تفسير سورة هود

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة هود من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وهي مكية في قول ابن عباس وبه قال الحسن وعكرمة ومجاهد وان زيد وقتادة وفي رواية عن ابن عباس أنها مكية غير آية وهي قوله سبحانه وتعالى :﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار ﴾ وعن قتادة نحوه وقال مقاتل : هي مكية إلا قوله سبحانه فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وقوله أولئك يؤمنون به وقوله سبحانه وتعالى إن الحسنات يذهبن السيئات وهي مائة وثلاث وعشرون آية وألف وستمائة كلمة وتسعة آلاف وخمسمائة وسبعة وستون حرفا عن ابن عباس قال : قال أبو بكر : يا رسول الله قد شبت قال :" شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت } أخرجه الترمذي "، وقال حديث حسن غريب. وفي رواية قال قلت " يا رسول الله عجل إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها الحاقة والواقعة وعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية "، قال بعض العلماء : سبب شيبه صلى الله عليه وسلم من هذه السور المذكور في الحديث لما فيها من ذكر القيامة والبعث والحساب والجنة والنار والله أعلم بمراد رسول صلى الله عليه وسلم.

سورة هود
وهي مكية في قول ابن عباس وبه قال الحسن وعكرمة ومجاهد وابن زيد وقتادة وفي رواية عن ابن عباس أنها مكية غير آية وهي قوله سبحانه وتعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وعن قتادة نحوه وقال مقاتل: هي مكية إلا قوله سبحانه فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وقوله أولئك يؤمنون به وقوله سبحانه وتعالى إن الحسنات يذهبن السيئات وهي مائة وثلاث وعشرون آية وألف وستمائة كلمة وتسعة آلاف وخمسمائة وسبعة وستون حرفا عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت قال: «شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت» أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن غريب. وفي رواية غيره قال قلت «يا رسول الله عجل إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها الحاقة والواقعة وعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية»، قال بعض العلماء: سبب شيبه ﷺ من هذه السور المذكورة في الحديث لما فيها من ذكر القيامة والبعث والحساب والجنة والنار والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة هود (١١): آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)
قوله عز وجل: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال ابن عباس: لم ينسخها كتاب كما نسخت هي الكتب والشرائع ثُمَّ فُصِّلَتْ يعني بينت وقال الحسن: أحكمت آياته بالأمر والنهي وفصلت بالثواب والعقاب وفي رواية عنه بالعكس، قال: أحكمت بالثواب والعقاب وفصلت بالأمر والنهي، وقال قتادة: أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته فيها وقيل: أحكمها الله فليس فيها تناقض ثم فصلها وبينها وقيل معناه نظمت آياته نظما رصينا محكما بحيث لا يقع فيه نقض ولا خلل كالبناء المحكم الذي ليس فيه خلل ثم فصلت آياته سورة سورة وقيل إن آيات هذا الكتاب دالة على التوحيد وصحة النبوة والمعاد وأحوال القيامة وكل ذلك لا يدخله النسخ ثم فصلت بدلائل الأحكام والمواعظ والقصص والإخبار عن المغيبات، وقال مجاهد:
فصلت بمعنى فسرت وثم في قوله ثم فصلت ليست هي للتراخي في الوقت ولكن في الحال كما تقول هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل فإن قلت كيف عم الآيات هنا بالأحكام وخص بعضها في قوله منه آيات محكمات.
قلت: إن الإحكام الذي عم به هنا غير الذي خص به هناك فمعنى الإحكام العام هنا أنه لا يتطرق إلى آياته التناقض والفساد كأحكام البناء فإن هذا الكتاب نسخ جميع الكتب المتقدمة عليه والمراد بالأحكام الخاص المذكور في قوله منه آيات محكمات أن بعض آياته منسوخة نسخها بآيات منه أيضا لم ينسخها غيره وقيل أحكمت آياته أي معظم آياته محكمة وإن كان قد دخل النسخ على البعض فأجرى الكل على البعض لأن الحكم للغالب وإجراء الكل على البعض مستعمل في كلامهم تقول أكلت طعام زيد وإنما أكلت بعضه.
وقوله تعالى: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ يعني أحكمت آيات الكتاب من عند حكيم في جميع أفعاله خَبِيرٍ يعني بأحوال عباده وما يصلحهم.
[سورة هود (١١): الآيات ٢ الى ٥]
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥)
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ هذا مفعول له معناه كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله والمراد بالعبادة التوحيد وخلع الأنداد والأصنام وما كانوا يعبدون والرجوع إلى الله تعالى وإلى عبادته والدخول في دين الإسلام إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ أي: قل لهم يا محمد إنني لكم من عند الله نَذِيرٌ ينذركم عقابه إن ثبتم على كفركم ولم ترجعوا عنه وَبَشِيرٌ يعني وأبشر بالثواب الجزيل لمن آمن بالله ورسوله وأطاع وأخلص العمل لله وحده وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ اختلفوا في بيان الفرق بين هذين المرتبتين فقيل معناه اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم ثم ارجعوا إليه لأن الاستغفار هو طلب الغفر وهو الستر والتوبة الرجوع عما كان فيه من شرك أو معصية إلى خلاف ذلك فلهذا السبب قدم الاستغفار على التوبة وقيل معناه استغفروا ربكم لسالف ذنوبكم ثم توبوا إليه في المستقبل وقال الفراء: ثم هنا بمعنى الواو لأن الاستغفار والتوبة بمعنى واحد فذكرهما للتأكيد يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً يعني إنكم إذا فعلتم ما أمرتم به من الاستغفار والتوبة وأخلصتم العبادة لله عز وجل بسط عليكم من الدنيا وأسباب الرزق ما تعيشون به في أمن وسعة وخير، قال بعضهم: المتاع الحسن هو الرضا بالميسور والصبر على المقدور إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني يمتعكم متاعا حسنا إلى حين الموت ووقت انقضاء آجالكم.
فإن قلت قد ورد في الحديث «إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» وقد يضيق على الرجل في بعض أوقاته حتى لا يجد ما ينفقه على نفسه وعياله فكيف الجمع بين هذا وبين قوله سبحانه وتعالى يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى.
قلت أما قوله ﷺ «الدنيا سجن المؤمن» فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم فإنه في سجن في الدنيا حتى يفضي إلى ذلك المعد له وأما كون الدنيا جنة الكافر فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من العذاب الأليم الدائم الذي لا ينقطع فهو في الدنيا في جنة حتى يفضي إلى ما أعد الله له في الآخرة وأما ما يضيق على الرجل المؤمن في بعض الأوقات فإنما ذلك لرفع الدرجات وتكفير السيئات وبيان الصبر عند المصيبات فعلى هذا يكون المؤمن في جميع أحواله في عيشة حسنة لأنه راض عن الله في جميع أحواله.
وقوله سبحانه وتعالى: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أي ويعط كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة، قال أبو العالية: من كثرت طاعاته في الدنيا زادت حسناته ودرجاته في الجنة لأن الدرجات تكون على قدر الأعمال، وقال ابن عباس: من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن زادت سيئاته دخل النار ومن استوت حسناته وسيئاته كان من الأعراف ثم يدخلون الجنة. وقال ابن مسعود: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من حسناته العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول ابن مسعود: هلك من غلبت
﴿ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ﴾ اختلفوا في بيان الفرق بين هذين المرتبتين فقيل معناه اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم ثم ارجعوا إليه لأن الاستغفار هو طلب الغفر وهو الستر والتوبة الرجوع عما كان فيه من شرك أو معصية إلى خلاف ذلك فلهذا السبب قدم الاستغفار على التوبة وقيل معناه استغفروا ربكم لسالف ذنوبكم ثم توبوا إليه في المستقبل وقال الفراء : ثم هنا بمعنى الواو لأن الاستغفار والتوبة بمعنى واحد فذكرهما للتأكيد ﴿ يمتعكم متاعاً حسناً ﴾ يعني إنكم إذا فعلتم ما أمرتم به من الاستغفار والتوبة وأخلصتم العبادة لله عز وجل بسط عليكم من الدنيا وأسباب الرزق ما تعيشون به في أمن وسعة وخير، قال بعضهم : المتاع الحسن هو الرضا بالميسور والصبر على المقدور ﴿ إلى أجل مسمى ﴾ يعني يمتعكم متاعاً حسناً إلى حين الموت ووقت انقضاء آجالكم.
فإن قلت قد ورد في الحديث ﴿ إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ﴾ وقد يضيق على الرجل في بعض أوقاته حتى لا يجد ما ينفقه على نفسه وعياله فيكف الجمع مبين هذا وبين قوله سبحانه وتعالى يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى.
قلت أما قوله صلى الله عليه وسلم «الدنيا سجن المؤمن » فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم فإنه في سجن في الدنيا حتى يفضي إلى ذلك المعد له وأما كون الدنيا جنة الكافر فهو النسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من العذاب الأليم الدائم الذي لا ينقطع فهو في الدنيا في جنة حتى يفضي إلى ما أعد الله له في الآخرة وأما ما يضيق على الرجل المؤمن في بعض الأوقات فإنما ذلك لرفع الدرجات وتكفير السيئات وبيان الصبر عند المصيبات فعلى هذا يكون المؤمن في جميع أحواله في عيشة حسنة لأنه راض عن الله في جميع أحواله.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ ويؤت كل ذي فضل فضله ﴾ أي ويعط كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة، قال أبو العالية : من كثرت طاعاته في الدنيا زادت حسناته ودرجاته في الجنة لأن الدرجات تكون على قدر الأعمال، وقال ابن عباس : من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن زادت سيئاته دخل النار ومن استوت حسناته وسيئاته كان من الأعراف ثم يدخلون الجنة. وقال ابن مسعود : من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من حسناته العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول ابن مسعود : هلك من غلبت آحاده أعشاره وقيل معنى الآية من عمل لله وفقه الله في المستقبل لطاعته ﴿ وإن تولوا ﴾ يعني وإن أعرضوا عما جئتم به من الهدى ﴿ فإني أخاف عليكم ﴾ أي : فقل لهم يا محمد إني أخاف عليكم ﴿ عذاب يوم كبير ﴾ يعني : عذاب النار في الآخرة.
﴿ إلى الله مرجعكم ﴾ يعني في الآخرة فيثيب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته ﴿ وهو على كل شيء قدير ﴾ يعني من إيصال الرزق إليكم في الدنيا وثوابكم وعقابكم في الآخرة.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ألا إنهم يثنون صدورهم ﴾ قال ابن عباس : نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلاً حلو الكلام حلو المنظر وكان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يجب وينطوي بقلبه على ما يكره فنزلت ألا إنهم يثنون صدورهم يعني يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة من ثنيت الثوب إذا طويته. وقال عبد الله بن شداد بن الهاد : نزلت في بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة : كانوا يحنون صدورهم كي لا يسمعوا كتاب الله تعالى ولا ذكره وقيل كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه ويقول هل يعلم الله ما في قلبي، وقال السدي : يثنون صدورهم أي يعرضون بقلوبهم من قولهم ثنيت عناني ﴿ ليستخفوا منه ﴾ يعني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد من الله عز وجل إن استطاعوا ﴿ ألا حين يستغشون ثيابهم ﴾ يعني يغطون رؤوسهم بثيابهم ﴿ يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ﴾ ومعنى الآية على ما قاله الأزهري : إن الذين أضمروا عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخفى علينا حالهم في كل حال وقد نقل عن ابن عباس غير هذا التفسير وهو ما أخرجه البخاري في إفراده عن محمد بن عياش بن جعفر المخزومي أنه سمع ابن عباس يقرأ : ألا إنهم يثنون صدورهم، قال : فسألته عنها فقال كل أناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم.
آحاده أعشاره وقيل معنى الآية من عمل لله وفقه الله في المستقبل لطاعته وَإِنْ تَوَلَّوْا يعني وإن أعرضوا عما جئتم به من الهدى فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ أي: فقل لهم يا محمد إني أخاف عليكم عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ يعني:
عذاب النار في الآخرة إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ يعني في الآخرة فيثيب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يعني من إيصال الرزق إليكم في الدنيا وثوابكم وعقابكم في الآخرة قوله سبحانه وتعالى: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر وكان يلقى رسول الله ﷺ بما يحب وينطوي بقلبه على ما يكره فنزلت ألا إنهم يثنون صدورهم يعني يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة من ثنيت الثوب إذا طويته. وقال عبد الله بن شداد بن الهاد: نزلت في بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله ﷺ ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: كانوا يحنون صدورهم كي لا يسمعوا كتاب الله تعالى ولا ذكره وقيل كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه ويقول هل يعلم الله ما في قلبي، وقال السدي: يثنون صدورهم أي يعرضون بقلوبهم من قولهم ثنيت عناني لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ يعني من رسول الله ﷺ وقال مجاهد من الله عز وجل إن استطاعوا أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يعني يغطون رؤوسهم بثيابهم يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ومعنى الآية على ما قاله الأزهري: إن الذين أضمروا عداوة رسول الله ﷺ لا يخفى علينا حالهم في كل حال وقد نقل عن ابن عباس غير هذا التفسير وهو ما أخرجه البخاري في إفراده عن محمد بن عياش بن جعفر المخزومي أنه سمع ابن عباس يقرأ: ألا إنهم يثنون صدورهم، قال: فسألته عنها فقال كل أناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم.
[سورة هود (١١): الآيات ٦ الى ٧]
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)
وقوله سبحانه وتعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ الدابة اسم لكل حيوان دب على وجه الأرض وأطلق لفظ الدابة على كل ذي أربع من الحيوان على سبيل العرف والمراد منه الإطلاق فيدخل الآدمي وغيره من جميع الحيوانات إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها يعني هو المتكفل برزقها فضلا منه لا على سبيل الوجوب فهو إلى مشيئته إن شاء رزق وإن شاء لم يرزق وقيل إن لفظة على بمعنى أي من الله رزقها وقال مجاهد ما جاءها من رزق فمن الله وربما لم يرزقها فتموت جوعا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها قال ابن عباس: مستقرها المكان الذي تأوي في ليل أو نهار ومستودعها المكان الذي تدفن فيه بعد الموت، وقال ابن مسعود: مستقرها أرحام الأمهات والمستودع المكان الذي تموت فيه وقيل المستقر الجنة أو النار والمستودع القبر كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ أي كل ذلك مثبت في اللوح المحفوظ قبل خلقها قوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ يعني قبل خلق السموات والأرض قال كعب خلق الله ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ثم وضع العرش على الماء. قال ضمرة: إن الله سبحانه وتعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وخلق القلم فكتب به ما خلق وما هو خالق وما هو كائن من خلقه إلى يوم القيامة ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه.
وقال سعيد بن جبير سئل ابن عباس عن قوله سبحانه وتعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ على أي شيء كان الماء قال: على متن الريح، وقال وهب بن منبه: إن العرش كان قبل أن يخلق الله السموات والأرض ثم قبض الله
472
قبضة من صفاء الماء ثم فتح القبضة فارتفع دخان ثم قضاهن سبع سموات في يومين ثم أخذ سبحانه وتعالى طينة من الماء فوضعها مكان البيت ثم دحا الأرض منها ثم خلق الأقوات في يومين والسموات في يومين والأرض في يومين ثم فرغ آخر الخلق وفي اليوم السابع. قال بعض العلماء: وفي خلق جميع الأشياء وجعلها على الماء ما يدل على كمال القدرة لأن البناء الضعيف إذا لم يكن له أساس على أرض صلبة لم يثبت فكيف بهذا الخلق العظيم وهو العرش والسموات والأرض على الماء فهذا يدل على كمال قدرة الله تعالى (خ) عن عمران بن حصين قال «دخلت على النبي ﷺ وعقلت ناقتي بالباب فأتى ناس من بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم فقالوا بشرتنا فأعطنا مرتين فتغير وجهه ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا يا رسول الله ثم قالوا جئنا لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان الله سبحانه وتعالى ولم يكن معه شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ثم أتاني رجل فقال يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت فانطلقت أطلبها فإذا السراب يقطع دونها وايم الله لوددت أنها ذهبت ولم أقم» عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال «كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وخلق عرشه على الماء» أخرجه الترمذي، وقال قال أحمد: يريد بالعماء أنه ليس معه شيء قال أبو بكر البيهقي: في كتاب الأسماء والصفات له قوله ﷺ «كان الله ولم يكن شيء قبله، يعني لا الماء ولا العرش ولا غيرهما وقوله «وكان عرشه على الماء» يعني وخلق الماء وخلق العرش على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء، وقوله في عماء وجدته في كتاب عماء مقيدا بالمد فإن كان في الأصل ممدودا فمعناه سحاب رقيق ويريد بقوله في عماء أي فوق سحاب مدبرا له وعاليا عليه كما قال سبحانه وتعالى «أأمنتم من في السماء» يعني من فوق السماء وقال تعالى: لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ يعني على جذوعها وقوله ما فوقه هواء أي ما فوق السحاب هواء وكذلك قوله وما تحته هواء أي ما تحت السحاب هواء وقد قيل إن ذلك العمى مقصور والعمى إذا كان مقصورا فمعناه لا شيء ثابت لأنه مما عمى عن الخلق لكونه غير شيء فكأنه قال في جوابه كان قبل أن يخلق خلقه ولم يكن شيء غيره ثم قال ما فوقه هواء وما تحته هواء أي ليس فوق العمى الذي هو لا شيء موجود هواء ولا تحته هواء لأن ذلك إن كان غير شيء فليس يثبت له هواء بوجه والله أعلم وقال الهروي صاحب الغريبين: قال بعض أهل العلم معناه أين كان عرش ربنا فحذف المضاف اختصارا كقوله واسأل القرية ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ هذا آخر كلام البيهقي، وقال ابن الأثير: العماء في اللغة السحاب الرقيق وقيل: الكثيف وقيل: هو الضباب ولا بد في الحديث من حذف مضاف، تقديره أين كان عرش ربنا فحذف ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ وحكي عن بعضهم في العمى المقصور أنه قال هو كل أمر لا يدركه الفطن، وقال الأزهري: قال أبو عبيد إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء قال الأزهري: فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته (م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» وفي رواية «فرغ الله من المقادير وأمور الدنيا قبل أن يخلق السموات والأرض
وكان عرشه على الماء بخمسين ألف سنة»
قوله فرغ يريد إتمام خلق المقادير لا أنه كان مشغولا ففرغ منه لأن الله سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
قوله سبحانه وتعالى: لِيَبْلُوَكُمْ يعني ليختبركم وهو أعلم بكم منكم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا يعني بطاعة الله وأورع عن محارم الله وَلَئِنْ قُلْتَ يعني ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ يعني للحساب والجزاء لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ يعنون القرآن.
473
قوله عز وجل :﴿ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ﴾ يعني قبل خلق السماوات والأرض قال كعب خلق الله ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ثم وضع العرش على الماء. قال ضمرة : إن الله سبحانه وتعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وخلق القلم فكتب به ما خلق وما هو خالق وما هو كائن من خلقه إلى يوم القيامة ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ألف عام قبل أن يخلق شيئاً من خلقه.
وقال سعيد بن جبير سئل ابن عباس عن قوله سبحانه وتعالى :﴿ وكان عرشه على الماء ﴾ على أي شيء كان الماء قال : على متن الريح، وقال وهب بن منبه : إن العرش كان قبل أن يخلق الله السماوات والأرض ثم قبض الله قبضة من صفاء الماء ثم فتح القبضة فارتفع دخان ثم قضاهن سبع سماوات في يومين ثم أخذ سبحانه وتعالى طينة من الماء فوضعها مكان البيت ثم دحا الأرض منها ثم خلق الأقوات في يومين والسماوات في يومين والأرض في يومين ثم رفع آخر الخلق وفي اليوم السابع. قال بعض العلماء : وفي خلق جميع الأشياء وجعلها على الماء ما يدل على كمال القدرة لأن البناء الضعيف إذا لم يكن له أساس على أرض صلبة لم يثبت فكيف بهذا الخلق العظيم وهو العرش والسماوات والأرض على الماء فهذا يدل على كمال قدرة الله تعالى ( خ ) عن عمران بن حصين قال «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتى ناس من بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم فقالوا بشرتنا فاعطنا مرتين فتغير وجهه ثم دخل عليه ناس من بني أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا يا رسول الله ثم قالوا جئنا لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان الله سبحانه وتعالى ولم يكن معه شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ثم أتاني رجل فقال يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت فانطلقت أطلبها فإذا السراب يقطع دونها وايم الله لوددت أنها ذهبت ولم أقم ». عن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال «كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وخلق عرشه على الماء » أخرجه الترمذي، وقال قال أحمد : يريد بالعماء أنه ليس معه شيء قال أبو بكر البيهقي : في كتاب الأسماء والصفات له قوله صلى الله عليه وسلم « كان الله ولم يكن شيء قبله »، يعني لا الماء ولا العرش ولا غيرهما وقوله ﴿ وكان عرشه على الماء ﴾ يعني وخلق الماء وخلق العرش على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء، وقوله في عماء وجدته في كتاب عمار مقيداً بالمد فإن كان في الأصل ممدوداً فمعناه سحاب رقيق ويريد بقوله في عماء أي فوق سحاب مدبراً له وعالياً عليه كما قال سبحانه وتعالى ﴿ أأمنتم من في السماء ﴾ يعني من فوق السماء وقال تعالى :﴿ لأصلبنكم في جذوع النخل ﴾ يعني على جذوعها وقوله ﴿ ما فوقه هواء ﴾ أي ما فوق السحاب هواء وكذلك قوله ﴿ وما تحته هواء ﴾ أي ما تحت السحاب هواء وقد قيل إن ذلك العمى مقصور والعمى إذا كان مقصوراً فمعناه لا شيء ثابت لأنه مما عمى عن الخلق لكونه غير شيء فكأنه قال في جوابه كان قبل أن يخلق خلقه ولم يكن شيء غيره ثم قال ما فوقه هواء وما تحته هواء أي ليس فوق العمى الذي هو لا شيء موجود هواء ولا تحته هواء لأن ذلك إن كان غير شيء فليس يثبت له هواء بوجه والله أعلم وقال الهروي صاحب الغريبين : قال بعض أهل العلم معناه أين كان عرش ربنا فحذف المضاف اختصاراً كقوله واسأل القرية ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى :﴿ وكان عرشه على الماء ﴾ هذا آخر كلام البيهقي، وقال ابن الأثير : العماء في اللغة السحاب الرقيق وقيل : الكثيف وقيل : هو الضباب ولا بد في الحديث من حذف مضاف، تقديره أين كان عرش ربنا فحذف ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى :﴿ وكان عرشه على الماء ﴾ وحكي عن بعضهم في العمى المقصور أنه قال هو كل أمر لا يدركه الفطن، وقال الأزهري : قال أبو عبيد إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء قال الأزهري : فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته ( م ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء » وفي رواية «فرغ الله من المقادير وأمور الدنيا قبل أن يخلق السماوات والأرض وكان عرشه على الماء بخمسين ألف سنة » قوله فرغ يريد إتمام خلق المقادير لا أنه كان مشغولاً ففرغ منه لأن الله سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن فإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ليبلوكم ﴾ يعني ليختبركم وهو أعلم بكم منكم ﴿ أيكم أحسن عملاً ﴾ يعني بطاعة الله وأورع عن محارم الله ﴿ ولئن قلت ﴾ يعني ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك ﴿ إنكم مبعوثون من بعد الموت ﴾ يعني للحساب والجزاء ﴿ ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ﴾ يعنون القرآن.

[سورة هود (١١): الآيات ٨ الى ١٢]

وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ يعني إلى أجل محدود وأصل الأمة في اللغة الجماعة من الناس فكأنه قال سبحانه وتعالى إلى انقراض أمة ومجيء أمة أخرى لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ يعني: أي شيء يحبس العذاب وإنما يقولون ذلك استعجالا بالعذاب واستهزاء يعنون أنه ليس بشيء قال الله عز وجل: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ يعني العذاب لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ أي لا يصرفه عنهم شيء وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يعني ونزل بهم وبال استهزائهم.
