تفسير سورة سورة يونس من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة يونس قيل مكية إلا ثلاث آيات من قوله ﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ﴾ وهي مائة وتسع آيات، وأحد عشر ركوعا.
ﰡ
﴿ الر ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنهما، أي : أنا الله أرى١، ﴿ تلك ﴾ إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآي، ﴿ آيات الكتاب ﴾ القرآن، ﴿ الحكيم ﴾ المحكم الذي لم ينسخ، أو الحاكم بين الناس أو ذوي الحكم.
١ فال الحسن وعكرمة: "الر" قسم، وقال قتادة: "الر" اسم للسور وقيل غير ذلك، ولا يخفى عليك أن هذا كله قول بالظن وتفسير بالحدس ولا حجة في شيء من ذلك والحق أن أوائل مثل هذه السورة مما استأثر الله بعلمه وهو المنقول عن الخلفاء الأربعة وغيرهم والله أعلم بمراده به وهو سره في كتابه العزيز..
﴿ أكان للناس ﴾ استفهام لإنكار تعجب الكفار ﴿ عجبا ﴾ خبر كان، ﴿ أن أوحينا ﴾ اسم كان، ﴿ إلى رجل منهم ﴾ نزلت حين قال قريش : الله أعظم أن يكون رسوله بشرا مثل محمد يعني ممن لم يكن له رياسة ومال وما يعدونه من أسباب الجلال، ﴿ أن أنذر الناس ﴾، أن مفسرة، ﴿ وبشر الذين آمنوا أن ﴾ أي : بأن، ﴿ لهم قدم صدق١ عند ربهم ﴾، أي : سابقة و أثرة حسنة أجرا حسنا بما قدموا أو سبقت لهم السعادة في الذكر الأول وذكر الصدق إشارة إلى أن نيل تلك الرفعة بسبب الصدق، ﴿ قال الكافرون إن هذا ﴾ أي : الكتاب، ﴿ لساحر٢ مبين ﴾.
١ في البخاري في كتاب التفسير قال زيد بن أسلم: أن لهم قدم صدق محمد صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد: خير.[صحيح البخاري (٨/١٩٦ - فتح)]..
٢ قرأ نافع وأهل البصرة والشام السحر بغير ألف يعنون القرآن وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة لساحر بالألف يعنون محمد صلى الله عليه وسلم/ معالم..
٢ قرأ نافع وأهل البصرة والشام السحر بغير ألف يعنون القرآن وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة لساحر بالألف يعنون محمد صلى الله عليه وسلم/ معالم..
﴿ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ﴾ كهذه الأيام أو كل يوم كألف سنة، ﴿ ثم استوى١ على العرش ﴾، الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة، ﴿ يدبر الأمر ﴾ : يقدر أمر الكائنات على مقتضى حكمته، ﴿ ما من شفيع إلا من بعد إذنه٢ ﴾رد على المشركين أن آلهتهم شفعاء لهم، ﴿ ذلكم الله ﴾ أي : الموصوف بتلك الصفات العظيمة، ﴿ ربكم ﴾ لا غير، ﴿ فاعبدوه ﴾ وحده، ﴿ أفلا تذكرون ﴾ في أمركم أيها المشركون.
١ قال البخاري في صحيحه في كتاب الرد على الجهمية قال أبو العالية: استوى على السماء ارتفع، وقال مجاهد: استوى على العرش علا على العرش وقعت هذه العبارة في النسخة المطبوعة الأحمدي، وقال محي السنة في معالم التنزيل: قال الكلبي ومقاتل: استقر، وقال أبو عبيدة: صعد، وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، فأما أهل السنة يقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به وبكل العلم فيه إلى الله عز وجل، وقال أيضا في سورة البقرة تحت قوله تعالى: "ثم استوى السماء" (البقرة: ٢٩)، قال ابن عباس، وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء ونقل الحافظ الذهبي في كتاب العلو عن إسحاق بن راهويه أنه قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: "الرحمن على العرش استوى"، أي: ارتفع ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه قال: "ثم استوى على العرش الرحمن" (طه: ٥)، أي: علا وارتفع، قال الشيخ سلام الله بن الشيخ عبد الحق الدهلوي في حاشية على الجلالين المعروف بالكمالين عن أم سلمة والإمام جعفر الصادق والحسن وأبي حنيفة ومالك أن الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وروى البيهقي عن أبي حنيفة أن الله في السماء دون الأرض وعنه قال: من أنكر الله في السماء فقد كفر، وقال الشافعي إن الله على عرشه في سماءه يقرب من خلقه كيف شاء، ونزل كيف شاء، وثل ذلك قال أحمد، وقال إسحاق: إنه أجمع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء وهو قول المزني والبخاري وأبي داود والترمذي وابن ماجه وأبي يعلى والبيهقي وغيرهم من أئمة الحديث، وقال إبراهيم: من الحلية طريقنا طريق السلف المتبعين لكتاب الله والإجماع ومما اعتقدوه أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته إلى أن قال: إن الأحاديث التي يثبت في العرش والاستواء عليه يقولون بها و يثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل وأنه بائن من خلقه انتهى ما في الكمالين بلفظه، وقال شيخ الإسلام صفوة العارفين أبو محمد عبد القادر الجيلاني في كتاب الغنيمة الموجود بأيدي الناس: أما معرفة الصانع أن تعرف وتوقن أن الله واحد أحد إلى أن قال: وهو بجهة العلو مستوي على العرش محيط علمه بالأشياء "إليه يصعد الكلم الطيب" (فاطر: ١٠)، "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه" الآية (السجدة: ٥)، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش كما قال: ﴿الرحمن على العرش استوي﴾ (طه: ٥)، وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل وأنه استواء الذات على العرش و كونه سبحانه و تعالى على العرش – مذكور في كل كتاب أنزل على نبي أرسل- بلا كيف وذكر كلاما طولا اختصرته من شاء الاطلاع على تمامه فيرجع إلى كتابه المذكور المطبوع المتداول بين الناس والله يقول الحق وهو يهدي السبيل..
٢ تقرير لعظمته وعز جلاله ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن/ بيضاوي..
