تفسير سورة الأعراف

أحكام القرآن للكيا الهراسي
تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب أحكام القرآن للكيا الهراسي المعروف بـأحكام القرآن للكيا الهراسي .
لمؤلفه الكيا الهراسي . المتوفي سنة 504 هـ

(بسم الله الرّحمن الرّحيم)

سورة الأعراف
قوله تعالى: (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ)، الآية: ٢:
ظاهره النهي، ومعناه نفي الحرج عنه، أي لا يضيقن صدرك أن لا يؤمنوا به، فعليك البلاغ، وليس عليك سوى الإنذار به شيء من إيمانهم وكفرهم.
ومثله قوله:
(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ)، الآية «١».
وقال:
(لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) «٢».
قوله تعالى: (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)، الآية: ٣.
معناه معلوم، ومن جملة ما أنزل الله تعالى المباحات، فعلى ذلك يلزم من ظاهره الأمر باتباع المباح، ويلزم منه دخول المباح تحت الأمر.
(١) سورة الكهف آية ٦.
(٢) سورة الشعراء آية ٣.
ولكن يجاب عنه بأن اعتقاد الإباحة في المباحات، وتمييزه عن المعاصي والمناهي واجب، وذلك هو معنى اتباع ما أنزل الله علينا.
واعلم أن الذي أنزله الله علينا ينقسم إلى ما يتعلق بالتلاوة، وإلى ما يتعلق بالأحكام دون التلاوة، والكل من عند الله حتى لا يتوهم متوهم منع نسخ القرآن بالسنة.
قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ)، الآية: ١١:
فقوله: خلقناكم ثم صورنا كم ثم قلنا للملائكة، يقتضي أن يكون المراد بقوله خلقناكم آدم عليه السلام، ويجوز مثل ذلك، وهو التعبير بنا عن آدم، لأنه أصلنا، قال تعالى:
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) «١».
وقال تعالى: (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) «٢».
والمخاطبون بذلك في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقتلوا الأنبياء.
وقال آخرون: إن ثم راجعة إلى صلة المخاطبة، فكأنه قال: ثم إنا نخبركم أنا قلنا للملائكة، وقد شرحنا هذا في الأصول عند ذكر معاني الحروف.
قوله تعالى: (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) الآية ١٢:
يدل بظاهره على اقتضاء الأمر الوجوب بمطلقه من غير قرينة، لأن الذم على ترك الأمر المطلق لا حق، وهو مذهب الفقهاء وقوله: (أَلَّا تَسْجُدَ)،
(١) سورة البقرة آية ٦٣.
(٢) سورة البقرة آية ٩١.
لا، صلة مؤكدة، ومعناه ما دعاك إلى أن لا تسجد وما أحوجك؟
وقيل: في السجود لآدم وجهان:
أحدهما: التكرمة، ولذلك امتن عليه به.
والثاني: أنه جعله قبلة لهم.
والأول أصح.
قوله تعالى: (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) «١» : ظاهره مذهب أهل السنة، وهو أن الله تعالى أضله وخلق فيه الكفر، ووراء ذلك معاني ثلاثة:
أحدها: خيبتني، مثل قول الشاعر:
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما.
أي من يخب، قال ابن الأعرابي: يقال غوى الرجل يغوي غيا، إذا فسد عليه أمره، أو فسد هو في نفسه، وهو أحد معاني قوله تعالى:
(وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) «٢» : أي فسد عيشه في الجنة، ويقال:
غوى الفصيل إذا لم يرو من لبن أمه «٣».
ومعنى آخر: أغويتني أي حكمت بغوايتي، كقولك أضللتني أي حكمت بضلالتي، وقال: أغويتني أي أهلكتني.
قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) الآية: ١٩. قرن قربهما الشجرة بالوعيد، ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد،
(١) سورة الأعراف آية ١٦
(٢) سورة طه آية ١٢١.
(٣) أنظر اللسان، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح. والمصباح المنير.
وظنا أنه نهى كراهة وبين به أو أمكن أنه أشير إلى شجرة بعينها، فظنا أن المراد به العين، وكأن المراد به الجنس، كقول النبي عليه السلام حين أخذ ذهبا وحريرا فقال:
«هذان حرامان على ذكور أمتي» «١».
وقال في خبر آخر: هذان مهلكا أمتي.