قوله سبحانه وتعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً يعني: رخاء وسعة في الرزق والعيش وبسطنا عليه من الدنيا ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ يعني سلبناه ذلك كله وأصابته المصائب فاجتاحته وذهبت به إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ يعني يظل قانطا من رحمة الله آيسا من كل خير كفور أي جحود لنعمتنا عليه أولا قليل الشكر لربه قال بعضهم: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من أمن وسعة وعافية فاشكرها ولا تجحدها فإن نزعت عنك فينبغي لك أن تصبر ولا تيأس من رحمة الله فإنه العواد على عباده بالخير وهو قوله سبحانه وتعالى: وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ يعني ولئن نحن أنعمنا على الإنسان وبسطنا عليه من العيش لَيَقُولَنَّ يعني الذي أصابه الخير والسعة ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي يعني ذهب الشدائد والعسر والضيق وإنما قال ذلك غرة بالله عز وجل وجرأة عليه لأنه لم يضف الأشياء كلها إلى الله وإنما أضافها إلى العوائد فلهذا ذمه الله تعالى فقال إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ أي إنه أشر بطر والفرح لذة تحصل في القلب بنيل المراد والمشتهى والفخر هو التطاول على الناس بتعديد المناقب وذلك منهي عنه ثم استثنى فقال تبارك وتعالى: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال الفراء: هذا استثناء منقطع معناه لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات فإنهم ليسوا كذلك فإنهم إن نالتهم شدة صبروا وإن نالتهم نعمة شكروا عليها أُولئِكَ يعني من هذه صفتهم لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يعني لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ يعني الجنة.
قوله عز وجل: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ الخطاب للنبي ﷺ يقول الله عز وجل لنبيه محمد ﷺ فلعلك يا محمد تارك بعض ما يوحى إليك ربك أن تبلغه إلى من أمرك أن تبلغ ذلك إليه وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ يعني ويضيق صدرك بما يوحى إليك فلا تبلغه إياهم وذلك أن كفار مكة قالوا ائت بقرآن غير هذا ليس فيه سب آلهتنا فهم النبي ﷺ أن يترك ذكر آلهتهم ظاهرا فأنزل الله عز وجل فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك يعني من ذكر آلهتهم هذا ما ذكره المفسرون في معنى هذه الآية وأجمع المسلمون على أنه ﷺ فيما كان طريقه البلاغ فإنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منه بخلاف ما هو به لا خطأ ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا وأنه ﷺ بلغ جميع ما أنزل الله عليه إلى أمته ولم يكتم منه شيئا وأجمعوا على أنه لا يجوز على رسول الله ﷺ خيانة في الوحي والإنذار ولا يترك بعض ما أوحي إليه لقول أحد لأن تجويز ذلك يؤدي إلى الشك في أداء الشرائع والتكاليف لأن المقصود من إرسال الرسول التبليغ إلى من أرسل إليه فإذا لم يحصل ذلك فقد فاتت فائدة الرسالة والنبي ﷺ معصوم من
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ﴾ يعني : رخاء وسعة في الرزق والعيش وبسطنا عليه من الدنيا ﴿ ثم نزعناها منه ﴾ يعني سلبناه ذلك كله وأصابته المصائب فاجتاحته وذهبت به ﴿ إنه ليؤوس كفور ﴾ يعني يظل قانطاً من رحمة الله آيساً من كل خير كفور أي جحود لنعمتنا عليه أولاً قليل الشكر لربه قال بعضهم : يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من أمن وسعة وعافية فاشكرها ولا تجحدها فإن نزعت عنك فينبغي لك أن تصبر ولا تيأس من رحمة الله فإنه العواد على عباده بالخير وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ﴾.
﴿ ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ﴾ يعني ولئن نحن أنعمنا على الإنسان وبسطنا عليه من العيش ﴿ ليقولن ﴾ يعني الذي أصابه الخير والسعة ﴿ ذهب السيئات عني ﴾ يعني ذهب الشدائد والعسر والضيق وإنما قال ذلك غرة بالله عز وجل وجرأة عليه لأنه لم يضف الأشياء كلها إلى الله وإنما أضافها إلى العوائد فلهذا ذمه الله تعالى فقال ﴿ إنه لفرح فخور ﴾ أي إنه أشر بطر والفرح لذة تحصل في القلب بنيل المراد والمشتهى والفخر هو التطاول على الناس بتعديد المناقب وذلك منهي عنه ثم استثنى فقال تبارك وتعالى :﴿ إلا الذين صبروا، وعملوا الصالحات ﴾.
قال تبارك وتعالى :﴿ إلا الذين صبروا، وعملوا الصالحات ﴾ قال الفراء : هذا استثناء منقطع معناه لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات فإنهم ليسوا كذلك فإنهم إن نالتهم شدة صبروا وإن نالتهم نعمة شكروا عليها ﴿ أولئك ﴾ يعني من هذه صفتهم ﴿ لهم مغفرة ﴾ يعني لذنوبهم ﴿ وأجر كبير ﴾ يعني الجنة.
قوله عز وجل :﴿ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فلعلك يا محمد تارك بعض ما يوحى إليك ربك أن تبلغه إلى من أمرك أن تبلغ ذلك إليه ﴿ وضائق به صدرك ﴾ يعني ويضيق صدرك بما يوحى إليك فلا تبلغه إياهم وذلك أن كفار مكة قالوا ائت بقرآن غير هذا ليس فيه سب آلهتنا فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك ذكر آلهتهم ظاهراً فأنزل الله عز وجل فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك يعني من ذكر آلهتهم هذا ما ذكره المفسرون في معنى هذه الآية وأجمع المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم فيما كان طريقه البلاغ فإنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منه بخلاف ما هو به لا خطأ ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً وأنه صلى الله عليه وسلم بلغ جميع ما أنزل الله عليه إلى أمته ولم يكتم منه شيئاً وأجمعوا على أنه لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيانة في الوحي والإنذار ولا يترك بعض ما أوحي إليه لقول أحد لأن تجويز ذلك يؤدي إلى الشك في أداء الشرائع والتكاليف لأن المقصود من إرسال الرسول التبليغ إلى من أرسل إليه فإذا لم يحصل ذلك فقد فاتت فائدة الرسالة والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك كله وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد بقوله تعالى فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك شيئاً آخر سوى ما ذكره المفسرون.
وللعلماء في ذلك أجوبة :
أحدها : قال ابن الأنباري : قد علم الله سبحانه وتعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك شيئاً مما يوحى إليه إشفاقاً من موجدة أحد وغضبه ولكن الله تعالى أكد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في متابعة الإبلاغ من الله سبحانه وتعالى كما قال :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ الآية.
الثاني : أن هذا من حثه سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتحريضه على أداء ما أنزله إليه والله سبحانه وتعالى من وراء ذلك في عصمته مما يخافه ويخشاه.
الثالث : أن الكفار كانوا يستهزئون بالقرآن ويضحكون منه ويتهاونون به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضيق صدره لذلك وأن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويستهزئون به فأمره الله سبحانه وتعالى بتبليغ ما أوحي إليه وأن لا يلتفت إلى استهزائهم وأن يتحمل هذا الضرر أهون من كتم شيء من الوحي، والمقصود من هذا الكلام التنبيه على هذه الدقيقة لأن الإنسان إذا علم أن كل واحد من طرفي الفعل والترك مشتمل على ضرر عظيم ثم علم أن الضرر في باب الترك أعظم سهل عليه الإقدام على الفعل، وقيل : إن الله سبحانه وتعالى مع علمه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك شيئاً من الوحي هيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة باستهزائهم وردهم إلى قبول قوله بقوله :﴿ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ﴾ أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم مخافة ردهم واستهزائهم به وضائق به صدرك أي بأن تتلوه عليهم ﴿ أن يقولوا ﴾ يعني مخافة أن يقولوا ﴿ لولا أنزل عليه كنز ﴾ يعني يستغني به وينفقه ﴿ أو جاء معه ملك ﴾ يعني يشهد بصدقه وقائل هذه المقالة هو عبد الله بن أمية المخزومي.
والمعنى أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت صادقاً في قولك بأنك رسول الله الذي تصفه بالقدرة على كل شيء وأنت عزيز عنده مع أنك فقير فهلا أنزل عليك ما تستغني به أنت وأصحابك وهل أنزل عليك ملكاً يشهد لك بالرسالة فتزول الشبهة في أمرك فأخبر الله عز وجل أنه صلى الله عليه وسلم نذير بقوله عز وجل :﴿ إنما أنت نذير ﴾ تنذر بالعقاب لمن خالفك وعصى أمرك وتبشر بالثواب لمن أطاعك وآمن بك وصدقك ﴿ والله على كل شيء وكيل ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى حافظ يحفظ أقوالهم وأعمالهم فيجازيهم عليها يوم القيامة.
ذلك كله وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد بقوله تعالى فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك شيئا آخر سوى ما ذكره المفسرون.
وللعلماء في ذلك أجوبة:
أحدها: قال ابن الأنباري: قد علم الله سبحانه وتعالى أن النبي ﷺ لا يترك شيئا مما يوحى إليه إشفاقا من موجدة أحد وغضبه ولكن الله تعالى أكد على رسول الله ﷺ في متابعة الإبلاغ من الله سبحانه وتعالى كما قال:
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية.
الثاني: أن هذا من حثه سبحانه وتعالى لنبيه ﷺ وتحريضه على أداء ما أنزل إليه والله سبحانه وتعالى من وراء ذلك في عصمته مما يخافه ويخشاه.
الثالث: أن الكفار كانوا يستهزئون بالقرآن ويضحكون منه ويتهاونون به وكان رسول الله ﷺ يضيق صدره لذلك وأن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويستهزئون به فأمره الله سبحانه وتعالى بتبليغ ما أوحي إليه وأن لا يلتفت إلى استهزائهم وأن تحمل هذا الضرر أهون من كتم شيء من الوحي، والمقصود من هذا الكلام التنبيه على هذه الدقيقة لأن الإنسان إذا علم أن كل واحد من طرفي الفعل والترك مشتمل على ضرر عظيم ثم علم أن الضرر في باب الترك أعظم سهل عليه الإقدام على الفعل، وقيل: إن الله سبحانه وتعالى مع علمه بأن رسول الله ﷺ لا يترك شيئا من الوحي هيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة باستهزائهم وردهم إلى قبول قوله بقوله: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم مخافة ردهم واستهزائهم به وضائق به صدرك أي بأن تتلوه عليهم أَنْ يَقُولُوا يعني مخافة أن يقولوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ يعني يستغني به وينفقه أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يعني يشهد بصدقه وقائل هذه المقالة هو عبد الله بن أمية المخزومي.
والمعنى أنهم قالوا لرسول الله ﷺ إن كانت صادقا في قولك بأنك رسول الله الذي تصفه بالقدرة على كل شيء وأنت عزيز عنده مع أنك فقير فهلا أنزل عليك ما تستغني به أنت وأصحابك وهل أنزل عليك ملكا يشهد لك بالرسالة فتزول الشبهة في أمرك فأخبر الله عز وجل أنه ﷺ نذير بقوله عز وجل: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ تنذر بالعقاب لمن خالفك وعصى أمرك وتبشر بالثواب لمن أطاعك وآمن بك وصدقك وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ يعني أنه سبحانه وتعالى حافظ يحفظ أقوالهم وأعمالهم فيجازيهم عليها يوم القيامة.
[سورة هود (١١): الآيات ١٣ الى ١٥]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥)
قوله سبحانه وتعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ يعني بل يقول كفار مكة اختلقه يعني ما أوحي إليه من القرآن قُلْ أي قل لهم يا محمد فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ لما قالوا له افتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك وليس هو من عند الله تحداهم وأرخى لهم العنان وفاوضهم على مثل دعواهم فقال ﷺ هبوا أني اختلقته من عند نفسي ولم يوح إلي شيء وأن الأمر كما قلتم وأنتم عرب مثلي من أهل الفصاحة وفرسان البلاغة وأصحاب اللسان فأتوا أنتم بكلام مثل هذا الكلام الذي جئتكم به مختلق من عند أنفسكم فإنكم تقدرون على مثل ما أقدر عليه من الكلام فلهذا قال سبحانه وتعالى: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ في مقابلة قولهم افتراه.
فإن قلت قد تحداهم بأن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك وعجزوا عنه فكيف قالوا فأتوا بعشر سور
﴿ فإن لم يستجيبوا لكم ﴾ اعلم أنه لما اشتملت الآية المتقدمة على أمرين وخاطبين :
أحدهما : أمر وخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله سبحانه وتعالى قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. والثاني : أمر وخطاب للكفار وهو قوله تعالى وادعوا من استطعتم من دون الله ثم أتبعه بقوله تبارك وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم احتمل أن يكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا في المعارضة لعجزهم عنها واحتمل أن يكون المراد أن من يدعون من دون الله لم يستجيبوا للكفار في المعارضة فلهذا السبب اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين أحدهما أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه كانوا يتحدون الكفار بالمعارضة ليتبين عجزهم فلما عجزوا عن المعارضة قال الله سبحانه وتعالى لنبيه والمؤمنين فإن لم يستجيبوا لكم فيما دعوتموهم إليه من المعارضة وعجزوا عنه ﴿ فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ﴾ يعني فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقيناً وثباتاً لأنهم كانوا عالمين بأنه منزل من عند الله، وقيل : الخطاب في قوله فإن لم يستجيبوا لكم للنبي صلى الله عليه وسلم وحده وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيماً له صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني : أن قوله سبحانه وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم خطاب مع الكفار وذلك أنه سبحانه وتعالى لما قال في الآية المتقدمة وادعوا من استطعتم من دون الله قال الله عز وجل في هذه الآية فإن لم يستجيبوا لكم أيها الكفار ولم يعينوكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأنه ليس مفترى على الله بل هو أنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وأن لا إله إلا هو ﴾ يعني الذي أنزل القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو لا من تدعون من دونه ﴿ فهل أنتم مسلمون ﴾ فيه معنى الأمر أي أسلموا وأخلصوا لله العبادة وإن حملنا معنى الآية على أنه خطاب مع المؤمنين كان معنى قوله فهل أنتم مسلمون الترغيب أي دوموا على ما أنتم عليه من الإسلام.
قوله عز وجل :﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ﴾ يعني بعمله الذي يعمله من أعمال البر نزلت في كل من عمل عملاً يبتغي به غير الله عز وجل :﴿ نوف إليهم أعمالهم فيها ﴾ يعني أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا وذلك أن الله سبحانه وتعالى يوسع عليهم في الرزق ويدفع عنهم المكاره في الدنيا ونحو ذلك ﴿ وهم فيها لا يبخسون ﴾ يعني أنهم لا ينقصون من أجور أعمالهم التي علموها لطلب الدنيا بل يعطون أجور أعمالهم كاملة موفرة.
مثله مفتريات ومن عجز عن سورة واحدة فهو عن العشرة أعجز.
قلت: قد قال بعضهم إن سورة هود نزلت قبل سورة يونس، وأنه تحداهم أولا بعشر سور فلما عجزوا تحداهم بسورة يونس وأنكر المبرد هذا القول وقال: إن سورة يونس نزلت أولا، قال: ومعنى قوله في سورة يونس فأتوا بسورة مثله يعني مثله في الإخبار عن الغيب والأحكام والوعد والوعيد وفي قوله في سورة هود فأتوا بعشر سور مثله يعني في مجرد الفصاحة والبلاغة من غير خبر عن غيب ولا ذكر حكم ولا وعد ولا وعيد فلما تحداهم بهذا الكلام أمره بأن يقول لهم وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ حتى يعينوكم على ذلك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني في قولكم إنه مفترى فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ اعلم أنه لما اشتملت الآية المتقدمة على أمرين وخطابين:
أحدهما: أمر وخطاب للنبي ﷺ وهو قوله سبحانه وتعالى قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. والثاني:
أمر وخطاب للكفار وهو قوله تعالى وادعوا من استطعتم من دون الله ثم أتبعه بقوله تبارك وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم احتمل أن يكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا في المعارضة لعجزهم عنها واحتمل أن يكون المراد أن من يدعون من دون الله لم يستجيبوا للكفار في المعارضة فلهذا السبب اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين أحدهما أنه خطاب للنبي ﷺ والمؤمنين وذلك أن النبي ﷺ والمؤمنين معه كانوا يتحدون الكفار بالمعارضة ليتبين عجزهم فلما عجزوا عن المعارضة قال الله سبحانه وتعالى لنبيه والمؤمنين فإن لم يستجيبوا لكم فيما دعوتموهم إليه من المعارضة وعجزوا عنه فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ يعني فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينا وثباتا لأنهم كانوا عالمين بأنه منزل من عند الله، وقيل: الخطاب في قوله فإن لم يستجيبوا لكم للنبي ﷺ وحده وإنما ذكره بلفظ الجميع تعظيما له صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: أن قوله سبحانه وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم خطاب مع الكفار وذلك أنه سبحانه وتعالى لما قال في الآية المتقدمة وادعوا من استطعتم من دون الله قال الله عز وجل في هذه الآية فإن لم يستجيبوا لكم أيها الكفار ولم يعينوكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأنه ليس مفترى على الله بل هو أنزله على رسول الله ﷺ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يعني الذي أنزل القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو لا من تدعون من دونه فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فيه معنى الأمر أي أسلموا وأخلصوا لله العبادة وإن حملنا معنى الآية على أنه خطاب مع المؤمنين كان معنى قوله فهل أنتم مسلمون الترغيب أي دوموا على ما أنتم عليه من الإسلام.
قوله عز وجل: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها يعني بعمله الذي يعمله من أعمال البر نزلت في كل من عمل عملا يبتغي به غير الله عز وجل: نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها يعني أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا وذلك أن الله سبحانه وتعالى يوسع عليهم في الرزق ويدفع عنهم المكاره في الدنيا ونحو ذلك وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ يعني أنهم لا ينقصون من أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا بل يعطون أجور أعمالهم كاملة موفرة.
[سورة هود (١١): الآيات ١٦ الى ١٧]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧)
476
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها يعني وبطل ما عملوا في الدنيا من أعمال البر وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لأنه لغير الله واختلف المفسرون في المعنى بهذه الآية فروى قتادة عن أنس أنها في اليهود والنصارى وعن الحسن مثله، وقال الضحاك: من عمل عملا صالحا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجرا في الدنيا وهو أن يصل رحما أو يعطي سائلا أو يرحم مضطرا أو نحو هذا من أعمال البر فيجعل الله له ثواب عمله في الدنيا يوسع عليه في المعيشة والرزق ويقر عينه فيما خوله ويدفع عنه المكاره في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار الآية وهذه حالة الكافر في الآخرة وقيل نزلت في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع رسول الله ﷺ الغنائم لأنهم كانوا لا يرجون ثواب الآخرة وقيل إن حمل الآية على العموم أولى فيندرج الكافر والمنافق الذي هذه صفته والمؤمن الذي يأتي بالطاعات وأعمال البر على وجه الرياء والسمعة قال مجاهد في هذه الآية هم أهل الرياء وهذا القول مشكل لأن قوله سبحانه وتعالى أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار لا يليق بحال المؤمن إلا إذا قلنا إن تلك الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة لما كانت لغير الله استحق فاعلها الوعيد الشديد وهو عذاب النار ويدل على هذا ما روي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه أخرجه مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ «من تعلم علما لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» يعني ريحها أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن قال واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم ألف مرة قيل يا رسول الله من يدخله قال القراء المراؤون بأعمالهم» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب قال البغوي وروينا أن النبي ﷺ قال «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله ﷺ وما الشرك الأصغر قال الرياء» أخرجه بغير سند والرياء هو أن يظهر الإنسان الأعمال الصالحة ليحمده الناس عليها أو ليعتقدوا فيه الصلاح أو ليقصدوه بالعطاء فهذا العمل هو الذي لغير الله نعوذ بالله من الخذلان قال البغوي وقيل هذا في الكفار يعني قوله من كان يريد الحياة وزينتها أما المؤمن فيريد الدنيا والآخرة وإرادته الآخرة غالبة فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وروينا عن أنس أن رسول الله ﷺ قال «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا» أخرجه البغوي بغير سند.
قوله سبحانه وتعالى: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ لما ذكر الله سبحانه وتعالى: في الآية المتقدمة الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر في هذه الآية من كان يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة فقال سبحانه وتعالى أفمن كان على بينة من ربه أي كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار وإنما حذف هذا الجواب لظهوره ودلالة الكلام عليه وقيل معناه أفمن كان على بينة من ربه وهو النبي ﷺ وأصحابه كمن هو في ضلالة وكفر والمراد بالبينة الدين الذي أمر الله به نبيه ﷺ وقيل المراد بالبينة اليقين يعني أنه على يقين من ربه أنه على الحق وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ يعني ويتبعه من يشهد له بصدقه واختلفوا في الشاهد من هو، فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد وعكرمة والضحاك وأكثر المفسرين: أنه جبريل عليه السلام يريد أن جبريل يتبع النبي ﷺ ويؤيده ويسدده ويقويه وقال الحسن وقتادة هو لسان النبي ﷺ وروي عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يعني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى: عنه أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله سبحانه وتعالى ويتلوه شاهد منه قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله ﷺ ووجه هذا القول إن اللسان لما كان يعرف
477
قوله سبحانه وتعالى :﴿ أفمن كان على بينة من ربه ﴾ لما ذكر الله سبحانه وتعالى : في الآية المتقدمة الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر في هذه الآية من كان يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة فقال سبحانه وتعالى أفمن كان على بينة من ربه أي كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار وإنما حذف هذا الجواب لظهوره ودلالة الكلام عليه وقيل معناه أفمن كان على بينة من ربه وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كمن هو في ضلالة وكفر والمراد بالبينة الدين الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وقيل المراد بالبينة اليقين يعني أنه على يقين من ربه أنه على الحق ﴿ ويتلوه شاهد منه ﴾ يعني ويتبعه من يشهد له بصدقه واختلفوا في الشاهد من هو، فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد وعكرمة والضحاك وأكثر المفسرين : أنه جبريل عليه السلام يريد أن جبريل يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ويسدده ويقويه وقال الحسن وقتادة هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يعني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى : عنه أنت التالي ؟ قال : وما تعني بالتالي ؟ قلت : قوله سبحانه وتعالى ويتلوه شاهد منه قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه هذا القول إن اللسان لما كان يعرف عما في الجنان ويظهره جعل كالشاهد له لأن اللسان هو آلة الفضل والبيان وبه يتلى القرآن وقال مجاهد الشاهد هو ملك يحفظ النبي صلى الله عليه وسلم ويسدده وقال الحسين بن الفضل : الشاهد هو القرآن لأن إعجازه وبلاغته وحسن نظامه يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بنبوته ولأنه أعظم معجزاته الباقية على طول الدهر، وقال الحسين بن علي وابن زيد : الشاهد منه هو محمد صلى الله عليه وسلم ووجه هذا القول أن من نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعين العقل والبصيرة علم أنه ليس بكذاب ولا ساحر ولا كاهن ولا مجنون، وقال جابر بن عبد الله قال علي بن أبي طالب : ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان فقال له رجل وأنت أي آية نزلت فيك فقال على ما تقرأ الآية التي في هود ويتلوه شاهد منه فعلى هذا القول يكون الشاهد علي بن أبي طالب وقوله يعني من النبي صلى الله عليه وسلم والمراد تشريف هذا الشاهد وهو علي لاتصاله بالنبي صلى الله عليه وسلم وقيل يتلوه شاهد منه يعني الإنجيل وهو اختيار الفراء والمعنى أن الإنجيل يتلو القرآن في التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالإيمان به وإن كان قد نزل قبل القرآن.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ ومن قبله ﴾ يعني ومن قبل نزول القرآن وإرسال محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ كتاب موسى ﴾ يعني التوراة ﴿ إماماً ورحمة ﴾ يعني أنه كان إماماً لهم يرجعون إليه في أمور الدين والأحكام والشرائع وكونه رحمة لأنه الهادي من الضلال وذلك سبب حصول الرحمة وقوله تعالى :﴿ أولئك يؤمنون به ﴾ يعني أن الذين وصفهم الله بأنهم على بينة من ربهم هم المشار إليهم بقوله أولئك يؤمنون به يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل أراد الذين أسلموا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ﴿ ومن يكفر به ﴾ يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم ﴿ من الأحزاب ﴾ يعني من جميع الكفار وأصحاب الأديان المختلفة فتدخل فيه اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وغيرهم والأحزاب والفرق الذين تحزبوا وتجمعوا على مخالفة الأنبياء ﴿ فالنار موعده ﴾ يعني في الآخرة روى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار » قال سعيد بن جبير : ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله عز وجل حتى بلغني هذا الحديث لا يسمع بي أحد من هذه الأمة الحديث، قال سعيد : فقلت أين هذا في كتاب الله حتى أتيت على هذه الآية ﴿ ومن قبله كتاب موسى ﴾ إلى قوله سبحانه وتعالى :﴿ ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ﴾ قال فالأحزاب أهل الملل كلها ثم قال سبحانه وتعالى :﴿ فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ﴾ فيه قولان أحدهما أن معناه فلا تك في شك من صحة هذا الدين ومن كون القرآن نازلاً من عند الله فعلى هذا القول يكون متعلقاً بما قبله من قوله تعالى :﴿ أم يقولون افتراه ﴾ والقول الثاني : إنه راجع إلى قوله ﴿ ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ﴾ يعني فلا تك في شك من أن النار موعد من كفر من الأحزاب والخطاب في قوله ﴿ فلا تك في مرية ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك قط ويعضد هذا القول سياق الآية وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾ يعني لا يصدقون بما أوحينا إليك أو من أن موعد الكفار النار.
