تفسير سورة الممتحنة

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة الممتحنة مدنية وآياتها ثلاث عشرة، نزلت بعد سورة الأحزاب. وهي من السور المدنية التي تعالج التنظيم الاجتماعي والتربية الإيمانية، وبناء الدولة الحديثة في المجتمع المدني، لإقامة مجتمع رباني خالص، محوره الإيمان بالله وحده. ويشدّ المسلمين إلى هذا المحور عروة واحدة لا انفصام لها، تنقي نفوسهم من كل شائبة وعصبية، سواء أكانت للقوام أو للجنس أو للأرض، أو للعشيرة أو للقرابة، وليجعل الله في مكانها عقيدة واحدة، هي عقيدة التوحيد، تحت راية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث " أن سارة، مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف، وكانت مغنيّة ونائحة بمكة، أتت المدينة تشكو الحاجة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمهاجرة أنتِ يا سارة ؟ فقالت لا. قال : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا. قال : فما جاء بك ؟ قالت : كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة، وقد ذهب الموالي- تعني قُتلوا يوم بدر-وقد احتجت حاجة شديدة حاجة شديدة فقدِمت عليكم لتعطوني وتكسوني. فقال عليه الصلاة والسلام : فأين أنتِ من شباب أهل مكة ؟ وكانت مغنية، قالت : ما طُلب مني شيء بعد وقعة بدر. فحث رسول الله بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها، فكسوها وأعطوها وحملوها فخرجت إلى مكة. وكان الرسول يتأهب للخروج إلى غزو مكة. فأتاها حاطب بن أبي بلتعة ( وكان رجلا من أهل اليمن )، له حلف بمكة في بني أسد بن عبد العزى، رهط الزبير بن العوام. فقال لها : أعطيك عشرة دنانير وبُردا على أن تبلغني هذا الكتاب إلى أهل مكة.. يخبرهم فيه أن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم.
فقال علي بن أبي طالب راوي الحديث : بعثنا رسول الله أنا والزبير والمقداد، وفي رواية وأبا مرثد الغنوي، وعمار بن ياسر، فقال لهم : ائتوا روضة خاخ-وهي موضع بين مكة والمدينة-فإن بها امرأة في هودج معها كتاب فخذوه منها.
فانطلقنا تجري بنا خيلنا، فإذا نحن بالمرأة. فقلنا : أخرجي الكتاب، قالت : ما معي كتاب. فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثياب. فأخرجته من عقاصها. فأتينا به رسول الله فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله. فقال رسول الله : يا حاطب ما هذا ؟ قال :
لا تعجلْ عليّ يا رسول الله، إني كنت امرءا ملصَقا في قريش، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ يدا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال : إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. فأنزل الله عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ﴾.
وسميت السورة ﴿ الممتحنة ﴾ بكسر الحاء يعني المختبرة، لقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ﴾.
ومن قال في هذه السورة :﴿ الممتحنة ﴾ بفتح الحاء، فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط لقوله تعالى :﴿ فامتحنوهنّ، الله أعلم بإيمانهن ﴾ وسيأتي تفصيل عنها.
وقد بدأت السورة بنهي المؤمنين عن موالاة المشركين أعداء الله وأعدائهم، لإصرارهم على الكفر، وإخراجهم رسول الله والمؤمنين من ديارهم بمكة، وأشارت إلى أن عداوة هؤلاء عداوة دائمة للمؤمنين.
ثم انتقلت إلى بيان الأسوة الحسنة في إبراهيم والذين معهم في تبرّئهم من المشركين، ثم بينت من تجوز صلتهم من غير المسلمين ومن لا تجوز، فأما الذين لا يقاتلوننا في الدين ولا يعينون علينا فإن لنا أن نبرّهم ونقسط إليهم، وأما غيرهم من الذين قاتلونا وظاهروا على إخراج المؤمنين فأولئك نهى الله عن برّهم والصلة بهم.
ثم بينت حكم المؤمنات اللاتي هاجرن إلى دار الإسلام أن يمتحنهنّ المسلمون، فإن تبيّن صدقهن فلا يجوز إعادتهن إلى المشركين. ثم ذكرت بيان بيعة النساء، وما بايعن عليه الرسول الكريم. ثم خُتمت السورة بالنهي عن موالاة الأعداء الذين غضب الله عليهم، كما بدأت به ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ﴾.

تلقون إليهم بالمودَة : تودونهم وتخبرونهم بأخبارنا.
يُخرجون الرسولَ وإياكم : من مكة.
أن تؤمنوا بالله : من أجل إيمانكم بالله.
سواء السبيل : الطريق القويم المستقيم.
