بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الروممكية١
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الروممكية
قوله تعالى: ﴿الم * غُلِبَتِ الروم * في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ إلى قوله ﴿بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ قد ذكر تقدم ذكر " ألَمَ ".
قال الفراء: في قوله " غَلَبِهِمْ ": الأصل غَلَبَتِهِم ثم حذفت التاء كما حذفت من " وإِقَامِ الصّلوَاتِ " والأصل وإقامة الصلاة وهذا غلط عند البصريين لأن التاء في وإقامة عوض من الحذف الذي وقع في المصدر لأن أصله إِقْوَام مثل إكرام ثم أُعِلَّ وحذف، فدخلت التاء عوضاً من المحذوف. وليس في غلبهم حذف فيجب أن يكون أصله التاء، يقال غلبته غَلَباً حكاه الأصمعي وغيره.
وقيل: جعل له الجمع المسلم عوضاً عن مما حذف منه.
ويجوز أن يجعل الإعراب في النون كالمُكَسَّر. والأول أكثر، وكسرت السين لتدل على أنه جمع على غير بابه وأصله.
والمحذوف من سنة واو، وقيل: المحذوف هاء.
والمعنى غلبت فارس الروم على بيت المقدس، والروم بعد غلب فارس لهم سيغلبون فارساً على بيت المقدس في بضع سنين. وأدنى الأرض، أي في أدنى الأرض من أرض الشام إلى فارس.
والبِضْعُ عند قتادة أكثر من الثلاث ودون العشر.
وعند الأخفش/ والفراء من دون العشرة.
وعند أبي عبيد ما بين ثلاث إلى خمس.
وهو مشتق من بَضَعه إذا قطعه، ومنه بَضْعةٌ من لحم. وهو يملك بُضعَ المرأة يريد أنه يملك قطع فرجها.
وقال ابن عباس: " كان المسلمون يحبون أن تغلِبَ الروم لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن يغلب أهل فارس لأنهم أهل أوثانكَهُمْ، فذكر المشركون ذلك لأبي بكر رضي لله عنه، فذكره أبو بكر للنبي ﷺ، فقال النبي عليه السلام: أما إنهم سَيُهْزَمُون - يعني فارساً -، فذكر ذلك أبو بكر للمشركين فقالوا أفتجعل بيننا وبينك أجلاً فإن غلبوا كان لك كذا وكذا، وإن لم يغلبوا كان لك كذا وكذا، فجعلوا بينهم وبينه أجلاً خمس سنين، فمضت ولم يغلبوا، فذكر ذلك أبو بكر للنبي عليه السلام فقال له: أفلا جعلته دون العشرة " قال أبو سعد الخدري: التقينا مع مشركي العرب يوم بدر، والتقت
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون * بِنَصْرِ الله﴾.
قال ابن عباس: لقي النبي ﷺ مشركي العرب يوم التقت الروم فارساً فنصر الله أهل الكتاب على العجم.
" وروي أنه جرى بين أبي بكر وبين أمية بن خلف في ذلك كلام حتى وقع بينهما رهان على ثلاث قلائص إلى أجل ثلاث سنين.
قال أبو بكر: إن الروم ستغلب فارساً إلى ثلاث سنين، وأنكر ذلك ابن خلف، فأتى أبو بكر النبي عليه السلام فأعلمه بما جرى بينهما فقال له النبي ﷺ: " ارجع واسْتَزِدْ في القَلائِصِ والسّنِين فَصَيّرِ الرّهَانَ إلى سَبع قلائِص وإلى سبع سنين ". فكان أول رهان في الإسلام وآخره ثم حرم الله الرهان "، فأخرج أبو بكر رضي الله عنهـ في حين
وروي: " أنهم جعلوا الأجل ست سنين، فمضت الستُّ، والفُرسُ ظَاهِرُونَ عَلَى الرُّوم، فأخذ المشركون رهان أبي بكر وارتاب ناس كثير وفَرِحَ بذلك المشركون. فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فكَبَّرَ المسلمون تكبيرة واحدة بمكة فآمن عند ذلك خلقٌ كثيرٌ من المشركين ".
وإنما تعلق قريش بالفرس لأنهم مثلهم في التكذيب بالبعث، وتعلق المسلمون بالروم لأنهم مثلهم في الإيمان بالبعث.
وقيل: كان ذلك لأن الفرس لا كتاب لهم كالمشركين، والروم لهم كتاب كالمسلمين.
وروي: " أن النبي ﷺ أخبر أن الروم ستغلب فارساً، وأنكر ذلك المشركون فخاطرهم أبو بكر على ذلك، وكان الذي خاطره على ذلك أمية بن خلف الجمحي فأعلم النبي بذلك فقال النبي ﷺ لأبي بكر " ارجع فَزِد في الخَطِر وَالأَجَلِ " ففعل.
قال ابن مسعود " خَمس " قَد مَضَينَ: الدخان واللّزَام والبطشة والقمرُ والرومُ ".
قال قتادة وذلك قبل أن ينهي عن القمار.
وقال قتادة: قغلبت الروم فارساً عند رأس التسع سنين.
وكان قد تم الأجل وطلب المشركون قمارهم فزايدهم المسلمون في القمار ومادوهم في الأجل، فغلبت الروم.
وكان ذلك من دلائل نبوة محمد ﷺ لأنه أخبرهم عما يكون قبل أن يكون بسنين على ما أوحى الله إليه وأعلمه فكان في ذلك دلالة على صدقه فيما يأتي به وما يقول في أمور الغيب وغيرها، وهذا إنما كان قبل أن تُحَرَّمَ المخاطرة، فأما الآن فقد
وقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾.