عما في الجنان ويظهره جعل كالشاهد له لأن اللسان هو آلة الفصل والبيان وبه يتلى القرآن وقال مجاهد الشاهد هو ملك يحفظ النبي ﷺ ويسدده وقال الحسين بن الفضل: الشاهد هو القرآن لأن إعجازه وبلاغته وحسن نظامه يشهد للنبي ﷺ بنبوته ولأنه أعظم معجزاته الباقية على طول الدهر، وقال الحسين بن علي وابن زيد: الشاهد منه هو محمد ﷺ ووجه هذا القول أن من نظر إلى النبي ﷺ بعين العقل والبصيرة علم أنه ليس بكذاب ولا ساحر ولا كاهن ولا مجنون، وقال جابر بن عبد الله قال علي بن أبي طالب: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان فقال له رجل وأنت أي آية نزلت فيك فقال على ما تقرأ الآية التي في هود ويتلوه شاهد منه فعلى هذا القول يكون الشاهد علي بن أبي طالب وقوله يعني من النبي ﷺ والمراد تشريف هذا الشاهد وهو علي لاتصاله بالنبي ﷺ وقيل يتلوه شاهد منه يعني الإنجيل وهو اختيار الفراء والمعنى أن الإنجيل يتلو القرآن في التصديق بنبوة محمد ﷺ والأمر بالإيمان به وإن كان قد نزل قبل القرآن.
وقوله سبحانه وتعالى: وَمِنْ قَبْلِهِ يعني ومن قبل نزول القرآن وإرسال محمد ﷺ كِتابُ مُوسى يعني التوراة إِماماً وَرَحْمَةً يعني أنه كان إماما لهم يرجعون إليه في أمور الدين والأحكام والشرائع وكونه رحمة لأنه الهادي من الضلال وذلك سبب حصول الرحمة وقوله تعالى: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني أن الذين وصفهم الله بأنهم على بينة من ربهم هم المشار إليهم بقوله أولئك يؤمنون به يعني بمحمد ﷺ وقيل أراد الذين أسلموا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يعني بمحمد ﷺ مِنَ الْأَحْزابِ يعني من جميع الكفار وأصحاب الأديان المختلفة فتدخل فيه اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وغيرهم والأحزاب الفرق الذين تحزبوا وتجمعوا على مخالفة الأنبياء فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يعني في الآخرة روى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» قال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله ﷺ على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله عز وجل حتى بلغني هذا الحديث لا يسمع بي أحد من هذه الأمة الحديث، قال سعيد: فقلت أين هذا في كتاب الله حتى أتيت على هذه الآية وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إلى قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ قال فالأحزاب أهل الملل كلها ثم قال سبحانه وتعالى: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فيه قولان أحدهما أن معناه فلا تك في شك من صحة هذا الدين ومن كون القرآن نازلا من عند الله فعلى هذا القول يكون متعلقا بما قبله من قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ والقول الثاني: إنه راجع إلى قوله وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يعني فلا تك في شك من أن النار موعد من كفر من الأحزاب والخطاب في قوله فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ للنبي ﷺ والمراد به غيره لأن النبي ﷺ لم يشك قط ويعضد هذا القول سياق الآية وهو قوله سبحانه وتعالى: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ يعني لا يصدقون بما أوحينا إليك أو من أن موعد الكفار النار.
[سورة هود (١١): الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)
قوله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعني أي الناس أشد تعديا ممن اختلق على الله كذبا فكذب عليه وزعم أن له شريكا أو ولدا وفي الآية دليل على أن الكذب على الله من أعظم أنواع الظلم لأن قوله
قوله سبحانه وتعالى :﴿ الذين يصدون عن سبيل الله ﴾ هذه الآية متصلة بما قبلها والمعنى ألا لعنة الله على الظالمين ثم وصفهم فقال الذين يصدون عن سبيل الله يعني يمنعون الناس من الدخول في دين الله الذي هو دين الإسلام ﴿ ويبغونها عوجاً ﴾ يعني ويطلبون إلقاء الشبهات في قلوب الناس وتعويج الدلائل الدالة على صحة دين الإسلام ﴿ وهم بالآخرة هم كافرون ﴾ يعني وهم مع صدهم عن سبيل الله يجحدون البعث بعد الموت وينكرونه.
﴿ أولئك ﴾ يعني من هذه صفتهم ﴿ لم يكونوا معجزين في الأرض ﴾ قال ابن عباس يعني سابقين وقيل هاربين وقيل فائتين في الأرض والمعنى أنهم لا يعجزون الله إذا أرادهم بالعذاب والانتقام منهم ولكنهم في قبضته وملكه لا يقدرون على الامتناع منه إذا طلبهم ﴿ وما كان لهم من دون الله من أولياء ﴾ يعني وما كان لهؤلاء المشركين من أنصار يمنعونهم من دون الله إذا أراد بهم سوءاً وعذاباً ﴿ يضاعف لهم العذاب ﴾ يعني في الآخرة يزاد عذابهم بسبب صدهم عن سبيل الله وإنكارهم البعث بعد الموت ﴿ ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ﴾ قال قتادة صموا عن سمع الحق فلا يسمعون خيراً فينتفعون به ولا يبصرون خيراً فيأخذون به.
وقال ابن عباس أخبر الله سبحانه وتعالى أنه أحال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فإنه قال ما كانوا يستطيعون السمع وهي طاعته وما كانوا يبصرون وأما في الآخرة فإنه قال لا يستطيعون خاشعة أبصارهم.
تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ورد في معرض المبالغة أُولئِكَ يعني المفترين على الكذب يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ يعني يوم القيامة فيسألهم عن أعمالهم في الدنيا وَيَقُولُ الْأَشْهادُ يعني الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم، قاله مجاهد وقال ابن عباس: هم الأنبياء والرسل وبه قال الضحاك وقال قتادة: الأشهاد الخلق كلهم هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ يعني: في الدنيا وهذه الفضيحة تكون في الآخرة لكل من كذب على الله أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ يعني يقول الله ذلك يوم القيامة فيلعنهم ويطردهم من رحمته (ق). عن صفوان بن محرز المازني قال: بينما ابن عمر يطوف بالبيت إذ عرض له رجل فقال يا أبا عبد الرحمن أخبرني ما سمعت من رسول الله ﷺ في النجوى قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «يدنو المؤمن من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه تعرف ذنب كذا وكذا فيقول أعرف رب أعرف مرتين فيقول سترتها عليه في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته» وفي رواية «ثم تطوى صحيفة حسناته» وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد وفي رواية «فينادى بهم على رؤوس الأشهاد من الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين» قوله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ هذه الآية متصلة بما قبلها والمعنى ألا لعنة الله على الظالمين ثم وصفهم فقال الذين يصدون عن سبيل الله يعني يمنعون الناس من الدخول في دين الله الذي هو دين الإسلام وَيَبْغُونَها عِوَجاً يعني ويطلبون إلقاء الشبهات في قلوب الناس وتعويج الدلائل الدالة على صحة دين الإسلام وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ يعني وهم مع صدهم عن سبيل الله يجحدون البعث بعد الموت وينكرونه أُولئِكَ يعني من هذه صفتهم لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ قال ابن عباس يعني سابقين وقيل هاربين وقيل فائتين في الأرض والمعنى أنهم لا يعجزون الله إذا أرادهم بالعذاب والانتقام منهم ولكنهم في قبضته وملكه لا يقدرون على الامتناع منه إذا طلبهم وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعني وما كان لهؤلاء المشركين من أنصار يمنعونهم من دون الله إذا أراد بهم سوءا وعذابا يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ يعني في الآخرة يزاد عذابهم بسبب صدهم عن سبيل الله وإنكارهم البعث بعد الموت ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ قال قتادة صموا عن سماع الحق فلا يسمعون خيرا فينتفعون به ولا يبصرون خيرا فيأخذون به.
وقال ابن عباس أخبر الله سبحانه وتعالى أنه أحال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فإنه قال ما كانوا يستطيعون السمع وهي طاعته وما كانوا يبصرون وأما في الآخرة فإنه قال لا يستطيعون خاشعة أبصارهم.
[سورة هود (١١): الآيات ٢١ الى ٢٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥)
أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦)
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
يعني أن هؤلاء الذين هذه صفتهم هم الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
يعني وبطل كذبهم وإفكهم وفريتهم على الله وادعاؤهم أن الملائكة والأصنام تشفع لهم لا جَرَمَ يعني حقا وقال الفراء لا محالة أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ لأنهم باعوا منازلهم في الجنة واشتروا عوضها منازل في النار وهذا هو الخسران المبين.
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ لما ذكر الله عز وجل أحوال الكفار
﴿ لا جرم ﴾ يعني حقاً وقال الفراء لا محالة ﴿ أنهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾ لأنهم باعوا منازلهم في الجنة واشتروا عوضها منازل في النار وهذا هو الخسران المبين.
قوله عز وجل :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ﴾ لما ذكر الله عز وجل أحوال الكفار في الدنيا وخسرانهم في الآخرة أتبعه بذكر أحوال المؤمنين في الدنيا وربحهم في الآخرة والإخبات في اللغة هو الخشوع والخضوع وطمأنينة القلب ولفظ الإخبات يتعدى بإلى وباللام فإذا قلت أخبت فلان إلى كذا فمعناه اطمأن إليه وإذا قلت أخبت له فمعناه خشع وخضع له فقوله :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ إشارة إلى جميع أعمال الجوارح وقوله وأخبتوا إشارة إلى أعمال القلوب وهي الخضوع والخشوع لله عز وجل يعني أن هذه الأعمال الصالحة لا تنفع في الآخرة إلا بحصول أعمال القلب وهي الخشوع والخضوع فإذا فسرنا الإخبات بالطمأنينة كان معنى الكلام يأتون بالأعمال الصالحة مطمئنين إلى صدق وعد الله بالثواب والجزاء على تلك الأعمال أو يكونون مطمئنين إلى ذكره سبحانه وتعالى وإذا فسرنا الإخبات الخشوع والخضوع كان معناه أنهم يأتون بالأعمال الصالحة خائفين وجلين أن لا تكون مقبولة وهو الخشوع والخضوع ﴿ أولئك ﴾ يعني الذين هذه صفتهم ﴿ أصحاب الجنة هم فيها خالدون ﴾ أخبر عن حالهم في الآخرة بأنهم من أهل الجنة التي لا انقطاع لنعيمها ولا زوال.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ﴾ لما ذكر الله سبحانه وتعالى أحوال الكفار وما كانوا عليه من العمى عن طريق الهدى والحق ومن الصمم عن سماعه وذكر أحوال المؤمنين وما كانوا عليه من البصيرة وسماع الحق والانقياد للطاعة ضرب لهم مثلاً فقال تبارك وتعالى مثل الفريقين يعني فريق المؤمنين وفريق الكافرين كالأعمى وهو الذي لا يهتدي لرشده والأصم وهو الذي لا يسمع شيئاً البتة، والبصير وهو الذي يبصر الأشياء على ماهيتها، والسميع وهو الذي يسمع الأصوات ويجيب الداعي فمثل المؤمنين كمثل الذي يسمع ويبصر وهو الكامل في نفسه ومثل الكافر كمثل الذي لا يسمع ولا يبصر وهو الناقص في نفسه ﴿ هل يستويان مثلاً ﴾ قال الفراء لم يقل هل يستوون لأن الأعمى والأصم في حيز كأنهما واحد وهما من وصف الكافر والبصير والسميع في حيز كأنهما واحد وهما من وصف المؤمن ﴿ أفلا تذكرون ﴾ يعني فتتعظون.
قوله عز وجل :﴿ ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين ﴾ يعني أن نوحاً عليه السلام قال لقومه حين أرسله الله إليهم إني لكم أيها القوم نذير مبين يعني بين النذارة أخوف بالعقاب من خالف أمر الله وعبد غيره ؛ وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ﴾.
﴿ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ﴾ يعني مؤلم موجع قال ابن عباس : بعث نوح بعد أربعين سنة ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة فكان عمره ألفاً وخمسين سنة.
وقال مقاتل : بعث وهو ابن مائة سنة وقيل وهو ابن خمسين سنة وقيل وهو ابن مائتين وخمسين سنة ومكث يدعو يومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفاً وأربعمائة وخمسين سنة.
في الدنيا وخسرانهم في الآخرة أتبعه بذكر أحوال المؤمنين في الدنيا وربحهم في الآخرة والإخبات في اللغة هو الخشوع والخضوع وطمأنينة القلب ولفظ الإخبات يتعدى بإلى وباللام فإذا قلت أخبت فلان إلى كذا فمعناه اطمأن إليه وإذا قلت أخبت له فمعناه خشع وخضع له فقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إشارة إلى جميع أعمال الجوارح وقوله وأخبتوا إشارة إلى أعمال القلوب وهي الخضوع والخشوع لله عز وجل يعني أن هذه الأعمال الصالحة لا تنفع في الآخرة إلا بحصول أعمال القلب وهي الخشوع والخضوع فإذا فسرنا الإخبات بالطمأنينة كان معنى الكلام يأتون بالأعمال الصالحة مطمئنين إلى صدق وعد الله بالثواب والجزاء على تلك الأعمال أو يكونون مطمئنين إلى ذكره سبحانه وتعالى وإذا فسرنا الإخبات بالخشوع والخضوع كان معناه أنهم يأتون بالأعمال الصالحة خائفين وجلين أن لا تكون مقبولة وهو الخشوع والخضوع أُولئِكَ يعني الذين هذه صفتهم أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أخبر عن حالهم في الآخرة بأنهم من أهل الجنة التي لا انقطاع لنعيمها ولا زوال.
قوله سبحانه وتعالى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ لما ذكر الله سبحانه وتعالى أحوال الكفار وما كانوا عليه من العمى عن طريق الهدى والحق ومن الصمم عن سماعه وذكر أحوال المؤمنين وما كانوا عليه من البصيرة وسماع الحق والانقياد للطاعة ضرب لهم مثلا فقال تبارك وتعالى مثل الفريقين يعني فريق المؤمنين وفريق الكافرين كالأعمى وهو الذي لا يهتدي لرشده والأصم وهو الذي لا يسمع شيئا البتة، والبصير وهو الذي يبصر الأشياء على ماهيتها، والسميع وهو الذي يسمع الأصوات ويجيب الداعي فمثل المؤمنين كمثل الذي يسمع ويبصر وهو الكامل في نفسه ومثل الكافر كمثل الذي لا يسمع ولا يبصر وهو الناقص في نفسه هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا قال الفراء لم يقل هل يستوون لأن الأعمى والأصم في حيز كأنهما واحد وهما من وصف الكافر والبصير والسميع في حيز كأنهما واحد وهما من وصف المؤمن أَفَلا تَذَكَّرُونَ يعني فتتعظون.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ يعني أن نوحا عليه السلام قال لقومه حين أرسله الله إليهم إني لكم أيها القوم نذير مبين يعني بين النذارة أخوف بالعقاب من خالف أمر الله وعبد غيره وهو قوله سبحانه وتعالى: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ يعني مؤلم موجع قال ابن عباس: بعث نوح بعد أربعين سنة ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة فكان عمره ألفا وخمسين سنة.
وقال مقاتل: بعث وهو ابن مائة سنة وقيل وهو ابن خمسين سنة وقيل وهو ابن مائتين وخمسين سنة ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة.
[سورة هود (١١): الآيات ٢٧ الى ٣٠]
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠)
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ يعني الأشراف والرؤساء من قوم نوح ما نَراكَ يا نوح إِلَّا بَشَراً
﴿ قال ﴾ يعني نوحاً ﴿ يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ﴾ يعني على بيان ويقين من ربي بالذي أنذرتكم به ﴿ وآتاني رحمة من عنده ﴾ يعني هدياً ومعرفة ونبوة ﴿ فعميت عليكم ﴾ يعني خفيت وألبست عليكم ﴿ أنلزمكموها ﴾ الهاء عائدة إلى الرحمة والمعنى أنلزمكم أيها القوم قبول الرحمة يعني أنا لا نقدر أن نلزمكم ذلك من عند أنفسنا ﴿ وأنتم لها كارهون ﴾ وهذا استفهام معناه الإنكار أي لا أقدر على ذلك والذي أقدر عليه أن أدعوكم إلى الله وليس لي أن أضطركم إلى ذلك قال قتادة والله لو استطاع نبي صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك.
﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً ﴾ يعني لا أسألكم ولا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلاً ﴿ إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا ﴾ وذلك أنهم طلبوا من نوح أن يطرد الذين آمنوا وهم الأرذلون في زعمهم فقال ما يجوز لي ذلك لأنهم يعتقدون ﴿ إنهم ملاقو ربهم ﴾ فلا أطردهم ﴿ ولكني أراكم قوماً تجهلون ﴾ يعني عظمة الله ووحدانيته وربوبيته وقيل معناه إنكم تجهلون أن هؤلاء المؤمنين خير منكم.
﴿ ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم ﴾ يعني من يمنعني من عذاب الله إن طردتهم عني لأنهم مؤمنون مخلصون ﴿ أفلا تذكرون ﴾ يعني فتتعظون.
مِثْلَنا يعني آدميا مثلنا لا فضل لك علينا لأن التفاوت الحاصل بين آحاد البشر يمتنع اشتهاره إلى حيث يصير الواحد منهم واجب الطاعة على جميع العالم وإنما قالوا هذه المقالة وتمسكوا بهذه الشبهة جهلا منهم لأن من حق الرسول أن يباشر الأمة بالدعوة إلى الله تعالى بإقامة الدليل والبرهان على ذلك ويظهر المعجزة الدالة على صدقه ولا يأتي ذلك إلا من آحاد البشر وهو من اختصه الله بكرامته وشرفه بنبوته وأرسله إلى عباده ثم قال سبحانه وتعالى إخبارا عن قوم نوح وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا يعني سفلتنا والرذل الدون من كل شيء قيل هم الحاكة والأساكفة وأصحاب الصنائع الخسيسة وإنما قالوا ذلك جهلا منهم أيضا لأن الرفعة في الذين ومتابعة الرسول لا تكون بالشرف ولا بالمال والمناصب العالية بل للفقراء الخاملين وهم أتباع الرسل ولا يضرهم خسة صنائعهم إذا حسنت سيرتهم في الدين بادِيَ الرَّأْيِ يعني أنهم اتبعوك في أول الرأي من غير تثبت وتفكر في أمرك، ولو تفكروا ما اتبعوك.
وقيل: معناه ظاهر الرأي، يعني أنهم اتبعوك ظاهرا من غير أن تفكروا باطنا وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ يعني بالمال والشرف والجاه وهذا القول أيضا جهل منهم لأن الفضيلة المعتبرة عند الله بالإيمان والطاعة لا بالشرف والرياسة بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ قيل الخطاب لنوح ومن آمن معه من قومه وقيل هو لنوح وحده فعلى هذا يكون الخطاب بلفظ الجمع للواحد على سبيل التعظيم قالَ يعني نوحا يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني على بيان ويقين من ربي بالذي أنذرتكم به وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ يعني هديا ومعرفة ونبوة فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ يعني خفيت وألبست عليكم أَنُلْزِمُكُمُوها الهاء عائدة إلى الرحمة والمعنى أنلزمكم أيها القوم قبول الرحمة يعني أنا لا نقدر أن نلزمكم ذلك من عند أنفسنا وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ وهذا استفهام معناه الإنكار أي لا أقدر على ذلك والذي أقدر عليه أن أدعوكم إلى الله وليس لي أن أضطركم إلى ذلك قال قتادة والله لو استطاع نبي ﷺ لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا يعني لا أسألكم ولا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا وذلك أنهم طلبوا من نوح أن يطرد الذين آمنوا وهم الأرذلون في زعمهم فقال ما يجوز لي ذلك لأنهم يعتقدون إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فلا أطردهم وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ يعني عظمة الله ووحدانيته وربوبيته وقيل معناه إنكم تجهلون أن هؤلاء المؤمنين خير منكم وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ يعني من يمنعني من عذاب الله إن طردتهم عني لأنهم مؤمنون مخلصون أَفَلا تَذَكَّرُونَ يعني فتتعظون.
[سورة هود (١١): الآيات ٣١ الى ٣٦]
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ هذا عطف على قوله لا أسألكم عليه مالا والمعنى لا أسألكم عليه مالا ولا أقول لكم عندي خزائن الله يعني التي لا يفنيها شيء فأدعوكم إلى اتباعي عليها لأعطيكم منها وقال ابن الأنباري الخزائن هنا بمعنى غيوب الله وما هو منطو عن الخلق وإنما وجب أن يكون هذا جوابا من نوح عليه
481
السلام لهم لأنهم قالوا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وادعوا أن المؤمنين إنما اتبعوه في ظاهر ما يرى منهم وهم في الحقيقة غير متبعين له فقال مجيبا لهم ولا أقول لكم عندي خزائن الله التي لا يعلم منها ما ينطوي عليه عباده وما يظهرونه إلا هو وإنما قيل للغيوب خزائن لغموضها عن الناس واستتارها عنهم والقول الأول أولى ليحصل الفرق بين قوله ولا أقول لكم عندي خزائن الله وبين قوله وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ يعني ولا أدعي علم ما يغيب عني مما يسرونه في نفوسهم فسبيل قبول إيمانهم في الظاهر ولا يعلم ما في ضمائرهم إلا الله وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وهذا جواب لقولهم ما نراك إلا بشرا مثلنا أي لا أدعي أني من الملائكة بل أنا بشر مثلكم أدعوكم إلى الله وأبلغكم ما أرسلت به إليكم.
((فصل)) استدل بعضهم بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء قال لأن نوحا عليه السلام قال ولا أقول إني ملك لأن الإنسان إذا قال أنا لا أدعي كذا وكذا لا يحسن إلا إذا كان ذلك الشيء أشرف وأفضل من أحوال ذلك القائل فلما قال نوح عليه السلام هذه المقالة وجب أن يكون الملك أفضل منه والجواب أن نوحا عليه السلام إنما قال هذه المقالة في مقابلة قولهم ما نراك إلا بشرا مثلنا لما كان في ظنهم أن الرسل لا يكونون من البشر إنما يكونون من الملائكة فأعلمهم أن هذا ظن باطل وأن الرسل إلى البشر إنما يكونون من البشر فلهذا قال سبحانه وتعالى: وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ولم يرد أن درجة الملائكة أفضل من درجة الأنبياء والله أعلم.
وقوله سبحانه وتعالى: وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ يعني تحتقر وتستصغر أعينكم يعني المؤمنين وذلك لما قالوا إنهم أراذلنا من الرذالة وهي الخسة لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً يعني توفيقا وهداية وإيمانا وأجرا اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ يعني من الخير والشر إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ يعني إن طردتهم مكذبا لظاهرهم ومبطلا لإيمانهم يعني أني إن فعلت هذا فأكون قد ظلمتهم وأنا لا أفعله فما أنا من الظالمين قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا يعني خاصمتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا يعني خصومتنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا يعني من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ يعني في دعواك أنك رسول الله إلينا قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ يعني قال نوح لقومه حين استعجلوه بإنزال العذاب إن ذلك ليس إليّ إنما هو إلى الله ينزله متى شاء وعلى من يشاء إن أراد إنزال العذاب بكم وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ يعني وما أنتم بفائتين إن أراد الله نزول العذاب بكم وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ يعني ولا ينفعكم إنذاري وتحذيري إياكم عقوبته ونزول العذاب بكم إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ يعني يضلكم وقيل يهلككم وهذا معنى وليس بتفسير لأن الإغواء يؤدي إلى الهلاك هُوَ رَبُّكُمْ يعني أنه سبحانه وتعالى هو يملككم فلا تقدرون على الخروج من سلطانه وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يعني في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ أي اختلقه وجاء به من عند نفسه والضمير يعود إلى الوحي الذي جاءهم به قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ أي اختلقته فَعَلَيَّ إِجْرامِي أي إثم إجرامي والإجرام اقتراف السيئة واكتسابها يقال جرم وأجرم بمعنى أنه اكتسب الذنب وافتعله وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ يعني من الكفر والتكذيب وأكثر المفسرين على أن هذا من محاورة نوح قومه فهي من قصة نوح عليه السلام وقال مقاتل «أم يقولون» يعني المشركين من كفار مكة افتراه يعني محمدا ﷺ اختلق القرآن من عند نفسه فعلى هذا القول تكون هذه الآية معترضة في قصة نوح ثم رجع إلى القصة فقال سبحانه وتعالى: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قال ابن عباس إن قوم نوح كانوا يضربون نوحا حتى يسقط فيلفونه في لبد ويلقونه في بيت يظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله ويروي أن شيخا منهم جاء متكئا على عصاه ومعه ابنه فقال يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون فقال يا أبت أمكني من العصا فأخذه من أبيه وضرب بها نوحا عليه السلام حتى شجه شجة منكرة فأوحى الله إليه أنه لن يؤمن
482
﴿ قالوا يا نوح قد جادلتنا ﴾ يعني خاصمتنا ﴿ فأكثرت جدالنا ﴾ يعني خصومتنا ﴿ فأتنا بما تعدنا ﴾ يعني من العذاب ﴿ إن كنت من الصادقين ﴾ يعني في دعواك أنك رسول الله إلينا.
