه حسبما يأتي :﴿ ألا تعلوا علي واتوني مسلمين ﴾ بصيغة الجمع أيضا، ومعنى قوله :﴿ ثم تول عنهم ﴾ الق الكتاب وتنح عنهم، التزاما للأدب، لكن كن حريصا على استيعاب ما يدور بينهم من مراجعة في القول حول مضمون الكتاب ﴿ فانظر ماذا يرجعون ﴾ قال أبو حيان : " وفي قوله :﴿ اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ﴾ دليل على إرسال الرسل من الإمام إلى المشركين يبلغهم الدعوة، ويدعوهم إل الإسلام، وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما من الملوك ".
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
والتوجيه الثاني تصدير الكتاب والمرسلات باسم الله الرحمان الرحيم، وهو استفتاح شريف في مبناه، فريد في معناه، ثم ذكر اسم المرسل للكتاب قبل اسم المرسل إليه، وقد كان رسم المتقدمين إذا كتبوا كتابا أن يبدأوا بأنفسهم : من فلان إلى فلان، وبذلك جاءت الآثار. روى الربيع عن أنس رضي الله عنه قال : " ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه إذا كتبوا إليه كتابا بدأوا بأنفسهم ". على أن البدء باسم المكتوب إليه جائز وشائع، وقد يكون هو المناسب في بعض الأحيان، ومأخذ التوجيه الثاني هو قول ملكة سبأ :﴿ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ﴾
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
﴿ ألا تعلوا علي ﴾ أي لا تتكبروا ﴿ واتوني مسلمين ﴾ أي مذعنين منقادين، مستعدين لمفارقة الشرك والدخول في ملة التوحيد، ووصف الكتاب بالكريم هو غاية الوصف، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ إنه لقرآن كريم ﴾ قال الإمام القشيري : " لما عرفت قدر الكتاب وصلت باحترامها إلى بقاء ملكها، ورزق الإسلام وصحبة سليمان ".
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
والتوجيه الثالث ما يجب أن تكون عليه الرعية ونوابها من نصرة الراعي، والاستعداد لبذل النفس والنفيس في حماية الأوطان والدفاع عنها كلما توقعت خطرا أو تعرضت لخطر، والالتحام التام بين الراعي والرعية، مع الاعتراف بالمنزلة السامية التي تمتاز بها الرياسة والقومية، وذلك ما يتضمنه جواب الملأ لملكة سبأ، إذ ﴿ قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد ﴾ ثم أضافوا قولهم :﴿ والأمر إليك فانظري ماذا تامرين ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
والتوجيه الرابع ما ينبغي أن يكون عليه الراعي من حصافة الرأي وتقليب وجوه النظر، والجنوح إلى الوسائل السليمة في معالجة المشاكل السياسية، بدلا من الوسائل الحربية، وهذا المعنى هو الذي تشير إليه ملكة سبأ صراحة وضمنا، إذ ﴿ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ﴾ ﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾، تريد بقولها أن الاشتباك في الحرب مع الغزاة ليس مضمون النتيجة، فقد تكون الغلبة لهم، والهزيمة لمن وقفوا في وجوههم، وتتعرض بلادهم بذلك للخراب والدمار، ويسلك الغزاة في معاملتهم مسلك الانتقام وأخذ الثأر، ولفظ ( الملوك ) في هذا السياق يعني " الملوك الغزاة " ومثلهم " الغزاة ولو كانوا غير ملوك " فالأمر يتعلق بالغزو والتغلب والاستيلاء على البلاد عنوة أولا وأخيرا، قال جار الله الزمخشري : " وقد يتعلق الساعون في الأرض بالفساد بهذه الآية، ويجعلونها حجة لأنفسهم، ومن استباح حراما فقد كفر، فإذا احتج له القرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين ".
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾
والظاهر أن ملكة سبأ غلب على ظنها أن سليمان يطمع في ملكها ويريد مقاسمتها ثروتها، لا ان له هدفا دينيا ساميا من وراء دعوتها ودعوة قومها إلى موالاته، والدخول في زمرته، بالرغم مما تضمنه كتابه إليها صراحة في الموضوع، فوجهت له وفدا يترأسه مبعوث خاص من كبار قومها، حاملا معه هدية عظيمة، وقد تنافس رواة الإسرائيليات في وصف هذه الهدية وتفصيل أنواعها، ولا يوجد لروايتهم سند إسلامي صحيح، وإلى خبر هذه الهدية يشير قولها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾،
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾
والظاهر أن ملكة سبأ غلب على ظنها أن سليمان يطمع في ملكها ويريد مقاسمتها ثروتها، لا ان له هدفا دينيا ساميا من وراء دعوتها ودعوة قومها إلى موالاته، والدخول في زمرته، بالرغم مما تضمنه كتابه إليها صراحة في الموضوع، فوجهت له وفدا يترأسه مبعوث خاص من كبار قومها، حاملا معه هدية عظيمة، وقد تنافس رواة الإسرائيليات في وصف هذه الهدية وتفصيل أنواعها، ولا يوجد لروايتهم سند إسلامي صحيح، وإلى خبر هذه الهدية يشير قولها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾،
إلا أن سليمان لم يقبل هديتها ورد وفدها على عقبه، لأن الهدف الديني الأسمى الذي قصده من وراء دعوتها لا تعدل به أي هدية، ولا تقبل فيه فدية، والهدية في مثله إنما هي رشوة كما قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي )، ﴿ فلما جاء سليمان ﴾ أي جاءه وفد ملكة سبأ ﴿ فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتان الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ﴾.
﴿ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ﴾، وشاء الله ان تكون هذه الكرامة المنبثقة عن علم الكتاب، التي ظهرت على يد صاحب سليمان، إشراقة إلهية، سابقة على ما كشف عنه لخلقه في هذا الزمان، من علم أسرار الجو والطيران.