أي: من قبل غلبة الروم فارس ومن بعد غلبة فارس اليوم، يقضي ما شاء في خلقه.
وقوله: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون * بِنَصْرِ الله﴾ أي: يوم ستغلب الروم فارساً يفرح المؤمنون بنصر الله، لأن في ذلك، دليلاً على صحة نبوة من أخبرهم بغلبة الروم فارساً في بضع سنين، ولأن فيه ظفراً بالمشركين إذا كان يكرهون أن تغلب الروم فارساً.
ثم قال: ﴿وَهُوَ العزيز﴾ أي: الشديد في انتقامه من أعدائه.
﴿الرحيم﴾ بمن ناب من خلقه وراجع طاعته.
﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي: أكثر قريش لا يعلمون أن الله سينجز المؤمنين ما وعدهم من غلبة الروم فارساً وأنه لا خلف في وعده.
ثم قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا﴾ أي: يعلم هؤلاء المشركون أمر معاشهم وما يصلحهم في الدنيا وتدبير ذلك، وهم في غفلة عن امر آخرتهم وما فيه النجاة من عذاب الله.
قال ابن عبس: المعنى يعلمون متى يحصدون، ومتى يدرسون، ومتى يزرعون. وقال الحسن.
وقال عكرمة: هم الخرازون والسراجون.
وقيل: ما يزيدهم من الكذب على متأتيهم به الشياطين من استراق السمع.
وقيل الظاهر هنا الباطل قال تعالى ﴿أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول﴾ [الرعد: ٣٣] أي: باطل وقيل:
أي: أولم يتفكر هؤلاء المكذبون بالبعث في (خلق) أنفسهم وأنهم لم يكونوا شيئاً ثم صاروا رجالاً، وينظروا في لطف الصنع وإحكام تدبير خلقهم فيدل ذلك على توحيد الله، وعلى أنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق، فيعلموا أن الذي فعل ذلك يقدر على أن يعيدهم بعد إفنائهم خلقاً جديداً، فيجازيهم بأعمالهم.
وقوله ﴿إِلاَّ بالحق﴾ أي: بالعدل وإقامة الحق. ﴿وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي: مؤقت معلوم عنده، فإذا بلغ آخره أفنى ما أراد منه، وبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وبعث الأموات فبرزوا لله جميعاً.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الناس بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾.
أي: الجاحدون منكرون البعث بعد الموت والجزاء على الأعمال، غفلة منهم وتفريطاً في أمر معادهم.
قوله تعالى ذكره: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ في أَنفُسِهِمْ﴾. " في أنفسهم " ظرف للتفكر، وليس بمفعول به للتفكر تعدى إليه بحرف جر.
أي: يُسِرُّوا التَّفَكُّر في أنفسهم فهما معنيان.
وفي أنفسهم: تمام الكلام.
وقيل: بل ما بعده متصل به أي: يُسِرُّوا التفكر في أنفسهم أن ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق.
فأن مضمرة كما قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البرق﴾ [الروم: ٢٤] أي: أن يريكم، وكما قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات﴾ [الروم: ٢٢] أي: أن خلق السماوات.
قوله تعالى ذكره: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) [٨] إلى قوله: (وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) [١٨].
أي: أولم يسير هؤلاء المكذبون بالبعث في الأرض/ فينظروا إلى آثار الله فيمن كان قبلهم من الأمم المكذبة رسلها، كيف كان عاقبة أمرها، فقد كانوا أشد من هؤلاء قوة، (وَأَثَارُوا الْأَرْضَ) أي: استخرجوها وحدثوها وعمروها أكثر مدة مما عمر هؤلاء الأرض، (وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) فكذبوهم، فأهلكهم الله وما كان الله ليظلمهم بعقابه إياهم على تكذيبهم رسله، (وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بمعصيتهم ربهم.
ثم قا ل تعالى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ).
قال ابن عباس: السوأى جهنم والحسنى الجنة.
قال قتادة: كان عاقبة الذين أشركوا النار.
والسوآى اسم. وقيل مصدر كالتقوى.
قال مجاهد: السوآى: الإساءة.
ثم قال: (أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ) أي: عاقبتهم النار لأن كذبوا ومن أجل أن كذبوا بحجج الله ورسله.
(وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) أي: بحجج الله وأنبيائه يسخرون.
ثم قال تعالى: (اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي: ينفرد بإنشاء جميع خلقه من قدرته، ثم يعيده بعد إفنائه له خلقا جديدا.
(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي: يردون فيجازيهم بأعمالهم.
ثم قال تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) أي: واذكر يا محمد يوم تقوم الساعة ييأس الكافرون من كل خير.
قال قتادة: "يبلس المجرمون" أي: في النار.
وقال ابن زيد: المبلس الذي قد نزل به الشر.
وقال مجاهد: الإبلاس الفضيحة.
(ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ).
أي: ولم يكن للمجرمين من شركائهم في الكفر والمعصية وأذى الرسل شُفَعَاء ينقذونهم من عذاب الله.
وقيل: شركاؤهم هنا الأصنام والأوثان التي عبدوها من دون الله، أضيفت إليهم لأنهم هم اخترعوها وابتدعوا عبادتها.
(وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ)
أي: جاحدون ولا يتهم متبرئين منهم وهو معنى قوله (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) الآية.
ثم قال تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) أي: يتفرق المؤمنون من
قال قتادة: فرقة والله لا اجتماع بعدها.
ثم بين تعالى ما يؤول إليه الافتراق.
فقال: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ).
أي: هم في الرياض والنبات الملتف بين أنواع الزهر في الجنات يسرون ويلذذون بطيب العيش والسماع.
