تفسير سورة سورة يونس من كتاب تفسير القشيري
المعروف بـلطائف الإشارات
.
لمؤلفه
القشيري
.
المتوفي سنة 465 هـ
ﰡ
جاءكم رسول يشاكلكم فى البشرية، فلما أفردناه به من الخصوصية ألبسناه لباس الرحمة عليكم، وأقمناه بشواهد العطف والشفقة على جملتكم، قد وكل هممه بشأنكم، وأكبر همّه إيمانكم.
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٩]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)
أمره أن يدعو الخلق إلى التوحيد، ثم قال: فإنّ أعرضوا عن الإجابة فكن بنا بنعت التجريد.
ويقال قال له: يا أيها النبي حسبك الله، ثم أمره بأن يقول حسبى الله....
وهذا عين الجمع، وقوله «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» فرق... بل هو جمع الجمع أي: قل، ولكنك بنا تقول، ونحن المتولى عنك وأنت مستهلك فى عين التوحيد فأنت بنا، ومحو عن غيرنا.
سورة يونس عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم كلمة سماعها يوجب شفاء كلّ عابد، وضياء كلّ قاصد، وعزاء كلّ فاقد، وبلاء كلّ واجد، وهدوّ كلّ خائف، وسلوّ كل عارف. وأمان كل تائب، وبيان كلّ طالب.
قلوب العارفين لا تفرح إلا بسماع بسم الله، وكروب الخائفين لا تبرح إلا عند سماع بسم الله.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١]
الألف مفتاح اسم «الله»، واللام مفتاح اسم «اللطيف» والراء مفتاح اسم «الرحيم».
قوله جل ذكره:
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٩]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)
أمره أن يدعو الخلق إلى التوحيد، ثم قال: فإنّ أعرضوا عن الإجابة فكن بنا بنعت التجريد.
ويقال قال له: يا أيها النبي حسبك الله، ثم أمره بأن يقول حسبى الله....
وهذا عين الجمع، وقوله «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» فرق... بل هو جمع الجمع أي: قل، ولكنك بنا تقول، ونحن المتولى عنك وأنت مستهلك فى عين التوحيد فأنت بنا، ومحو عن غيرنا.
سورة يونس عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم كلمة سماعها يوجب شفاء كلّ عابد، وضياء كلّ قاصد، وعزاء كلّ فاقد، وبلاء كلّ واجد، وهدوّ كلّ خائف، وسلوّ كل عارف. وأمان كل تائب، وبيان كلّ طالب.
قلوب العارفين لا تفرح إلا بسماع بسم الله، وكروب الخائفين لا تبرح إلا عند سماع بسم الله.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١)الألف مفتاح اسم «الله»، واللام مفتاح اسم «اللطيف» والراء مفتاح اسم «الرحيم».
أقسم بهذه الأسماء إن هذا الكتاب هو الموعود لكم يوم الميثاق. والإشارة فيه أنا حققنا لكم الميعاد، وأطلنا لكم عنان الوداد | وانقضى زمان الميعاد، فالعصاة ملقاة، والأيام بالسرور متلقّاة، فبادروا إلى شرب كاسات المحابّ، واستقيموا على نهج الأحباب. |
[سورة يونس (١٠) : آية ٢]
أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢)
تعجبوا من ثلاثة أشياء: من جواز البعث بعد الموت، ومن إرسال الرسل إلى الخلق، ثم من تخصيص محمد ﷺ بالرسالة من بين الخلق. ولو عرفوا كمال ملكه لم ينكروا جواز البعث، ولو علموا كمال ملكه لم يجحدوا إرسال الرّسل إلى الخلق، ولو عرفوا أنّ له أن يفعل ما يريد لم يتعجبوا من تخصيص محمد- صلى الله عليه وسلم- بالنبوة من بين الخلق، ولكن سدّت بصائرهم فتاهوا فى أودية الحيرة، وعثروا- من الضلالة- فى كل وهدة. وكان الأستاذ أبو على الدّقاق- رحمه الله-. يقول:
جوّزوا أن يكون المنحوت من الخشب والمعمول من الصخر «١» إلها معبودا، وتعجبوا أن يكون مثل محمد- صلى الله عليه وسلم- فى جلالة قدره رسولا..!! هذا هو الضلال البعيد.
قوله جلّ ذكره: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ.
وهو ما قدّموه لأنفسهم من طاعات أخلصوا فيها، وفنون عبادات صدقوا فى القيام بقضائها.
ويقال هو ما قدّم الحقّ لهم يوم القيامة من مقتضى العناية بشأنهم، وما حكم لهم من فنون إحسانه بهم، وصنوف ما أفردهم به من امتنانهم.
ويقال: «قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» : هو ما رفعوه من أقدامهم فى بدايتهم فى زمان
(١) وردت (الصفر) بالفاء وهى خطأ فى النسخ.