ولعل البعض يستغرب ويتساءل كيف تحقق هذا الأمر على يد " صاحب سليمان " وهو مجرد تابع، ولم يتحقق على يد سليمان نفسه وهو النبي المتبوع الذي قال الله في حقه وحق والده :﴿ ولقد آينا داوود وسليمان علما ﴾ وقال في كتابه على لسان سليمان :﴿ يا أيها الناس علمنا منطق الطير ﴾ لكن من تذكر ما واجه به الهدهد وهو مجرد طير من الطيور سليمان عليه السلام عندما قال له فيما حكاه كتاب الله سابقا :﴿ أحطت بما لم تحط به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين ﴾ لا يستغرب من هذا الأمر شيئا، فالله تعالى هو الذي أحاط بكل شيء علما، على أن مثل هذا السؤال قد سبق إلى وضعه أحد علماء التصوف الكبار وهو محمد بن علي الترمذي الحكيم ضمن الأسئلة التي وضعها لتمحيص المدعين في طريق القوم من غيرهم واختيارهم ومجموعها مائة وخمسة وخمسون سؤالا تصدى للجواب عنها جميعا ( ابن عربي ) الحاتمي في فتوحاته المكية، وخلاصة جوابه عن هذا السؤال ما معناه : أن العلم بهذا الأمر لم يطو عن سليمان، وإنما طوي عنه الإذن في التصرف به، تنزيها لمقامه، كما أن ظهور هذا الأمر على يد " صاحب سليمان " كان أتم في حق سليمان، ما دام هذا الصاحب تابعا له، مصدقا بنبوته، قائما في الخدمة بين يديه تحت أمره ونهيه، وكل من رأى بركة هذا الرسول التي عادت على صاحبه سواء أكان من أتباعه الأولين، أو من الوافدين عليه من مملكة سبأ سيزداد رغبة في متابعته والتعلق به والدخول في دينه، حتى ينال ما ناله هذا التابع، إذ متى كان أمر التابع بهذه المثابة كان امر المتبوع فوق كل تقدير. وواضح ان كرامة الولي متى ثبتت ولايته تكون ملتحقة بمعجزة النبي، إذ لو لم يكن النبي صادقا في نبوته، لم تكن الكرامة تظهر على يد الخواص من أمته، إلى مثل هذا المعنى ينظر قول الشاعر :
والمرء في ميزانه أتباعه فاقدر إذن قدر النبي محمد
والآن وقد حقق الله لسليمان على يد صاحبه تلك الأمنية الغالية، وأصبح وصول ملكة سبأ إلى بلاطه قاب قوسين أو أدنى، وتم إعداد المفاجأة الكبرى لها بحضور عرشها بين يديه، قبل أن تقدم هي عليه، لترى رأي العين أن ملك سليمان مؤيد من الله بمعارف وأسرار، لا تقف دونها الحصون والأسوار، ها هو يشكر الله تعالى على ما أحاطه به من مظاهر العناية الإلهية، وها هو كتاب الله يصف مشاعره الدفينة، في أبهى حلة وأجمل زينة، إذ يقول :﴿ فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ﴾، لكنه سلك مسلك الأدب مع الله، فقابل نعمته بالشكر على الامتنان، لا بالاستعلاء والطغيان، فنجح في الامتحان، وفاز في الرهان، ﴿ ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ﴾.
بالكلام على الآيات الخمس الأولى في هذه الحصة نكون قد أشرفنا على الانتهاء من قصة سليمان وملكة سبإ، كما وردت في سورة النمل المكية، فهذه الآيات الكريمة تتحدث عن المرحلة الأخيرة من نفس القصة، حيث تصل ملكة سبإ إلى بلاط سليمان، فتفاجأ بعرش سليمان وبجانبه عرش آخر، تخاله شبيها بعرشها إن لم يكن هو هو، وتفاجأ بقصر فريد في تخطيطه البديع، وهندامه الجميل، على خلاف ما هو متعارف في بقية القصور، وتفاجأ بملك حكيم تعلوه هيبة الملك، ويشرق عليه نور النبوة، فلا يسعها إلا أن تعلن –عن اقتناع وطواعية- دخولها في ملته، والتزامها بموالاته وطاعته، ثم تعود إلى مملكتها محفوظة الكيان، معززة السلطان.
ولتتضاعف عناصر المفاجأة التي أعدها سليمان لملكه سبإ أمر بتنكير عرشها وإدخال تغييرات عليه في الشكل والهيئة، كما يتنكر الشخص حتى لا يعرفه بقية الناس، وقصد سليمان من ذلك امتحان قوة ذكائها وصدق فراستها، وذلك ما حكاه كتاب الله عنه إذ قال لأعوانه من رجال بلاطه :﴿ قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ﴾
وبمناسبة قدوم ملكة سبإ على بلاط سليمان، واستقبالها فيه، يظهر أن الحديث دار بين رجال بلاطه حولها وحول الملة التي كانت عليها هي وقومها من قبل، والملة التي أكرمهم الله بها وكانوا فيها من السابقين الأولين، فكان كتاب الله لحديثهم بالمرصاد، وسجله على لسانهم إذ يقول :﴿ وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ﴾.
وبمناسبة قدوم ملكة سبإ على بلاط سليمان، واستقبالها فيه، يظهر أن الحديث دار بين رجال بلاطه حولها وحول الملة التي كانت عليها هي وقومها من قبل، والملة التي أكرمهم الله بها وكانوا فيها من السابقين الأولين، فكان كتاب الله لحديثهم بالمرصاد، وسجله على لسانهم إذ يقول :﴿ وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ﴾.
