سورة الفاتحة
مكيّة وهي سبع آيات خمسة وعشرون كلمة مائة وثلثة وعشرون حرفا ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فاتحة الكتاب وأم القران سميت بهما لانها اصل القران منها يبدا- وهى السبع المثاني لانها سبع آيات بالاتفاق وتثنى في الصلاة وقيل أنزلت مرتين- بمكة والمدينة- والأصح انها مكية قبل سورة حجر- روى ابن جرير عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال هى أم القران وهى فاتحة الكتاب وهى السبع المثاني انتهى- وهى سورة الكنز روى إسحاق بن راهويه عن على رضى الله عنه قال حدثنا نبى الله ﷺ انها أنزلت من كنز تحت العرش- وهى سورة الشفاء لما سنذكر في الفضائل انها شفاء من كل داء
بِسْمِ أسقطت الالف لكثرة استعمالها وطولت الباء عوضا- قال البغوي قال عمر بن عبد العزيز طولوا الباء واظهر والسين ودور والميم تعظيما لكتاب الله عز وجل- والاسم مشتق من السمو دون الوسم بدلالة سمى وسميت والمراد به المسمى او الاسم نفسه- والباء للمصاحبة او الاستعانة او التبرك- والاستعانة يكون بذكر الله متعلق بمقدر بعدها لما في قوله تعالى بسم الله مجريها- وليتحقق الابتداء بالتسمية تحقيقا- روى عبد القادر الرهاوي في الأربعين عن ابى هريرة عنه ﷺ كل امر ذى بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم اقطع- يعنى بسم الله اقرأ اللَّهِ قيل جامد- والحق انه مشتق «١» من الله بمعنى المعبود حذفت الهمزة وعوضت عنها الالف واللام لزوما ومن أجل
الْحَمْدُ هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري نعمة كان او غيرها فهو أعم من الشكر فى المتعلق فان الشكر يخص النعمة وأخص منه في المورد فان الشكر من اللسان والقلب والجوارح ولذا قال عليه السلام الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده- رواه عبد الرزاق عن قتادة عن عبد الله بن عمرو- والمدح أعم من الحمد مطلقا لانه على مطلق الجميل- والتعريف للجنس اشارة الى ما يعرفه كل أحد- او للاستغراق إذ الحمد كله له تعالى وهو خالق افعال العباد وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وفيه دليل على انه تعالى حىّ قادر مريد عالم حتى يستحق الحمد لِلَّهِ اللام للاختصاص يقال الدار لزيد- والجملة الخبرية الاسمية دالة على استمرار الاستحقاق قصد بها الثناء بمضمونها وفيه تعليم وتقديره قولوا الحمد لله حتى يناسب قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرّبّ بمعنى المالك يقال رب الدار لمالكه ويكون بمعنى التربية وهو التبليغ الى الكمال تدريجا وصف به كالصوم والعدل ولا يقال على غيره تعالى الا مقيدا كرب الدار وفيه دليل على ان العالم محتاج في البقاء ايضا- والعلمين جمع
(٢) اى كتبت على كل سورة اولا بخط سائرها فهو يدل على انها جزؤ من كل سورة- منه رحمه الله
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) أجاز القراء فيه الروم وقفا وكذا في كل مكسور- فيه دليل على ان البسملة ليست من الفاتحة كيلا يلزم التكرار «١» وقيل كرر للتعليل.
ملك يوم الدّين (٤) قرا عاصم والكسائي ويعقوب مالك والآخرون ملك وقرا ابو عمرو الرّحيم ملك بإدغام الميم في الميم وكذالك يدغم كل حرفين متحركين من جنس واحد- او مخرج واحد- او قريبى المخرج- امّا إذا كانا مثلين في كلمتين فذلك واقع فى سبعة عشر حرفا- الا في مواضع عديدة وهى الباء والتاء والثاء والحاء المهملة والراء والسين المهملة والعين وعشرة أحرف بعدها نحو لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ثالِثُ ثَلاثَةٍ لا أَبْرَحُ حَتَّى فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ إِنَّكَ كُنْتَ بِنا جَعَلَ لَكُمُ يَعْلَمُ ما أَحْسَنُ نَدِيًّا إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ إِنَّهُ هُوَ ولا تمنع صلة الهاء نُودِيَ يا مُوسى إذا لم يكن الحرف الاول تاء المتكلم او المخاطب كنْتُ تُراباً
... فَأَنْتَ تُكْرِهُ ولا منونا نحو واسِعٌ عَلِيمٌ ولا مشددا نحو فَتَمَّ مِيقاتُ والمواضع العديدة المستثناة منها يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ لا يدغم فيه ابو عمرو لاخفاء النون قبلها اتفاقا- ومنها كل موضع التقيا فيه مثلان بسبب حذف وقع في اخر الكلمة الاولى نحو يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ إِنْ يَكُ كاذِباً يَخْلُ لَكُمْ ففى هذه الكلمات لابى عمرو وجهان الإظهار والإدغام ومنها عند البعض آلَ لُوطٍ والصحيح ادغامه ومنها واو هو إذا كان الهاء مضموما على قراءة ابى عمرو ووقع بعده واو نحو هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وذلك في ثلاثة عشر موضعا فاختلف في ادغامه لكن رواية الإدغام أقوى ومنها واو هو إذا كان الهاء ساكنا على قراءته وهو ثلاثة «٢» مواضع فَهُوَ وَلِيُّهُمُ وَهُوَ واقِعٌ
(٢) الصحيح خمسة مواضع- ابو محمد عفا الله عنه وفي القران وَما يَعْلَمُ إلخ في الأصل الاحرف في الأصل لك.
