تفسير سورة الممتحنة

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
أهداف سورة الممتحنة
( سورة الممتحنة مدنية، وآياتها ١٣ آية، نزلت بعد سورة الأحزاب )
ولها ثلاثة أسماء : سورة الممتحنة، وسورة الامتحان، كلاهما لقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ... ﴾ ( الممتحنة : ١٠ ).
والاسم الثالث : سورة المودة، لقوله تعالى : تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ... ( الممتحنة : ١ ).
وقوله :﴿ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ... ﴾ ( الممتحنة : ١ ).
وقوله :﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً... ﴾( الممتحنة : ٧ ).
قصة نزول السورة
هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واستطاع أن يؤلّف بين المهاجرين والأنصار، وأن يضع أسس الدعوة الإسلامية، وأن يصنع أمة تميزت بالأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة، وقد وقف كفار مكة في وجه الدعوة الإسلامية، وتمت عدة معارك بين المسلمين والمشركين منها غزوات بدر وأُحد والخندق والأحزاب والحديبية، ثم توقفت هذه المعارك بعد صلح الحديبية، وكان أهم نصوص الصلح : وضع الحرب بين الفريقين عشر سنين، وأن من أراد أن يدخل في حلف محمد دخل فيه، ومن أراد أن يدخل في حلف قريش دخل فيه.
وعلى إثر ذلك دخلت قبيلة خزاعة في حلف رسول لله صلى الله عليه وسلم، ودخلت قبيلة بكر في حلف قريش.
ثم إن قريشا نقضت العهد بمساعدتها قبيلة بكر حليفتها على قتال خزاعة حليفة النبي صلى الله عليه وسلم حتى قتلوا منهم عشرين رجلا، وقد لجأت خزاعة إلى الحرم لتحتمي به، ولكن ذلك لم يمنع رجال بكر من متابعتها، فاستنصرت خزاعة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب رجال منهم إلى المدينة فأخبروا رسول الله بما كان من غدر بكر بهم ومعاونة قريش عليهم، وأنشد عمرو بن سالم بين يديه :
يا رب إني ناشد محمدا *** حلف أبينا وأبيه الأتلداi
إن قريشا أخلفوك الموعدا *** ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيوتنا بالوتيرii هجدا *** وقتلونا ركعا وسجدا
فانصر هداك الله نصر أيداiii *** وادع عباد الله يأتوا مددا
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نُصرت يا عمرو بن سالم ".
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة، وطوى الأخبار عن الجيش كيلا يشيع الأمر فتعلم قريش فتستعد للحرب، والرسول الأمين لا يريد أن يقيم حربا بمكة، بل يريد انقياد أهلها مع عدم المساس بهم، فدعا الله قائلا : " اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ".
حاطب يُفشي السر
كان حاطب بن أبي بلتعة من كبار المسلمين، وقد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بدر مخلصا في جهادها، ولكن في النفس الإنسانية جوانب ضعف تطغى في بعض الأحيان عليها، وتهوي بها من المنازل العالية إلى الحضيض. لقد كتب حاطب كتابا إلى قريش يخبرهم فيه بعزم المسلمين على فتح مكة، واستأجر امرأة من مزينة تسمى سارة، وجعل لها عشرة دنانير مكافأة، وأمرها أن تتلطف وتحتال حتى توصل كتابه إلى قريش، فأخذت المرأة الكتاب فأخفته، وسلكت طريقها إلى مكة، ثم أخبر الله رسوله بما صنع حاطب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام في إثر المرأة، فأدركاها في الطريق، واستخرجا منها الكتاب فأحضراه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فأطلعه على الكتاب، ثم قال له : " ما حملك على هذا " ؟. فقال حاطب : يا رسول الله، لا تعجل عليّ، فو الله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهمiv عليهم، ولم أفعل ذلك ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإيمان.
ورأى النبي صدق لهجة حاطب وحسن نيته فيما أقدم عليه من ذلك الذنب، فقال لمن حوله : " أما إنه قد صدقكم فيما أخبركم به ". ونظر النبي إلى ماضي الرجل في الجهاد، وحسن بلائه في الذود عن حرمات الإسلام فرغب في العفو عنه.
أما عمر بن الخطاب فقد كبر عليه أمر هذه الخيانة، فنظر إلى حاطب وقال له : قاتلك الله، ترى رسول الله يُخفي الأمر وتكتب أنت إلى قريش ؟ يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فتبسم رسول الله من حماسة عمر وقال : " وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ". فدمعت عينا عمر، وقال : الله ورسوله أعلم. v
وفي هذه الحادثة أنزل الله صدر سورة الممتحنة يحذر المؤمنين من أن يوالوا عدوهم، أو يطلعوه على بعض أسرارهم مهما كان السبب الذي يدفع إلى ذلك، فإن العدو عدو حيثما كان، وموادة العدو خيانة ليس بعدها خيانة.
قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ... ﴾( الممتحنة : ١ ).
فكرة السورة :
تسير السورة مع النفس الإنسانية تحاول جاهدة أن تربي المسلمين تربية خاصة، عمادها الولاء للدعوة وحدها، والمودة لله، والمحبة والتجمع على دعوة الله.
على هذا المعنى قامت الدعوة الإسلامية، وظهر الإيثار والأخوة بين المهاجرين والأنصار.
ومن شعائر هذا الدين بغض الفاسقين والملحدين في دين الله، وقد انتهزت السورة فرصة ضعف حاطب، فجعلت ذلك وسيلة عملية لتهذيب النفوس، ورسم المثل الأعلى للمسلم.
وقد عالجت السورة مشكلة الأواصر القريبة، والعصبيات الصغيرة، وحرص النفوس على مألوفاتها الموروثة، ليخرج المسلم من الضيق المحلي إلى الأفق العالمي الإنساني.
" لقد كان القرآن بهذا الأسلوب في التربية ينشئ في هذه النفوس صورة جديدة، وقيما جديدة، وموازين جديدة، وفكرة جديدة عن الكون والحياة والإنسان، ووظيفة المؤمنين في الأرض، وغاية الوجود الإنساني.
وكان كأنما يجمع هذه النباتات الصغيرة الجديدة في كنف الله، ليعلمهم الله، ويبصرهم بحقيقة وجودهم وغايته، وليفتح أعينهم على ما يحيط بهم من عداوات ومكر وكيد، وليشعرهم أنهم رجاله وحِزْبه، وأنه يريد بهم أمرا ويحقق بهم قدرا، ومن ثم فهم يوسمون بسمته، ويحملون شارته، ويُعرفون بهذه الشارة وتلك السمة بين الأقوام جميعا في الدنيا والآخرة، وإذن فليكونوا خالصين له، منقطعين لولايته، متجردين من كل وشيجة في عالم الشعور وعالم السلوك " vi
تسلسل أفكار السورة
سورة الممتحنة من أولها إلى آخرها تنظم علاقة المسلمين بالمشركين، وتدعو إلى تقوية أواصر المودة بين المسلمين، وحفظ هذه الوشائج قوية متينة بين المؤمنين، وتبين أن عداوة الكافرين للمسلمين أصيلة قديمة، فقد أخرجهم كفار مكة من ديارهم وأهلهم وأموالهم. ( الآية : ١ )، وإذا انتصر المشركون عليهم عاملوهم معاملة الأعداء، رجاء أن يعودوا بهم من الإيمان إلى الكفر، وحينئذ لا تنفعكم، أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ... ( الممتحنة : ٣ ). ولا تنجيكم من عقاب الله. ( الآيتان : ١، ٢ ).
ثم ترسم السورة مثلا أعلى وقدوة حسنة بإبراهيم الخليل ومن معه من المؤمنين، حين آمنوا بالله وأخلصوا له النية، وتجردوا من كل عاطفة نحو قومهم المشركين، وأعلنوا براءتهم من الشرك وأهله، وقد استغفر إبراهيم لأبيه، فلما تأكد لإبراهيم إصرار أبيه على الشرك تبرأ منه.