كان مسك الختام للزيارة التي قامت بها ملكة سبإ إلى بلاط سليمان هو إعلانها لمفارقة ما كانت عليه من الشرك " الذي هو ظلم عظيم "، والدخول مع سليمان في ملة التوحيد، التي لا تؤمن إلا بإله واحد هو رب العالمين، وكما التجأ آدم وزوجه إلى الله إذ ﴿ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ]، التجأت ملكة سبإ بدورها إلى ربها، تائبة من شركها، مستغفرة لذنبها، إذ ﴿ قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ﴾، مستعملة نفس الصيغة التي أجاب بها إبراهيم ربه ﴿ إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين ﴾ [ البقرة : ١٣١ ]، وإنما قالت ﴿ وأسلمت مع سليمان ﴾ إشارة إلى مؤاخاتها له في الدين، ولم تقل " وأسلمت لسليمان " تفاديا من الوقوع في شرك جديد، فالمؤمن الموحد إنما يسلم وجهه لله وحده لا لغيره، وملكة سبإ وسليمان، يصدق عليهما معا في هذا المقام أنهما من " عباد الرحمن " قال تعالى :﴿ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ﴾ [ لقمان : ٢٢ ]. وتتفق روايات التاريخ على أن سليمان أقر ملكة سبإ على ملكها، فعادت إلى مملكتها عزيزة مكرمة، أما زواجه بها فلم برد له ذكر في الكتاب ولا في السنة الصحيحة.
ومعنى ﴿ اطيرنا بك وبمن معك ﴾ تشاءمنا بك وبمن معك من المؤمنين، إشارة إلى ما أخذ ينزل بهم من الشدة والقحط، بعد السعة والخصب، ابتلاء لهم من الله حتى ينيبوا إليه، ومعنى ﴿ طائركم عند الله ﴾ أن مرد السعة والضيق، والخصب والقحط، ليس إلى أحد من البشر، وإنما هو قضاء الله وقدره، إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم، ولا يظلم ربك أحدا، ويشبه قول ثمود هنا في التشاؤم بصالح قول بني إسرائيل في التشاؤم بموسى، إذ قالوا له :﴿ أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ﴾ [ الأعراف : ١٢٩ ]، قال القرطبي : " لا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير، من اعتقاد الطيرة، ومن ظن أن خوار بقرة، أو نعيق غراب، يرد قضاء أو يدفع مقدورا فقد جهل ". ثم لفت صالح أنظار قومه إلى أن ما هم عليه من عناد وفساد، وما هم فيه من ضلال وعماء، هو السبب الحقيقي لما حل بهم من الضيق والابتلاء، فقال لهم :﴿ بل أنتم قوم تفتنون ﴾، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في آية أخرى :﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة، وإلينا ترجعون ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ]. وهاهنا يحسن التنبيه إلى أن ما دار بين صالح وقومه من تشاؤمهم به وبمن معه من المؤمنين، ورده عليهم ردا مفحما بإبطال الطيرة من أصلها، لم يرد ذكره فيما سبق أن حكاه كتاب الله من قصة صالح، فهو عنصر جديد في سياق قصته بهذه السورة.
فها هو يسلك مسلك التفصيل في هذه السورة ولا يكتفي بالإجمال، إذ يقول :﴿ وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ﴾، وبذلك اتضح أن زعماء الشرك والضلال من قوم صالح كانوا تسعة أشخاص كرسوا جهودهم للفساد والإفساد، بحيث لا يتخلل نشاطهم ولو مثقال ذرة من الصلاح والإصلاح ﴿ يفسدون في الأرض ولا يصلحون ﴾.
اكتفى في هذه السورة بذكر المصير المفجع الذي آل إليه أمر العتاة التسعة المفسدين، ومن ائتمر بأمرهم من القوم الضالين، فقال تعالى :﴿ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ﴾
اكتفى في هذه السورة بذكر المصير المفجع الذي آل إليه أمر العتاة التسعة المفسدين، ومن ائتمر بأمرهم من القوم الضالين، فقال تعالى :﴿ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ﴾
وانجلت معركة الحق التي كان يخوضها صالح عليه السلام لإزهاق الباطل كما هو المنتظر دائما بنجاته ونجاة من معه من المؤمنين، مصداقا للوعد العام الذي وعد الله به كافة الرسل والأنبياء في سورة الأنبياء، إذ قال تعالى :﴿ ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء، وأهلكنا المسرفين ﴾ [ الآية : ٩ ].
لقد كانت نهاية الربع الماضي بداية للحديث عن آخر قصة في سورة النمل المكية، وهي قصة لوط مع قومه، وهذه القصة تجدد ذكرها في ثمان سور من القرآن الكريم، فتولى كتاب الله في سبع منها التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه، وذكر العقاب الإلهي الصارم الذي عاقبهم به على فاحشتهم الكبرى، ألا وهي سور : الأعراف، وهود، والحجر، والشعراء، والنمل، والعنكبوت، والقمر، واقتصر في واحدة منها وهي سورة الصافات على وصف عقابهم دون وصف عملهم، اكتفاء بما رددته السور الأخرى، فقال تعالى في سورة الأعراف :﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم مسرفون ﴾ [ ٨٠، ٨١ ]. وقال تعالى في سورة هود :﴿ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات، قال يا قوم هؤلاء بناتي ﴾ يشير إلى بنات قومه ويدعوهم إلى الزواج بهن ﴿ هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ﴾ [ ٧٨، ٧٩ ]. وقال تعالى في سورة الحجر :﴿ قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون، واتقوا الله ولا تخزون ﴾، وفيها أيضا :﴿ قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ﴾ [ الآيات : ٦٨، ٧١، ٦٩ ] وقال تعالى في سورة الشعراء :﴿ أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، بل أنتم قوم عادون ﴾ [ ١٦٦، ١٦٥ ]. وقال تعالى في سورة العنكبوت :﴿ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتاتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ [ ٢٩، ٢٨ ]. وقال تعالى في سورة القمر :﴿ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ﴾ [ ٣٧ ]. وقال تعالى في نهاية الربع الماضي من سورة النمل :﴿ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم تجهلون ﴾ [ ٥٥، ٥٤ ].
