ﰡ
مدنية، وآياتها ثلاث عشرة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ... (١) وكان رسول اللَّه - ﷺ - هادن قريشاً سنة الحديبية، ثم نقضوا العهد، فأراد أن يغزوهم، وكان وقت الفتح الموعود. فقال: اللَّهم أعم عن المشركين شأننا، فكتب حاطب بن أبى بلتعة - وهو رجل من المهاجرين ولم يكن من قريش، بل كان حليفاً لعثمان - رضي الله عنه - وكان قد تخلف عنه أهله وماله - كتاباً إلى أهل مكة يخبرهم بأمر رسول اللَّه - ﷺ - وقصدهم، وأعطاه لعجوز من عُجُز مزينة. وقيل: لسارة مولاة أبي المطلب. فلما توجهت أخبر جبرائيل رسول اللَّه - ﷺ - بشأنها، فأرسل(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً... (٢) إن يظفروا بكم يظهر لكم منهم نتيجة العداوة، من الإضرار بما يمكنهم. (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) بالقتل والشتم.
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ... (٣) قراباتكم، (وَلَا أَوْلَادُكُمْ) الذين توالون الكفار لأجلهم. خطّأهم أولاً في موالاتهم من هو خالص العداوة لهم، ثم في من يوالون لأجله، ثم بين وجه ذلك بقوله: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) يفرق بينكم (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ). فأي فائدة في موالاة أعداء اللَّه لمن لا بقاء ولا نفع في وده. قرأ غير عاصم بضم الياء وكسر الصاد، ويشدده حمزة والكسائي وابن عامر، وهو أبلغ وأوفق بالمقام. (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ومشاهد له.
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ... (٤) الأسوة: اسم لما يؤتسى به، كالقدوة لفظاً ومعنىً. كسر همزته غير عاصم. (إِذْ قَالُوا لقَوْمِهِمْ) ظرف لخبر كان وهو لكم. (إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ) جمع بريء، كظرفاء جمع ظريف. (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
(وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) هذا وإن صح أن يكون من الأسوة لكونه كلاماً حقاً إلا أنه جعله تابعاً للاستغفار؛ مبالغة في تحقيق الوعد. كأنه قال: أبذل جهدي ولو ملكت غير الاستغفار لفعلته. (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) كلام مستأنف. التجاء إلى اللَّه بعد إظهار العداوة والتبرء عنهم في كفاية شرهم. أو تعليم من الله للصحابة بعد النهي عن موالاة الكفار، والأمر بالاقتداء إبراهيم عليه السلام؛ تتميماً للوصية. كقوله: (انْتَهُوا خَيْرًاْ لَكُمْ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا... (٥) محل فتنة بأن تسلطهم علينا فيفسدوا علينا ديننا. (وَاغْفِرْ لَنَا) ما فرط. (رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حقيق بإجابة الدعاء وتحقيق رجاء المتوكلين.
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... (٦) كرره؛ مبالغة في الحث على الايتساء؛ ولهذا أكده بما هو غاية في التوكيد وهو القسم. وأَبْدَلَ عن قوله (لكم) (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)؛ إشارةً إلى أن من توقف ليس بمؤمن بالآخرة، وعقبه بقوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فلا يضره توليه بل ضر نفسه.
(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً... (٧) توكيد للأمر بالتصلّب، وتهوين عليهم بأن ذلك عن قريب سينقلب مودة وسبباً لسعادة أولئك بدخولهم في
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ... (٨) كالنساء والضعفه (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) بدل من (الَّذينَ) بتقدير مضاف أي: مبرة الذين، (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) تعاملوهم بالعدل فيما بينكم من الحقوق (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). روى البخاري ومسلم: " عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: يا رسول اللَّه أَمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟. قال: نعم صلي أمك. وأرسل رسول اللَّه - ﷺ - لعمر حلة من حرير، فكساها أخاً مشركاً له بمكة ".
(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ... (٩) سعى بعضهم في الإخراج، وعاون عليه البعض. (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بدل اشتمال من (الَّذين). (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الكاملون في الظلم. إذ لا عذر له بعد هذا البيان.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ... (١٠) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان الامتحان أن تقول: " لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه "، ثم تقول: باللَّه ما
(ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ) أي: ما ذكر (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) مستأنف أو حال (وَاللَّهُ عَلِيمٌ) بأحوال العباد (حَكِيمٌ) فيما شرع.
(وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ... (١١) راجعة عن الإسلام. كان في صلح الحديبية أن من في هب إليهم لا يردونه. قال رسول اللَّه - ﷺ -. " مَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا سُحْقًا لَهُ "، ولذلك نكر الشيء استهانة بالراجعة. وقيل: لزيادة العموم. (فَعَاقَبْتُمْ) جاءت عقبتكم أي: نوبتكم. (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) عن الزهري أن المؤمنين لما
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا | (١٢) من الأشياء. (وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ) كما كانت الوالدات يفعلن ذلك. |
* * *
تمت سورة الامتحان، وللَّه المنُّ والإحسان، والصلاة على المبعوث من عدنان، وعلى آله وصحبه إلى انصرام الزمان.
* * *