تفسير سورة الإنسان

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بالياء والتاء «١». من قال: يمنى، فهو للمنى، وتُمنى للنطفة. وكلٌّ صوابٌ، قرأه أصحاب عَبْد اللَّه بالتاء. وبعض أهل المدينة [أيضًا] «٢» بالتاء.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠).
تظهر الياءين، وتُكسر الأولى، وتجزم الحاء. وإن كسرت الحاء ونقلت إليها إعراب الياء الأولى التي تليها كَانَ صوابًا، كما قَالَ الشَّاعِر:
وكأنها بين النساءِ سَبيِكةٌ تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتها فتعىّ «٣»
أراد: فتعيا «٤».
ومن سورة الْإِنْسَان
قوله تبارك وتعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (١).
معناه: قَدْ أتى عَلَى الْإِنْسَان حين من الدهر. «وهل» قَدْ «٥» تكون جحدًا، وتكون خبرًا.
فهذا من الخبر لأنك قد تقول: فهل وعظتك؟ فهل أعطيتك؟ تقرره «٦» بأنك قَدْ أعطيته ووعظته.
والجحد أن تَقُولُ: وهل يقدر واحد عَلَى مثل هَذَا؟.
وقوله تبارك وتعالى: لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١).
يريد: كَانَ شيئًا، ولم يكن مذكورًا. وذلك من حين خلقه اللَّه من طين إلى أن نفخ فِيهِ الروح.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ (٢).
(١) قرأ الجمهور: تمنى، وابن محيصن والجحدري وسلام ويعقوب وحفص وأبو عمرو بخلاف عنه بالياء (البحر المحيط ٨/ ٣٩١).
(٢) زيادة من ح، ش.
(٣) انظر الدرر اللوامع: ١: ٣١. السبيكة: القطعة المذوّبة من الذهب أو الفضة.
والسدّة: الفناء، جاء فى البحر المحيط: قال ابن خالويه: لا يجيز أهل البصرة: سيبويه وأصحابه- ادغام: يحيى، قالوا: لسكون الياء الثانية، ولا يعتدون بالفتحة فى الياء، لأنه حركة إعراب غير لازمة.
وأمّا الفراء فاحتج بهذا البيت: تمشى بسدة بيتها فتعىّ، يريد فتعيا (البحر المحيط ٨/ ٣٩١) [.....]
(٤) كذا فى النسخ والأشبه أن تكون فتعى مضارع أعيا، فتكون مطابقة: ليحيى.
(٥) فى ش: وهل تكون.
(٦) كذا فى ش: وفى ب، ح: تقدره، تصحيف.
213
الأمشاج: الأخلاط، ماء الرجل، وماء المرأة، والدم، والعلقة، ويقال للشىء من هذا إذا [١١٧/ ب] خلط: مشيج كقولك: خليط، وممشوج، كقولك: مخلوط.
وقوله: نَبْتَلِيهِ (٢) والمعنى والله أعلم: جعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه، فهذه مقدَّمة معناها التأخير.
إنَّما المعنى: خلقناه وجعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه.
وقوله تبارك وتعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ (٣).
وإلى السبيل، وللسبيل. كل ذَلِكَ جائز فِي كلام العرب. يَقُولُ: هديناه: عرّفناه السبيل، شكر أو كفر، و (إما) هاهنا تكون جزاء، أي: إن شكر وإن كفر، وتكون عَلَى (إما) التي مثل قوله: «إِمَّا «١» يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ «٢» » فكأنه قَالَ: خلقناه شقيًا أَوْ سعيدًا.
وقوله عز وجل: سلاسلا وأغلالا (٤).
كتبت «سَلاسِلَ» بالألف، وأجراها بعض «٣» القراء لمكان الألف التي فِي آخرها. ولم يجر «٤» بعضهم. وقَالَ الَّذِي لم يجر «٥» : العرب تثبت فيما لا يجري الألف فِي النصب، فإذا وصلوا حذفوا الألف، وكلٌّ صواب. ومثل ذَلِكَ قوله: «كانَتْ قَوارِيرَا» (١٥) أثبتت الألف فِي الأولى لأنها رأس آية، والأخرى ليست بآية. فكان «٦» ثباتُ الألف فِي الأولى أقوى لهذه الحجة، وكذلك رأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه، وقرأ بها أهل البصرة، وكتبوها فِي مصاحفهم كذلك. وأهل الكوفة والمدينة يثبتون الألف فيهما جميعًا، وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد في معنًى نصب بكتابين مختلفين. فإن شئت أجريتهما جميعًا، وإن شئت لم تجرهما «٧»، وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف فِي كتاب أهل البصرة. ولم تجر الثانية إذ «٨» لم يكن فيها الألف.
