ﰡ
أَنَّ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهَا الْخُمُسَ
وَلَوْ كَانَتْ مَقْسُومَةً قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا الْحُكْمُ لِعَزْلِ الْخُمُسِ لِأَهْلِهِ وَلِفَضْلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ وَقَدْ كَانَ فِي الْجَيْشِ فرسان أحدهما للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم والآخر للمقداد فلما قسم الْجَمِيعَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى قل الأنفال لله والرسول قَدْ اقْتَضَى تَفْوِيضَ أَمْرِهَا إلَيْهِ لَيُعْطِيَهَا مَنْ يَرَى ثُمَّ نُسِخَ النَّفَلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وبقي ما حُكْمُهُ قَبْلَ إحْرَازِهَا عَلَى جِهَةِ تَحْرِيضِ الْجَيْشِ وَالتَّضْرِيَةِ عَلَى الْعَدُوِّ وَمَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ وَمِنْ الْخُمُسِ عَلَى مَا شَاءَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَلَطَ الرِّوَايَةِ فِي
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَأَنَّهُ نَفَلَ الْقَاتِلَ وَغَيْرَهُ
مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جِئْت إلَى النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفٍ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّه إنَّ اللَّه قَدْ شَفَى صَدْرِي الْيَوْمَ مِنْ الْعَدُوِّ فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ فَقَالَ إنَّ هَذَا السَّيْفَ لَيْسَ لِي وَلَا لَك فَذَهَبْت وَأَنَا أَقُولُ يُعْطَاهُ الْيَوْمَ مَنْ لَمْ يبل بلاي فَبَيْنَا أَنَا إذْ جَاءَنِي الرَّسُولُ فَقَالَ أَجِبْ فَظَنَنْت أَنَّهُ نَزَلَ فِي شَيْءٍ بِكَلَامِي فَجِئْت فقال لي النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إنَّك سَأَلْتَنِي هَذَا السَّيْفَ وَلَيْسَ هُوَ لِي وَلَا لَك وَإِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَهُ اللَّه لي فهو لك ثم قرأ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِسَعْدٍ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ اللَّه لَهُ آثَرَهُ بِهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَفَّلَهُمْ قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَالَ مَنْ أَخَذَ شيئا فهو له
وقوله تَعَالَى وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم
وقَوْله تَعَالَى فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم فَوُجِدَ مُخْبِرُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فَكَانَ مِنْ طُمَأْنِينَةِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَخْبَرَ بِهِ
وَقَالَ تَعَالَى إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أمنة منه فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ النُّعَاسَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَطِيرُ فيه النعاس بإظلال العدو عليكم بِالْعِدَّةِ وَالسِّلَاحِ وَهُمْ أَضْعَافُهُمْ ثُمَّ قَالَ وَيُنَزِّلُ عليكم من السماء ماء ليطهركم به يَعْنِي مِنْ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ احتمل وهو حزر الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ مِنْ وَسْوَسَتِهِ فِي الْمَنَامِ وَلِيَرْبِطَ على قلوبكم بِمَا صَارَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْأَمَنَةِ وَالثِّقَةِ بموعود اللَّه ويثبت به الأقدام يَحْتَمِلُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْبَصِيرَةِ وَالْأَمْنِ وَالثِّقَةِ الْمُوجِبَةِ لِثَبَاتِ الْأَقْدَامِ وَالثَّانِي أَنَّ مَوْضِعَهُمْ كَانَ رَمْلًا دَهْسًا لَا تَثْبُت فِيهِ الْأَقْدَامُ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْمَطَرِ مَا لَبَّدَ الرَّمْلَ وَثَبَّتَ عَلَيْهِ الْأَقْدَامَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ
قَوْله تَعَالَى إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الملائكة أنى معكم أن أنصركم فثبتوا الذين آمنوا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إلْقَاؤُهُمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْخَاطِرِ وَالتَّنْبِيهِ أَنَّ اللَّه سَيَنْصُرُهُمْ عَلَى الْكَافِرِينَ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِثَبَاتِهِمْ وَتَحَزُّبِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ ويحتمل أن يكون التثبيت بإخبار النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّه سَيَنْصُرُهُ وَالْمُؤْمِنِينَ
فَيُخْبِرُ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَدْعُوهُمْ ذَلِكَ إلَى الثَّبَاتِ ثُمَّ قَالَ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى وذلك أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَرَمَى بِهِ وُجُوهَهُمْ فَانْهَزَمُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا دخل من ذلك التراب في عينه وعنى بذلك أن اللَّه بلغ ذلك التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَعُيُونَهُمْ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِ أَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ أَنْ يُبْلِغَ ذَلِكَ التُّرَابُ عُيُونَهُمْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وهذه كلها من دلالة النُّبُوَّةِ وَمِنْهَا وُجُودُ مُخْبِرَاتِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّفَقَ مِثْلُهَا تَخَرُّصًا وَتَخْمِينًا وَمِنْهَا مَا أَنْزَلَ مِنْ الْمَطَرِ الَّذِي لَبَّدَ الرَّمْلَ حَتَّى
الْكَلَامُ فِي الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ
قَالَ اللَّه تَعَالَى وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لقتال أو متحيزا إلى فئة رَوَى أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ أَبُو نَضْرَةَ لِأَنَّهُمْ لَوْ انْحَازُوا يَوْمَئِذٍ لَانْحَازُوا إلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمٌ غَيْرُهُمْ وَهَذَا الذي قاله أبو نضيرة لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ خَلْقٌ كثير من الأنصار ولم يأمرهم النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَكُونُ قِتَالٌ وَإِنَّمَا ظَنُّوا أَنَّهَا الْعِيرُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِيمَنْ خَفَّ مَعَهُ فَقَوْلُ أَبِي نَضْرَةَ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ غَيْرَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَوْ انْحَازُوا انْحَازُوا إلَى الْمُشْرِكِينَ غَلَطٌ لِمَا وَصَفْنَا وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَهُمْ الِانْحِيَازُ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ الِانْحِيَازُ جَائِزًا لَهُمْ عَنْهُ قَالَ اللَّه تَعَالَى مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَخْذُلُوا نَبِيَّهُمْ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَيَنْصَرِفُوا عَنْهُ وَيُسْلِمُوهُ وَإِنْ كَانَ اللَّه قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِهِ وَعَصَمَهُ مِنْ النَّاسِ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَكَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ قَلَّتْ أَعْدَاؤُهُمْ أَوْ كَثُرُوا وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ فِئَةَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ وَمَنْ كَانَ بمنحاز عن القتل فَإِنَّمَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ الِانْحِيَازُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ انْحِيَازُهُ إلَى فِئَةٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم فئتهم يومئذ ولم تكن فِئَةٌ غَيْرَهُ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ كُنْت فِي جَيْشٍ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً وَاحِدَةً وَرَجَعْنَا إلَى المدينة فقلنا نحن الفرارون فقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أَنَا فِئَتُكُمْ
فَمَنْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْ النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إذَا انْحَازَ عَنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّمَا كَانَ يجوز له الانحياز إلى فئة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِئَةٌ غَيْرَهُ يَنْحَازُونَ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره قَالَ شَدَدْت عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَقَالَ اللَّه تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ فَرُّوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَرُّوا عَنْ النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَعَاقَبَهُمْ اللَّه عَلَى
قال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ اسْتَقْتَلَ يَوْمَ الْجَيْشِ حَتَّى قُتِلَ وَلَمْ يَنْهَزِمْ رَحِمَ اللَّه أَبَا عُبَيْدٍ لَوْ انْحَازَ إلَيَّ لَكُنْت لَهُ فِئَةً فَلَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ أَصْحَابُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ أَنَا فِئَةٌ لَكُمْ وَلَمْ يُعَنِّفْهُمْ وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَنَا ثَابِتٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَدَدُ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْهَزِمُوا عَنْ مِثْلَيْهِمْ إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ وَهُوَ أَنْ يَصِيرُوا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ مُكَايِدِينَ لِعَدُوِّهِمْ مِنْ نَحْوِ خُرُوجٍ مِنْ مَضِيقٍ إلَى فُسْحَةٍ أو من سعة إلى مضيق أو يمكنوا لِعَدُوِّهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ فِيهِ انْصِرَافٌ عَنْ الْحَرْبِ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ مَعَهُمْ فَإِذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ذَكَرَ أَنَّ الْجَيْشَ إذَا بَلَغُوا كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ عَدُوِّهِمْ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِيهِ وَاحْتَجَّ
بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
وَلَنْ يُؤْتَى اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ وَلَنْ يُغْلَبَ وَفِي بَعْضِهَا مَا غُلِبَ قَوْمٌ يَبْلُغُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا إذَا اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أن مالكا سئل فقيل له أيسعنا التحلف عَنْ قِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَنْ أَحْكَامِ اللَّه وَحَكَمَ بِغَيْرِهَا فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ إنْ كَانَ مَعَك اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِثْلَك لَمْ يَسَعْك التَّخَلُّفُ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي سَعَةٍ مِنْ التَّخَلُّفِ وَكَانَ السَّائِلُ لَهُ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَاَلَّذِي
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا
فَهُوَ أَصْلٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُ الْمُشْرِكِينَ فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْهُمْ وَإِنْ كانوا أضعافهم
لقوله صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إذَا اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ
وَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَمْعَ كَلِمَتِهِمْ
قَوْله تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة قِيلَ فِي الْفِتْنَةِ وُجُوهٌ فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّه أَنَّهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وأولادكم فتنة
وَقَالَ الْحَسَنُ الْفِتْنَةُ الْبَلِيَّةُ وَقِيلَ هِيَ الْعَذَابُ وقيل هي الفرج الذي يركب الناس فيه بظلم وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُقِرُّوا الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَعُمَّهُمْ اللَّه بِالْعَذَابِ وَنَحْوُهُ مَا
رُوِيَ أنه قبل يَا رَسُولَ اللَّه أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إذَا كَثُرَ الْخَبَثُ
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال مأمن قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي وَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُ فَلَمْ يُنْكِرُوا إلَّا عَمَّهُمْ اللَّه بِعَذَابٍ
فَحَذَّرَنَا اللَّه مِنْ عَذَابٍ يَعُمُّ الْجَمِيعَ مِنْ الْعَاصِينَ وَمَنْ لَمْ يَعْصِ إذَا لَمْ يُنْكِرْهُ وقيل إنها يَعُمُّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفَرَحَ وَالْفِتْنَةَ إذَا وَقَعَا دَخَلَ ضَرَرُهُمَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يَعْنِي مَا كَانَ لِيُعَذِّبَهُمْ عَذَابَ الِاسْتِيصَالِ وَأَنْتَ فيهم لأنه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَلَا يُعَذَّبُونَ وَهُوَ فِيهِمْ حَتَّى يَسْتَحِقُّوا سَلْبَ النِّعْمَةِ فَيَعُمَّهُمْ بِالْعَذَابِ بعد خروج النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ لَمَّا اسْتَحَقُّوا الِاسْتِيصَالَ أَمَرَ اللَّه أَنْبِيَاءَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِهِمْ نَحْوَ لُوطٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِمْ
وقَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يستغفرون قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ بَقِيَتْ فِيهَا بَقِيَّةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ أَنْ لَوْ اسْتَغْفَرُوا لَمْ يُعَذِّبْهُمْ
قَوْله تَعَالَى وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الحرام وَهَذَا الْعَذَابُ غَيْرُ الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ هَذَا عَذَابُ الْآخِرَةِ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البيت إلا مكاء وتصدية قِيلَ الْمُكَاءُ الصَّفِيرُ وَالتَّصْدِيَةُ التَّصْفِيقُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطِيَّةَ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ التَّصْدِيَةَ صَدُّهُمْ عَنْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَسُمِّيَ الْمُكَاءُ وَالتَّصْدِيَةُ صَلَاةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الصَّفِيرَ وَالتَّصْفِيقَ مَقَامَ الدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَقِيلَ إنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِمْ
قَوْله تَعَالَى وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كله لله قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَتَّى لَا يفتتن مؤمن عن دينه والفتنة هاهنا جَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْكُفْرَ وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْبَغْيَ وَالْفَسَادَ لِأَنَّ الْكُفْرَ إنَّمَا سُمِّيَ فِتْنَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ فَتَنْتَظِمُ الآية قتال الكفار وأهل البغي وأهل العيث وَالْفَسَادِ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وقَوْله تَعَالَى وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ سَائِرِ أَصْنَافِ أَهْلِ الْكُفْرِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ فَإِنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ وَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ لَا يُقَرُّ سائر الكفار دِينِهِمْ بِالذِّمَّةِ إلَّا هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ لِقِيَامِ الدلالة على جواز إقرارها بالجزية.
