ﰡ
﴿ وتشتكي إلى الله ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تستغيث بالله.
والثاني : تسترحم الله. وروى الحسن أنها قالت : يا رسول الله قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني، فقال رسول الله ﷺ :« ما أوحي إليّ في هذا شيء » فقالت : يا رسول الله أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا؟ فقال :« هو ما قلت لك » فقالت : إلى الله أشكو لا إلى رسوله، فأنزل الله تعالى :﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك ﴾ الآية. وقرأ ابن مسعود :﴿ قَد سَّمِعَ ﴾.
قالت عائشة : تبارك الله الذي أوعى سمعه كل شيء، سمع كلام خولة بنت ثعلبة وأنا في ناحية البيت ما أسمع بعض ما تقول، وهي تقول : يا رسول الله أكل شبابي وانقطع ولدي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الأية.
﴿ والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ﴾ والمحاورة مراجعة الكلام، قال عنترة :
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى | ولكان لو علم الكلام مكلمي. |
أنت عليّ كظهر أمي، سمي ظهاراً لأنه قصد تحريم ظهرها عليه، وقيل : لأنه قد جعلها عليه كظهر أمه، وقد كان في الجاهلية طلاقاً ثلاثاً لا رجعة فيه ولا إباحة بعده فنسخه الله إلى ما استقر عليه الشرع من وجوب الكفارة فيه بالعود.
﴿ وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً ﴾ يعني بمنكر القول الظاهر، وبالزور كذبهم في جعل الزوجات أمهات.
أحدهما : يعادون الله ورسوله، قاله مجاهد.
الثاني : يخالفون الله ورسوله، قاله الكلبي.
وفي أصل المحادة وجهان :
أحدهما : أن تكون في حد يخالف حد صاحبك، قاله الزجاج.
الثاني : أنه مأخوذ من الحديد المعد للمحادة.
﴿ كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها :[ أخزوا ] كما أخزي الذين من قبلهم، قاله قتادة.
الثاني : معناه أهلكوا كما أهلك الذين من قبلهم، قاله الأخفش وأبو عبيدة.
الثالث : لعنوا كما لعن الذين من قبلهم، قاله السدي، وقيل هي بلغة مذحج
الرابع : ردوا مقهورين.
من النفر البيض الذين إذا انتجوا | أقرت بنجواهم لؤي بن غالب |
أحدهما : أن كل سرار نجوى، قاله ابن عيسى.
الثاني : أن السرار ما كان بن اثنين، والنجوى ما كان بين ثلاثة، حكاه سراقة.
وفي المنهي عنه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم اليهود، كانوا يتناجون بما بين المسلمين، فنهوا عن ذلك، قاله مجاهد.
الثاني : أنهم المنافقون، قاله الكلبي.
الثالث : أنهم المسلمون.
روى أبو سعيد الخدري قال : كنا ذات ليلة نتحدث إذ خرج علينا رسول الله ﷺ فقال :« ما هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى ».
فقلنا تبنا إلى الله يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيح يعني الدَّجال فرَقاً منه، فقال :« ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان الرجل ».
﴿ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾ كانت اليهود إذا دخلت على رسول الله ﷺ قالوا : السام عليك، وكان النبي ﷺ يرد عليهم فيقول :﴿ وعليكم ﴾ ويروى أن عائشة حين سمعت ذلك منهم قالت : وعليكم السام والذام، فقال عليه السلام :« إن الله لا يحب الفحش والتفحش ».
وفي السام الذي أرادوه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الموت، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه السيف.
الثالث : أنهم أرادوا بذلك أنكم ستسأمون دينكم، قاله الحسن، وكذا من قال هو الموت لأنه يسأم الحياة.
وحكى الكلبي أن اليهود كانوا إذا رد النبي ﷺ جواب سلامهم قالوا : لو كان هذا نبياً لاستجيب له فينا قوله وعليكم، يعني السام وهو الموت وليس بنا سامة وليس في أجسادنا فترة، فنزلت فيهم ﴿ ويقولون في أنفسهم ولولا يعذبنا الله بما نقول ﴾ الآية.
وفي قوله تعالى :﴿ إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا ﴾ وجهان :
أحدهما : ما كان يتناجى به اليهود والمنافقون من الأراجيف بالمسلمين.
الثاني : أنها الأحلام التي يراها الإنسان في منامه فتحزنه.
أحدها : مجلس النبي ﷺ خاصة إذا جلس فيه قوم تشاحوا بأمكنتهم على من يدخل عليهم أن يؤثروه بها أو يفسحوا له فيها، فأمروا بذلك قاله مجاهد.
الثاني : أنه في مجالس صلاة الجمعة، قاله مقاتل.
الثالث : أنها في مجالس الذكر كلها، قاله قتادة.
الرابع : أن ذلك في الحرب والقتال، قاله الحسن.
﴿... وإذا قيل انشزوا فانشزوا ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : معناه وإذا قيل لكم انهضوا إلى القتال فانهضوا، قاله الحسن.
الثاني : إذا دعيتم إلى الخير فأجيبوا، قاله قتادة.
الثالث : إذا نودي للصلاة فاسعوا إليها، قاله مقاتل بن حيان.
الرابع : أنهم كانوا إذا جلسوا في بيت رسول الله ﷺ أطالوا ليكون كل واحد منهم هو الآخر عهداً به، فأمرهم الله أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا، قاله ابن زيد.
ومعنى ﴿ تفسحوا ﴾ توسعوا. وفي ﴿ انشزوا ﴾ وجهان :
أحدهما : معناه قوموا، قاله ابن قتيبة.
الثاني : ارتفعوا، مأخوذ من نشز الأرض وهو ارتفاعها.
