تفسير سورة الملك

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الملك من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الملك
مكية عددها ثلاثون آية.

قوله: ﴿ تَبَارَكَ ﴾ يعني افتعل البركة ﴿ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أراده ﴿ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ١] ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ ﴾ فيميت الأحياء ويحيى الموتى من نطفة، ثم علقة، ثم ينفخ فيه الروح، فيصير حياً، قوله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ يعني ليختبركم بها ﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾.
حدثنا عبدالله بن ثابت، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: أخبرنى مقاتل بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم، عن عبدالله بن عباس، قال: أيكم أتم للفريضة ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ في ملكه في نقمته لمن عصاه.
﴿ ٱلْغَفُورُ ﴾ [آية: ٢] لذنوب المؤمنين.
ثم أخبر عن خلقه ليعرف بتوحيد فقال: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ في يومين ﴿ طِبَاقاً ﴾ بعضها فوق بعض بين كل سماءين مسيرة خمسمائة سنة وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، قوله: ﴿ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتِ ﴾ يقول ماترى ابن آدم في خلق السموات من عيب ﴿ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ ﴾ يعني أعد البصر ثانية إلى السموات ﴿ هَلْ تَرَىٰ ﴾ ابن آدم في السموات ﴿ مِن فُطُورٍ ﴾ [آية: ٣] يعني من فروج ﴿ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ ﴾ يقول: أعد البصر الثانية ﴿ يَنْقَلِبْ ﴾ يعني يرجع ﴿ إِلَيْكَ ﴾ ابن آدم ﴿ البَصَرُ خَاسِئاً ﴾ يعني إذا اشتد البصر يقع فيه الماء، خاسئا: يعني صاغراً ﴿ وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [آية: ٤] يعني كلا منقطعاً لا يرى فيها عيبا ولا فطوراً.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا ﴾ لأنها أدنى السموات وأقربها من الأرض من غيرها ﴿ بِمَصَابِيحَ ﴾ وحفظاً يعني الكواكب ﴿ وَجَعَلْنَاهَا ﴾ يعني الكواكب ﴿ رُجُوماً ﴾ يعني رمياً ﴿ لِّلشَّيَاطِينِ ﴾ يعني إذا ارتقوا إلى السماء ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ ﴾ يعني للشياطين ﴿ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ ﴾ [آية: ٥] يعني الوقود.
﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾ واعتدنا للذين كفروا بتوحيد الله، لهم فى الآخرة ﴿ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ٦] حيث يصيرون إليها، قوله: ﴿ إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا ﴾ يعنى فى جهنم اختطفتهم الخزنة بالكلاليب ﴿ سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً ﴾ يعنىمثل نهيق الحمار ﴿ وَهِيَ تَفُورُ ﴾ [آية: ٧] يعنى تغلى ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ ﴾ تفرق جنهم عليهم ﴿ مِنَ الغَيْظِ ﴾ على الكفار تأخذهم. ثم قال: ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾ يعنى زمرة اختطفتهم الخزنة بالكلاليب، يعنى مشركى العرب واليهود والنصارى والمجوس، وغيرهم ﴿ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ ﴾ حزان جهنم ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴾ [آية: ٨] يعنى رسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم وسلم ﴿ قَالُواْ ﴾ للخزنة: ﴿ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا ﴾ بالنذير يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ وَقُلْنَا ﴾ للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ ﴾ يعنى ما أرسل الله من أحد يعنى من نبى، وقالوا للرسول، محمد صلى الله عليه وسلم، ما بعث الله من رسوله ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ يعنى إلا فى شقاق ﴿ كَبِيرٍ ﴾ [آية: ٩].
﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ﴾ المواعظ ﴿ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ ﴾ [آية: ١٠] يقول الله تعالى: ﴿ فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ ﴾ يعنى بتكذيبهم الرسل ﴿ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ ﴾ [آية: ١١] يعنى الوقود.
ثم أخبر الله تعالى عن المؤمنين، وما أعد لهم في الآخرة، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ ﴾ ولم يروه، فأمنوا ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [آية: ١٢] يعني جزاءاً كبيراً في الجنة ﴿ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ ﴾ في النبي صلى الله عليه وسلم في القلوب ﴿ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ ﴾ يعني أو تكلموا به علانية، يعني به كفار مكة ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آية: ١٣] يعني بما في القلوب. ثم قال: ﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ﴾ يقول: أنا خلقت السر في القلوب، ألا أكون عالماً بما أخلق من السر في القلوب ﴿ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ﴾ [آية: ١٤] يعني لطف علمه بما في القلوب، خبير بما فيها من السر والوسوسة.
قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً ﴾ يقول: أثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ﴿ فَٱمْشُواْ ﴾ يعني فمروا ﴿ فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ يعني في نواحيها وجوانبها آمنين كيف شئتم ﴿ وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ ﴾ الحلال ﴿ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ ﴾ [آية: ١٥] يقول: إلى الله تعبثون من قبوركم أحياء بعد الموت.