﴿ قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ﴾ يعني قال نوح لقومه حين استعجلوه بإنزال العذاب إن ذلك ليس إليّ إنما هو إلى الله ينزله متى شاء وعلى من يشاء إن أراد إنزال العذاب بكم ﴿ وما أنتم بمعجزين ﴾ يعني وما أنتم بفائتين إن أراد الله نزول العذاب بكم.
﴿ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ﴾ يعني ولا ينفعكم إنذاري وتحذيري إياكم عقوبته ونزول العذاب ﴿ إن كان الله يريد أن يغويكم ﴾ يعني يضلكم وقيل يهلككم وهذا معنى وليس بتفسير لأن الإغواء يؤدي إلى الهلاك ﴿ هو ربكم ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى هو يملككم فلا تقدرون على الخروج من سلطانه ﴿ وإليه ترجعون ﴾ يعني في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
﴿ أم يقولون افتراه ﴾ أي اختلقه وجاء به من عند نفسه والضمير يعود إلى الوحي الذي جاءهم به ﴿ قل إن افتريته ﴾ أي اختلقته ﴿ فعلي إجرامي ﴾ أي إثم إجرامي والإجرام اقتراف السيئة واكتسابها يقال جرم وأجرم بمعنى أنه اكتسب الذنب وافتعله ﴿ وأنا بريء مما تجرمون ﴾ يعني من الكفر والتكذيب وأكثر المفسرين على أن هذا من محاورة نوح قومه فهي من قصة نوح عليه السلام وقال مقاتل ﴿ أم يقولون ﴾ يعني المشركين من كفار مكة افتراه يعني محمداً صلى الله عليه وسلم اختلق القرآن من عند نفسه فعلى هذا القول تكون هذه الآية معترضة في قصة نوح ثم رجع إلى القصة.
قال سبحانه وتعالى :﴿ وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ﴾ قال ابن عباس إن قوم نوح كانوا يضربون نوحاً حتى يسقط فيلفونه في لبد ويلقونه في بيت يظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله ويروي أن شيخاً منهم جاء متكئاً على عصاه ومعه ابنه فقال يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون فقال يا أبت أمكني من العصا فأخذه من أبيه وضرب بها نوحاً عليه السلام حتى شجه شجة منكرة فأوحى الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ﴿ فلا تبتئس ﴾ يعني فلا تحزن عليهم فإني مهلكهم ﴿ بما كانوا يفعلون ﴾ يعني بسبب كفرهم وأفعالهم فحينئذ دعا نوح عليه السلام عليهم فقال ﴿ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ﴾ وحكى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عمير الليثي أنه بلغه أنهم كانوا يبسطون نوحاً فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون حتى تمادوا في المعصية واشتد عليه فإذا فاق قال رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون حتى تمادوا في المعصية واشتد عليه منهم البلاء وهو ينتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا كان أنحس من الذي قبله ولقد كان يأتي القرن الآخر منهم فيقول قد كان هذا الشيخ مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنوناً فلا يقبلون منه شيئاً فشكا نوح إلى الله عز وجل فقال يا رب ﴿ أني دعوت قومي ليلاً ونهاراً ﴾ الآيات حتى بلغ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه.
من قومك إلا من قد آمن فَلا تَبْتَئِسْ يعني فلا تحزن عليهم فإني مهلكهم بِما كانُوا يَفْعَلُونَ يعني بسبب كفرهم وأفعالهم فحينئذ دعا نوح عليه السلام عليهم فقال «رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا» وحكى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عمير الليثي أنه بلغه أنهم كانوا يبسطون نوحا فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون حتى تمادوا في المعصية واشتد عليه منهم البلاء وهو ينتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا كان أنحس من الذي قبله ولقد كان يأتي القرن الآخر منهم فيقول قد كان هذا الشيخ مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا فلا يقبلون منه شيئا فشكا نوح إلى الله عز وجل فقال يا رب «إني دعوت قومي ليلا ونهارا» الآيات حتى بلغ رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه.
[سورة هود (١١): الآيات ٣٧ الى ٣٨]
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ يعني السفينة والفلك لفظ يطلق على الواحد والجمع بِأَعْيُنِنا قال ابن عباس بمرأى منا وقيل بعلمنا وقيل بحفظنا وَوَحْيِنا يعني بأمرنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ يعني بالطوفان والمعنى ولا تخاطبني في إمهال الكفار فإني قد حكمت بإغراقهم وقيل ولا تخاطبني في ابنك كنعان وامرأتك واعلة فإنهما هالكان مع القوم وقيل إن جبريل أتى نوحا فقال له إن ربك يأمرك أن تصنع الفلك فقال كيف أصنعها ولست نجارا فقال إن ربك يقول اصنع فإنك بأعيننا فأخذ القدوم وجعل ينجر ولا يخطئ فصنعها مثل جؤجؤ الطير وهو قوله سبحانه وتعالى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ يعني كما أمره الله سبحانه وتعالى قال أهل السير لما أمر الله سبحانه وتعالى نوحا بعمل السفينة أقبل على عملها ولها عن قومه وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ويهيئ القار وكل ما يحتاج إليه في عمل الفلك وجعل قومه يمرون وهو في عمله فيسخرون منه ويقولون يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم ولد قال البغوي وزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا وطوله في السماء ثلاثين ذراعا والذراع إلى المنكب وأن يجعله ثلاث طباق سفلى ووسطى وعلينا وأن يجعل فيه كوى فصنعه نوح كما أمره الله سبحانه وتعالى وقال ابن عباس اتخذ نوح السفينة في سنتين فكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا وطولها في السماء ثلاثين ذراعا وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون فجعل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام وركب هو ومن معه في البطن الأعلى وجعل معه ما يحتاج إليه من الزاد وغيره قال قتادة وكان بابها في عرضها، وروي عن الحسن: أنه كان طولها ألف ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع والقول الأول أشهر وهو أن طولها ثلاثمائة ذراع وقال زيد بن أسلم: مكث نوح مائة سنة يغرس الأشجار ويقطعها ومائة سنة يصنع الفلك، وقال كعب الأحبار: عمل نوح عليه السلام السفينة في ثلاثين سنة وروي أنها ثلاثة أطباق الطبقة السفلى للدواب والوحوش والطبقة الوسطى للإنس والطبقة العليا للطير فلما كثرت رواث الدواب أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ومسح على الخنزير فوقع منه الفأر فأقبلوا على الروث فأكلوه فلما أفسد الفأر في السفينة فجعل يقرضها ويقرض حبالها أوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة وهي القطة والقط فأقبلا على الفأر فأكلاه.
قوله سبحانه وتعالى: وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ أي جماعة من قومه سَخِرُوا مِنْهُ يعني استهزءوا به وذلك أنهم قالوا إن هذا الذي كان يزعم أنه نبي قد صار نجارا وقيل قالوا يا نوح ماذا تصنع قال أصنع بيتا يمشي
﴿ ويصنع الفلك ﴾ يعني كما أمره الله سبحانه وتعالى قال أهل السير لما أمر الله سبحانه وتعالى نوحاً بعمل السفينة أقبل على عملها ولها عن قومه وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ويهيئ القار وكل ما يحتاج إليه في عمل الفلك وجعل قومه يمرون وهو في عمله فيسخرون منه ويقولون يا نوح قد صرت نجاراً بعد النبوة وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم ولد قال البغوي وزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه وأن يجعل طوله ثمانين ذراعاً وعرضه خمسين ذراعاً وطوله في السماء ثلاثين ذراعا والذراع إلى المنكب وأن يجعله ثلاث طباق سفلى ووسطى وعلياً وأن يجعل فيه كوى فصنعه نوح كما أمره الله سبحانه وتعالى وقال ابن عباس اتخذ نوح السفينة في سنتين فكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعاً وطولها في السماء ثلاثين ذراعاً وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون فجعل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام وركب هو ومن معه في البطن الأعلى وجعل معه ما يحتاج إليه من الزاد وغيره قال قتادة وكان بابها في عرضها، وروي عن الحسن : أنه كان طولها ألف ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع والقول الأول أشهر وهو أن طولها ثلاثمائة ذراع وقال زيد بن أسلم : مكث نوح مائة سنة يغرس الأشجار ويقطعها ومائة سنة يصنع الفلك، وقال كعب الأحبار : عمل نوح عليه السلام السفينة في ثلاثين سنة وروي أنها ثلاثة أطباق الطبقة السفلى للدواب، والوحوش والطبقة الوسطى للإنس والطبقة العلياء للطير فلما كثرت رواث الدواب أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ومسح على الخنزير فوقع منه الفأر فأقبلوا على الروث فأكلوه فلما أفسد الفأر في السفينة فجعل يقرضها ويقرض حبالها أوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة وهي القطة والقط فأقبلا على الفأر فأكلاه.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ وكلما مر عليه ملأ من قومه ﴾ أي جماعة من قومه ﴿ سخروا منه ﴾ يعني استهزؤوا به وذلك أنهم قالوا إن هذا الذي كان يزعم أنه نبي قد صار نجاراً وقيل قالوا يا نوح ماذا تصنع قال أصنع بيتاً يمشي على الماء فضحكوا منه ﴿ قال ﴾ يعني نوحاً لقومه﴿ إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ﴾ يعني إن تستجهلونا في صنعنا فإنا نستجهلكم لتعرضكم لما يوجب سخط الله وعذابه، فإن قلت السخرية لا تليق بمنصب النبوة فكيف قال نوح عليه السلام إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون.
قلت إنما سمي هذا لفعل سخرية على سبيل الازدواج في مشاكلة الكلام كما في قوله سبحانه وتعالى :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾ والمعنى إنا نرى غب سخريتكم بنا إذا نزل بكم العذاب وهو قوله تعالى :﴿ فسوف تعلمون ﴾.
على الماء فضحكوا منه قالَ يعني نوحا لقومه إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ يعني إن تستجهلونا في صنعنا فإنا نستجهلكم لتعرضكم لما يوجب سخط الله وعذابه، فإن قلت السخرية لا تليق بمنصب النبوة فكيف قال نوح عليه السلام إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون.
قلت إنما سمي هذا الفعل سخرية على سبيل الازدواج في مشاكلة الكلام كما في قوله سبحانه وتعالى:
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها والمعنى إنا نرى غب سخريتكم بنا إذا نزل بكم العذاب وهو قوله تعالى:
[سورة هود (١١): الآيات ٣٩ الى ٤٠]
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠)
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ يعني فسترون مَنْ يَأْتِيهِ يعني أينا يأتيه نحن أو أنتم عَذابٌ يُخْزِيهِ يعني يهينه وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ يعني في الآخرة فالمراد بالعذاب الأول عذاب الدنيا وهو الغرق والمراد بالعذاب الثاني عذاب الآخرة وعذاب النار الذي لا انقطاع له.
وقوله عز وجل: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ يعني وغلى والفور الغليان وفارت القدر إذا غلت.
والتنور: فارسي معرب لا تعرف له العرب اسما غير هذا فلذلك جاء في القرآن بهذا اللفظ فخوطبوا بما يعرفون وقيل إن لفظ التنور جاء هكذا بكل لفظ عربي وعجمي وقيل إن لفظ التنور أصله أعجمي فتكلمت به العرب فصار عربيا مثل الديباج ونحوه واختلفوا في المراد بهذا التنور، فقال عكرمة والزهري: هو وجه الأرض وذلك أنه قيل لنوح عليه السلام إذا رأيت الماء قد فار على وجه الأرض فاركب السفينة فعلى هذا يكون قد جعل فوران التنور علامة لنوح على هذا الأمر العظيم وقال علي: فار التنور أي طلع الفجر ونور الصبح شبه نور الصبح بخروج النار من التنور، وقال الحسن ومجاهد والشعبي: إن التنور هو الذي يخبز فيه، وهو قول أكثر المفسرين ورواية عن ابن عباس، أيضا وهذا القول أصح لأن اللفظ إذا دار بين الحقيقة والمجاز كان حمله على الحقيقة أولى ولفظ التنور حقيقة في اسم الموضع الذي يخبز فيه فوجب حمل اللفظ عليه.
فإن قلت الألف واللام في لفظ التنور للعهد وليس هاهنا معهود سابق عند السامع فوجب حمله على غيره وهو شدة الأمر والمعنى إذا رأيت الماء يشتد نبوعه ويقوى فانج بنفسك ومن معك.
قلت: لا يبعد أن يكون ذلك التنور معلوما عند نوح عليه السلام، قال الحسن كان تنورا من حجارة وكانت حواء تخبز فيه ثم صار إلى نوح وقيل له إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك واختلفوا في موضع التنور فقال مجاهد نبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته وكان ذلك في ناحية الكوفة وكان الشعبي يحلف بالله ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة، قال الشعبي: اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كندة وكان فوران التنور علامة لنوح عليه السلام، وقال مقاتل: كان ذلك التنور تنور آدم وكان بالشام بموضع يقال له عين وردة وروي عن ابن عباس أنه كان بالهند قال: والفوران الغليان قُلْنَا احْمِلْ فِيها يعني: قلنا لنوح احمل في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ الزوجان كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر كالذكر والأنثى يقال لكل واحد منهما زوج والمعنى من كل صنف زوجين ذكرا أو أنثى فحشر الله سبحانه وتعالى إليه الحيوان من الدواب والسباع والطير فجعل نوح يضرب بيديه في كل جنس منها فيقع الذكر في يده اليمنى والأنثى في يده اليسرى فيجعلهما في السفينة وَأَهْلَكَ أي واحمل أهلك وولدك وعيالك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ يعني بإهلاك وأراد به امرأته واعلة وولده كنعان وَمَنْ آمَنَ يعني واحمل معك من آمن بك من
وقوله عز وجل :﴿ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ﴾ يعني وغلى والفور الغليان وفارت القدر إذا غلت.
والتنور : فارسي معرب لا تعرف له العرب اسماً غير هذا فلذلك جاء في القرآن بهذا اللفظ فخوطبوا بما يعرفون وقيل إن لفظ التنور جاء هكذا بكل لفظ عربي وعجمي وقيل إن لفظ التنور أصله أعجمي فتكلمت به العرب فصار عربياً مثل الديباج ونحوه واختلفوا في المراد بهذا التنور، فقال عكرمة والزهري : هو وجه الأرض وذلك أنه قيل لنوح عليه السلام إذا رأيت الماء قد فار على وجه الأرض فاركب السفينة فعلى هذا يكون قد جعل فوران التنور علامة لنوح على هذا الأمر العظيم وقال علي : فار التنور أي طلع الفجر ونور الصبح شبه نور الصبح بخروج النار من التنور، وقال الحسن ومجاهد والشعبي : إن التنور هو الذي يخبز فيه، وهو قول أكثر المفسرين ورواية عن ابن عباس، أيضاً وهذا القول أصح لأن اللفظ إذا دار بين الحقيقة والمجاز كان حمله على الحقيقة أولى ولفظ التنور حقيقة في اسم الموضع الذي يخبز فيه فوجب حمل اللفظ عليه.
فإن قلت الألف واللام في لفظ التنور للعهد وليس هاهنا معهود سابق عند السامع فوجب حمله على غيره وهو شدة الأمر والمعنى إذا رأيت الماء يشتد نبوعه ويقوى فانج بنفسك ومن معك.
قلت : لا يبعد أن يكون ذلك التنور معلوماً عند نوح عليه السلام، قال الحسن كان تنوراً من حجارة وكانت حواء تخبز فيه ثم صار إلى نوح وقيل له إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك واختلفوا في موضع التنور فقال مجاهد نبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته وكان ذلك في ناحية الكوفة وكان الشعبي يحلف بالله ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة، قال الشعبي : اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كندة وكان فوران التنور علامة لنوح عليه السلام، وقال مقاتل : كان ذلك التنور تنور آدم وكان بالشام بموضع يقال له عين وردة وروي عن أبي عباس أنه كان بالهند قال : والفوران الغليان ﴿ قلنا احمل فيها ﴾ يعني : قلنا لنوح احمل في السفينة ﴿ من كل زوجين اثنين ﴾ الزوجان كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر كالذكر والأنثى يقال لكل واحد منهما زوج والمعنى من كل صنف زوجين ذكراً أو أنثى فحشر الله سبحانه وتعالى إليه الحيوان من الدواب والسباع والطير فجعل نوح يضرب بيديه في كل جنس منها فيقع الذكر في يده اليمنى والأنثى في يده اليسرى فيجعلهما في السفينة ﴿ وأهلك ﴾ أي واحمل أهلك وولدك وعيالك ﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ يعني بإهلاك وأراد به امرأته واعلة وولده كنعان ﴿ ومن آمن ﴾ يعني واحمل معك من آمن بك من قومك ﴿ وما آمن معه إلا قليل ﴾ اختلفوا في عدد من حمل نوح معه في السفينة فقال قتادة وابن جريج ومحمد كعب القرظي لم يكن في السفينة إلا ثمانين : نفر نوح وامرأته وثلاثة بنين له وهم سام وحام ويافث ونساؤهم ؛ وقال الأعمش : كانوا سبعة نوحاً وبنيه وثلاث كنائن له. وقال محمد بن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم وهم نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة نفر آمنوا بنوح وأزواجهم جميعاً، وقال مقاتل : كانوا اثنين وسبعين نفراً رجلاً وامرأة وقال ابن عباس كان في السفينة ثمانون رجلاً أحدهم جرهم، قال الطبري : والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عز وجل :﴿ وما آمن معه إلا قليل ﴾ فوصفهم الله سبحانه وتعالى بالقلة ولم يحدد عدداً بمقدار فلا ينبغي أن يجاوز في ذلك حد الله سبحانه وتعالى إذ لم يرد ذلك في كتاب ولا خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مقاتل : حمل نوح معه جسد آدم عليه السلام فجعله معترضاً بين الرجال والنساء وقصد نوحاً جميع الدواب والطيور ليحملها قال ابن عباس : أول ما حمل نوح الدرة وآخر ما حمل الحمار فلما أراد أن يدخل الحمار أدخل صدره فتعلق إبليس بذنبه فلم تنتقل رجلاه وجعل نوح يقول له ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال له أدخل وإن كان الشيطان معك كلمة ذلت على لسانه فلما قالها نوح خلى سبيل الحمار فدخل الحمار ودخل الشيطان معه فقال له نوح ماذا أدخلك عليّ يا عدو الله قال ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك قال اخرج عني يا عدو الله.
قال : لا بد من أن تحملني معك فكان فيما يزعمون على ظهر السفينة، هكذا نقله البغوي وقال الإمام فخر الدين الرازي : وأما الذي يروى أن إبليس دخل السفينة فبعيد لأنه من الجن وهو جسم ناري أو هوائي فكيف يفر من الغرق وأيضاً فإن كتاب الله لم يدل على ذلك ولم يرد فيه خبر صحيح فالأولى ترك الخوض فيه، قال البغوي : وروي عن بعضهم أن الحية والعقرب أتيا نوحاً عليه السلام فقالتا احملنا معك فقال إنكما سبب البلاء فلا أحملكما فقالتا احملنا فنحن نضمن لك أن لا نضر أحداً ذكرك فمن قرأ حين يخاف مضرتهما سلام على نوح في العالمين لم تضراه وقال الحسن لم يحمل نوح معه في السفينة إلا ما يلد ويبيض وأما ما سوى ذلك مما يتولد من الطين من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منها شيئاً.
قومك وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ اختلفوا في عدد من حمل نوح معه في السفينة فقال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظي لم يكن في السفينة إلا ثمانين: نفر نوح وامرأته وثلاثة بنين له وهم سام وحام ويافث ونساؤهم وقال الأعمش: كانوا سبعة نوحا وبنيه وثلاث كنائن له. وقال محمد بن إسحاق: كانوا عشرة سوى نسائهم وهم نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة نفر آمنوا بنوح وأزواجهم جميعا، وقال مقاتل: كانوا اثنين وسبعين نفرا رجلا وامرأة وقال ابن عباس كان في السفينة ثمانون رجلا أحدهم جرهم، قال الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عز وجل: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ فوصفهم الله سبحانه وتعالى بالقلة ولم يحدد عددا بمقدار فلا ينبغي أن يجاوز في ذلك حد الله سبحانه وتعالى إذ لم يرد ذلك في كتاب ولا خبر صحيح عنت رسول الله ﷺ قال مقاتل: حمل نوح معه جسد آدم عليه السلام فجعله معترضا بين الرجال والنساء وقصد نوحا جميع الدواب والطيور ليحملها قال ابن عباس: أول ما حمل نوح الدرة وآخر ما حمل الحمار فلما أراد أن يدخل الحمار أدخل صدره فتعلق إبليس بذنبه فلم تنتقل رجلاه وجعل نوح يقول له ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال له أدخل وإن كان الشيطان معك كلمة ذلت على لسانه فلما قالها نوح خلى سبيل الحمار فدخل الحمار ودخل الشيطان معه فقال له نوح ماذا أدخلك عليّ يا عدو الله قال ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك قال اخرج عني يا عدو الله.
قال: لا بد من أن تحملني معك فكان فيما يزعمون على ظهر السفينة، هكذا نقله البغوي وقال الإمام فخر الدين الرازي: وأما الذي يروى أن إبليس دخل السفينة فبعيد لأنه من الجن وهو جسم ناري أو هوائي فكيف يفر من الغرق وأيضا فإن كتاب الله لم يدل على ذلك ولم يرد فيه خبر صحيح فالأولى ترك الخوض فيه، قال البغوي:
وروي عن بعضهم أن الحية والعقرب أتيا نوحا عليه السلام فقالتا احملنا معك فقال إنكما سبب البلاء فلا أحملكما فقالتا احملنا فنحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك فمن قرأ حين يخاف مضرتهما سلام على نوح في العالمين لم تضراه وقال الحسن لم يحمل نوح معه في السفينة إلا ما يلد ويبيض وأما ما سوى ذلك مما يتولد من الطين من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منها شيئا.
[سورة هود (١١): الآيات ٤١ الى ٤٣]
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)
قوله سبحانه وتعالى: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها يعني وقال نوح لمن حمل معه اركبوا في السفينة بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ يعني بسم الله اجراؤها وإرساؤها قال الضحاك كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال بسم الله فتجري وكان إذا أراد أن ترسو يعني تقف قال بسم الله فترسو أي تقف وهذا تعليم من الله لعباده أنه من أراد أمرا فلا ينبغي له أن يشرع فيه حتى يذكر اسم الله عليه وقت الشروع حتى يكون ذلك سببا للنجاح والفلاح في سائر الأمور وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ الموج ما ارتفع من الماء إذا اشتدت عليه الريح، شبهه سبحانه وتعالى بالجبال في عظمه هو ارتفاعه على الماء قال العلماء: بالسير أرسل الله المطر أربعين يوما وليلة وخرج الماء من الأرض فذلك قوله سبحانه وتعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ يعني: صار إناء نصفين نصفا من السماء ونصفا من الأرض وارتفع الماء على أعلى جبل وأطوله أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا حتى أغرق كل شيء.
﴿ وهي تجري بهم في موج كالجبال ﴾ الموج ما ارتفع من الماء إذا اشتدت عليه الريح، شبهه سبحانه وتعالى بالجبال في عظمه هو ارتفاعه على الماء قال العلماء : بالسير أرسل الله المطر أربعين يوماً وليلة وخرج الماء من الأرض فذلك قوله سبحانه وتعالى :﴿ ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر ﴾ يعني : صار إناء نصفين نصفاً من السماء ونصفاً من الأرض وارتفع الماء على أعلى جبل وأطوله أربعين ذراعاً وقيل خمسة عشر ذراعاً حتى أغرق كل شيء.
وروي أنه لما كثر الماء في الشكك خافت أم الصبي على ولدها من الغرق وكانت تحبه حباً شديداً فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلحقها الماء فارتفعت حتى بلغت ثلثيه فلما لحقها الماء ذهبت حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء إلى رقبتها رفعت الصبي بيديها حتى ذهب بهما الماء فأغرقهما فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي ﴿ ونادى نوح ابنه ﴾ يعني كنعان وكان كافراً ﴿ وكان في معزل ﴾ يعني عن نوح لم يركب معه ﴿ يا بني اركب معنا ﴾ يعني في السفينة ﴿ ولا تكن مع الكافرين ﴾ يعني فتهلك معهم.