وفيما أمروا أن ينشزوا إليه ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى الصلاة، قاله الضحاك.
الثاني : إلى الغزو، قاله مجاهد.
الثالث : إلى كل خير، قاله قتادة.
﴿ يرفع الله الذين ءامنوا منكم ﴾ يعني بإيمانه على من ليس بمنزلته في الإيمان.
﴿ والذين أوتوا العلم درجات ﴾ على من ليس بعالم.
ويحتمل هذا وجهين :
أحدهما : أن يكون إخباراً عن حالهم عند الله في الآخرة.
الثاني : أن يكون أمراً يرفعهم في المجالس التي تقدم ذكرها لترتيب الناس فيها بحسب فضائلهم في الدين والعلم.
أحدها : أن المنافقين كانا يناجون النبي ﷺ بما لا حاجة لهم به، فأمرهم الله بالصدقة عند النجوى ليقطعهم عن النجوى، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه كان قوم من المسلمين يستخلون النبي ﷺ ويناجونه فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى، فشق عليهم ذلك، فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند النجوى ليقطعهم عن استخلائه، قاله الحسن.
الثالث : قاله ابن عباس وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله ﷺ حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه، فلما قال ذلك كف كثير من الناس عن المسألة.
وقال مجاهد : لم يناجه إلا عليٌّ قدّم ديناراً فتصدق به، فسأله عن عشر خصال، ثم نزلت الرخصة.
﴿ ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ﴾ قال علي : ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت، وأحسبه [ قال ] وما كانت إلا ساعة، وقال ابن حبان : كان ذلك ليالي عشراً.
وقال ابن سليمان : ناجاه عليّ بدينار باعه بعشرة دراهم في عشر كلمات كل كلمة بدرهم. وناجاه آخر من الأنصار بآصع وكلمه كلمات، ثم نسخت بما بعدها.
﴿ ما هم منكم ﴾ لأجل نفاقهم.
﴿ ولا منهم ﴾ لخروجهم بيهوديتهم.
﴿ ويحلفون على الكذب ﴾ أنهم لم ينافقوا.
﴿ وهم يعلمون ﴾ أنهم منافقون.
﴿ اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ﴾ فيه قولان :
أحدهما : قاله السدي.
الثاني : عن سبيل الله في قتلهم بالكفر لما أظهروه من النفاق.
ويحتمل ثالثاً : صدوا عن الجهاد ممايلة لليهود.
﴿ استحوذ عليهم الشيطان ﴾ فيه قولان :
أحدهما : قوي عليهم.
الثاني : أحاط بهم، قاله المفضل.
وفيه ثالث : أنه غلب واستولى عليهم في الدنيا.
﴿ فأنساهم ذكر الله ﴾ يحتمل ذكر الله ها هنا وجهين :
أحدهما : أوامره في العمل بطاعته.
الثاني : زواجره في النهي عن معصيته.
ويحتمل ما أنساهم من ذكره وجهين :
أحدهما : بالغفلة عنها.
الثاني : بالشرك بها.
أحدها : من حارب الله ورسوله، قاله قتادة والفراء.
الثاني : من خالف الله ورسوله، قاله الكلبي.
الثالث : من عادى الله ورسوله، قاله مقاتل.
﴿ ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ﴾ اختلف فيمن نزلت هذه الآية فيه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما قاله ابن شوذب : نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه الجراح يوم بدر، جعل يتصدى له، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصد إليه أبو عبيدة فقتله.
وروى سعيد بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب أنه قال : لو كان أبو عبيدة حياً لاستخاره، قال سعيد : وفيه نزلت هذه الآية.
وفيه وجهان :
أحدهما : أنه خارج مخرج النهي للذين آمنوا أن يوادوا من حادّ الله ورسوله.
الثاني : أنه خارج مخرج الصفة لهم والمدح بأنهم لا يوادون من حادّ الله ورسوله، وكان هذا مدحاً.
﴿ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : معناه جعل في قلوبهم الإيمان وأثبته، قال السدي، فصار كالمكتوب.
الثاني : كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان.
الثالث : حكم لقلوبهم بالإيمان.
الرابع : أنه جعل في قلوبهم سمة للإيمان على أنهم من أهل الإيمان، حكاه ابن عيسى.
﴿ وأيدهم بروح منه ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أعانهم برحمته، قاله السدي.
الثاني : أيدهم بنصره حتى ظفروا.
الثالث : رغبهم في القرآن حتى ءامنوا.
الرابع : قواهم بنور الهدى حتى صبروا.
الخامس : قواهم بجبريل يوم بدر.
﴿ رضي الله عنهم ﴾ يعني في الدنيا بطاعتهم.
﴿ ورضوا عنه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : رضوا عنه في الآخرة بالثواب.
الثاني : رضوا عنه في الدنيا بما قضاه عليهم فلم يكرهوه.
﴿ أولئك حزب الله ﴾ فيهم وجهان :
أحدهما : انهم من عصبة الله فلا تأخذهم لومة لائم.
الثاني : أنهم أنصار حقه ورعاة خلقه وهو محتمل.
القول الثاني : ما روى ابن جريج أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق وقد سمع أباه أبا قحافة يسب النبي ﷺ فصكه أبو بكر صكة فسقط على وجهه، فقال ذلك للنبي ﷺ، فقال :« أو فعلته؟ لا تعد إليه يا أبا بكر ».
فقال والله لو كان السيف قريباً مني لضربته به، فنزلت هذه الآية.
القول الثالث : ما حكى الكلبي ومقاتل أن هذه الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وقد كتب إلى أهل مكة ينذرهم بمسير رسول الله ﷺ إليهم عام الفتح.