إرادتهم، فإنّ لأقدام المريدين المرفوعة لأجل الله حرمة عند الله، ولأيامهم الخالية فى حال تردّدهم، ولياليهم الماضية فى طلبه وهم فى حرقة تحيّرهم.. مقادير عند الله. وقيل:
وقيل:
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٣]
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣)
لا يحتاج فعله إلى مدّة، وكيف ذلك ومن جملة أفعاله الزمان والمدة؟ فخلق السماوات والأرض فى ستة أيام، وتلك الأيام أيضا من جملة ما خلق الله سبحانه وتعالى.
«ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ» أي توحّد بجلال الكبرياء بوصف الملكوت. وملوكنا إذا أرادوا التجلّى والظهور للحشم والرعية برزوا لهم على سرير ملكهم فى ألوان مشاهدهم.
فأخبر الحقّ- سبحانه- بما يقرب من فهم الخلق ما ألقى إليهم من هذه الجملة: استوى على العرش، ومعناه اتصافه بعز «١» الصمدية وجلال الأحدية، وانفراده بنعت الجبروت وعلاء الربوبية، تقدّس الجبّار عن الأقطار، والمعبود عن الحدود.
«يُدَبِّرُ الْأَمْرَ» : أي الحادثات صادرة عن تقديره، وحاصلة بتدبيره، فلا شريك يعضده، وما قضى فلا أحد يردّه. «ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ» : هو الذي ينطق من يخاطبه، وهو الذي يخلق ما يشاء على من يشاء إذا التمس يطالبه.
«ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ» : تعريف وقوله: «فَاعْبُدُوهُ» : تكليف فحصول التعريف بتحقيقه، والوصول إلى ما ورد به التكليف بتوفيقه.
من ينس دارا قد تخونها | ريب الزمان فإنى لست أنساكا |
تلك العهود تشدّها لتحلّها | عندى كما هى عقدها لم يحلل |
[سورة يونس (١٠) : آية ٣]
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣)
لا يحتاج فعله إلى مدّة، وكيف ذلك ومن جملة أفعاله الزمان والمدة؟ فخلق السماوات والأرض فى ستة أيام، وتلك الأيام أيضا من جملة ما خلق الله سبحانه وتعالى.
«ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ» أي توحّد بجلال الكبرياء بوصف الملكوت. وملوكنا إذا أرادوا التجلّى والظهور للحشم والرعية برزوا لهم على سرير ملكهم فى ألوان مشاهدهم.
فأخبر الحقّ- سبحانه- بما يقرب من فهم الخلق ما ألقى إليهم من هذه الجملة: استوى على العرش، ومعناه اتصافه بعز «١» الصمدية وجلال الأحدية، وانفراده بنعت الجبروت وعلاء الربوبية، تقدّس الجبّار عن الأقطار، والمعبود عن الحدود.
«يُدَبِّرُ الْأَمْرَ» : أي الحادثات صادرة عن تقديره، وحاصلة بتدبيره، فلا شريك يعضده، وما قضى فلا أحد يردّه. «ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ» : هو الذي ينطق من يخاطبه، وهو الذي يخلق ما يشاء على من يشاء إذا التمس يطالبه.
«ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ» : تعريف وقوله: «فَاعْبُدُوهُ» : تكليف فحصول التعريف بتحقيقه، والوصول إلى ما ورد به التكليف بتوفيقه.
(١) وردت (بغير) الصمدية وهى خطأ فى النسخ.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٤]
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤)
الرجوع يقتضى ابتداء الأرواح قبل حصولها فى الأشباح، فإن لها فى مواطن التسبيح والتقديس إقامة، والغائب إذا رجع إلى وطنه من سفره فلقدومه أثر عند محبّيه وذويه، كما قيل:
ويقال المطيع إذا رجع إلى الله فله الزّلفى، والثواب والحسنى. والعاصي إذا رجع إلى ربّه فبنعت الإفلاس وخسران الطريق فيتلقى لباس الغفران، وحلّة الصفح والأمان، فرحمة مولاه خير له من نسكه وتقواه.
قوله: «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» : موعود المطيع الفراديس العلى، وموعود العاصي الرحمة والرّضى. والجنّة لطف الحقّ والرّحمة وصف الحق فاللّطف فعل لم يكن ثم حصل، والنّعت لم يزل «١».
قوله: «إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» : من كان له فى جميع عمره نفس على وصف ما ابتدأ الحقّ سبحانه به ففى الإشارة: تكون لذلك إعادة، وأنشدوا:
كلّ نهر فيه ماء قد جرى فإليه الماء يوما سيعود قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٥]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)
[سورة يونس (١٠) : آية ٤]
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤)
الرجوع يقتضى ابتداء الأرواح قبل حصولها فى الأشباح، فإن لها فى مواطن التسبيح والتقديس إقامة، والغائب إذا رجع إلى وطنه من سفره فلقدومه أثر عند محبّيه وذويه، كما قيل:
أيا قادما من سفرة الهجر مرحبا | أناديك لا أنساك ما هبّت الصّبا |
قوله: «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» : موعود المطيع الفراديس العلى، وموعود العاصي الرحمة والرّضى. والجنّة لطف الحقّ والرّحمة وصف الحق فاللّطف فعل لم يكن ثم حصل، والنّعت لم يزل «١».
