تفسير سورة المزّمّل

الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه
تفسير سورة سورة المزمل من كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

﴿ قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾

قولِه تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ - الآية - (هو) منسوخٌ بقوله: ﴿فَتَابَعَلَيْكُمْ فاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ، عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَرْضَى﴾ [المزمل: ٢٠] وكانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه (يقومون) اللَّيْلَ حتى تَفَطَّرَتْ أَقْدامُهُم.
قال ابنُ زيد: أَوَّلُ ما فَرَضَ اللهُ على رسولِه وعلى المؤمنين صلاةُاللَّيْل، ثم نسخَ ذلك عنهُم بقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ - الآية - فصار) قيامُاللَّيْلِ تَطَوُّعاً.
وقد قيل عن ابن عباس وغيره: إنَّ قيامَ اللَّيْلِ بَقِيَ فَرْضاً على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وحدَه.
(وقيل: كانَ من أَوَّلِه فرضاً على النبي وحدَه).
وقيل: (كان) نَدْباً وحَضَّاً للنبيِّ ولأُِمَّتِه.
وأَكْثَرُ الناس على أنه كانَ فرضاً على الجميع، ولا يُحْمَلُ (الأَمرُ)على النَّدْبِ والْحَضِّ إِلاَّ بدليل (وقرينةٍ) تَدُلُّ على ذلك، وإِلاَّ فَهُو علىالحتم. وعلى ذلك أَكثرُ الناس.

﴿ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ﴾

قوله تعالى: ﴿واصْبِرْ عَلَى ما يَقُولُونَ واهْجُرْهُمْ هَجْراًجَمِيلاً﴾:
قال قتادةُ: كان (هذا) في (أَوَّلِ) الإِسلام، ثُمَّ نُسِخَ (بآيات القتلوالقتال).
وقد قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فاسْجُدْ لَهُ وسَبِّحْه لَيْلاًطَوِيلاً﴾ [الدهر: ٢٦]:
كان هذا فرضاً، ثُمَّ هُوَ منسوخٌ بقولِه: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإِسراء: ٧٩] وهذا من نسخِ المكيّ بالمكيّ.
وقيل: إن الآيةَ محكمةٌ على النَّدْبِ والتَّطَوُّع.

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾

قوله تعالى: ﴿عَلِمَ أَن لَن تُحْصُوه﴾ -: أي تطيقوه - ﴿فَتَابَعَلَيْكُمْ﴾ [المزمل: ٢٠] -: يدل على أنه كان فرضاً. [وقوله: ﴿وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَمَعَك﴾ و ﴿فَتَابَ عَلَيْكُم﴾ يدل على أنه كان فرضاً على النبي صلى الله عليه وسلم وأمته. وذلك الخطاب كُلُّه إلى آخر السورة يَدُلُّ على أنه كان فرضاً] على الجميع، ثُمَّ خَفَّفَهُ اللهُ ونَسَخَه.
قال ابنُ عباس: كان بين أَوَّل المزَّمِّل وآخرها، قريبٌ منسنة.
وقد قال الشافعي: إن قولَه: ﴿فاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّر مِنْهُ﴾ [المزمل: ٢٠]، يحتمل أنيكونَ فرضاً وأن يكون ندباً، والإِجماع على أنه لا فرضَ إلا خمسُصلوات، يَدُلُّ على أنه نَدْبٌ لا فرض، فيكونُ في هذه الآية نسخُ فرضٍبندب.
وقيل: إن قوله: ﴿فاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّر مِنْهُ﴾ [المزمل: ٢٠] كان فرضاً، ثم نسَخَهالصلواتُ الخمس.

Icon