ذلك ركب الإيمان، وطريق المؤمنين في تاريخ البشرية يتسم بالتضحية والفداء، والاستعلاء على رغبات النفس في صلة الأقارب من المشركين، فالمودة لله وللمؤمنين. ( الآيات : ٤-٦ ).
ولعل الله أن يهدي هؤلاء المشركين فيدخلوا في دين الله، وبذلك تتحول العداوة إلى مودة، وقد فتحت مكة بعد ذلك وعاد الجميع إخوة متحابين. ( الآية : ٧ ).
وقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق، فهو نبي الهدى والسلام، والإسلام في طبيعته دين سلام، فاسمه مشتق من السلام، والله اسمه السلام، والإسلام لا يمنع من موالاة الكفار والبر بهم وتحري العدل في معاملتهم، ما داموا لم يقاتلونا في الدين.
ولكن الإسلام ينهى أشد النهي عن موالاة الكفار المقاتلين أو الذين يستعدون لقتال المسلمين، ويرى كشف خطط المسلمين لهم خيانة للعقيدة وللأمة الإسلامية.
" وهذا التوجيه يتفق مع اتجاه السورة كلها إلى إبراز قيمة العقيدة، وجعلها هي الراية الوحيدة التي يقف تحتها المسلمون، فمن وقف معهم تحتها فهو منهم، ومن قاتلهم فيها فهو عدوهم، ومن سالمهم فتكرهم لعقيدتهم ودعوتهم، ولم يصد الناس عنها، ولم يفتن المؤمنين بها، فهو مسالم لا يمنع الإسلام من البر به والقسط معه " vii. ( الآيتان : ٨-٩ ).
وكان صلح الحديبية ينص على أن من جاء مسلما بدون إذن وليّه يرده المسلمون إلى أهل مكة، ومن جاء إلى مكة مشركا لا يردونه.
ثم أسلمت نساء من أهل مكة جاء أزواجه يطلبونهن، فنزلت هذه الآيات تؤيد أن المرأة لا يصح أن ترد إلى زوجها الكافر ؛ لأنها لا تحل له بعد أن آمنت بالله وبقي الزوج على الشرك، وكانت المرأة تُمتحن، أي : تحلف بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله، فإذا حلفت كان لنا الظاهر واله أعلم بالسرائر، عندئذ تعيش في المجتمع المسلم، فإن تزوجت أعاد زوجها المسلم إلى الزوج المشرك ما أنفقه عليها، وكذلك إذا ذهبت زوجة مسلمة إلى المشركين مرتدة، فإذا تزوجت يرد المشركون للمسلم المهر الذي دفعه لها. ( الآيتان : ١٠-١١ ).
ثم بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم كيف يبايع النساء على الإيمان وقواعده الأساسية، وهي التوحيد، وعدم الشرك بالله إطلاقا، وعدم اقتراف المحرمات وهي السرقة والزنا... ثم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به، أي امتثال المأمورات واجتناب المحرمات. ( الآية : ١٢ ).
وفي ختام السورة نجد آية تجمع الهدف الكبير، فتنهى عن موالاة من غضب الله عليهم من اليهود والمشركين. ( الآية : ١٣ ).
مقصود السورة إجمالا
قال الفيروزبادي :
معظم مقصود السورة هو : النهي عن موالاة الخارجين عن ملة الإسلام، والافتداء بالسلف الصالح في طريق الطاعة والعبادة، وانتظار المودة بعد العداوة، وامتحان المدّعين بمطالبة الحقيقة، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكيفية لبيعة مع أهل الستر والعفة، والتجنب مع أهل الزيغ والضلالة، في قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾. ( الممتحنة : ١٣ ).

النهي عن موالاة الكفار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ( ١ ) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ( ٢ ) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه السورة تتلاقى مع ما سبقها من سور على تربية المسلمين، وتأكيد وحدتهم، وبعث عوامل القوّة والصمود في نفوسهم، ومقاومة لحظات الضعف في نفوسهم.
والسورة علاج للجماعة كلها وإن نزلت بسبب ضعف شخص منها، ففي رواية الشيخين البخاري ومسلم وغيرهما، ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجهز لفتح مكة سرا، وقال :" اللهم خذ العيون والأبصار عن قريش حتى نبغتها في بلادها "، ثم أرسل حاطب بن أبي بلتعة رسالة سرية مع امرأة من مزينة، وفيها :( اعلموا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم ).
وأعلم الله رسوله بخبر هذا الخطاب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه، فأحضروا الخطاب من المرأة، واستقدم النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا واستمع إليه وإلى اعتذاره وعفا عنه، فنزلت سورة الممتحنة تحث المسلمين على عدم موالاة الأعداء الذي كفروا بالإسلام، وأخرجوا المسلمين والرسول الكريم من ديارهم، فلا يليق بمن خرج مهاجرا أو مجاهدا أن يوالي أعداء الله، والله مطلع على الخفايا والنوايا، ومن يُفش سرّ رسول الله، أو يفعل ما يؤذي المسلمين، فقد انحرف عن الجادة وترك الطريق المستقيم.
ثم أخذ القرآن يحرّض المؤمنين على التماسك، فيبين أن هؤلاء الأعداء إذا انتصروا عليكم سلّطوا عليكم الأذى باليد واللسان، وتمنوا أن تكفروا بما كفروا، وإذا اتبعتموهم أضلوكم، وفي يوم القيامة لن تنفعكم أولادكم ولا أقاربكم، والله هو الذي يحكم بينكم بنفسه، وهو عليم وخبير بأعمالكم.
المفردات :
عدوّ الله : من كفر به أو أشرك به، ولم يؤمن بما أنزل في كتبه.
عدو المؤمنين : من خانهم، أو أضرّ بمصالحهم، أو قاتلهم، أو أعان على قتالهم.
أولياء : جمع وليّ، أي : صديق توليه بالسرّ.
المودة : المحبة والإخلاص، والمراد هنا، النصيحة وإرسال أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم.
الحق : دين الإسلام، والقرآن.
بما أخفيتم : بالذي أخفيتموه، أنا أعلم به منكم.
ضلّ : أخطأ طريق الهدى.
سواء السبيل : السواء في الأصل : الوسط، والمراد هنا : الطريق المستوي، وهو طريق الحق.
التفسير :
١- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾.
نداء علوي إلهي لجماعة المؤمنين، بألا يتخذوا أعداء ربهم ودينهم، وهم أعداء لهم في نفس الوقت، ألا يتخذوهم أولياء وأحبابا، يلقون إليهم بالمحبة والمودة، وأسرار النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
والحال أن هؤلاء الكفار قد كفروا بالإسلام والقرآن ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وحاولوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حبسه أو نفيه، فأذن الله له بالهجرة.
قال تعالى :﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليُثبتوك أو يقتلوك أو يُخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ﴾. ( الأنفال : ٣٠ ).
كما أحكموا الحصار على المسلمين حتى هاجرا فرارا بدينهم من مكة إلى المدينة، وكل جريمة النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين أنهم آمنوا بالله تعالى ربا واحد صمدا.
كما قال سبحانه وتعالى :﴿ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ﴾. ( البروج : ٨ ).
إن كان خروجكم من مكة جهادا في سبيل الله وابتغاء مرضاته، فلا تتخذوا أعدائي وأعداءكم أولياء، تفضون إليهم بالمحبة، وتهمسون لهم بأسراركم، وخطط النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر، والأعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون، ومن يوال الأعداء ويلق إليهم الأسرار، فقد حاد عن طريق الحق والصواب، وحاد عن قصد السبيل التي توصّل إلى الجنة والرضوان الإلهي.
تمهيد :
هذه السورة تتلاقى مع ما سبقها من سور على تربية المسلمين، وتأكيد وحدتهم، وبعث عوامل القوّة والصمود في نفوسهم، ومقاومة لحظات الضعف في نفوسهم.
والسورة علاج للجماعة كلها وإن نزلت بسبب ضعف شخص منها، ففي رواية الشيخين البخاري ومسلم وغيرهما، ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجهز لفتح مكة سرا، وقال :" اللهم خذ العيون والأبصار عن قريش حتى نبغتها في بلادها "، ثم أرسل حاطب بن أبي بلتعة رسالة سرية مع امرأة من مزينة، وفيها :( اعلموا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم ).