ومن عرض هذه الآيات في صعيد واحد يتضح ما كان لعمل قوم لوط من أبعاد خطيرة، وما يؤدي إليه عند انتشاره من مفاسد كبيرة، فقد أوحى إليهم شيطانهم أن قضاء الشهوة هو الهدف الأول والأخير من وجود الغريزة الجنسية، وأنه لا معنى لوجود أي هدف أخلاقي أو اجتماعي من ورائها، وأنه لا ضرورة تدعو إلى التستر بها وكتمانها، وكانوا يحملون الكراهية والبغض للنساء عموما، ويتبجحون بإعلان النفور من معاشرتهن في كل المناسبات ﴿ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ﴾ ﴿ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ﴾ ﴿ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ﴾ ﴿ وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد }. وهذا الوضع الشاذ يؤدي عند استفحال عدواه إلى رفض الذكور للزواج، اكتفاء بأمثالهم، ويتبعه في نفس الوقت بصورة آلية اكتفاء الإناث بأمثالهن، فلا يبقى أي حافز يحفز على الزواج وتأسيس الأسرة، لا بالنسبة للرجال ولا بالنسبة للنساء، وبذلك يقع القضاء التام على ملكة الإخصاب والإنجاب، لأنها لا تؤدي دورها إلا عند تزاوج الذكور والإناث، فيتوقف النسل في البداية، ثم ينقطع النسل في النهاية، وهكذا يتعرض المجتمع البشري متى انتشرت فيه هذه العدوى وسادت العلاقات الجنسية للاختلال والانحلال، ويتعرض النوع الإنساني تدريجيا في مختلف الأقطار للفناء والانقراض، وذلك خلاف مراد الله ونقيض حكمته، من حمل الإنسان للأمانة والجلوس على عرش خلافته ﴿ إني جاعل في الأرض خليفة ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان } [ الأحزاب : ٧٢ ].
ومن هذه النبذة القصيرة يتبين السر في التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه في كتاب الله، والتعبير عنه في ثلاث سور مختلفة بلفظ ( الفاحشة ) معرفا بالألف واللام، إبرازا لشدة قبحه، وتنبيها إلى أنه أم الفواحش وأكبرها وأخطرها جميعا، لما فيه إذا استفحل أمره من أخطار بالغة على نظام المجتمع، ومصير النوع الإنساني الذي يرتبط به عمران العالم. أضف إلى ذلك ما هو مركوز في العقول والفطر من قبحه وشناعته والنفور منه، حتى أصبح لفظ ( الفاحشة ) أصدق تعريف له، ولذلك خاطبهم لوط عليه السلام، كما حكى عنه كتاب الله، قائلا لهم في سورة الأعراف :﴿ بل أنتم قوم مسرفون ﴾ [ ٨١ ]، وفي سورة الشعراء :﴿ بل أنتم قوم عادون ﴾ [ ١٦٥ ]، وهنا في سورة النمل :﴿ بل أنتم قوم تجهلون ﴾.
وواضح أن من انحرف عن طريق الفطرة السوي، ولم يستجب لداعي الميل الطبيعي المركوز في الذكر نحو الأنثى والأنثى نحو الذكر، وكرس حياته لمجرد قضاء الشهوة البهيمية من دون تحقيق أي هدف إنساني نبيل من ورائها، يكون قد بلغ الغاية في " الإسراف "، والغاية في " العدوان "، والغاية في " الجهل " بكلا معنييه : معناه المضاد للعلم، ومعناه المنافي لمكارم الأخلاق. و " الإسراف " في الشيء هو الزيادة المفسدة للغرض المقصود منه.
لقد كانت نهاية الربع الماضي بداية للحديث عن آخر قصة في سورة النمل المكية، وهي قصة لوط مع قومه، وهذه القصة تجدد ذكرها في ثمان سور من القرآن الكريم، فتولى كتاب الله في سبع منها التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه، وذكر العقاب الإلهي الصارم الذي عاقبهم به على فاحشتهم الكبرى، ألا وهي سور : الأعراف، وهود، والحجر، والشعراء، والنمل، والعنكبوت، والقمر، واقتصر في واحدة منها وهي سورة الصافات على وصف عقابهم دون وصف عملهم، اكتفاء بما رددته السور الأخرى، فقال تعالى في سورة الأعراف :﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم مسرفون ﴾ [ ٨٠، ٨١ ]. وقال تعالى في سورة هود :﴿ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات، قال يا قوم هؤلاء بناتي ﴾ يشير إلى بنات قومه ويدعوهم إلى الزواج بهن ﴿ هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ﴾ [ ٧٨، ٧٩ ]. وقال تعالى في سورة الحجر :﴿ قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون، واتقوا الله ولا تخزون ﴾، وفيها أيضا :﴿ قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ﴾ [ الآيات : ٦٨، ٧١، ٦٩ ] وقال تعالى في سورة الشعراء :﴿ أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، بل أنتم قوم عادون ﴾ [ ١٦٦، ١٦٥ ]. وقال تعالى في سورة العنكبوت :﴿ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتاتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ [ ٢٩، ٢٨ ]. وقال تعالى في سورة القمر :﴿ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ﴾ [ ٣٧ ]. وقال تعالى في نهاية الربع الماضي من سورة النمل :﴿ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم تجهلون ﴾ [ ٥٥، ٥٤ ].
ومن عرض هذه الآيات في صعيد واحد يتضح ما كان لعمل قوم لوط من أبعاد خطيرة، وما يؤدي إليه عند انتشاره من مفاسد كبيرة، فقد أوحى إليهم شيطانهم أن قضاء الشهوة هو الهدف الأول والأخير من وجود الغريزة الجنسية، وأنه لا معنى لوجود أي هدف أخلاقي أو اجتماعي من ورائها، وأنه لا ضرورة تدعو إلى التستر بها وكتمانها، وكانوا يحملون الكراهية والبغض للنساء عموما، ويتبجحون بإعلان النفور من معاشرتهن في كل المناسبات ﴿ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ﴾ ﴿ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ﴾ ﴿ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ﴾ ﴿ وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد }. وهذا الوضع الشاذ يؤدي عند استفحال عدواه إلى رفض الذكور للزواج، اكتفاء بأمثالهم، ويتبعه في نفس الوقت بصورة آلية اكتفاء الإناث بأمثالهن، فلا يبقى أي حافز يحفز على الزواج وتأسيس الأسرة، لا بالنسبة للرجال ولا بالنسبة للنساء، وبذلك يقع القضاء التام على ملكة الإخصاب والإنجاب، لأنها لا تؤدي دورها إلا عند تزاوج الذكور والإناث، فيتوقف النسل في البداية، ثم ينقطع النسل في النهاية، وهكذا يتعرض المجتمع البشري متى انتشرت فيه هذه العدوى وسادت العلاقات الجنسية للاختلال والانحلال، ويتعرض النوع الإنساني تدريجيا في مختلف الأقطار للفناء والانقراض، وذلك خلاف مراد الله ونقيض حكمته، من حمل الإنسان للأمانة والجلوس على عرش خلافته ﴿ إني جاعل في الأرض خليفة ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان } [ الأحزاب : ٧٢ ].