وإنما أراد به الجنس لا العين.
قوله تعالى: (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) الآية ٢٦.
اعلم أن ظاهره الإنعام بإنزال اللباس، ويجوز أن يكون عين اللباس على هيئته قد أنزله الله تعالى على آدم حين أهبطه وتاب عليه، ويجوز أن يكون قد أنزل ما يحصل منه اللباس من بزره «٢»، وقد ظن علي بن موسى القمي وأبو بكر الرازي، أن في ذلك دلالة على وجوب ستر العورة، وذلك أنه قال: (يُوارِي سَوْآتِكُمْ)، فذلك إشارة إلى الوجوب، وليس فيه دلالة على ما ذكروه، بل فيه دلالة على الإنعام فقط.
واحتجوا عليه أيضا بأن قوله تعالى:
(لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) «٣».
وذلك يدل أيضا على التحذير من زوال النعمة، كما نزل بآدم عليه السلام، هذا أن لو ثبت أن شرع آدم يلزمنا، والأمر بخلاف ذلك.
(١) أخرجه أبو داود باسناد حسن، ورواه علي رضي الله عنه.
(٢) والبزر كل حب يبرز للنبات، وقال القرطبي: لباسا.
(٣) سورة الأعراف آية ٢٧.
قوله تعالى: (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الآية: ٣١.
ظاهره الأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، للفعل الذي يتعلق بالمسجد، تعظيما للمسجد والفعل الواقع فيه، مثل الاعتكاف والصلاة والطواف، ولا يدل ظاهر ذلك على وجوب الستر في الصلاة في المسجد أو خارج المسجد، فإن القدر الذي يستر العورة لا يسمى زينة وتجملا.
وكثير من المتكلمين في أحكام القرآن زادوا في ذلك دلالة على الوجوب للصلاة، لأن الذي أمرنا بذلك عند كل مسجد لم يكن لعين المسجد، وإنما كان للفعل الواقع في المسجد، والذي عظم المسجد لأجله الطواف والصلاة، أما الطواف فلا يعم كل مسجد، وفي القرآن عند كل مسجد، والاعتكاف لم يشرف المسجد لأجله، بل كان عبادة لأجل المسجد، فلم يبق إلا الفعل الذي يشرف به المسجد، ووجب تعظيم المسجد لأجله وهو الصلاة.
فإذا قيل: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، عرف به أنه لم يجب للمسجد، وإنما وجب لما عظم المسجد لأجله وهو الصلاة، فمتى وجب الستر للصلاة كان شرطا، إلا أن الدليل قام على الزيادة على قدر الستر، وأنها غير واجبة، فبقي مقدار الستر واجبا.
ومالك لا يوجب الستر شرطا للصلاة، ويقول إن فقد الستر لا يبطل الصلاة، ويقول: قوله تعالى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، روى الرواة أنه نزل في ستر الطواف والنهي عنه عريانا، وهذا فيه نظر، فإنه تعالى قال: (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، والطواف يختص بمسجد معين، والثاني: أنه إن ورد على سبب خاص، لا يمتنع لأجله التعلق بعموم اللفظ.
135
ويرد على هذا، أن الذي ورد الستر فيه- لم يجعل الستر شرطا- وهو الطواف، فكيف يجعل شرطا لما سواه؟
ويجاب عنه بأن وجوب الستر لأجل الطواف ظاهر في كونه شرطا له، وأنه يمتنع الاعتداد به دونه، ولكن قام الدليل في الطواف على خلاف الظاهر، وبقي ما عداه على ما يقتضيه الأصل.
وهذا يرد عليه، أن الأصل أن ما وجب لغيره يفهم منه أنه إذا أتى به دونه، كان تاركا للواجب، فمن أين أنه لا تجب الصلاة، دونه؟
والذي احتج به مالك، أن ستر العورة لم يجب للصلاة، فقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال:
قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر فقال:
احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. قال فقلت:
يا رسول الله، فإذا كان أحدنا خاليا، فقال: الله أحق أن يستحى منه «١».
فإذا لم يكن الستر من فروض الصلاة لم يكن وجوبها متعلقا بالصلاة، فإذا لم يتعلق بها لزم منه جواز الصلاة دونه، وهذا ينعكس في الطهارة التي لم يكن وجوبها إلا للصلاة.