وأعلم الله رسوله بخبر هذا الخطاب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه، فأحضروا الخطاب من المرأة، واستقدم النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا واستمع إليه وإلى اعتذاره وعفا عنه، فنزلت سورة الممتحنة تحث المسلمين على عدم موالاة الأعداء الذي كفروا بالإسلام، وأخرجوا المسلمين والرسول الكريم من ديارهم، فلا يليق بمن خرج مهاجرا أو مجاهدا أن يوالي أعداء الله، والله مطلع على الخفايا والنوايا، ومن يُفش سرّ رسول الله، أو يفعل ما يؤذي المسلمين، فقد انحرف عن الجادة وترك الطريق المستقيم.
ثم أخذ القرآن يحرّض المؤمنين على التماسك، فيبين أن هؤلاء الأعداء إذا انتصروا عليكم سلّطوا عليكم الأذى باليد واللسان، وتمنوا أن تكفروا بما كفروا، وإذا اتبعتموهم أضلوكم، وفي يوم القيامة لن تنفعكم أولادكم ولا أقاربكم، والله هو الذي يحكم بينكم بنفسه، وهو عليم وخبير بأعمالكم.
المفردات :
إن يثقفوكم : يظفروا بكم ويتمكنوا منكم.
يبسطوا إليكم أيديهم : بالقتل والضرب والمساءة.
بالسوء : بما يسوءكم بالسبّ والشتم.
وودّوا لو تكفرون : تمنوا كفركم.
التفسير :
٢- ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾.
إن يظهروا عليكم، أو ينتصروا عليكم، أو يلقوكم قادرين عليكم، متمكنين من أذاكم، تظهر لكم عداوتهم، ويحاولوا النيل منكم والاعتداء عليكم بأيديهم مقاتلين لكم، وبألسنتهم بالسبّ والشتم، والسوء والأذى، ويتمنوا أن تعودوا كفارا مثلهم.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء... ﴾( النساء : ٨٩ ).
تمهيد :
هذه السورة تتلاقى مع ما سبقها من سور على تربية المسلمين، وتأكيد وحدتهم، وبعث عوامل القوّة والصمود في نفوسهم، ومقاومة لحظات الضعف في نفوسهم.
والسورة علاج للجماعة كلها وإن نزلت بسبب ضعف شخص منها، ففي رواية الشيخين البخاري ومسلم وغيرهما، ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجهز لفتح مكة سرا، وقال :" اللهم خذ العيون والأبصار عن قريش حتى نبغتها في بلادها "، ثم أرسل حاطب بن أبي بلتعة رسالة سرية مع امرأة من مزينة، وفيها :( اعلموا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم ).
وأعلم الله رسوله بخبر هذا الخطاب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه، فأحضروا الخطاب من المرأة، واستقدم النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا واستمع إليه وإلى اعتذاره وعفا عنه، فنزلت سورة الممتحنة تحث المسلمين على عدم موالاة الأعداء الذي كفروا بالإسلام، وأخرجوا المسلمين والرسول الكريم من ديارهم، فلا يليق بمن خرج مهاجرا أو مجاهدا أن يوالي أعداء الله، والله مطلع على الخفايا والنوايا، ومن يُفش سرّ رسول الله، أو يفعل ما يؤذي المسلمين، فقد انحرف عن الجادة وترك الطريق المستقيم.
ثم أخذ القرآن يحرّض المؤمنين على التماسك، فيبين أن هؤلاء الأعداء إذا انتصروا عليكم سلّطوا عليكم الأذى باليد واللسان، وتمنوا أن تكفروا بما كفروا، وإذا اتبعتموهم أضلوكم، وفي يوم القيامة لن تنفعكم أولادكم ولا أقاربكم، والله هو الذي يحكم بينكم بنفسه، وهو عليم وخبير بأعمالكم.
المفردات :
لن تنفعكم أرحامكم : لن تفيدكم قراباتكم.
ولا أولادكم : الذين توالون المشركين لأجلهم.
يفصّل : يقضي ويحكم، وقرئ ( يُفصل ) بالبناء للمجهول مع التشديد أو التخفيف.
التفسير :
٣- ﴿ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
لن تنفعكم قرابتكم ولا أولادكم يوم القيامة، إذا خنتم المسلمين وأفشيتم أسرارهم من أجل أقربائكم وأولادكم، فمن وجد كلّ شيء، ومن فقد الله كل شيء، وكان حاطب بن أبي بلتعة قد أفشى سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أسرته وأهله وولده، فقال الله له : إذا أغضبت ربك ونبيك، وضعفت من أجل أولادك، فإن هؤلاء لن ينفعوك يوم القيامة، بل الذي ينفعكم هو ما آمركم به، فاستقيموا على هدايتي وتوجيهي، فإنني بصير بأعمالكم، خبير بأسراركم، وسأجازيكم على أعمالكم، بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا.
وقريب من معنى الآية قوله تعالى :﴿ يوم يفرّ المرء من أخيه*وأمه وأبيه*وصاحبته وبنيه*لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾. ( عبس : ٣٤-٣٧ ).
التأسّي بإبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ( ٤ ) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ٥ ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( ٦ ) ﴾
تمهيد :
في صدر السورة نهاهم القرآن عن موالاة الكافرين، وعن كشف أسرار المسلمين، وهنا يقول لهم : هلا اقتديتم بإبراهيم والذين معه، إذ تبرأوا من قومهم وعادوهم، وقالوا لهم : إنا براء منكم.

قال الفراء :

يقول : أفلا تأسيت يا حاطب، بإبراهيم حين تبرّأ من أهله لتعلم أن الحب في الله، والبغض في الله، من أوثق عرى الإيمان.
المفردات :
أسوة : الأُسوة ( بضم الهمزة وكسرها وبهما قُرئ ) من يؤتسى به، كالقدوة لمن يقتدى به، والجمع : أُسى.
براء : واحدهم بريء، كظُرفاء وظريف، والمراد : متبرئون ومنكرون لما تعملون.
ومما تعبدون : أي : الأصنام والكواكب وغيرها.
البغضاء : البغض والكراهية.
التفسير :
٤- ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾.
حثّ الله المؤمنين في صدر السورة على عدم موالاة الأعداء الذين أخرجوهم من ديارهم وحذرهم من تمرير الأخبار السرية إليهم، فالله مطلع على السّر والعلن.
وهنا يضرب مثلا عمليا، وقدوة فعلية تمت على يد إبراهيم خليل الله والذين معه من المؤمنين، مثل سارة زوجته، ولوط ابن أخيه، فإنهم اعتصموا بإيمانهم، وأعلنوا براءتهم وبغضهم ونفورهم من الكفار، ومما يعبدون من دون الله من الأصنام والأوثان.
وكانوا واضحين تماما، فلم يكتفوا باعتقاد الإيمان بالله تعالى، بل أعلنوا للمشركين أنّ الحق والباطل لا يجتمعان، لذلك قال المؤمنون أتباع الخليل إبراهيم لأعدائهم الكافرين :
﴿ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ... ﴾
نحن على إيماننا بالله، كَفَرنا بكم، وجَحَدْنا معبوداتكم، فلا نؤمن بالأصنام والأوثان، بل نؤمن بالله وحده، ونظهر العداوة والبغضاء للكافرين والمشركين، حتى يؤمنوا بالله وحده، فإذا فعلوا ذلك صاروا إخواننا في الدين، فالحب لكم كل الحبّ عند إيمانكم بالله، والبغض لكم كل البغض عند كفركم وعبادتكم للأصنام والأوثان.
﴿ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ... ﴾
عليكم بالاقتداء بإبراهيم والذين معه، في إعلان البراءة والعداوة للمشركين وللأصنام التي يعبدونها، لكن لا تقتدوا بإبراهيم في استغفاره لأبيه، فإنّه إنما استغفر له بسبب موعدة وعدها إياه، حين قال له :﴿ سلام عليكِ سأستغفر لكِ ربي إنه كان بي حفيا ﴾. ( مريم : ٤٧ ).