الْكَلَامُ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ
قَالَ اللَّه تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حلالا طيبا فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ والرسول وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ينفل ما أحرزه بِالْقِتَالِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ إلَّا مَنْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا
حَدِيثَ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ السَّيْفِ الَّذِي اسْتَوْهَبَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ هَذَا السَّيْفُ لَيْسَ لِي وَلَا لَك ثُمَّ لَمَّا نَزَلَ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ دَعَاهُ وَقَالَ إنَّك سَأَلْتَنِي هَذَا السَّيْفَ وَلَيْسَ هُوَ لِي وَلَا لَك وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّه لِي وَجَعَلْته لَك
وَحَدِيثَ أَبِي
وَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْفِدَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مَا كَانَ لنبى أن يكون له أسرى- إلى قوله- لمسكم فيما أخذتم
مِنْ الْفِدَاءِ ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمْ الْغَنَائِمَ فَأَخْبَرَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ الْغَنَائِمَ إنَّمَا أُحِلَّتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَهَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْله تعالى قل الأنفال لله والرسول وَأَنَّهَا كَانَتْ مَوْكُولَةً إلَى رَأْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَهَذِهِ الْآيَةُ أَوَّلُ آيَةٍ أُبِيحَتْ بِهَا الْغَنَائِمُ عَلَى جِهَةِ تَخْيِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِي إعْطَائِهَا مَنْ رَأَى ثُمَّ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه وقَوْله تَعَالَى فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وأنه فِدَاءَ الْأُسَارَى كَانَ بَعْدَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى قل الأنفال لله والرسول وَإِنَّمَا كَانَ النَّكِيرُ عَلَيْهِمْ فِي أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْ الْأَسْرَى بَدِيًّا وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْغَنَائِمَ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُحِلَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي جُعِلَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْغَنَائِمُ مُبَاحَةً وَفِدَاءُ الْأَسْرَى مَحْظُورًا وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ إنه لا تجوز مفادة أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَيْشَ لَمْ يَكُونُوا اسْتَحَقُّوا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ بَيْنَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ إلَّا بِجَعْلِ النَّبِيِّ ذَلِكَ لَهُمْ
أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَمْ يُخَمِّسْ غَنَائِمَ بَدْرٍ
وَلَمْ يُبَيِّنْ سِهَامَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ إلَى أَنْ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه فَجَعَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ وَالْخُمُسَ لِلْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَنَسَخَ بِهِ مَا كَانَ للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْفَالِ إلَّا مَا كَانَ شَرَطَهُ قبل إحراز الغنيمة نحو أن يقول من أَصَابَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِمْهُ قَوْله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شىء إذْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ غَنِيمَةً لِغَيْرِ آخِذِهِ أَوْ قَاتِلِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي النَّفَلِ بَعْدَ إحراز الغنيمة.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَالثَّوْرِيُّ لَا نَفَلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ إنَّمَا النَّفَلُ أَنْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ كَانَ يُنَفِّلُ فِي البدأ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ قَالَ الشَّيْخُ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ النَّفَلِ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ مَنْ أَخَذَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ
وَقَدْ رَوَى حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ نَفَّلَ فِي بَدْأَتِهِ الرُّبُعَ وَفِي رَجْعَتِهِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ
فَأَمَّا التَّنْفِيلُ فِي الْبَدْأَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا اتِّفَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يُصِيبُ السَّرِيَّةَ فِي الرَّجْعَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَلَكُمْ الثُّلُثُ بعد الخمس ومعلوم أن ذلك بِلَفْظِ عُمُومٍ فِي سَائِرِ الْغَنَائِمِ وَإِنَّمَا هِيَ حكاية فعل النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهُ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ لِلسَّرِيَّةِ فِي الرَّجْعَةِ وَجَعَلَ لَهُمْ فِي الرَّجْعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَهُ فِي الْبَدْأَةِ لِأَنَّ فِي الرَّجْعَةِ يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِ الْغَنَائِمِ وَإِحْرَازِهَا وَيَكُونُ مِنْ حَوَالَيْهِمْ الْكُفَّارُ مُتَأَهِّبِينَ مُسْتَعِدِّينَ لِلْقِتَالِ لِانْتِشَارِ الْخَبَرِ بِوُقُوعِ الْجَيْشِ إلَى أَرْضِهِمْ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَجَعَلَهَا لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه قيل له دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْت لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ الْخُمُسُ الْمُسْتَحِقُّ لِأَهْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ الغنيمة بقوله تعالى فأن لله خمسه وجائز أن يكون عَلَى خُمُسٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَلَمَّا احْتَمَلَ حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ مَا وَصَفْنَا لَمْ يَجُزْ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه الْمَذْكُورِينَ فَمَتَى أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّ الْجَمِيعِ فِيهَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْهَا لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِ مُقْتَضَى الْآيَةِ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ تَخْصِيصُ الْآيَةِ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّه قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ
فَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سُهْمَانَ الْجَيْشِ وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّفَلَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا كَانَ بَعْدَ السُّهْمَانِ وَذَلِكَ مِنْ الْخُمُسِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ مَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ الْعَلَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامِ ابن الْأَسْوَدِ يَقُولُ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلم إلَى بَعِيرٍ مِنْ الْمَغْنَمِ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ الْبَعِيرِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذَا إلَّا الخمس والخمس مردود فيكم
فأخبر صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَائِزَ التَّصَرُّفِ إلَّا فِي الْخُمُسِ مِنْ الْغَنَائِمِ وَأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِلْغَانِمِينَ وفي ذلك دليل على أن ما حرز من الغنيمة فهو لأهلها لا يجوز التنفيل منه وفي هذا الحديث على أن مالا قِيمَةَ لَهُ وَلَا يَتَمَانَعُهُ النَّاسُ مِنْ نَحْوِ النَّوَاةِ وَالتَّبِنَةِ وَالْخِرَقِ الَّتِي يُرْمَى بِهَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُنَفِّلَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ بَعِيرٍ مِنْ المغنم وقال لا يحل لي من غنائكم مِثْلُ هَذَا يَعْنِي فِي أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ أَوْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ دُونَ جَمَاعَتِهِمْ إذْ لَمْ تَكُنْ لِتِلْكَ الْوَبَرَةِ قِيمَةٌ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ لَا يَحِلُّ لِي مِثْلُ هَذَا قِيلَ لَهُ إنَّمَا أَرَادَ مِثْلُ هَذَا فِيمَا يَتَمَانَعُهُ النَّاسُ لَا ذَاكَ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا
رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ شَقِيقٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ ذَكَرَ قِصَّةً قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّه مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْمَالِ قَالَ خُمُسُهُ للَّه وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْجَيْشِ قَالَ قُلْت هَلْ أَحَقُّ أَحَدٍ بِهِ مِنْ أَحَدٍ قَالَ لَوْ انْتَزَعْت سَهْمَك مِنْ جَنْبِك لَمْ تَكُنْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيك الْمُسْلِمِ
وَرَوَى أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ وَهْبٍ أَبِي خَالِدٍ الحمصي قال حدثني أُمُّ حَبِيبَةَ عَنْ أَبِيهَا الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أخذ وبرة فقال مالي فيكم هذه مالي فِيهِ إلَّا الْخُمُسُ فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ فَإِنَّهُ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ذَكَرَ غَنَائِمَ هَوَازِنَ وَقَالَ ثُمَّ دَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ بَعِيرٍ فَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ لَيْسَ لِي مِنْ هَذَا الْفَيْءِ شَيْءٌ وَلَا هَذَا وَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ فَقَامَ رَجُلٌ فِي يَدِهِ كُبَّةٌ مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ أَخَذْت هَذِهِ لِأُصْلِحَ بِهَا بُرْدَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ المطلب فهو لك فقال أماذا بلغت ما أرمى فَلَا أَرَبَ لِي فِيهَا وَنَبَذَهَا
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَلَبِ الْقَتِيلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ السَّلَبُ مِنْ غَنِيمَةِ الْجَيْشِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْأَمِيرُ قَالَ الشَّيْخُ أَيَّدَهُ اللَّه قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ واعلموا أنما غنمتم من
يَقْتَضِي وُجُوبَ الْغَنِيمَةِ لِجَمَاعَةِ الْغَانِمِينَ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ الِاخْتِصَاصُ بِشَيْءٍ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ غَنِيمَةٌ قِيلَ لَهُ غَنِمْتُمْ هِيَ الَّتِي جازوها بِاجْتِمَاعِهِمْ وَتَوَازُرِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ وَأَخْذِ الْغَنِيمَةِ فَلَمَّا كان قتله لهذا القتيل وأخذه سلبه بتظافر الْجَمَاعَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَنِيمَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ سَلَبَهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ لَكَانَ غَنِيمَةً إذْ لَمْ يَصِلْ إلَى أَخْذِهِ إلَّا بِقُوَّتِهِمْ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَكَانَ قائما في الصف ردا لَهُمْ مُسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةِ وَيَصِيرُ غَانِمًا لِأَنَّ بِظَهْرِهِ ومعاضته حَصَلَتْ وَأُخِذَتْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ السَّلَبُ غَنِيمَةً فَيَكُونَ كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حلالا طيبا وَالسَّلَبُ مِمَّا غَنِمَهُ الْجَمَاعَةُ فَهُوَ لَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ
مَا حَدَّثَنَا أحمد بن خالد الخجزورى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المبارك وهشام بن عمارة قَالَا حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ نَزَلْنَا دَابِقَ وَعَلَيْنَا أَبُو عبيدة بن الجراح فيلغ حبيب بن مسلم أن صاحب قبرس قد خرج يريد طريق آذربايجان مَعَهُ زَبَرْجَدُ وَيَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَدِيبَاجٌ فَخَرَجَ فِي جَبَلٍ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الدَّرْبِ وَجَاءَ بِمَا كان معه إلى أبى عُبَيْدَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُخَمِّسَهُ فَقَالَ حَبِيبٌ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ لَا تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّه فإن اللَّه ورسوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلم جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مَهْلًا يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نفس أمامه
فقوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلم إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ
يَقْتَضِي حَظْرَ مَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُ إمَامِهِ ممن لَمْ تَطِبْ نَفْسُ إمَامِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ السَّلَبُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْبَرَ مُعَاذٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي شَأْنِ السَّلَبِ فَإِنْ قِيلِ
قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ وَطَلْحَةُ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ
وَرَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْقَاتِلُ السَّلَبَ وَالثَّانِي أَنَّهُ فَسَّرَ أَنَّ مَعْنَى
قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ
أَنَّ نَفْسَهُ قَدْ طَابَتْ لَلْقَاتِل بذلك وهو إمام الأئمة قيل له قوله صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَمِيرُهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ وَكَذَلِكَ عَقَلَ مُعَاذٌ وَهُوَ رَاوِي ذَلِكَ عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ لَقَالَ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسِي فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا السَّائِلُ تَأْوِيلٌ سَاقِطٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي أَنَّ السَّلَبَ للقاتل فإنما
رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَصَابَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ
وَكَمَا
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَزُورِيِّ حدثنا محمد ابن يَحْيَى الدَّهَّانِيُّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ حُجْرَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَبْدِ اللَّه وَهِيَ ابْنَةُ الْمِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِّ عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى بِمُوَلٍّ فَلَهُ سَلَبُهُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مَقْصُورٌ عَلَى الْحَالِ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ خَاصَّةً إذْ لَا خِلَافَ أنه لا يستحق السلب بأخذه موليا
كَقَوْلِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلَا فَلَهُ سَلَبُهُ مَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حدثني صفوان ابن عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ خَرَجْت مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنْ أَهْلِ اليمن ليس معه غير سيفه فنحر زجل مِنْ الْمُسْلِمِينَ جَزُورًا فَسَأَلَهُ الْمَدَدِيُّ طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ فَاِتَّخَذَهُ كَهَيْئَةِ الدَّرَقِ وَمَضَيْنَا فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ وَسِلَاحٌ مُذَهَّبٌ فحمل الرُّومِيُّ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ وَخَرَّ وَعَلَاهُ فَقَتَلَهُ وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنْهُ السَّلَبَ قَالَ عَوْفٌ فَأَتَيْته فَقُلْت يَا خَالِدُ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ فَقَالَ بَلَى وَلَكِنْ اسْتَكْثَرْته فَقُلْت لَتَرُدَّنَّهُ إلَيْهِ أَوْ لِأُعَرِّفَنكهَا عِنْدَ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ عَوْفٌ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَصَصْت عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَا خَالِدُ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت قَالَ يَا رَسُولَ اللَّه اسْتَكْثَرْته فَقَالَ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْت مِنْهُ قَالَ عَوْفٌ فَقُلْت دُونَك يَا خَالِدُ أَلَمْ أَفِ لَك فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرْته قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ هل أنتم تاركوا أُمَرَائِي لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدِرِهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ سَأَلْت ثَوْرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ نحوه فلما
قال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ
دَلَّ ذَلِكَ على
رَوَى يُوسُفُ الماجشون قال حدثني صالح ابن إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف أن معاذ بن عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم كلا كما قَتَلَهُ وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو
فَلَمَّا قَضَى بِهِ لِأَحَدِهِمَا مَعَ إخْبَارِهِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّاهُ بِالْقَتْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلَا فَلَهُ سَلَبُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلَانِ اسْتَحَقَّا السَّلَبَ نِصْفَيْنِ فَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مُسْتَحِقًّا لِلسَّلَبِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ سَلَبُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ بَلْ يَكُونُ لُقَطَةً لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحِقًّا بِعَيْنِهِ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ سَلَبَ مَنْ لَمْ يُعْرَفُ قَاتِلُهُ فِي الْمَعْرَكَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْقَاتِلَ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ فِي الْإِدْبَارِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الْإِقْبَالِ فَالْأَثَرُ الْوَارِدُ فِي السَّلَبِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ فَإِنْ اُحْتُجَّ بِالْخَبَرِ فَقَدْ خَالَفَهُ وَإِنْ اُحْتُجَّ بِالنَّظَرِ فَالنَّظَرُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ غَنِيمَةً لِلْجَمِيعِ لَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ فِي حَالَ الْإِدْبَارِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ وَكَانَ غَنِيمَةً وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمُعَاوَنَةِ الْجَمِيعِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ الْأَمِيرِ قَوْلٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ إذَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمِيرِ قَوْلٌ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ فَلَهُ سَلَبُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ مُقْبِلًا أَوْ مُدْبِرًا اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ حَالُ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ فَلَوْ كَانَ السَّلَبُ مُسْتَحِقًّا بِنَفْسِ الْقَتْلِ لَمَا اختلف حكمه في حال الإدبار والإقبال وقد روى عن عمر في قتل الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ وَأَنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ مَالًا وَلَا أُرَانَا إلَّا خَامِسِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَمِيرِ إذَا قَالَ مَنْ أَصَابَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ هُوَ كَمَا قَالَ وَلَا خُمُسَ فِيهِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقُولَ مَنْ أَصَابَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ قِتَالٌ بِجُعْلٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَمِّسُ مَا أَصَابَهُ إلَّا سَلَبَ الْمَقْتُولِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ أَنْ يَقُولَ مَنْ أَصَابَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ وَجَبَ أَنْ لَا خمس فيه وأن لا يَجُوزَ قَطْعُ حُقُوقِ أَهْلِ الْخُمُسِ عَنْهُ كَمَا جَازَ قَطْعُ حُقُوقِ سَائِرِ الْغَانِمِينَ عَنْهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ
قَوْلَهُ مَنْ أَصَابَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ
بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ فِي السَّلَبِ الْخُمُسُ إذَا قَالَ الْأَمِيرُ ذَلِكَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْغَنِيمَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِيمَا صَارَ غَنِيمَةً لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
دَارِ الْإِسْلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ فِيهِ إلَّا بِالْحِيَازَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَقْسِمْ لِلْمَدَدِ بِمَا
رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى سَرِيَّةٍ قبل نجد فقدم أبان وأصحابه بخيبر بعد ما فُتِحَتْ وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ اللِّيفُ قَالَ أَبَانُ اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْت لَا تَقْسِمْ لَهُمْ شَيْئًا يَا نبي اللَّه قال أبان أنت بهذا يا وبر نجد قال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ اجْلِسْ يَا أَبَانُ
فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ خَيْبَرَ صَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ بِظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا
رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن علي بن زيد عن عمار ابن أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا شَهِدْت لِرَسُولِ اللَّه مَغْنَمًا إلَّا قَسَمَ لِي إلَّا خَيْبَرَ فَإِنَّهَا كَانَتْ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ خَاصَّةً
فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ خَاصَّةً شَهِدُوهَا أَوْ لَمْ يَشْهَدُوهَا دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ وَعَدَهُمْ إيَّاهَا بِقَوْلِهِ وَأُخْرَى
بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فعجل لكم هذه
وَقَدْ رَوَى أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ بِثَلَاثٍ فَقَسَمَ لَنَا وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدْ الْفَتْحَ غَيْرِنَا
فذكر في هذا الحديث أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَسَمَ لِأَبِي مُوسَى وَأَصْحَابِهِ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ وَلَمْ يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ وَلَمْ يَقْسِمْ فِيهَا لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِطِيبَةِ أَنْفُسِ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ كَمَا
روى جثيم بْنُ عِرَاكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَنَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ فَقَدِمْنَا وَقَدْ خَرَجَ رسول اللَّه فَخَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَقَدْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَأَشْرَكُونَا فِي سِهَامِهِمْ
فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَدَدَ إذَا لَحِقَ بِالْجَيْشِ وَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمْ لَا يُشْرِكُونَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَدْ رَوَى قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ غَزَوْا نَهَاوَنْدَ فَأَمَدَّهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَظَهَرُوا فَأَرَادَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنْ لَا يَقْسِمُوا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَكَانَ عَمَّارٌ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُطَارِدَ أَيُّهَا الْأَجْدَعُ تُرِيدُ أَنْ تُشَارِكَنَا فِي غَنَائِمِنَا فَقَالَ جَيْرِ إذْ بِي سَبَيْت فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ إنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَهَذَا أَيْضًا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِنَا لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ ظَهَرُوا عَلَى نهاوند وصارت دار الإسلام إذ لم تبق لِلْكُفَّارِ هُنَاكَ فِئَةٌ فَإِنَّمَا قَالَ إنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَحِقُوهُمْ بَعْدَ مَا صَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ رأس عَمَّارٌ وَمَنْ مَعَهُ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ وَرَأَى عُمَرُ أَنْ لَا يُشْرِكُوهُمْ لِأَنَّهُمْ لَحِقُوهُ بَعْدَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْأَرْضَ صَارَتْ من دار الإسلام.