فعلى هذا، النهي عن الصلاة دون الستر، كالنهي عن الصلاة في البقعة المغصوبة.
الجواب أن الستر في غير الصلاة إنما يجب عند ظهوره للناس، فلو استخلى بنفسه، فيجوز أن يكشف فخذه، وإن كان في السوأتين خلاف، وإذا أراد الصلاة وجب ستر جميع ذلك، فذلك يدل على أن الستر وجب للصلاة.
(١) الحديث أخرجه الامام أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب وأصحاب السنن
136
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لا يصلين أحدكم في ثوب واحد ليس على فخذه منه شيء» «١».
وعن عائشة أنها روت أنه عليه الصلاة والسلام قال:
«لا يقبل الله صلاة امرأة إلا بخمار» «٢».
فنفى قبولها لمن بلغت الحيض، فصلتها مكشوفة الرأس، كما نفى قبولها مع عدم الطهارة بقوله: «لا يقبل الله الصلاة بغير طهور».
وقد روي عن مالك أنه قال فيمن صلّى في ثوب نجس أو عاريا، إنه يعيد ما دام الوقت، وهذا يتعلق به عليه، ويدل على بطلان قوله أنه لا تعلق له بالصلاة.
فهذا تمام هذا الكلام.
وذكر إسماعيل بن إسحاق في نصرة قول مالك، أن صلاة العريان جائزة، فلو كان الستر شرطا لما جاز، كما لا يجوز صلاة الحائض، لأن الحيض ينافي الطهارة.
وهذا غلط فاحش، فإن صلاة الأمي جائزة، مع أن القراءة شرط للصلاة أو فرضها، وأن منافاة الحيض للصلاة لا لمكان عدم الطهارة، فإن الحيض ينافي الصوم أيضا، وليس من شرطه الطهارة، ولكنه محض تعبد.
ومما نعلق به، أن الوضوء لما كان شرطا للصلاة وجب عليه أن ينوي الطهارة للصلاة، ولو كان الستر واجبا للصلاة، لوجب أن ينوي به الصلاة، وليس كالاستقبال، فإن الاستقبال الواجب يقترن بالصلاة بخلاف الستر، فنية الصلاة تشتمل على الاستقبال، وقد أجاب علماؤنا
(١) أخرجه الامام أحمد في مسنده والترمذي في سننه.
(٢) الحاكم في المستدرك والنسائي في سننه.
137
عنه بأن نية الصلاة تشتمل عليه، وهذا قررناه في مسائل الخلاف «١».
قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) الآية: ٣١.
ظاهره يوجب الأكل والشرب من غير إسراف، وقد أريد به الإباحة في بعض الأحوال، والإيجاب في بعضها، فأما الإيجاب، فمثل أن يضعف عن أداء الواجبات، فواجب عليه أن يأكل ما يزول معه الضرر، وظاهر هذا يقتضي الأكل والشرب في المأكولات والمشروبات إلا أن يحظره دليل بعد أن لا يكون مسرفا فيما يأتيه من ذلك، فإنه أطلق الأكل والشرب على شرط أن لا يكون مسرفا فيهما، والإسراف هو مجاوزة الحد، فتارة يتجاوز حد الحلال إلى الحرام، وتارة في الإنفاق والتمحيق، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) «٢»، والإسراف مذموم، ونقيضه الإقتار وهما مذمومان، والاقتصاد والتوسط هو المشروع، ومنه قيل دين الله تعالى بين المقصر والغالي وقد قال تعالى:
(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) «٣».
وقال لنبيه صلّى الله عليه وسلم:
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) «٤».
ومن الإسراف في الأكل، الأكل فوق الشبع، وكل ذلك محظور.
(١) أنظر ما ذكره الامام مسلم في صحيحه عن ابن عباس في هذا الخصوص. [.....]
(٢) سورة الإسراء آية ٢٧.
(٣) سورة الفرقان آية ٦٧.
(٤) سورة الإسراء آية ٢٩
138
قوله تعالى: (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ)، الآية: ٣٣:
اعلم أن الفواحش في اللغة، تقع على كل قبيح بولغ في نعته بالقبح، ولذلك يقال قبيح فاحش.
