أخبرني أبو الحسن الماوردي، قال : حدّثنا أبو محمد بن أبي حامد، قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسن الأصفهاني، قال : حدّثنا المؤمل بن إسماعيل، قال : حدّثنا سفيان الثوري، قال : حدّثنا أسلم المعري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ابزي عن أبيه عن أُبي بن كعب، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مَنْ قرأ سورة المزمّل رُفع عنه العسر في الدنيا والآخرة ).
ﰡ
هي مكيّة إلّا قوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ إلى آخر السورة، وهي ثمانمائة وثمانية وثلاثون حرفا، ومائتان وخمس وثمانون كلمة، وعشرون آية في الكوفي
أخبرني أبو الحسن الماوردي، قال: حدّثنا أبو محمد بن أبي حامد، قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسن الأصفهاني، قال: حدّثنا المؤمل بن إسماعيل، قال: حدّثنا سفيان الثوري، قال: حدّثنا أسلم المعري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ابزي عن أبيه عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة المزمّل رفع عنه العسر في الدنيا والآخرة» [٤١] «١».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١ الى ٦]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦)
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ المتلفف بثوبه، وأصله المتزمل فأدغم التاء في الزاء، ومثله يقال: تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى به، وزمل غيره إذا غطّاه.
قال امرؤ القيس:
كبير أناس في بجاد مزمّل «٢»
قال أبو عبد الله الجدلي: سألت عائشة عن قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ما كان تزميله ذلك؟ قالت: كان مرطا طوله أربع عشر ذراعا نصفه عليّ وأنا نائمة ونصفه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يصلّي.
قال أبو عبد الله: فسألتها ما كان؟
قالت: والله ما كان جزّا ولا قزّا ولا مرعزي ولا إبريسم ولا صوفا كان سداه شعرا ولحمته وبرا.
(٢) لسان العرب: ١٠/ ٢٥٥.
قُمِ اللَّيْلَ قراءة العامة بكسر الميم، وقرأ أبو السماك العدوي: بضمه لضمة القاف إِلَّا قَلِيلًا ثمّ بين فقال: نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا إلى الثلث أَوْ زِدْ عَلَيْهِ على النصف إلى الثلثين، خيّره بين هذه المنازل، فلما نزلت هذه الآية صلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه واشتد ذلك عليهم وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان فكان يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ حتى شقّ عليهم وانتفخت أقدامهم وانتقعت ألوانهم، فرحمهم الله سبحانه وخفف عنهم ونسخها بقوله: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى «١» الآية. وكان بين أوّل السورة وآخرها سنة.
وقال سعيد بن جبير: لمّا نزل قوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ مكث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله تعالى، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله سبحانه بعد عشر سنين إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى «٢» الآية. فخفف عنهم بعد عشر سنين.
وقال مقاتل وابن كيسان: كان هذا قبل أن يفرض الصلوات الخمس، ثمّ نسخ ذلك بالصلوات الخمس. وقال ابن عباس: لما نزل أول المزمّل كانوا يقومون نحو من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها سنة.
وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، قالت:
كنت أجعل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيرا يصلّي عليه من الليل، فتسامع الناس به، فاجتمعوا فلمّا تكثر جماعتهم، كره ذلك وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا يتنحنحون ويشتغلون حتّى خرج إليهم، فقال: «يا أيّها الناس اكلفوا «٣» من الأعمال ما تطيقون، فإنّ الله لا يملّ من الثواب حتّى تملّوا من العمل وإنّ خير العمل أدومه وان قلّ» [٤٢] «٤» فنزلت عليه: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ فكتبت عليهم وأنزلت بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به، فمكثوا ثمانية أشهر، فلمّا رأى الله ما يكلّفون ويبتغون به وجه الله ورضاه رحمهم فوضع ذلك عنهم فقال: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ الآية. فردّهم إلى الفريضة ووضع عنهم قيام الليل إلّا ما تطوعوا به.
وقال الحسن: في هذه الآية الحمد لله تطوع بعد فريضة.
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. قال الحسن: اقرأه قراءة، بيّنه تبيانا، وعنه أيضا: اقرأه على
(٢) سورة المزمل: ٢٠.
(٣) أكلفوا: تحمّلوا: النهاية لابن الأثير.
(٤) تفسير القرطبي: ١٩/ ٣٧.
فصّله تفصيلا ولا تعجل في قراءته، وهو من قول العرب: ثغّر رتّل ورتل إذا كان مفلجا. أبو بكر ابن طاهر: دبّر في لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مالك، قال: حدّثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرأها» [٤٣] «١».
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قال الحسن: إنّ الرجل ليهدّ السورة ولكن العمل به ثقيل.
وقال قتادة: ثقيل والله فرائضه وحدوده. ابن عباس: شديدا. أبو العالية: ثقيلا بالوعد والوعيد والحلال والحرام. محمد بن كعب: ثقيلا على المنافقين. الفرّاء: ثَقِيلًا ليس بالخفيف السفساف لأنه كلام ربّنا. عبد العزيز بن يحيى: مهيبا، ومنه يقال للرجل العاقل: هو رزين راجح.
وسمعت الأستاذ أبا القيّم بن جندب يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول: سمعت الحسين بن الفضل وسئل عن هذه الآية، فقال: معناها إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا خفيفا على اللسان ثَقِيلًا في الميزان. وقال أبو بكر بن طاهر: يعني قولا لا يحمله إلّا قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزيّنة بالتوحيد. وقال القيّم: في هذه الآية سماع العلم من العالم مرّ واستعماله ثقيل لكنه يأتي بالفرح إذا استعمله العبد على جد السنّة وتمام الأدب. وقيل: عنى بذلك أن القرآن عليه ثقيل محمله. قال ابن زيد: هو والله ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا يثقل في الموازين يوم القيامة.
أخبرنا أبو الحسين ابن أبي الفضل القهندري، قال: أخبرنا مكي قال: حدّثنا محمد بن يحيى فقال: وفيما قرأت على عبد الله عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الحرث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّ عليّ فينفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل الملك رجلا فأعرف ما يقول» [٤٤] «٢».
قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه وان جبينه ليرفض عرقا.
(٢) مسند أحمد: ٦/ ١٥٨، تفسير القرطبي: ١٩/ ٣٩.
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ أي ساعاته كلّها، وكل ساعة منه فهي ناشئة سميت بذلك لأنها تنشأ، ومنه نشأت السحابة إذا بدت أنشأها الله وجمعها ناشيات.
أنبأني عقيل، قال: أخبرنا المعافى، قال: أخبرنا ابن جرير، قال: حدثني يعقوب، قال:
حدّثنا ابن عليّة قال: أخبرنا حاتم بن صفيرة، قال: قلت لعبد بن أبي مليكة: ألا تحدثني أيّ الليل ناشئة؟ فقال: على الثبت سقطت سألت عنها ابن عباس فزعم أنّ الليل كلّه ناشئة. وسألت ابن الزبير عنها فأخبرني مثل ذلك. وقال سعيد بن جبير وابن زيد: أي ساعة قام من الليل فقد نشأ، وهو بلسان الحبش نشأ إذا قام. وقال عكرمة: ما قمت من أوّل الليل فهو ناشئة.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ماجة، قال: حدّثنا ابن أيوب، قال: حدّثنا ابن أبي زياد، قال: حدّثنا سيار، قال: حدّثنا جعفر عن الجرير عن بعض أشياخه عن عليّ بن الحسين أنّه كان يصلّي بين المغرب والعشاء ويقول: أما سمعتم قول الله سبحانه: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هذا ناشئة الليل.
وقال أبو مجلد وقتادة: ما كان بعد العشاء فهو ناشئة. وقال عبيد بن عمير: قلت لعائشة:
رجل قام من أوّل الليل أيقال له قام ناشئة؟ قالت: لا، إنّما الناشئة القيام بعد النوم. وقال يمان وابن كيسان: هي القيام من آخر الليل.
هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً قرأ أبو عمرو وابن عامر وابن محيص: وِطأ بكسر الواو ممدودا، واختاره أبو عبيد على معنى المواطاة والموافقة، وهو أن يواطئ قلبه وسمعه وبصره لسانه. وقرأ الباقون بفتح الواو مقصورا، أي فراغا للقلب. قال ابن عباس: كانت صلواتهم أوّل الليل هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً، يقول: هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام، وذلك أنّ الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ.
وقال قتادة: أثبت في الخير أحفظ للقراءة. الفرّاء: أثبت قياما. القرطبي: أشدّ على المصلّي من صلاة النهار، دليله
قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ أشدد وطأتك على مضر» [٤٥].
ابن زيد: أفرغ له قلبا من النهار، لأنّه لا تعرض له حوائج ولا شيء. الحسن، أَشَدُّ وَطْئاً في الخير وأمنع من الشيطان.
وَأَقْوَمُ قِيلًا وأصوب قراءة، وعبادة الليل أشدّ نشاطا وأتم إخلاصا وأكثر بركة.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ٧ الى ٢٠]
إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١)إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦)
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)
إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا قراءة العامة: بالحاء غير معجمة، أي فراغا وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك، وأصل السبح سرعة الذهاب. ومنه السباحة في الماء، وفرس سابح شديد الجري. قال الشاعر:
أباحوا لكم شرق البلاد وغربها | ففيها لكم يا صاح سبح من السبح |
قول النبيّ لعائشة وقد دعت على سارق سرقها: «لا تسبخي عنه بدعائك عليه»
[٤٦] أي لا تخففي، والتسبيخ توسيع القطن والصوف وتنفيشها، يقال للمرأة: سبّخي قطنك، ويقال لقطع القطن إذا ندف: سابخ.
قال الأخطل يصف القناص والكلاب:
فأرسلوهن يذرين التراب كما | يذري سبائخ قطن ندف أوتار «١» |
قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الحمى من قيح جهنم فسبّخوها بالماء»
[٤٧] «٢» أي سكنوها.
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بالتوحيد والتعظيم، وقال سهل اقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في ابتداء صلواتك توصلها بركة قرابها إلى ربّك وتقطعك عن كل ما سواه.
وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال ابن عباس وأكثر الناس: أخلص إليه إخلاصا. الحسن: اجتهد.
ابن زيد: تفرّغ لعبادته. شفيق: توكل عليه توكلا.
(٢) تفسير القرطبي: ١٩/ ٤٣.
بتلت الشيء أي وقطعته، وصدقة بتة بتلة أي بائنة مقطوعة من صاحبها لا سبيل له عليها، ودار تبتيل أي منقطعة عن الدور، قال امرؤ القيس:
تضيء الظلام بالعشاء كأنّها | منارة ممسى راهب متبتّل |
ومنه قيل لمريم العذراء البتول.
وقال أبو القيّم: اتصل به اتصالا ما رجع من رجع إلّا من الطريق، ما وصل إليه أحد فرجع عنه.
محمد بن عليّ: ارفع اليدين في الصلاة.
زيد بن أسلم: التبتل: رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله «١».
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وأيوب وحفص برفع الباء على الابتداء. وقيل: على إضمار هو، وقرأ الباقون بالخفض على نعت الربّ في قوله سبحانه:
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ الآية.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا قيّما بأمورك ففوّضها إليه وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا نسختها آية القتال.
أخبرني الحسن قال: حدّثنا السني، قال: حدّثنا حاتم بن شعيب، قال: حدّثنا سريح بن يونس، قال: حدّثنا سعيد بن محمد الورّاق عن الأحوص بن حكيم عن أبيه عن أبي الزاهرية أنّ أبا الدرداء قال: إنا لنكشّر في وجوه أقوام ونضحك إليهم، وإنّ قلوبنا لتقليهم أو لتلعنهم.
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا نزلت في صناديد قريش المكذبين المشتهرين. وقال مقاتل بن حيان: نزلت في المطعمين ببدر وهم عشرة- ذكرناهم في الأنفال- والنعمة التنعم والنعمة المروة والمنّة أيضا، والنعمة بضم النون: الميسرة يقال: نعم ونعمة عيّن ونعمى عين.
إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا عندنا في الآخرة قيودا عظاما لا تفكّ أبدا واحدها نكل، قال الشعبي:
ترون أن الله يجعل الأنكال في أرجل أهل النار لأنّه خشي أن يفروا؟ ولكن إذا أراد أن يرتفعوا استفلت بهم. وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ غير سائغة تأخذ بالحلق لا هو نازل ولا هو خارج وهو الغسلين والزقوم والضريع. وَعَذاباً أَلِيماً.
أخبرني عقيل: أنّ أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير، قال: حدّثنا أبو كريب، قال: حدّثنا
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا ابن ماجة، قال: حدّثنا الحسن بن أيوب، قال: حدّثنا عبد الله بن أبي زياد، قال: حدّثنا سيار، قال: حدّثنا صالح، قال: حدّثنا خالد بن حسان، قال: أمسى عندنا الحسن وأمسى صائما، فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً فقال: ارفع الطعام، فلما كانت الليلة الثانية أتيناه أيضا بطعام فعرضت له هذه الآية، فقال: ارفعه، فلمّا كانت الليلة الثالثة أتيته فعرضت له هذه الآية، فقال: ارفعوا، فانطلق ابنه إلى ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فحدثهم بحديثه، فجاءوا معه فلم يزالوا به حتّى شرب شربة من سويق. يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ أي تتحرك وتضطرب بمن عليها وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً وهو الرمل المجتمع مَهِيلًا سائلا متناثرا إذا مسّته تتابع، وأصله مهيول وهو مفعول من قول القائل: هلت الرمل فأنا أهيله، وذلك إذا حرّك أسفله فانهال عليه من أعلاه، يقال: مهيل ومهيول ومكيل ومكيول ومعين ومعيون،
قال النبيّ ﷺ لأصحابه وهم يشكون الجدوبة: «أتكيلون أم تهيلون» ؟
قالوا: نهيل.