قوله: «إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» : من كان له فى جميع عمره نفس على وصف ما ابتدأ الحقّ سبحانه به ففى الإشارة: تكون لذلك إعادة، وأنشدوا:
كلّ نهر فيه ماء قد جرى فإليه الماء يوما سيعود قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٥]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)
(١) يفرق القشيري في كتابه (التحبير فى التذكير) الذي قمنا بتحقيقه بين صفات الفعل وصفات الذات.
أنوار العقول نجوم وهى للشياطين رجوم، وللعلوم «١» أقمار وهى أنوار واستبصار، وللمعارف شموس ولها على أسرار العارفين طلوع، كما قيل:
وكما أن فى السماء كوكبين شمسا وقمرا الشمس أبدا بضيائها، والقمر فى الزيادة والنقصان يستر بمحاقه ثم يكمل حتى يصير بدرا بنعت إشراقه، ثم يأخذ فى النقص إلى أن لا يبقى شىء منه لتمام امتحاقه، ثم يعود جديدا، وكل ليلة يجد مزيدا، فإذا صار بدرا تماما، لم يجد أكثر من ليلة لكماله مقاما، ثم يأخذ فى النقصان إلى أن يخفى شخصه ويتمّ نقصه.
كذلك من النّاس من هو متردّد بين قبضه وبسطه، وصحوه ومحوه، وذهابه وإيابه لا فناء فيستريح، ولا بقاء له دوام صحيح، وقيل:
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٦]
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)
اختصّ النهار بضيائه، وانفرد الليل بظلمائه، من غير استيجاب لذلك، ومن غير استحقاق عقاب لهذا، وفى هذا دليل على أنّ الردّ والقبول، والمنع والوصول، ليست معلولة بسبب، ولا حاصلة بأمر مكتسب كلّا.. إنها إرادة ومشيئة، وحكم وقضية.
النهار وقت حضور أهل الغفلة فى أوطان كسبهم، ووقت أرباب القربة والوصلة لانفرادهم بشهود ربّهم، قال قائلهم:
والليل لأحد شخصين: أمّا للمحبّ قوقت النّجوى، وأمّا للعاصى فبثّ الشكوى.
إنّ شمس النهار تغرب بالليل | وشمس القلوب ليست تغيب |
كذلك من النّاس من هو متردّد بين قبضه وبسطه، وصحوه ومحوه، وذهابه وإيابه لا فناء فيستريح، ولا بقاء له دوام صحيح، وقيل:
كلّما قلت قد دنا حلّ قيدى | كبلّونى فأوثقوا المسمارا |
[سورة يونس (١٠) : آية ٦]
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)
اختصّ النهار بضيائه، وانفرد الليل بظلمائه، من غير استيجاب لذلك، ومن غير استحقاق عقاب لهذا، وفى هذا دليل على أنّ الردّ والقبول، والمنع والوصول، ليست معلولة بسبب، ولا حاصلة بأمر مكتسب كلّا.. إنها إرادة ومشيئة، وحكم وقضية.
النهار وقت حضور أهل الغفلة فى أوطان كسبهم، ووقت أرباب القربة والوصلة لانفرادهم بشهود ربّهم، قال قائلهم:
هو الشمس، إلا أنّ للشمس غيبة | وهذا الذي نعنيه ليس يغيب |
(١) وردت (العموم) وهى خطأ فى النسخ إذ المقصود نوع من المقابلة بين (العلوم) والمعارف.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧ الى ٨]
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨)
أنكروا جواز الرؤية فلم يرجوها، والمؤمنون آمنوا «١» بجواز الرؤية فأمّلوها.
ويقال: لا يرجون لقاءه لأنهم لم يشتاقوا إليه، ولم يشتاقوا إليه لأنهم لم يحبّوه لأنهم لم يعرفوه، ولم يعرفوه لأنهم لم يطلبوه ولن يطلبوه لأنه أراد ألّا يطلبوه، قال تعالى: «وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى» «٢».
ويقال لو أراد أن يطلبوه لطلبوه، ولو طلبوا لعرفوا، ولو عرفوا لأحبّوا، ولو أحبّوا لاشتاقوا، ولو اشتاقوا لرجوا، ولو رجوا لأمّلوا لقاءه، قال تعالى: «وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها» «٣» قوله تعالى: «وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها» : أصحاب الدنيا رضوا بالحياة الدنيا فحرموا الجنة، والزّهّاد والعّباد ركنوا إلى الجنة ورضوا بها فبقوا عن الوصلة، وقد علم كلّ أناس مشربهم، ولكلّ أحد مقام.