وفي الآية ما يمنع من إجرائه على الفواحش كلها، فإنه ذكر الإثم والبغي، فدل على أن المراد بالفواحش بعضها، وإذا كان كذلك فالظاهر من الفواحش الزنا، ليصح أن يعطف عليه الإثم، والإثم لا يمكن حمله هاهنا على كل معصية صغيرة وكبيرة، فإن ذلك يمنع العطف، بل المراد به شرب الخمر، لقوله تعالى: (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) «١»، وأما البغي بغير الحق فهو التطاول على الناس.
وقد قيل: ذكر الفواحش، والمراد بها الكبائر، وذكر الإثم، والمراد به صغائرها، ثم عطف على الأمرين ما يدخل فيهما، وهو البغي بغير الحق، والمعنى به أن يتجاوز في طلب الأمر، الحدّ الذي يحسن، فيوصف عنده أنه بغي، لأن الأصل في البغي الطلب، ثم جعل للطلب المذموم، فدخل في الآية كل أنواع الظلم والبغي على الناس، والانقياد بغير حق، ثم حرم اتباع ما لا دليل عليه، والقول بما لا نعلم صحته، فدخل في ذلك قبح التمسك بالمذاهب، وقبح اتباع ما لا يجب اتباعه، فجمعت الآية المحرمات، كما جمع ما قبلها المحللات في قوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) «٢»، مع ما فيه من تحريم الإسراف فيه، ولما حرم المحرمات نبه على اتباع الحجج والأدلة لكي يكون المكلف متحرزا في أمر دينه ودنياه.
(١) سورة البقرة آية ٢١٩.
(٢) سورة الأعراف آية ٣٢.
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﰿ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﱿ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) «١» : ظاهرها الندب إلى إحفاء الدعاء، فعلمنا ربنا كيف ندعوه، وروى أبو موسى الأشعري قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسمعهم يرفعون أصواتهم فقال:
«أيها الناس انكم لا تدعون أصمّا ولا غائبا» «٢».
وروى سعد بن مالك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «خير الذكر الخفى وخير الرزق ما يكفى» «٣».
واستدل أصحاب أبي حنيفة بذلك، على أن إخفاء آمين، أولى من الجهر بها، لأنها دعاء، والدليل عليه ما روي في تأويل قوله تعالى: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) «٤».
قال: كان موسى يدعو وهارون يؤمن، فسماهما الله تعالى داعيين.
والجواب عنه أن إخفاء الدعاء كان أفضل، لأنه أبعد عن الرياء.
وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة، فإشهارها اشهار شعار ظاهر، وإظهار حق يندب العباد إلى إظهاره، وقد ندب الإمام إلى إشهار القراءة المشتملة على الدعاء، والتأمين في آخرها، معناه: حقّق اللهم ما سألناك.
وإذا كان الدعاء مما سن الجهر فيه، فالتأمين على الدعاء تابع له، وجار مجراه، وهذا بين.
قوله تعالى: (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) الآية: ١٤٥.
(١) سورة الأعراف آية ٥٥.
(٢) أخرجه الامام البخاري والامام مسلم في صحيحيهما.
(٣) أخرجه الامام أحمد في مسنده، وأبو يعلى وأبن حبان في صحيحه، وأبو عوانة، والبيهقي في الشعب
(٤) سورة يونس آية ٨٩.
قال بأحسن ما كنت فيه، وهو الفرائض، دون المباح الذي لا حمد فيه ولا ثواب، وكذلك قوله تعالى: (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) «١».
قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) الآية: ١٩٩.
أمر بمراعاة مكارم الأخلاق ومداراة الناس.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أثقل شيء في ميزان المرء يوم القيامة الخلق الحسن» «٢».
وروى ابن عمر أن رجلا سأل النبي عليه الصلاة والسلام: أي المؤمنين أفضل؟ فقال أحسنهم خلقا.
وروى سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:
«إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق» «٣».
والعفو هو التسهيل والتيسير.
فالمعنى استعمال العفو، وقبول ما سهل من أخلاق الناس، وترك الاستقصاء عليهم في المعاملات، وقبول العذر ونحوه.
وقال ابن عباس في قوله: (خُذِ الْعَفْوَ)، قال: هو العفو من الأموال قبل أن ينزل فرض الزكاة، ومنه قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «٤» أي ترك له، والعفو عن الذنب ترك العقوبة عليه.
(١) سورة الزمر آية ١٧- ١٨.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه وقال حديث صحيح.
(٣) أخرجه أبو يعلى في مسنده، والبزار، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) سورة البقرة آية ١٧٨.