٢ تقرير لعظمته وعز جلاله ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن/ بيضاوي..
﴿ إليه ﴾ لا إلى غيره، ﴿ مرجعكم جميعا ﴾ بالموت، ﴿ وعد الله ﴾ مصدر مؤكد لنفسه، ﴿ حقا ﴾ مصدر مؤكد لغيره، ﴿ إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ بعد إهلاكه، ﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ﴾ بعدله لا ينقص من ثوابهم وفضل الله يؤتيه من يشاء وقيل : المراد عدلهم أي إيمانهم فإن الشرك لظلم عظيم، ﴿ والذين كفروا لهم شراب من حميم ﴾ ماء حار انتهى حره، ﴿ وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ﴾ بسبب كفرهم وحاصله ليجزي الذين كفروا بشراب لكن غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعذاب، وللإشارة إلى أن المقصود بالذات من الإعادة هو الإثابة، وأما عقاب الكفرة فشيء ساقه إليهم شؤم أعمالهم وهذا أيضا عدل خصص المؤمنين بذكره لمزيد عناية وبشارة.
﴿ هو الذي جعل الشمس ضياء ﴾ ذات ضياء، ﴿ والقمر نورا ﴾ أي١ : ذا نور قيل : ما بالذات ضوء وما بالعرض نور، ﴿ وقدره ﴾، أي : مسير القمر٢، ﴿ منازل ﴾ أو قدر القمر ذا منازل٣، ﴿ لتعلموا عدد السنين والحساب ﴾ حساب الشهور والأيام، ﴿ ما خلق الله ذلك ﴾ أي : المذكور، ﴿ إلا ﴾ متلبسا، ﴿ بالحق ﴾ فيه الصنائع والحكم، ﴿ يفصل الآيات لقوم يعلمون ﴾ فإنهم المنتفعون بالتدبر.
١ الضياء أقوى من النور بحكم الوضع والاستعمال ولذا ينسب الضياء إلى الشمس والنور إلى القمر/منه..
٢ فإن المعتبر في الشرع السنة القمرية والشهر القمري/منه..
٣ يعني لابد من تقدير المضاف؛ لأن القمر ليس منازل ثم الظاهر أن المراد بها البروج لا المنازل إذ بها وبقطعها عدد السنين والحساب/منه..
٢ فإن المعتبر في الشرع السنة القمرية والشهر القمري/منه..
٣ يعني لابد من تقدير المضاف؛ لأن القمر ليس منازل ثم الظاهر أن المراد بها البروج لا المنازل إذ بها وبقطعها عدد السنين والحساب/منه..
﴿ إن في اختلاف ١ الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ﴾ العواقب فإنهم يحملهم على التدبر.
١ اعلم أن أنه تعالى استدل على التوحيد أولا: بتخليق السماوات والأرض وثانيا: بأحوال الشمس والقمر وثالثا: في هذه الآية بالمنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار ورابعا: بكل ما خلق الله في السماوات والأرض /كبير..
﴿ إن ١ الذين لا يرجون ﴾ لا يتوقعون، ﴿ لقاءنا ﴾ لأنهم ينكرون البعث، ﴿ ورضوا بالحياة الدنيا ﴾ من الآخرة، ﴿ واطمأنوا بها ﴾ قصروا هممهم على زخارفها، ﴿ والذين هم عن آياتنا ﴾ الكونية والشرعية، ﴿ غافلون ﴾ فلا يتفكرون فيها ولا يأتمرون بها.
١ ولما قام الدلائل القاهرة على صحة القول بإثبات الإله الرحيم الحكيم وعلى صحة القول بالمعاد والحشر والنشر شرع في شرح أحوال من يكفر بها ومن يؤمن بها فقال: "إن الذين لا يرجون" الآية /كبير..
﴿ أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ﴾، من المعاصي.
﴿ إن١ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم٢ ﴾، بسبب إيمانهم إلى الصراط حتى يصلوا إلى الجنة بالسلامة، ﴿ تجري من تحتهم الأنهار ﴾ استئناف أو خبر ثان، ﴿ في جنات النعيم ﴾ متعلق بتجري أو حال من الأنهار.
١ لما بين أحوال المنكرين شرع في أحوال المؤمنين فقال: "إن الذين آمنوا" الآية..
٢ قيل: علم من هذا أن المراد من الإيمان المقيد بالعمل الصالح لا مطلق الإيمان ليكون ذكر العمل الصالح مستدركا قلنا إن سلمنا لا يلزم أن من لا يكون مهتديا إلى الجنة لا يدخل الجنة قط ومنع ذلك غاية المكابرة /منه..
٢ قيل: علم من هذا أن المراد من الإيمان المقيد بالعمل الصالح لا مطلق الإيمان ليكون ذكر العمل الصالح مستدركا قلنا إن سلمنا لا يلزم أن من لا يكون مهتديا إلى الجنة لا يدخل الجنة قط ومنع ذلك غاية المكابرة /منه..
﴿ دعواهم ﴾ أي : دعاؤهم، ﴿ فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن ﴾ مخففة من المثقلة، ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ عن كثير١ من السلف أن أهل الجنة كلما اشتهوا شيئا قالوا : سبحانك اللهم فيأتيهم الملك بما يشتهون فيسلم عليهم فيردون عليه، وذلك تحيتهم فإن أكلوا حمدوا الله وذلك و ذلك قوله وآخر دعواهم.
١ ومثل هذا الخبر عن السلف لا يكون إلا مرفوعا/وجيز..
﴿ ولو١ يعجل الله للناس الشر استعجالهم ﴾ تعجيل الله تعالى لهم٢، ﴿ بالخير ﴾ حاصله لو يستجيب دعاءهم بالشر عند الغضب لأهلهم وأولادهم وأموالهم كما يستجيب دعائهم بالخير، ﴿ لقضي إليهم أجلهم ﴾، لأميتوا وأهلكوا لكن بفضله يستجيب دعائهم في الخير سريعا لا في الشر قال بعضهم : نزلت حين قالوا :" اللهم إن كان هذا هو الحق " الآية ( الأنفال : ٣٢ )، ﴿ فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ﴾ لا يخافون البعث، ﴿ في طغيانهم يعمهون ﴾ تقديره لا نعجلهم و لا نقضي فنذرهم إمهالا واستدراجا.
١ ولما ذكر أنه تعالى بنى الأمور على التدبير لا على التعجيل فإن الثاني من الله والعجلة من الشيطان وهو على كل حال متفضل على المؤمنين في دنياهم ودينهم بين أن عدم استجابة دعاؤهم في بعض الأحيان من جملة التفضيل والتدبير فقل: "لو يعجل الله" الآية/وجيز..
٢ إشارة إلى أن الاستعجال بمعنى التعجيل صفة مصدر محذوف، أي تعجيلا مثل تعجيلهم بالخير كضربت ضرب الأمير/منه..
٢ إشارة إلى أن الاستعجال بمعنى التعجيل صفة مصدر محذوف، أي تعجيلا مثل تعجيلهم بالخير كضربت ضرب الأمير/منه..
﴿ وإذا مس١ الإنسان الضر ﴾ المرض والشدة، ﴿ دعانا ﴾ لإزالته ملقيا، ﴿ لجنبه ﴾ أي : مضطجعا، ﴿ أو قاعدا أو قائما ﴾، أي : في جميع حالاته فإن الإنسان لا يهلوا عن إحدى هذه الثلاثة، ﴿ فلما كشفنا عنه ضره مر ﴾ مضى واستمر على طريقته قبل الضر ونسي، ﴿ كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ﴾ أي : كأنه لم يطلب منا كشف ضره فحذف ضمير الشأن وخفف، ﴿ كذلك ﴾ مثل ذلك التزيين، ﴿ زين للمسرفين ما كانوا يعملون ﴾ من الانهماك في الملذات والإعراض عن الطاعات.
١ ولما أخبر أن الله لا يعجلهم بالضر وإن استعجلوا فاللائق بحالهم الصبر في البلاء والشكر في النعماء فذكر أنهم على خلاف ذلك فقال: "وإذا مس الإنسان" الآية/وجيز..
﴿ ولقد١ أهلكنا القرون من قبلكم ﴾ يا أهل مكة، ﴿ لما ظلموا ﴾ بتكذيب رسلهم، ﴿ وجاءتهم رسلهم بالبينات ﴾ الحجج الدالة على صدقهم عطف على ظلموا أو حال بإضمار قد، ﴿ وما كانوا ليؤمنوا ﴾ لأن الله طبع على قلوبهم جزاء على كفرهم، ﴿ كذلك ﴾ مثل ذلك الجزاء وهو الإهلاك بأفضح وجه، ﴿ نجزي القوم المجرمين ﴾، أي : كل مجرم فاحذروا يا أهل مكة.
١ ولما كان الإمهال لا يستلزم الإهمال أيقظ المعاصرين المسرفين عن رقدة الغفلة بالتأمل في حال نظائرهم فقال: "ولقد أهلكنه" الآية/وجيز..
﴿ ثم جعلناكم خلائف في الأرض ﴾ استخلفناكم فيها، ﴿ من بعدهم لننظر كيف تعملون ﴾ فنعاملكم على مقتضى أعمالكم وكيف حال عن ضمير تعملون.
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ﴾ أي : المشركون، ﴿ ائت بقرآن غير هذا ﴾ أي : جيء من عند ربك بكتاب آخر ليس فيه عيب آلهتنا، ﴿ أو بدله ﴾ أنت من عند نفسك بأن تأتي بآية أخرى مكان آية فيها ما نكرهه، ﴿ قل ما يكون ﴾ ما يصح، ﴿ لي أن أبدله من تلقاء نفسي ﴾ من قبل نفسي، ﴿ إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾ يعني التبديل من قبل نفسي لا يمكنني ومن جهة الوحي موقوف على الوحي لا دخل لي فيه إنما علي إتباعه، ﴿ إني أخاف إن عصيت ربي ﴾ بالتبديل، ﴿ عذاب يوم عظيم ﴾ لما علم من جواب التبديل جواب الإتيان بقرآن آخر اكتفى به عنه.
﴿ قل لو شاء الله ﴾ أن لا أتلوا، ﴿ ما تلوته عليكم ﴾ أي : تلاوته من مشيئة الله تعالى وإرادته فإني رجل أمي تعرفوني، ﴿ ولا أدراكم به ﴾ ولا أعلمكم الله به على لساني ومن قرأ لأدراكم بلام جواب " لو " فإنه عطف على جواب " لو " لا لام الابتداء١ فمعناه لو شاء الله ما تلوه عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري لكنه خصني بهذه المزية ورني أهلا لها دون غيري، ﴿ فقد لبثت فيكم عمرا ﴾ مقدارا أربعين سنة، ﴿ من قبله ﴾ أي : من قبل القرآن لا أتلوه ولا أعمله، ﴿ أفلا تعقلون٢ ﴾ إنه لا يكون من قبلي فإني نشأت بين ظهرانيكم وما مارست علما وما شاهدت علما.
١ رد على الزمخشرى فإن لام الابتداء لا يدخل على الماضي/منه..
٢ يعني إن مثل هذا الكتاب العظيم إذا جاء على يد من لم يتعلم ولم يتتلمذ ولم يطالع كتابا ولم يمارس مجادلة يعلم بالضرورة أنه لا يكون إلا على سبيل الوحي والترتيل وإنكار العلوم الضرورية يقدح في صحة العقل فلذلك قال: ﴿أفلا تعقلون﴾ /١٢ كبير..
٢ يعني إن مثل هذا الكتاب العظيم إذا جاء على يد من لم يتعلم ولم يتتلمذ ولم يطالع كتابا ولم يمارس مجادلة يعلم بالضرورة أنه لا يكون إلا على سبيل الوحي والترتيل وإنكار العلوم الضرورية يقدح في صحة العقل فلذلك قال: ﴿أفلا تعقلون﴾ /١٢ كبير..
﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ﴾ بأن يقول : إنه من عند الله وما هو من عنده، ﴿ أو كذب بآياته ﴾ برسوله و قرآنه ومن تأمل في أمري يظهر له صدقي فلا أحد أظلم منكم، ﴿ إنه لا يفلح المجرمون ﴾.
﴿ ويعبدون١ من دون ما لا يضرهم٢ ولا ينفعهم ﴾ لأنه لا يقدر على ضر ولا نفع فإنه جماد، ﴿ ويقولون هؤلاء ﴾ الأوثان ﴿ شفعاؤنا٣ عند الله ﴾ في أمور دنيانا أو في الآخرة إن يكن بعث، ﴿ قل أتنبئون الله ﴾، تخبرونه، ﴿ بما لا يعلم ﴾، وهو أن له شريكا وأن هؤلاء شفعاء عنده وما لا يعلمه العلم بكل شيء لم يكن له ثبوت بوجه، ﴿ في السماوات ولا في الأرض ﴾، حال من ضمير مقدر في يعلم يرجع إلى ما تأكد لنفيه إذ العرف جار٤ بأن يقال عند تأكيد النفي ليس هذا في السماء ولا في الأرض، ﴿ سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾، ما مصدرية أو موصولة.
١ و لما تكلموا بما يجل على جنونهم قال: "أفلا تعقلون"، ثم أثبت لهم ما هو صريح في جنوبهم وما هو إلا من نحو أفعال المجانين فقال: "ويعبدون من دون الله" الآية /وجيز..
٢ واعلم أن العبادة أعظم أنواع الشكر فهي لا تليق إلا بنت صدر عنه أعظم الإنعام وذلك ليس إلا الحياة والعقل والقدرة ومصالح المعاش والمعاد، فإذا كان المنافع والمضار كلها من الله سبحانه وتعالى وجب أن لا تليق العبادة إلا بالله سبحانه/كبير.
.
٣ قال الإمام الرازي: اختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنام أنها شفعاؤنا عند الله وذكر فيه أقوالا إلى أن قال: ورابعها أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا أعظموا قبورهم فإنهم يلونون شفعاء لهم عند الله انتهى ما في التفسير الكبير بلفظه، وقال الشوكاني في نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار: اعتقاد الجهلة لها أي: للقبور كاعتقاد الكفار للأصنام، وأعظم من ذلك وظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصد الطلب قضاء الحوائج وملجأ لإنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون..
٤ لاعتقاد العامة أن كل ما يوجد فهو إما في السماء وإما في الأرض/منه..
٢ واعلم أن العبادة أعظم أنواع الشكر فهي لا تليق إلا بنت صدر عنه أعظم الإنعام وذلك ليس إلا الحياة والعقل والقدرة ومصالح المعاش والمعاد، فإذا كان المنافع والمضار كلها من الله سبحانه وتعالى وجب أن لا تليق العبادة إلا بالله سبحانه/كبير.
.
٣ قال الإمام الرازي: اختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنام أنها شفعاؤنا عند الله وذكر فيه أقوالا إلى أن قال: ورابعها أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا أعظموا قبورهم فإنهم يلونون شفعاء لهم عند الله انتهى ما في التفسير الكبير بلفظه، وقال الشوكاني في نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار: اعتقاد الجهلة لها أي: للقبور كاعتقاد الكفار للأصنام، وأعظم من ذلك وظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصد الطلب قضاء الحوائج وملجأ لإنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون..
٤ لاعتقاد العامة أن كل ما يوجد فهو إما في السماء وإما في الأرض/منه..
﴿ و ما كان الناس١ إلا أمة واحدة ﴾، بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ﴿ فاختلفوا ﴾، فبعضهم عبدوا الأصنام، ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾، بأنه لا يهلك أحدا بعد قيام الحجة وأن لكل أمة جعل أجلا معينا، ﴿ لقضي بينهم ﴾، عاجلا، ﴿ فيما فيه يختلفون ﴾، فيهلك المبطل ويبقي المحق، قال بعضهم : أي لولا أنه في حكمه أنه لا يقضي بينهم إلا في القيامة لقضي في الدنيا فيدخل المؤمن الجنة والكافر النار قبل القيامة.
١ ولما بين أن هؤلاء مستحقون للبلاء أول مرة وقد أمهلهم تعرض سبب الإمهال فقال: "وما كان الناس" الآية/وجيز..
﴿ ويقولون ﴾، أهل مكة، ﴿ لولا ﴾، أي هلا، ﴿ أنزل عليه ﴾، على محمد، ﴿ آية من ربه ﴾، مثل الناقة والعصا أو مما اقترحوه من جعل الصقا ذهبا، ﴿ فقل إنما الغيب لله ﴾، أي ما تطلبونه غيب وهو القدر عليه، ﴿ فانتظروا ﴾، لنزول ما تطلبونه، ﴿ إني معكم من المنتظرين ﴾ لما يفعل الله بكم.
﴿ وإذا١ أذقنا الناس رحمة٢ ﴾ كالرخاء والصحة، ﴿ من بعد ضراء مستهم ﴾، كالجدب والمرض، ﴿ إذا لهم مكر في آياتنا ﴾ يختالون في طعنها وتكذيبها وإذا للمفاجأة جواب لإذا الشرطية٣، ﴿ قل الله أسرع مكرا ﴾ منكم بأن يدبر العقاب قيل إن تدبروا المكر والمكر من الله استدراج أو جزا ء على المكر، ﴿ إن رسلنا ﴾ أي : الحفظة من الملائكة، ﴿ يكتبون ما تمكرون ﴾ للمجازاة.
١ ولما كان إجابة مقترحهم من مظنة إيمانهم وهي هين عند الله فكان منتظرا ينتظر ما هو سبب إيمانهم من مقترحهم بين أنهم لانهماكهم في الغي كأسلافهم عير متوقع منهم الإيمان فقال: "وإذا أذقنا الناس" الآية/١٢ وجيز..
٢ وقال بعض المفسرين المراد من رحمة مطر من بعد قحط و جدب..
٣ جواب لإذا الشرطية إذا جعل عامل إذا الجواب كان معنى المفاجأة هو العامل فيه عمل الفعل في الظرف فيصير المعنى فجاءوا في وقت الإذاقة وقت المكر/منه..
٢ وقال بعض المفسرين المراد من رحمة مطر من بعد قحط و جدب..
٣ جواب لإذا الشرطية إذا جعل عامل إذا الجواب كان معنى المفاجأة هو العامل فيه عمل الفعل في الظرف فيصير المعنى فجاءوا في وقت الإذاقة وقت المكر/منه..
﴿ هو١ الذي يسيركم ﴾ يمكنكم من السير ويحفظكم، ﴿ في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك ﴾ في السفن، ﴿ وجرين ﴾ الضمير للفك لأنه جع فلك، ﴿ بهم ﴾ عدل إلى الغيبة٢ للمبالغة كأنه يذكرهم لغيرهم حالهم ليعجبهم منها، ﴿ بريح طيبة وفرحوا بها ﴾ لاستوائها ولينها، ﴿ جاءتها ﴾، أي تلك السفن جواب لإذا، ﴿ ريح عاصف ﴾ أي : ذات عصف يعني شديدة قيل العاصف كالحائض مخصوص بالريح فلذا لم يقل عاصفة أو الريح يذكر ويؤنث، ﴿ وجاءهم الموج من كل مكان ﴾ من جميع الأطراف، ﴿ وظنوا أنهم أحيط٣ بهم ﴾ فلا يمكن لهم الخلاص، ﴿ دعوا الله ﴾ بدل اشتمال من ظنوا أو استئناف جواب ماذا صنعوا بعد هذه الحالة وما قيل هو جواب للشرط وجاءتها حال فليس بشيء، ﴿ مخلصين له٤ الدين ﴾، مفعول مخلصين أي : تركوا الشرك فلم يدعوا إلا الله، ﴿ لئن أنجيتنا ﴾، أي : قائلين أو مفعول دعوا لأنه من جملة القول، ﴿ من هذه ﴾، الريح والشدة، ﴿ لنكونن من الشاكرين ﴾.
١ و لما بين أن الناس إذا أصابهم الضر لجئوا إلى الله و إذا أذاقهم الرحمة عادوا إلى عادتهم وكان المذكور إبرازه في صورة أمر كلي أوضح ذلك بمثال جلي ككاشف عن حقيقة ذاك الكلي فقال: "هو الذي" الآية/ وجيز١٢..
٢ من الخطاب: "بقوله إذا كنتم"/منه..
٣ أي: دنوا من الهلاك وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بقوم أو بلد فحاصره فقد دنا أهله من الهلكة..
٤ قال الرازي: يعني أن الإنسان في هذه الحالة لا يطمع إلا في فضل الله ورحمته ويصير منقطع الطمع عن جميع الخلق ويصير بقلبه وروحه وجميع أجزائه متضرعا إلى الله تعالى، ثم إذا أنجاه الله نسي تلك النعمة ويرجع إلى ما ألفه واعتاده من العقائد الباطلة والأخلاق الذميمة. وفي الفتح: وفي هذا دليل على أن الخلق جلبوا على الرجوع إلى الله في الشدائد وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرا أو في هذه الآية بيان أن هؤلاء المشركين كانوا لا يلتفتون إلى أصنامهم في هذه الحالة وما شابهها فيا عجبا لما حدث في الإسلام من طوائف يعتقدون في الأموات، فإذا عرضت لهم في البحر مثل هذه الحالة دعوا الأموات ولم يخلصوا الدعاء به كما فعله المشركون كما تواترت إلينا تواترا يحصل به القطع فانظر هداك الله ما فعلت هذه الاعتقادات الشيطانية وأن وصل بها أهلها و إلى أين رمى بهم الشيطان وكيف اقتادهم وتسلط عليهم حتى انقادوا له انقيادا ما كان يطمح في مثله ولا في بعضه من عباد الأصنام فإنا لله وإنا إليه راجعون/فتح..
٢ من الخطاب: "بقوله إذا كنتم"/منه..
٣ أي: دنوا من الهلاك وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بقوم أو بلد فحاصره فقد دنا أهله من الهلكة..
٤ قال الرازي: يعني أن الإنسان في هذه الحالة لا يطمع إلا في فضل الله ورحمته ويصير منقطع الطمع عن جميع الخلق ويصير بقلبه وروحه وجميع أجزائه متضرعا إلى الله تعالى، ثم إذا أنجاه الله نسي تلك النعمة ويرجع إلى ما ألفه واعتاده من العقائد الباطلة والأخلاق الذميمة. وفي الفتح: وفي هذا دليل على أن الخلق جلبوا على الرجوع إلى الله في الشدائد وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرا أو في هذه الآية بيان أن هؤلاء المشركين كانوا لا يلتفتون إلى أصنامهم في هذه الحالة وما شابهها فيا عجبا لما حدث في الإسلام من طوائف يعتقدون في الأموات، فإذا عرضت لهم في البحر مثل هذه الحالة دعوا الأموات ولم يخلصوا الدعاء به كما فعله المشركون كما تواترت إلينا تواترا يحصل به القطع فانظر هداك الله ما فعلت هذه الاعتقادات الشيطانية وأن وصل بها أهلها و إلى أين رمى بهم الشيطان وكيف اقتادهم وتسلط عليهم حتى انقادوا له انقيادا ما كان يطمح في مثله ولا في بعضه من عباد الأصنام فإنا لله وإنا إليه راجعون/فتح..
﴿ فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض ﴾، فأجاءوا الفساد فيها، ﴿ بغير الحق ﴾ لا كتخريب المسلمين ديار الكفر فإنه إفساد بحق، ﴿ يا أيها الناس١ إنما بغيكم٢ على أنفسكم متاع ﴾ منفعة، ﴿ الحياة الدنيا ﴾ لا تبقى ويبقى عقابها وهو خبر بغيكم وعلى أنفسكم متعلق بالبغي أو على أنفسكم خبره أي ما و بال بغيكم إلا على أنفسكم لا يضرون به أحدا غيركم ومتاع خبر محذوف، أي : ذلك متاع و من قرأ بالنصب تقديره يتمتعون متاع، ﴿ ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون٣ ﴾ بالجزاء عليه.