ويقال إذا كانوا لا يرجون لقاءه فمأواهم العذاب والفرقة، فدليل الخطاب أن الذي يرجو لقاءه رآه، ومآله ومنتهاه الوصلة واللقاء والزّلفة.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٩]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩)
كما هداهم اليوم إلى معرفته من غير ذريعة يهديهم غدا إلى جنته ومثوبته من غير نصير من المخلوقين ولا وسيلة.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧ الى ٨]
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨)
أنكروا جواز الرؤية فلم يرجوها، والمؤمنون آمنوا «١» بجواز الرؤية فأمّلوها.
ويقال: لا يرجون لقاءه لأنهم لم يشتاقوا إليه، ولم يشتاقوا إليه لأنهم لم يحبّوه لأنهم لم يعرفوه، ولم يعرفوه لأنهم لم يطلبوه ولن يطلبوه لأنه أراد ألّا يطلبوه، قال تعالى: «وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى» «٢».
ويقال لو أراد أن يطلبوه لطلبوه، ولو طلبوا لعرفوا، ولو عرفوا لأحبّوا، ولو أحبّوا لاشتاقوا، ولو اشتاقوا لرجوا، ولو رجوا لأمّلوا لقاءه، قال تعالى: «وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها» «٣» قوله تعالى: «وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها» : أصحاب الدنيا رضوا بالحياة الدنيا فحرموا الجنة، والزّهّاد والعّباد ركنوا إلى الجنة ورضوا بها فبقوا عن الوصلة، وقد علم كلّ أناس مشربهم، ولكلّ أحد مقام.
ويقال إذا كانوا لا يرجون لقاءه فمأواهم العذاب والفرقة، فدليل الخطاب أن الذي يرجو لقاءه رآه، ومآله ومنتهاه الوصلة واللقاء والزّلفة.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٩]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩)
كما هداهم اليوم إلى معرفته من غير ذريعة يهديهم غدا إلى جنته ومثوبته من غير نصير من المخلوقين ولا وسيلة.
(١) من هذا لفهم أن القشيري يؤمن بجواز رؤية الله فى الآخرة، أما رؤيته فى الدنيا فإنه يقول فى الرسالة ص ١٧٥: (الأقوى أنه لا تجوز رؤية الله بالأبصار في الدنيا- وقد حصل الإجماع فى ذلك). [.....]
(٢) آية ٤٢ سورة النجم.
(٣) آية ١٣ سورة السجدة.
(٢) آية ٤٢ سورة النجم.
(٣) آية ١٣ سورة السجدة.
ويقال أمّا المطيعون فنورهم يسعى بين أيديهم وهم على مراكب طاعاتهم، والملائكة تتلقّاهم والحقّ، قال تعالى: «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً» «١» نحشرهم، والعاصون يبقون منفردين متفرقين، لا يقف لهم العابدون، ويتطوحون فى مطاحات «٢» القيامة.
والحقّ- سبحانه- يقول لهم: عبادى، إنّ أصحاب الجنة- اليوم- فى شغل عنكم، إنهم فى الثواب لا يتفرّغون إليكم، وأصحاب النار من شدة العذاب لا يرقبون لكم معاشر المساكين.
كيف أنتم إن كان أشكالكم وأصحابكم سبقوكم؟ وواحد منهم لأيهديكم فأنا أهديكم.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٠]
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)
قالتهم الثناء على الله، وذلك فى حال لقائهم. وَتَحِيَّتُهُمْ فى تلك الحالة من الله:
«سَلامٌ» عليكم «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» : والحمد هاهنا بمعنى المدح والثناء، فيثنون عليه ويحمدونه بحمد أبدىّ سرمدىّ، والحقّ- سبحانه- يحييّهم بسلام أزلىّ وكلام أبدى، وهو عزيز صمدى ومجيد أحدى.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١١]
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)
أي لو أجبناهم إذا دعوا على أنفسهم عند غيظهم وضجرهم لعجّلنا إهلاكهم، ولكن
والحقّ- سبحانه- يقول لهم: عبادى، إنّ أصحاب الجنة- اليوم- فى شغل عنكم، إنهم فى الثواب لا يتفرّغون إليكم، وأصحاب النار من شدة العذاب لا يرقبون لكم معاشر المساكين.
كيف أنتم إن كان أشكالكم وأصحابكم سبقوكم؟ وواحد منهم لأيهديكم فأنا أهديكم.