ومن هذه النبذة القصيرة يتبين السر في التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه في كتاب الله، والتعبير عنه في ثلاث سور مختلفة بلفظ ( الفاحشة ) معرفا بالألف واللام، إبرازا لشدة قبحه، وتنبيها إلى أنه أم الفواحش وأكبرها وأخطرها جميعا، لما فيه إذا استفحل أمره من أخطار بالغة على نظام المجتمع، ومصير النوع الإنساني الذي يرتبط به عمران العالم. أضف إلى ذلك ما هو مركوز في العقول والفطر من قبحه وشناعته والنفور منه، حتى أصبح لفظ ( الفاحشة ) أصدق تعريف له، ولذلك خاطبهم لوط عليه السلام، كما حكى عنه كتاب الله، قائلا لهم في سورة الأعراف :﴿ بل أنتم قوم مسرفون ﴾ [ ٨١ ]، وفي سورة الشعراء :﴿ بل أنتم قوم عادون ﴾ [ ١٦٥ ]، وهنا في سورة النمل :﴿ بل أنتم قوم تجهلون ﴾.
وواضح أن من انحرف عن طريق الفطرة السوي، ولم يستجب لداعي الميل الطبيعي المركوز في الذكر نحو الأنثى والأنثى نحو الذكر، وكرس حياته لمجرد قضاء الشهوة البهيمية من دون تحقيق أي هدف إنساني نبيل من ورائها، يكون قد بلغ الغاية في " الإسراف "، والغاية في " العدوان "، والغاية في " الجهل " بكلا معنييه : معناه المضاد للعلم، ومعناه المنافي لمكارم الأخلاق. و " الإسراف " في الشيء هو الزيادة المفسدة للغرض المقصود منه.
ولأجل أن نفهم قرار الشواذ المنحرفين من قوم لوط بنفي آل لوط وهو لوط ومن آمن معه إذ ﴿ قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم ﴾ وتعليل القرار الذي أصدروه في حق لوط وصحبه بقولهم عنهم :﴿ إنهم أناس يتطهرون ﴾ حسبما حكاه كتاب الله في سورة الأعراف ﴿ اٍلآية : ٨٢ ]، وهنا في سورة النمل، ينبغي أن نعيد إلى الذاكرة قول لوط وهو يخاطبهم في سورة هود :{ يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ﴾ [ الآية : ٧٨ ] فقد جعل الله أرحام النساء بالنسبة للرجال هي مقر البذر والإخصاب، وبدونها لا يستمر النسل ولا يحصل الإنجاب، وهذه الأرحام طاهرة من الأذى في أغلب الأوقات، فالبذر فيها ممكن متيسر من دون أدنى ضر ولا خطر، اللهم إلا في فترة الحيض المحدودة، طبقا لقوله تعالى في سورة البقرة :﴿ ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ﴾ [ الآية : ٢٢٢ ]، ومن تعود على الطهارة والنظافة في الجوارح والملابس والأنفاس، يربأ بنفسه أن يقرب مواقع الأقذار والخبائث والأنجاس، ولا يعرض نفسه للأورام والأسقام التي تتولد من ذلك فيتعرض لها المنحرفون من الناس.
من أجل ذلك كله حرم الله عمل قوم لوط وشهر به في جميع الأعصار، ولو كان قليل الوقوع محدود الانتشار، كما حرم قليل الخمر ولو لم يكن مثل كثيره مفضيا إلى الإسكار، لأن المعصية تدفع إلى مثلها، والعدوى تضاعف من فعلها، و " سد الذرائع "، من أحكم وأوجب الشرائع.
أما العقاب الإلهي الذي عوقب به قوم لوط على فاحشتهم الكبرى وما كانوا يعملونه من مختلف السيئات، فقد فصله كتاب الله في سورة هود إذ قال :﴿ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين ببعيد ﴾ [ ٨٣، ٨٢ ]، وفي سورة الحجر إذ قال :﴿ فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين ﴾ [ ٧٥، ٧٣ ] وأجمله كتاب الله في هذه السورة بعد أن تحدث عن لوط والناجين من أهله إذ قال :﴿ فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين ﴾، لأنها كانت متواطئة معهم وبقيت بجانبهم، فكانت من الهالكين
قال جار الله الزمخشري وتابعه أبو حيان : " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات، الناطقة بالبراهين على وحدانيته، وقدرته على كل شيء وحكمته، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه المصطفين من عباده، وفيه تعليم حسن، وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما، على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر، هذا الأدب، فحمدوا الله عز وجل، وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة وتذكرة، وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون، فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني والحوادث التي لها شأن ".
وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾
وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾
وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾
وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾
وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾
وختم هذا العرض الباهر الذي كله حق مبين، بخطاب موجه إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، وكل من آمن برسالته إلى يوم الدين، فقال تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ﴾.