فلمّا تبين لإبراهيم أن والده آزر مصمم على الشرك تبرّأ منه، كما قال سبحانه وتعالى : وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرّأ منه إن إبراهيم لأوّاه حليم. ( التوبة : ١١٤ ).
ونجد إبراهيم الخليل هنا يصرّح صادقا بأن أمر الهدى والتوفيق والقبول والإيمان بيد الله تعالى، فهو يعد أباه بالاستغفار، ويخبره في نفس الوقت أنه لا يملك من أمر الله شيئا، فهو سبحانه وحده المعين على الهدى، والموفق له، ﴿ وما تشاءون إلا أن يشاء الله... ﴾( الإنسان : ٣٠ ).
وذلك في معنى قوله تعالى :﴿ إنّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء... ﴾( القصص : ٥٦ )
ثم اتجه إبراهيم الخليل والذين معه بالدعاء إلى الله قائلين :
﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾.
إن اعتمادنا وثقتنا ورجاءنا على الله وحده، وبالله وحده، إليه أنبنا ورجعنا، وإليه وحده المصير والمرجع يوم القيامة.
لقد كان إبراهيم والذين آمنوا معه قلة معدودة، لكن إيمانهم بالله وتوكلهم عليه جعلهم مضرب الأمثال في التجرّد والإيمان، وإظهار البراءة من أعداء الله.
وقال بعض المفسرين :
إن هذا الدعاء يحتمل أن يكون توجيها من الله لعباده المؤمنين، فمن وجد الله وجد كل شيء ومن فقد الله فقد كل شيء، وكأنّ القرآن هنا يوجّه المؤمنين إلى الاعتماد على الله والإنابة إليه، مهما كانوا قلة، فإن الله يجبر ضعفهم، ويلبّي دعاءهم، وعليهم أن يقولوا :
﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾.
تمهيد :
في صدر السورة نهاهم القرآن عن موالاة الكافرين، وعن كشف أسرار المسلمين، وهنا يقول لهم : هلا اقتديتم بإبراهيم والذين معه، إذ تبرأوا من قومهم وعادوهم، وقالوا لهم : إنا براء منكم.

قال الفراء :

يقول : أفلا تأسيت يا حاطب، بإبراهيم حين تبرّأ من أهله لتعلم أن الحب في الله، والبغض في الله، من أوثق عرى الإيمان.
المفردات :
لا تجعلنا فتنة للذين كفروا : لا تسلطهم علينا، فيفتنونا بعذاب لا نحتمله، من قولهم : فتن الفضة، أي : أذابها.
التفسير :
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
أي : لا تظهرهم علينا بالغلبة والتفوّق، فيغريهم ذلك بفتنتنا وإيذائنا.
قال مجاهد : معناه : لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا.
وقل ابن عباس : لا تسلطهم علينا فيفتنونا بذلك.
وقال قتادة : لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقٍّ هم عليه. واختاره ابن جريرviii.
ولبعض العلماء رأي آخر في فهم الآية، وهو أن المراد بالفتنة هنا : اضطراب حال المسلمين وفساده، وكونهم لا يصلحون أن يكونوا قدوة لغيرهم في وجوه الخير، فيكون المعنى : يا رب لا تجعل أعمالنا وأقوالنا سيئة، فيترتب على ذلك أن ينفر الكافرون من ديننا بحجة أنه لو كان دينا سليما لظهر أثره على أتباعه، ولكانوا بعيدين عن كل تفرق وتباعد وتأخّرix.
ويجوز أن يكون المعنى :
لا تجعلنا مفتونين بسبب محبة الذين كفروا والتقرّب إليهم، ومتابعتهم في سلوكهم، وتقليدهم في ملابسهم وأفعالهم.
أي : لا تجعلنا مفتونين بهم، مسخّرين لهم. x
﴿ وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
اغفر لنا ما فرط من الذنوب، واجعلنا واثقين بفضلك، إنك أنت، الْعَزِيزُ. الغالب الذي لا يذلّ من التجأ إليه، ولا يخيب رجاء من توكل عليه، الْحَكِيمُ. الذي لا يفعل إلا ما فيه الخير والمصلحة.
وتكرار النداء للمبالغة في التضرع والجؤار.
تمهيد :
في صدر السورة نهاهم القرآن عن موالاة الكافرين، وعن كشف أسرار المسلمين، وهنا يقول لهم : هلا اقتديتم بإبراهيم والذين معه، إذ تبرأوا من قومهم وعادوهم، وقالوا لهم : إنا براء منكم.

قال الفراء :

يقول : أفلا تأسيت يا حاطب، بإبراهيم حين تبرّأ من أهله لتعلم أن الحب في الله، والبغض في الله، من أوثق عرى الإيمان.
المفردات :
يرجو الله : يؤمل ثوابه.
واليوم الآخر : مجيئه، والجزاء فيه.
ومن يتولّ : يعرض عن النصيحة.
التفسير :
٥- ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾.
أقسم لقد كان لكم – أيها المؤمنون – في إبراهيم ومن معه أسوة وقدوة حسنة، ونموذج يتّبع، لمن كان يرجو فضل الله وثوابه، ويخاف عقابه في اليوم الآخر.
ومن يُعرض عن الإيمان بالله واتّباع أمره، فإن الله غني عنه وعن أمثاله، وعن الخلق أجمعين، وهو المحمود في ذاته وصفاته.
قال تعالى :﴿ إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ﴾. ( إبراهيم : ٨ ).
سماحة الإسلام
﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( ٧ ) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( ٨ ) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( ٩ ) ﴾
تمهيد :
يبشر الله المسلمين بمستقبل أفضل، يجمع شملهم مع أعدائهم، ويهديهم للدخول في الإسلام، وتعود المودّة والرحمة والمغفرة من الله لجموع المسلمين، فهو سبحانه قدير وغفور رحيم، وقد أنجز الله تعالى وعده، وفتح لهم مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وجمع الإسلام شمل هذه العائلات، ورأينا أعداء الأمس أصدقاء اليوم.
قال تعالى :﴿ وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم ﴾. ( الأنفال : ٦٣ ).
وقد رخّص الله تعالى للمسلمين في صلة الذين لم يقاتلوهم في الدين من الكفار، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم، لكنه يحرّم عليهم موالاة الأعداء الذين أخرجوهم من ديارهم، وظاهروا على إخراجهم، فمن يتولّ هؤلاء الظالمين المعتدين فإنه يكون ظالما لنفسه، ولجماعة المسلمين، فما أعظم سماحة الإسلام، حيث قال :﴿ لا إكراه في الدين... ﴾( البقرة : ٢٥٦ ).
وحيث أباح لنا موالاة المسالمين الموادعين من أهل الذمة، وعيادة مرضاهم، وأكل ذبائحهم، والتعاون معهم في شئون الحياة.
وإنما حرّم موالاة المحاربين والمعتدين، وحرّم كشف خبايانا للأعداء، ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم يزور جارا له يهوديا عندما مرض، وكان ذلك سببا في إسلام اليهوديّ كما ورد في الصحيحين، وقد أخرجه البخاري في : ٧٥- باب عيادة المشرك حديث رقم ٧١٤، عن أنس.
وعلى الحاكم المسلم أن يشمل الموادعين من أهل الذمة بالحفظ والرعاية، وإنقاذ أسراهم، وتحقيق معنى ( لهم ما لنا، وعليهم ما علينا ) لذلك عاش أهل الكتاب في كنف الحكم الإسلامي آمنين مطمئنين، وكان منهم الوزراء والعلماء، والباحثون والمؤرخون والاقتصاديون.
والأقباط في مصر نموذج لهذه المعاملة، فمنهم الوزراء والسفراء وقادة الجيوش، والشعب المصري نسيج متكامل، تتزاور فيه الأسر المسلمة مع الأسر المسيحية، وتتبادل معها التهاني بالأعياد، والتعاون في الرحلات والمشروعات، ورؤساء الدين الإسلامي والمسيحي يتبادلون التهاني بالأعياد، والتعاون في الأنشطة المتعددة، فالأديان السماوية كلها م عند الله، والله تعالى أمرنا بالتسامح والتعاون على البرّ ولتقوى.