﴿ قال ﴾ يعني قال كنعان ﴿ سآوي ﴾ يعني سألتجئ وأصير ﴿ إلى جبل يعصمني ﴾ يعني يمنعني ﴿ من الماء قال ﴾ يعني قال له نوح ﴿ لا عاصم ﴾ يعني لا مانع ﴿ اليوم من أمر الله ﴾ يعني من عذابه ﴿ إلا من رحم ﴾ يعني إلا من رحمه الله فينجيه من الغرق ﴿ وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ﴾ يعني كنعان.
وروي أنه لما كثر الماء في الشكك خافت أم الصبي على ولدها من الغرق وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلحقها الماء فارتفعت حتى بلغت ثلثيه فلما لحقها الماء ذهبت حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء إلى رقبتها رفعت الصبي بيديها حتى ذهب بهما الماء فأغرقهما فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ يعني كنعان وكان كافرا وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يعني عن نوح لم يركب معه يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا يعني في السفينة وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ يعني فتهلك معهم قالَ يعني قال كنعان سَآوِي يعني سألتجئ وأصير إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي يعني يمنعني مِنَ الْماءِ قالَ يعني قال له نوح لا عاصِمَ يعني لا مانع الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يعني من عذابه إِلَّا مَنْ رَحِمَ يعني إلا من رحمه الله فينجيه من الغرق وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ يعني كنعان.
[سورة هود (١١): الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦)
وَقِيلَ يعني بعد ما تناهى الطوفان وأغرق الله قوم نوح يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ أي اشربيه وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أي أمسكي وَغِيضَ الْماءُ أي نقص ونضب يقال غاض الماء إذا نقص وذهب وَقُضِيَ الْأَمْرُ يعني وفرغ من الأمر وهو هلاك قوم نوح وَاسْتَوَتْ يعني واستقرت السفينة عَلَى الْجُودِيِّ وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل وَقِيلَ بُعْداً يعني هلاكا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قال العلماء: بالسير لما استقرت السفينة بعث نوح الغراب ليأتيه بخبر الأرض فوقع على جيفة فلم يرجع إليه فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون في منقارها ولطخت رجليها بالطين، فعلم نوح أن الماء قد ذهب فدعا على الغراب بالخوف فلذلك لا يألف البيوت وطوق الحمامة بالخضرة التي في عنقها ودعا لها بالأمان فمن ثم تألف البيوت وروي أن نوحا عليه السلام ركب السفينة لعشر بقين من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر ومرت بالبيت الحرام وقد رفعه الله من الغرق وبقي موضعه فطافت السفينة به سبعا وأودع الحجر الأسود جبل أبي قبيس وهبط نوح ومن معه في السفينة يوم عاشوراء فصامه نوح عليه السلام وأمر جميع من معه بصيامه شكرا لله تعالى وبنوا قرية بقرب الجبل فسميت سوق ثمانين فهي أول قرية عمرت على وجه الأرض بعد الطوفان، وقيل: إنه لم ينج أحد من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق وكان المال يصل إلى حجزته وسبب نجاته من الهلاك أن نوحا عليه السلام احتاج إلى خشب ساج لأجل السفينة فلم يمكنه نقله فحمله عوج بن عنق من الشام إلى نوح فنجاه الله من الغرق لذلك.
فإن قلت: كيف اقتضت الحكمة الإلهية والكرم العظيم إغراق من لم يبلغوا الحلم من الأطفال ولم يدخلوا تحت التكليف بذنوب غيرهم.
قلت: ذكر بعض المفسرين أن الله عز وجل أعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فلم يولد لهم ولد تلك المدة وهذا الجواب ليس بقوي لأنه يرد عليه إغراق جميع الدواب والهوام والطير وغير ذلك من الحيوان ويرد على ذلك أيضا إهلاك أطفال الأمم الكافرة مع آبائهم غير قوم نوح.
والجواب الشافي عن هذا كله أن الله سبحانه وتعالى متصرف في خلقه وهو المالك المطلق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قوله عز وجل: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ أي دعاه وسأله فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي يعني وقد وعدتني أن
486
تنجيني وأهلي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ يعني الصدق الذي لا خلف فيه وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ يعني أنك حكمت لقوم بالنجاة وحكمت على قوم بالهلاك قالَ يعني قال الله تعالى: يا نُوحُ إِنَّهُ يعني هذا الابن الذي سألتني نجاته لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ اختلف علماء التفسير: هل كان هذا الولد ابن نوح لصلبه أم لا فقال الحسن ومجاهد كان ولد حدث من غير نوح ولم يعلم به فلذلك قال إنه ليس من أهلك، وقال محمد بن جعفر الباقر: كان ابن امرأة نوح وكان يعلمه نوح ولذلك قال من أهلي ولم يقل مني. وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأكثر المفسرين: إنه ابن نوح من صلبه، وهذا القول هو الصحيح والقولان الأولان ضعيفان بل باطلان ويدل على صحة هذا نقل الجمهور لما صح عن ابن عباس أنه قال: ما بغت امرأة نبي قط ولأن الله سبحانه وتعالى نص عليه بقوله سبحانه وتعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ ونوح ﷺ أيضا نص عليه بقوله «يا بني اركب معنا» وهذا نص في الدلالة وصرف الكلام عن الحقيقة إلى المجاز من غير ضرورة لا يجوز وإنما خالف هذا الظاهر من خالفه لأنه استبعد أن يكون ولد نبي كافرا وهذا خطأ ممن قاله لأن الله سبحانه وتعالى خلق خلقه فريق في الجنة وهم المؤمنون وفريق في السعير وهم الكفار والله سبحانه وتعالى يخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر ولا فرق في ذلك بين الأنبياء وغيرهم فإن الله سبحانه وتعالى أخرج قابيل من صلب آدم عليه السلام وهو نبي وكان قابيل كافرا وأخرج إبراهيم من صلب آزر وهو نبي وكان آزر كافرا فكذلك أخرج كنعان وهو كافر من صلب نوح وهو نبي فهو المتصرف في خلقه كيف يشاء.
فإن قلت: فعلى هذا كيف ناداه نوح فقال: اركب معنا وسأل له النجاة مع قوله رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا قلت: قد ذكر بعضهم أن نوحا عليه الصلاة والسلام لم يعلم بكون ابنه كان كافرا فلذلك ناداه وعلى تقدير أنه يعلم كفره إنما حمله على أن ناداه رقة لأبوه ولعله إذا رأى تلك الأهوال أن يسلم فينجيه الله بذلك من الغرق فأجابه الله عز وجل بقوله إنه ليس من أهلك يعني أنه ليس من أهل دينك لأن أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما.
ولما حكمت الشريعة برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر قال الله سبحانه وتعالى لنوح: إنه ليس من أهلك إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ قرأ الكسائي ويعقوب: عمل بكسر الميم وفتح اللام غير بفتح الراء على عود الفعل على الابن ومعناه أنه عمل الشرك والكفر والتكذيب وكل هذا غير صالح، وقرأ الباقون من القراء: عمل بفتح الميم ورفع اللام مع التنوين وغير بضم الراء ومعناه إن سؤالك إياي أن أنجيه من الغرق عمل غير صالح لأن طلب نجاة الكفار بعد ما حكم عليه بالهلاك بعيد فلهذا قال سبحانه وتعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ويجوز أن يعود الضمير في إنه على ابن نوح أيضا ويكون التقدير على هذه القراءة إن ابنك ذو عمل أو صاحب عمل غير صالح فحذف المضاف كما قالت الخنساء: فإنما هي إقبال وإدبار.
قال الواحدي، وهذا قول أبي إسحاق يعني الزجاج وأبي بكر بن الأنباري وأبي علي الفارسي قال أبو علي:
ويجوز أن يكون ابن نوح عمل عملا غير صالح فجعلت نفسه ذلك العمل لكثرة ذلك منه، كما يقال الشعر زهير والعلم فلان إذا كثر منه فعلى هذا لا حذف فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وذلك أن نوحا عليه السلام سأل ربه إنجاء ولده من الغرق وهو من كمال شفقة الوالد على ولده وهو لا يعلم أن ذلك محظور لإصرار ولده على الكفر فنهاه الله سبحانه وتعالى عن مثل هذه المسألة وأعلمه أن ذلك لا يجوز فكان المعنى فلا تسألن ما ليس لك به علم بجواز مسألته إِنِّي أَعِظُكَ يعني أنهاك أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يعني لمثل هذا السؤال
487
قوله عز وجل :﴿ ونادى نوح ربه ﴾ أي دعاه وسأله ﴿ فقال رب إن ابني من أهلي ﴾ يعني وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي ﴿ وإن وعدك الحق ﴾ يعني الصدق الذي لا خلف فيه ﴿ وأنت أحكم الحاكمين ﴾ يعني أنك حكمت لقوم بالنجاة وحكمت على قوم بالهلاك.
﴿ قال ﴾ يعني قال الله تعالى :﴿ يا نوح إنه ﴾ يعني هذا الابن الذي سألتني نجاته ﴿ ليس من أهلك ﴾ اختلف علماء التفسير : هل كان هذا الولد ابن نوح لصلبه أم لا فقال الحسن ومجاهد كان ولد حدث من غير نوح ولم يعلم به فلذلك قال إنه ليس من أهلك، وقال محمد بن جعفر الباقر : كان ابن امرأة نوح وكان يعلمه نوح ولذلك قال من أهلي ولم يقل مني. وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأكثر المفسرين : إنه ابن نوح من صلبه، وهذا القول هو الصحيح والقولان الأولان ضعيفان بل باطلان ويدل على صحة هذا نقل الجمهور لما صح عن ابن عباس أنه قال : ما بغت امرأة نبي قط ولأن الله سبحانه وتعالى نص عليه بقوله سبحانه وتعالى :﴿ ونادى نوح ابنه ﴾ ونوح صلى الله عليه وسلم أيضاً نص عليه بقوله ﴿ يا بني اركب معنا ﴾ وهذا نص في الدلالة وصرف الكلام عن الحقيقة إلى المجاز من غير ضرورة لا يجوز وإنما خالف هذا الظاهر من خالفه لأنه استبعد أن يكون ولد نبي كافراً وهذا خطأ ممن قاله لأن الله سبحانه وتعالى خلق خلقه فريق في الجنة وهم المؤمنون وفريق في السعير وهم الكفار والله سبحانه وتعالى يخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر ولا فرق في ذلك بين الأنبياء وغيرهم فإن الله سبحانه وتعالى أخرج قابيل من صلب آدم عليه السلام وهو نبي وكان قابيل كافراً وأخرج إبراهيم من صلب آزر وهو نبي وكان آزر كافراً فكذلك أخرج كنعان وهو كافر من صلب نوح وهو نبي فهو المتصرف في خلقه كيف يشاء.
فإن قلت : فعلى هذا كيف ناداه نوح فقال : اركب معنا وأسأل له النجاة مع قوله رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً قلت : قد ذكر بعضهم أن نوحاً عليه الصلاة والسلام لم يعلم بكون ابنه كان كافراً فلذلك ناداه وعلى تقدير أنه يعلم كفره إنما حمله على أن ناداه رقة لأبوة ولعله إذا رأى تلك الأهوال أن يسلم فينجيه الله بذلك من الغرق فأجابه الله عز وجل بقوله إنه ليس من أهلك يعني أنه ليس من أهل دينك لأن أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما.
ولما حكمت الشريعة برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر قال الله سبحانه وتعالى لنوح : إنه ليس من أهلك ﴿ إنه عمل غير صالح ﴾ قرأ الكسائي ويعقوب : عَمِلَ بكسر الميم وفتح اللام غير بفتح الراء على عود الفعل على الابن ومعناه أنه عمل الشرك والكفر والتكذيب وكل هذا غير صالح، وقرأ الباقون من القراء : عمَلٌ بفتح الميم ورفع اللام مع التنوين وغير بضم الراء ومعناه إن سؤالك إياي أن أنجيه من الغرق عمل غير صالح لأن طلب نجاة الكفار بعد ما حكم عليه بالهلاك بعيد فلهذا قال سبحانه وتعالى :﴿ إنه عمل غير صالح ﴾ ويجوز أن يعود الضمير في إنه على ابن نوح أيضاً ويكون التقدير على هذه القراءة إن ابنك ذو عمل أو صاحب عمل غير صالح فحذف المضاف كما قالت الخنساء : فإنما هي إقبال وإدبار.
قال الواحدي، وهذا قول أبي إسحاق يعني الزجاج وأبي بكر بن الأنباري وأبي علي الفارسي قال أبو علي : ويجوز أن يكون ابن نوح عمل عملاً غير صالح فجعلت نفسه ذلك العمل لكثرة ذلك منه، كما يقال الشعر زهير والعلم فلان إذا كثر منه فعلى هذا لا حذف ﴿ فلا تسألن ما ليس لك به علم ﴾ وذلك أن نوحاً عليه السلام سأل ربه إنجاء ولده من الغرق وهو من كمال شفقة الوالد على ولده وهو لا يعلم أن ذلك محظور لإصرار ولده على الكفر فنهاه الله سبحانه وتعالى عن مثل هذه المسألة وأعلمه أن ذلك لا يجوز فكان المعنى فلا تسألن ما ليس لك به علم بجواز مسألته ﴿ إني أعظك ﴾ يعني أنهاك ﴿ أن تكون من الجاهلين ﴾ يعني لمثل هذا السؤال.

[سورة هود (١١): الآيات ٤٧ الى ٥٠]

قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠)
قالَ يعني: قال نوح رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ يعني: ألجأ إليك وأعتذر إليك أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ يعني: إنك أنت علام الغيوب وأنا لا أعلم ما غاب عني فأعتذر إليك من مسألتي ما ليس لي به علم وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي يعني: جهلي وإقدامي على سؤال ما ليس لي به علم وَتَرْحَمْنِي يعني برحمتك التي وسعت كل شيء أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ.
((فصل وقد استدل بهذه الآيات من لا يرى عصمة الأنبياء)) وبيانه أن قوله إنه عمل غير صالح المراد منه السؤال وهو محظور فلهذا نهاه عنه بقوله فلا تسألن ما ليس لك به علم، وقوله سبحانه وتعالى: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يدل على أن ذلك السؤال كان جهلا ففيه زجر وتهديد وطلب المغفرة والرحمة له يدل على صدور الذنب منه.
والجواب أن الله عز وجل كان قد وعد نوحا عليه السلام بأن ينجيه وأهله فأخذ نوح ظاهر اللفظ واتبع التأويل بمقتضى هذا الظاهر ولم يعلم ما غاب عنه ولم يشك في وعد الله سبحانه وتعالى فأقدم على هذا السؤال لهذا السبب فعاتبه الله عز وجل على سؤاله ما ليس له به علم وبين له أنه ليس من أهله الذي وعده بنجاتهم لكفره وعمله الذي هو غير صالح وأعلمه الله سبحانه وتعالى أنه مغرق مع الذين ظلموا ونهاه عن مخاطبته فيهم فأشفق نوح من إقدامه على سؤال ربه فيما لم يؤذن له فيه فخاف نوح من ذلك الهلاك فلجأ إلى ربه عز وجل وخشع له وعاذ به وسأل المغفرة والرحمة لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين وليس في الآيات ما يقتضي صدور ذنب ومعصية من نوح عليه السلام سوى تأويله وإقدامه على سؤال ما لم يؤذن له فيه وهذا ليس بذنب ولا معصية والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ أي انزل من السفينة أو من الجبل إلى الأرض بِسَلامٍ أي بأمن وسلامة مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ البركة هي ثبوت الخير ونماؤه وزيادته، وقيل: المراد بالبركة هنا أن الله سبحانه وتعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة فكل العالم من ذرية أولاده الثلاثة ولم يعقب من كان معه في السفينة غيرهم وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ يعني: وعلى ذرية أمم ممن كانوا معك في السفينة، والمعنى وبركات عليك وعلى قرون تجيء من بعدك من ذرية أولادك وهم المؤمنون. قال محمد بن كعب القرظي: دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ هذا ابتداء كلام أي وأمم كافرة يحدثون بعدك سنمتعهم يعني في الدنيا إلى منتهى آجالهم ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ يعني في الآخرة تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ هذا خطاب للنبي ﷺ يعني أن هذه القصة التي أخبرناك يا محمد من قصة نوح وخبر قومه من أنباء الغيب يعني من أخبار الغيب نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا يعني من قبل نزول القرآن عليك.
فإن قلت إن قصة نوح كانت مشهورة معروفة في العالم فكيف قال ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.
قلت: يحتمل أن يكون كانوا يعلمونها مجملة فنزل القرآن بتفصيلها وبيانها.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ قيل يا نوح اهبط ﴾ أي انزل من السفينة أو من الجبل إلى الأرض ﴿ بسلام ﴾ أي بأمن وسلامة ﴿ منا وبركات عليك ﴾ البركة هي ثبوت الخير ونماؤه وزيادته، وقيل : المراد بالبركة هنا أن الله سبحانه وتعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة فكل العالم من ذرية أولاده الثلاثة ولم يعقب من كان معه في السفينة غيرهم ﴿ وعلى أمم ممن معك ﴾ يعني : وعلى ذرية أمم ممن كانوا معك في السفينة، والمعنى وبركات عليك وعلى قرون تجيء من بعدك من ذرية أولادك وهم المؤمنون. قال محمد بن كعب القرظي : دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة ﴿ وأمم سنمتعهم ﴾ هذا ابتداء كلام أي وأمم كافرة يحدثون بعدك سنمتعهم يعني في الدنيا إلى منتهى آجالهم ﴿ ثم يمسهم منا عذاب أليم ﴾ يعني في الآخرة
﴿ تلك من أنباء الغيب ﴾ هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني أن هذه القصة التي أخبرناك يا محمد من قصة نوح وخبر قومه من أنباء الغيب يعني من أخبار الغيب ﴿ نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ﴾ يعني من قبل نزول القرآن عليك.
فإن قلت إن قصة نوح كانت مشهورة معروفة في العالم فكيف قال ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.
قلت : يحتمل أن يكون كانوا يعلمونها مجملة فنزل القرآن بتفصيلها وبيانها.
وجواب آخر وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان أميّاً لم يقرأ الكتب المتقدمة ولم يعلمها وكذلك كانت أمته فصح قوله ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل نزول القرآن بها ﴿ فاصبر ﴾ يا محمد على أذى مشركي قومك كما صبر نوح على أذى قومه ﴿ إن العاقبة ﴾ يعني النصر والظفر على الأعداء والفوز بالسعادة الأخروية يعني للمؤمنين.
قوله عز وجل :﴿ وإلى عاد ﴾ يعني وأرسلنا إلى عاد ﴿ أخاهم هوداً ﴾ يعني أخاهم في النسب لا في الدين ﴿ قال يا قوم اعبدوا الله ﴾ يعني وحدوا الله ولا تشركوا معه شيئاً في العبادة ﴿ ما لكم من إله غيره ﴾ يعني أنه تعالى هو إلهكم لا هذه الأصنام التي تعبدونها فإنها حجارة لا تضر ولا تنفع ﴿ إن أنتم إلا مفترون ﴾ يعني ما أنتم إلا كاذبون في عبادتكم غيره.
وجواب آخر وهو أنه ﷺ كان أميّا لم يقرأ الكتب المتقدمة ولم يعلمها وكذلك كانت أمته فصح قوله ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل نزول القرآن بها فَاصْبِرْ يا محمد على أذى مشركي قومك كما صبر نوح على أذى قومه إِنَّ الْعاقِبَةَ يعني النصر والظفر على الأعداء والفوز بالسعادة الأخروية يعني للمؤمنين.
قوله عز وجل: وَإِلى عادٍ يعني وأرسلنا إلى عاد أَخاهُمْ هُوداً يعني أخاهم في النسب لا في الدين قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله ولا تشركوا معه شيئا في العبادة ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني أنه تعالى هو إلهكم لا هذه الأصنام التي تعبدونها فإنها حجارة لا تضر ولا تنفع إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ يعني ما أنتم إلا كاذبون في عبادتكم غيره.
[سورة هود (١١): الآيات ٥١ الى ٥٦]
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ يعني على تبليغ الرسالة أَجْراً يعني جعلا آخذه منكم إِنْ أَجْرِيَ يعني ما ثوابي إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي يعني: خلقني فإنه هو الذي رزقني في الدنيا ويثيبني في الآخرة أَفَلا تَعْقِلُونَ يعني فتتعظون وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ أي آمنوا به فالاستغفار هنا بمعنى الإيمان لأنه هو المطلوب أولا ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يعني من شرككم وعبادتكم غيره ومن سالف ذنوبكم يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً يعني: ينزل المطر عليكم متتابعا مرة بعد مرة في أوقات الحاجة إليه وذلك أن بلادهم كانت مخصبة كثيرة الخير والنعم فأمسك الله عنهم المطر مدة ثلاث سنين فأجدبت بلادهم وقحطت بسبب كفرهم فأخبرهم هود عليه السلام أنهم إن آمنوا بالله وصدقوه أرسل الله إليهم المطر فأحيا به بلادهم كما كانت أول مرة وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ يعني شدة مع شدتكم، وقيل: معناه أنكم إن آمنتم يقوّكم بالأموال والأولاد وذلك أنه سبحانه وتعالى أعقم أرحام نسائهم فلم تلد فقال لهم هود عليه السلام إن آمنتم أرسل الله المطر فتزدادون مالا ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت عليه فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد وقيل: تزدادون قوة في الدين إلى قوة الأبدان وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ يعني ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي حال كونكم مشركين قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ أي ببرهان وحجة واضحة على صحة ما تقول وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ يعني وما نترك عبادة آلهتنا لأجل قولك وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ يعني بمصدقين إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ يعني إنك يا هود لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بخبل وجنون لأنك سببتهم فانتقموا منك بذلك ولا نحمل أمرك إلا على هذا قالَ يعني قال هود مجيبا لهم إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ يعني على نفسي واشهدوا يعني واشهدوا أنتم أيضا علي: أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ يعني هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها فَكِيدُونِي جَمِيعاً يعني احتالوا في كيدي وضري أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضر ولا تنفع ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ يعني ثم لا تمهلون وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام وذلك أنه كان وحيدا في قومه فما قال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت إلا لثقته بالله عز وجل وتوكله عليه وهو قوله تعالى: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ يعني أنه فوض أمره إلى الله واعتمد عليه ما
﴿ ويا قوم استغفروا ربكم ﴾ أي آمنوا به فالاستغفار هنا بمعنى الإيمان لأنه هو المطلوب أولاً ﴿ ثم توبوا إليه ﴾ يعني من شرككم وعبادتكم غيره ومن سالف ذنوبكم ﴿ يرسل السماء عليكم مدراراً ﴾ يعني : ينزل المطر عليكم متتابعاً مرة بعد مرة في أوقات الحاجة إليه وذلك أن بلادهم كانت مخصبة كثيرة الخير والنعم فأمسك الله عنهم المطر مدة ثلاث سنين فأجدبت بلادهم وقحطت بسبب كفرهم فأخبرهم هود عليه السلام أنهم إن آمنوا بالله وصدقوه أرسل الله إليهم المطر فأحيا به بلادهم كما كانت أول مرة ﴿ ويزدكم قوة إلى قوتكم ﴾ يعني شدة مع شدتكم، وقيل : معناه أنكم إن آمنتم يقوِّكم بالأموال والأولاد وذلك أنه سبحانه وتعالى أعقم أرحام نسائهم فلم تلد فقال لهم هود عليه السلام إن آمنتم أرسل الله المطر فتزدادون مالاً ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت عليه فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد وقيل : تزدادون قوة في الدين إلى قوة الأبدان ﴿ ولا تتولوا مجرمين ﴾ يعني ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي حال كونكم مشركين.
﴿ قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ﴾ أي ببرهان وحجة واضحة على صحة ما تقول ﴿ وما نحن بتاركي ألهتنا عن قولك ﴾ يعني وما نترك عبادة آلهتنا لأجل قولك ﴿ وما نحن لك بمؤمنين ﴾ يعني بمصدقين.
﴿ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ﴾ يعني إنك يا هود لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بخبل وجنون لأنك سببتهم فانتقموا منك بذلك ولا نحمل أمرك إلا على هذا ﴿ قال ﴾ يعني قال هود مجيباً لهم ﴿ إني أشهد الله ﴾ يعني على نفس واشهدوا يعني واشهدوا أنتم أيضاً علي :﴿ أني بريء مما تشركون من دونه ﴾ يعني هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها.
﴿ فكيدوني جميعاً ﴾ يعني احتالوا في كيدي وضري أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضر ولا تنفع ﴿ ثم لا تنظرون ﴾ يعني ثم لا تمهلون وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام وذلك أنه كان وحيداً في قومه فما قال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت إلا لثقته بالله عز وجل وتوكله عليه وهو قوله تعالى :﴿ إني توكلت على الله ربي وربكم ﴾.