وقوله: وأمر بالعرف: العرف المعروف، وفي الخبر الصحيح عن أبي جري جابر بن سليم قال:
ركبت قعودا ثم أتيت إلى المدينة فطلبت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأنخت قعودي بباب المسجد، فدلوني على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس عليه برد من صوف فيه طرائق حمر، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: وعليك السلام، فقلت: إنا معشر البادية قوم فينا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بها، فقال: ادن ثلاثا، فدنوت، فقال: أعد عليّ، فأعدت، فقال:
اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا، وأن تلقى آخاك بوجه منبسط، وأن تفرغ من فضل دلوك في إناء المستسقى، وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك فلا تسبه بما تعلم فيه، فإن الله تعالى جاعل لك أجرا وعليه وزرا، ولا تسبن شيئا مما خولك الله تعالى. قال أبو جري: فوالذي ذهب بنفسه ما سببت بعده شاة ولا بعيرا «١».
قوله تعالى: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
يجوز أن يكون في ترك مخاوضتهم في الباطل، ويجوز أن يكون قبل الأمر بالقتال.
قوله تعالى: (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) :
الآية: ٢٠٤.
قد اختلف الفقهاء في القراءة خلف الإمام.
(١) رواه أحمد وأبو داود النسائي والبغوي والماوردي وابن حبان والطبراني وأبو نعيم والبيهقي والضياء في المختارة وغيرهم مع اختلاف في الترتيب ورواه الترمذي بالإسناد الصحيح وأبو داود جابر بن سليم (راجع فيض القدير للمناوي [.....]
142
فقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح:
لا يقرأ فيما جهر ولا فيما أسر.
وقال مالك: يقرأ فيما أسر ولا يقرأ فيما جهر، وهو قول للشافعي، رواه المزني عنه.
وروى البويطي عنه، أنه يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة فيما يسر فيه، ولا يقرأ فيما يجهر فيه إلا بفاتحة الكتاب.
وإذا ثبت ذلك، كأن هؤلاء الفقهاء اتفقوا على أن الإنصات مأمور به، فإنا رأيناهم يأمرون بالإنصات فيما يجهر، ويتركون لأجله إما الفاتحة وإما السورة، أما أبو حنيفة ليس يترك القراءة خلف الإمام لغرض الاستماع فإنه يقول فيما أسر فيه الإمام لا يقرأ المأموم، ولأن عنده مقدار الواجب من القراءة آية حقيقة، وذلك يمكن قراءته بعد الإنصات وسماع قراءة الإمام، أو حال هوى الإمام إلى الركوع، ولم يقل أحد إنه يترك دعاء الاستفتاح لقوله: (وَأَنْصِتُوا)، ولا يترك تكبيرات الصلاة لقوله:
(أَنْصِتُوا)، ولا أن أحدا يفهم من هذا، أن الواحد منا إذا كان يقرأ القرآن، فلا يجوز لغيره أن يقعد معه ويقرأ، ولا يجوز في المجلس الواحد أن يقرأ جماعة، كل واحد منهم يقرأ لنفسه، فإذا لم يكن للآية تعلق يمنع الناس من قراءة القرآن، لغرض استماع القرآن في غير الصلاة.
ولا للآية أيضا دلالة على منع قراءة الأذكار، لغرض استماع القرآن في الصلاة، فمن أين دلت الآية على منع القراءة، لا لغرض الاستماع مع إسرار الإمام في الصلاة؟
وقد اعتقد كثير من الناس أن هذه الآية نصا.
وقال عبد الجبار بن أحمد في كتاب فوائد القرآن، وهو مشهور
143
بانتحال مذهب الشافعي في الفروع: إن دلالة ظاهر الآية قوية، وصرح بهذه العبارة التي ذكرناها في الفروع.
وعندنا أن من فهم معنى الآية، وفهم الوجوه التي ذكرناها، لا يرى للآية تعلقا بما نحن فيه، وللآية محامل:
منها أن الناس كانوا يكثرون اللغط والشغب في قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويمنعون الأحداث من سماعها تعنتا وعنادا على ما حكى الله عن الكفار حيث قال:
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) «١».
فأمر الله تعالى المسلمين حالة أداء الوحي، أن يكونوا على خلاف هذه الحالة، وأن يستمعوا، ومدح الله الجن على ذلك فقال:
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) «٢».