قال تعالى :﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان... ﴾( المائدة : ٢ ).
المفردات :
عسى : كلمة تفيد رجاء ما بعدها، فإذا صدرت من الله عز وجل فما بعدها مُحقق الوقوع.
التفسير :
٧- ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
كانت هناك عداوة بين المسلمين وأهل مكة، وقد حذّر القرآن من موالاة الأعداء، وحذّر من نقل أسرار المسلمين إليهم، وقد استجاب المسلمون لتوجيه القرآن، فبشّرهم الله بهداية أهل مكة، ودخولهم في الإسلام، وجَمْع شمل الأسر في المستقبل، وقد حقق الله وعده، ففتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، وتحول أعداء الأمس إلى مسلمين مؤمنين، منضمين تحت لواء الإسلام، وألّف بين قلوب الجميع، فصاروا إخوانا متحابين.
قال تعالى :﴿ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها... ﴾( آل عمران : ١٠٣ ).
تمهيد :
يبشر الله المسلمين بمستقبل أفضل، يجمع شملهم مع أعدائهم، ويهديهم للدخول في الإسلام، وتعود المودّة والرحمة والمغفرة من الله لجموع المسلمين، فهو سبحانه قدير وغفور رحيم، وقد أنجز الله تعالى وعده، وفتح لهم مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وجمع الإسلام شمل هذه العائلات، ورأينا أعداء الأمس أصدقاء اليوم.
قال تعالى :﴿ وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم ﴾. ( الأنفال : ٦٣ ).
وقد رخّص الله تعالى للمسلمين في صلة الذين لم يقاتلوهم في الدين من الكفار، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم، لكنه يحرّم عليهم موالاة الأعداء الذين أخرجوهم من ديارهم، وظاهروا على إخراجهم، فمن يتولّ هؤلاء الظالمين المعتدين فإنه يكون ظالما لنفسه، ولجماعة المسلمين، فما أعظم سماحة الإسلام، حيث قال :﴿ لا إكراه في الدين... ﴾( البقرة : ٢٥٦ ).
وحيث أباح لنا موالاة المسالمين الموادعين من أهل الذمة، وعيادة مرضاهم، وأكل ذبائحهم، والتعاون معهم في شئون الحياة.
وإنما حرّم موالاة المحاربين والمعتدين، وحرّم كشف خبايانا للأعداء، ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم يزور جارا له يهوديا عندما مرض، وكان ذلك سببا في إسلام اليهوديّ كما ورد في الصحيحين، وقد أخرجه البخاري في : ٧٥- باب عيادة المشرك حديث رقم ٧١٤، عن أنس.
وعلى الحاكم المسلم أن يشمل الموادعين من أهل الذمة بالحفظ والرعاية، وإنقاذ أسراهم، وتحقيق معنى ( لهم ما لنا، وعليهم ما علينا ) لذلك عاش أهل الكتاب في كنف الحكم الإسلامي آمنين مطمئنين، وكان منهم الوزراء والعلماء، والباحثون والمؤرخون والاقتصاديون.
والأقباط في مصر نموذج لهذه المعاملة، فمنهم الوزراء والسفراء وقادة الجيوش، والشعب المصري نسيج متكامل، تتزاور فيه الأسر المسلمة مع الأسر المسيحية، وتتبادل معها التهاني بالأعياد، والتعاون في الرحلات والمشروعات، ورؤساء الدين الإسلامي والمسيحي يتبادلون التهاني بالأعياد، والتعاون في الأنشطة المتعددة، فالأديان السماوية كلها م عند الله، والله تعالى أمرنا بالتسامح والتعاون على البرّ ولتقوى.
قال تعالى :﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان... ﴾( المائدة : ٢ ).
المفردات :
أن تبرّوهم : أي : تفعلوا البرّ والخير لهم.
وتقسطوا إليهم : وتعدلوا فيهم بالبر والإحسان.
المقسطين : العادلين.
التفسير :
٨-﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾.
لا ينهاكم الله عن البرّ والعدل مع الكفار الذين لم يقاتلوكم بسبب دينكم، ولم يخرجوكم من دياركم، ولم يعاونوا على إخراجكم أن تحسنوا إليهم في معاملاتهم، وتكرموهم وتمنحوهم صلتكم، وتعدلوا بينهم، إن الله يحبّ أهل البرّ والتواصل والحق والعدل.
جاء في التفسير الكبير للرازي ما يأتي :
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في خزاعة، وذلك أنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا فرخّص الله في برّهم والإحسان إليهم.
وأخرج الشيخان، وأحمد، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت : قدمت أمي – وهي مشركة – في عهد قريش حين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – تعني في صلح الحديبية - فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها ؟ قال : " نعم، صلي أمك "، فأنزل الله تعالى :﴿ لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾. xi
وجاء في الحديث الصحيح : " المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ". والعبرة هنا أيضا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
تمهيد :
يبشر الله المسلمين بمستقبل أفضل، يجمع شملهم مع أعدائهم، ويهديهم للدخول في الإسلام، وتعود المودّة والرحمة والمغفرة من الله لجموع المسلمين، فهو سبحانه قدير وغفور رحيم، وقد أنجز الله تعالى وعده، وفتح لهم مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وجمع الإسلام شمل هذه العائلات، ورأينا أعداء الأمس أصدقاء اليوم.
قال تعالى :﴿ وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم ﴾. ( الأنفال : ٦٣ ).
وقد رخّص الله تعالى للمسلمين في صلة الذين لم يقاتلوهم في الدين من الكفار، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم، لكنه يحرّم عليهم موالاة الأعداء الذين أخرجوهم من ديارهم، وظاهروا على إخراجهم، فمن يتولّ هؤلاء الظالمين المعتدين فإنه يكون ظالما لنفسه، ولجماعة المسلمين، فما أعظم سماحة الإسلام، حيث قال :﴿ لا إكراه في الدين... ﴾( البقرة : ٢٥٦ ).
وحيث أباح لنا موالاة المسالمين الموادعين من أهل الذمة، وعيادة مرضاهم، وأكل ذبائحهم، والتعاون معهم في شئون الحياة.
وإنما حرّم موالاة المحاربين والمعتدين، وحرّم كشف خبايانا للأعداء، ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم يزور جارا له يهوديا عندما مرض، وكان ذلك سببا في إسلام اليهوديّ كما ورد في الصحيحين، وقد أخرجه البخاري في : ٧٥- باب عيادة المشرك حديث رقم ٧١٤، عن أنس.
وعلى الحاكم المسلم أن يشمل الموادعين من أهل الذمة بالحفظ والرعاية، وإنقاذ أسراهم، وتحقيق معنى ( لهم ما لنا، وعليهم ما علينا ) لذلك عاش أهل الكتاب في كنف الحكم الإسلامي آمنين مطمئنين، وكان منهم الوزراء والعلماء، والباحثون والمؤرخون والاقتصاديون.
والأقباط في مصر نموذج لهذه المعاملة، فمنهم الوزراء والسفراء وقادة الجيوش، والشعب المصري نسيج متكامل، تتزاور فيه الأسر المسلمة مع الأسر المسيحية، وتتبادل معها التهاني بالأعياد، والتعاون في الرحلات والمشروعات، ورؤساء الدين الإسلامي والمسيحي يتبادلون التهاني بالأعياد، والتعاون في الأنشطة المتعددة، فالأديان السماوية كلها م عند الله، والله تعالى أمرنا بالتسامح والتعاون على البرّ ولتقوى.
قال تعالى :﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان... ﴾( المائدة : ٢ ).
المفردات :
وظاهروا : وساعدوا.
أن تولوهم : أن تكونوا أولياء وأنصار لهم.
التفسير :
٩- ﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.