وذكر الله جل ذكره الروضة لأنهم لم يكن عند العرب شيء أحسن منظراً ولا أطيب نشراً من الرياض وعبقها.
"أما" عند سيبويه: مهما يكن من شيء فالذين آمنوا.
وقال أبو عبيدة: الروضة ما كان في سفل، وإن كان مرتفعاً فهي ترعة.
وقال الضحاك: "في روضة" في جنة، والرياض الجنان. والحبرة في اللغة كل نعمة حسنة، والتحبير التحسين وقال ابن عباس: يحبرون: يكرمون.
قال الكسائي: حبرته: أكرمته ونعمته.
ثم قال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي: جحدوا توحيد الله وكذبوا وسله، وأنكروا البعث.
(فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) أي: في عذاب الله مجموعون، قد أحضرهم الله إياه.
ثم قال تعالى ذكره: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) سبحان مصدر يؤدي عن معنى سبحوا الله تسبيحاً في هذه الأوقات الأربعة، أي: نزهوه من السوء.
وقيل: سبحان مأخوذ من السبحة، والسبحة الصلاة، وسبحة الضحى: صلاة الضحى.
وقرأ عكرمة: "حيناً تمسُون وَحِيناً تُصْبِحُون" بتنوين حين ونصبه في الوجهين على الظرف. والتسبيح هنا الصلاة، فالمعنى صلوا أيها المؤمنون حين تمسون
وقوله: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). أي: له الحمد من جميع خلقه دون غيره من سكان السماوات والأرض.
قال ابن عباس: هذه الآية في الصلوات الأربع: الظهر والعصر والصبح والمغرب، وصلاة العشاء في قوله تعالى/ (وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ) هذا معنى قوله.
روي عنه: وعشياً: المغرب والعشاء.
وقال زِرٌّ: "خاصم نافع بن الأزرق ابن عباس في شيء، ثم قال نافع لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في كتاب الله؟ قال ابن عباس: نعم ثم قرأ عليه: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ): المغرب، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الفجر، (وَعَشِيًّا): العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ): الظهر، "ومن بعد صلاة العشاء": العشاء.
وعن ابن عباس قال: جمعت هذه الآية الصلوات الخمس وقال "حين تمسون":
وقال مجاهد: "حين تمسون": المغرب والعشاء، "وحين تصبحون": الفجر، "وعشياً": العصر، "وحين تظهرون": الظهر.
وروي عن النبي - ﷺ - أنه قرأ هذه الآية وقال: "هذا حين افترض وقت الصلاة". وأول وقت الظهر زوال الشمس إجماعاً.
وآخر وقتها عند مالك: إذا كان ظل كل شيء مثله بعد الزوال وهو قول الثوري والشافعي وأبي ثور.
وقال عطاء: آخر وقتها إلى أن تصفر الشمس.
وقال طاوس: لا يفوت الظهر والعصر حتى الليل.
وأول وقت العصر: إذا كان ظل كل شيء مثله. هذا قول مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور.
وقال النعمان: أول وقتها أن يصير الظل قامتين بعد الزوال.
وآخر وقتها أن يصير [ظل] كل شيء مثليه على الاختيار، فإن صلى بعد ذلك فقد فاته الاختيار ولم يفته وقت الصلاة، قاله الثوري والشافعي وقال أحمد وأبو ثور: آخر وقتها ما لم تصفر الشمس.
وعن ابن عباس وعكرمة: أن آخر وقتها غروب الشمس على الإطلاق.
ووقت المغرب غروب الشمس وقتاً واحداً، هذا مذهب مالك والأوزاعي والشافعي.
وقال الثوري وأصحاب الرأي: وأحمد وإسحاق: آخر وقتها الشفق.
وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق إجماعاً.
والشفق الحمرة في قول مالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبي ثور ويعقوب ومحمد. وهو قول أهل اللغة، يقال ثوب مشفق أي: محمر.
وقال النخعي: آخر وقتها إلى ربع الليل.
وعن عمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز: أن آخر وقتها ثلث الليل.
وبه قال الشافعي وقد كان يقول آخر وقتها نصف الليل ولا يفوت إلى الفجر.
وعن عمر أيضاً أن آخر وقتها نصف الليل، وبه قال الثوري وابن المبارك.
وعن ابن عباس وعطاء وعكرمة وطاوس: أن آخر وقتها إلى طلوع الفجر.
وأول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر إجماعاً.
وأجمعوا على أن من صلى بعد الفجر وقبل طلوع الشمس أنه قد صلى الصبح في وقتها.
ثم قال تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) أي: صلوا ما أمرتم به لله الذي يفعل هذا لا يقدر على فعله أحد غيره، يخرج الإنسان الحي من الماء الميت، ويخرج الماء الميت من الإنسان الحي، ويحيي الأرض بالماء فينبتها ويخرج زرعها بعد موتها.
(وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) أيها الناس من قبوركم للبعث والمجازاة.
وقال الحسن: معناه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.
وذكر أبو عبيد أن سهل بن معاذ بن أنس روي عن أبيه رفعه إلى النبي - ﷺ -
أي: ومن علاماته وحججه على وحدانيته وأنه لا شريك له وأنه يحييكم بعد موتكم، أنه خلقكم من تراب، أي: خلق أصلكم وهو آدم من تراب.
﴿إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ﴾ أي: من ذرية من خلق من تراب.
﴿تَنتَشِرُونَ﴾ أي: تنصرفون وتنبسطون في الدنيا.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض﴾.