ويدل على ذلك أن الله تعالى أمر بالاستماع، وأمر بالإنصات بعده، فلا يخفى على عاقل أن الإنصات للاستماع، وإنما يجب الاستماع متى وجب الإسماع والتبليغ، وإنما وجب ذلك فيما ذكرناه من تبليغ الوحي، فأما ما يقرؤه الإنسان لنفسه، فلا تعلق له بذلك.
نعم، يندب المأموم إلى أن لا يجهر بالقراءة خلف الإمام إذا جهر، حتى لا تثقل عليه القراءة، فهذا هو القدر المندوب إليه، وإذا لم يجب على
(١) سورة فصلت آية ٢٦.
(٢) سورة الأحقاف آية ٢٩.
144
الإمام الإسماع، وليس في الاستماع غرض لأجله يجب الإسماع، فمن أين يجب الاستماع لما لا يجب إسماعه؟
ولو قال قائل مطلقا: لا يجب على المرء أن ينصت ويسمع قراءة القرآن، كان صدقا، وإنما هذا الذي قالوه في الصلاة.
ولئن قال قائل: إن الإنصات لتبليغ الوحي لا يختص بالقرآن، وكذلك إن حمل حامل الآية على الخطبة، فالاستماع للخطبة لا يختص بالقرآن، فالذي ذكرتموه يختص بلا دليل.
فيقال لهم: وأنتم أيضا خصصتم بلا دليل، فإنه قال: وإذا قرئ القرآن. وليس يجب الاستماع في غير الصلاة، فالذي ذكرتموه يخصّص بلا دلالة.
وقال كثير من أصحاب الشافعي:
إن المأموم يتحرى وقت سكتة الإمام، وكان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم سكتتان في صلاته، فإن تعذر ذلك فيقرأ وقت قراءته سرّا.
وقال آخرون منهم: معنى الإنصات، لا يجهر بالقراءة منازعا للإمام، وإذا أخفى ذلك لم يخرج عن الإنصات.
وقد قيل: المراد به السكوت، حتى لا يقرأ البتة إلا عند فراغ الإمام.
وقال هؤلاء: لأجل ذلك أمر المأموم بتأخير القراءة عن حال الجهر أو تقديمه، وذلك إجماع.
واعلم أن الذي يوجب تأخير القراءة، ليس يوجب بدليل الآية على وجوب استماع قراءة القرآن مطلقا، فإن دلالة الآية في الصلاة وغيرها واحدة، وإنما يقول ذلك ليجمع بين سماع المتدبرين وإنصات المعتبرين
145
وقراءة المصلين، وإذا لم تكن القراءة في حالة سكتة الإمام، فالقراءة أولى، كما يكبر ويقرأ دعاء الاستفتاح، ولا يترك المفروض من القراءة لمكان فضيلة الجماعة، فهذا هو التأويل الظاهر.
وبالجملة، لا يخفى على عاقل أن الله سبحانه وتعالى إذا أمر بالاستماع.
والإنصات، فإنما أمر به ليكون داعيا إلى ترك باطل من اللهو والهزء وأشغال الدنيا، لا ليكون ذلك داعيا إلى ترك مفروض عند الله تعالى عز وجل، وهذا بين:
ويدل عليه ما روي عن محمد بن كعب القرظي قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قرأ في الصلاة أجابه من وراءه، فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا مثل ما يقول، حتى يقضي فاتحة الكتاب والسورة، فلبث ما شاء الله أن يلبث، فنزل قوله تعالى:
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) «١».
وهذا يدل على أن المعين بالإنصات، ترك الجهر على ما كانوا يفعلون من مجاوبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وقال قتادة:
في هذه الآية: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيقول:
كم صليتم؟ كم بقي؟ فأنزل الله تعالى:
(١) أنظر أسباب النزول للواحدي النيسابوري، وتفسير الطبري، وتفسير الفخر الرازي، وابن كثير والقرطبي، والدر المنثور للسيوطي، وأحكام القرآن لابن الغربي.
146
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) «١».
وعن مجاهد قال:
كانوا يتكلمون في الصلاة بحاجاتهم فنزل قوله:
(وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) «٢».
(١) أنظر تفسير ابن كثير والدر المنثور.
(٢) تفسير مجاهد، والطبري، والدر المنثور.
147
Icon