وقوله عزَّ وجلَّ: يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥).
(١) فى ش: وإما، تحريف.
(٢) التوبة، الآية ١٠٦.
(٣) منهم نافع والكسائي، كما فى الإتحاف.
(٤) هم غير نافع والكسائي ومن وافقهما.
(٥) فى ش: لم يجر تحريف.
(٦) فى ش: فكأن، تصحيف.
(٧) فى ش: لم يجرهما، تصحيف.
(٨) كذا فى ش: وفى ب، ح: إذا، وإذا أثبت.
214
يُقال: إنها عين تسمى الكافور، وَقَدْ تكون «١» كَانَ مزاجها كالكافور لطيب ريحه، فلا تكون حينئذ اسما، والعرب [١١٨/ ا] تجعل النصب فِي أي هذين الحرفين أحبوا. قَالَ حسان:
كأنَّ خبيئَةً من بيت رأْسٍ يكونُ مِزاجُها عَسلٌ وماءٌ «٢»
وهو أبين فِي المعنى: أن تجعل الفعل فِي المزاج، وإن كَانَ معرفة، وكل صواب. تَقُولُ: كَانَ سيدَهم أبوك، وكان سيدُهم أباك. والوجه أن تَقُولُ: كَانَ سيدَهم أبوك لأن الأب اسم ثابت والسيد صفة من الصفات.
وقوله عزَّ وجلَّ: عَيْناً (٦).
إن شئت جعلتها تابعة للكافور كالمفسَّرة، وإن شئت نصبتها عَلَى القطع من الهاء فِي «مِزاجُها».
وقوله عز وجل: يَشْرَبُ بِها (٦)، و «يشربها».
سواء فِي المعنى، وكأن يشرب بها: يَروَى بها. وينقَع. وأمَّا يشربونها فبّين، وَقَدْ أنشدني بعضهم «٣» :
شَرِبْنَ بِمَاءِ البحرِ ثُمَّ تَرَفَّعتْ مَتى لُججٍ خَضْرٍ لَهُنَّ نئيجُ
ومثله: إنه ليتكلم بكلام حسن، ويتكلم كلامًا حسنًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦).
أيها أحب الرجل من أهل الجنة فجرها لنفسه.
وقوله عز وجل: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (٧).
(١) فى ش: يكون.
(٢) الخبيئة: المصونة، المضنون بها لنفاستها. وبيت رأس: موضع بالأردن مشهور بالخمر.
ويروى البيت: كان سبيئة، وهى كذلك فى ديوانه؟ والسبيئة: الخمر، سميت بذلك. لأنها تستبأ أي: تشترى لتشرب، ولا يقال ذلك إلّا فى الخمر. انظر الكتاب. ١: ٢٣، والمحتسب: ١: ٢٧٩.
(٣) لأبى ذؤيب الهذلي يصف السحابات. والباء فى بماء بمعنى من، ومتى: معناها «فى» فى لغة هذيل. ونئيج أي سريع مع صوت. ديوان الشاعر: ٥١، و (تفسير القرطبي: ١٩/ ١٢٤). [.....]
215
هَذِهِ من صفاتهم فِي الدنيا، كأن فيها إضمار كَانَ: كانوا يوفون بالنذر.
وقوله عزَّ وجل: وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧).
ممتد البلاء، والعرب تَقُولُ: استطار الصدع فِي القارورة وشبهها، واستطال.
وقوله عزَّ وجلَّ: عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠).
والقمطرير: الشديد، يُقال: يوم قمطرير، ويوم قماطر، أنشدني بعضهم:
بَنِي عمِّنا، هَلْ تذكُرونَ بَلاءنا علَيكُمْ إِذَا ما كَانَ يومٌ قُمَاطِرُ «١»
وقوله عز وجل: مُتَّكِئِينَ فِيها (١٣).
منصوبة كالقطع. وإن شئت جعلته تابعًا للجنة، كأنك قلت: جزاؤهم جنة متكئين فيها.
وقوله عز وجل ذكره: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها (١٤).