إما ينهى الله تعالى عن موالاة المقاتلين، أو التقرب إليهم، أو كشف الأسرار لهم، مثل أهل مكة الذين قاتلوا المسلمين، وأخرجوهم من ديارهم، وعاونوا وساعدوا في إخراجهم، هؤلاء وأشباههم من المقاتلين، أمثال اليهود في إسرائيل الذين يُقتّلون إخواننا الفلسطينيين، ويخرجونهم من ديارهم، ويتعاونون على إخراجهم، هؤلاء وأمثالهم من الفئات والدول المعتدية على المسلمين، لا تجوز مودّتهم ولا نقل أخبار المسلمين إليهم.
وقد ذكر زيد وقتادة أن موادعة المسالمين وترك قتالهم، كان في صدر الإسلام، ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾... ( التوبة : ٥ ). ( انظر تفسير القرطبي ).
والذي عليه جمهور العلماء أنه لا نسخ، لأن الآيات تقرر حكما يتفق مع شريعة الإسلام في كل زمان ومكان، وهو أننا لا نؤذي من آذانا، ولا نقاتل إلاّ من أظهر العداوة لنا بأية صورة من الصّور، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الوفود التي تأتيه لمناقشته في بعض الأمور، مقابلة كريمة، ويتجلّى ذلك فيما فعله مع وفد نجران ووفد تميم وغيرهما.
والإمام ابن جرير الطبري عند تفسير هذه الآيات ذكر آراء من قال إن فيها نسخا، وآراء من قال إنها محكمة لا نسخ فيها، ثم عقب على ذلك بقوله تعالى : وأوْلى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بقوله تعالى :
﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ... ﴾
جميع أصناف الملل والأديان، أن تبرّوهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم... ويشمل كل من كانت صفته كذلك، دون تخصيص لبعض دون بعض.
ولا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ، لأن برّ المؤمن من أهل الحرب، ممن بينه وبينهم قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه ولا نسب، غير محرّم، ولا منهي عنه، إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح. xii
وفي آخر الآية نجد هذا التعقيب :
﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.
أي : لا تتخذوا من عاداكم وقاتلكم وأخرجكم من دياركم، أحبابا وأصفياء وأنصارا
﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.
ومن يتخذ هؤلاء المعتدين أولياء وأحبابا، فإنه يكون ظالما لدينه ولأمته ولنفسه، حيث والى أعداء دينه وأعداء أمته.
امتحان المهاجرات
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ١٠ ) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
تم صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل مكة على شروط، من بينها ما يأتي :

١-
وضع الحرب بين الفريقين عشر سنوات.

٢-
من أراد أن يدخل في حلف محمد دخل فيه، ومن أراد أن يدخل في حلف قريش دخل فيه.

٣-
من جاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم بدون إذن وليه يرده للمشركين ومن جاء مرتدّا إلى المشركين لا يردونه، وكذلك من جاءت مرتدة عن الإسلام لا يردّها المشركون للمسلمين.
وبعد إتمام صلح الحديبية جاء رجال مسلمون من أهل مكة، فردّهم النبي صلى الله عليه وسلم وفاء بالعهد، وقال لهم :" لعل الله أن يجعل لكم فرجا ".
ثم جاءت نساء مهاجرات من مكة إلى المدينة فأمر الله بامتحانهن، فإذا كن مؤمنات فلا يحلّ أن يرجعن إلى الكفار.
المفردات :
فامتحنوهن : فاختبروهن بما يغلب به على ظنكم، موافقة قلوبهن لألسنتهن في الإيمان.
علمتموهنّ : ظننتموهنّ.
إلى الكفار : إلى أزواجهن الكفار.
أجورهن : مهورهنّ.
عصم : واحدها عصمة، وهي ما يُعتصم به من عقد وسبب.
الكوافر : واحدتهنّ كافرة.
التفسير :
١٠- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.
قال المفسرون :
إن صلح الحديبية كان قد تضمّن أن من أتى أهل مكة من المسلمين لا يردّ إليهم، ومن أتى المسلمين من أهل مكة – يعني المشركين – رُدّ إليهم، فجاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج في إثرها أخواها عُمارة والوليد فقالا للنبي صلى الله عليه وسلم : ردّها علينا بالشرط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كان الشرط في الرجال لا في النساء "، فأنزل الله الآيةxiii
وأخرج الشيخان، وأحمد، عن ابن عباس : كانت المرأة تُستحلف أنّها هاجرت ما هاجرت بُغضا لزوجها، ولا طمعا في الدنيا، وأنها ما خرجت إلا حبّا لله ورسوله، ورغبة في دين الإسلام.
ضوء على الآية
في بداية الإسلام كان يحل للمسلم زواج الكافرة وإبقاء عقد زواجها، وكل يحل للمرأة المسلمة زواج المشرك.
قال ابن كثير :
ولهذا كان حال أبي العاص بن الربيع، زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، زينب رضي الله عنها، وقد كانت مسلمة، وهو على دين قومه، فلما وقع في الأسارى يوم بدر، بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها، كانت لأمّها خديجة، فلما رآها الرسول صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقة شديدة، وقال للمسلمين : " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا ". ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن يبعث ابنته إليه، فوفّى له بذلك، وصدقه فيما وعده، وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة، فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر، وكانت سنة اثنتين، إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمان، فردّها عليه بالنكاح الأوّل، ولم يحدث لها صداقا. ١ه.
معنى الآية
يا أيها الذين آمنوا، إذا جاءت إليكم نسوة مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإيمان، لائذات بجماعة المسلمين، فامتحنوهنّ واختبروهن للتأكد من صدقهنّ، فتُقسم المهاجرة أنّها ما هاجرت من بغض زوج، ولا ابتغاء دينا، ولا رغبة عن أرض إلى أرض، وأنها ما هاجرت إلا حبّا لله ورسوله، ورغبة في دين الإسلام.
وهذا الاختبار، مع استكشاف ما يحيط به، يجعلنا نرجّح النتيجة منه، ونحكم بما يغلب على ظننا لأن الله تعالى وحده هو العليم بإيمان المؤمنين.
فإذا تيقنّا من صدق إيمانهنّ، فلا يجوز أن نُرجع المرأة المهاجرة إلى دار الكفر، خشية الفتنة عليها، ولأنها لا تحلّ لزوجها الكافر، ولا تحل لزوجه الكافر معاشرتها، ، حيث إنها مؤمنة وهو كافر، فلا يجوز أن يعلو الرجل الكافر فوق المرأة المؤمنة، وكان هذا أول قرار في تحريم زواج المؤمنة من كافر.
قال الآلوسي :
والتكرير للتأكيد والمبالغة في الحرمة، وقطع العلاقة بين المؤمنة والمشرك، حيث قال تعالى :﴿ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ﴾. فأفاد حرمة عودة المؤمنة إلى الكافر، ثم كرر وأكّد فقال :﴿ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾. أي : ولا الأزواج الكفار يحلّون للمؤمنات طالما بقوا على كفرهم.
ومن عدالة القرآن هنا أنه أمر بإعطاء الزوج الكافر ما أنفقه على زوجته من صداق وغيره، فلا يجمع عليه خسران الزوجة وخسران المال، ثم أباح للمسلمين زواج المهاجرات بشرط أن يدفعوا لهن الصداق.
قال الخازن :
أباح الله للمسلمين نكاح المهاجرات من دار الحرب إلى دار الإسلام، وإن كان لهن أزواج كفار، لأن الإسلام فرّق بينهنّ وبين أزواجهن الكفار، وتقع الفرقة بانقضاء عدّتها. ١ه.
﴿ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ... ﴾
فمن كانت له زوجة كافرة في مكة، أو دار الكفر، فقد انقطعت العلاقة الزوجية بإسلامه وكفرها، فلا تعتبر زوجة له.
قال القرطبي :
المراد بالعصمة هنا : النكاح، يقول : من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدّ بها فليست امرأته، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدّارين.
قال إبراهيم النخعي :
نزل قوله تعالى :﴿ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ... ﴾ في المرأة من المسلمين تلحق بالمشركين، فلا يمسك زوجها بعصمتها.