﴿ إني توكلت على الله ربي وربكم ﴾ يعني أنه فوض مره إلى الله واعتمد عليه ﴿ ما من دابة ﴾ يعني تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان لأنهم يدبون على الأرض ﴿ إلا هو آخذ بناصيتها ﴾ يعني أنه تعالى هو مالكها والقادر عليها وهو يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، والناصية مقدم الرأس وسمي الشعر الذي عليه ناصية للمجاورة قيل : إنما خصَّ الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك كثيراً في كلامهم فإذا وصفوا إنساناً بالذلة مع غيره يقولون ناصية فلان بيد فلان وكانوا إذا أسروا أسيراً وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليمنوا عليه ويعتدوا بذلك فخراً عليه فخاطبهم الله سبحانه وتعالى بما يعرفون من كلامهم ﴿ إن ربي على صراط مستقيم ﴾ يعني إن ربي وإن كان قادراً وأنتم في قبضته كالعبد الذليل فإنه سبحانه وتعالى لا يظلمكم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف والعدل فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه، وقيل معناه أن دين ربي هو الصراط المستقيم وقيل فيه إضمار تقديره إن ربي يحملكم على صراط مستقيم.
مِنْ دَابَّةٍ يعني تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان لأنهم يدبون على الأرض إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها يعني أنه تعالى هو مالكها والقادر عليها وهو يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، والناصية:
مقدم الرأس وسمي الشعر الذي عليه ناصية للمجاورة قيل: إنما خصّ الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك كثيرا في كلامهم فإذا وصفوا إنسانا بالذلة مع غيره يقولون ناصية فلان بيد فلان وكانوا إذا أسروا أسيرا وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليمنوا عليه ويعتدوا بذلك فخرا عليه فخاطبهم الله سبحانه وتعالى بما يعرفون من كلامهم إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني إن ربي وإن كان قادرا وأنتم في قبضته كالعبد الذليل فإنه سبحانه وتعالى لا يظلمكم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف والعدل فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه، وقيل معناه أن دين ربي هو الصراط المستقيم وقيل فيه إضمار تقديره إن ربي يحملكم على صراط مستقيم.
[سورة هود (١١): الآيات ٥٧ الى ٥٩]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩)
فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني تتولوا بمعنى تعرضوا عن الإيمان بما أرسلت به إليكم فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ يعني أني لم يقع مني تقصير في تبليغ ما أرسلت به إليكم إنما التقصير منكم في قبول ذلك وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ يعني أنكم إن أعرضتم عن الإيمان وقبول ما أرسلت به إليكم يهلككم الله ويستبدل بكم قوما غيركم أطوع منكم يوحدونه ويعبدونه فيه إشارة إلى عذاب الاستئصال فهو وعيد وتهديد وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً يعني بتوليكم إنما تضرون أنفسكم بذلك وقيل لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يعني أنه سبحانه وتعالى حافظ لكل شيء فيحفظني من أن تنالوني بسوء.
قوله سبحانه وتعالى: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني بإهلاكهم وعذابهم نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وكانوا أربعة آلاف بِرَحْمَةٍ مِنَّا وذلك أن العذاب إذا نزل قد يعم المؤمن والكافر فلما أنجى الله المؤمنين من ذلك العذاب كان برحمته وفضله وكرمه وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ يعني الريح التي أهلكت بها عاد وذلك أن الله سبحانه وتعالى أرسل على عاد ريحا شديدة غليظة سبع ليال وثمانية أيام حسوما وهي الأيام النحسات فأهلكتهم جميعا وأنجى الله المؤمنين جميعا فلم تضرهم شيئا، وقيل: المراد بالعذاب الغليظ هو عذاب الآخرة وهذا هو الصحيح ليحصل الفرق بين العذابين والمعنى أنه تعالى كما أنجاهم من عذاب الدنيا كذلك ينجيهم من عذاب الآخرة ووصف عذاب الآخرة بكونه غليظا لأنه أعظم من عذاب الدنيا وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ لما فرغ من ذكر قصة عاد خاطب أمة محمد ﷺ فقال وتلك عاد رده إلى القبيلة وفيه إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال سيروا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا بها ثم وصف حالهم بقوله تعالى جحدوا بآيات ربهم يعني المعجزات التي أتى بها هود عليه السلام وعصوا رسله يعني هودا وحده إنما أتى به بلفظ الجمع إما للتعظيم أو لأن من كذب برسول فقد كذب كل الرسل وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يعني أن السفلة منهم اتبعوا الرؤساء والمراد من الجبار الرفيع في نفسه المتمرد على الله والعنيد المعاند الذي لا يقبل الحق ولا يتبعه.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ ولما جاء أمرنا ﴾ يعني بإهلاكهم وعذابهم ﴿ نجينا هوداً والذين آمنوا معه ﴾ وكانوا أربعة آلاف ﴿ برحمة منا ﴾ وذلك أن العذاب إذا نزل قد يعم المؤمن والكفار فلما أنجى الله المؤمنين من ذلك العذاب كان برحمته وفضله وكرمه ﴿ ونجيناهم من عذاب غليظ ﴾ يعني الريح التي أهلكت بها عاد وذلك أن الله سبحانه وتعالى أرسل على عاد ريحاً شديدة غليظة سبع ليلا وثمانية أيام حسوماً وهي الأيام النحسات فأهلكتهم جميعاً وأنجى الله المؤمنين جميعاً فلم تضرهم شيئاً، وقيل : المراد بالعذاب الغليظ هو عذاب الآخرة وهذا هو الصحيح ليحصل الفرق بين العذابين والمعنى أنه تعالى كما أنجاهم من عذاب الدنيا كذلك ينجيهم من عذاب الآخرة ووصف عذاب الآخرة بكونه غليظاً لأنه أعظم من عذاب الدنيا.
﴿ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ﴾ لما فرغ من ذكر قصة عاد خاطب أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال وتلك عاد رده إلى القبيلة وفيه إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال سيروا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا بها ثم وصف حالهم بقوله تعالى جحدوا بآيات ربهم يعني المعجزات التي أتى بها هود عليه السلام وعصوا رسله يعني هوداً وحده إنما أتى به بلفظ الجمع إما للتعظيم أو لأن من كذب برسول فقد كذب كل الرسل ﴿ واتبعوا أمر كل جبار عنيد ﴾ يعني أن السفلة منهم اتبعوا الرؤساء والمراد من الجبار الرفيع في نفسه المتمرد على الله والعنيد المعاند الذي لا يقبل الحق ولا يتبعه.

[سورة هود (١١): الآيات ٦٠ الى ٦٣]

وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً يعني أردفوا لعنة تتبعهم وتلحقهم وتنصرف معهم واللعنة الطرد والإبعاد من رحمة الله وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يعني وفي يوم القيامة أيضا تتبعهم اللعنة كما تتبعهم في الدنيا، ثم ذكر سبحانه وتعالى السبب الذي استحقوا به هذه اللعنة فقال سبحانه وتعالى: أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أي كفروا بربهم أَلا بُعْداً لِعادٍ يعني هلاكا لهم وقيل بعدا عن الرحمة.
فإن قلت: اللعنة معناها الإبعاد والهلاك فما الفائدة في قوله ألا بعدا لعاد لأن الثاني هو الأول بعينه.
قلت: الفائدة فيه أن التكرار بعبارتين مختلفتين يدل على نهاية التأكيد وأنهم كانوا مستحقين له قَوْمِ هُودٍ عطف بيان لعاد.
فإن قلت: هذا البيان حاصل مفهوم فما الفائدة في قوله قوم هود؟
قلت: إن عادا كانوا قبيلتين عاد الأولى القديمة التي هم قوم هود وعاد الثانية وهم إرم ذات العماد وهم العماليق فأتى بقوله قوم هود ليزول الاشتباه وجواب آخر وهو أن المبالغة في التنصيص تدل على تقوية التأكيد.
قوله عز وجل: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً يعني وأرسلنا إلى ثمود وهم سكان الحجر أخاهم صالحا يعني في النسب لا في الدين قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وحدوا الله وخصوه بالعبادة ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام ثم ذكر سبحانه وتعالى الدلائل الدالة على وحدانيته وكمال قدرته فقال تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني أنه هو ابتدأ خلقكم من الأرض وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها يعني وجعلكم عمارها وسكانها، وقال الضحاك: أطال أعماركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذلك كان قوم عاد وقال مجاهد: أعمركم من العمرى أي جعلها لكم ما عشتم فَاسْتَغْفِرُوهُ يعني: من ذنوبكم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يعني من الشرك إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ يعني من المؤمنين مُجِيبٌ لدعائهم قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا يعني: قبل هذا القول الذي جئت به والمعنى إنا كنا نرجو أن تكون فينا سيدا لأنه كان من قبيلتهم وكان يعين ضعيفهم ويغني فقيرهم، وقيل: معناه أنا كنا نطمع أن تعود إلى ديننا فلما أظهر دعاءهم إلى الله وعاب الأصنام انقطع رجاؤهم منه أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا يعني الآلهة وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ يعني من عبادة الله مُرِيبٍ يعني انا مرتابون في قولك من أرابه إذا أوقعه في الريبة وهي قلق النفس ووقوعها في التهمة قالَ يعني قال صالح مجيبا لقومه يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني على يقين وبرهان وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً يعني نبوة وحكمة فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ أي فمن يمنعني من عذاب الله إِنْ عَصَيْتُهُ يعني إن خالفت أمره فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ قال ابن عباس معناه غير خسارة في خسارتكم وقال الحسن بن الفضل: لم يكن صالح في خسارة حتى يقول فما تزيدونني غير تخسير وإنما المعنى فما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إلى الخسارة.
قوله عز وجل :﴿ وإلى ثمود أخاهم صالحاً ﴾ يعني وأرسلنا إلى ثمود وهم سكان الحجر أخاهم صالحاً يعني في النسب لا في الدين ﴿ قال يا قوم اعبدوا الله ﴾ أي وحدوا الله وخصوه بالعبادة ﴿ ما لكم من إله غيره ﴾ يعني هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام ثم ذكر سبحانه وتعالى الدلائل الدالة على وحدانيته وكمال قدرته فقال تعالى :﴿ هو أنشأكم من الأرض ﴾ يعني أنه هو ابتدأ خلقكم من الأرض وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض ﴿ واستعمركم فيها ﴾ يعني وجعلكم عمارها وسكانها، وقال الضحاك : أطال أعماركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذلك كان قوم عاد وقال مجاهد : أعمركم من العمرى أي جعلها لكم ما عشتم ﴿ فاستغفروه ﴾ يعني : من ذنوبكم ﴿ ثم توبوا إليه ﴾ يعني من الشرك ﴿ إن ربي قريب ﴾ يعني من المؤمنين ﴿ مجيب ﴾ لدعائهم.
﴿ قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا ﴾ يعني : قبل هذا القول الذي جئت به والمعنى إنا كنا نرجو أن تكون فينا سيداً لأنه كان من قبيلتهم وكان يعين ضعيفهم ويغني فقيرهم، وقيل : معناه أنا كنا نطمع أن تعود إلى ديننا فلما أظهر دعاءهم إلى الله وعاب الأصنام انقطع رجاؤهم منه ﴿ أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ﴾ يعني الآلهة ﴿ وإننا لفي شك مما تدعونا إليه ﴾ يعني من عبادة الله ﴿ مريب ﴾ يعني انا مرتابون في قولك من أرابه إذا أوقعه في الريبة وهي قلق النفس ووقوعها في التهمة.
﴿ قال ﴾ يعني قال صالح مجيباً لقومه ﴿ يا قوم أرأيتم الله ﴾ أي فمن يمنعني من عذاب الله ﴿ إن عصيته ﴾ يعني إن خالفت أمره ﴿ فما تزيدونني غير تخسير ﴾ قال ابن عباس معناه غير خسارة في خسارتكم وقال الحسن بن الفضل : لم يكن صالح في خسارة حتى يقول فما تزيدونني غير تخسير وإنما المعنى فما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إلى الخسارة.

[سورة هود (١١): الآيات ٦٤ الى ٦٧]

وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧)
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً وذلك أن قومه طلبوا أن يخرج لهم ناقة من صخرة كانت هناك أشاروا إليها فدعا الله عز وجل فأخرج لهم من تلك الصخرة ناقة عشراء ثم ولدت فصيلا يشبهها وقوله ناقة الله إضافة تشريف كبيت الله وعبد الله فكانت هذه الناقة لهم آية ومعجزة دالة على صدق صالح عليه السلام فَذَرُوها تَأْكُلْ يعني من العشب والنبات فِي أَرْضِ اللَّهِ يعني فليس عليكم مؤنتها وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ يعني يعقر فَيَأْخُذَكُمْ يعني إن قتلتموها عَذابٌ قَرِيبٌ يعني في الدنيا فَعَقَرُوها يعني فخالفوا أمر ربهم فعقروها فَقالَ يعني فقال لهم صالح تَمَتَّعُوا يعني عيشوا فِي دارِكُمْ أي في بلدكم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يعني ثم تهلكون ذلِكَ يعني العذاب الذي أوعدهم به بعد ثلاثة أيام وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ أي هو غير كذب روى أنه قال لهم يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام فتصبحون في اليوم الأول ووجوهكم مصفرة وفي اليوم الثاني محمرة وفي اليوم الثالث مسودة فكان كما قال وأتاهم العذاب في اليوم الرابع وهو قوله سبحانه وتعالى: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني العذاب نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا أي بنعمة منا بأن هديناهم إلى الإيمان فآمنوا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ يعني ونجيناهم من عذاب يومئذ سمي خزيا لأن فيه خزي الكافرين إِنَّ رَبَّكَ الخطاب للنبي ﷺ يعني إن ربك يا محمد هُوَ الْقَوِيُّ يعني هو القادر على إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين الْعَزِيزُ يعني القاهر الذي لا يغلبه شيء ثم أخبر عن عذاب قوم صالح فقال سبحانه وتعالى: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني أنفسهم بالكفر الصَّيْحَةُ وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم صيحة واحدة فهلكوا جميعا وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم فماتوا جميعا فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ يعني صرعى هلكى.
[سورة هود (١١): الآيات ٦٨ الى ٧١]
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨) وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يعني كأن لم يقيموا في تلك الديار ولم يسكنوها مدة من الدهر يقال غنيت بالمكان إذا أتيته أقمت به أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ وهذه القصص قد تقدمت مستوفاة في تفسير سورة الأعراف.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى أراد بالرسل الملائكة واختلفوا في عددهم، فقال ابن عباس وعطاء: كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل، وقال الضحاك: كانوا تسعة وقال مقاتل كانوا اثني عشر ملكا، وقال محمد بن كعب القرظي: كان جبريل ومعه سبعة أملاك وقال السدي: كانوا أحد عشر ملكا على صور الغلمان الحسان الوجوه وقول ابن عباس: هو الأولى لأن أقل الجمع ثلاثة وقوله رسلنا جمع فيحمل على الأقل وما بعده غير مقطوع به بالبشرى يعني بالبشارة بإسحاق ويعقوب وقيل: بإهلاك قوم لوط قالُوا سَلاماً يعني أن الملائكة سلموا سلاما قالَ يعني لهم إبراهيم سَلامٌ أي عليكم أو أمركم سلام فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ يعني: مشويا والمحنوذ هو المشوي على الحجارة المحماة في حفرة من الأرض وهو من فعل أهل البادية وكان سمينا يسيل منه الودك قال قتادة: كان عامة مال إبراهيم عليه السلام البقر، وقيل: مكث إبراهيم عليه
492
السلام خمس عشرة ليلة لم يأته ضيف فاغتم لذلك وكان يحب الضيف ولا يأكل إلا معه فلما جاءت الملائكة رأى أضيافا لم ير مثلهم قط فعجل قراهم وجاءهم بعجل سمين مشوي فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ يعني أيدي الأضياف لا تَصِلُ إِلَيْهِ يعني إلى العجل المشوي نَكِرَهُمْ يعني أنكرهم وأنكر حالهم وإنما أنكر حالهم لامتناعهم من الطعام وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً يعني ووقع في قلبه خوف منهم والوجوس هو رعب القلب وإنما خاف إبراهيم ﷺ منهم لأنه كان ينزل ناحية من الناس فخاف أن ينزلوا به مكروها لامتناعهم من طعامه ولم يعرف أنهم ملائكة وقيل إن إبراهيم عرف أنهم ملائكة لما قدمه إليهم لمعلمه أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولأنه خافهم ولو عرف أنهم ملائكة وإنما خاف أن يكونوا نزلوا بعذاب قومه فخاف من ذلك والأقرب أن إبراهيم عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكة في أول الأمر ويدل على صحة هذا أنه عليه السلام قدم إليهم الطعام ولو عرف أنهم ملائكة لما خافهم فلما رأت الملائكة خوف إبراهيم عليه السلام قالُوا لا تَخَفْ يا إبراهيم إِنَّا ملائكة الله أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ يعني سارة زوجة إبراهيم وهي ابنة هاران بن ناحوراء وهي ابنة عم إبراهيم قائِمَةٌ يعني من وراء الستر تسمع كلامهم، وقيل: كانت قائمة في خدمة الرسل وإبراهيم جالس معهم فَضَحِكَتْ أصل الضحك انبساط الوجه من سرور يحصل للنفس ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضواحك ويستعمل في السرور المجرد وفي التعجب المجرد أيضا وللعلماء في تفسير هذا الضحك قولان أحدهما أنه الضحك المعروف وعليه أكثر المفسرين ثم اختلفوا في سبب هذا الضحك فقال السدي لما قرب إبراهيم الطعام إلى أضيافه فلم يأكلوا خاف إبراهيم منهم فقال ألا تأكلون فقالوا إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن قال فإن له ثمنا قالوا وما ثمنه قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة وقالت يا عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا، وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم، وقال مقاتل والكلبي: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة وهو فيما بين خدمه وحشمه وخواصه وقيل: ضحكت من زوال الخوف عنها وعن إبراهيم وذلك أنها خافت لخوفه فحين قالوا لا تخف ضحكت سرورا وقيل ضحكت سرورا بالبشارة، وقال ابن عباس ووهب: ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير تقديره فبشّرناها بإسحاق فضحكت يعني تعجبا من ذلك وقيل إنها قالت لإبراهيم اضمم إليك ابن أخيك لوطا فإن العذاب نازل بقومه فلما جاءت الرسل وبشّرت بعذابهم سرّت سارة بذلك وضحكت لموافقة ما ظنت.
القول الثاني: في معنى قوله فضحكت قال عكرمة ومجاهد أي حاضت في الوقت وأنكر بعض أهل اللغة ذلك، قال الراغب: وقول من قال حاضت ليس ذلك تفسيرا لقوله فضحكت كما تصوره بعض المفسرين فقال ضحكت بمعنى حاضت وإنما ذكر ذلك تنصيصا لحالها فإن جعل ذلك أمارة لما بشرت به بحيضها في الوقت لتعلم أن حملها ليس بمنكر لأن المرأة ما دامت تحيض فإنها تحمل وقال الفراء: ضحكت بمعنى حاضت لم نسمعه من ثقة، وقال الزجاج: ليس بشيء ضحكت بمعنى حاضت، وقال ابن الأنباري: قد أنكر الفراء وأبو عبيدة أن يكون ضحكت بمعنى حاضت وقد عرفه غيرهم وأنشد:
تضحك الضبع لقتلى هذيل وترى الذئب بها يستهل
قال: أراد أنها تحيض فرحا وقال الليث في هذه الآية فضحكت أي طمثت وحكى الأزهري عن بعضهم في قوله فضحكت أي حاضت قال: ويقال أصله من ضحاك الطلعة إذا انشقت، قال: وقال الأخطل فيه بمعنى الحيض:
493
﴿ فعقروها ﴾ يعني فخالفوا أمر ربهم فعقروها ﴿ فقال ﴾ يعني فقال لهم صالح ﴿ تمتعوا ﴾ يعني عيشوا ﴿ في داركم ﴾ أي في بلدكم ﴿ ثلاثة أيام ﴾ يعني ثم تهلكون ﴿ ذلك ﴾ يعني العذاب الذي أوعدهم به بعد ثلاثة أيام ﴿ وعد غير مكذوب ﴾ أي هو غير كذب روى أنه قال لهم يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام فتصبحون في اليوم الأول ووجوهكم مصفرة وفي اليوم الثاني محمرة وفي اليوم الثالث مسودة فكان كما قال وأتاهم العذاب في اليوم الرابع وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ فلما جاء أمرنا ﴾.
﴿ فلما جاء أمرنا ﴾ يعني العذاب ﴿ نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ﴾ أي بنعمة منا بأن هديناهم إلى الإيمان فآمنوا ﴿ ومن خزي يومئذ ﴾ يعني ونجيناهم من عذاب يومئذ سمي خزياً لأن فيه خزي الكافرين ﴿ إن ربك ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني إن ربك يا محمد ﴿ هو القوي ﴾ يعني هو القادر على إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين ﴿ العزيز ﴾ يعني القاهر الذي لا يغلبه شيء ثم أخبر عن عذاب قوم صالح.
فقال سبحانه وتعالى :﴿ وأخذ الذين ظلموا ﴾ يعني أنفسهم بالكفر ﴿ الصيحة ﴾ وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم صيحة واحدة فهلكوا جميعاً وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم فماتوا جميعاً ﴿ فأصبحوا في ديارهم جاثمين ﴾ يعني صرعى هلكى.
﴿ كأن لم يغنوا فيها ﴾ يعني كأن لم يقيموا في تلك الديار ولم يسكنوها مدة من الدهر يقال غنيت بالمكان إذا أتيته أقمت به ﴿ ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود ﴾ وهذه القصص قد تقدمت مستوفاة في تفسير سورة الأعراف.
قوله عز وجل :﴿ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ﴾ أراد بالرسل الملائكة واختلفوا في عددهم، فقال ابن عباس وعطاء : كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل، وقال الضحاك : كانوا تسعة وقال مقاتل كانوا اثني عشر ملكاً، وقال محمد بن كعب القرظي : كان جبريل ومعه سبعة أملاك وقال السدي : كانوا أحد عشر ملكاً على صور الغلمان الحسان الوجوه وقول ابن عباس : هو الأولى لأن أقل الجمع ثلاثة وقوله رسلنا جميع فيحمل على الأقل وما بعده غير مقطوع به بالبشرى يعني بالبشارة بإسحاق ويعقوب وقيل : بإهلاك قوم لوط ﴿ قالوا سلاماً ﴾ يعني أن الملائكة سلموا سلاماً ﴿ قال ﴾ يعني لهم إبراهيم ﴿ سلام ﴾ أي عليكم أو أمركم سلام ﴿ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ﴾ يعني : مشوياً والمحنوذ هو المشوي على الحجارة المحماة في حفرة من الأرض وهو من فعل أهل البادية وكان سميناً يسيل منه الودك قال قتادة : كان عامة مال إبراهيم عليه السلام البقر، وقيل : مكث إبراهيم عليه السلام خمس عشرة ليلة لم يأته ضيف فاغتم لذلك وكان يحب الضيف ولا يأكل إلا معه فلما جاءت الملائكة رأى أضيافاً لم ير مثلهم قط فعجل قراهم وجاءهم بعجل سمين مشوي.
﴿ فلما رأى أيديهم ﴾ يعني أيدي الأضياف ﴿ لا تصل إليه ﴾ يعني إلى العجل المشوي ﴿ نكرهم ﴾ يعني أنكرهم وأنكر حالهم وإنما أنكر حالهم لامتناعهم من الطعام ﴿ وأوجس منهم خيفة ﴾ يعني ووقع في قلبه خوف منهم والوجوس هو رعب القلب وإنما خاف إبراهيم صلى الله عليه وسلم منهم لأنه كان ينزل ناحية من الناس فخاف أن ينزلوا به مكروهاً لامتناعهم من طعامه ولم يعرف أنهم ملائكة وقيل إن إبراهيم عرف أنهم ملائكة لما قدمه إليهم لمعلمه أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولأنه خافهم ولو عرف أنهم ملائكة وإنما خاف أن يكونوا نزلوا بعذاب قومه فخاف من ذلك والأقرب أن إبراهيم عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكة في أول الأمر ويدل على صحة هذا أنه عليه السلام قدم إليهم الطعام ولو عرف أنهم ملائكة لما خافهم فلما رأت الملائكة خوف إبراهيم عليه السلام ﴿ قالوا لا تخف ﴾ يا إبراهيم ﴿ إنا ﴾ ملائكة الله ﴿ أرسلنا إلى قوم لوط ﴾.