يكون نصبًا عَلَى ذَلِكَ: جزاؤهم جنة متكئين فيها، ودانيةً ظلالها. وإن شئت جعلت: الدانية تابعة للمتكئين عَلَى سبيل القطع الَّذِي قَدْ يكون رفعا على [١١٨/ ب] الاستئناف. فيجوز مثل قوله:
«وَهذا بَعْلِي شَيْخاً» «٢» «وشيخٌ»، وهي فِي قراءة أبي: «ودانٍ عليهم ظلالها» فهذا مستأنف فِي موضع رفع، وفي قراءة عبد الله: «ودانيا عليهم ظلالها» «٣»، وتذكير الداني وتأنيثه كقوله:
«خاشعا أبصارهم» «٤» فى موضع، وفى موضع «خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ» «٥». وَقَدْ تكون الدانيةُ منصوبة عَلَى مثل قول العرب: عند فلان جاريةٌ جميلةٌ، وشابةً بعد طريةً، يعترضون بالمدح اعتراضًا، فلا ينوون بِهِ النسق عَلَى ما قبله، وكأنهم يضمرون مَعَ هَذِهِ الواو فعلا تكون بِهِ النصب فِي إحدى القراءتين: «وحورًا عينًا» «٦». أنشدني بعضهم:
ويأوي إلى نسوة عاطلاتٍ وشُعثا مراضيعَ مثل السعاليِ «٧»
(١) (البيت فى تفسير الطبري: ٢٩/ ٢١١، والقرطبي: ١٩/ ١٣٣)
(٢) سورة هود، الآية ٧٢.
(٣) وهى أيضا قراءة الأعمش، وهو كقوله: خاشعا أبصارهم (البحر المحيط ٨/ ٣٩٦)
(٤) سورة القمر: ٧، و (خاشعا) قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائي ومن وافقهم، والباقون يقرءونها (خشّعا) الإتحاف ٢٥٠.
(٥) سورة القلم، الآية: ٤٣.
(٦) فى قراءة أبى، وعبد الله أي: يزوجون حورا عينا (المحتسب، ٢/ ٣٠٩ والبحر المحيط ٨/ ٢٠٦)
(٧) البيت لأمية بن عائذ الهذلي، ويروى:
له نسوة عاطلات الصدو عوج مراضيع مثل السّعالى
ورواية اللسان: ويأوى إلى نسوة عطّل. والسعالى: جمع سعلاة، وهى: الغول أو سحرة الجن، تشبه بها المرأة لقبحها، ديوان الهذليين: ٢: ١٨٤.
216
بالنصب يعني: وشعثا، والخفض أكثر.
وقوله عزَّ وجل: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (١٤).
يجتني أهل الجنة الثمرة قيامًا وقعودًا، وعلى «١» كل حال لا كلفة فيها.
وقوله عزَّ وجل: كانَتْ قَوارِيرَا (١٥).
يَقُولُ: كانت كصفاء القوارير، وبياض الفضة، فاجتمع فيها صفاء القوارير، وبياض الفضة.
وقوله عزَّ وجل: قَدَّرُوها (١٦).
قدروا الكأس عَلَى رِي أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه، وهو ألذ الشراب.
وَقَدْ رَوى بعضهم عَنِ الشَّعْبِيّ: (قَدِّروها تَقْدِيرًا) «٢». والمعنى واحد، والله أعلم، قدّرت لهم، وقدروا لها سواء.
وقوله: كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا (١٧).
إنَّما تسمى الكأس إِذَا كَانَ فيها الشراب، فإذا لم يكن فيها الخمر لم يقع عليها اسم الكأس.
وسمعت بعض العرب يَقُولُ للطبق الَّذِي يُهدى عَلَيْهِ الهدية: هُوَ المِهْدَى، ما دامت عليه الهدية، فإذا كان [١١٩/ ا] فارغًا رجع إلى اسمه إن كَانَ طبقًا أَوْ خوانًا، أَوْ غير ذَلِكَ.
وقوله عزَّ وجل: زَنْجَبِيلًا (١٧) عَيْناً (١٨).
ذكر أن الزنجبيل هُوَ العين، وأن الزنجبيل اسم لها، وفيها من التفسير ما فِي الكافور.
وقوله عز وجل: تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (١٨).
ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكر أَنَّهُ صفة للماء لسلسلته وعذوبته، ونرى أَنَّهُ لو كَانَ اسمًا للعين لكان ترك الإجراء فِيهِ أكثر، ولم نر أحدا من القراء ترك إجراءها وهو جائز فِي العربية، كما كَانَ في قراءة عبد الله: «ولا تذرن ودا ولا سُوَاعًا ولا يَغُوثًا ويَعُوقًا «٣» » بالألف. وكما قال:
(١) فى ش: على.