أي: ومن أدلته وحجته/ في قدرته على إحيائكم بعد موتكم أنه خلق السماوات والأرض، وهن أعظم خلقاً منكم فاخترعها وأنشأها، وجعل ألسنتكم مختلفة في الأصوات واللغات، وجعل ألوانكم مختلفة على كثرتكم، وهذا ألطف خلقا من خلق أجسامكم، فأتى تعالى ذكره بتمثيل الخلق العظيم واللطيف.
﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي: لعلامات وأدلة في قدرة الله تعالى ووحدانيته، يعني: الجن والإنس.
ومن كسرها فمعناه لم علم قدرة الله وأيقن بها.
وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا﴾.
أي: خلق لأبيكم آدم من ضلعه زوجة ليسكن إليها.
وقيل: خلق الزوجة من نطفة الرجل.
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ أي: بالمصاهرة والختونة يعطف بعضهم على بعض.
قال ابن عباس: المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن لا يمسها بسوء.
وقال مجاهد: المودة الجماع، والرحمة الولد.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: لمن تفكر في الله ووحدانيته، أي: من قدر
ثم قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم باليل والنهار وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ﴾ أي: ومن حججه وأدلته على توحيده وقدرته على إحياء الموتى، أنه يقدر الساعات والأوقات، ويخالف بين الليل والنهار، فجعل النهار تبتغون فيه الرزق والمعاش، وجعل الليل سكناً لتسكنوا فيه وتناموا.
وقيل: في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله بالنهار، وحذف حرف الجر من النهار لا تصاله بالليل وعطفه عليه. والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة.
ومثله في التقديم والتأخير قوله: ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣].
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أي: فيما نص من قدرته لدلالة وحججاً وعبرة وعظة لمن سمع مواعظ الله فيتعظ بها ويعتبر.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ أي: ومن آياته أنه يريكم البرق. " وخوفاً وطمعاً " مفعولان من أجلهما.
وقيل التقدير: ويريكم البرق خوفاً وطمعاً من آياته.
﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مَآءً فَيُحْيِي بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ أي: وينزل من السحاب مطراً فيحيي بذلك الماء الأرض الميتة التي قد يبست ولم تنبت نبتاً، فتنبت بعد جدوبها.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي: يعقلونَ عن الله حججه وأدلته.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السمآء والأرض بِأَمْرِهِ﴾ أي: ومن حججه وأدلته على توحيده وقدرته قيام السماوات والأرض بأمره خضوعاً له بالطاعة بغير عمد.
﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأرض إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ أي: إذا دعاكم للبعث خرجتم من بطن الأرض مستجيبين لدعائه إياكم.
روي عن نافع أنه وقف " دعاكم دعوة ". وكذلك قال يعقوب.
ثم يتبدئ " من الأرض ".
والوقف عند أبي حاتم: من الأرض ". أي: دعاكم وأنتم في الأرض، كما تقول دعوت فلاناً من بيته. أي: وهو في بيته.
والأحسن عند أهل النظر أن على " تخرجون "، لأن إذا الثانية جواب للأولى على قول الخليل وسيبويه، كأنه قال: إذا دعاكم خرجتم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض﴾ أي: هم عبيد له ومُلك له، لا إله إلا هو.
﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ أي: مطيعون. وطاعة الكفار منهم انقيادهم على ما شاء من صحة وسقم وفقر وغنى، روى الخدري عن النبي ﷺ قال: " كُلُّ قُنُوتٍ فِي الْقُرآنِ
قال ابن عباس: ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ أي: مطيعون في الحياة والنشوز من الموت وإن كانوا عاصين له في غير ذلك. وهو اختيار الطبري وقيل: معناه أنهم مقرين/ كلهم بأنه ربهم وخالقهم، دليله قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ [الزخرف: ٨٧].
وقيل: معنى الآية الخصوص: يريد بها المؤمنين بالله خاصة.
قال ابن ز يد: ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ مطيعون وليس شيء إلا هو قانت مطيع لله إلا ابن آدم، كان أحقهم أن يكون أطوعهم لله. قال: والقنوات في القرآن الطاعة إلا في قوله جل ذكره: ﴿وَقُومُواْ للَّهِ قانتين﴾ [البقرة: ٢٣٨] معناه: ساكتين لا يتكلمون كما يفعل أهل الكتاب.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَهُوَ الذي يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ إلى قوله: ﴿بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾.
أي: والذي له هذه الصفات هو الذي يبدؤ الخلق من غير أصل وأمثال ثم يفنيه ثم يعيده بعد إفنائه كما بدأ.
وقيل: المعنى: الإعادة أهون على المخلوق لأنه يقوم بشراً سوياً، وقد كان في الابتداء ينقل من حال إلى حال.
روي ذلك أيضاً عن ابن عباس.
وعن ابن عباس: أن معناه: وهو أيسر عليه. وقاله مجاهد.
فيكون هذا بمنزلة قوله: ﴿وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً﴾ [النساء: ٣٠].
وقال عكرمة: تعجب الكفار من إحياء الله الموتى فنزلت هذه الآية.
فالمعنى عنده: إعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه.
وقال قتادة: إعادة أهون عليه من بدايته، وكل شيء عليه هين.
وقيل أهون على بابها، على معنى أسهل عليه من الابتداء.
وجاز ذلك في صفات الله كما قال: ﴿وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً﴾ [النساء: ٣٠].
وحسن ذلك كله لأن الله خاطب العباد بما يعقلون، فأعلمهم أنه يجب عندهم أن يكون البعث أسهل من الابتداء، فجعله مثلاً لهم لأنهم كذلك يعرفون في عادتهم أن إعادة الشيء مع تقدم مثال أسهل من اختراع الشيء بغير مثال تقدم، فهو مثل لهم على ما يفهمون، ألا ترى أن بعده: ﴿وَلَهُ المثل الأعلى﴾، معناه: أنه لا إله إلا هو لا مثال له.