لأنى إن عاملتكم بما تستوجبون | فأين الكرم بحقنا إذا كنا فى الجفاء مثلهم وهجرناكم كما هجروكم؟ |
[سورة يونس (١٠) : آية ١٠]
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)
قالتهم الثناء على الله، وذلك فى حال لقائهم. وَتَحِيَّتُهُمْ فى تلك الحالة من الله:
«سَلامٌ» عليكم «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» : والحمد هاهنا بمعنى المدح والثناء، فيثنون عليه ويحمدونه بحمد أبدىّ سرمدىّ، والحقّ- سبحانه- يحييّهم بسلام أزلىّ وكلام أبدى، وهو عزيز صمدى ومجيد أحدى.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١١]
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)
أي لو أجبناهم إذا دعوا على أنفسهم عند غيظهم وضجرهم لعجّلنا إهلاكهم، ولكن
(١) آية ٨٥ سورة مريم.
(٢) المطاح والمطاحة: اسما مكان من طاح، وهو المسلك الوعر المهلك.
(٢) المطاح والمطاحة: اسما مكان من طاح، وهو المسلك الوعر المهلك.
تحمّلنا ألا نجيبهم، وبرحمتنا عليهم لا نسمع منهم دعاءهم. وربما يشكو العبد بأن الربّ لا يجيب دعاءه، ولو علم أنه ترك إجابته لطفا منه وأنّ فى ذلك بلاء لو أجابه، كما قيل:
أناس أعرضوا عنّا... بلا جرم ولا معنى
أساءوا ظنّهم فينا... فهلّا أحسنوا الظّنا
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٢]
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)
إذا امتحن العبد وأصابه الضّرّ أزعجته الحال إلى أن يروم التخلّص مما ناله، فيعلم أنّ غير الله لا ينجيه، فتحمله الضرورة على صدق الالتجاء إلى الله، فإذا كشف الله عنه ما يدعو لأجله شغلته راحة الخلاص عن تلك الحالة، وزايله ذلك الالتياع، وصار كأنه لم يكن فى بلاء قط:
كأنّ الفتى لم يعر يوما إذ اكتسى... ولم يك صعلوكا إذا ما تموّلّا
ويقال بلاء يلجئك إلى الانتصاب بين يدى معبودك أجدى لك من عطاء ينسيك ويكفيك عنه.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٣]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣)
أخبر الحقّ سبحانه بإهلاك الظالمين، كما فى الخبر: «لو كان الظلم بيتا فى الجنّة لسلّط الله عليه الخراب». والظلم وضع الشيء فى غير موضعه، فإذا وضع العبد قصده- عند حوائجه- فى المخلوقين، وتعلّق قلبه بهم فى الاستعانة، وطلب المأمول فقد وضع الشيء فى غير موضعه،
أناس أعرضوا عنّا... بلا جرم ولا معنى
أساءوا ظنّهم فينا... فهلّا أحسنوا الظّنا
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٢]
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)
إذا امتحن العبد وأصابه الضّرّ أزعجته الحال إلى أن يروم التخلّص مما ناله، فيعلم أنّ غير الله لا ينجيه، فتحمله الضرورة على صدق الالتجاء إلى الله، فإذا كشف الله عنه ما يدعو لأجله شغلته راحة الخلاص عن تلك الحالة، وزايله ذلك الالتياع، وصار كأنه لم يكن فى بلاء قط:
كأنّ الفتى لم يعر يوما إذ اكتسى... ولم يك صعلوكا إذا ما تموّلّا
ويقال بلاء يلجئك إلى الانتصاب بين يدى معبودك أجدى لك من عطاء ينسيك ويكفيك عنه.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٣]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣)
أخبر الحقّ سبحانه بإهلاك الظالمين، كما فى الخبر: «لو كان الظلم بيتا فى الجنّة لسلّط الله عليه الخراب». والظلم وضع الشيء فى غير موضعه، فإذا وضع العبد قصده- عند حوائجه- فى المخلوقين، وتعلّق قلبه بهم فى الاستعانة، وطلب المأمول فقد وضع الشيء فى غير موضعه،
وهو ظلم فعقوبة هذا الظلم خراب القلب، وهو انسداد طريق رجوع ذلك القلب إلى الله لأنه لو رجع إلى الله لأعانة وكفاه، ولكنه يصرّ على تعليق قلبه بالمخلوق فيبقى عن الله، ولا ترتفع حاجته من غيره، وكان من فقره وحاجته فى مصرّة. فإن صار إلى مضرة المذلة والحاجة إلى اللئيم فتلك محنة عظيمة.
وعلى هذا القياس إذا أحبّ مخلوقا فقد وضع محبته فى غير موضعها، وهذا ظلم وعقوبته خراب روحه لعدم صفاء ودّه ومحبته لله، وذهاب ما كان يجده من الأنس بالله، إذا بقي عن الله يذيقه الحقّ طعم المخلوقين، فلا له مع الخلق سلوة، ولا من الحقّ إلا الجفوة، وعدم الصفوة.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٤]
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
عرّفناكم بسرّ من قبلكم، وما أصابهم بسبب ذنوبهم، فإذا اعتبرتم بهم نجوتم، ومن لم يعتبر بما سمعه اعتبر به من تبعه.