تقدم الكلامُ عن سبب نزول هذه الآيات، في الصحابيّ حاطب بن أبي بلتعة، وهو صحابي من المهاجرين الذين جاهدوا في بدرٍ ( وهؤلاء لهم ميزة خاصة ) وأنه كتب إلى قريش يحذّرهم من غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة مع امرأة، وأن الرسول الكريم كشف أمره، وأرسل سيدنا علي بن أبي طالب مع عددٍ من الصحابة الكرام وأخذوا الكتاب من المرأة. وقد اعترف حاطب بذنبه، وقال للرسول عليه الصلاة والسلام : واللهِ ما كفرتُ منذ أسلمت، ولا غششتُ منذ آمنت، لكنّي كتبت إلى قريش حمايةً لأهلي من شرهم، لأني لست قرشياً
ولا يوجد لي عشيرةٌ تحميهم. فعفا عنه وقبل عذره. والآية عامة في كل من يصانع العدوَّ أو يُطْلعه على أسرار المسلمين، أو يتعاون معه.
ومعناها : يا أيها الذين آمنوا، لا تصادِقوا الأعداء، فلا تتخذوا أعداء الله وأعداءَكم أنصارا.
﴿ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة ﴾ تعطونهم المحبة الخالصة، مع أنهم كفروا بما جاءكم من الإيمان بالله ورسوله، وقد أخرجوا رسول الله وأخرجوكم من دياركم ﴿ أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ ﴾ لأنكم آمنتم بالله ربكم. فإن كنتم خرجتُم من دياركم للجهاد في سبيلي وطلبِ رضاي فلا تُسِرّوا إليهم بالمحبة، أو تسرِّبوا إليهم الأخبار، وأنا أعلمُ بما أَسررتم وما أعلنتم.
﴿ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل ﴾ومن يتخذْ أعداءَ الله أولياءَ وأنصاراً فقد انحرف وضل عن الطريق المستقيم.
إن يثقفوكم : إن يظفَروا بكم.
ذلك أن هؤلاء الذين تحبّونهم سراً، إن يظفروا بكم تَظْهَرْ لكم عداوتهم، ويمدوا إليكم أيديَهم وألسنتهم بالأذى والقتل وبكل ما يسوؤكم. وكم تمنَّوا أن تكفروا بالله بعد إيمانكم، إنهم يودّون لكم كل ضرر وأذى في دينكم ودنياكم، فكيف بعد هذا تحبّونهم سرا، وتمدونهم بالأخبار ! .
أرحامكم : قراباتكم.
ثم بين أن ما جعله بعضُ الصحابة من مودّتهم ( للمحافظة على الأهل والولد ) لا ينبغي أن يقدَّم على المصلحة العامة، وأمور الدين فقال :﴿ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ القيامة ﴾، لا ينفعكم شيء يوم القيامة، لا قراباتكم ولا أولادكم، لا ينفع المرءَ في ذلك اليومِ إلا العملُ الصالح والإخلاص في دينه وإيمانه، واللهُ تعالى يفصِل بينكم يوم القيامة، فيذهب أهلُ النار إلى النار، وأهل الجنة إلى الجنة، ﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
قراءات :
قرأ عاصم : يفصل بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد. وقرأ حمزة والكسائي : يفصِّل بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد المشددة. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : يفصل بضم الياء وسكون الفاء وفتح الصاج مبنيا للمجهول. وقرأ ابن عامر : يفصل بضم الياء وفتح الفاء والصاد المشددة. فهذه أربع قراءات والمعنى واحد لأن الفعل فَصَل يَفصِل، وفَصَّل يُفصِّل بمعنى واحد.
الأسوة : بضم الهمزة وكسرها : القدوة.
برَآءُ : جمع بريء يعني متبرئين منهم.
بعد أن بيّن للمؤمنين خطر موالاة الكفار ولو كانوا من أقربائهم وأولادهم، جاء هنا يذكّرهم بما فعل جدُّهم إبراهيم ( فإن قريشَ والعرب عامة يعتقدون أن نسبهم متصلٌ بإبراهيم ) وكيف تبرأ هو والذين هاجروا معه من أهلِهم وقومهم، وعادوهم، وتركوا لهم الديار، فهلاَّ تأسّيتم أيها المؤمنون بهذا النبي العظيم ! ، قد كانت لكم قدوة حسنةٌ تقتدون بها في أبيكم إبراهيمَ والذين معه، حين قالوا لقومهم : تبرأْنا منكم، ومن الآلهة التي تعبدونها من دوِن الله، لا يجمعُنا بكم شيء، كَفَرْنا بكم، وظهر بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء التي لا تزول أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده... فلا تجاملوهم أيها المسلمون ولا تُبدوا لهم الرأفةَ وتستغفروا لهم.
وأما قولُ إبراهيم لأبيه :﴿ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ ﴾ فإنما كان عن مَوْعِدَةٍ وعدها إياه، فلما تبيّن له انه عدوٌ للهِ تبرّأ منه، كما جاء في سورة التوبة الآية ١١٤ :﴿ وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾.