ثم أعرب عن إحدى العقائد الأساسية في ملة التوحيد، ألا وهي انفراد الحق سبحانه وتعالى بعلم الغيب من دون أحد من خلقه ﴿ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وعنده مفاتحه الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، ومن ذلك انفراده وحده بعلم وقت الساعة المحدود، وما يصاحبها من نشر وحشر، وعرض وحساب، وثواب وعقاب ﴿ لا يجليها لوقتها إلا هو ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] ﴿ وما يشعرون أيان يبعثون ﴾ ولفظ " أيان " هنا بمعنى متى، وهي مركبة من أي والآن، وهو الوقت، أي لا يعرفون متى تقوم الساعة ولا متى يبعثون. وعن هذه الآية تفرع قوله تعالى في بداية هذا الثمن :﴿ بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ﴾
ثم أعرب عن إحدى العقائد الأساسية في ملة التوحيد، ألا وهي انفراد الحق سبحانه وتعالى بعلم الغيب من دون أحد من خلقه ﴿ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وعنده مفاتحه الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، ومن ذلك انفراده وحده بعلم وقت الساعة المحدود، وما يصاحبها من نشر وحشر، وعرض وحساب، وثواب وعقاب ﴿ لا يجليها لوقتها إلا هو ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] ﴿ وما يشعرون أيان يبعثون ﴾ ولفظ " أيان " هنا بمعنى متى، وهي مركبة من أي والآن، وهو الوقت، أي لا يعرفون متى تقوم الساعة ولا متى يبعثون. وعن هذه الآية تفرع قوله تعالى في بداية هذا الثمن :﴿ بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ﴾ إشارة إلى أن المشركين والكافرين والجاحدين في كل عصر اختلط عليهم الحابل بالنابل في شأن النشأة الأخرى والحياة الآخرة، وكثر منهم الخوض فيها من دون جدوى، وطال جدالهم في أمرها دون علم، فنفاها بعضهم، وشك فيها بعضهم، واستبعدها بعضهم و " العلم " هنا بمعنى الحكم والقول، أي تتابع منهم القول والحكم في شأن الآخرة من دون الوصول إلى نتيجة، وأصل " ادراك " تدارك، أدغمت الدال في التاء وجيء بألف الوصل، وإنما تكرر في هذه الآية لفظ " بل " وهو للاضطراب، ثلاث مرات، تبعا لتقلب احوالهم، وتناقض مواقفهم، ودرجات عنادهم، وحيرتهم الناشئة عن الشرك والكفر والجحود.
﴿ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾، وقال تعالى في نفس السياق حكاية عنهم أيضا :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾. رغما عن تباعد العصور، ويغلب عليها طابع السطحية والسذاجة والتقليد الأعمى، كأن من أبدع النشأة الأولى عاجز عن إبداع النشأة الثانية، لا أنه الخالق الذي يبدئ ويعيد، والقادر على ان يأتي بخلق جديد، أو كأن عمر النوع الإنساني على وجه الأرض يقف عند حد عمرهم وعمر آبائهم ولا يمتد وراء ذلك، أو كأن عمر النوع الإنساني كله منذ ظهوره على سطح الأرض إلى أن يأذن الله بانقراضه يعتبر أمدا بعيدا، بينما هو بالنسبة للأرض نفسها فضلا عن بقية الأكوان المنتشرة في الملأ الأعلى يعد أمدا قصيرا إلى أقصى الحدود، ولذلك كان الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يقربون لأقوامهم أمد البعث، مبالغة في التحذير، وكل آت قريب.
﴿ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾، وقال تعالى في نفس السياق حكاية عنهم أيضا :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾. رغما عن تباعد العصور، ويغلب عليها طابع السطحية والسذاجة والتقليد الأعمى، كأن من أبدع النشأة الأولى عاجز عن إبداع النشأة الثانية، لا أنه الخالق الذي يبدئ ويعيد، والقادر على ان يأتي بخلق جديد، أو كأن عمر النوع الإنساني على وجه الأرض يقف عند حد عمرهم وعمر آبائهم ولا يمتد وراء ذلك، أو كأن عمر النوع الإنساني كله منذ ظهوره على سطح الأرض إلى أن يأذن الله بانقراضه يعتبر أمدا بعيدا، بينما هو بالنسبة للأرض نفسها فضلا عن بقية الأكوان المنتشرة في الملأ الأعلى يعد أمدا قصيرا إلى أقصى الحدود، ولذلك كان الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يقربون لأقوامهم أمد البعث، مبالغة في التحذير، وكل آت قريب.
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى فيما سبق من سورة الإسراء :﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا، كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ﴾ [ الآية : ١٨، ٢٠ ].
وكما قال تعالى في سورة المائدة بعد التصريح بهيمنة القرآن على غيره من الكتب السابقة :﴿ فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ﴾ [ الآية : ٤٨ ] قال تعالى هنا في سورة النمل :﴿ إن ربك يقضي بينهم بحكمه ﴾، ولما كان ( القضاء ) المفهوم من قوله تعالى :﴿ يقضي بينهم بحكمه ﴾ يقتضي العلم بما يحكم به، وتنفيذ ما يقضي به، جاءت عقبة الصفتان الملائمتان لذلك، وهما صفة " العلم " للوصول إلى معرفة الحكم، وصفة " العزة " التي هي الغلبة والقدرة، للتمكن من تنفيذه، فقال تعالى في نفس السياق :﴿ وهو العزيز العليم ﴾.
﴿ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
وعلى العكس من ذلك من كان حريصا على كشف حقيقة ذاته، والتعرف على جوهر إنسانيته، وإدراك دوره في الحياة ورسالته، فإنه لا محالة يفتح قلبه وعقله للتأمل والنظر، ويفتح أذنه وعينه لاستيعاب كل ما يسمعه ويراه من المثلات والعبر، فينقاد للحق الذي طالما بحث عنه وسعى إليه، وبمجرد ما يكتشفه ويعثر عليه، وعلى مثل هذا الصنف من الناس يصدق قوله تعالى في ختام هذه الحصة :﴿ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ﴾.
﴿ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون * ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون * حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون * ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون * ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين* وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون* من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون * ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون * إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين* وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين* وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ﴾
عندما خلق الله النوع الإنساني اقتضت حكمته ان يكل إليه أمانة كبرى لم يكلها إلى بقية الأكوان، وجعله خليفة في الأرض لا ليفسد فيها ويسفك الدماء، ولكن ليبرز ما آتاه الله من ذكاء وعبقرية في مجالات البناء والعمران، روحيا وماديا، خلقيا واجتماعيا ﴿ ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾، وكلما تغلب الإنسان على نهم غرائزه السفلى، واهتدى بالتوجيهات الربانية ولو جزئيا فيما يمارسه من نشاط، أرخى له ربه العنان، وأعانه على قطع المراحل والأشواط، حتى تستمر سنة التطور قائمة عبر الزمان، فإذا انقلب الحال وخابت فيه جميع الآمال، على تتابع الأجيال، انقطعت صلته بالله، وأصبح بقاؤه على وجه الأرض مناقضا لحكمة الله، فأذن القاهر فوق عباده بفنائه من دون أن يبقى منه عين ولا أثر، لأنه لم يعد لوجوده أي مبرر ولا معنى يعتبر.
وفي هذا الوضع المتدهور دينيا وأخلاقيا واجتماعيا في جميع أطراف العالم يبدأ ظهور العلامات التي يعقبها قيام الساعة، وهي التي يطلق عليها في نصوص السنة " أمارات " الساعة و " أشراطها "، وهذه العلامات نوعان : صغرى وكبرى، وتظهر في شكل انقلاب خطير في المجتمع وانقلاب غريب في الطبيعة، ويصل عددها إلى عشر علامات في حديث يروى عن حذيفة الغفاري ورد نصه في صحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي، لكنه روي عنه مرفوعا حينا، وموقوفا عليه حينا آخر بحديث رواه أبو هريرة ذكر فيه من علامات الساعة ستا لا غير.
ومن بين العلامات الواردة في كلا الحديثين " دابة الأرض " التي نص عليها كتاب الله هنا بالخصوص، إذ قال تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون }.
وذكر " دابة الأرض " في سورة النمل التي وصف فيها كتاب الله منطق الطير، وحديث النمل، وقطع المسافات البعيدة في أقل من طرفة عين، كما وقع في نقل عرش ملكة سبأ إلى بلاط سليمان، يناسب كل مناسبة ما سبق ذكره فيها من العجائب والخوارق، التي تبرز قدرة الله لمن لا يومن بالله.
وكتاب الله تارة يذكر ما يكون علامة على قيام الساعة، كذكره " دابة الأرض " في هذه الآية، وتارة يصف الأمور التي تقع عند قيام الساعة، كما في فاتحة سورة الحج ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾ [ الآيتان : ١، ٢ ] وفي فاتحة سورة الواقعة :﴿ إذا وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة رافعة * إذا رجت الأرض رجا * وبست الجبال بسا * فكانت هباء منبثا ﴾ [ ١، ٦ ] وفي فاتحة سورة التكوير :﴿ إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سيرت ﴾ [ الآيات : ١، ٣ ] وفي فاتحة سورة الانفطار ﴿ إذا السماء انفطرت * وإذا الكواكب انتثرت * وإذا البحار فجرت * وإذا القبور بعثرت * علمت نفس ما قدمت وأخرت ﴾ [ الآيات : ١، ٥ ].
ومن ذلك قوله تعالى في سورة الحاقة :﴿ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة * وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ﴾ [ ١٣، ١٦ ] وقوله تعالى في سورة القيامة :﴿ فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر* ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ﴾ [ ٧، ١٣ ]، وقوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت * لأي يوم أجلت * ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل * ويل يومئذ للمكذبين ﴾ [ ٧، ١٥ ] وقوله تعالى في سورة النبأ :﴿ إن يوم الفصل كان ميقاتا * يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا * وفتحت السماء فكانت أبوابا * وسيرت الجبال فكانت سرابا ﴾ [ ١٧، ٢٠ ].
وإذا رجعنا إلى الآيات السابقة وهي قوله تعالى :﴿ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم ﴾ [ الآيتان : ٨٠، ٨١ ] أدركنا العلاقة الوثيقة بينهما وبين الآية التالية، وهي قوله تعالى هنا :﴿ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ﴾ لأنه إذا أصبح أكثر البشر " موتى " القلوب، قساة لا يمارسون أي نوع من أنواع الخير والبر فيما بينهم، " صم " الآذان، لا يسمعون نصيحة ولا موعظة ولا حكمة ولا رأيا سليما، " عمي " البصائر والأبصار، لا يهتدون في حياتهم الخاصة والعامة سبيلا، وإذا نبذوا التعاليم الإلهية وراء ظهورهم بالمرة، يكون ذلك إيذانا بأنه " قد حقت عليهم كلمة العذاب "،
لأنه لم يبق في صلاح حالهم أدنى أمل ولا رجاء، وذلك معنى قوله تعالى :﴿ وقع القول عليهم ﴾ أي حل الوقت الذي يقع فيه سخط الله وغضبه عليهم، وعذابه لهم، طبقا لما تضمنه " القول الأزلي " السابق من الله، في حق من انتهك حرمات الله، وتحدى أمره وعصاه، فوقوع القول يتضمن وجوب إنزال العقاب بهم، إذ مع الاستمرار في الإصرار والاستكبار لم يبق محل للإنذار ولا للإعذار.
ويتأكد هذا المعنى بقوله تعالى في آخر الآية نفسها في نفس السياق، وقد سيق مساق التعليل :﴿ أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ﴾ وقوله تعالى بعد ذلك :﴿ ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ﴾. وورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض ".
وقوله تعالى :﴿ أخرجنا لهم دابة من الأرض ﴾ يفهم منه ان هذه الدابة تنفذ من خلال طبقات الأرض، وذكرها في الآية بصيغة النكرة دون تعريف يفيد أنها دابة غريبة التكوين، على خلاف الدواب التي عرفها البشر، وأنها فريدة في شكلها، وفي الأثر البالغ والهول العظيم الذي يحدثه ظهورها بين البشر، ولولا أنها خارقة للعادة في عالم الدواب لما جعلها الله علامة من علامات الساعة، ولما كانت مظهرا " لكلمة العذاب " التي حقت وقتئذ على الكافرين والفاسقين، والشاكين في ربهم والجاحدين.