﴿ وامرأته ﴾ يعني سارة زوجة إبراهيم وهي ابنة هاران بن ناحوراء وهي ابنة عم إبراهيم ﴿ قائمة ﴾ يعني من وراء الستر تسمع كلامهم، وقيل : كانت قائمة في خدمة الرسل وإبراهيم جالس معهم ﴿ فضحكت ﴾ أصل الضحك انبساط الوجه من سرور يحصل للنفس ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضواحك ويستعمل في السرور المجرد وفي التعجب المجرد أيضاً وللعلماء في تفسير هذا الضحك قولان أحدهما أنه الضحك المعروف وعليه أكثر المفسرين ثم اختلفوا في سبب هذا الضحك فقال السدي لما قرب إبراهيم الطعام إلى أضيافه فلم يأكلوا خاف إبراهيم منهم ثم اختلفوا في سبب هذا الضحك فقال السدي لما قرب إبراهيم الطعام إلى أضيافه فلم يأكلوا خاف إبراهيم فقال ألا تأكلون فقالوا إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن قال فإن له ثمناً قالوا وما ثمنه قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة وقال يا عجباً لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا، وقال قتادة : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم، وقال مقاتل والكلبي : ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة وهو فيما بين خدمه وحشمه وخواصه وقيل : ضحكت من زوال الخوف عنها وعن إبراهيم وذلك أنها خافت لخوفه فحين قالوا لا تخف ضحكت سروراً وقيل ضحكت سروراً بالبشارة، وقال ابن عباس ووهب : ضحكت تعجباً من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير تقديره فبشّرناها بإسحاق فضحكت يعني تعجباً من ذلك وقيل إنها قالت لإبراهيم أضمم إليك ابن أخيك لوطاً فإن العذاب نازل بقومه فلما جاءت الرسل وبشّرت بعذابهم سُّرت سارة بذلك وضحكت لموافقة ما ظنت.
القول الثاني : في معنى قوله فضحكت قال عكرمة ومجاهد أي حاضت في الوقت وأنكر بعض أهل اللغة ذلك، قال الراغب : وقول من قال حاضت ليس ذلك تفسيراً لقوله فضحكت كما تصوره بعض المفسرين فقال ضحكت بمعنى حاضت وإنما ذكر ذلك تنصيصاً لحالها فإن جعل ذلك أمارة لما بشرت به بحيضها في الوقت لتعلم أن حملها ليس بمنكر لأن المرأة ما دامت تحيض فإنها تحمل وقال الفراء : ضحكت بمعنى حاضت لم نسمعه من ثقة، وقال الزجاج : ليس بشيء ضحكت بمعنى حاضت، وقال ابن الأنباري : قد أنكر الفراء وأبو عبيدة أن يكون ضحكت بمعنى حاضت وقد عرفه غيرهم وأنشد :
تضحك الضبع لقتلى هذيل*** وترى الذئب بها يستهل
قال : أراد أنها تحيض فرحاً وقال الليث في هذه الآية فضحكت أي طمثت وحكى الأزهري عن بعضهم في قوله فضحكت أي حاضت قال : ويقال أصله من ضحاك الطلعة إذا انشقت، قال : وقال الأخطل فيه بمعنى الحيض :
تضحك الضبع من دماء سليم إذ رأتها على الحراب تمور
وقال في المحكم : ضحكت المرأة حاضت وبه فسر بعضهم قوله سبحانه وتعالى فضحكت فبشرناها بإسحاق وضحكت الأرنب ضحكاً يعني حاضت حيضاً قال :
وضحك الأرنب فوق الصفا كمثل دم الخوف يوم اللقا
يعني الحيض فيما زعم بعضهم وأجاب عن هذا من أنكر أن يكون الضحك بمعنى الحيض، قال : كان ابن دريد يقول من شاهد الضبع كند كشرها علم أنها تحيض وإنما أراد الشاعر تكشر لأكل اللحوم وهذا سهو منه لأنه جعل كشرها حيضاً، وقيل : معناه أنها تستبشر بالقتلى فتهز بعضها على بعض فجعل هزيزها ضحكا. وقيل : لأنها تسر بهم فجعل سرورها ضحكاً. فإن قلت أي القولين أصح في معنى الضحك قلت إن الله عز وجل حكى عنها أنها ضحكت وكلا القولين محتمل في معنى الضحك فالله أعلم أي ذلك كان وقوله سبحانه وتعالى :﴿ فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ يعني : ومن بعد إسحاق يعقوب وهو ولد الولد فبشرت سارة بأنها تعيش حتى ترى ولد ولدها فلما بشرت بالولد صكت وجهها أي ضربت وجهها وهو من صنيع النساء وعادتهن وإنما فعلت ذلك تعجباً.
تضحك الضبع من دماء سليم إذ رأتها على الحراب تمور
وقال في المحكم: ضحكت المرأة حاضت وبه فسر بعضهم قوله سبحانه وتعالى فضحكت فبشرناها بإسحاق وضحكت الأرنب ضحكا يعني حاضت حيضا قال:
وضحك الأرنب فوق الصفا كمثل دم الخوف يوم اللقا
يعني الحيض فيما زعم بعضهم وأجاب عن هذا من أنكر أن يكون الضحك بمعنى الحيض، قال: كان ابن دريد يقول من شاهد الضبع عند كشرها علم أنها تحيض وإنما أراد الشاعر تكشر الأكل اللحوم وهذا سهو منه لأنه جعل كشرها حيضا، وقيل: معناه أنها تستبشر بالقتلى فتهز بعضها على بعض فجعل هزيزها ضحكا، وقيل: لأنها تسر بهم فجعل سرورها ضحكا.
فإن قلت أي القولين أصح في معنى الضحك قلت إن الله عز وجل حكى عنها أنها ضحكت وكلا القولين محتمل في معنى الضحك فالله أعلم أي ذلك كان وقوله سبحانه وتعالى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ يعني: ومن بعد إسحاق يعقوب وهو ولد الولد فبشرت سارة بأنها تعيش حتى ترى ولد ولدها فلما بشرت بالولد صكت وجهها أي ضربت وجهها وهو من صنيع النساء وعادتهن وإنما فعلت ذلك تعجبا.
[سورة هود (١١): الآيات ٧٢ الى ٧٣]
قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣)
قالَتْ يا وَيْلَتى نداء ندبة وأصلها يا ويلتاه وهي كلمة يستعملها الإنسان عند رؤية ما يتعجب منه مثل يا عجباه أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وكانت بنت تسعين سنة في قول ابن إسحاق، وقال مجاهد: كانت بنت تسع وتسعين سنة وَهذا بَعْلِي يعني زوجي والبعل هو المستعلي على غيره ولما كان زوج المرأة مستعليا عليها قائما بأمرها سمي بعلا لذلك شَيْخاً وكان سن إبراهيم يومئذ مائة وعشرين سنة في قول محمد بن إسحاق وقال مجاهد مائة سنة وكان بين الولادة والبشارة سنة إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ لم تنكر قدرة الله سبحانه وتعالى وإنما تعجبت من كون الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يولد لهما قالُوا يعني قالت الملائكة لسارة أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ معناه لا تعجبي من ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء فإذا أراد شيئا كان سريعا رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ يعني: بيت إبراهيم عليه السلام وهذا على معنى الدعاء من الملائكة لهم بالخير والبركة وفيه دليل على أن أزواج الرجل من أهل بيته إِنَّهُ حَمِيدٌ يعني: هو المحمود الذي يحمد على أفعاله كلها وهو المستحق لأن يحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء فهو محمود على كل حال مَجِيدٌ ومعناه المنيع الذي لا يرام، وقال الخطابي: المجيد الواسع الكرم، وأصل المجد في كلامهم: السعة يقال رجل ماجد إذا كان سخيا كريما واسع العطاء وقيل الماجد هو ذو الشرف والكرم قوله سبحانه وتعالى:
[سورة هود (١١): الآيات ٧٤ الى ٧٧]
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ يعني: الفزع والخوف الذي حصل له عند امتناع الملائكة من الأكل وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يعني زال عنه الخوف بسبب البشرى التي جاءته وهي البشارة بالولد يُجادِلُنا فيه إضمار
﴿ قالوا ﴾ يعني قالت الملائكة لسارة ﴿ أتعجبين من أمر الله ﴾ معناه لا تعجبي من ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء فإذا أراد شيئاً كان سريعاً ﴿ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ﴾ يعني : بيت إبراهيم عليه السلام وهذا على معنى الدعاء من الملائكة لهم بالخير والبركة فيه دليل على أن أزواج الرجل من أهل بيته ﴿ إنه حميد ﴾ يعني : هو المحمود الذي يحمد على أفعاله كلها وهو المستحق لأن يحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء فهو محمود على كل حال ﴿ مجيد ﴾ ومعناه المنيع الذي لا يرام، وقال الخطابي : المجيد الواسع الكرم، وأصل المجد في كلامهم : السعة يقال رجل ماجد إذا كان سخياً كريماً واسع العطاء وقيل الماجد هو ذو الشرف والكرم.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ فلما ذهب عن إبراهيم الروع ﴾ يعني : الفزع والخوف الذي حصل له عند امتناع الملائكة من الأكل ﴿ وجاءته البشرى ﴾ يعني زال عنه الخوف بسبب البشرى التي جاءته وهي البشارة بالولد ﴿ يجادلنا ﴾ فيه إضمار تقديره أخذ يجادلنا أو جعل يجادلنا ويخاصمنا وقيل معناه يكلمنا ويسألنا ﴿ في قوم لوط ﴾ لأن العبد لا يقدر أن يخاصم ربه وقال جمهور المفسرين : معناه يجادل رسلنا في قوم لوط وكانت مجادلة إبراهيم مع الملائكة أن قال لهم أرأيتم لو كان في مدائن قوم لوط خمسون رجلاً من المؤمنين أتهلكونها قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا قال فما زال كذلك حتى بلغ خمسة قالوا لا قال أرأيتم لو كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها قالوا لا قال إبراهيم فإن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وقيل إنما طلب إبراهيم تأخير العذاب عنهم لعلهم يؤمنون أو يرجعون عما هم فيه من الكفر والمعاصي، قال ابن جريج : كان في قرى قوم لوط أربعة آلاف مقاتل.
﴿ إن إبراهيم لحليم أوَّاه منيب ﴾ تقدم تفسيره في سورة التوبة فعند ذلك قالت الملائكة لإبراهيم.
﴿ يا إبراهيم أعرض عن هذا ﴾ يعني أعرض عن هذا المقال واترك هذا الجدال ﴿ إنه قد جاء أمر ربك ﴾ يعني : إن ربك قد حكم بعذابهم فهو نازل بهم وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ﴾ يعني أن العذاب الذي نزل بهم غير مصروف ولا مدفوع عنهم.
وقوله عز وجل :﴿ ولما جاءت رسلنا لوطاً ﴾ يعني : هؤلاء الملائكة الذين كانوا عند إبراهيم وكانوا على صورة غلمان مرد حسان الوجوه ﴿ سيء بهم ﴾ يعني أحزن لوط بمجيئهم إليه وساء ظنه بقومه ﴿ وضاق بهم ذرعاً ﴾ قال الأزهري : الذي يوضع موضع الطاقة والأصل فيه أن البعير يذرع بيديه في سيره ذرعاً على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طوقه ضاق ذرعه من ذلك وضعف ومد عنقه فجعل ضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع والطاقة والمعنى وضاق بهم ذرعاً إذا لم يجد من المكروه في ذلك الأمر مخلصاً، وقال غيره : معناه ضاق بهم قلباً وصدراً ولا يعرف أصله إلا أن يقال إن الذرع كناية عن الوسع، والعرب تقول : ليس هذا في يدي يعنون ليس هذا في وسعي لأن الذراع من اليد ويقال ضاق فلان ذرعاً بكذا إذا وقع في مكروه ولا يطيق الخروج منه وذلك أن لوطاً عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه وخاف أن يقصدوهم بمكروه أو فاحشة وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم ﴿ وقال ﴾ يعني لوطاً ﴿ هذا يوم عصيب ﴾ أي : شديد كأنه قد عصب به الشر والبلاء أي شد به مأخوذ من العصابة التي تشد به الرأس، قال قتادة والسدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فأتوا لوطاً نصف النهار وهو يعمل في أرض له وقيل أنه كان يحتطب وقد قال الله سبحانه وتعالى للملائكة لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات فاستضافوه فانطلق بهم فلما مشى ساعة قال لهم أما بلغكم أمر هذه القرية قالوا وما أمرهم قال أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملاً يقول ذلك أربع مرات فمضوا معه حتى دخلوا منزله وقيل : إنه لما حمل الحطب ومعه الملائكة مر على جماعة من قومه فتغامزوا فيما بينهم فقال لوط إن قومي شر خلق الله تعالى، فقال جبريل : هذه واحدة فمر على جماعة أخرى فتغامزوا فقال مثله ثم مر على جماعة أخرى ففعلوا ذلك وقال لوط مثل ما قال أولاً حتى قال ذلك أربع مرات وكلما قال لوط هذا القول قال جبريل للملائكة اشهدوا وقيل إن الملائكة جاءوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره فدخلوا عليه ولم يعلم أحد بمجيئهم إلا أهل بيت لوط فخرجت امرأته الخبيثة فأخبرت قومها وقالت : إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قط ولا أحسن منهم.
تقديره أخذ يجادلنا أو جعل يجادلنا ويخاصمنا وقيل معناه يكلمنا ويسألنا فِي قَوْمِ لُوطٍ لأن العبد لا يقدر أن يخاصم ربه وقال جمهور المفسرين: معناه يجادل رسلنا في قوم لوط وكانت مجادلة إبراهيم مع الملائكة أن قال لهم أرأيتم لو كان في مدائن قوم لوط خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا قال فما زال كذلك حتى بلغ خمسة قالوا لا قال أرأيتم لو كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها قالوا لا قال إبراهيم فإن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وقيل إنما طلب إبراهيم تأخير العذاب عنهم لعلهم يؤمنون أو يرجعون عما هم فيه من الكفر والمعاصي، قال ابن جريج:
كان في قرى قوم لوط أربعة آلاف مقاتل إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ تقدم تفسيره في سورة التوبة فعند ذلك قالت الملائكة لإبراهيم يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا يعني أعرض عن هذا المقال واترك هذا الجدال إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني: إن ربك قد حكم بعذابهم فهو نازل بهم وهو قوله سبحانه وتعالى: وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ يعني أن العذاب الذي نزل بهم غير مصروف ولا مدفوع عنهم.
وقوله عز وجل: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً يعني: هؤلاء الملائكة الذين كانوا عند إبراهيم وكانوا على صورة غلمان مرد حسان الوجوه سِيءَ بِهِمْ يعني أحزن لوط بمجيئهم إليه وساء ظنه بقومه وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً قال الأزهري: الذي يوضع موضع الطاقة والأصل فيه أن البعير يذرع بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طوقه ضاق ذرعه من ذلك وضعف ومد عنقه فجعل ضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع والطاقة والمعنى وضاق بهم ذرعا إذا لم يجد من المكروه في ذلك الأمر مخلصا، وقال غيره: معناه ضاق بهم قلبا وصدرا ولا يعرف أصله إلا أن يقال إن الذرع كناية عن الوسع، والعرب تقول: ليس هذا في يدي يعنون ليس هذا في وسعي لأن الذراع من اليد ويقال ضاق فلان ذرعا بكذا إذا وقع في مكروه ولا يطيق الخروج منه وذلك أن لوطا عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه وخاف أن يقصدوهم بمكروه أو فاحشة وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم وَقالَ يعني لوطا هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي: شديد كأنه قد عصب به الشر والبلاء أي شد به مأخوذ من العصابة التي تشد بها الرأس، قال قتادة والسدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فأتوا لوطا نصف النهار وهو يعمل في أرض له وقيل أنه كان يحتطب وقد قال الله سبحانه وتعالى للملائكة لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات فاستضافوه فانطلق بهم فلما مشى ساعة قال لهم أما بلغكم أمر هذه القرية قالوا وما أمرهم قال أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملا يقول ذلك أربع مرات فمضوا معه حتى دخلوا منزله وقيل: إنه لما حمل الحطب ومعه الملائكة مر على جماعة من قومه فتغامزوا فيما بينهم فقال لوط إن قومي شر خلق الله تعالى، فقال جبريل: هذه واحدة فمر على جماعة أخرى فتغامزوا فقال مثله ثم مر على جماعة أخرى ففعلوا ذلك وقال لوط مثل ما قال أولا حتى قال ذلك أربع مرات وكلما قال لوط هذا القول قال جبريل للملائكة اشهدوا وقيل إن الملائكة جاءوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره فدخلوا عليه ولم يعلم أحد بمجيئهم إلا أهل بيت لوط فخرجت امرأته الخبيثة فأخبرت قومها وقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط ولا أحسن منهم.
[سورة هود (١١): الآيات ٧٨ الى ٨٠]
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ قال ابن عباس وقتادة يسرعون إليه وقال مجاهد يهرولون، وقال الحسن:
495
الإهراع هو مشي بين مشيين وقال شمر هو بين الهرولة والخبب والجمز وَمِنْ قَبْلُ يعنى ومن قبل مجيء الرسل إليهم قيل ومن قبل مجيئهم إلى لوط كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعني الفعلات الخبيثة والفاحشة القبيحة وهي إتيان الرجال في أدبارهم قالَ يعني: قال لوط لقومه حين قصدوا أضيافه وظنوا أنهم غلمان من بني آدم يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي يعني أزوجكم إياهن وقى أضيافه ببناته قيل إنه كان في ذلك الوقت وفي تلك الشريعة تزويج المرأة المسلمة بالكافر، وقال الحسن بن الفضل: عرض بناته عليهم بشرط الإسلام، وقال مجاهد وسعيد بن جبير: أراد ببناته نساء قومه وأضافهن إلى نفسه لأن كل نبي أبو أمته وهو كالوالد لهم وهذا القول هو الصحيح وأشبه بالصواب إن شاء الله تعالى والدليل عليه أن بنات لوط كانتا إثنتين وليستا بكافيتين للجماعة وليس من المروءة أن يعرض الرجل بناته على أعدائه ليزوجهن إياهم فكيف يليق ذلك بمنصب الأنبياء أن يعرضوا بناتهم على الكفار وقيل إنما قال ذلك لوط على سبيل الدفع لقومه لا على سبيل التحقيق وفي قوله هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ سؤال وهو أن يقال أن قوله هن أطهر لكم من باب أفعل التفضيل فيقتضي أن يكون الذي يطلبونه من الرجال طاهرا ومعلوم أنه محرم فاسد نجس لا طهارة فيه البتة فكيف قال هن أطهر لكم والجواب عن هذا السؤال إن هذا جار مجرى قوله ذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ومعلوم أن شجرة الزقوم لا خير فيها وكقوله ﷺ لما قال يوم أحد اعل هبل قال الله أعلى وأجل إذ لا مماثلة بين الله عز وجل والصنم وإنما هو كلام خرج مخرج المقابلة ولهذا نظائر كثيرة.
وقوله فَاتَّقُوا اللَّهَ يعني خافوه وراقبوه واتركوا ما أنتم عليه من الكفر والعصيان وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي يعني ولا تسوءني في أضيافي ولا تفضحوني معهم أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ أي صالح سديد عاقل، وقال عكرمة: رجل يقول لا إله إلا الله، وقال محمد بن إسحاق: رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى ينهى عن هذا الفعل القبيح قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ يعني ليس لنا بهن حاجة ولا لنا فيهن شهوة وقيل معناه ليست بناتك لنا بأزواج ولا مستحقين نكاحهن وقيل معناه مالنا في بناتك من حاجة لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان ولا نريد ذلك وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ يعني من إتيان الرجال في أدبارهم فعند ذلك قالَ لوط عليه السلام لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أي لو أني أقدر أن أتقوى عليكم أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ يعني أو أنضم إلى عشيرة يمنعوني منكم، وجواب لو محذوف تقديره لو وجدت قوة لقاتلتكم أو لوجدت عشيرة لانضممت إليهم قال أبو هريرة: ما بعث الله نبيا بعده إلا في منعة من عشيرته (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته» قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله: المراد بالركن الشديد هو الله عز وجل فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها ومعنى الحديث أن لوطا عليه السلام لما خاف على أضيافه ولم تكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه واشتد خزنه عليهم فغلب ذلك عليه فقال في تلك الحال لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي أو آوي إلى عشيرة تمنع لمنعتكم وقصد لوط إظهار العذر عند أضيافه وأنه لو استطاع لدفع المكروه عنهم ومعنى باقي الحديث فيما يتعلق بيوسف عليه السلام يأتي في موضعه من سورة يوسف إن شاء الله تعالى، قال ابن عباس وأهل التفسير: أغلق لوط بابه والملائكة معه في الدار وجعل يناظر قومه ويناشدهم من وراء الباب وقومه يعالجون سور الدار فلما رأت الملائكة ما لقي لوط بسببهم.
496
﴿ قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ﴾ يعني ليس لنا بهن حاجة ولا لنا فيهن شهوة وقيل معناه ليست بناتك لنا بأزواج ولا مستحقين نكاحهن وقيل معناه مالنا في بناتك من حاجة لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان ولا نريد ذلك ﴿ وإنك لتعلم ما نريد ﴾ يعني من إتيان الرجال في أدبارهم فعند ذلك.
﴿ قال ﴾ لوط عليه السلام ﴿ لو أن لي بكم قوة ﴾ أي لو أني أقدر أن أتقوى عليكم ﴿ أو آوي إلى ركن شديد ﴾ يعني أو أنضم إلى عشيرة يمنعوني منكم، وجواب لو محذوف تقديره لو وجدت قوة لقاتلتكم أو لوجدت عشرة لانضممت إليهم قال أبو هريرة : ما بعث الله نبياً بعده إلا في منعة من عشيرته ( ق ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته » قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله : المراد بالركن الشديد هو الله عز وجل فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها ومعنى الحديث أن لوطاً عليه السلام لما خاف على أضيافه ولم تكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه واشتد خزنه عليهم فغلب ذلك عليه فقال في تلك الحال لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي أو آوي إلى عشيرة تمنع لمنعتكم وقصد لوط إظهار العذر عند أضيافه وأنه لو استطاع لدفع المكروه عنهم ومعنى باقي الحديث فيما يتعلق بيوسف عليه السلام يأتي في موضعه من سورة يوسف إن شاء الله تعالى، قال ابن عباس وأهل التفسير : أغلق لوط بابه والملائكة معه في الدار وجعل يناظر قومه ويناشدهم من وراء الباب وقومه يعالجون سور الدار فلما رأت الملائكة ما لقي لوط بسببهم.

[سورة هود (١١): الآيات ٨١ الى ٨٢]

قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢)
قالُوا يا لُوطُ ركنك شديد إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ يعني بمكروه فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام ربه عز وجل في عقوبتهم فأذن له فتحول إلى صورته التي يكون فيها ونشر جناحيه وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا أجلى الجبين ورأسه حبك مثل المرجان كأنه كالثلج بياضا وقدماه إلى الخضرة فضرب بجناحيه وجوههم فطمس أعينهم وأعمالهم فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم فانصرفوا وهم يقولون النجاء النجاء في بيت لوط أسحر قوم في الأرض قد سحرونا وجعلوا يقولون يا لوط كما أنت حتى تصبح وسترى ما تلقى منا غدا يوعدونه بذلك فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يعني ببيتك بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قال ابن عباس: بطائفة من الليل، وقال الضحاك: لبقية من الليل، وقال قتادة: بعد مضي أوله وقيل أنه السحر الأول وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يعني ولا يلتفت منكم أحد إلى ورائه ولا ينظر إلى خلفه إِلَّا امْرَأَتَكَ فإنها من الملتفتات فتهلك مع من هلك من قومها وهو قوله سبحانه وتعالى: إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ فقال لوط: متى يكون هذا العذاب قالوا إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ قال لوط إنه بعيد أريد أسرع من ذلك فقالوا له أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فلما خرج لوط من قريته أخذ أهله معه وأمرهم ألا يلتفت منهم أحد فقبلوا منه إلا امرأته فإنها لما سمعت هذه العذاب وهو نازل بهم التفتت وصاحت وا قوماه فأخذتها حجارة فأهلكتها معهم فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني أمرنا بالعذاب جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط وهي خمس مدائن أكبرها سدوم وهي المؤتفكات المذكورة في سورة براءة ويقال كان فيها أربعمائة ألف وقيل أربعة آلاف ألف فرفع جبريل المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب لم يكفأ لهم إناء ولم ينتبه لهم نائم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها يعني على شذاذها ومن كان خارجا عنها من مسافريها وقيل بعد ما قلبها أمطر عليهم حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ قال ابن عباس وسعيد بن جبير: معناه سنك كل فارسي معرب لأن العرب تكلمت بشيء من الفارسي صارت لغة للعرب ولا يضاف إلى الفارسي مثل قوله سندس وإستبرق ونحو ذلك فكل هذه ألفاظ فارسية تكلمت بها العرب واستعملتها في ألفاظهم فصارت عربية، قال قتادة وعكرمة: السجيل الطين دليله قوله في موضع آخر حجارة من طين. وقال مجاهد: أولها حجر وآخرها طين، وقال الحسن: أصل الحجارة طين فشدت، وقال الضحاك: يعني الآجر وقيل: السجيل اسم سماء الدنيا، وقيل:
هو جبل في سماء الدنيا مَنْضُودٍ قال ابن عباس: متتابع يتبع بعضها بعضا مفعول من النضد وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض.
