ﰡ
مكية وآيها ستون آية
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣)وَالذَّارِياتِ ذَرْواً يعني الرياح تذرو التراب وغيره، أو النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد، أو الأسباب التي تذري الخلائق من الملائكة وغيرهم. وقرأ أبو عمرو وحمزة بإدغام التاء في الذال.
فَالْحامِلاتِ وِقْراً فالسحب الحاملة للأمطار، أو الرياح الحاملة للسحاب، أو النساء الحوامل، أو أسباب ذلك. وقرئ «وِقْراً» على تسمية المحمول بالمصدر.
فَالْجارِياتِ يُسْراً فالسفن الجارية في البحر سهلاً، أو الرياح الجارية في مهابها، أو الكواكب التي تجري في منازلها. ويُسْراً صفة مصدر محذوف أي جريا ذا يسر.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٤ الى ٦]
فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦)
فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها، أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة، أو الرياح يقسمن الأمطار بتصريف السحاب، فإن حملت على ذوات مختلفة فالفاء لترتيب الأقسام بها باعتبار ما بينها من التفاوت في الدلالة على كمال القدرة، وإلا فالفاء لترتيب الأفعال إذ الريح مثلاً تذرو الأبخرة إلى الجو حتى تنعقد سحاباً، فتحمله فتجري به باسطة له إلى حيث أمرت به فتقسم المطر.
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ.
وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ جواب القسم كأنه استدل باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطبيعة على اقتداره على البعث للجزاء الموعود، وما موصولة أو مصدرية والدِّينَ الجزاء والواقع الحاصل.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٧ الى ٩]
وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)
وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ذات الطرائق، والمراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي يسلكها النظار وتتوصل بها إلى المعارف، أو النجوم فإن لها طرائق أو أنها تزينها كما يزين الموشي طرائق الوشي. جمع حبيكة كطريقة وطرق أو حباك كمثال ومثل. وقرئ «الحبك» بالسكون و «الحبك» كالإِبل و «الحبك» كالسلك و «الحبك» كالجبل و «الحبك» كالنعم و «الحبك» كالبرق.
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ في الرسول صلّى الله عليه وسلم وهو قولهم تارة أنه شاعِرٌ وتارة أنه ساحِرٍ وتارة أنه مَجْنُونٍ، أو في القرآن أو القيامة أو أمر الديانة، ولعل النكتة في هذا القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بطرائق السموات في تباعدها واختلاف غاياتها.
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ يصرف عنه والضمير للرسول أو القرآن أو الإيمان، من صرف إذ لا صرف أشد
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١٠ الى ١٤]
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الكذابون من أصحاب القول المختلف، وأصله الدعاء بالقتل أجري مجرى اللعن.
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ في جهل يغمرهم. ساهُونَ غافلون عما أمروا به.
يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ أي فيقولون متى يوم الجزاء أي وقوعه، وقرئ «إيَّانَ» بالكسر.
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ يحرقون جواب للسؤال أي يقع يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ، أو هو يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ، وفتح يَوْمَ لإِضافته إلى غير متمكن ويدل عليه أنه قرئ بالرفع.
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ أي مقولاً لهم هذا القول. هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ هذا العذاب هو الذى كنتم به تستعجلون، ويجوز أن يكون هذا بدلا من فِتْنَتَكُمْ والَّذِي صفته.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١٥ الى ١٩]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ قابلين لما أعطاهم راضين به، ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول. إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ قد أحسنوا أعمالهم وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك.
كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ تفسير لإِحسانهم وما مزيدة أي يهجعون في طائفة من الليل، أو يَهْجَعُونَ هجوعاً قليلاً أو مصدرية أو موصولة أي في قليل من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه ولا يجوز أن تكون نافية لأن مَا بعدها لا يعمل فيما قبلها. وفيه مبالغات لتقليل نومهم واستراحتهم ذكر القليل واللَّيْلِ الذي هو وقت السبات، والهجوع الذي هو الفرار من النوم وزيادة مَا.
وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي أنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم، وفي بناء الفعل على الضمير إشعاراً بأنهم أحقاء بذلك لوفور علمهم بالله وخشيتهم منه.
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ نصيب يستوجبونه على أنفسهم تقرباً إلى الله وإشفاقاً على الناس. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ للمستجدي والمتعفف الذي يظن غنياً فيحرم الصدقة.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١)
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ أي فيها دلائل من أنواع المعادن والحيوانات، أو وجوه دلالات من الدحو والسكون وارتفاع بعضها عن الماء واختلاف أجزائها في الكيفيات والخواص والمنافع، تدل على وجود الصانع وعلمه وقدرته وإرادته ووحدته وفرط رحمته.