ويقال أحللنا بهم من العقوبة ما يعتريكم، ومن لم يعتبر بمن سبقه اعتبر به من لحقه.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٥]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)
إذا اقترحوا عليك بأن تأتيهم بما لم نأمرك به، أو تريّهم ما لم نظهر عليك من الآيات..
فأخبرهم أنّك غير مستقل بك، ولا موكول إليك فنحن القائم عليك، المصرّف لك، وأنت المتّبع لما نجريه عليك غير مبتدع لما يحصل منك.
وعلى هذا القياس إذا أحبّ مخلوقا فقد وضع محبته فى غير موضعها، وهذا ظلم وعقوبته خراب روحه لعدم صفاء ودّه ومحبته لله، وذهاب ما كان يجده من الأنس بالله، إذا بقي عن الله يذيقه الحقّ طعم المخلوقين، فلا له مع الخلق سلوة، ولا من الحقّ إلا الجفوة، وعدم الصفوة.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٤]
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
عرّفناكم بسرّ من قبلكم، وما أصابهم بسبب ذنوبهم، فإذا اعتبرتم بهم نجوتم، ومن لم يعتبر بما سمعه اعتبر به من تبعه.
ويقال أحللنا بهم من العقوبة ما يعتريكم، ومن لم يعتبر بمن سبقه اعتبر به من لحقه.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٥]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)
إذا اقترحوا عليك بأن تأتيهم بما لم نأمرك به، أو تريّهم ما لم نظهر عليك من الآيات..
فأخبرهم أنّك غير مستقل بك، ولا موكول إليك فنحن القائم عليك، المصرّف لك، وأنت المتّبع لما نجريه عليك غير مبتدع لما يحصل منك.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٦]
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦)
قد عشت فيكم زمانا، وعرفتم أحوالى فيما تطلبون منى عليه برهانا «١»، فما ألفيتمونى (... ) «٢» بل وجدتمونى فى السداد مستقيما، وللرشاد مستديما، فلولا أنّ الله تعالى أرسلنى، ولما حمّلني من تكليفه أهّلني لما كنت بهذا الشرع آتيا ولا لهذا الكتاب تاليا.
«أَفَلا تَعْقِلُونَ» ما لكم تعترضون؟ ولا لأنفسكم تنظرون؟
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٧]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)
الكذب فى الشرع قبيح، وإذا كان على الله فهو أقبح.
ومن المفترين على الله: الذين يظهرون من الأحوال ما ليسوا فيه صادقين، وجزاؤهم أن يحرموا ذلك أبدا، فلا يصلون إلى شىء.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٨]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)
ذمّهم على عبادة ما ليس منه ضرّ ولا نفع.
فدليل الخطاب يقتضى أن يكون المعبود منه الضّرّ والنفع، ومن فرط غباوتهم أنهم
[سورة يونس (١٠) : آية ١٦]
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦)
قد عشت فيكم زمانا، وعرفتم أحوالى فيما تطلبون منى عليه برهانا «١»، فما ألفيتمونى (... ) «٢» بل وجدتمونى فى السداد مستقيما، وللرشاد مستديما، فلولا أنّ الله تعالى أرسلنى، ولما حمّلني من تكليفه أهّلني لما كنت بهذا الشرع آتيا ولا لهذا الكتاب تاليا.
«أَفَلا تَعْقِلُونَ» ما لكم تعترضون؟ ولا لأنفسكم تنظرون؟
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٧]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)
الكذب فى الشرع قبيح، وإذا كان على الله فهو أقبح.
ومن المفترين على الله: الذين يظهرون من الأحوال ما ليسوا فيه صادقين، وجزاؤهم أن يحرموا ذلك أبدا، فلا يصلون إلى شىء.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٨]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)
ذمّهم على عبادة ما ليس منه ضرّ ولا نفع.
فدليل الخطاب يقتضى أن يكون المعبود منه الضّرّ والنفع، ومن فرط غباوتهم أنهم
(١) أي لماذا تطلبون الآن منى برهانا على شىء أنتم عرفتموه عنى من قبل وهو صدقى؟
(٢) مشتبهة.
(٢) مشتبهة.
انتظروا فى المآل الشفاعة ممن لا يوجد منه الضّرّ والنّفع فى الحال. ثم أخبر أنهم يخبرون عما ليس على الوجه الذي قالوا معلوما، ولو كان كما قالوا لعلموا أنه سبحانه لا يعزب عن علمه «١» معلوم.