ثم بين الله كيف ترك إبراهيمُ والذين معه قومهم وأوطانهم والتجأوا إلى الله :﴿ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصير ﴾.
لا تجعلنا فتنة للذين كفروا : لا تسلّطهم علينا فتنزل البلاء علينا بأيديهم.
ربّنا قد اعتمدْنا عليك في جميع أمورنا، ورجعنا إليك بالتوبة، ومصيرُنا إليك. فاقتدوا بهم أيها المؤمنون.
﴿ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ واغفر لَنَا ﴾.
ربّنا لا تجعلّنا بحالٍ نكون فيها فتنة للكافرين، بأن تُظهرَهم علينا فيفتنونا بذلك، واغفر لنا ذنوبنا، ﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾.
ومن يتولّ : ومن يعرِض.
ثم كرر ما تقدّم للاقتداء بإبراهيم عليه السلام ومن معه فقال :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر ﴾ لقد كان لكم أيها المؤمنون، في إبراهيمَ والذين معه قدوةٌ حسنة في معاداتكم لأعداء الله، وهذه القدوةُ لمن كان يرجو لقاء الله في اليوم الآخر.
﴿ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد ﴾ومن يعرض عن هذا الاقتداء فقد ظلم نفسه، والله غنيّ عن إيمانه، بل عن جميع خلقه، محمود بأياديه وآلائه.
قراءات :
قرأ الجمهور : إسوة بكسر الهمزة. وقرأ عاصم : أسوة بضم الهمزة وهما لغتان
﴿ عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم.. ﴾ من الكافرين مودّةً بتوفيقهم للإيمان، ﴿ والله قَدِيرٌ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، وقد صدقت نبوءةُ القرآن ففُتحت مكة، وأسلم كثيرٌ من المشركين الذين نهاهم الله عن مودّتهم، ودخل الناسُ في دين الله أفواجا.
أن تبروهم : أن تحسنوا إليهم بكل خير. البر : كلمة تجمع معاني الخير والإحسان.
تقسطوا إليهم : تعدلوا فيهم.
المقسِطين : العادلين.
في هذه الآية الكريمة يضعُ الله لنا قاعدةً عظيمة، ويبيّن أن دِينَ الإسلام دينُ سلام ومحبة وإخاء، فيقول : من عاداكم فعادُوه وقاتِلوه، أما الذين سالموكم ولم يقاتلوكم، ولم يخرجوكم من دياركم، فعليكم أن تسالِموهم وتكرموهم، وتحسِنوا إليهم، وتعدِلوا كل العدل في معاملتكم معهم، ﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين ﴾ العادلين.
ظاهَروا : ساعدوا.
أن تولوهم : أن تكونوا لهم أصدقاء وأحياء وأنصارا.
أما الذين حاربوكم في دينكم ليصدّوكم عنه، وأجبروكم على الخروج من ديارِكم، وعاونوا على إخراجكم، فهؤلاء ينهاكم الله عن أن تتخذوهم أنصارا، بل قاتِلوهم وشدِّدوا عليهم ﴿ فأولئك هُمُ الظالمون ﴾.
ولننظر الآن من هو عدوُّنا الذي اغتصب أرضنا، وشرّد منها أهلنا وأقرباءنا، ومن من الدول التي ظاهرتْهُ وعاونته على إخراج أهلِنا من أرضهم، وأمدّته بالسلاح والمال، فان هذه الدولة الكبرى هي عدوّنا الأول.. فاستيقظوا أيها العرب وتنبّهوا واعرفوا عدوكم، والأمر واضحٌ لا يحتاج إلى دليل.
امتحنوهن : اختبروهن.
علِمتموهن مؤمنات : تيقنتم من إيمانهنّ.
فلا تَرجعُوهن إلى الكفار : لا ترجعوهن إلى أزواجهن الكفار.
وآتوهم ما أنفقوا : أعطوا الأزواج الكفار ما دفعوا من مهور لزوجاتهم.
ولا جناح عليكم : لا إثم عليكم.
ولا تمسكوا بعصَم الكوافر : لا تبقوا النساء الكافرات على عصمتكم وأبطلوا عقد الزواج بهن.
واسألوا ما أنفقتم : اطلبوا كل ما دفعتم لهن من مهر وغيره.
ولْيسألوا ما أنفقوا : وليطلبوا هم ( يعني الكفار ) ما أنفقوا على زوجاتهم اللاتي أسلمن وهاجرن إليكم.
في اتفاق صلح الحديبية جاء نص يقول : إن من جاء محمدا من قريش بغير إذنِ وليّه ردّه إليه، ومن جاء قريشا من المسلمين لم تردّه إليهم.. ومضى العهد بين الطرفين على أتمّه.