١ الظاهر أنه خطاب عام يندرج الذين أنجاهم الله فيهم..
٢ وعند ابن مردويه حديث مرفوع "لو بغى جبل على جبل لاندك الباغي منهما" كذا في الفتح [رواه البخاري في الأدب الفرد وأبو نعيم عن بن عبا س موقوفا، ورواه ابن مردويه عن الأعمش مرفوعا. قال ابن أبي حاتم: والموقوف أصح، كما في كشف الخفاء للعجلوني (١//١٨١) بتحقيقي]. و كان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه:
فلو بغى جبل يوما على جبل ** لاندك منه أعاليه و أسفله
نقله الرازي في الكبير..
٣ أما العدول من الخطاب في قوله: "إذا كنتم" إلى الغيبة في قوله: "وجرين بهم" فقيل: للمبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم من تلك الحال، وقيل: حكمه الالتفات أن خطاب هو الذي يسيركم امتنان وإظهار نعمة للمخاطبين الشاملين لمؤمن وكافر وحسن خطابهم ليستديم الصالح الشكر ولعل الطالح يذكر فيرجع فلما آل الحال إلى أن المتلبس بالنعمة باغ في الأرض عدل من الخطاب إلى الغيبة حتى لا يكون المؤمنون مخاطبين بصدور التي آخرها البغي ولما قال: "البغي متاع الحياة الدنيا" قال: "إنما مثل الحياة الدنيا"/وجيز.
.
٢ وعند ابن مردويه حديث مرفوع "لو بغى جبل على جبل لاندك الباغي منهما" كذا في الفتح [رواه البخاري في الأدب الفرد وأبو نعيم عن بن عبا س موقوفا، ورواه ابن مردويه عن الأعمش مرفوعا. قال ابن أبي حاتم: والموقوف أصح، كما في كشف الخفاء للعجلوني (١//١٨١) بتحقيقي]. و كان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه:
يا صاحب البغي إن البغي | فارجع فخير فعال المرء أعدله |
نقله الرازي في الكبير..
٣ أما العدول من الخطاب في قوله: "إذا كنتم" إلى الغيبة في قوله: "وجرين بهم" فقيل: للمبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم من تلك الحال، وقيل: حكمه الالتفات أن خطاب هو الذي يسيركم امتنان وإظهار نعمة للمخاطبين الشاملين لمؤمن وكافر وحسن خطابهم ليستديم الصالح الشكر ولعل الطالح يذكر فيرجع فلما آل الحال إلى أن المتلبس بالنعمة باغ في الأرض عدل من الخطاب إلى الغيبة حتى لا يكون المؤمنون مخاطبين بصدور التي آخرها البغي ولما قال: "البغي متاع الحياة الدنيا" قال: "إنما مثل الحياة الدنيا"/وجيز.
.
﴿ إنما مثل الحياة الدنيا ﴾ في سرعة تقضيها واغترار الناس بها، ﴿ كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ﴾ أي : بسببه اشتبك نبات الأرض حتى خالط بعضه بعضا، ﴿ مما يأكل الناس ﴾ من الزرع والبقل، ﴿ والأنعام ﴾ من الحشيش ﴿ حتى أخذت الأرض زخرفها وازينت ﴾ كعروس أخذت ألوان ثيابها وحيلها فتزينت بها وأصل ازينت تزينت فأدغم، ﴿ وظن أهلها ﴾ أهل الأرض، ﴿ أنهم قادرون عليها ﴾ متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها، ﴿ آتاها أمرها ﴾ وهو ضرب زرعها ببعض العاهات، ﴿ ليلا أو نهارا فجعلناها ﴾ أي زرعنا، ﴿ حصيدا ﴾ شبيها بما حصد، ﴿ كأن لم تعن ﴾ أي : كأن لم يلبث ولم يكن زرعها على حذق المضاف، ﴿ بالأمس ﴾ والأمس مثل في الوقت القريب يعني المتسبب بالدنيا المغرور بها يأتيه عذابه أغفل ما يكون ومضمون الحكاية١ وهو الممثل٢ لا الماء وحده، ﴿ كذلك ﴾ مثل ذلك التبيين، ﴿ نفصل الآيات لقوم يتفكرون ﴾ فإنهم المنتفعون بها.
١ وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعدما التف وزين الأرض حتى طمع فيها أهلها وظنوا أنهم حصلوها سالمة عن الحوائج..
٢ أي: ليس المشبه به هو ما دخله الكاف في قوله: "كماء"؛ بل ما يفهم من الكلام..
٢ أي: ليس المشبه به هو ما دخله الكاف في قوله: "كماء"؛ بل ما يفهم من الكلام..
﴿ والله ١ يدعوا إلى دار السلام ﴾ هي الجنة والسلام من أسماء الله تعالى أو دار السلامة من الآفات أو دار تحيتها سلام يسلم الملائكة على من فيها، ﴿ ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾ بأن يوفقه على التقوى الذي هو طريق الجنة فالدعوة عام والهداية خاص.
١ ولما ذكر مثل الحياة الدنيا وما يئول إليه من الفناء وما تضمنته من الآفات بين أنه سبحانه داع إلى دار سلامة وآمن فقال: "والله يدعوا"/ وجير..
﴿ للذين١ أحسنوا ﴾ العمل في الدنيا، ﴿ الحسنى ﴾ الجنة، ﴿ وزيادة ﴾ النظر٢ إلى وجه الله الكريم وهو قول أبي بكر الصديق وكثير السلف رضي الله عنهم وعليه أحاديث كثيرة أحدها في صحيح مسلم وابن ماجه لكن من يضلل الله من العباد فماله من هاد أو الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة أو أكثر أو الزيادة الرضوان، ﴿ ولا يرهق ﴾ لا يغشى، ﴿ وجوههم قتر ﴾ غبار أي سواد، ﴿ ولا ذلة ﴾ هوان وكآبة ؛ بل لقاهم نضرة وسرورا، ﴿ أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون٣ ﴾.