ومعنى قوله: «لا يَعْلَمُ» : خلافه. ومن تعلّق قلبه بالمخلوقين فى استدفاع المضارّ واستجلاب المسارّ فكالسالك سبيل من عبد الأصنام إذ المنشئ والموجد للشىء من العدم هو الله- سبحانه.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٩]
وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)
وذلك من زمان آدم عليه السلام إلى أن تحاربوا، والحق- سبحانه- سبق قضاؤه بتأخير حسابهم إلى الآخرة، ولذلك لا يجيبهم إلى ما يستعجلونه من قيام القيامة.
وإنما اختلفوا لأنّ الله خصّ قوما بعنايته وقبوله، وآخرين بإهانته وإبعاده، ولولا ذلك لما كانت بينهم هذه المخالفة.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٢٠]
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)
أخبر أنه- عليه السلام- فى ستر الغيبة وخفاء الأمر عليه فى الجملة لتقاصر علمه عما سيحدث، فهو فى ذلك بمنزلتهم، إلا فى مواطن التخصيص بأنوار التعريف، فكما أنهم فى الانتظار لما يحدث فى المستأنف فهو أيضا فى انتظار ما يوجد- سبحانه- من المقادير.
والفرق بينه- عليه السلام- وبينهم أنه يشهد ما يحصل به- سبحانه- ومنه، وهم متطوّحون فى أودية الجهالة يحيلون الأمر مرة على الدّهر، ومرة على النجم «٢»، ومرّة على الطبع..
وكلّ ذلك حيرة وعمى.
ومعنى قوله: «لا يَعْلَمُ» : خلافه. ومن تعلّق قلبه بالمخلوقين فى استدفاع المضارّ واستجلاب المسارّ فكالسالك سبيل من عبد الأصنام إذ المنشئ والموجد للشىء من العدم هو الله- سبحانه.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ١٩]
وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)
وذلك من زمان آدم عليه السلام إلى أن تحاربوا، والحق- سبحانه- سبق قضاؤه بتأخير حسابهم إلى الآخرة، ولذلك لا يجيبهم إلى ما يستعجلونه من قيام القيامة.
وإنما اختلفوا لأنّ الله خصّ قوما بعنايته وقبوله، وآخرين بإهانته وإبعاده، ولولا ذلك لما كانت بينهم هذه المخالفة.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٢٠]
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)
أخبر أنه- عليه السلام- فى ستر الغيبة وخفاء الأمر عليه فى الجملة لتقاصر علمه عما سيحدث، فهو فى ذلك بمنزلتهم، إلا فى مواطن التخصيص بأنوار التعريف، فكما أنهم فى الانتظار لما يحدث فى المستأنف فهو أيضا فى انتظار ما يوجد- سبحانه- من المقادير.
والفرق بينه- عليه السلام- وبينهم أنه يشهد ما يحصل به- سبحانه- ومنه، وهم متطوّحون فى أودية الجهالة يحيلون الأمر مرة على الدّهر، ومرة على النجم «٢»، ومرّة على الطبع..
وكلّ ذلك حيرة وعمى.
(١) وردت (عمله) وهى خطأ فى النسخ.
(٢) المقصود بالنجم هنا الطالع والحظ من نحس وسعود.
(٢) المقصود بالنجم هنا الطالع والحظ من نحس وسعود.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٢١]
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)
يعنى إذا أصابهم ضرّ ومحنة فرحمناهم وكشفنا عنهم، أحالوا الأمر على غيرنا، وتوهموه مما هو سوانا مثل قولهم: مطرنا بنوء كذا، ومثل قولهم إن هذه سعادة نجم أو مساعدة دولة أو تأثير فلك أو خيرات دهر.
فهذا كان مكرهم أما مكر الله- سبحانه- بهم فهو جزاؤهم على مكرهم. والإشارة فى هذا أنه ربما يكون للمريد أو للطالب حجبة أو فترة.. فإذا جاء الحقّ بكشف أو تجلّ أو إقبال فمن حقّهم ألا يلاحظوها فضلا عن أن يساكنوها «١»، لأنهم إذا لم يرتقوا عن ملاحظة أحوالهم إلى الغيبة بشهود الحقّ مكر الله بهم بأن شتّتهم فى تلك الأحوال من غير ترقّ عنها أو وجود زيادة عليها، وهذا مكره بخواصّهم.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٢٢]
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢)
يريد أنهم يصبحون فى النّعم يجرّون أذيالهم، ثم يمسون يبكون لياليهم. وقد يبيتون والبهجة ملكتهم ثم يصبحون وخفايا التقدير أهلكتهم، وأنشدوا:
[سورة يونس (١٠) : آية ٢١]
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)
يعنى إذا أصابهم ضرّ ومحنة فرحمناهم وكشفنا عنهم، أحالوا الأمر على غيرنا، وتوهموه مما هو سوانا مثل قولهم: مطرنا بنوء كذا، ومثل قولهم إن هذه سعادة نجم أو مساعدة دولة أو تأثير فلك أو خيرات دهر.
