تفسير سورة السجدة

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مكية كلها.

قَوْلُهُ: ﴿الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ﴿تَنْزِيل﴾ رَفْعٌ عَلَى خَبَرِ الِابْتِدَاءِ عَلَى إِضْمَارِ: الَّذِي تَتْلُو تَنْزِيلُ الْكِتَابِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَيَكُونُ خَبْرُ الِابْتِدَاءِ ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾.
قَوْله: ﴿تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن
﴿أم يَقُولُونَ افتراه﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَى الْقُرْآنَ، أَيْ: قَدْ قَالُوهُ وَهُوَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ ﴿مَا أَتَاهُمْ من نَذِير من قبلك﴾ يَعْنِي: قُريْشًا ﴿لَعَلَّهُم يَهْتَدُونَ﴾ لكَي يهتدوا
380
﴿كتاب فصلت﴾ أَي: فسرت ﴿آيَاتُهُ﴾ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ﴿قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ﴾ يُؤمنُونَ
145
﴿فِي سِتَّة أَيَّام﴾ الْيَوْمُ مِنْهَا أَلْفَ سَنَةٍ. ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ يمنعكم من عَذَابه إِذْ أَرَادَ عذابكم ﴿وَلَا شَفِيع﴾ يَشْفَعُ لَكُمْ عِنْدَهُ؛ حَتَّى لِا يعذبكم.
380
﴿بشيرا﴾ بِالْجنَّةِ ﴿وَنَذِيرا﴾ من النَّار.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿تَنْزِيل﴾ رفع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره ﴿كتاب﴾ وَجَائِز أَن يرفع بإضمار هَذَا تَنْزِيل و ﴿قُرْآنًا عَرَبيا﴾ نصْبٌ عَلَى الْحَال.
﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ﴾ أَي: عَنْهُ ﴿فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ الْهدى؛ سمع قبُول
145
﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْض﴾ أَيْ: يُنَزِّلُهُ مَعَ جَبْرِيلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ أَيْ: يَصْعَدُ؛ يَعْنِي: جِبْرِيلَ إِلَى السَّمَاءِ ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ ألف سنة﴾ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا.
قَالَ يَحْيَى: بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة سنة، فَينزل مسيرَة خَمْسمِائَة سنة، ويصعد مسيرَة خَمْسمِائَة سنة فِي يَوْم وَفِي أقل مِنْ يَوْمٍ، وَرُبَّمَا سُئِلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام عَنِ الْأَمْرِ يَحْضُرُهُ، فَيَنْزِلُ فِي أسْرع من الطّرف.
سُورَة السَّجْدَة من (آيَة ٦ آيَة ١١).
381
﴿وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة﴾ أَي: فِي غُلُفٍ ﴿مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ يَا محمدُ؛ فَلَا نعقله ﴿وَفِي آذاننا وقر﴾ صَمَمٌ عَنْهُ فَلَا نَسْمَعهُ (وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ
145
حِجَابٌ} فَلَا نفقه مَا تَقُولُ ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾؛ أَي: اعْمَلْ بِدينِك؛ فَإنَّا عاملون بديننا.
146
﴿ذَلِك عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ثُمَّ قَالَ: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة﴾ يَعْنِي: نَفسه و ﴿الْغَيْب﴾: السِّرّ و ﴿الشَّهَادَة﴾: الْعَلَانِيَة
381
قَالَ الله للنَّبِي: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ غير أَنَّهُ يُوحى إليَّ ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ أَي: فوحدوه ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ من الشّرك ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ﴾ فِي النَّار.
146
﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ يَعْنِي: آدم
381
﴿الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ أَي: لَا يوحدون الله.
تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة ٨ إِلَى آيَة ١١.
146
﴿ثمَّ جعل نَسْله﴾ نَسْلَ آدَمَ بَعْدُ ﴿مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ ضَعِيفٍ؛ يَعْنِي: النُّطْفَة
381
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ تَفْسِير الْحَسَن: أَي لَا يمنُّ عَلَيْهِم من أَذَى.
146
﴿ثمَّ سواهُ﴾ يَعْنِي: سَوَّى خَلْقَهُ كَيْفَ شَاءَ ﴿قَلِيلا مَا تشكرون﴾ أَي: أقلكم من يشْكر
381
﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ يَقُوله عَلَى الِاسْتِفْهَام؛ أَي: قد فَعلْتُمْ ﴿وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا﴾ أعدالًا تعدلونهم بِهِ؛ فتعبدونهم دونه
146
﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ﴾ أَيْ: إِذَا كُنَّا رُفَاتًا وَتُرَابًا ﴿أئنا لفي خلق جَدِيد﴾ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى إِنْكَارٍ؛ أَيْ: إِنَّا لَا نُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ
381
﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا﴾ يَعْنِي: فَوق الأَرْض، والرواسي: الْجبَال حَتَّى لَا تحرّك بكم ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾ أَي: جعل فِيهَا الْبركَة؛ يَعْنِي: الأرزاق ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ أرزاقها ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ فِي تَتِمَّة أَرْبَعَة أَيَّام، يَعْنِي: خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ، وأقواتها فِي يَوْمَيْنِ، ثمَّ جمع الْأَرْبَعَة الْأَيَّام فَقَالَ: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ﴾ يَعْنِي: لمن كَانَ سَائِلًا عَن ذَلكَ، وَهِي تقْرَأ
146
(فِي أَرْبَعَة أَيَّام سواءٍ) أَي: مستوياتٍ، يَعْنِي: الْأَيَّام.
قَالَ محمدٌ: من نصب ﴿سَوَاء﴾ فعلى الْمصدر اسْتَوَت اسْتِوَاء.
147
﴿قل يتوفاكم﴾ أَيْ: يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وكل بكم﴾ جُعَلِتِ الْأَرْضُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مِثْلَ الطَّسْتِ يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ، كَمَا يَلْتَقِطُ
381
الطَّيْرُ الْحَبَّ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْبر وَالْبَحْر.
سُورَة السَّجْدَة من (آيَة ١٢ آيَة ١٤).
382
﴿وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسوا رُءُوسهم عِنْد رَبهم﴾ خزايا نادمين ﴿رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا﴾ سَمِعُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ السَّمَعُ، وَأَبْصَرُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْبَصَرُ ﴿فارجعنا﴾ إِلَى الدُّنْيَا ﴿نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا موقنون﴾ بِالَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ حق.
﴿وَلَكِن حق القَوْل مني﴾ أَيْ: سَبَقَ ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين من الْفَرِيقَيْنِ
﴿فَذُوقُوا﴾ يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴿بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يومكم هَذَا﴾ (ل ٢٦٨) يَعْنِي: بِمَا تَرَكْتُمُ الْإِيمَانَ بِلِقَاءِ يومكم هَذَا ﴿إِنَّا نسيناكم﴾ أَي: تركناكم فِي الْعَذَاب.
سُورَة السَّجْدَة من (آيَة ١٥ آيَة ١٧).
﴿وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَن عبَادَة الله
﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ قَالَ: يَعْنِي: قِيَامَ اللَّيْل ﴿يدعونَ رَبهم خوفًا﴾ من عَذَابه ﴿وَطَمَعًا﴾ فِي رَحْمَتِهِ؛ يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
382
قَالَ مُحَمَّد: معنى ﴿تَتَجَافَى﴾ تفارق. ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ﴾ يَعْنِي: الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة
383
﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ على قدر أَعْمَالهم.
سُورَة السَّجْدَة من (آيَة ١٨ آيَة ٢٠).
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا﴾ يَعْنِي: مُشْرِكًا ﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾.
﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا﴾ يَقُولُ: إِذَا كَانُوا فِي أَسْفَلِهَا رَفَعَتْهُمْ بِلَهَبِهَا؛ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي أَعْلَاهَا رَجُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَضُرِبُوا بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ؛ فهووا إِلَى أَسْفَلهَا.
سُورَة السَّجْدَة من (آيَة ٢١ آيَة ٢٥.
﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ الْأَقْرَبِ؛ يَعْنِي: بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ ﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَر﴾ عَذَاب النَّار ﴿لَعَلَّهُم﴾ لَعَلَّ مَنْ يَبْقَى
383
مِنْهُم ﴿يرجعُونَ﴾ من الشّرك إِلَى الْإِيمَان.
384
﴿وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب﴾ التَّوْرَاة ﴿فَلَا تكن﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِه﴾ تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ ﴿وجعلناه هدى﴾ يَعْنِي: مُوسَى ﴿هدى لبني إِسْرَائِيل﴾.
﴿وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة﴾ يَعْنِي: أَنْبيَاء ﴿يهْدُونَ﴾ أَيْ: يَدْعُونَ ﴿بِأَمْرِنَا﴾.
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ﴾ الْآيَةُ، يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ﴿فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ﴾ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ؛ فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجنَّة، وَيدخل الْمُشْركين النَّار.
سُورَة السَّجْدَة من (آيَة ٢٦ آيَة ٣٠).
﴿أَو لم يهد لَهُم﴾ يَعْنِي: يُبَيِّنْ لَهُمْ ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا من قبلهم من الْقُرُون﴾ يَعْنِي: مَا قُصَّ مِمَّا أُهْلِكَ بِهِ الْأُمَم السالفة؛ حِين كذبُوا رسلهم ﴿يَمْشُونَ فِي مساكنهم﴾ أَيْ: يَمُرُّونَ؛ مِنْهَا مَا يُرَى، وَمِنْه مَا لَا يُرَى؛ كَقَوْلِهِ: ﴿مِنْهَا قَائِم﴾ ترَاهُ ﴿وحصيد﴾ لَا ترَاهُ ﴿أَفلا يسمعُونَ﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين
﴿إِلَى الأَرْض الجرز﴾ يَعْنِي: الْيَابِسَةَ؛ أَيْ: فَالَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ.
﴿وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْفَتْح﴾ يَعْنِي: الْقَضَاءَ بِعَذَابِهِمْ؛ قَالُوا ذَلِكَ استهزاءا وتكذيبا بِأَنَّهُ لَا يكون
﴿قل يَوْم الْفَتْح﴾ الْقَضَاءِ ﴿لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانهم﴾ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَرَى الْعَذَابَ إِلَّا آمَنَ؛ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُم.
﴿فَأَعْرض عَنْهُم وانتظر﴾ بهم الْعَذَاب ﴿إِنَّهُم منتظرون﴾ نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
385
تَفْسِيرُ سُوْرَةِ الْأَحْزَابِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة ١ آيَة ٥).
386
Icon