﴿ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا... ﴾
إذا ذهبت امرأة مسلمة إلى الكفار مرتدة، فمن حق زوجها أن يطلب من الكفّار الصداق، وهو المهر الذي دفعه لها، ويقول لأهلها : هاتوا مهرها.
وكذلك من حق من جاءت زوجته مسلمة مهاجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، أن يقول للمسلمين : هاتوا مهر زوجتي، وكان هذا إنصافا وعدلا بين الحالتين.
﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ... ﴾
هذه الأحكام هي من تشريع الله الحكم العدل، الذي يقضي بالحق بينكم وبين أعدائكم، وتأتي هذه الفقرة بمثابة التأكيد والترسيخ لما سبق من أحكام وتشريع، خاصة أن الآية تشرّع لأول مرة تحريم زواج الكافر من المؤمنة، وتحريم زواج المؤمن من المشركة، والمعروف أن القرآن كله تشريع الله وحكمه، لكنه كان يعقّب على بعض الأحكام بما يؤكد وجوب تنفيذها، وفي صدر سورة النساء تحدثت آيات عن توزيع الميراث، ثم عقّبت بقوله تعالى :﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ١٣ ) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾. ( النساء : ١٣-١٤ ).
وفي آخر الآية يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.
فهو سبحانه وتعالى عليم بمصالح عباده، حكيم في تشريعاته، وقد التزم المؤمنون بهذه الأحكام، فدفعوا ما أُمروا به من مهور المهاجرات إلى أزواجهنّ، وأبى المشركون أن يردّوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المؤمنين.
تمهيد :
تم صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل مكة على شروط، من بينها ما يأتي :

١-
وضع الحرب بين الفريقين عشر سنوات.

٢-
من أراد أن يدخل في حلف محمد دخل فيه، ومن أراد أن يدخل في حلف قريش دخل فيه.

٣-
من جاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم بدون إذن وليه يرده للمشركين ومن جاء مرتدّا إلى المشركين لا يردونه، وكذلك من جاءت مرتدة عن الإسلام لا يردّها المشركون للمسلمين.
وبعد إتمام صلح الحديبية جاء رجال مسلمون من أهل مكة، فردّهم النبي صلى الله عليه وسلم وفاء بالعهد، وقال لهم :" لعل الله أن يجعل لكم فرجا ".
ثم جاءت نساء مهاجرات من مكة إلى المدينة فأمر الله بامتحانهن، فإذا كن مؤمنات فلا يحلّ أن يرجعن إلى الكفار.
المفردات :
فعاقبتم : فكانت العقبى لكم، أي : الغلبة والنصر حتى غنمتم منهم.
التفسير :
١١- ﴿ وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾.
إذا لحقت امرأة أحد المسلمين بدار الكفار، ثم يسّر الله للمسلمين النصر على الكفار والغلبة عليهم، والحصول على الغنائم، فإن المسلم الذي ذهبت زوجته إلى دار الكفار، يُعوّض بما يوازي مهرها من الغنيمة قبل أن تُقسّم.
ومن معنى الآية : أن تكون هناك مقاصّة ومعاوضة، فالزوجة المرتدة يُعوّض زوجه بمهرها من أسرتها، أو من زوجها المشرك، كما يعطي لزوج المسلمة المهاجرة مهر زوجته، حتى لا يجتمع عليه خسران زوجته، وخسران المال الذي دفعه لها.
روى بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي المهر للذي ذهبت زوجته إلى الكفار من الغنيمة قبل أن تُقسّم، ولا ينقص من حقّه شيئا.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾.
إن من لوازم الإيمان تقوى الرحمن، فراقبوا الله تعالى الذي آمنتم به، والتزموا بتنفيذ أحكامه، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وراقبوه والتزموا بطاعته وتقواه.
والتقوى هي : الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل.
بيعة النساء
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( ١٢ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ( ١٣ ) ﴾
تمهيد :
تكررت البيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقعت غير مرة، ووقعت في مكة بعد الفتح وفي المدينة.
روى البخاري، عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه بهذه الآية :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ... ﴾إلى قوله :﴿ غفور رحيم ﴾. فمن أقرت بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قد بايعتك "، كلاما، ولا والله ما مسّت يده يد امرأة في المبايعة قط، ما بايعهنّ إلا بقوله :" قد بايعتك على ذلك ". xiv
وروى أحمد، عن أميمة بنت رقية التيمية، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن، ألا نشرك بالله شيئا – حتى بلغ – ولا يعصينك في معروف، فقال :" فيما استطعتنّ وأطقتنّ "، قلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلنا : يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ قال :" إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأة واحدة قولي لمائة امرأة " xv
المفردات :
يبايعنك : يعاهدنك بالتزام الطاعة.
ولا يقتلن أولادهن : ولا يئدن البنات.
ببهتان : بزور وكذب بإلصاق اللقطاء بالأزواج.
يفترينه : يختلقنه كذبا.
في معروف : في أمر برّ وتقوى.
فبايعهن واستغفر لهن الله : فالتزم لهنّ ضمان الثواب إذا وفين بهذه الأشياء.
التفسير :
١٢- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
تشتمل الآية على مكارم الأخلاق التي بايع الرسول صلى الله عليه وسلم عليها النساء.
والمعنى :
يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات مبايعات لك، ومعاهدات على هذه الأمور، وهي :
﴿ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾. من صنم أو حجر.
﴿ وَلَا يَسْرِقْنَ ﴾. من مال الناس شيئا.
﴿ وَلَا يَزْنِينَ ﴾. وقد حذر القرآن من الزنا، وبيّن أنه فاحشة وساء سبيلا.
﴿ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾. ولا يئدن البنات، كما كنّ يفعلن في الجاهلية، أو لا يقتلن الأجنة في بطونهن، فإنّ ذلك عدوان وقتل للنفس بغير حق.
﴿ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ... ﴾
ولا يلحقن الأطفال الأجانب بأزواجهن كذبا وزورا، أو : ولا يأتين بكذب وزور من قبل أنفسهن، واليد والرجل كناية عن الذات، لأن معظم الأفعال بهما.
قال المفسرون : كانت المرأة إذا خافت مفارقة زوجها لها لعدم الحمل، التقطت ولدا ونسبته له ليبقيها عنده، فالمراد بالآية اللقيط.
﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ... ﴾
ولا يخالفن أمرك فيما أمرتهنّ به من معروف، أو نهيتهنّ عنه من منكر، بل يسمعن ويطعن.
﴿ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ﴾.
فبايعهن يا رسول الله على ذلك، واطلب لهنّ من الله الصفح والغفران، لما سلف منهنّ من الذنوب.
﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
أي : واسع المغفرة عظيم الرحمة.
ملحق بتفسير الآية
١- قال أبو حيان :
كنت بيعة النساء في ثاني يوم الفتح، على جبل الصفا، وبعدما فرغ من بيعة الرجال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، وعمر أسفل منه، يبايعهنّ بأمره، ويبلغهنّ عنه، وما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة أجنبية قط.
وكانت هند بنت عتبة – وهي التي شقت بطن حمزة يوم أحد – متنكرة في النساء، فلما قرأ النبي صلى لله عليه وسلم عليهن الآية، قال : عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا... قالت هند : وكيف نطمع أن يُقبل منّا ما لم يقبل من الرجال ؟ تعني أن هذا بيّن لزومه، فلما قال : ولا يسرقن. قالت : والله إني لأصيب الهنة من مال أبي سفيان – أي القليل وبعض الشيء من ماله – لأنه رجل شحيح، ولا أدري أيحلّ لي ذلك أم لا ؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها، فقال لها : " وإنك لهند بنت عُتبة " ؟ قالت : نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك، فلما قرأ : ولا يزنين. قالت : أو تزني الحرة ؟ فلما قرأ : ولا يقتلن أولادهن. قالت : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، فأنت وهم أعلم وكان ابنها حنظلة قد قُتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى، وتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما قرأ :﴿ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾. قالت هند : والله إن البهتان لأمر قبيح، ولا يأمر الله إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. فلما قرأ : وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ. قالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيءxvi.
٢- بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال أيضا على بنود بيعة النساء.