قال ابن عباس: ﴿وَلَهُ المثل الأعلى﴾ ليس كمثله شيء.
وقال قتادة: مثله أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره.
فمعنه وله الوصف الأعلى من كل وصف.
﴿وَهُوَ العزيز﴾ في انتقامه من أعدائه ﴿الحكيم﴾ في تدبيره خلقه على ما يشاء.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ أي: مثل الله لكم أيها القوم مثلاً من أنفسكم.
ثم بيّن ذلك المثل فقال: ﴿هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أي: هل من مماليككم شركاء في أموالكم أنتم وهم في المال سواء.
﴿تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ أي: تخافون من عبيدكم في أموالكم أن يرثوكم بعد وفاتكم كما يرث بعضكم بعضاً.
وقيل: المعنى تخافونهم كما يخاف الشريك شريكه إذا تعدى في المال بغيره - أي: شريكه -.
وقيل: المعنى تخافونهم أن يقاسموكم كما يقاسم الشريك شريكه فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسهم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم شركاء لله في العبادة، وأنتم وهم عبيد الله وخلقه، وهو تعالى ذِكْرُهُ مالك الجميع، فجعلتم له شركاء من مماليكه وخلقه، ولا ترضون أنتم أن يكون لكم شركاء من مماليككم.
هذا معنى قول قتادة.
ثم قال تعالى: ﴿بَلِ اتبع الذين ظلموا أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي: عبدو الأصنام وأحدثوا لله شركاء اتباعاً منهم لما تهوى أنفسهم جهلاً منهم بطريق الحق.
﴿فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله﴾ أي: من يسدد للصواب ويوفق للإسلام من أضله الله عن الاستقامة والرشاد.
﴿وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ أي: وما لمن أضل الله من ناصر ينصره من الضلالة.
ثم قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً﴾. أي: اتبع الذي أمرك الله به حنيفاً أي: مستقيماً.
﴿فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا﴾ انتصب " فطرت " على معنى اتبع فطرة الله وقيل: هو مصدر عمل فيه الجملة التي قبله. والمعنى فطر الله الناس/ على ذلك فطره.
فالحَنَفُ: الاستقامة، ولذلك قيل للمعوج الرِّجل: (أحنف) على التفاؤل، كما قيل للمهلكة مفازة، والمفازة: النجاة، وقيل للأعمى بصير على التفاؤل في ذلك.
كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦].
فالمعنى دين الله المفطور له الناس، أي: المخلوق الناس له أي: خلقوا لاتباع الدين.
قال ابن زيد " فطرت الله " الإسلام، منذ خلقهم يقرون بذلك، وقرأ ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾ [الأعراف: ١٧٢] الآية.
وهو قوله: ﴿كَانَ الناس أُمَّةً واحدة﴾ [البقرة: ٢١٣] وقاله مجاهد أيضاً.
وفي الحديث: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَى يَكُونَ أبَواهُ هُمَا اللَّذَانَ يُهَوِّدَانِهِ
قال الأوزاعي وحماد بن سلمة: هذا الحديث مثل قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ﴾ الآية فالمعنى: كل مولود يولد على العهد الذي أخذ عليه.
وفي الحديث: " أَخْرَجَهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ أَمْثَالَ الذَّرِّ فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ العَهْدَ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ عَلَى ذَلِكَ الْعَهْدِ يُولَدُ " وقيل: معنى الآية: خلقة الله التي لا يعرفونها لا تميز شيئاً.
وقال محمد بن الحسن: هذا قبل أن تنزل الفرائض ويؤمر بالجهاد.
وقوله جلّ ذكره: ﴿لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله﴾. معناه: لا تبديل لدين الله، أي: لا ينبغي لك أن تفعل ذلك، قاله مجاهد وعكرمة قتادة والضحاك والنخعي وابن زيد.
وقال ابن عباس: معناه لا تغيير لما خلق الله من البهائم، لا تخصى، وكره خصاء البهائم وقرأ الآية.
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الدين القيم﴾ أي: هذا الذي تقدم ذكره هو الدين المستقيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتقوه﴾ أي: أقيموا وجوهكم للدين حنفاء منيبين إليه، أي: راجعين إلى طاعته.
وقوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ هو خطاب للنبي ﷺ والمراد به أمته فلذلك جاء الحال بلفظ الجمع. فلا تقف على يعلمون.
وقيل: المعنى فأقم وجهك ومن معك منيبين إليه.
قال ابن زيد: المنيب: المطيع. وأصله في اللغة الراجع عن الشيء.
﴿واتقوه﴾ أي: وخافوه أن تفرطوا في طاعته.
﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة﴾ أي: بحدودها في أوقاتها.
﴿وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين﴾ أي: ممن عبد مع الله غيره وضيع فرائضه. ثم بينهم فقال تعالى ذكره: ﴿مِنَ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً﴾ يعني اليهود والنصارى، قاله قتادة.
وقال ابن زيد: هم اليهود.
وقالت عائشة رضي الله عنهـ وأبو هريرة: هي في أهل القبلة.
ومعنى ﴿وَكَانُواْ شِيَعاً﴾ أي: أحزاباً.
﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ أي: كل طائفة تفرح بما هم عليه من الدين وتظن أن الصواب معها.
وهذا أمر من الله جل ذكره بلزوم الجماعة وترك تفريق الكلمة وتنبيه منه أن
قوله تعالى ذكره: ﴿وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ﴾ إلى قوله ﴿أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ﴾.