فهذا كان مكرهم أما مكر الله- سبحانه- بهم فهو جزاؤهم على مكرهم. والإشارة فى هذا أنه ربما يكون للمريد أو للطالب حجبة أو فترة.. فإذا جاء الحقّ بكشف أو تجلّ أو إقبال فمن حقّهم ألا يلاحظوها فضلا عن أن يساكنوها «١»، لأنهم إذا لم يرتقوا عن ملاحظة أحوالهم إلى الغيبة بشهود الحقّ مكر الله بهم بأن شتّتهم فى تلك الأحوال من غير ترقّ عنها أو وجود زيادة عليها، وهذا مكره بخواصّهم.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٢٢]
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢)
يريد أنهم يصبحون فى النّعم يجرّون أذيالهم، ثم يمسون يبكون لياليهم. وقد يبيتون والبهجة ملكتهم ثم يصبحون وخفايا التقدير أهلكتهم، وأنشدوا:
(١) نفهم من هذا أن (الملاحظة) أخف من (المساكنة) وكلتاهما من آفات الطريق، يلح القشيري دائما على التحذير منهما، وقد بالغ أهل الملامة فى توضيح أضرارهما- كما تشهد بذلك النصوص التي رواها عنهم فى (رسالته).
أقمت زمانا والعيون قريرة | وأصبحت يوما والجفون سوافك |
فلمّا أنجاهم بالإجابة لدعائهم إذا هم إلى غيره «١» يرجعون، وعلى مناهجهم- فى تمردهم يسلكون.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٢٣]
فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)
«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» معناه: نمتّعكم أياما قلائل، ثم تلقون «٢» غبّ ذلك وتبدأون تقاسون عذابا طويلا.
قوله جل ذكره:
[سورة يونس (١٠) : آية ٢٤]
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)
شبّه الحياة الدنيا بالماء المنزّل من السماء ينبت به النبات وتخضرّ الأرض وتظهر الثمار، ويوطّن أربابها عليها نفوسهم، فتصيبهم جائحة سماوية بغتة، وتصير كأن لم تكن.
كذلك الإنسان بعد كمال سنّه وتمام قوّته واستجماع الخصال المحمودة فيه تخترمه المنيّة، وكذلك أموره المنتظمة تبطل وتختلّ بوفاته، كما قيل:
(١) وردت (غيرهم) والأكثر ملاءمة للسياق أن تكون (غيره).
(٢) وردت (يلقون) وهى خطأ فى النسخ لعدم اتفاقها مع أسلوب الخطاب.
(٢) وردت (يلقون) وهى خطأ فى النسخ لعدم اتفاقها مع أسلوب الخطاب.
88
فقدناه لمّا تمّ واختمّ بالعلى | كذاك كسوف البدر عند تمامه |
ثم إن المطر إن كان لا يجىء إلا بالتقدير فقد يستسقى.. كذلك الرزق- وإن كان بالقسمة- فقد يلتمس من الله ويستعطى.
ومنها أن الماء فى موضعه سبب حياة الناس، وفى غير موضعه سبب خراب الموضع، كذلك المال لمستحقه سبب سلامته، وانتفاع المتصلين به، وعند من لا يستحقه سبب طغيانه، وسبب بلاء من هو متصل به، كما قيل: نعم الله لا تعاب ولكنه ربما استعجم على إنسان، وكما قيل:
يا دولة ليس فيها من المعالي شظيّة | زولى فما أنت إلا على الكرام بليّة |
كذلك المال إذا كان بقدر الكفاية والكفاف فصاحبه منعّم، وإذا زاد وجاوز الحدّ أوجب الكفران والطغيان.
ومنها أن الماء ما دام جاريا كان طيبا، فإذا طال مكثه تغيّر.. كذلك المال إذا أنفقه صاحبه كان محمودا، فإذا ادّخره وأمسكه كان معلولا مذموما.
ومنها أن الماء إذا كان طاهرا كان حلالا يصلح للشرب ويصلح للطهور ولإزالة الأذى، وإذا كان غير طاهر فبالعكس.. كذلك المال إذا كان حلالا، وبعكسه لو كان حراما.
ويقال كما أن الربيع تنورد أشجاره، وتظهر أنواره، وتخضرّ رباعه، وتتزين بالنبات وهاده وتلاعه، لا يؤمن أن تصيبه آفة من غير ارتقاب، وينقلب الحال بما لم يكن فى الحساب. كذلك من الناس من تكون له أحوال صافية، وأعمال بشرط الخلوص زاكية غصون أنسه متدلّيه، ورياض قربه مونقه.. ثم تصيبه عين فيذبل عود وصاله، وتنسدّ أبواب عوائد إقباله، كما قيل: