تفسير سورة العنكبوت

التفسير القيم
تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب التفسير القيم .
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

فذكر سبحانه أنهم ضعفاء، وأن الذين اتخذوهم أولياءهم أضعف منهم. فهم في ضعفهم وما قصدوه من اتخاذ الأولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا. وهو من أوهن البيوت وأضعفها.
وتحت هذا المثل أن هؤلاء المشركين أضعف ما كانوا حين اتخذوا من دون الله أولياء. فلم يستفيدوا بمن اتخذوهم أولياء إلا ضعفا على ضعفهم كما قال تعالى :﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ﴾ [ مريم : ٨١. ٨٢ ].
وقال تعالى :﴿ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ﴾ [ يس : ٧٤. ٧٥ ] وقال بعد أن ذكر إهلاك الأمم المشركين :﴿ وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب ﴾ [ هود : ١٠١ ] فهذه أربعة مواضع في القرآن تدل على أن من اتخذ من دون الله وليا يتعزز به، ويتكبر به، ويستقر به لم يحصل له به إلا ضد مقصوده.
وفي القرآن أكثر من ذلك، وهو من أحسن الأمثال وأدلها على بطلان الشرك، وعلى خسارة صاحبه وحصوله على مقصوده.
فإن قيل : فهم يعلمون أن أوهن البيوت بيت العنكبوت، فكيف نفي عنهم علم ذلك بقوله :﴿ لو كانوا يعلمون ﴾.
فالجواب : أنه سبحانه لم ينف عنهم علمهم بوهن بيت العنكبوت، وإنما نفى عنهم علمهم بأن اتخاذهم الموتى أولياء من دونه كالعنكبوت اتخذت بيتا، فلو علموا ذلك لما فعلوه، ولكن ظنوا أن اتخاذهم الأولياء من دونه يفيدهم عزا وقدرة. والأمر في الواقع بخلاف ما ظنوه.
وقيل : المعنى : أنكم في الصلاة تذكرون الله، وهو ذاكركم ولذكر الله تعالى إياكم أكبر من ذكركم إياه. وهذا يروى عن ابن عباس وسلمان وأبي الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهم.
وذكر ابن أبي الدنيا عن فضيل ابن مرزوق عن عطية ﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ قال : وهو قوله تعالى :﴿ فاذكروني أذكركم ﴾ [ البقرة : ١٥٢ ] فذكر الله تعالى لكم أكبر من ذكركم إياه.
وقال ابن زيد وقتادة : معناه، ولذكر الله أكبر من كل شيء.
وقيل لسلمان رضي الله عنه : أي الأعمال أفضل ؟ فقال : أما تقرأ القرآن ﴿ ولذكر الله أكبر ﴾.
ويشهد لهذا حديث أبي الدرداء رضي الله عنه :«ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق » الحديث.
وكان شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه يقول : الصحيح أن معنى الآية : أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان، وأحدهما أعظم من الآخر.
فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي مشتملة على ذكر الله تعالى، ولما فيها من ذكر الله تعالى، أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر.
وذكر ابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنه : أنه سئل : أي العمل أفضل ؟ قال : ذكر الله أكبر.
Icon