تفسير سورة الحج

أسباب نزول القرآن - الواحدي
تفسير سورة سورة الحج من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي .
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ...﴾ الآية [١١].
قال المفسرون نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، مهاجرين من باديتهم، وكان أحدهم إذا قدم المدينة: فإن صحَّ بها [جسمه]، ونُتِجَتْ فَرَسُه مُهْراً حسناً، وولدت امرأته غلاماً، وكَثُرَ ماله وماشيته رضي عنه واطمأن، وقال: ما أصبْتُ منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً، وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وأُجْهِضَتْ رِمَاكُه، وذهب ماله، وتأخرت عنه الصَّدَقَةُ أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبتَ منذ كنتَ على دينك هذا إلا شرّاً، فينقلبُ عن دينه. فأنزل الله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ﴾ الآية.
وروى عطية، عن أبي سعيد الخُدْرِي، قال:
أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده وتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أقِلْنِي: فقال: إن الإسلام لا يُقالُ قال: إني لم أصب في ديني هذا خيراً: أذْهَبَ بصري ومالي وولدي. فقال: "يا يهودي، إن الإسلام يَسْبِكُ الرِّجالَ كما تَسْبِكُ النَّارُ خَبَثَ الحديد والفضة والذهب"، قال: ونزلت: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ﴾.
قوله تعالى: ﴿هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ...﴾ الآية. [١٩].
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المُزَكّي، قال: أخبرنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف، قال: أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي، قال: حدثنا عمر بن مرزوق، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي هاشم، عن أبي مجْلَز، عن قيس بن عُبادٍ قال:
سمعت أبا ذَرّ يقول: أقسم بالله لنزلت هذه الآية: ﴿هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ﴾ في هؤلاء الستة: حمزة، وعُبَيْدَةُ، وعلي بن أبي طالب، وعُتْبَة، وشَيْبَةُ والوليد بن عتبة.
رواه البخاري، عن حجّاج بن مِنْهال، عن هُشَيم، عن أبي هاشم.
أخبرنا أبو بكر [ابن] الحرث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن سليمان قال: حدثنا هلال بن بشر، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: حدثنا سليمان التَّيْمِيّ، عن أبي مجلز عن قيس بن عباد، عن علي قال:
فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر: ﴿هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿ٱلْحَرِيقِ﴾.
وقال ابن عباس هم أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله منكم، وأقدم منكم كتاباً، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد عليه السلام، وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله من كتاب، فأنتم تعرفون نبينا ثم تركتموه، وكفرتم به حسداً. وكانت هذه خصومتهم [في ربهم]، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وهذا قول قتادة.
قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ...﴾ الآية. [٣٩].
قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يزالون يجيئون من بين مضروب ومَشْجُوج، فشكوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [فيقول لهم: اصبوا فإني لم أومر بالقتال، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم]. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن عباس:
لما أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر رضي الله عنه: إنا لله [وإنا إليه راجعون] لنهلكن، فأنزل الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال.
قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ...﴾ الآية. [٥٢].
قال المفسرون: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى قومه عنه، وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم. فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذٍ أن لا يأتيه من الله تعالى شيء ينفرون عنه، وتمنى ذلك، فأنزل الله تعالى سورة ﴿وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ﴾ فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ﴾ ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ويتمناه: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أُحَيْحَة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليهما، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرّقت قريش وقد سرّهم ما سمعوا، وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإن جعل لها محمد نصيباً فنحن معه. فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فقال: "ماذا صنعت؟ تَلَوْتَ على الناس ما لم آتك به عن الله سبحانه، وقلت ما لم أقل لك". فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً كبيراً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله، فازدادوا شراً إلى ما كانوا عليه.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو بكر [محمد] بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى الرّازي، قال: حدثنا سهل العسكري، قال: أخبرنا يحيى، عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جُبير، قال:
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ﴾ فألقى الشيطان على لسانه "تلك الغَرَانِيقُ العُلَى و [إن] شفاعتهن ترتجى" ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا. فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال اعرض عليَّ كلام الله. فلما عرض عليه قال: أما هذا فلم آتك به، هذا من الشيطان، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ﴾.
Icon