ثم جاءت نساء مؤمنات مهاجرات، وكانت أُولاهن أُم كلثوم بنتَ عقبة بن أبي معيط الأموية. فقدِم أخواها عمار والوليد، فكَلّما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرِها ليردها إلى قريش، فنزلت هذه الآية. فلم يردّها الرسول الكريم وزوّجها زيدَ بن حارثة، ثم تزوجها الزبير بن العوام بعد استشهاد زيد، فولدت له زينب، ثم فارقها فتزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميدا، ثم توفي عنها فتزوجها عمرو بن العاص فمكثت عنده شهرا وتوفيت رحم الله الجميع.
فتبين من عمل النبي عليه الصلاة والسلام أن العهدَ كان يشمل الرجال دون النساء، والله تعالى يقول :
﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار ﴾ فإذا تبين لكم أنهنّ صادقات في إيمانهن فلا يجوز أن تردوهن إلى الكفار، لأنهن :﴿ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾.
﴿ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ ﴾.
أعطوا الأزواج الكافرين ما أنفقوا من مهرٍ وغيره على زوجاتهم المهاجرات إليكم، ولا حرج عليكم أن تتزوجوا هؤلاء المهاجرات إذا دفعتم إليهن مهورهن.
﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر ﴾.
إذا بقيت زوجةٌ من الزوجات في دار الكفر ولم تسلم فلا تتمسكوا بعقد زواجها وأبطِلوه. كذلك إذا لحقت زوجة بدار الكفر فأبطِلوا عقدها، فإنها تعتبر طالقة.
﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ﴾ إذا كان لكم مهر عند زوجة في دار الكفر فلكم أن تطلبوه، وإذا جاءت زوجة أحد الكفار وأسلمت وهاجرت فعلى من تزوَّجها أن يدفع ما عليها لزوجها السابق.
﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ هذا التشريع هو حكم الله، يحكم به بينكم، فاتبعوه ولا تخالفوه، والله عليم بمصالح عباده، حكيم في كل ما يفعل.
قراءات :
قرأ أبو عمرو وأهل البصرة : ولا تمسكوا بفتح التاء وبتشديد السين المفتوحة. والباقون : ولا تمسكوا بضم التاء وإسكان الميم وكسر السين. وأمسك ومسَّك لغتان.
وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار : إن ذهبت إحدى زوجاتكم إلى الكفار. فعاقبتم : فظفرتم وكانت العقبى لكم يعني النصر.
إن ذهبت زوجةٌ من زوجاتكم إلى الكفار مرتدةً عن دينها، ولم يردّوا إلى زوجِها المهرَ الذي دفعه، ثم حاربتموهم، فأَعطوا الذين ذهبت زوجاتُهم مثلَ ما أنفقوا، وذلك من الغنائم التي تكسبونها من الكفار.
﴿ واتقوا الله الذي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ امتثلوا أوامره، وتقيدوا بأحكامه إن كنتم صادقين في إيمانكم.
يبايعنك : يعاهدنك على الطاعة والالتزام بالأوامر واجتناب النواهي.
ببهتان : بباطل وكذب.
يا أيها النبي، إذا جاءك المؤمناتُ يعاهدنك ويقدّمن لك الطاعة، ويعبدن الله ولا يشركن به شيئا، ولا يسرقن من مال أحد، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادَهن كما كان يفعل أهل الجاهلية، ولا يُلحقن بأزواجهنّ من ليس من أولادهم بهتانا وكذبا يختلقنه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يخالفنك في معروف تدعوهنّ إليه، فعاهِدْهن على ذلك، واطلب لهن المغفرة من الله، ﴿ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يغفر الذنوب جميعا، ويشمل عباده برحمته.
غضبَ الله عليهم : طردهم من رحمته.
يئسوا من الآخرة : يئسوا من ثوابها لأنهم لم يؤمنوا بها.
كما يئس الكفار من أصحاب القبور : لأنهم يعتقدون أنهم لا يرجعون.
ثم كرر الله النهيَ هنا عن موالاة المشركين. فقد بدأ أولُ السورة بنداء المؤمنين ونهيهم عن موالاة المشركين، ثم خُتمت بتكرار النهي عن موالاتهم، وأن الله غضبَ عليهم وطردَهم من رحمته.. والغرض هو تحذير المؤمنين من أعداء الله، وأن لا يأمنوهم على شيء، ولا يركنوا إلى أكاذيبهم ودسائسهم.
ثم بين أوصافهم ومعتقداتهم بقوله :﴿ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور ﴾ إنهم لا يرجون لقاء الله ولم يؤمنوا بالبعث، كما يئس الكفار من بعث موتاهم مرة أخرى.
نسأل الله حسن الختام، والحمد لله رب العالمين.
Icon