وقد انتصر كتاب الله في وصف الدابة على أمر واحد هو أنها ( تكلمهم ) وهو بالتشديد على قراءة الجمهور، وقرئت بالتخفيف أيضا ( دابة من الأرض تكلمهم ). والقراءة بالتشديد ( دابة من الأرض تلكمهم ) تفيد معنيين اثنين :
فعلى ان هذا اللفظ مأخوذ من " الكلام " وهو الخطاب يكون المعنى أنها تخاطبهم، وتفسره قراءة أبي " تنبئهم "، وقراءة يحيى بن سلام " تحدثهم ".
وعلى أنه مأخوذ من " الكلم " وهو الجرح، وجمعه كلوم، يكون التشديد فيه للتكثير والمبالغة، يقال كلم فلان فلانا إذا بالغ في كلمه وجرحه، وفلان مكلم، أي مجرح بجروح كثيرة، ويشهد لهذا المعنى القراءة الواردة هنا بالتخفيف ( تكلمهم ) مضارع كلمه يكلمه إذا جرحه فهو مكلوم وكليم، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس ومجاهد وأبي زرعة وابن جبير وأبي رجاء وغيرهم، وسأل أبو الجوزاء ابن عباس عن هذه الآية : " تكلمهم أو تكلمهم " فقال :{ كل ذلك تفعل، هي والله تكلم المومن، وتكلم الكافر والفاجر ".
ولغرابة أمر هذه الدابة التي توعد الله بها الأشقياء من عبادة قبل قيام الساعة أطلق غير واحد من المتقدمين والمتأخرين العنان لخياله الخصب، فأخذ كل منهم يتحدث عنها كأنه يراها رأي العين، فوصفوا خلقتها وماهيتها، وقدروا جسمها وحجمها، وعينوا موضع خروجها وكيفية خروجها وعدد المرات التي تخرج فيها، وذكروا ماذا تقول للناس وتفعله بهم بعد خروجها، واهتم الزمخشري والقرطبي بإيراد ما ورد من الاختلاف في وصفها، وعندما أشار أبو حيان في تفسيره إلى الاختلاف الواقع في أمرها عقب على ذلك قائلا : " واختلفوا فيها اختلافا مضطربا يعارض بعضه بعضا، ويكذب بعضه بعضا، فاطرحنا ذكره، لأن نقله تسويد للورق بما لا يصح، وتضييع لزمان نقله ". وقال الرازي في تفسيره أيضا : " وأعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شيء من هذه الأمور، فإن صح الخبر فيه عن الرسول قبل، وإلا لم يلتفت إليه ".
على أن هذا لا يمنع من تخيل هذه الدابة إذا كان ذلك على وجه الظن والتخمين، لإبراز ان خروجها من أمكن الممكنات طبعا وسمعا، فقد ثبت علميا ان ظهور الإنسان فوق سطح الأرض سبقه وجود حيوانات غريبة في شكلها وحجمها، ثم انقرضت قبل أن يتولى الإنسان الخلافة عن الله، والله تعالى قادر على أن يخلق مثلها أو أكبر منها حجما وضخامة ﴿ وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ﴾ [ الروم : ٢٧ ]. وقد تكون الدابة عبارة عن إنسان مسيخ مسخه الله في شكل بهيمة، لكن أبقى له ملكة النطق، ليكلم شرار الخلق باللغة التي يفهمونها، كما مسخ أناسي من قبل، فجعلهم قردة وخنازير ﴿ قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت ﴾ [ المائدة : ٦٠ ] وقد تكون هذه الدابة في منتهى الصغر ودقة الحجم من جنس الحشرات الضارة، والجراثيم الفتاكة التي لم يعرفها الإنسان أبدا، فتهجم عليه في مختلف أطراف الأرض، وتتسلط عليه تسلطا عاما، وتؤذيه أذى كبيرا، دون ان يستطيع الخلاص منها ولا مقاومتها، رغما عما يتبجح به من بسطة في العلم، وتفنن في وجوه الحيلة، فيكون ذلك آية من آيات الله البينات، وعقابا لمن انتهكوا جميع الحرمات، كما أشار إلى هذا الاحتمال الأخير الأستاذ فريد وجدي في موسوعته ( دائرة معارف القرن العشرين ).
ومن السوابق في هذا الباب ما ابتلى الله به فرعون وقومه خاصة، من دون الناس عامة، إذ قال تعالى في سورة الأعراف :﴿ وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين، فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ﴾ [ ١٣٢، ١٣٣ ].
ومجمل القول ان الدابة التي جعلها الله من علامات الساعة لا يعلم أمرها على وجه التحقيق إلا الحق سبحانه وتعالى المنفرد بعلم الساعة، فلنومن بها على وجه الإجمال، ولنقف عند حدود ما وصفها به كتاب الله، ففي الوقوف عند ما
وذكر الله عباده ولا سيما الجاحدين والغافلين ببعض آياته البارزة في الكون التي تدل على مبلغ علمه، وقدرته وحكمته، حتى يتدبروها ويتفكروا في نظامها المحكم الدقيق، ويستخلصوا من التدبر فيها نتائجه الحتمية، فقال تعالى :﴿ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾،
وقال تعالى :﴿ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ﴾ إشارة إلى حركة دوران الأرض بما عليها من رواسي الجبال في حالتها العادية ﴿ صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون ﴾.
والإشارة " بهذه البلدة " إلى مكة المكرمة التي هي موطن نبيه، ومهبط وحيه، ومركز بيته الحرام، ومعنى " حرمها " جعلها حراما آمنا يحترم بحرمتها الإنسان والنبات والحيوان، فلا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يتعدى على من لجأ إليها،
ومن انتهك حرمتها كان من الظالمين، ثم خاطب ربه قائلا :﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ﴾،
والإشارة " بهذه البلدة " إلى مكة المكرمة التي هي موطن نبيه، ومهبط وحيه، ومركز بيته الحرام، ومعنى " حرمها " جعلها حراما آمنا يحترم بحرمتها الإنسان والنبات والحيوان، فلا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يتعدى على من لجأ إليها،
ومن انتهك حرمتها كان من الظالمين، ثم خاطب ربه قائلا :﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ﴾،