(٢) وذلك شاذ.
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ لا نحو فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ لكن لام قال إذا كان الراء بعده تدغم وان كان مفتوحا بعد ساكن قالَ رَبِّ قالَ رَجُلانِ قالَ رَبُّكُمْ والنون تدغم في اللام والراء إذا تحرك ما قبلها نحو إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ خَزائِنَ رَحْمَةِ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ تَبَيَّنَ لَهُمُ لا إذا سكن ما قبلها نحو يَخافُونَ رَبَّهُمْ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ الا نون نحن تدغم في اللام حيث جاءت وان كانت بعد ساكن نحو نَحْنُ لَهُ وفَما نَحْنُ لَكَ وهو عشر مواضع والميم المتحرك ما قبلها إذا كان بعدها باء تسكن وتخفى- والباء في يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ حيث اتى تدغم في الميم وهى خمسة مواضع سوى ما فى البقرة فانه ساكن الباء في قراءة ابى عمرو وفيه الإدغام الصغير- وحيث ما يجوّز ابو عمرو الإدغام الكبير فله هناك ثلاثة أوجه اخر الإشمام والروم والإظهار غير ان الإشمام يقع في الحروف المضمومة فقط والروم في المضمومة والمكسورة دون المفتوحة والإشمام عبارة عن ضم الشفتين كقبلة المحبوب اشارة الى الضمة والروم عبارة عن الإخفاء والتلفظ ببعض الحركة لكن الإشمام والروم عنده في سائر الحروف غير الباء مع الميم وبالعكس نحو نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ يَعْلَمُ ما أَعْلَمُ بِما كانُوا والإدغام لا يتاتى «١» إذا كان قبل الحرفين حرف ساكن صحيح نحو خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بَعْدِ ظُلْمِهِ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا دارُ الْخُلْدِ جَزاءُ لاجتماع الساكنين فالادغام
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) أجاز القراء فيه الروم والإشمام في حالة الوقف وكذا في كل
اهْدِنَا اى أرشدنا بيان للمعونة المطلوب- او افراد لما هو المقصود الأعظم- والهداية دلالة بلطف ولذلك يستعمل في الخير- وأصله ان يعدى باللام او الى وقد يعدى بنفسه- وهذا الدعاء من المؤمنين ومن النبيّ ﷺ مع كونهم على الهداية لطلب التثبت او طلب مزيد الهداية فان الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى على مذهب اهل السنة الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) قرأ ابن كثير برواية قنبل الصراط معرفا باللام ومضافا في الفاتحة وسائر القران وكذا منكرا حيث اتى بالسين على الأصل لانه من سرط الطّعام اى ابتلعه- والطريق يسرط السابلة والباقون بالصاد وهو لغة قريش- وقرا خلف كلها بين الصاد والزاء وكذا خلاد هاهنا خاصة- والمستقيم المستوي والمراد طريق الحق- وقيل ملة الإسلام «١» - والقولان أخرجهما ابن جرير عن ابن عباس.
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (٥) بدل من الاول بدل الكل وفائدته التوكيد والتنصيص على ان طريقهم هو المشهود عليه بالاستقامة والمراد بالذين أنعمت عليهم كل من ثبّته الله تعالى على الايمان والطاعة مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ- قرأ حمزة عليهم- إليهم- لديهم- حيث وقع بضم الهاء وصلا ووقفا والباقون بكسرها- وضم ابن كثير كل ميم جمع مشبعا في الوصل إذا لم يلقها ساكن- وقالون يقول
فصل فى فضائل الفاتحة
عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ والذي نفسى بيده ما انزل في التورية ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القران مثلها- وانها لهى السبع المثاني التي أتاني الله عز وجل- رواه الترمذي وقال حسن صحيح- والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم- وعن ابن عباس قال بينا رسول الله ﷺ وعنده جبرئيل إذ سمع نقيضا من فوقه فرفع جبرئيل عليه السلام بصره الى السماء فقال هذا باب فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فاتى النبي ﷺ فقال ابشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرا حرفا منها الا أعطيته- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى- قسّمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقول الله حمدنى عبدى- يقول العبد الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقول الله اثنى علىّ عبدى- يقول العبد مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يقول الله تعالى مجدنى عبدى- يقول العبد إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يقول الله هذه الاية بينى وبين عبدى ولعبدى ما سال- يقول العبد اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ يقول فهؤلاء لعبدى ولعبدى ما سال- رواه مسلم- وعن عبد الملك بن عمير مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- فاتحة الكتاب شفاء من كل داء- رواه الدارمي في مسنده والبيهقي في شعب الايمان بسند صحيح- وعن عبد الله بن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الا أخبرك بأخير سورة نزلت في القران