بَابُ سُهْمَانِ الْخَيْلِ
قَالَ اللَّه تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ وَهُوَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْغَانِمِينَ وَقَدْ شَمِلَهُمْ هَذَا الِاسْمُ أَلَا تَرَى إنَّ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا ما ترك قد عقل من ظاهر اسْتِحْقَاقُهُنَّ لِلثُّلُثَيْنِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِهَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَهُمْ بِالْمُسَاوَاةِ مَا لَمْ يَذْكُرْ التَّفْضِيلَ كَذَلِكَ مُقْتَضَى قَوْله تَعَالَى غنمتم يَقْتَضِي أَنْ يَكُونُوا مُتَسَاوِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَنِمْتُمْ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِهِمْ لَهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سهم الفارس.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْمُنْذِرِ بْن أَبِي حِمَّصَةَ عَامِلِ عُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا فَرَضِيَهُ عُمَرُ وَمِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إسحاق قال قدم قثم ابن عباس عَلَى سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ بِخُرَاسَانَ وَقَدْ غَنِمُوا فقال اجعل جَائِزَتِك أَنْ أَضْرِبَ لَك بِأَلْفِ سَهْمٍ فَقَالَ اضْرِبْ لِي بِسَهْمٍ وَلِفَرَسِي بِسَهْمٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى تَفْضِيلِ الْفَارِسِ بِسَهْمٍ فَضَّلْنَاهُ وَخَصَّصْنَا بِهِ لِلظَّاهِرِ وَبَقِيَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِيمَا عَدَاهُ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا يعقوب بن غليان الْعُمَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْجَرْجَرَائِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ رَجَاءٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدُ اللَّه بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا قَالَ عبد الباقي لي يجيء بِهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدُ اللَّه عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لفرسه
وقد اختلف حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَا صَحِيحَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ بَدِيًّا سَهْمَيْنِ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ ثُمَّ أَعْطَاهُ فِي غَنِيمَةٍ أُخْرَى ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَكَانَ السَّهْمُ الزَّائِدُ عَلَى وَجْهِ النَّفَلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَا يَمْنَعُ الْمُسْتَحِقَّ وَجَائِزٌ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَا لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ عَلَى وَجْهِ النَّفَلِ كَمَا
ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ سَنَدِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ قَالَ فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْكُمَيْتِ الْمَوْصِلِيُّ قال حدثنا صبح بْنُ دِينَارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عُبَيْدُ اللَّه بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَسْهَمَ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا
وَهَذَا إنْ ثَبَتَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ قِسْمَةَ يَوْمِ بَدْرٍ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحِقَّةً لِلْجَيْشِ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ الأنفال للرسول صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَخَيَّرَهُ فِي إعْطَائِهِ مَنْ رَأَى وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئَا لَكَانَ جَائِزًا فَلَمْ تَكُنْ قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ مُسْتَحِقَّةً يَوْمَئِذٍ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
وَنَسَخَ بِهَذَا الْأَنْفَالَ الَّتِي جَعَلَهَا لِلرَّسُولِ فِي جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ
وَقَدْ رَوَى مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةٍ أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قسم غنائم خيبر لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا
وَرَوَى ابْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا
وَهَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةٍ وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ قَسَمَ لِبَعْضِ الْفُرْسَانِ سَهْمَيْنِ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ وَقَسَمَ لِبَعْضِهِمْ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَكَانَ السَّهْمُ الزَّائِدُ عَلَى وَجْهِ النَّفَلِ كَمَا
رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ سَهْمَيْنِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ وَكَانَ رَاجِلًا يَوْمَئِذٍ
وَكَمَا
رُوِيَ أَنَّهُ أَعْطَى الزُّبَيْرَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة عن يحيى بن عباد ابن عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يضرب له في الغنم بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ النفل تحريضا لهم على إيجاب الْخَيْلِ كَمَا كَانَ يُنَفِّلُ سَلَبَ الْقَتِيلِ
وَيَقُولُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ
تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ كَانَ خبر الزائد أولى قيل له هذا ثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْقَاقِ فَأَمَّا إذَا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّفَلِ فَلَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مُسْتَحِقَّةً وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي خَبَرِنَا إثْبَاتَ زِيَادَةٍ لِسَهْمِ الرَّاجِلِ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ نَصِيبُ الْفَارِسِ زَادَ نَصِيبُ الرَّاجِلِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّ الْفَرَسَ لَمَّا كَانَ آلَةً كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُسْهَمَ لَهُ كَسَائِرِ الْآلَاتِ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي السَّهْمِ الْوَاحِدِ وَالْبَاقِي مَحْمُولٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَضَرَ الْفَرَسُ دُونَ الرَّجُلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَلَوْ حَضَرَ الرَّجُلُ دُونَ الْفَرَسِ اسْتَحَقَّ فَلَمَّا لَمْ يُجَاوِزْ بِالرَّجُلِ سَهْمًا وَاحِدًا كَانَ الْفَرَسُ بِهِ أَوْلَى وَأَيْضًا الرَّجُلُ آكَدُ أَمْرًا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ مِنْ الْفَرَسِ بِدَلَالَةِ أَنَّ الرِّجَالَ وَإِنْ كَثُرُوا اسْتَحَقُّوا سِهَامَهُمْ وَلَوْ حَضَرَتْ جَمَاعَةُ أَفْرَاسٍ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ آكَدَ أَمْرًا مِنْ الْفَرَسِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْ سَهْمٍ فَالْفَرَسُ أَحْرَى بِذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي الْبَرَاذِينِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ الْبِرْذَوْنُ وَالْفَرَسُ سَوَاءٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَتْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سَلَفَ لَا يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ حَتَّى هَاجَتْ الْفِتْنَةُ مِنْ بَعْدِ قَتْلِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَقَالَ اللَّيْثُ لِلْهَجِينِ وَالْبِرْذَوْنِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَلَا يُلْحَقَانِ بِالْعِرَابِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ اللَّه تَعَالَى وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وعدوكم وَقَالَ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا ركاب وقال والخيل والبغال والحمير لعقل باسم
وقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ
عَمَّ ذَلِكَ فَارِسَ الْبِرْذَوْنِ كَمَا عَمَّ فَارِسَ الْعِرَابِ وَأَيْضًا إنْ كَانَ مِنْ الْخَيْلِ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ سَهْمُهُ وَسَهْمُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْخَيْلِ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَلَمَّا وَافَقَنَا اللَّيْثُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْخَيْلِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَأَيْضًا لَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَرَسِ الْعَرَبِيِّ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَحَظْرِهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَصَارَ فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا كَفَرْقِ مَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْهَزِيلِ وَالسَّمِينِ وَالْجَوَادِ وَمَا دُونَهُ وَأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ لَمْ يُوجِبْ اخْتِلَافَ سهامهما وأيضا فإن الفرس العربي وإن أجرى من كان الْبِرْذَوْنِ فَإِنَّ الْبِرْذَوْنَ أَقْوَى مِنْهُ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الرَّجُلَ الْعَرَبِيَّ وَالْعَجَمِيَّ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي حُكْمِ السِّهَامِ كَذَلِكَ الْخَيْلُ الْعَرَبِيُّ وَالْعَجَمِيُّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ دِينَارٍ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ صَدَقَةِ الْبَرَاذِينِ فَقَالَ سَعِيدٌ وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ الْبَرَاذِينُ بِمَنْزِلَةِ الْخَيْلِ وَقَالَ مَكْحُولٌ أَوَّلُ مَنْ قَسَمَ لِلْبَرَاذِينِ خَالِدُ بْنُ الوليد يوم دمشق قسم للبراذين نصف سهام الْخَيْلِ لِمَا رَأَى مِنْ جَرْيِهَا وَقُوَّتِهَا فَكَانَ يُعْطِي الْبَرَاذِينَ سَهْمًا سَهْمًا وَهَذَا حَدِيثٌ مَقْطُوعٌ وَقَدْ أَخْبَرَ فِيهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ لِمَا رَأَى مِنْ قُوَّتِهَا فَإِذًا لَيْسَ بِتَوْقِيفٍ وَقَدْ رَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَغَارَتْ الْخَيْلُ بِالشَّامِ وَعَلَى النَّاسِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ يُقَالُ لَهُ الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حِمَّصَةَ الْوَادِعِيُّ فَأَدْرَكَتْ الْخَيْلُ الْعِرَابُ مِنْ يَوْمِهَا وَأَدْرَكَتْ الْكَوَادِنُ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ لَا أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ كَمَا لَمْ يُدْرِكْ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ فِيهِ فَكَتَبَ عُمَرُ هَبِلَتْ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ اذَّكَّرَتْ بِهِ أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ فَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُسْهِمْ لِلْبَرَاذِينِ بِذَلِكَ وَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ رَأْيَ عُمَرَ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَقَدْ حَكَمَ بِهِ أَمِيرُ الْجَيْشِ فَأَنْفَذَهُ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَغْزُو بِأَفْرَاسٍ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْجَيْشَ قَدْ كَانُوا يَغْزُونَ مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بعد ما ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِفَتْحِ خَيْبَرَ وَمَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَغَيْرِهَا من
بَابُ قِسْمَةِ الْخُمُسِ
قَالَ اللَّه تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وابن السبيل وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْخُمُسِ فِي الْأَصْلِ فَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ تُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا وَخُمُسٌ وَاحِدٌ يُقَسَّمُ على أربعة فربع للَّه والرسول وَلِذِي الْقُرْبَى يَعْنِي قَرَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلم من الخمس شيئا والرابع الثَّانِي لِلْيَتَامَى وَالرُّبُعُ الثَّالِثُ لِلْمَسَاكِينِ وَالرُّبُعُ الرَّابِعُ لِابْنِ السَّبِيلِ وَهُوَ الضَّيْفُ الْفَقِيرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قَالَ يُقَسَّمُ الْخُمُسُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ للَّه وَلِلرَّسُولِ خُمُسٌ وَلِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خُمُسٌ وَلِلْيَتَامَى خُمُسٌ وَلِلْمَسَاكِينِ خُمُسٌ وَلِابْنِ سبيل خُمُسٌ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ خُمُسُ اللَّه وَخُمُسُ الرسول واحد وَاحِدٌ قَالَ الشَّعْبِيُّ هُوَ مِفْتَاحُ الْكَلَامِ وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْت الحسن بن محمد بن الحنيفة عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قَالَ هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ لَيْسَ للَّه نَصِيبٌ للَّه الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ الْجَزَّارِ فأن لله خمسه قال للَّه كل شيء وإنما للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ خُمُسُ الْخُمُسِ
وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ فَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ وَهُوَ سَهْمُ بَيْتِ اللَّه ثُمَّ يُقَسِّمُ مَا بَقِيَ عَلَى خمسة فيكون للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ سَهْمٌ وَلِذَوِي الْقُرْبَى سَهْمٌ وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ وَلِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ
وَاَلَّذِي جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ هُوَ السَّهْمُ الَّذِي للَّه تَعَالَى وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ يَحْمِلُ الْخُمُسَ فِي سَبِيلِ اللَّه تَعَالَى وَيُعْطِي مِنْهُ نَائِبَةَ الْقَوْمِ فَلَمَّا كَثُرَ الْمَالُ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُمُسَ الَّذِي كَانَ يُقَسَّمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ للَّه وَلِلرَّسُولِ سَهْمٌ ولذوي القربى سهم ولليتامى وسهم وللمساكين سهم وابن السَّبِيلِ سَهْمٌ ثُمَّ قَسَمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ إنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ عَلَى أَرْبَعَةٍ سَهْمُ اللَّه وَسَهْمُ الرَّسُولِ وَسَهْمُ ذِي الْقُرْبَى كَانَ وَاحِدًا وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْ الْخُمُسِ شَيْئًا
وَقَالَ آخَرُونَ قوله لله افْتِتَاحُ كَلَامٍ وَهُوَ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ كَانَ مَقْسُومًا عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ للَّه سَهْمٌ يجعل للكعبة ولكل واحد من المسلمين فِي الْآيَةِ سَهْمٌ وَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ قَسَمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه كَانَ يَحْمِلُ مِنْ الْخُمُسِ فِي سَبِيلِ اللَّه وَيُعْطِي مِنْهُ نَائِبَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ جُعِلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَهُوَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جَعَلَ اللَّه الرَّأْيَ في الخمس إلى نبيه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم كَمَا كَانَتْ الْأَنْفَالُ لَهُ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فَنَسَخَتْ الْأَنْفَالَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَتُرِكَ الْخُمُسُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مَوْكُولًا إلى رأى النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَكَمَا قَالَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ثم قال وما آتاكم الرسول فخذوه فَذَكَرَ هَذِهِ الْوُجُوهَ ثُمَّ قَالَ وَمَا آتَاكُمُ الرسول فخذوه فَبَيَّنَ فِي آخِرِهِ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وكذلك الخمس قال فيه أنه لله خمسه وَلِلرَّسُولِ يَعْنِي قِسْمَتُهُ مَوْكُولَةٌ إلَيْهِ ثُمَّ بَيَّنَ الوجوه التي يقسمهم عَلَيْهَا عَلَى مَا يَرَى وَيَخْتَارُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
حَدِيثُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يَصْنَعُ بِالْخُمُسِ قَالَ كَانَ يَحْمِلُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّه الرَّجُلَ ثُمَّ الرَّجُلَ ثُمَّ الرَّجُلَ
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي مِنْهُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَمْ يَكُنْ يُقَسِّمُهُ أَخْمَاسًا وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ عَلَى سِتَّةٍ وَإِنَّ سَهْمَ اللَّه كَانَ مَصْرُوفًا إلَى الْكَعْبَةِ فَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لَوَرَدَ النَّقْلُ بِهِ متواترا ولكانت الخلفاء بعد النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أَوْلَى النَّاسِ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْهُمْ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ سَهْمَ الْكَعْبَةِ لَيْسَ بِأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ سَائِرِ السِّهَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ إذْ كُلُّهَا مَصْرُوفٌ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِسَهْمِ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِفْتَاحًا لِلْكَلَامِ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَعَلَى وَجْهِ تَعْلِيمِنَا التَّبَرُّكَ بِذِكْرِ اللَّه وَافْتِتَاحَ الْأُمُورِ بِاسْمِهِ وأن
بل شَيْءٌ يُوَافِقُ بَعْضَ شَيْءٍ وَأَحْيَانًا وَبَاطِلُهُ كَثِيرُ وَمَعْنَاهُ يُوَافِقُ بَعْضَ شَيْءٍ أَحْيَانًا وَالْوَاوُ مُلْغَاةٌ وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
فَإِنَّ رَشِيدًا وَابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ حَتَّى يُصْدِرَ الْأَمْرَ مَصْدَرَا وَمَعْنَاهُ فَإِنَّ رَشِيدَ بْنَ مَرْوَانَ وَقَالَ الْآخَرُ:
إلى الملك القرم وابن الهام وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ وَالْوَاوُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ دُخُولُهَا وَخُرُوجُهَا سَوَاءٌ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أن قوله فأن لله خمسه عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا وَجَائِزٌ أَنْ يكون جَمِيعًا مُرَادَيْنِ لَاحْتِمَال الْآيَةِ لَهُمَا فَيَنْتَظِمُ تَعْلِيمُنَا افْتِتَاحَ الْأُمُورِ بِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى وَأَنَّ الْخُمُسَ مَصْرُوفٌ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ إلَى اللَّه تَعَالَى فكان للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ سَهْمٌ مِنْ الْخُمُسِ وَكَانَ لَهُ الصَّفِيُّ وَسَهْمٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ رَجُلٍ مِنْ الْجُنْدِ إذَا شَهِدَ الْقِتَالَ
وَرَوَى أَبُو حَمْزَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال وفد عَبْدِ الْقَيْسِ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه وَتُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَتُعْطُوا سَهْمَ اللَّه مِنْ الْغَنَائِمِ وَالصَّفِيِّ
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي سهم النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بن مسلم عن الحسن ابن محمد بن الحنيفة قَالَ اخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِي سَهْمِ الرَّسُولِ وَسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى فَقَالَتْ طَائِفَةٌ سَهْمُ الرَّسُولِ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى لِقَرَابَةِ الْخَلِيفَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ جَعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْكُرَاعِ وَالْعِدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّه قَالَ أَبُو بكر سهم النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم إنما كان له مادام حَيًّا فَلَمَّا تُوُفِّيَ سَقَطَ سَهْمُهُ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ بِمَوْتِهِ فَرَجَعَ سَهْمُهُ إلَى جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهَا وَلَمْ يَعُدْ لِلنَّوَائِبِ وَاخْتُلِفَ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُقَسَّمُ الْخُمُسُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم ذَوِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْته أَنَا وَعُثْمَانُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّه هؤلاء بنوا هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ بِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّه فيهم أرأيت بنى المطلب أعطيتم ومنعتنا وإنماهم وَنَحْنُ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
فَهَذَا يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ بِالْقَرَابَةِ فَحَسْبُ أَحَدُهُمَا أَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا بِالْقَرَابَةِ لَسَاوَى بَيْنَهُمْ وَالثَّانِي أن فعل النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِ ذِي الْقُرْبَى وَفِعْلُ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إذَا وَرَدَ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ فَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ النُّصْرَةَ مَعَ الْقَرَابَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ اللَّه تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُمْ نُصْرَةٌ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْفَقْرِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْفَقْرِ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ سألت محمد عَلِيٍّ فَقُلْت مَا فَعَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى حِينَ وُلِّيَ فَقَالَ سَلَكَ بِهِ سَبِيلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَكَرِهَ أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافُهُمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا رَأْيَهُ لَمَا قَضَى بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمَا فِي أَشْيَاءَ مِثْلِ الْجَدِّ وَالتَّسْوِيَةِ فِي الْعَطَايَا وَأَشْيَاءَ أُخَرَ فَثَبَتَ أَنَّ رَأْيَهُ وَرَأْيَهُمَا كَانَ سَوَاءً فِي
لقوله صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي
وَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا كَتَبَ بِهِ إلَى نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى فَقَالَ كُنَّا نَرَى أَنَّهُ لَنَا فَدَعَانَا عُمَرُ إلَى أَنْ نُزَوِّجَ مِنْهُ أَيِّمَنَا وَنَقْضِيَ مِنْهُ عَنْ مَغْرَمِنَا فَأَبَيْنَا أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ لَنَا وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا بَنُو عَمِّنَا فَأَخْبَرَ أَنَّ قَوْمَهُ وَهُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَأَوْهُ لِفُقَرَائِهِمْ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنَّا نَرَى أَنَّهُ لَنَا إخْبَارٌ أَنَّهُ قال من طريق الرأى ولاحظ لِلرَّأْيِ مَعَ السُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ جُلِّ الصَّحَابَةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ عُمَرَ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهُ
حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ والفضل بن العباس قَالَا يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ فَجِئْنَاك لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إلَيْك مَا يُؤَدِّي الْعُمَّالُ وَنُصِيبَ مَا يُصِيبُونَ فَقَالَ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ ثُمَّ أَمَرَ مَحْمِيَّةَ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا مِنْ الْخُمُسِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ بِالْفَقْرِ إذْ كَانَ إنَّمَا اقْتَضَى لَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ الصَّدَاقِ الَّذِي احْتَاجَا إليه للتزويج وَلَمْ يَأْمُرْ لَهُمَا بِمَا فَضَلَ عَنْ الْحَاجَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ قِسْمَتُهُ عَلَى السُّهْمَانِ وَأَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ
قوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلم مالي مِنْ هَذَا الْمَالِ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فيكم
وَلَمْ يُخَصِّصْ الْقَرَابَةَ بِشَيْءٍ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ فِيهِ كَسَائِرِ الْفُقَرَاءِ يَسْتَحِقُّونَ مِنْهُ مِقْدَارَ الْكِفَايَةِ وَسَدِّ الْخُلَّةِ وَيَدُلُّ عليه
قوله صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يَذْهَبُ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ أَبَدًا وَيَذْهَبُ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ أَبَدًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقُنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّه
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُنْفَقُ فِي سَبِيلِ اللَّه وَلَمْ يُخَصِّصُ بِهِ قَوْمًا مِنْ قَوْمٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ ذِكْرٌ فِي آيَةِ الْخُمُسِ فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ سُمِّيَ فِي آيَةِ الْخُمُسِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْفَقْرِ وَهُمْ الْيَتَامَى وَابْنُ السَّبِيلِ فَكَذَلِكَ ذُو الْقُرْبَى لِأَنَّهُ سَهْمٌ مِنْ الْخُمُسِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ أُقِيمَ ذَلِكَ لَهُمْ مَقَامَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّهُ مِنْهُمْ إلَّا فَقِيرٌ كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي أُقِيمَ هَذَا مَقَامَهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا فَقِيرٌ فَإِنْ قِيلَ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ مِنْ الْخُمُسِ قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ مَوَالِيَ بَنِي هَاشِمٍ لَهُمْ سَهْمٌ من الخمس إذ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ
فَلَوْ لَمْ يُسَمِّهِمْ فِي الْخُمُسِ جَازَ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُمْ مِنْهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ الصَّدَقَاتِ فَسَمَّاهُمْ إعْلَامًا مِنْهُ لَنَا أَنَّ سَبِيلَهُمْ فِيهِ بِخِلَافِ سَبِيلِهِمْ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ قِيلَ
قَدْ أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ الْعَبَّاسَ مِنْ الْخُمُسِ وَكَانَ ذَا يَسَارٍ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ قِيلَ لَهُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ بِالنُّصْرَةِ وَالْقَرَابَةِ
لِقَوْلِهِ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ
فَاسْتَوَى فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ لِتَسَاوِيهِمْ فِي النُّصْرَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إنما أعطى العباس لتفرقه فِي فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ وَلَمْ يُعْطِهِ لِنَفْسِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَوِي الْقُرْبَى مَنْ هُمْ فَقَالَ أَصْحَابُنَا قَرَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم الذين تحرم عليهم الصدقة هم ذو قَرَابَاتِهِ وَآلُهُ وَهُمْ آلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وولد حارث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
وَقَالَ آخَرُونَ بَنُو الْمُطَّلِبِ دَاخِلُونَ فِيهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَعْطَاهُمْ مِنْ الْخُمُسِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا مِنْ أَقْرِبَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم الذين سَهْمٌ مِنْ الْخُمُسِ إلَّا أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ رَأَى مِنْهُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ فَلَا خِلَافَ بين الفقهاء أنهم ذووا قربائه وَأَمَّا بَنُو الْمُطَّلِبِ فَهُمْ وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فِي الْقُرْبِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَوَاءٌ فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْقَرَابَةِ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ فَوَاجِبٌ أَنْ يكون بنى عَبْدِ شَمْسٍ مِثْلَهُمْ لِمُسَاوَاتِهِمْ إيَّاهُمْ فِي الدَّرَجَةِ فأما إعطائهم الْخُمُسِ فَإِنَّمَا خُصَّ هَؤُلَاءِ بِهِ دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ بِالنُّصْرَةِ لِأَنَّهُ
قَالَ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ تَحْرِيمُهَا بِالنُّصْرَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ فَثَبَتَ أَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَيْسُوا مِنْ آلِ النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ الَّذِينَ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَلَا قَرَابَةَ لَهُمْ وَلَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ الْخُمُسِ شَيْئًا بِالْقَرَابَةِ وَقَدْ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا خَادِمًا مِنْ الْخُمُسِ فَوَكَّلَهَا إلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَلَمْ يُعْطِهَا فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا لَمْ يُعْطِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوِي قُرْبَاهُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ ذَوِي قُرْبَاهُ قِيلَ لَهُ فَقَدْ خَاطَبَ عَلِيًّا بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ ذلك الْقُرْبَى وَقَالَ لِبَعْضِ بَنَاتِ عَمِّهِ حِينَ ذَهَبَتْ مع فاطمة
قال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ يَا بَنِي فُلَانٍ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ إنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَأَنَّهُ قَالَ يَا بَنِي هَاشِمٍ يَا بَنِي قصى يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ اجْمَعْ لِي بَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا قَالُوا فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَكَانَ إعْطَاءُ السَّهْمِ مِنْ الْخُمُسِ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ مَنْ كَانَ لَهُ مِنْهُمْ نُصْرَةٌ دُونَ غَيْرِهِمْ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ اسْمُ الْقَرَابَةِ وَاقِعٌ عَلَى هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ لِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ عِنْدَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى وَأَنْذِرْ عشيرتك الأقربين فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِذَوِي قُرْبَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا اسْتِحْقَاقُ سَهْمٍ مِنْ الخمس بقوله تعالى وللرسول ولذى القربى وَهُمْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ عَلَى الشَّرَائِطِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا عَنْ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا وَالثَّانِي تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ الْعَبَّاسِ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَوَلَدُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَلَا حَظَّ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَكَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَمِنْ آلِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ بَنُو الْمُطَّلِبِ لِمُسَاوَاتِهِمْ إيَّاهُ فِي نسبهم من النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَالثَّالِثُ تَخْصِيصُ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ بِإِنْذَارِ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ فَانْتَظَمَ ذَلِكَ بُطُونَ قُرَيْشٍ كُلَّهَا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ فِي إنْذَارِهِ إياهم عند نزول الآية وإنما خص عشريته الْأَقْرَبِينَ بِالْإِنْذَارِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ فِي الدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ وَأَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْمُحَابَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ فِي الدُّعَاءِ إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ سَائِرَ النَّاسِ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَحْتَمِلْ عَشِيرَتَهُ عَلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّه وَأَنْذَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ أَنَّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ إذْ لَوْ جَازَتْ الْمُحَابَاةُ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ لَكَانَتْ أَقْرِبَاؤُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا وقَوْله تَعَالَى وَالْيَتَامَى فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْيُتْمِ هُوَ الِانْفِرَادُ وَمِنْهُ الرَّابِيَةُ الْمُنْفَرِدَةُ تُسَمَّى يَتِيمَةً وَالْمَرْأَةُ الْمُنْفَرِدَةُ عَنْ الْأَزْوَاجِ تُسَمَّى يَتِيمَةً إلَّا أَنَّهُ قَدْ اُخْتُصَّ فِي الناس
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ
وَقَدْ قِيلَ إنَّ كُلَّ وَلَدٍ يَتِيمٍ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ إلَّا الْإِنْسَانَ فَإِنَّ يُتْمَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وقوله تعالى وابن السبيل فإن الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ الْمُحْتَاجُ إلَى مَا يُتَحَمَّلُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي وُجُوبِ إعْطَائِهِ حَاجَتَهُ إلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ لَهُ مالا يصل إليه وبين ما لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا الْمِسْكِينُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ آيَةِ الصَّدَقَاتِ وَفِي اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ وَالْيَتِيمَ إنَّمَا يَسْتَحِقَّانِ حَقَّهُمَا مِنْ الْخُمُسِ بِالْحَاجَةِ دُونَ الِاسْمِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصِدَ بِالْخُمُسِ صَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الْمَعْنَى هُوَ الْفَقْرَ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ ذَوِي الْقُرْبَى قِيلَ لَهُ فِيهِ أَعْظَمُ الْفَوَائِدِ وَهُوَ أَنَّ آلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَمَّا حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْخُمُسَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ كَتَحْرِيمِهَا إذْ كَانَ سَبِيلُهُ صَرْفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ فَأَبَانَ اللَّه تَعَالَى بِتَسْمِيَتِهِمْ فِي الْآيَةِ عَنْ جَوَازِ إعْطَائِهِمْ مِنْ الْخُمُسِ بِالْفَقْرِ وَيَلْزَمُ هَذَا السَّائِلَ أَنْ يُعْطِيَ الْيَتَامَى وَابْنَ السَّبِيلِ بِالِاسْمِ دُونَ الْحَاجَةِ عَنْ قَضِيَّتِهِ بِأَنْ لَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا بِالْفَقْرِ مَا كَانَ لِتَسْمِيَتِهِ ابْنَ السَّبِيلِ وَالْيَتِيمَ مَعْنًى وَهُمَا إنَّمَا يَسْتَحِقَّانِهِ بِالْفَقْرِ
قَوْله تَعَالَى إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كثيرا قِيلَ إنَّ الْفِئَةَ هِيَ الْجَمَاعَةُ الْمُنْقَطِعَةُ عَنْ غَيْرِهَا وَأَصْلُهُ مِنْ فَأَوَتْ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ إذَا قطعته والمراد بالفئة هاهنا جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ فَأَمَرَهُمْ بِالثَّبَاتِ لَهُمْ وَقِتَالِهِمْ وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى إِذَا لَقِيتُمُ الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار الْآيَةَ وَمَعْنَاهُ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ مِنْ جَوَازِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ أَوْ الِانْحِيَازِ إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيُقَاتِلَ مَعَهُمْ وَمُرَتَّبٌ أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا مِنْ قَوْله تَعَالَى الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بإذن الله
فإنماهم مأمورون بالثبات لهم إذا كان العدو مثلهم فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَضْعَافِهِمْ فَجَائِزٌ لَهُمْ الِانْحِيَازُ إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ مَعَهُمْ وقَوْله تعالى واذكروا الله كثيرا يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ذِكْرُ اللَّه تَعَالَى بِاللِّسَانِ وَالْآخَرُ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ذكر
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا بشر ابن مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلم لا تمنوا لقاء العدو واسئلوا اللَّه الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا وَإِنْ أَجْلَبُوا أَوْ ضَجُّوا فَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ
قَوْله تَعَالَى وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فتفشلوا وتذهب ريحكم أَمَرَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَنَهَى بِهَا عَنْ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ وَأَخْبَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ وَالتَّنَازُعَ يُؤَدِّي إلَى الْفَشَلِ وَهُوَ ضَعْفُ الْقَلْبِ مِنْ فَزَعٍ يَلْحَقُهُ وَأَمَرَ في آية أخرى بطاعة أولاة الْأَمْرِ لِنَفْيِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ الْمُؤَدِّيَيْنِ إلَى الْفَشَلِ فِي قَوْلِهِ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى الله والرسول وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَرَاهُمْ فِي مَنَامِهِمْ قَلِيلًا لِئَلَّا يَتَنَازَعُوا إذَا رَأَوْهُمْ كَثِيرًا فَيَفْشَلُوا
وَرُوِيَ عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال ولن يغلب اثنى عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ إذَا اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ
فتضمنت هذه الآية كُلُّهَا النَّهْيَ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْفَشَلِ وَإِلَى ذَهَابِ الدَّوْلَةِ بقوله وتذهب ريحكم وَقِيلَ إنَّ الْمَعْنَى رِيحُ النَّصْرِ الَّتِي يَبْعَثُهَا اللَّه مَعَ مَنْ يَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ يَخْذُلُهُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ تَذْهَبَ دَوْلَتُكُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ ذَهَبَتْ رِيحُهُ أَيْ ذَهَبَتْ دَوْلَتُهُ
قَوْله تَعَالَى فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب فشرد بهم من خلفهم تَثْقَفَنَّهُمْ مَعْنَاهُ تُصَادِفُهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بن جبير فشرد بهم من خلفهم إذَا أَسَرْتهمْ فَنَكِّلْ بِهِمْ تَنْكِيلًا تُشَرِّدُ غَيْرَهُمْ مِنْ نَاقِضِي الْعَهْدِ خَوْفًا مِنْك وَقَالَ غَيْرُهُمْ افْعَلْ بِهِمْ مِنْ الْقَتْلِ مَا تُفَرِّقُ بِهِ مَنْ خَلْفَهُمْ عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى قِتَالِك وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا أَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ التَّنْكِيلِ بِأَهْلِ الردة وإحراقهم بالنيران ورميهم من رؤس الْجِبَالِ وَطَرْحِهِمْ فِي الْآبَارِ ذَهَبَ فِيهِ إلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ فِي تَشْرِيدِ سَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ
قَوْله تَعَالَى وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إليهم على سواء الْآيَةَ يَعْنِي واللَّه أَعْلَمُ إذَا خِفْت غَدْرَهُمْ وَخَدْعَتَهُمْ وَإِيقَاعَهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَفَعَلُوا ذَلِكَ خُفْيًا وَلَمْ يُظَهِّرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ يَعْنِي أَلْقِ إلَيْهِمْ فَسْخَ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ مِنْ الْعَهْدِ وَالْهُدْنَةِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الْجَمِيعُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى سَوَاءٍ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّك نَقَضْت الْعَهْدَ بِنَصْبِ الْحَرْبِ وقيل على سواء على عدل من قول الزاجر:
فَاضْرِبْ وُجُوهَ الْغَدْرِ لِلْأَعْدَاءِ حَتَّى يُجِيبُوك إلَى السَّوَاءِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْوَسَطِ سَوَاءٌ لِاعْتِدَالِهِ كَمَا قَالَ حَسَّانُ:
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النَّبِيِّ وَرَهْطِهِ بعد المغيب في سواء الملحدى أى في وسطه
وقد غز النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْهُدْنَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا نَقَضُوا العهد بمعاونتهم بنى كناية عَلَى قَتْلِ خُزَاعَةَ وَكَانَتْ حُلَفَاءَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إلَى الْمَدِينَةِ يسئل النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَلَمْ بحبه النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إلَى ذَلِكَ
فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى النَّبْذِ إلَيْهِمْ إذْ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ بِنَصْبِ الْحَرْبِ لِحُلَفَاء النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وَرُوِيَ نَحْوُ مَعْنَى الْآيَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو داود قال حدثنا حفص بن عمرو النَّمَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْفَيْضِ عَنْ سُلَيْمٍ وَقَالَ غَيْرُهُ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ قَالَ كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلَادِهِمْ حَتَّى إذَا انْقَضَى الْعَهْدُ غَزَاهُمْ فَجَاءَ رَجُلٌ على فرس برزون وَهُوَ يَقُولُ اللَّه أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ فَنَظَرُوا فَإِذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَشُدُّ عُقْدَةً وَلَا يَحُلُّهَا حَتَّى ينقضي أمدها أن ينبذ إليهم على سواء فرجع معاوية
وقوله تَعَالَى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ومن رباط الخيل أَمَرَ اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِإِعْدَادِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ قَبْلَ وَقْتِ الْقِتَالِ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ وَالتَّقَدُّمِ فِي ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ اسْتِعْدَادًا لِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْقُوَّةِ أَنَّهَا الرَّمْيُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ الْهَمْدَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم وعلى المنبر
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ سَحْتَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بلال بن عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا وَكُلُّ لَهْوِ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ أَوْ مُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَّامٍ عن خالد بن زيد عن عقبة ابن عَامِرٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم يقول اللَّه يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِيَ بِهِ وَمُنْبِلَهُ وَارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا لَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ ثَلَاثَةٌ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ ونبله ومن ترك الرمي بعد ما عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا أَوْ قَالَ كَفَرَهَا
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مِنْهَالٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَوْلَى أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ كِتَابَ اللَّه وَالسِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ
وَمَعْنَى
قَوْلِهِ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم من حق الوالد أن يعلمه كتاب اللَّه والسباحة عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ
وَلَمْ يَنْفِ بِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ مِنْ الْقُوَّةِ بَلْ عُمُومُ اللَّفْظِ الشامل لجميع ما يستعان به على العدو ومن سَائِرِ أَنْوَاعِ السِّلَاحِ وَآلَاتِ الْحَرْبِ
وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْقَتِيلِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى ابن إبْرَاهِيمَ الثُّمَالِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم أن لا نخفى الْأَظْفَارَ فِي الْجِهَادِ وَقَالَ إنَّ الْقُوَّةَ فِي الْأَظْفَارِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا يقوى على العدى فَهُوَ مَأْمُورٌ بِاسْتِعْدَادِهِ وَقَالَ اللَّه تَعَالَى وَلَوْ أرادوا الخروج لأعدوا له عدة فَذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِعْدَادِ وَالتَّقَدُّمِ قَبْلَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ مَا يُوَاطِئُ
مَعْنَى الْآيَةِ وَهُوَ مَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ نافع قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ حَرْمَلَةَ البرى عَنْ أَبِي الْمُصَبِّحِ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه يَقُولُ قَالَ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَيَّنَ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخَيْرَ هُوَ الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنَّ ارْتِبَاطَهَا قُرْبَةٌ إلَى اللَّه تَعَالَى فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْجِهَادُ وَهُوَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى بَقَاءِ الْجِهَادِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إذْ كَانَ الْأَجْرُ مُسْتَحِقًّا بِارْتِبَاطِهَا لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
وَقَوْلُهُ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ
قِيلَ فِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا خَشْيَةُ اخْتِنَاقِهَا بِالْوَتَرِ وَالثَّانِي أَنَّ أَهْلَ الجاهلية كانوا إذا طلبوا بالأوتار والدخول قلدوها خَيْلَهُمْ الْأَوْتَارَ يَدُلُّونَ بِهَا عَلَى أَنَّهُمْ طَالِبُونَ بِالْأَوْتَارِ مُجْتَهِدُونَ فِي قَتْلِ مَنْ يَطْلُبُونَهُمْ بِهَا فأبطل النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم الطلب بدخول الْجَاهِلِيَّةِ وَلِذَلِكَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَلَا إنَّ كُلَّ دَمٍ وَمَأْثَرَةٍ فَهُوَ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ
وأول دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ.
بَابُ الْهُدْنَةِ وَالْمُوَادَعَةِ
قَالَ اللَّه تَعَالَى وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لها وَالْجُنُوحُ الْمَيْلُ وَمِنْهُ يُقَالُ جَنَحَتْ السَّفِينَةُ إذَا مالت والسلم المسألة وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ إنْ مَالُوا إلَى الْمُسَالَمَةِ وَهِيَ طَلَبُ السَّلَامَةِ مِنْ الْحَرْبِ فَسَالِمْهُمْ وَاقْبَلْ ذلك منهم وإنما قال فاجنح لها لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْمُسَالَمَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ هَذَا الْحُكْمِ فَرَوَى سَعِيدٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حيث وجدتموهم وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا قَالَ نَسَخَتْهَا قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخر- إلى قوله- وهم صاغرون وَقَالَ آخَرُونَ لَا نَسْخَ فِيهَا لِأَنَّهَا فِي مُوَادَعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وقَوْله تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ كان النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ عَاهَدَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَصْنَافًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ النَّضِيرُ وَبَنُو قَيْنُقَاعَ وَقُرَيْظَةُ وَعَاهَدَ قَبَائِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ هُدْنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ
إلَى أَنْ نَقَضَتْ قُرَيْشٌ ذلك العهد بقتالها خزاعة خلفاء النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ نَقَلَةُ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَكْثُرَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَيَقْوَى أَهْلُهُ فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَوِيَ الدِّينُ أَمَرَ بِقَتْلِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وَأَمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا باليوم الآخر- إلى قوله-
لِأَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ صَالَحَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَغَيْرَهُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى نِصْفِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ حَتَّى لَمَّا شَاوَرَ الْأَنْصَارَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه هو أَمْرٌ أَمَرَك اللَّه بِهِ أَمْ الرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَا بَلْ هُوَ رَأْيٌ لِأَنِّي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَأَرَدْت أَنْ أَدْفَعَهُمْ عَنْكُمْ إلَى يَوْمٍ مَا فَقَالَ السعدان بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ واللَّه يَا رسول اللَّه إنهم لم يكونوا يطعمون فِيهَا مِنَّا إلَّا قِرًى وَشِرًى وَنَحْنُ كُفَّارٌ فَكَيْفَ وَقَدْ أَعَزَّنَا اللَّه بِالْإِسْلَامِ لَا نُعْطِيهِمْ إلا بالسيف وَشَقَاءَ الصَّحِيفَةِ
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا خَافُوا الْمُشْرِكِينَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْمَالِ فَهَذِهِ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ وَبَعْضُهَا بِالسُّنَّةِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهَا وَاسْتَعْمَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِيهَا وَهَذَا نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا فِي مِيرَاثِ الْحَلِيفِ أَنَّهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ فِي حَالِ عَدَمِ ذَوِي الْأَنْسَابِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقِ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ ذُو نَسَبٍ أَوْ وَلَاءِ عَتَاقَةٍ فَهُمْ أَوْلَى مِنْ الْحَلِيفِ كَمَا أَنَّ الِابْنَ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ
قَوْله تَعَالَى وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم الْآيَةَ رُوِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ
قَوْله تَعَالَى إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مائتين إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن الْيَمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن صالح عن معاوية بن صالح عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مائتين
قَالَ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى الرَّجُلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلَ عَشَرَةً مِنْ الْكُفَّارِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرَحِمَهُمْ فَقَالَ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يغلبوا ألفين وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَيُّمَا رِجْلٍ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ وَإِنَّمَا عَنَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَكَانَ الْفَرْضُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْوَاحِدِ قِتَالُ الْعَشَرَةِ مِنْ الْكُفَّارِ لِصِحَّةِ بَصَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَصِدْقِ يَقِينِهِمْ ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمَ قَوْمٌ آخَرُونَ خَالَطَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَصَائِرُهُمْ وَنِيَّاتُهُمْ خَفَّفَ عَنْ الْجَمِيعِ وَأَجْرَاهُمْ مَجْرًى وَاحِدًا فَفَرَضَ عَلَى الْوَاحِدِ مُقَاوَمَةَ الِاثْنَيْنِ قَوْله تَعَالَى الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضعفا لَمْ يُرِدْ بِهِ ضَعْفَ الْقُوَى وَالْأَبْدَانِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ضَعْفُ النِّيَّةِ لِمُحَارَبَةِ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ فَرْضَ الْجَمِيعِ فَرْضَ ضُعَفَائِهِمْ وَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ مَا ظَنَنْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ بِقِتَالِهِ غَيْرَ اللَّه حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يريد الآخرة فَكَانَ الْأَوَّلُونَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ النِّيَّاتِ فَلَمَّا خَالَطَهُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا بِقِتَالِهِ سَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي الْفَرْضِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ مَنْ أَبَى وُجُودَ النَّسْخِ فِي شريعة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وإن لم يكن قائله معتقدا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مائتين وَالتَّخْفِيفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِزَوَالِ بَعْضِ الْفَرْضِ أو النفل عَنْهُ إلَى مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ نَاسِخَةٌ لِلْفَرْضِ الْأَوَّلِ وَزَعَمَ الْقَائِلُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إنْكَارِ النَّسْخِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَمْرٌ وَإِنَّمَا فِيهِ الْوَعْدُ بِشَرِيطَةٍ فَمَتَى وَفَّى بِالشَّرْطِ أَنْجَزَ الْوَعْدَ وَإِنَّمَا كَلَّفَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى قَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِمْ فَكَانَ عَلَى الْأَوَّلِينَ مَا ذَكَرَ مِنْ مُقَاوَمَةِ الْعِشْرِينَ لِلْمِائَتَيْنِ وَالْآخَرُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ نَفَاذِ الْبَصِيرَةِ مِثْلُ مَا لِلْأَوَّلِينَ فَكُلِّفُوا مُقَاوَمَةَ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ
بَابُ الْأُسَارَى
قَالَ اللَّه تَعَالَى مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ
حدثنا محمد ابن بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قال أخبرنا عكرمة ابن عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ الْفِدَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مَا كَانَ لنبى أن يكون له أسرى- إلى قوله- لمسكم فيما أخذتم مِنْ الْفِدَاءِ ثُمَّ أَحَلَّ اللَّه الْغَنَائِمَ
وَحَدَّثَنَا عبد الباقي ابن قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ حدثنا عبد اللَّه بن صالح قال حدثنا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَعَجَّلَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ كَانَ النَّبِيُّ
وَرُوِيَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّه قَالَ شَاوَرَ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِالِاسْتِبْقَاءِ وَأَشَارَ عُمَرُ بِالْقَتْلِ وَأَشَارَ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ بِالْإِحْرَاقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مَثَلُك يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ إبْرَاهِيمَ حِينَ قَالَ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عصانى فإنك غفور رحيم وَمَثَلُ عِيسَى إذْ قَالَ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عبادك الْآيَةَ وَمَثَلُك يَا عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ إذْ قَالَ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ ديارا وَمَثَلُ مُوسَى إذْ قَالَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أموالهم الآية أنتم عالة فلا ينفلتن منهم أحدا إلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ فَقَالَ ابْنُ مسعود إلا سهيل بن بَيْضَاءَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْإِسْلَامَ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ إلا سهيل بن بَيْضَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض
إلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم استشار أبا بكر وعمرو عليا فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِالْفِدَاءِ وَأَشَارَ عُمَرُ بِالْقَتْلِ فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوى مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جئت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم فَإِذَا هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّه أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُك فَقَالَ أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُك مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ على عذابكم أدنى من هذا الشَّجَرَةِ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أن يكون له أسرى
إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ فَذَكَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَابِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ قَوْلَهُ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم إنَّمَا نَزَلَ فِي أَخْذِهِمْ الْغَنَائِمَ وَذَكَرَ فِي حديث عبد اللَّه بن مسعود وابن عباس الْآخَرِ أَنَّ الْوَعِيدَ إنَّمَا كَانَ فِي عَرْضِهِمْ الفداء على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وإشارتهم عليه به والأول ألى بِمَعْنَى الْآيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ وَلَمْ يَقُلْ فِيمَا عَرَضْتُمْ وَأَشَرْتُمْ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْوَعِيدُ فِي قَوْلٍ قاله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجِيزُ ذلك على النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم مِنْ طَرِيقِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يكون النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أَبَاحَ لَهُمْ أَخْذَ الْفِدَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً صَغِيرَةً فَعَاتَبَهُ اللَّه وَالْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي صَدْرِ الْبَابِ أَنَّ الْغَنَائِمَ لَمْ تَحِلَّ قَبْلَ نَبِيِّنَا لِأَحَدٍ وَفِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أَخَذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَالَ لا ينفلت منهم إلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ
وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونُ حَظَرَ أَخْذَ الْأَسْرَى وَمُفَادَاتِهِمْ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى مَا كان لنبى أن يكون له أسرى مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم مِنْهُمْ الْفِدَاءَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا وَهُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَتْ الْمُعَاتَبَةُ مِنْ اللَّه لِلْمُسْلِمِينَ وَمُمْتَنِعٌ وُقُوعُ الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ قِيلَ لَهُ إنَّ أَخْذَ الْغَنَائِمِ وَالْأَسْرَى وَقَعَ بَدِيًّا عَلَى وَجْهِ الْحَظْرِ فَلَمْ يَمْلِكُوا مَا أَخَذُوا ثُمَّ إنَّ اللَّه تَعَالَى أَبَاحَهَا لَهُمْ وَمَلَّكَهُمْ إيَّاهَا فَالْأَخْذُ المباح ثانيا هو غير محظور أَوَّلًا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخذتم عذاب عظيم فَرَوَى أَبُو زُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سبقت لهم الرحمة قبل أن يعلموا الْمَعْصِيَةَ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ رِوَايَةً وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا ذَلِكَ مَعْصِيَةً صَغِيرَةً وَقَدْ وَعَدَ اللَّه غُفْرَانَهَا بِاجْتِنَابِهِمْ الْكَبَائِرَ وَكَتَبَ لَهُمْ ذَلِكَ قَبْلَ عَمَلِهِمْ لِلْمَعْصِيَةِ الصَّغِيرَةِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا وَمُجَاهِدٍ أَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ مُطْعِمًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْغَنِيمَةَ فَفَعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَكَمَ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُ سَتَحِلُّ لَهُمْ الْغَنِيمَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُزِيلُ عَنْهُمْ حُكْمَ الْحَظْرِ قَبْلَ إحْلَالِهَا وَلَا يُخَفِّفُ مِنْ عِقَابِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ أَنَّ إزَالَةَ الْعِقَابِ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَعْلُومِهِ إبَاحَةُ الْغَنَائِمِ لَهُمْ بَعْدَهُ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَا سَبَقَ مِنْ اللَّه أَنْ لَا يُعَذِّبَ قَوْمًا إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِيهَا وَهَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا
حَدِيثَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلم قَالَ لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلم قَالَ أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَأُرْسِلْت إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وأعطيت الشفاعة
فأخبر صلّى اللَّه عليه وآله وسلم فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ الْغَنَائِمَ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهَا قَبْلَهُ وقَوْله تَعَالَى فكلوا مما غنمتم قَدْ اقْتَضَى وُقُوعَ مِلْكِ الْغَنَائِمِ لَهُمْ إذَا أَخَذُوا وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ الْآيَةِ هُوَ الْأَكْلَ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْأَمْلَاكِ إذْ بِهِ قِوَامُ الْأَبْدَانِ وَبَقَاءُ الْحَيَاةِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَمْلِيكَ سَائِرِ وُجُوهِ مَنَافِعِهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخنزير فحص اللَّحْمَ بِذَلِكَ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ لِأَنَّهُ مُبْتَغَى مَنَافِعِهِ وَمُعْظَمُهَا فِي لُحُومِهِ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذكر الله وذروا البيع فحص الْبَيْعَ بِالْحَظْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَالْمُرَادُ سَائِرُ مَا يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ وَكَانَ وَجْهُ تَخْصِيصِهِ أَنَّهُ مُعْظَمُ مَنَافِعِ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا كَانَ مُعْظَمُهُ مَحْظُورًا فَمَا دُونَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَذَلِكَ فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا فحص الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ وَدَلَّ بِهِ عَلَى حَظْرِ الْأَخْذِ وَالْإِتْلَافِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَكْلِ فَهَذَا حُكْمُ اللفظ إذا ورد في مثله ولولا الْأَكْلِ مُوجِبَةً لِلتَّمْلِيكِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أَبَاحَ لِرَجُلٍ أَكْلَ طَعَامِهِ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ وَلَا يَأْخُذَهُ وَإِنَّمَا لَهُ الْأَكْلُ فَحَسْبُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي مَفْهُومِ خِطَابِ الْآيَةِ التَّمْلِيكُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَوْجَبَ التَّمْلِيكَ وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه فَجَعَلَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ غَنِيمَةً لَهُمْ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى فَكُلُوا مِمَّا غنمتم لما أضاف الغنيمة إليهم فقد أفاد تملكها إياهم
فعل النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بِأَهْلِ نَجْرَانَ وَفَدَكَ وَسَائِرِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ
واللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
بَابُ التَّوَارُثِ بِالْهِجْرَةِ
قَالَ اللَّه تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يهاجروا الْآيَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حدثنا جعفر ابن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ قَالَ كَانَ الْمُهَاجِرُ لَا يَتَوَلَّى الْأَعْرَابِيَّ وَلَا يَرِثُهُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَرِثُ الْأَعْرَابِيُّ الْمُهَاجِرَ
فنسختها وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ
وروى عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ قَالَ آخَى رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَآخَى بَيْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أُخُوَّةً يَتَوَارَثُونَ بِهَا
قَوْلَهُ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ
مُثْبِتٌ لِلْوِلَايَةِ لِجَمِيعِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ عَلَى حَسَبِ الْقُرْبِ وَتَأْكِيدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لِلْأُمِّ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبٌ عَلَى مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ إذْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فِي الْمِيرَاثِ وَقَدْ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فَرْضًا حِينَ هَاجَرَ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم إلى أن فتح النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم مَكَّةَ
فَقَالَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ
فَنُسِخَ التَّوَارُثُ بِالْهِجْرَةِ بِسُقُوطِ فَرْضِ الهجرة وأثبت التوارث بالأنساب بقوله تعالى وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ قال الحسن كان المسلمون بتوارثون بِالْهِجْرَةِ حَتَّى كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فَتَوَارَثُوا بِالْأَرْحَامِ وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ بَعْدَ الْفَتْحِ وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ ابن أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ إلَى اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّونَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَنْ يفتنوا عنه وقد أذاع اللَّه الإسلام وافشاء فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إيجَابَ التَّوَارُثِ بِالْهِجْرَةِ وَالْمُؤَاخَاةَ دون الأنساب وقطع الميراث بين المهاجرين وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَاقْتَضَى أَيْضًا إيجَابَ نُصْرَةِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إذَا اسْتَنْصَرَ الْمُهَاجِرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاق وَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ
مَا قَدْ بَيَّنَّا ذِكْرُهُ فِي نَفْيِ الْمِيرَاثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ فِي آخَرِينَ وَقِيلَ إنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ إيجَابِ النُّصْرَةِ فلم تكن حينئذ على المهاجر نصرة ومن لَمْ يُهَاجِرْ إلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرَ فَتَكُونَ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُ إلَّا عَلَى مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ فَلَا يَنْقُضْ عَهْدَهُ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ الْوِلَايَةِ مُقْتَضِيًا لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مِنْ نَفْيِ التَّوَارُثِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ نَفْيُ الْمِيرَاثِ بِإِيجَابِ التَّوَارُثِ بِالْأَرْحَامِ مُهَاجِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُهَاجِرٍ وَإِسْقَاطِهِ بِالْهِجْرَةِ فَحَسْبُ وَنُسِخَ نَفْيُ إيجَابِ النُّصْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض وقوله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ يَعْنِي فِي الْمِيرَاثِ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي النُّصْرَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا كَانَ قَوْله تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا- إلى قوله- أولئك بعضهم أولياء بعض موجبا لإثبات التوارث بالهجرة وكان قوله تَعَالَى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ ولايتهم من شىء حتى يهاجروا نَافِيًا لِلْمِيرَاثِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض مُوجِبًا لِإِثْبَاتِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْوَلَايَةَ قَدْ صَارَتْ عِبَارَةً عَنْ إثْبَاتِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ فَاقْتَضَى عُمُومُهُ إثْبَاتَ التَّوَارُثِ بَيْنَ سَائِرِ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ لِأَنَّ الِاسْمَ يشملهم ويقع عليهم ولم يفرق الْآيَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى إثْبَاتِ وِلَايَةِ الْكُفَّارِ عَلَى أَوْلَادِهِمْ الصِّغَارِ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لَهُ فِي جَوَازِ النِّكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ وقَوْله تَعَالَى إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير يعنى واللَّه أعلم إن تَفْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ إيجَابِ الْمُوَالَاةِ وَالتَّنَاصُرِ وَالتَّوَارُثِ بِالْأُخُوَّةِ وَالْهِجْرَةِ وَمِنْ قَطْعِهَا بِتَرْكِ الْهِجْرَةِ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ وَهَذَا مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ الْمُؤْمِنَ الْفَاضِلَ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْفَضْلِ بِمَا يَدْعُو إلَى مِثْلِ حَالِهِ وَلَمْ يتبرأ من الفاجر والضال بما يصرف عَنْ ضَلَالِهِ وَفُجُورِهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْفَسَادِ والفتنة قوله تعالى وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ نسخ به إيجاب التوارث وبالهجرة وَالْحِلْفِ وَالْمُوَالَاةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ بَيْنَ الْعَصَبَاتِ وَغَيْرِهِمْ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي إثْبَاتِ مِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَا تَسْمِيَةَ لَهُمْ وَلَا تَعْصِيبَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَذَهَبَ عَبْدُ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ إلَى أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى مِنْ مَوْلَى