(٢) وهى قراءة عبيد بن عمير، وابن سيرين (تفسير القرطبي: ١٩/ ١٤١)، وكذلك، على وابن عباس والسلمى، وقتادة، وزيد بن على، والجحدري، وأبو حيوة، والأصمعى عن أبى عمرو (البحر المحيط ٨/ ٣٩٧).
(٣) سورة نوح، الآية: ٢٣.
217
«سلاسلا»، و «قواريرا» بالألف، فأجروا ما لا يجرى، وليس بخطأ، لأن العرب تجرى ما لا يجرى فِي الشعر، فلو كَانَ خطأ ما أدخلوه فِي أشعارهم، قَالَ متمم بْن نويرة:
فما وجد أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ رأين مَجَرًّا من حُوارٍ ومصْرعًا «١»
فأجرى روائم، وهي مما لا يجرى «٢» فيما لا أحصيه فِي أشعارهم.
وقوله عز وجل: مُخَلَّدُونَ (١٩).
يَقُولُ: محلّون مُسَورون، وَيُقَال: مُقَرطون، وَيُقَال: مخلدون دائم شبابهم لا يتغيرون عنْ تلك السن، وهو أشبهها بالصواب- والله أعلم- وذلك أن العرب إِذَا كبر الرجل، وثبت سواد شعره قيل: إنه لمخلد، وكذلك يُقال إِذَا كبر ونبتت لَهُ أسنانه وأضراسه قيل: إنه لمخلد ثابت الحال.
كذلك الوُلدانُ ثابتة أسنانهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً (٢٠).
يقال «٣» : إذا رأيت ما ثمّ رأيت نعيما، وصلح إضمار (ما) كما قيل: «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «٤» ». والمعنى: ما بينكم، والله أعلم. وَيُقَال: إذا رأيت [١١٩/ ب] ثُمَّ، يريد: إِذَا نظرت، ثُمَّ إِذَا رميت ببصرك هناك رَأَيْت نعيمًا.
وقوله عزَّ وجلَّ: عالِيَهُمْ «٥» ثِيابُ سُندُسٍ (٢١).
نصبها أَبُو عَبْد الرَّحْمَن وعاصم والحسن الْبَصْرِيّ، جعلوها كالصفة فوقهم «٦». والعرب تقول:
(١) فى ب: من خوار، تصحيف.
ورواية البيت فى المفضليات:
وما وجد أظآر ثلاث روائم... أصبن مجرا من...
إلخ والأظآر: جمع ظئر، وهى العاطفة على غير ولدها المرضعة له من الناس والإبل، والروائم: جمع رائم، وهن المحبات اللائي يعطفن على الرضيع. الحوار: ولد الناقة، المجر والمصرع: مصدران من: الجر والصرع، انظر اللسان، مادة ظأر و (المفضليات ٢/ ٧٠).
(٢) فى ش: مما يجرى، سقط.
(٣) فى ش: فقال.
(٤) سورة الأنعام: الآية ٩٤. [.....]
(٥) فى ش: عليم، خطأ.
(٦) عبارة القرطبي: قال الفراء: هو كقولهم فوقهم، والعرب تقول: قومك داخل الدار على الظرف لأنه محل (القرطبي ١٩/ ١٤٦).
218
قومك داخل الدار، فينصبون داخل الدار «١» لأنَّه مَحَل، فعاليهم من ذَلِكَ. وَقَدْ قَرَأَ أهل الحجاز وحمزة: «عالِيَهُمْ» بإرسال الياء، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «عاليتُهم ثيابُ سُنْدُسٍ» بالتاء. وهي حجةٌ لمن أرسل اليَاءَ وسكنها. وَقَدِ اختلف القراء فِي: الخضر والسندس، فخفضهما يَحيى بن وثاب أراد أن يجعل الخضر من صفة السندس ويكسر «٢» على الإستبرق ثياب سندس، وثياب إستبرق، وقد «٣» رفع الْحَسَن الحرفين جميعًا «٤». فجعل الخضر من صفة الثياب، ورفع الاستبرق بالرد عَلَى الثياب، ورفع بعضهم الخضر، وخفض الاستبرق «٥» ورفع [الاستبرق] «٦» وخفض الخضر «٧»، وكل ذَلِكَ صواب. والله محمود.