أي: وإذا مس هؤلاء المشركين وغيرهم ضر من مرض أو جدب ونحوه ﴿دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ أي: أخصلوا له الدعاء والتضرع، ﴿ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً﴾، إي: فرج عنهم الضر ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ يعني المشركين.
ثم قال تعالى: ﴿لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ﴾.
إن جعلت اللام لام كي لم تقف على " يشركون "، ولكن تقف على ﴿آتَيْنَاهُمْ﴾، وإن جعلتها لام أمر لأن الكلام فيه معنى التهديد ابتدأت بها إن شئت، ووقفت على ﴿يُشْرِكُونَ﴾، ولم تقف على ﴿آتَيْنَاهُمْ﴾.
وقوله: ﴿فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ يدل على أنها لام أمر لأن هذا وعيد وتهديد لا شك فيه، فحمل الكلام على معنى واحد أحسن. والمعنى على الأمر: اكفروا وتمتعوا بالصحة والرخاء فسوف تعلمون عاقبتكم إذا أوردتم على ربكم.
ثم قال تعالى: ﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً﴾ أي: كتاباً وحجة في عبادتهم الأوثان.
﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ أي: فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم.
فالمعنى: لم ننزل عليهم شيئاً من ذلك إنما اختلفوا من عند أنفسهم اتباعاً لأهوائهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا﴾ أي: وإذا مس الناس خصب ورخاء وصحة فرحوا بذلك.
﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: وإن تصبهم شدة جدب أو مرض أو إتلاف مال بذنوبهم المتقدمة ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ أي: يئسون من الفرح، والقنوط: اليأس.
ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ﴾ أي: ألم ير هؤلاء الذين ييأسوا عند الشدة ويفرحون عند الرخاء أن الله يوسع على من يشاء في رزقه، ﴿وَيَقْدِرُ﴾ أي: ويضيق على من يشاء في رزقه.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي: إن في توسيعه الرزق على بعض خلقه وتضييقه على بعض، لدلالات وحججاً على قدرة الله لمن آمن بالله.
ثم قال تعالى: ﴿فَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ﴾.
قال مجاهد وقتادة: هو قريب الرجل، صلة الرحم له فرض من الله جل ذكره.
وقال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجه.
وقال قتادة: إذا لم تعط ذا قرابتك وتمش إلأيه برجليك فقد قطعته.
وقوله: ﴿والمسكين وابن السبيل﴾ أي: وَفِّيهم حقهم إن كان يُسْر، وإن لم يكن عندك شيء فقل لهم قولاً معروفاً. وابن السبيل: الضيف.
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله﴾ أي: إتيان هؤلاء حقوقهم التي ألزمها الله جل ذكره عباده خير للذين يريدون بما يعطون ثواب الله.
﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾ أي: الباقون في النعيم الفائزون.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ الله﴾ أي: ما أعطى بعضهم بعضاً ليرد الآخذ على المعطي أكثر مما أخذ منه فلا أجر فيه للمعطي لأنه لم يبتغِ في إعطائه ثواب الله، إنما ابتغى الازدياد من مال الآخذ، فذلك حلال لكم ولا أجر لكم فيه.
قال ابن عباس: هو الرجل يهدي الهدية فيطلب ما هو أفضل منها.
فليس له أجر ولا عليه إثم، وهو معنى قول مجاهد والضحاك وقتادة.
وقيل: هو الرجل يعطي الرجل العطية ليخدمه ويعينه لا لطلب أجر.
وقيل: هو الرجل يعطي الرجل ماله ليكثر مال لآخذ للثواب.
وقيل: هو الربا المحرم.
ومعنى: ﴿فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ الله﴾ عند من قال: هو المحرم، لا يحكم به لأحد، بل هو للمأخوذ منه.
قال تعالى: ﴿وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون﴾ أي: وما
وقيل: المعنى يضاعف لهم الخير والنعيم.
ويلزم من قال هذا التفسير أن يكون اللفظ: ﴿المضعفون﴾ بفتح العين لأنهم فعول بهم. لكن تحقيق المعنى مع كسر العين: فألئك هم الذين أضفعوا لأنفسهم حسناتهم، أي: هم المضعفون لأنفسهم الحسنات، لأن من اختار عمل الحسنة فقد اختبار عمل عشر حسنات لنفسه، ويضاعف الله لمن يشاء أكثر من عشر على الحسنة الواحدة.
ثم قال تعالى: ﴿الله الذي خَلَقَكُمْ﴾ أي: اخترعكم ولم تكونوا شيئاً، ثم رزقكم وخولكم ولم تكونوا تملكون شيئاً، ثم هو يميتكم ثم هو يحييكم ليوم القيامة، فالعبادة لا تصلح إلا لمن هو هكذا.
﴿هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذلكم مِّن شَيْءٍ﴾ أي: هل يفعل شيئاً من خلق أو موت أو بعث أو رزق أو ضر أو نفع، آلهتكم التي تعبدون، فلا بُدَّ لهم أن يقروا أنها لا تفعل شيئاً من ذلك فيعلمون أنهم على باطل.
ثم قال: ﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: تنزيها لله وبراءة له عما يشركون به.
ثم قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس﴾ أي: ظهرت المعاصي لله في الأرض وبحرها بذنوب الناس.
قال مجاهد وعكرمة: البحر هنا الأمصار، والبر: الفلوات، ظهرت/ فيها معاصي ابن آدم.
والتقدير على هذه الأقاويل: ظهر الفساد في مواضع البر والبحر.
وقيل: المعنى ظهر الفساد في مدن البر ومدن البحر.
والفساد: الجدب بذنوب بني آدم.
وقيل: الفساد ظهور المعاصي فيها وقطع السبيل والظلم وعن مجاهد: أن البر القرى والأمصار، والبحر بحر الماء المعروف قال: في البر: ابن آدم الذين قتل أخاه، وفي البحر: الذي كان يأخذ كل سفينة غضباً.
وهو قول ابن أبي نجيح.
وعن ابن عباس أنه قال: الفساد نقصان البركة بأعمال العباد حتى يتوبوا.
فالمعنى على هذا: ظهر الجدب في البر والبحر، وظهور الفساد في البحر انقطاع مادة صيده وذلك بذنوب بني آدم.
وقال الحسن: أفسد الله بذنوبهم بَرَّ الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة لعلهم يرجعون، أي: يرجع من يأتي بعدهم.
ثم قال تعالى: ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذي عَمِلُواْ﴾ أي: ليصيبهم بعقوبة بعض ذنوبهم.
﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي: ينيبون إلى ترك المعاصي ويتوبون.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فانظروا﴾ الآية. هي مثل " أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ " في أول السورة. وقد تم تفسيرها.
ومعنى ﴿كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ﴾ أي: مثلكم يا قريش.
قوله تعالى ذكره: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القيم﴾ إلى قوله: ﴿فَهُمْ مُّسْلِمُونَ﴾.
أي: اتبع يا محمد الدين أمرك الله به فهو المستقيم.
فالمعنى: أسلم على الدين القيم واعمل به أنت ومن اتبعك من قبل ان ينقطع وقت العمل بالموت وقيام الساعة. والخطاب للنبي ﷺ والمراد أمته.
﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ أي: يتفرقون في ذلك اليوم، فريق في الجنة وفريق في السعير.
يقال: تصدع القوم إذا تفرقوا، ومنه الصداع لأنه تفرق شعب الرأس.
ثم قال تعالى ذكره ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ أي: إثم وزره.
﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾ أي: من آمن وأدى ما افترض الله عليه.
﴿فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ أي: فلأنفسهم يستعدون ويوطئون.
قال مجاهد: يمهدون في القبر.
ثم قال: ﴿لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِن فَضْلِهِ﴾ أي: يومئذ يتفرقون ليجزي المؤمنين من فضله، أي: يومئذ يتفرقون لهذا الأمر، فيخص بالجزاء المؤمنين خاصة لأنه لا يحب الكافرين.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ﴾ بالغيث.
﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ أي: ولينزل عليكم من رحمته، وهي الغيث الذي يحيي به البلاد.
﴿وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ﴾ أي: السفن في البحر بأمره إياها.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي: تشكرون على هذه النعم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بالبينات﴾ هذه الآية تسلية للنبي ﷺ إذ كذبه قريش، فأعمله الله أنه قد أَرْسَل من قبله رسلاً إلى قومهم كما أرسله إلى قومه، وأن أولئك الرسل أَتَوْا أقوامهم بالبينات، أي: بالحجج الظاهرة كما جئت أنت يا محمد قومك بذلك.
﴿فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ﴾ في الكلام حذف والتقدير فكذبوا الرسل فانتقمنا من المكذبين، فكذلك تفعل بقومك يا محمد في تكذيبهم إياك.
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين﴾ أي: ونجينا المؤمنين إذ جاء بأسنا، وكذلك نفعل بك يا محمد ومن آمن بك.
وقيل: المعنى: وكان حقاً علينا نصر المؤمنين على الكافرين، فكذلك ننصرك ومن آمن بك على الكافرين من قومك.
وفي الحديث: " مَنْ رَدَّ عَلَى عِرْضِ صَاحِبِهِ رَدَّ الله عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ ثُمَّ تَلَى رَسُولُ الله: " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤمِنِينَ " والتمام عند نافع آخر واو.
والوقف عند أبي حاتم: " نَصْرُ المُؤمِنِينَ ".
ثم قال تعالى: ﴿الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً﴾ أي: ينشئ الرياح سحاباً، ﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ﴾ ويجمعه.
قال قتادة: يبسطه: يجمعه.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً﴾ أي: ويجعل الله السحاب في السماء قطعاً متفرقة، وهو جمع كسفة، وهي القطعة منه.
ومن أسكن السين فمعناه: أنه يجعل السحاب قطعة واحدة ملتئمة.
ويجوز أن يكون معناه كالأول على التخفيف.
ثم قال تعالى: ﴿فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ﴾ أي: المطر يخرج من بين السحاب.
قال عبيد بن عمير: الرياح أربع: يبعث الله جل ذكره ريحاً فتعم الأرض
ومعنى ﴿مِنْ خِلاَلِهِ﴾: من خلال الكسفة، لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاء فالتذكير فيه حسن.
وخلال جمع خلل.
وقد قرأ الضحاك: " يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِهِ ".
ثم قال تعالى: ﴿فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ﴾ أي: بالمطر ﴿مَن يَشَآءُ﴾ أي: أرض من يشاء من عبادة استبشروا وفرحوا.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: وإن هؤلاء الذين أصابب بالغيث أرضهم كانوا يئيسين من الخير قبل أن ينزل عليهم الغيث.
وقوله: ﴿مِّن قَبْلِهِ﴾ تأكيد للأول عند الأخفش.
وقيل: التقدير من قبل تنزيل الغيث [من قبل رؤية السحاب.
وقيل: المعنى وإن كانوا من قبل تنزيل الغيث] عليهم من قبل أن يزرعوا لمبلسين، ودل المطر على الرزع لأنه خرج بسبب المطر، ودل على ذلك أيضاً ﴿فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً﴾ يعني الزرع.
