تفسير سورة الممتحنة

أحكام القرآن للكيا الهراسي
تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب أحكام القرآن للكيا الهراسي المعروف بـأحكام القرآن للكيا الهراسي .
لمؤلفه الكيا الهراسي . المتوفي سنة 504 هـ

(بسم الله الرّحمن الرّحيم)

سورة الممتحنة
قوله تعالى: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ)، الآية/ ١.
فيه دلالة على أن خوف الجائحة على المال والولد لا يبيح التقية في دين الله تعالى، وأن العذر الذي أبرزه حاطب بن أبي بلتعه لا أثر له «١».
ويحتمل أن يقال إن ذلك لم يكن إكراما، وإنما كان توددا إليهم، لما كان يأمل من نفع من جهتهم.
قوله تعالى: (لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ)، الآية/ ٨.
فيه دليل على جواز التصدق على أهل الذمة دون أهل الحرب، ووجوب النفقة للأب الكافر الذمي، وأما الحربي فيجب قتله.
قوله تعالى: (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ)، الآية/ ١٠.
كان الشرط في صلح الحديبية أن يرد على المشركين من هاجر إلى المدينة، ممن كان مسلما «٢»، ونزلت سورة الممتحنة عن الصلح فكان من
(١) أنظر تفسير ابن جرير الطبري ج ٢٨ طبعة الحلبي.
(٢) أي من أسلم من أهل مكة بعد الصلح وهاجر الى المدينة.
أسلم من نسائهن تسأل: ما أخرجك؟ فإن كانت خرجت هربا من زوجها ردت عليه، وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت وردت على زوجها ما أنفق عليها.
وقوله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)، الآية/ ١٠، أو بظاهر قولها.
وفيه دليل على ارتفاع النكاح، فإنه تعالى منع ردها إلى زوجها، وأوجب عليها رد ما أنفق عليها.
وفيه تنبيه على أن المنع من الرد لمكان الإسلام، فإنه تعالى قال:
(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)، فلم يجعل الفرقة لاختلاف الدارين على ما قاله أبو حنيفة، وإنما جعل للإسلام.
قوله تعالى: (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ)، الآية/ ١٢.
قال ابن عباس: لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم.
قوله تعالى: (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)، الآية/ ١٢.
هو عموم في جميع طاعات الله تعالى، وقد علم الله تعالى أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بمعروف، إلا أنه شرط في النهي عن عصيانه إذا أمرهن بالمعروف، لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين إذا لم تكن طاعة لله تعالى، إذ شرط في طاعة خير العالمين أن يأمر بالمعروف، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
410
وكذلك لا يجب طاعة أئمة العلم فيما يتعلق بالأغراض المتأولة، ولا يسوغ لمسلم اتباعهم.
وقال عليه الصلاة والسلام: «من اتبع مخلوقا في معصية الخالق سلط الله عليه ذلك المخلوق». وفي لفظ آخر: «عاد حامده من الناس ذاما» «١».
(١) أخرجه الامام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير.
411
Icon