وقوله عز وجل: شَراباً طَهُوراً (٢١).
يَقُولُ: طهور ليس بنجس كما كَانَ «٨» فِي الدنيا مذكورًا «٩» بالنجاسة.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤).
(و) هاهنا بمنزلة (لا)، وأو فى الجحد والاستفهام والجزاء تكون فِي معنى (لا) فهذا من ذَلِكَ.
وقَالَ الشَّاعِر «١٠» :
لا وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجِدْتُ وَلا وَجْدُ عَجُولٍ أَضَلَّهَا رُبَعُ
أَوْ وَجْدُ شيخٍ أصَلَّ ناقتَهُ يَوْمَ توافَى الحجيجُ فاندفعُوا
(١) ساقطة فى ش، وكتبت كلمة الدار بين الأسطر فى ب.
(٢) سقط فى ش.
(٣) سقط فى ش وكتبت بين الأسطر فى ب.
(٤) وهى قراءة نافع وحفص (تفسير القرطبي ١٩/ ١٤٦).
(٥) قراءة ابن عامر، وأبى عمرو ويعقوب «خضر رفعا نعت للثياب، وإستبرق بالخفض نعت للسندس، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه، لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهى مرفوعة وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس، والمعنى: عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق أي من هذين النوعين (تفسير القرطبي ١٩/ ١٤٦).
(٦) سقط فى ش.
(٧) وهى قراءة ابن محيصن، وابن كثير، وأبى بكر عن عاصم: خضر بالجر على نعت السندس، وإستبرق بالرفع نسقا على الثياب، ومعناه: عاليهم ثياب سندس، وإستبرق. (تفسير القرطبي ١٩/ ١٤٦).
(٨) فى ب كانت، تحريف.
(٩) فى ش مذكورة تحريف.
(١٠) هو مالك بن عمرو (انظر الكامل للمبرد: ٢/ ٨٦) والعجول من النساء والإبل: الواله التي فقدت ولدها. سميت بذلك لعجلتها فى جيئتها وذهابها جزعا. وهى هنا الناقة.
والربع كمضر: الفصيل ينتج فى الربيع.
[أراد: ولا وجد شيخ] «١» وَقَدْ يكون فِي العربية: لا تطيعن منهم من أثم أَوْ كفر.
فيكون المعنى فى (أو) قريبا من معنى (الواو). كقولك للرجل: لأعطينك سَألت، أَوْ سكتَّ.
معناه: لأعطينك عَلَى كل حال.
وقوله [١٢٠/ ا] عز وجل: وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ (٢٨).
والأسر الخَلْق. تَقُولُ: لقد»
أُسِر هَذَا الرجل أحسنُ الأسر، كقولك: خُلِقَ «٣» أحْسَن الخَلْق.
وقوله عز وجل: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ (٢٩).
يَقُولُ: هَذِهِ السُّورة تذكرة وعظة. «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» (٢٩) وِجهة وطريقًا إلى الخير.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَما تَشاؤُنَ (٣٠).
جواب لقوله: «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا».
ثُمَّ أخبرهم أن الأمر ليس إليهم، فَقَالَ: (وما «٤» تشاءون) ذلك السبيل (إلا أن يشاء الله) لكم، وفي قراءة عَبْد الله (وَمَا تَشَاءُونَ إلا أن «٥» يشاء الله) والمعنى «٦» فِي (ما) و (أن) متقارب.
وقوله عز وجل: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ (٣١).
نصبت الظالمين «٧» لأن الواو فى لها تصير كالظرف لأعدّ. ولو كانت رفعًا كَانَ صوابا، كما قال: «وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ «٨» » بغير همز «٩»، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:
(١) سقط فى ش.
(٢) فى ش: تقول: أسر. [.....]
(٣) سقط فى ش.
(٤) فى ش: فما، تحريف.
(٥) كذا فى ش: وفى ب، ح إلا ما، تحريف.
(٦) كذا فى ش، وفى ب، ح: المعنى.
(٧) والظالمين: منصوب بفعل محذوف تقديره: ويعذب الظالمين، وفسره الفعل المذكور، وكان النصب أحسن، لأن المعطوف عليه قد عمل فيه الفعل (إعراب القرآن ١٤٧)
(٨) سورة الشعراء، الآية: ٢٢٤.
(٩) بغير همز: أى قيل (والشعراء) على الاستفهام.
Icon