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أي وفي أنفسكم آيات إذ ما في العالم شيء إلا وفي الإِنسان له نظير يدل دلالته مع ما انفرد به من الهيئات النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة، والتمكن من الأفعال الغريبة واستنباط الصنائع
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ أسباب رزقكم أو تقديره. وقيل المراد ب السَّماءِ السحاب وبالرزق المطر فإنه سبب الأقوات. وَما تُوعَدُونَ من الثواب لأن الجنة فوق السماء السابعة، أو لأن الأعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء. وقيل إنه مستأنف خبره:
فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ وعلى هذا فالضمير ل مَا وعلى الأول يحتمل أن يكون له ولما ذكر من أمر الآيات والرزق والوعد. مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في تحقق ذلك، ونصبه على الحال من المستكن في لَحَقٌّ أو الوصف لمصدر محذوف أي أنه لحق حقاً مثل نطقكم. وقيل إنه مبني على الفتح لإِضافته إلى غير متمكن وهو ما إن كانت بمعنى شيء، وإن بما في حيزها إن جعلت زائدة ومحله الرفع على أنه صفة لَحَقٌّ، ويؤيده قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بالرفع.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ فيه تفخيم لشأن الحديث وتنبيه على أنه أوحي إليه، والضيف في الأصل مصدر ولذلك يطلق على الواحد والمتعدد. قيل كانوا إثني عشر ملكاً. وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل، وسماهم ضيفاً لأنهم كانوا في صورة الضيف. الْمُكْرَمِينَ أي مكرمين عند الله أو عند إبراهيم إذ خدمهم بنفسه وزوجته.
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ ظرف لل حَدِيثُ أو ال ضَيْفِ أو الْمُكْرَمِينَ. فَقالُوا سَلاماً أي نسلم عليك سلاماً. قالَ سَلامٌ أي عليكم سلام عدل به إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى تكون تحيته أحسن من تحيتهم، وقرئا مرفوعين وقرأ حمزة والكسائي «قَالَ سلم» وقرئ منصوباً والمعنى واحد. قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أي أنتم قوم منكرون، وإنما أنكرهم لأنه ظن أنهم بنو آدم ولم يعرفهم، أو لأن السلام لم يكن تحيتهم فإنه علم الإِسلام وهو كالتعرف عنهم.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨)
فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فذهب إليهم في خفية من ضيفه فإن من أدب المضيف أن يبادر بالقرى حذراً من أن يكفه الضيف أو يصير منتظراً. فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ لأنه كان عامة ماله البقر.
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ بأن وضعه بين أيديهم. قالَ أَلا تَأْكُلُونَ أي منه، وهو مشعر بكونه حنيذا، والهمزة فيه للعرض والحث على الأكل على طريقة الأدب أن قاله أول ما وضعه، وللإِنكار إن قاله حينما رأى إعراضهم.
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً فأضمر منهم خوفاً لما رأى إعراضهم عن طعامه لظنه أنهم جاءوه لشر. وقيل وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب. قالُوا لاَ تَخَفْ إنا رسل الله. قيل مسح جبريل العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه فعرفهم وأمن منهم. وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ هو اسحق عليه السلام. عَلِيمٍ يكمل علمه إذ بلغ.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)
قالُوا كَذلِكَ مثل ذلك الذي بشرنا به. قالَ رَبُّكِ وإنما نخبرك به عنه. إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ فيكون قوله حقاً وفعله محكما.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٣١ الى ٣٤]
قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤)
قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ لما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون مجتمعين إلا لأمر عظيم سأل عنه.
قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يعنون قوم لوط.
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ يريد السجيل فإنه طين متحجر.
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ مرسلة من أسمت الماشية، أو معلمة من السومة وهي العلامة. لِلْمُسْرِفِينَ المجاوزين الحد في الفجور.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٣٥ الى ٣٧]
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧)
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها في قرى قوم لوط وإضمارها ولم يجر ذكرها لكونها معلومة. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ممن آمنَ بلوط.
فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غير أهل بيت من المسلمين، واستدل به على اتحاد الإِيمان والإِسلام وهو ضعيف لأن ذلك لا يقتضي إلا من صدق المؤمن والمسلم على من اتبعه، وذلك لا يقتضي اتحاد مفهوميهما لجواز صدق المفهومات المختلفة على ذات واحدة.