قال: «كيلوا ولا تهيلوا» [٤٨] «١».
وقال الشاعر:
وإخال أنّك سيّد معيون «٢»
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا شديدا صعبا ثقيلا، ومنه يقال: كلأ مستوبل وطعام مستوبل إذا لم يستمرأ، ومنه الوبال وقالت الخنساء:
لقد أكلت بجيلة يوم لاقت | فوارس مالك أكلا وبيلا «٣» |
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ أي فكيف لكم بالتقوى في القيامة إذا كفرتم في الدنيا، يعني:
لا سبيل لكم إلى التقوى ولا تنفعكم التقوى إذا وافيتم القيامة. وقيل: معناه فكيف تتّقون عذاب يوم، وكيف تنجون منه إذا كفرتم. وقرأ ابن مسعود وعطيّة: فكيف يتّقون يوما يجعل الولدان شيبا أن كفرتم.
(٢) الصحاح: ٦/ ٢١٧١.
(٣) تفسير القرطبي: ١٩/ ٤٩.
يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ الصبيان شِيباً شمطا من هوله وشدّته وذلك حين يقال لآدم: قم فابعث بعث النار من ذرّيتك.
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن بشر، قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي الخطيب، قال: حدثني محمد بن غالب، قال: سمعت عثمان بن الهيثم، يقول: مررت بابن السري وهو قائم في الطريق، فسأله إنسان يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً، قال: هم أولاد الزنا.
وقيل: أولاد المشركين.
السَّماءُ مُنْفَطِرٌ مثقل مشقق بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا إِنَّ هذِهِ السورة أو هذه الآيات تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا بالإيمان والطاعة إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى أقرب مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ روى هشام عن أهل الشام ثُلْثَيِ مخفف غير مشبع وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ نصبها أهل مكة والكوفة على معنى وتقوم نصفه وثلثه، وخففهما الباقون عطفا على ثُلُثَيِ... وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ أيضا يقومونه.
وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ تطيقوا قيام الليل فَتابَ عَلَيْكُمْ تجاوز عنكم ورجع لكم إلى التخفيف عليكم فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قال السدي: مائة آية. قال الحسن: من قرأ مائة آية في ليله لم يحاجّه القرآن. وقال كعب: من قرأ في ليله مائة آية كتب من القانتين. وقال سعيد: خمسون آية. وروى الربيع بن صبيح عن الحسن: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ قال: يعني في صلاة المغرب والعشاء.
عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فسوى بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعلى العيال وللإحسان والإفضال.
أخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا ابن سلم، قال: حدّثنا أبو بكر بن عبد الخالق، قال:
حدّثنا أبو بكر بن أحمد بن محمد الحجاج، قال: حدثني أبو الفتح، قال: قال أبو نصر بشر بن الحرث، قال: حدّثنا المعافى بن عمران وعيسى بن يونس عن فرقد السبخي عن إبراهيم عن ابن مسعود، قال: أيّما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله سبحانه بمنزلة الشهداء، ثمّ قرأ عبد الله وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا موسى بن محمد بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، قال: حدّثنا عبد الحميد بن صالح، قال: حدّثنا أبو عقيل عن القيّم بن عبيد الله
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ
سمعت محمد بن الحسن السلمي، يقول: سمعت منصور بن عبد الله، يقول: سمعت أبا القيّم الأسكندراني، يقول: سمعت أبا جعفر الملطي، يقول: عن عليّ ابن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد في هذه الآية، قال: ما تَيَسَّرَ لكم مِنْهُ خشوع القلب وصفاء السر [٤٩] «١».
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً من الشح والتقصير وَأَعْظَمَ أَجْراً من ذلك الذي قدّمتموه لو لم تكونوا قدّمتموه، ونصب خَيْراً وَأَعْظَمَ على المفعول الثاني، وهو فصل في قول البصريين، وعماد في قول الكوفيين لا محل له من الإعراب. وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.