ثم قال تعالى: ﴿فانظر إلى آثَارِ رَحْمَتِ الله﴾ أي: انظر يا محمد إلى أثر المطر في الأرض كيف حييت بعد موتها، وأنبتت بعد قحطها، واهتزت بعد جدبها، فكذلك يحيي الله الموتى بعد فنائهم.
ومن قرأ " أَثَرِ رَحْمَةِ اللهِ " بالتوحيد ورده على التوحيد في: " فَيُبْسِطُهُ "، و " يَجْعَلُهُ "، و " مِنْ خِلاَلِهِ "، " وَأَصَابَ بِهِ "، " وَمِنْ قَبْلِهِ ".
ثم قال: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الموتى﴾ أي: إن الذي يحيي هذه الأرض بعد موتها لمحيي الموتى بعد موتهم.
﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي: لا يمتنع عليه فعل شيء أراده.
والمضر في " يحيي الأرض " يجوز أن يكون للمطر، ولله جل ذكره، وللأثر.
وقرأ محمد اليماني " كَيْفَ تُحْيِي " بالتاء رده على الرحمة، أو على الآثار.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً﴾ أي: ولئن أرسلنا ريحاً مفسدة لما أنبت الغيث فرأوا ما أنبت الغيث مصفراً قد فسد بتلك الريح.
﴿لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ أي: لصاروا من بعده فرحهم واستبشارهم بالغيث
وقيل: الهاء للسحاب.
وقيل: للريح.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى﴾ الآية.
أي: إنك يا محمد لا تقدر أن تسمع من مات قلبه، ولا من أصم الله أذنه عن سماع الإيمان وهو الكافر لأنه كالميت الأصم. وهذا مَثَلٌ [ضربه] الله للكفار.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنتَ بِهَادِ العمي عَن ضَلاَلَتِهِمْ﴾ الآية.
أي: لست يا محمد تقدر أن تهدي من أعماه الله تعالى عن الهدى.
﴿إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ﴾ أي: تسمع إلا من وفقه الله للإيمان، وقد تقدم تفسير الآيتين بأشبع من هذا في " الأنبياء ".
قوله تعالى ذكره: ﴿الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ﴾ إلى آخر السورة.
والضعف بالفتح: المصدر، والضعف بالضم الاسم.
وروى عطية عن ابن عمر أنه قال: " قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيّ ﷺ الَّذي خَلَقَكُم مِنْ ضَعْفٍ " فقال لي: " مِنْ ضُعْفٍ ".
وقرأ عيسى بن عمر " مِنْ ضُعُف " بضمتين/.
وأجاز الكوفيون ضَعَفٍ بفتح الضاد والعين لأجل حرف الحلق.
ثم قال: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾.
﴿وَهُوَ العليم﴾ أي: بخلقه، ﴿القدير﴾ أي: القادر عليهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون﴾ أي: ويوم تجيئ ساعة البعث فيبعث الله الخلق، يحلف الكفار ما لبثوا فيب قبورهم غير ساعة واحدة.
قال قتادة: لما عاينوا الآخرة هان عندهم ما لبثوا.
﴿كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ﴾ أي: كما كذبوا في قولهم في الآخرة ما لبثها في قبورنا غير ساعة، كذلك كانوا في الدنيا يكذبون، أي: يصرفون الصدق إلى الكذب.
وقيل معنى ذلك: أن الكفار لابد لهم من خمدة بين النفختين فلم يدروا مقدار ذلك فقالوا: ما لبثنا غير ساعة.
وقيل: معناه: ما لبثنا في الدنيا غير ساعة، هان عليهم مكثهم في الدنيا لا نقطاعه وزواله، فادعوا أنهم ما لبثوا فيها غير ساعة.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث فهذا يَوْمُ البعث﴾.
هذا رد من المؤمنين على الكفار يوم القيامة دعواهم أنهم ما لبثوا غير ساعة، تقديره عند قتادة: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث.
وقيل: المعنى على غير تقدير ولا تأخير، والتقدير: وقال الذين أعطاهم الله العلم به والإيمان لقد لبثتم في اللوح المحفوظ إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث، أي: يوم يبعث الناس من قبورهم، ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون وأنكم تبعثون بعد الموت، ولذلك كذبتم به.
وقيل: التقدير: لقد لبثتم في حكم الله وتقديره إلى يوم البعث.
ثم قال تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ﴾.
أي: لا ينتفعون بعذر يعتذرون به من كفرهم وجحودهم ونفيهم للبعث.
﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي: لا يقيمون في أنفسهم ولا يسترجعون.
روي أنه لما رد المؤمنون عليهم سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذرا ولا استعتبوا.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي: مَثَّلْنَا للناس في القرآن من كل مثل يدلهم على الهدى احتجاجاً عليهم وتنبيهاً لهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ﴾ أي: وإن جئتم يا محمد بدلالة على صدق ما تقول لهم. ﴿لَّيَقُولَنَّ الذين كفروا﴾ أي: الذين جحدوا آيات الله ورسله.
ثم قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
أي: كتم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به يا محمد من عند الله.
ثم قال جل ذكره لنبيه ﷺ: ﴿ فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾.
أي: اصبر على أذاهم وتكذيبهم إياك، إن وعد الله الذي وعدك من النصر عليهم والظفر بهم حق لا بد منه.
﴿وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ﴾ أي: لا يستخفن حلمك هؤلاء المشركون بالله الذين لا يوقنون بالمَعَاد، ولا يصدقون بالبعث.