وَتَرَكْنا فِيها آيَةً علامة. لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ فإنهم المعتبرون بها وهي تلك الأحجار، أو صخر منضود فيها أو ماء أسود منتن.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠)
وَفِي مُوسى عطف على وَفِى الأرض، أو تَرَكْنا فِيها على معنى وجعلنا في موسى كقوله:
علفتها تبناً وماء بارداً. إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ هو معجزاته كالعصا واليد.
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ فأعرض عن الإِيمان به كقوله وَنَأى بِجانِبِهِ أو فتولى بما كان يتقوى به من جنوده، وهو اسم لما يركن إليه الشيء ويتقوى به. وقرئ بضم الكاف. وَقالَ ساحِرٌ أي هو ساحر. أَوْ مَجْنُونٌ كأنه جعل ما ظهر عليه من الخوارق منسوباً إلى الجن، وتردد في أنه حصل ذلك باختياره وسعيه أو بغيرهما.
فأغرقناهم في البحر. هُوَ مُلِيمٌ
آت بما يلام عليه من الكفر والعناد، والجملة حال من الضمير في أَخَذْناهُ.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)
وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ سماها عقيماً لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم، أو لأنها لم تتضمن منفعة، وهي الدبور أو الجنوب أو النكباء.
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ مرت. عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ كالرماد من الرم وهو البلى والتفتت.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ تفسيره قوله: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ.
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فاستكبروا عن امتثاله. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ أي العذاب بعد الثلاث. وقرأ الكسائي «الصعقة» وهي المرة من الصعق. وَهُمْ يَنْظُرُونَ إليها فإنها جاءتهم معاينة بالنهار.
فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ كقوله: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ. وقيل من قولهم ما يقوم به إذا عجز عن دفعه. وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ ممتنعين منه.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٤٦]
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦)
وَقَوْمَ نُوحٍ أي وأهلكنا قوم نوح لأن ما قبله يدل عليه. أو أذكر ويجوز أن يكون عطفاً على محل فِي عادٍ، ويؤيده قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي بالجر. مِنْ قَبْلُ من قبل هؤلاء المذكورين. إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن الاستقامة بالكفر والعصيان.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)
وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ بقوة. وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الإنفاق. أو لَمُوسِعُونَ السماء أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق.
وَالْأَرْضَ فَرَشْناها مهدناها لتستقروا عليها. فَنِعْمَ الْماهِدُونَ أي نحن.
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ من الأجناس. خَلَقْنا زَوْجَيْنِ نوعين لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتعلمون أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات لا يقبل التعدد والانقسام.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١)
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ من عقابه بالإِيمان والتوحيد وملازمة الطاعة. إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى. نَذِيرٌ مُبِينٌ بين كونه منذراً من الله بالمعجزات، أو مُبِينٌ ما يجب أن يحذر عنه.
وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إفراد لأعظم ما يجب أن يفر منه. إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ تكرير للتأكيد، أو الأول مرتب على ترك الإِيمان والطاعة والثاني على الإِشراك.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٥٢ الى ٥٥]
كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)كَذلِكَ أي الأمر مثل ذلك، والإِشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه ساحراً أو مجنوناً وقوله:
مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ كالتفسير له، ولا يجوز نصبه ب أَتَى أو ما يفسره لأن ما بعد مَا النافية لا يعمل فيما قبلها.
أَتَواصَوْا بِهِ أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضاً بهذا القول حتى قالوه جميعاً. بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه.
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فاعرض عن مجادلتهم بعد ما كررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإِصرار والعناد. فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ على الإِعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ.
وَذَكِّرْ ولا تدع التذكير والموعظة. فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بها بصيرة.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها، جعل خلقهم مغيا بها مبالغة في ذلك، ولو حمل على ظاهره مع أن الدليل يمنعه لنا في ظاهر قوله: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وقيل معناه إلا لأمرهم بالعبادة أو ليكونوا عباداً لي.
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به، والمراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، ويحتمل أن يقدر بقل فيكون بمعنى قوله: قُلْ لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً.
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق، وفيه إيماء باستغنائه عنه، وقرئ «إني أنا الرزاق» ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ شديد القوة، وقرئ «المتين» بالجر صفة ل الْقُوَّةِ.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٥٩ الى ٦٠]
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً أي للذين ظلموا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتكذيب نصيباً من العذاب. مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ مثل نصيب نظرائهم من الأمم السالفة، وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء، فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء. فَلا يَسْتَعْجِلُونِ جواب لقولهم: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ من يوم القيامة أو يوم بدر.
عن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة والذاريات أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا».