ﰡ
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إتمام التقوى أن يتقي الله عبده، حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام٢.
قال سهل : لا تستصغر شيئا من الذنوب وإن قل، فإنهم قالوا : أربعة بعد الذنب أشد من الذنب : الإصرار والاستبشار والاستصغار والافتخار.
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنهما : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الكافر يرى ذنوبه كذبابة وقعت على أنفه فقال هكذا بيده فطارت٣.
ثم قال سهل : معشر المسلمين لقد أعقبتم الإقرار باللسان واليقين في القلب أن الله واحد ليس كمثله شيء، وإن لكم يوما يبعثكم فيه ويسألكم فيه عن مثاقيل الذر من أعمالكم، فإن كان خيرا أثابكم فيه، وإن كان شرا عاقبكم عليه إن شاء، فحققوه بالفعل.
قيل له : وكيف لنا أن نحققه بالفعل ؟
قال : بخمسة أشياء لابد لكم منها : أكل الحلال، ولبس الحلال، وحفظ الجوارح، وأداء الحقوق كما أمرتم به، وكف الأذى عن المسلمين كيلا يذهب بأعمالكم قصاصا في القيامة، ثم استعينوا على ذلك كله بالله حتى يتمها لكم.
قيل له : فكيف تصح للعبد هذه الأحوال ؟
قال : لابد له من عشرة أشياء يدع منها خمسا ويتمسك بخمس : يدع وساوس العدو ويتبع العقل فيما يزجره، ويدع اهتمامه لأمر الدنيا ويتركها لأهلها ويهتم بالآخرة ويعين أهلها، ويدع اتباعه الهوى ويتقي الله على كل حال، ويترك المعصية ويشتغل بالطاعة، ويدع الجهل والإقامة عليه حتى يحكم عمله ويطلب العلم ويعمل به.
قيل له : وكيف لنا أن نقيمها ونعمل بها ؟
قال : لابد من أربعة أشياء : لا يتعب نفسه فيما كان مصيره إلى التراب، ولا يرغب فيه، ولا يتخذ إخوانا مصيرهم إلى التراب، ولا يرغب فيهم.
قيل : كيف ذلك ؟
قال : يعلم أنه عبد، مولاه عالم بحاله، شاهد، قادر على فرحه وترحه، رحيم به٤.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
٢ - الزهد لابن مبارك ١/١٨..
٣ - سنن الترمذي ٤/٦٥٨ (رقم ٢٤٩٢)؛ وسنن البيهقي الكبرى ١٠/١٨٨؛ ومسند أحمد ١/٣٨٣؛ وجامع العلوم والحكم ١/١٧٤؛ والزهد لابن مبارك ١/٢٣؛ والزهد لهناد ٢/٤٤٨؛ وفيض القدير ٢/٣٧٢..
٤ - وردت أقوال التستري وما سئل عنه في الحلية ١٠/٢٠٨-٢٠٩.
.