١ لما كان الدعاء عاما لم يتقيد بالمشيئة والهداية خاصة تقيدت بها علم أنهم فريقان أهل التقوى والهداية وأهل الضلال والغواية فبين مآلهما وقال: (اللذين أحسنوا)/ وجيز..
٢ فسره بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم وابن ماجه والترمذي و مسند أحمد وهو قول أكابر الصحابة/ وجيز..
٣ وفيها ظرف خالدون والتقديم رعاية للفاصلة أو فيها خبر وخالدون خبر بعده/ وجيز..
٢ فسره بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم وابن ماجه والترمذي و مسند أحمد وهو قول أكابر الصحابة/ وجيز..
٣ وفيها ظرف خالدون والتقديم رعاية للفاصلة أو فيها خبر وخالدون خبر بعده/ وجيز..
﴿ والذين كسبوا السيئات ﴾ مبتدأ بتقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات، ﴿ جزاء سيئة بمثلها ﴾ لا يزاد عليها شيء أو عطف على الذين أحسنوا، أي : للذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها كقولك : في الدار زيد والحجرة عمرو عند من يجوزه، ﴿ وترهقهم ﴾ تغشاهم، ﴿ ذلة ما لهم من الله من عاصم ﴾ يعصمهم ويحميهم، ﴿ كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ﴾ لكمال سوادها ومظلما حال من الليل وهو صفة لقطعا ومن قرأ بسكون الطاء فلأولى مظلما صفة، ﴿ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ والآية في الكفار قسيم المؤمنين المر من قوله للذين أحسنوا.
﴿ ويوم ﴾ بتقدير اذكر، ﴿ نحشرهم جميعا ﴾ المؤمن والكافر، ﴿ ثم نقول للذين أشركوا ﴾ ألزموا، ﴿ مكانكم أنتم ﴾ تأكيد للضمير المنتقل إلى مكانكم من عامله، ﴿ وشركاؤكم ﴾ أي الأوثان، ﴿ فزيلنا ﴾ فرقنا، ﴿ بينهم ﴾ وقطعنا ما كان بينهم من التواصل، ﴿ وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ﴾ ينطق الله الأصنام فينكرون عبادتهم ويتبرأون منهم مكان شفاعتهم.
﴿ فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن ﴾ أي أنه١، ﴿ كنا عن عبادتكم لغافلين ﴾ لأنا كنا جمادا لا نعلم ولا نشعر فما أمرناكم بها ولو رضينا منكم بها.
١ قال المفسرون: إن تكون بمعنى لقد..
﴿ هنالك ﴾ في ذلك المقام، ﴿ تبلو ﴾ تخبر وتعلم، ﴿ كل نفس ما أسلفت ﴾ من عمل فتعاين نفعه وضره ومن قرأ تتلو فهو من التلاوة أي تقرأ أو من التلو أي : تتبع عمله قال بعضهم : تتبع كل أمة ما كانت تعبد، ﴿ وردوا ﴾ أي : أمرهم، ﴿ إلى الله مولاهم الحق ﴾ متولي أمورهم بالحقيقة لا ما اتخذوه مولى بالباطل، ﴿ وضل عنهم ﴾ ضاع وبطل، ﴿ ما كانوا يفترون ﴾ فيعبدونه من دون الله.
﴿ قل من١ يرزقكم من السماء ﴾ بالمطر، ﴿ والأرض ﴾ بنبات قيل : تقديره من أهل السماء والأرض، ﴿ أمن يملك السمع والأبصار ﴾ أي : من يملك خلقهما أو حفظهما من الآفات، ، ﴿ ومن يخرج الحي ﴾ الحيوان، ﴿ من الميت ﴾ النطفة، ﴿ ويخرج الميت ﴾ النطفة، ﴿ من الحي ﴾ الحيوان وقيل : من يحي ويميت، ﴿ ومن يدبر الأمر ﴾ يلي تدبير أمر العالم، ﴿ فسيقولون الله ﴾ إذ الأمر أوضح من أن ينكر، ﴿ فقل أفلا تتقون ﴾ الشرك مع هذا الإقرار.
١ ولما بين فضائح عبدة الأوثان اتبعها بذكر الدلائل الدالة على فساد معتقدهم بما لا يمكن إلا الاعتراف به فقال: "قل من يرزقكم" الخ/وجيز..
﴿ فذلكم ﴾ إشارة إلى من هذه قدرته، ﴿ الله ربكم الحق ﴾ لا ما جعلتم معه شريكا أخبار مترادفة١، ﴿ فماذا بعد٢ الحق إلا الضلال ﴾ أي : ليس بعد الحف إلا الضلال، ﴿ فأنى تصرفون ﴾ عن الحق إلى الضلال وعن عبادته إلى عبادة غيره.
١ لأن الله علم لا يمكن أن يجعل صفة ذلكم/ وجيز..
٢ ماذا استفهام معناه النفي وهو مبتدأ أو الخبر بعد الحق/وجيز..
٢ ماذا استفهام معناه النفي وهو مبتدأ أو الخبر بعد الحق/وجيز..
﴿ كذلك ﴾، أي : كما حق أن بعد الحق الضلال أو أنهم مصروفون عن الحق، ﴿ حقت كلمت ربك ﴾ أي : حكمه السابق، ﴿ على الذين فسقوا ﴾ تمردوا في كفرهم، ﴿ أنهم لا يؤمنون ﴾ بدل من كلمة، وقيل تقديره : لأنهم لا يؤمنون فالمراد منها كلمة العذاب.
﴿ قل هل١ من شركائكم ﴾ أي : آلهتكم، ﴿ من يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ أدخل الإعادة في الإلزام وإن لم يكونوا قائلين بها لظهور برهانها، ﴿ قل الله يبدّأ الخلق ثم يعيده ﴾ وأنتم تعلمون أن شركاءكم لا يقدرون على مثل هذا، ﴿ فأنى تؤفكون ﴾ تصرفون عن سواء السبيل.
١ هل تكون لاستفهام ويدخلها من معنى التقرير والتوبيخ ما يدخل الألف التي يستفهم بها..
﴿ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق ﴾ والهداية كما يعدى بإلى يعدي باللام، ﴿ أمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ﴾ أمره وحكمه، ﴿ أمن لا يهدي ﴾ أصله يهتدي فأدغم وكسرت الهاء لالتقاء الساكنين، ﴿ إلا أن١ يهدى ﴾، الهداية قد تجيء بمعنى النقل٢ أي الأوثان لا ينتقل من مكان إلا أن ينقل أو يكون هذا حال أشرف شركائهم كالملك والمسيح أو لا يصح منه الاهتداء إلا أن يهديه الله بأن يجعل الجماد حيوانا علما، ﴿ فما لكم كيف تحكمون٣ ﴾ بما يبطله العقل بتا.
١ معناه أن للمشركين شركاء بعضهم جماد كالحجر والنجوم وبعضهم عقلاء كالملك وعيسى وعزير وحال أشرف شركائهم أنهم لا يهتدوا إلا بان يهدى فكيف حال غير الأشرف.
.
٢ نحو هديت العروس إلى بيت زوجه نقله محي السنة عن بعض كبار السلف، قيل: وما أحسن قوله إن قوله أحق من باب التهكم فإن أصنامهم ليست مستحقة بوجه للعبادة/وجيز..
٣ ولما أثبت لهم الحجج البينة على بطلان ما هم عليه ولم ينفع وهم على الضلال القديم بين سبب ذلك فقال: "وما يتبع أكثرهم إلا ظنا"/وجيز..
.
٢ نحو هديت العروس إلى بيت زوجه نقله محي السنة عن بعض كبار السلف، قيل: وما أحسن قوله إن قوله أحق من باب التهكم فإن أصنامهم ليست مستحقة بوجه للعبادة/وجيز..
٣ ولما أثبت لهم الحجج البينة على بطلان ما هم عليه ولم ينفع وهم على الضلال القديم بين سبب ذلك فقال: "وما يتبع أكثرهم إلا ظنا"/وجيز..
﴿ وما١ يتبع أكثرهم إلا ظنا ﴾ مستندا إلى خيال باطل ووهم زائل والمراد من الأكثر الجميع أو المراد رؤساؤهم فإن السفلة مقلدون ليس لهم ظن أيضا، ﴿ إن الظن لا يعني من الحق شيئا ﴾ أي : لا يقوم مقام العلم فالمراد من الحق العلم، وشيئا مفعول مطلق به، ومن الحق حال قيل معناه : الظن لا يدفع من عذاب الحق شيئا، ﴿ إن الله عليم بما يفعلون ﴾ تهديد ووعيد.
١ أي ما يتبع هؤلاء المشركين في إشراكهم بالله وجعلهم له أندادا إلا مجرد الظن والتخمين والتحدس، ولم يكن ذلك عن بصيرة والتفات إلى فرد من أفراد العلم فضلا عن أن يسلكوا مسالك الأدلة الصحيحة الهادية إلى الحق فيفهموا مضمونها ويقفوا على مقتضاها وبطلان ما يخالفها؛ بل ظن من ظن من سلفهم أن هذه المعبودات تقربهم إلى الله وأنها تشفع لهم ولم يكن لظنهم هذا مستند قط بل مجرد خيال مختل وحدس باطل فقلدوا فيه آباءهم وما أحسن ما فال الرازي في هذه السورة تحت قوله تعالى: "ويقولون هؤلاء شفعاءنا عند الله" (يونس: ١٨ )، ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله.
.
.
﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ﴾ أي : ما صح أن يكون القرآن مفترى من الخلق وهذا محال، ﴿ ولكن ﴾ : كان، ﴿ تصديق الذي بين يديه ﴾ من الكتب المتقدمة، ﴿ وتفصيل الكتاب ﴾ تبيين ما كتب وفرض من الشرائع، ﴿ لا ريب فيه ﴾ خبر ثالث أو حال أو استئناف، ﴿ من رب١ العالمين ﴾ خبر آخر أو حال.
١ منزل من رب العالمين لتربيتهم/ وجيز..
﴿ أم يقولون ﴾ بل أيقولون، ﴿ افتراه ﴾ محمد والهمزة للإنكار، ﴿ قل فأتوا بسورة مثله ﴾ في البلاغة على وجه الافتراء، ﴿ وادعوا ﴾ إلى معونتكم على المعارضة، ﴿ من استطعتم ﴾ من الجن والإنس، ﴿ من دون الله ﴾ سوى الله تعالى فإنه القادر على ذلك متعلق بادعوا لا باستطعتم، ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ أنه من عند نفسه فإنه بشر مثلكم بل تمرنكم في النظم والنثر أكثر فإنه أمي.
﴿ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ﴾ يعني لما رأوا القرآن مشتملا على أمور ما عرفوا حقيقتها١ سارعوا بجهلهم إلى التكذيب٢، ﴿ ولما يأتهم ﴾ بعد، ﴿ تأويله ﴾ فإنهم إن صبروا يظهر لهم بالآخرة تأويله، لكن فأجاءوا الإنكار قبل أن يقضوا على تأويله، ﴿ كذلك كذب الذين من قبلهم ﴾ رسلهم، ﴿ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ﴾ فيه وعيد لهم بمثل عقاب الأمم السالفة.
١ وهكذا صنع من تصلب في التقليد ولم يبال بما جاء به من دعي إلى الحق وتمسك بذيول الأنصاف بل يرده بمجرد كونه لم يوافق هواه، ولا جاء طبق دعواه قبل أن يعرف معناه، ويعلم مبناه كما تراه عيانا وتعلمه وجدانا والحاصل أن من كذب بالجنة النيرة والبرهان الواضح قبل أن يحيط بعلمه فهو لم يتمسك بشيء في هذا التكذيب إلا مجرد كونه جاهلا، إنما كذب به غير عالم به فكان بهذا التكذيب مناديا على نفسه بالجهل بأعلى صوت ومسجلا بقصوره عن تعقل الحجج بأبلغ تسجيل، وليس على الحجة ولا على من جاء بها من تكذيبه شيء:
ما يبلغ الأعداء من جاهل | ما يبلغ الجاهل من نفسه. ٢ فإن المرء عدو لما جهل.. |