ثم خوف كفار مكة، فقال: ﴿ أَأَمِنتُمْ ﴾ عقوبة ﴿ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ يعني الرب تبارك وتعالى، نفسه لأنه في السماء العليا ﴿ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [آية: ١٦] يعني فإذا هي تدور بكم إلى الأرض السفلى، مثل قوله:﴿ يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً ﴾[الطور: ٩].
ثم قال: ﴿ أَمْ أَمِنتُمْ ﴾ عقوبة ﴿ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ يعني الرب عز وجل ﴿ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ﴾ يعني الحجارة من السماء كما فعل بمن كان قبلكم من كفار العرب الخالية قوم لوط وغيره ﴿ فَسَتَعْلَمُونَ ﴾ يا أهل مكة عند نزول العذاب ﴿ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [آية: ١٧] كيف عذابي.
﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية رسلهم فعذبناهم ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ ﴾ [آية: ١٨] يعني تغييري وإنكاري ألم يجدوا العذاب حقاً، يخوف كفار مكة، ثم وعظهم ليعتبروا في صنع الله فيوحدونه، فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ ﴾ يعني الأجنحة ﴿ وَيَقْبِضْنَ ﴾ الأجنحة حين يردن أن يعن ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ ﴾ عند القبض والبسط ﴿ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ من خلقه ﴿ بَصِيرٌ ﴾ [آية: ١٩].
ثم خوفهم، فقال: ﴿ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ ﴾ يعني حزب ﴿ لَّكُمْ ﴾ يا أهل مكة، يعني فهابوه ﴿ يَنصُرُكُمْ ﴾ يقول: يمنعكم ﴿ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ إذا نزل بكم العذاب ﴿ إِنِ ﴾ يعني ما ﴿ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ ﴾ [آية: ٢٠] يقول: في باطل، الذي ليس بشىء، ثم قال يخوفهم ليعبروا: ﴿ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ ﴾ من المطر من الآلهة غيري ﴿ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾ عنكم فهاتوا المطر يقول الله تعالى: أنا الرزاق، قال: ﴿ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ ﴾ يعني تمادوا في الكفر ﴿ وَنُفُورٍ ﴾ [آية: ٢١] يعني تباعد من الإيمان قوله: ﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ ﴾ يعني الكافر يمشي ضالاً في الكفر أعمى القلب، يعني أبا جهل بن هشام.
﴿ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً ﴾ يعني النبي صلى الله عليه سلم مؤمناً مهتدياً، نقي القلب ﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٢٢] يعني طريق الإسلام.
﴿ قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ ﴾ يعني خلقكم ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ ﴾ يعني القلوب ﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٢٣] يعني بالقليل، أنهم قوم لا يعقلون، فيشكروا رب هذه النعم البينة في حسن خلقهم، فيوحدونه ﴿ قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعني خلقكم في الأرض ﴿ وَإِلَيْهِ ﴾ يعني إلى الله ﴿ تُحْشَرُونَ ﴾ [آية: ٢٤] في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ ﴾ يقول: متى هذا الذي توعدنا به، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٢٥] بأن العذاب نازل بنا في الدنيا، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ ﴾ يعني علم نزول العذاب بكم ببدر ﴿ عنْدَ ٱللَّهِ ﴾ وليس بيدي ﴿ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ ﴾ بالعذاب ﴿ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٢٦].
قوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ﴾ يعني النار والعذاب في الآخرة قريباً ﴿ سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ يعني سىء لذلك وجوهم ﴿ وَقِيلَ ﴾ لهم، يعني قالت لهم الخزنة: ﴿ هَـٰذَا ﴾ العذاب ﴿ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ ﴾ [آية: ٢٧]، يعني تمترون في الدنيا.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة يا محمد: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ ﴾ يقول: إن عذبني الله ﴿ وَمَن مَّعِيَ ﴾ من المؤمنين ﴿ أَوْ رَحِمَنَا ﴾ فلم يعذبنا، وأنعم علينا ﴿ فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ يقول: فمن يؤمنكم أنتم ﴿ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آية: ٢٨] يعني وجيع ﴿ قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ الذي يفعل ذلك ﴿ آمَنَّا بِهِ ﴾ يقول: صدقنا بتوحيده إن شاء أهلكنا أو عذبنا ﴿ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ يعني بالله وثقنا حين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾، فرد النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَسَتَعْلَمُونَ ﴾ عند نزول العذاب ﴿ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٢٩] يعني باطل ليس بشىء أنحن أم أنتم، نظيرها في طه [آية: ١٣٥].
ثم قال لأهل مكة: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً ﴾ يعني ماء زمزم وغيره ﴿ غَوْراً ﴾ يعني غار في الأرض، فذهب فلم تقدروا عليه ﴿ فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ ﴾ [آية: ٣٠] يعني ظاهراً تناله الدلاء.
Icon