روى البخاري، عن عبادة بن الصامت قال : كنّا عند النبي صلى الله علي وسلم فقال : " أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا "، قرأ آية النساء ( أي : آية بيعة النساء )، ثم قال : " فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " xvii
بيعتا العقبة
في مرحلة الإعداد للهجرة، وتعرّض النبي صلى الله عليه وسلم للوفود، قابل وفود المدينة المنوّرة، وتمت بيعت العقبة الأولى والثانية، وكان لهما أبعد الأثر في تهيئة المدينة المنورة لاستقبال الإسلام، واحتضان الدعوة الإسلامية، وكانت المدينة مرتكزا للإسلام ودعوته، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا.
روى محمد بن إسحاق، وابن أبي حاتم، عن عبادة بن الصامت قال : كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلا، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفرض الحرب، على ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، وقال : " فإن وفيتم فلكم الجنة ".
بيعة الرضوان
بيعة الرضوان تمت عند الحديبية، عندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة عثمان بن عفان، فاحتبسه أهل مكة وأشيع أنه قد قتل، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا نبرح حتى نناجز القوم "، وبايع صلى الله عليه وسلم المسلمين على الموت وعلى ألا يفرّوا، وقد بارك الله هذه البيعة وزكّى أهلها في كتابه العزيز، حيث قال تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعوك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا. ( الفتح : ١٨ ).
ما يستنبط من الآية :
دلت الآية على تحريم الشرك بالله، والسرقة، والزنا، وقتل الأولاد، أي وأد البنات الذي كان في الجاهلية، ويلحق به الإجهاض، وإسقاط المرأة نفسها بدون عذر شرعي، كما دلت الآية على تحريم إلحاق الأولاد اللقطاء بغير آبائهم، وعصيان شرع الله فيما أمر ونهى.
ولم تقتصر المنهيات على هذه الأمور الستة، فقد ورد في الحديث النهي عن التولّي يوم الزحف، وعن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وعن عقوق الوالدين، وعن الزنا والربا والسحر واليمين الغموس، وغير ذلك.
روى أحمد، والشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال : " ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية " xviii
ويفيد الحديث الدعوة إلى الصبر والتصبّر، واحتساب الثواب عند الله، والنهي عن الهلع والجزع، وعدم الرضا بالقضاء والقدر.
وسبق أن ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الرجال على ما بايع عليه النساء، فصارت الآية عامة للرجال والنساء.
وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره جملة من الأحاديث التي تدل على أن هذه البيعة قد تمّت في أوقات متعددة، وفي أماكن مختلفة، وأنها شملت الرجال والنساء.
تمهيد :
تكررت البيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقعت غير مرة، ووقعت في مكة بعد الفتح وفي المدينة.
روى البخاري، عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه بهذه الآية :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ... ﴾إلى قوله :﴿ غفور رحيم ﴾. فمن أقرت بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قد بايعتك "، كلاما، ولا والله ما مسّت يده يد امرأة في المبايعة قط، ما بايعهنّ إلا بقوله :" قد بايعتك على ذلك ". xiv
وروى أحمد، عن أميمة بنت رقية التيمية، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن، ألا نشرك بالله شيئا – حتى بلغ – ولا يعصينك في معروف، فقال :" فيما استطعتنّ وأطقتنّ "، قلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلنا : يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ قال :" إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأة واحدة قولي لمائة امرأة " xv
المفردات :
غضب الله عليهم : طردهم من رحمته.
من الآخرة : من ثوابها ونعيمها.
من أصحاب القبور : من رجوع موتاهم إليهم، لأنهم لا يعتقدون ببعث ولا نشور.
التفسير :
١٣- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾.
هذه الآية ختام سورة الممتحنة، وقد ذكر في صدرها النهي عن موالاة الكافرين للأعداء، أو إرشادهم إلى أسرار المسلمين، ويأتي الختام مؤكدا للصدر، يأتي ختام السورة هُتافا بالمؤمنين، ألاّ يقدّموا مودتهم لليهود أو المشركين الذين يئسوا من نعيم الآخرة لإقبالهم على الدنيا، واهتمامهم بها، والعمل لها، كأنه لا أمل في نعيم الآخرة، كما يئس كفار مكة وأشباههم من لقاء الموتى أصحاب القبور، لأنهم لا يؤمنون بالبعث والحشر والثواب والعقاب.
قال قتادة :
قد يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا.
وقيل في هذه الآية معنى آخر، قال ابن كثير :
كما يئس الكفار الذين هم في القبور من كل خير، قال ابن مسعود : قوله تعالى :﴿ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾. معناه : كما يئس هذا الكافر إذا مات، وعاين ثوابه واطلع عليه.
وقال الزمخشري : روي أن بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم، فنزل قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ... ﴾الآية.
i التليد : القديم العهد.
ii غدروا بنا ونحن عاكفون على صلاتنا بالليل.
iii نصرا عزيزا.
iv المصانعة : المجاملة والسبق بالمعروف.
v لعل الله اطلع إلى أهل بدر :
رواه البخاري في المغازي ( ٣٩٨٣ ) من حديث علي رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير ابن العوام وكلنا فارس، قال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين "، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : الكتاب، فقالت : ما معنا كتاب، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما حملك على ما صنعت ؟ " قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدق، ولا تقولوا له إلا خيرا "، فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه، فقال : " أليس من أهل بدر " ؟ فقال : " لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة – أو – فقد غفرت لكم ". فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم.
vi في ظلال القرآن ٢٨/٥٨.
vii في ظلال القرآن ٢٨/٦٦
viii انظر تفسيري الطبري وابن كثير.
ix د. محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط، الجزء ٢٨ ص ٤٢٨.
x تفسير التحرير والتنوير ج ٢٨ ص ١٣٩ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، قال : واللام في للذين للمِلك، ويجوز أن يكون المعنى : لا تجعلنا فاتنين للذين كفروا بضعفنا وتفرقنا.
xi نعم صِلِي أمك :
رواه البخاري في الهبة ( ٢٦٢٠ ) وفي الجزية ( ٣١٨٣ ) ومسلم في الزكاة ( ١٠٠٣ ) وأبو داود ( ١٦٦٨ ) وأحمد في مسنده ( ٢٦٣٧٥ ) من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قال : قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : وهي راغبة أفأصل أمي ؟ قال : " نعم صلي أمك ".
xii تفسير الطبري مجلد ١٢ ص ٦٩، سورة الممتحنة الآيتان ( ٩-١٠ ) دار الغد العربي، العباسية، القاهرة.
xiii التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي.
xiv والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة :
رواه البخاري في تفسير القرآن ( ٤٨٩١ ) من حديث عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله :﴿ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ﴾ إلى قوله :﴿ غفور رحيم ﴾ قال عروة : قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد بايعتك " كلاما. ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله : " قد بايعتك على ذلك ".
xv إني لا أصافح النساء :
رواه النسائي في البيعة ( ٤١٨١ ) وابن ماجة في الجهاد ( ٢٨٧٤ ) وأحمد في مسنده ( ٢٦٤٦٦ ) من حديث أميمة بنت رقيقة أنها قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة من الأنصار نبايعه فقلنا : يا رسول الله، نبايعك على ألا شرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف قال : " فيما استطعتن وأطلقتن ".
قالت : قلنا : الله ورسوله أرحم بنا، هلم نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة ".
xvi صفوة التفاسير للأستاذ محمد علي الصابوني، ناقلا عن تفسير البحر المحيط ٨/٢٥٨ والتفسير الكبير للرازي ٢٩/٣٠٧.
xvii أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا :
رواه البخاري في تفسير القرآن ( ٤٨٩٤ ) ومسلم ( ١٧٠٩ ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا "، وقرأ آية النساء وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية. " فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ". تابعه عبد الرزاق عن معمر في الآية.
xviii ليس منا من لطم الخدود :
رواه البخاري في الجنائز ( ١٢٩٤ ) وأحمد في مسنده ( ٤١٠٠ ) من حديث عبد الله رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ".
Icon