ﰡ
قال الكلبي: إن مشركي مكة قالوا: يا محمد، والله لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله وأنك رسوله. فنزلت هذه الآية.
قال الكلبي عن ابن عباس:
إن كفار مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد: إنا قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعونا إليه الحاجة، فنحن نجعل لك نصيباً في أموالنا حتى تكون أغنانا رجلاً، وترجع عما أنت عليه. فنزلت هذه الآية.
قال الكلبي: إن رؤساء مكة قالوا: يا محمد، ما نرى أحداً يصدِّقك بما تقول من أمر الرسالة، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة، فأرِنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: إِن أبا سفيان بن حرب، والوليد بن المغيرة والنَّضْرَ بن الحارث، وعُتْبَة وشَيْبَة ابني ربيعة، وأمية، وأبياً ابني خلف؛ استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر: يا أبا قُتَيْلَة ما يقول محمد؟ قال: والذي جعلها بينه ما أدري ما يقول، إلا أني أرى تحريك شفتيه يتكلم بشيء، وما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأول، وكان يحدث قريشاً فيستمعون حديثه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن نعيم، قال: حدَّثنا علي بن حَمْشَاذ، قال: حدَّثنا محمد بن مَنْدَة الأصفهاني، قال: حدَّثنا بكر بن بَكَّار، قال: حدَّثنا حمزة بن حبيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ قال:
نزلت في أبي طالب، كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتباعد عما جاء به.
وهذا قول عطاء بن دينار، والقاسم بن مُخَيْمَرَة.
قال مقاتل: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يريدون سوءاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طالب:
والله لَنْ يَصِلُوا إليك بِجَمْعِهِـمْ * حتَّى أوسَّدَ في التراب دفينا
فاصْدَعْ بأمرك ما عليك غَضَاضةٌ * وابْشِرْ وقر بذاك منك عيونا
وعرضت ديناً لا محالــة أنـه * مِنْ خير أديانِ البَرِيَّةِ دينا
لَوْلاَ الملامةُ أو حِـذَارى سبّـةً * لوَجَدْتَنِي سَمْحاً بذاك مَتِينا
فأنزل الله تعالى: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ..﴾ الآية.
وقال محمد بن الحَنَفِيَّة والسُّدِّي والضَّحَّاك: نزلت في كفار مكة، كانوا ينهون الناس عن اتبِّاع محمد صلى الله عليه وسلم، ويتباعدون بأنفسهم عنه. وهو قول ابن عباس في رواية الوالبي.
قال السُّدِّي: التقى الأخْنَسَ بن شُرَيق، وأبو جهل بن هشام، فقال الأخْنس لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا أحد يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادِق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قُصَيّ باللوَاء والسِّقَايَة والحِجَابَة والنَّدْوَة والنُّبُوَّة فماذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو ميسرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرَ بأبي جهل وأصحابه، فقالوا: يا محمد إنا والله ما نكذبك، وإنك عندنا الصادق، ولكن نكذب ما جئت به. فنزلت: ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
وقال مقاتل: نزلت في الحارث بن عامر بن نَوْفَل بن عبد مناف بن قُصَيّ بن كِلاَب، كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في العلانية، وإذا خلا مع أهل بيته، قال: ما محمد من أهل الكذب، ولا أحسبه إلا صادقاً. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا زاهر بن أحمد، قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن مُصْعَبْ، قال: حدَّثنا يحيى بن حكيم، قال: حدَّثنا أبوداود، قال: حدَّثنا قيس بن الرَّبيع، عن المِقْدام بن شريح، عن أبيه: عن سعد، قال:
نزلت هذه الآية فينا ستة: فيّ، وفي ابن مسعود، وصُهَيب، وعمَّار، والمِقْدَاد، وبلال؛ قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعاً لهؤلاء فاطردهم [عنك]. فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما شاء الله أن يدخل، فأنزل الله تعالى عليه: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ...﴾ الآية. رواه مسلم عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن، عن سفيان، عن المقدام.
أخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: أخبرنا أبو بكر بن [أبي] زكريا الشيباني، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن، قال: حدَّثنا أبو صالح الحسين بن الفرج، قال: حدَّثنا محمد بن مقاتل المَرْوَزِي، قال: حدَّثنا حكيم بن زيد، قال: حدَّثنا السّدّي، عن أبي سعيد، عن أبي الكنود، عن خَبَّاب بن الأرت، قال:
فينا نزلت، كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم بالغداة والعشي، فعلَّمنا القرآن والخير، وكان يخوفنا بالجنة والنار، وما ينفعنا وبالموت والبعث؛ فجاء الأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيميّ وَعُيَيْنَة بن حِصْن الفَزَارِي، فقالا: إنا من أشراف قومنا وإنا نكره وأن يرونا معهم، فاطردهم إذا جالسناك. قال: نعم، قالوا: لا نرضى حتى نكتب بيننا كتاباً، فأتى بأَدِيمِ ودواة، فنزلت هؤلاء الآيات: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان، قال: حدَّثنا أبو يحيى الرَّازِي: قال: حدَّثنا سهل بن عثمان، قال: حدَّثنا أسباط بن محمد، عن أشعث، عن كُرْدُوس، عن ابن مسعود، قال:
مر الملأْ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده خباب بن الأَرَتّ وصُهَيب وبلال وعمّار، فقالوا: يا محمد، رضيت بهؤلاء؟ أتريد أن نكون تبعاً لهؤلاء؟ فأنزل الله تعالى: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾.
وبهذا الإسناد قال: حدَّثنا عبيد الله عن [أبي] جعفر، عن الرّبيع قال:
كان رجال يسبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم بلال [وعمار] وصهيب وسلمان، فيجيء أشراف قومه وسادتهم وقد أخذ هؤلاء المجلس فيجلسون إليه. فقالوا: صهيب رومي وسلمان فارسي، وبلال حبشي؛ يجلسون عنده ونحن نجيء فنجلس ناحية! وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سادة قومك وأشرافهم، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا. فهمّ أن يفعل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: جاء عُتْبَة بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، ومُطْعِم بن عَدِي، والحارث بن نَوْفَل، في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر، إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمداً يطرد عنه مَوَالينا وعبيدنا وعُسَفَائنَا - كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له. فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثه بالذي كلموه، فقال عمر بن الخطاب: لو فَعَلْتَ ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون؟ وإلام يصيرون من قولهم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب يعتذر من مقالته.
قال عكرمَة: نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، فكان إذا رآهم النبي صلى الله عليه وسلم بدأهم بالسلام، وقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام.
وقال ماهان الحنفي: أتى قوم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا أصبنا ذنوباً عظاماً، إخَالُه ردّ عليهم بشيء، فلما ذهبوا وتولوا نزلت هذه الآية: ﴿وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾.
قال الكلبي: نزلت في النَّضْر بن الحارث، ورؤساء قريش؛ كانوا يقولون: يا محمد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به، استهزاء منهم، فنزلت هذه الآية.
قال ابن عباس في رواية الوَالبي:
قالت اليهود: يا محمد، أنزل الله عليك كتاباً؟ قال نعم، قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ﴾.
وقال محمد بن كَعْب القرظي:
أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم، أن يسأل أهل الكتاب عن أمره وكيف يجدونه مكتوباً في كتبهم؟ فحملهم حسد محمد أن كفروا بكتاب الله ورسوله، وقالوا: "ما أنزل الله على بشر من شيء"، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جُبَيْر: جاء رجل من اليهود يقال له: مالك بن الصيّف، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ وكان حبراً سميناً، فغضب وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا على موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي، كان يسجع ويتكهن، ويدعي النبوة، ويزعم أن الله أوحى إليه.
قوله تعالى: ﴿وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ...﴾ الآية. [٩٣].
نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، كان قد تكلم بالإسلام، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يكتب له شيئاً، فلما نزلت الآية التي في المؤمنين [١٢-١٤] ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ﴾ أملاها عليه فلما انتهى إلى قوله ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ﴾ عجِب عبدُ الله من تفصيل خلق الإنسان فقال ﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أُنزلت عليّ، فشك عبد الله حينئذ، وقال: لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إِليّ كما أُوحِيَ إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال: وذلك قوله: ﴿وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ﴾ وارتد عن الإسلام. وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله [بن نعيم]، قال: حدَّثني محمد بن يعقوب الأموي، قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدَّثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال حدَّثني شرحبيل بن سعد، قال:
نزلت في عبد الله بن سعد بن سَرْح، قال: سأنزل مثل ما أنزل الله، وارتد عن الإسلام، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكة [فر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه عنده، حتى إذا اطمأن أهل مكة] أتى به عثمان رسول الله عليه السلام، فاستأمن له.
قال الكلبي: نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا: إن الله تعالى وإبليس أخَوَان، والله خالق الناس والدواب [والأنعام]، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب. فذلك قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ﴾.
قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالوا: يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجونّ ربّك. فنهى الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدواً بغير علم.
وقال قتادة: كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم، فنهاهم الله تعالى أن يَسْتَسِبُّوا لربهم قوماً جهلة لا علم لهم بالله.
وقال السّدّي: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ، قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل، فلنأمرنه أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: كان يمنعه فلما مات قتلوه! فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل والنَّضر بن الحارث، وأمية وأبيّ ابنا خلف، وعقْبَة بن أبي مُعَيْط، وعمرو بن العاص، والأسود بن البَخْتَرِي؛ إلى أبي طالب فقالوا: أنت كبيرنا وسيدنا، وإن محمداً قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا، ولنَدَعْه وإلهه. فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا تريدون؟ فقالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك. فقال أبو طالب: قد أنصفك قومك فاقبل منهم. فقال رسول الله عليه السلام: أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم مُعْطِيَّ كلمةً إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم؟ قال أبو جهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها فما هي؟ قال: قولوا لا إله إلا الله. فأبوا واشمأزوا. فقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي؛ فإن قومك قد فزعوا منها. فقال: يا عم، ما أنا بالذي أقول غيرها، ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها! فقالوا: لتكفن عن شتمك آلهتنا. أو لنشتمنك ونشتم من يأمرك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب الأموي، قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدَّثنا يونس بن بكير، عن أبي مَعْشَرَ، عن محمد بن كَعْب، قال:
كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشٌ، فقالوا: يا محمد [إنك] تخبرنا أن موسى عليه السلام كانت معه عصا ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عَشْرَة عيناً، وأن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى، وأن ثمود كانت لهم ناقة، فائتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ شيء تحبون أن آتيكم به؟ فقالوا: تجعل لنا الصَّفَا ذهباً. قال: فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم، والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين. فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فجاءه جبريل عليه السلام وقال: إن شئتَ أصبح الصفا ذهباً، ولكني لم أرسل آية فلم يُصَدَّق بها إلا أنزلت العذاب، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتركهم حتى يتوب تائبهم. فأنزل الله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ إلى قوله: ﴿مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ﴾.
قال المشركون: يا محمد، أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ قال: الله قتلها، قالوا: فتزعم أن ما قتلتَ أنت وأصحابك حلال، وما قتل الكلبُ والصقر حلال، وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عِكْرِمَة: إن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش - وكانوا أولياءهم في الجاهلية، وكانت بينهم مكاتبة - إن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال، وما ذبح الله فهو حرام. فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن عباس: يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث، وحمزة لم يؤمن بعد، فأُخْبِرَ حمزةُ بما فعل أبو جهل، وهو راجع من قَنْصه وبيده قوس، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول: يا أبا يعلى، أما ترى ما جاء به: سفه عقولنا، وسب آلهتنا، وخالف آباءنا؟! قال حمزة: ومَنْ أَسَفْه منكم؟ تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، والوليد بن أبان، قالا: حدَّثنا أبو حاتم، قال: حدَّثنا أبو تقي قال: حدَّثنا بقية بن الوليد، قال: حدَّثنا مُبَشِّر بن عُبيد عن زيد بن أسلم، في قوله عز وجل: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ﴾ قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه ﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ قال: ابو جهل بن هشام.