[سورة هود (١١): الآيات ٨٣ الى ٨٥]
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ صفة للحجارة يعني معلمة قال ابن جريج: عليها سيما لا تشاكل حجارة الأرض، وقال قتادة وعكرمة: عليها خطوط حمر على هيئة الجزع وقال الحسن والسدي: كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم، وقيل: كان مكتوبا عليها أي على كل حجر اسم صاحبه الذي يرمى به وَما هِيَ يعني تلك الحجارة مِنَ الظَّالِمِينَ يعني مشركي مكة بِبَعِيدٍ قال قتادة وعكرمة: يعني ظالمي هذه الآمة والله ما أجار الله منها ظالما بعد وفي بعض الآثار ما من ظالم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة، وقيل: إن الحجارة
497
اتبعت شذاذ قوم لوط حتى إن واحدا منهم دخل الحرم فوجد الحجر معلقا في السماء أربعين يوما حتى خرج ذلك الرجل من الحرم فسقط عليه الحجر فأهلكه.
قوله عز وجل: وَإِلى مَدْيَنَ يعني وأرسلنا إلى مدين أَخاهُمْ شُعَيْباً مدين اسم لابن إبراهيم الخليل عليه السلام ثم صار اسما للقبيلة من أولاده وقيل هو اسم مدينة بناها مدين بن إبراهيم فعلى هذا يكون التقدير وأرسلنا إلى أهل مدين فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني وحّدوا الله ولا تعبدوا معه غيره كانت عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبدءون بالأهم فالأهم ولما كانت الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء قال شعيب اعبدوا الله مالكم من إله غيره ثم بعد الدعوة إلى التوحيد شرع فيما هم فيه ولما كان المعتاد من أهل مدين البخس في الكيل والوزن دعاهم إلى ترك هذه العادة القبيحة وهي تطفيف الكيل والوزن فقال وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ النقص في الكيل والوزن على وجهين أحدهما: أن يكون الاستنقاص من قبلهم فيكيلون ويزنون للغير ناقصا، والوجه الآخر: هو استيفاء الكيل والوزن لأنفسهم زائدا عن حقهم فيكون نقصا في مال الغير وكلا الوجهين مذموم فلهذا نهاهم شعيب عن ذلك بقوله ولا تنقصوا المكيال والميزان إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ قال ابن عباس: كانوا موسرين في نعمة وقال مجاهد: كانوا في خصب وسعة فحذرهم زوال تلك النعمة وغلاء السعر وحصول النقمة إن لم يتوبوا ولم يؤمنوا وهو قوله: وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ يعني: يحيط بكم فيهلككم جميعا وهو عذاب الاستئصال في الدنيا أو حذرهم عذاب الآخرة ومنه قوله سبحانه وتعالى وإن جهنم لمحيطة بالكافرين وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ أي أتموهما ولا تطففوا فيهما بِالْقِسْطِ أي بالعدل، وقيل: بتقويم لسان الميزان وتعديل المكيال وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أي: ولا تنقصوا الناس أَشْياءَهُمْ يعني أموالهم فإن قلت قد وقع التكرار في هذه القصة من ثلاثة أوجه لأنه قال ولا تنقصوا المكيال والميزان، ثم قال: أوفوا المكيال والميزان وهذا عين الأول ثم قال ولا تبخسوا الناس أشياءهم وهذا عين ما تقدم فما الفائدة في هذا التكرار.
قلت: إن القوم لما كانوا مصرين على ذلك العمل القبيح وهو تطفيف الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم احتيج في المنع منه إلى المبالغة في التأكيد والتكرير يفيد شدة الاهتمام والعناية بالتأكيد فلهذا كرر ذلك ليقوى الزجر والمنع من ذلك الفعل ولأن قوله ولا تنقصوا المكيال والميزان نهى عن التنقيص وقوله أوفوا المكيال والميزان أمر بإيفاء العدل وهذا غير الأول ومغاير له ولقائل أن يقول النهي ضد الأمر فالتكرار لازم على هذا الوجه قلنا الجواب عن هذا قد يجوز أن ينهى عن التنقيص ولا يأمر بإيفاء الكيل والوزن فلهذا جمع بينهما فهو كقولك صل رحمك ولا تقطعها فتريد المبالغة في الأمر والنهي وأما قوله ثانيا ولا تبخسوا الناس أشياءهم فليس بتكرير أيضا لأنه سبحانه وتعالى لما خصص النهي عن التنقيص والأمر بإيفاء الحق في الكيل والوزن عمم الحكم في جميع الأشياء التي يجب إيفاء الحق فيها فيدخل فيه الكيل والوزن والزرع وغير ذلك فظهر بهذا البيان فائدة التكرار والله أعلم؟ وقوله سبحانه وتعالى: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ يعني بتنقيص الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم.
498
﴿ فلما جاء أمرنا ﴾ يعني أمرنا بالعذاب ﴿ جعلنا عاليها سافلها ﴾ وذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط وهي خمس مدائن أكبرها سدوم وهي المؤتفكات المذكورة في سورة براءة ويقال كان فيها أربعمائة ألف وقيل أربعة آلاف ألف فرفع جبريل المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب لم يكفأ لهم إناء ولم ينتبه لهم نائم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها ﴿ وأمطرنا عليها ﴾ يعني على شذاذها ومن كان خارجاً عنها من مسافريها وقيل بعد ما قلبها أمطر عليهم ﴿ حجارة من سجيل ﴾ قال ابن عباس وسعيد بن جبير : معناه شنك كل فارسي معرب لأن العرب تكلمت بشيء من الفارسي صارت لغة للعرب ولا يضاف إلى الفارسي مثل قوله سندس وإستبرق ونحو ذلك فكل هذه ألفاظ فارسية تكلمت بها العرب واستعملتها في ألفاظهم فصارت عربية، قال قتادة وعكرمة : السجيل الطين دليله قوله في موضع آخر حجارة من طين. وقال مجاهد : أولها حجر وآخرها طين، وقال الحسن : أصل الحجارة طين فشدت، وقال الضحاك : يعني الآجر وقيل : السجيل اسم سماء الدنيا، وقيل : هو جبل في سماء الدنيا ﴿ منضود ﴾ قال ابن عباس : متتابع يتبع بعضها بعضاً مفعول من النضد وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض.
﴿ مسومة عند ربك ﴾ صفة للحجارة يعني معلمة قال ابن جريج : عليها سيما لا تشاكل حجارة الأرض، وقال قتادة وعكرمة : عليها خطوط حمر على هيئة الجزع وقال الحسن والسدي : كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم، وقيل : كان مكتوباً عليها أي على كل حجر اسم صاحبه الذي يرمى به ﴿ وما هي ﴾ يعني تلك الحجارة ﴿ من الظالمين ﴾ يعني مشركي مكة ﴿ ببعيد ﴾ قال قتادة وعكرمة : يعني ظالمي هذه الآمة والله ما أجار الله منها ظالماً بعد وفي بعض الآثار ما من ظالم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة، وقيل : إن الحجارة اتبعت شذاذ قوم لوط حتى إن واحداً منهم دخل الحرم فوجد الحجر معلقاً في السماء أربعين يوماً حتى خرج ذلك الرجل من الحرم فسقط عليه الحجر فأهلكه.
قوله عز وجل :﴿ وإلى مدين ﴾ يعني وأرسلنا إلى مدين ﴿ أخاهم شعيباً ﴾ مدين اسم لابن إبراهيم الخليل عليه السلام ثم صار اسماً للقبيلة من أولاده وقيل هو اسم مدينة بناها مدين بن إبراهيم فعلى هذا يكون التقدير وأرسلنا إلى أهل مدين فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه ﴿ قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾ يعني وحِّدوا الله ولا تعبدوا معه غيره كانت عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبدؤون بالأهم فالأهم ولما كانت الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء قال شعيب اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ثم بعد الدعوة إلى التوحيد شرع فيما هم فيه ولما كان المعتاد من أهل مدين البخس في الكيل والوزن دعاهم إلى ترك هذه العادة القبيحة وهي تطفيف الكيل والوزن فقال ﴿ ولا تنقصوا المكيال والميزان ﴾ النقص في الكيل والوزن على وجهين أحدهما : أن يكون الاستنقاص من قبلهم فيكيلون ويزنون للغير ناقصاً، والوجه الآخر : هو استيفاء الكيل والوزن لأنفسهم زائداً عن حقهم فيكون نقصاً في مال الغير وكلا الوجهين مذموم فلهذا نهاهم شعيب عن ذلك بقوله ولا تنقصوا المكيال والميزان ﴿ إني أراكم بخير ﴾ قال ابن عباس : كانوا موسرين في نعمة وقال مجاهد : كانوا في خصب وسعة فحذرهم زوال تلك النعمة وغلاء السعر وحصول النقمة إن لم يتوبوا ولم يؤمنوا وهو قوله :﴿ وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ﴾ يعني : يحيط بكم فيهلككم جميعاً وهو عذاب الاستئصال في الدنيا أو حذرهم عذاب الآخرة ومنه قوله سبحانه وتعالى وإن جهنم لمحيطة بالكافرين.
﴿ ويا قوم أوفوا المكيال والميزان ﴾ أي أتموهما ولا تطففوا فيهما ﴿ بالقسط ﴾ أي بالعدل، وقيل : بتقويم لسان الميزان وتعديل المكيال ﴿ ولا تبخسوا الناس ﴾ أي : ولا تنقصوا الناس ﴿ أشياءهم ﴾ يعني أموالهم فإن قلت قد وقع التكرار في هذه القصة من ثلاثة أوجه لأنه قال ولا تنقصوا المكيال والميزان، ثم قال : أوفوا المكيال والميزان وهذا عين الأول ثم قال ولا تبسخوا الناس أشياءهم وهذا عين ما تقدم فما الفائدة في هذا التكرار. قلت : إن القوم لما كانوا مصرين على ذلك العمل القبيح وهو تطفيف الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم احتيج في المنع إلى المبالغة في التأكيد والتكرير يفيد شدة الاهتمام والعناية بالتأكيد فلهذا كرر ذلك ليقوي الزجر والمنع من ذلك الفعل لأن قوله ولا تنقصوا المكيال والميزان نهى عن التنقيص وقوله أوفوا المكيال والميزان أمر بإيفاء العدل وهذا غير الأول ومغاير له ولقائل أن يقول النهي ضد الأمر فالتكرار لازم على هذا الوجه قلنا الجواب عن هذا قد يجوز أن ينهى عن التنقيص ولا يأمر بإيفاء الكيل والوزن فلهذا جمع بينهما فهو كقولك صل رحمك ولا تقطعها فتريد المبالغة في الأمر والنهي وأما قوله ثانياً ولا تبخسوا الناس أشياءهم فليس بتكرير أيضاً لأنه سبحانه وتعالى لما خصص النهي عن التنقيص والأمر بإيفاء الحق في الكيل والوزن عمم الحكم في جميع الأشياء التي يجب إيفاء الحق فيها فيدخل فيه الكيل والوزن وغير ذلك فظهر بهذا البيان فائدة التكرار والله أعلم ؟ وقوله سبحانه وتعالى :﴿ ولا تعثوا في الأرض مفسدين ﴾ يعني بتنقيص الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم.

[سورة هود (١١): الآيات ٨٦ الى ٨٩]

بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩)
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ قال ابن عباس يعني ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير لكم مما تأخذونه بالتطفيف وقال مجاهد بقية الله يعني طاعة الله خير لكم وقيل بقية الله يعني ما أبقاه لكم من الثواب في الآخرة خير لكم مما يحصل لكم في الدنيا من المال الحرام إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني مصدقين بما قلت لكم وأمرتكم به ونهيتكم عنه وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ يعني أحفظ أعمالكم قال بعضهم إنما قال لهم شعيب ذلك لأنه لم يؤمر بقتالهم قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا يعني من الأصنام أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا يعني من الزيادة والنقصان، قال ابن عباس: كان شعيب كثير الصلاة فلذلك قالوا هذا وقيل إنهم كانوا يمرون به فيرونه يصلي فيستهزءون به ويقولون هذه المقالة، وقال الأعمش: أقراءتك لأن الصلاة تطلق على القراءة والدعاء وقيل المراد بالصلاة هنا الدين يعني أدينك يأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا وأن نفعل في أموالنا ما نشاء وذلك أنهم كانوا ينقصون الدراهم والدنانير فكان شعيب عليه السلام ينهاهم عن ذلك ويخبرهم أنه محرم عليهم وإنما ذكر الصلاة لأنها من أعظم شعائر الدين إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قال ابن عباس: أرادوا السفيه الغاوي لأن العرب قد تصف الشيء بضده فيقولون للديغ سليم وللفلاة المهلكة مفازة، وقيل: هو على حقيقته وإنما قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية، وقيل: معناه إنك لأنت الحليم الرشيد في زعمك وقيل هو على بابه من الصحة ومعناه إنك يا شعيب فينا حليم رشيد فلا يحمل بك شق عصا قومك ومخالفتهم في دينهم قالَ يعني قال لهم شعيب يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني: على بصيرة وهداية وبيان وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً يعني حلالا قيل كان شعيب كثير المال الحلال والنعمة وقيل الرزق الحسن ما أتاه الله من العلم والهداية والنبوة والمعرفة وجواب إن الشرطية محذوف تقديره أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني المال الحلال والهداية والمعرفة والنبوة فهل يسعني مع هذه النعمة أن أخون في وحيه أو أن أخالف أمره أو أتبع الضلال أو أبخس الناس أشياءهم، وهذا الجواب شديد المطابقة لما تقدم ذلك أنهم قالوا له إنك لأنت الحليم الرشيد والمعنى فكيف يليق بالحليم الرشيد أن يخالف أمر ربه وله عليه نعم كثيرة وقوله: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ قال صاحب الكشاف يقول خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده ويقال الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفني إلى الماء يريد أنه قد ذهب إليه واردا وأنا ذاهب عنه صادرا ومنه قوله وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ أي أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم. قال الإمام فخر الدين الرازي: وتحقيق الكلام فيه أن القوم اعترفوا فيها بأنه حليم رشيد وذلك يدل على كمال العقل وكمال العقل يحمل صاحبه على اختيار الطريق الأصوب الأصلح فكأنه عليه السلام قال لهم لما اعترفتم بكمال عقلي فاعملوا أن الذي اخترته لنفسي هو أصوب الطرق وأصلحها وهو الدعوة إلى توحيد الله وترك البخس والنقصان فأنا مواظب عليها غير تارك لها فاعلموا أن هذه الطريقة خير الطرق وأشرفها لا ما أنتم عليه وقال الزجاج: معناه إني لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه إنما أختار لكم لنفسي وقال ابن الأنباري بين أن الذي يدعوهم إليه من اتباع طاعة الله وترك البخس والتطفيف هو ما يرتضيه لنفسه وهو لا ينطوي إلا عليه فكان هذا محض النصيحة لهم إِنْ أُرِيدُ يعني ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إِلَّا الْإِصْلاحَ يعني فيما بيني وبينكم مَا اسْتَطَعْتُ يعني ما استطعت إلا الإصلاح وهو الإبلاغ والإنذار فقط ولا أستطيع إجباركم على الطاعة لأن ذلك إلى الله فإنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ التوفيق تسهيل سبيل الخير والطاعة على العبد ولا يقدر على ذلك إلا الله تعالى فلذلك قال تعالى: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يعني على الله اعتمدت في جميع أموري وَإِلَيْهِ أُنِيبُ يعني وإليه
أرجع فيما ينزل من النوائب
﴿ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ﴾ يعني من الأصنام ﴿ أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ﴾ يعني من الزيادة والنقصان، قال ابن عباس : كان شعيب كثير الصلاة فلذلك قالوا هذا وقيل إنهم كانوا يمرون ب فيرونه يصلي فيستهزئون به ويقولون هذه المقالة، وقال الأعمش : أقراءتك لأن الصلاة تطلق على القراءة والدعاء وقيل المراد بالصلاة هنا الدين يعني أدينك يأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا وأن نفعل في أموالنا ما نشاء وذلك أنهم كانوا ينقصون الدراهم والدنانير فكان شعيب عليه السلام ينهاهم عن ذلك ويخبرهم أنه محرم عليهم وإنما ذكر الصلاة لأنها من أعظم شعائر الدين ﴿ إنك لأنت الحليم الرشيد ﴾ قال ابن عباس : أرادوا السفيه الغاوي لأن العرب قد تصف الشيء بضده فيقولون للديغ سليم وللفلاة المهلكة مفازة، وقيل : هو على حقيقته وإنما قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية، وقيل : معناه إنك لأنت الحليم الرشيد في زعمك وقيل هو على بابه من الصحة ومعناه إنك يا شعيب فينا حليم رشيد فلا يحمل بك شق عصا قومك ومخالفتهم في دينهم.
﴿ قال ﴾ يعني قال لهم شعيب ﴿ يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ﴾ يعني : على بصيرة وهداية وبيان ﴿ ورزقني منه رزقاً حسناً ﴾ يعني حلالاً قيل كان شعيب كثير المال الحلال والنعمة وقيل الرزق الحسن ما أتاه الله من العلم والهداية والنبوة والمعرفة وجواب إن الشرطية محذوف تقديره أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني المال الحلال والهداية والمعرفة والنبوة فهل يسعني مع هذه النعمة أن أخون في وحيه أو أن أخالف أمره أو أتبع الضلال أو أبخس الناس أشياءهم، وهذا الجواب شديد المطابقة لما تقدم ذلك أنهم قالوا له إنك لأنت الحليم الرشيد والمعنى فكيف يليق بالحليم الرشيد أن يخالف أمر ربه وله عليه نعم كثيرة وقوله :﴿ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾ قال صاحب الكشاف يقول خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده ويقال الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفني إلى الماء يريد أنه قد ذهب إليه وارداً وأنا ذاهب عنه صداراً ومنه قوله ﴿ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾ أي أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم. قال الإمام فخر الدين الرازي : وتحقيق الكلام فيه أن القوم اعترفوا فيها بأنه حليم رشيد وذلك يدل على كمال العقل وكمال العقل يحمل صاحبه على اختيار الطريق الأصوب الأصلح فكأنه عليه السلام قال لهم لما اعترفتم بكمال عقلي فاعملوا أن الذي اخترته لنفسي هو أصوب الطرق وأصلحها وهو الدعوة إلى توحيد الله وترك البخس والنقصان فأنا مواظب عليها غير تارك لها فاعلموا أن هذه الطريقة خير الطرق وأشرفها لا ما أنتم عليه وقال الزجاج : معناه إني لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه إنما أختار لكم لنفسي وقال ابن الأنباري بين أن الذي يدعوهم إليه من اتباع طاعة الله وترك البخس والتطفيف هو ما يرتضيه لنفسه وهو لا ينطوي إلا عليه فكان هذا محض النصيحة لهم ﴿ إن أريد ﴾ يعني ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه ﴿ إلا الإصلاح ﴾ يعني فيما بيني وبينكم ﴿ ما استطعت ﴾ يعني ما استطعت إلا الإصلاح وهو الإبلاغ والإنذار فقط ولا أستطيع إجباركم على الطاعة لأن ذلك إلى الله فإنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ﴿ وما توفيقي إلا بالله ﴾ التوفيق تسهيل سبيل الخير والطاعة على العبد ولا يقدر على ذلك إلا الله تعالى فلذلك قال تعالى :﴿ وما توفيقي إلا بالله ﴾ ﴿ عليه توكلت ﴾ يعني على الله اعتمدت في جميع أموري ﴿ وإليه أنيب ﴾ يعني وإليه أرجع فيما ينزل من النوائب وقيل إليه أرجع في معادي روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر شعيباً قال «ذلك خطيب الأنبياء » لحسن مراجعته قومه.
وقوله تعالى :﴿ ويا يوم لا يجرمنكم شقاقي ﴾ أي لا يحملنكم خلافي وعداوتي ﴿ أن يصيبكم ﴾ يعني عذاب العاجلة على كفركم وأفعالكم الخبيثة ﴿ مثل ما أصاب قوم نوح ﴾ يعني الغرق ﴿ أو قوم هود ﴾ يعني الريح التي أهلكتهم ﴿ أو قوم صالح ﴾ يعني ما أصابهم من الصيحة حتى هلكوا جميعاً ﴿ وما قوم لوط منكم ببعيد ﴾ وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاكهم وقيل معناه وما ديار قوم لوط منكم ببعيد وذلك أنهم كانوا جيران قوم لوط وبلادهم قريبة من بلادهم.
وقيل إليه أرجع في معادي روي أن رسول الله ﷺ كان إذا ذكر شعيبا قال ذلك خطيب الأنبياء» لحسن مراجعته قومه.
وقوله تعالى: وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أي لا يحملنكم خلافي وعداوتي أَنْ يُصِيبَكُمْ يعني عذاب العاجلة على كفركم وأفعالكم الخبيثة مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ يعني الغرق أَوْ قَوْمَ هُودٍ يعني الريح التي أهلكتهم أَوْ قَوْمَ صالِحٍ يعني ما أصابهم من الصيحة حتى هلكوا جميعا وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاكهم وقيل معناه وما ديار قوم لوط منكم ببعيد وذلك أنهم كانوا جيران قوم لوط وبلادهم قريبة من بلادهم.
[سورة هود (١١): الآيات ٩٠ الى ٩٣]
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣)
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ يعني من عبادة الأصنام ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يعني من البخس والنقصان في الكيل والوزن إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ يعني بعباده إذا تابوا واستغفروا وَدُودٌ قال ابن عباس: الودود المحبّ لعباده المؤمنين فهو من قولهم وددت الرجل أوده إذا أحببته، وقيل: يحتمل أن يكون ودود فعول بمعنى مفعول ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لكثرة إفضاله وإحسانه إليهم. وقال الحليمي: هو الوادّ لأهل طاعته أي الراضي عنهم بأعمالهم والمحسن إليهم لأجلها والمادح لهم بها، وقال أبو سليمان الخطابي: وقد يكون معناه من تودد إلى خلقه قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ يعني ما نفهم ما تدعونا إليه وذلك أن الله سبحانه وتعالى ختم على قلوبهم فصارت لا تعي ولا تفهم ما ينفعها وإن كانوا في الظاهر يسمعون ويفهمون وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً قال ابن عباس وقتادة: كان أعمى، قال الزجاج: ويقال إن حمير كانوا يسمون المكفوف ضعيفا وقال الحسن وأبو روق ومقاتل: يعني ذليلا، قال أبو روق: إن الله سبحانه وتعالى لم يبعث نبيا أعمى ولا نبيا به زمانة، وقيل: كان ضعيف البصر وقيل المراد بالضعف العجز عن الكسب والتصرف وقيل هو الذي يتعذر عليه المنع عن نفسه ويدل على صحة هذا القول ما بعده وهو قوله وَلَوْلا رَهْطُكَ يعني جماعتك وعشيرتك قيل الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: إلى السبعة لَرَجَمْناكَ يعني لقتلناك بالحجارة والرجم بالحجارة أسوأ القتلات وشرها، وقيل:
معناه لشتمناك وأغلظنا لك القول وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ يعني بكريم وقيل بممتنع منا والمقصود من هذا الكلام وحاصله أنهم بينوا لشعيب عليه السلام أنه لا حرمة له عندهم ولا في صدورهم وأنهم إنما لم يقتلوه ولم يسمعوه الكلام الغليظ الفاحش لأجل احترامهم رهطه وعشيرته وذلك لأنهم كانوا على دينهم وملتهم ولما قالوا لشعيب عليه السلام هذه المقالة أجابهم بقوله قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ يعني أهيب عندكم من الله وأمنع حتى تركتم قتلي لمكان رهطي عندكم فالأولى أن تحفظوني في الله ولأجل الله لا لرهطي لأن الله أعز وأعظم وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا يعني ونبذتم أمر الله وراء ظهوركم وتركتموه كالشيء الملقى الذي لا يلتفت إليه إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأحوالكم جميعا لا يخفى عليه منها شيء فيجازيكم بها يوم القيامة وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ يعني على تؤدتكم وتمكنكم من أعمالكم وقيل المكانة الحالة والمعنى اعملوا حال كونكم موصوفين بعناية المكنة والقدرة من الشر إِنِّي عامِلٌ يعني ما أقدر عليه من الطاعة
﴿ قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول ﴾ يعني ما نفهم ما تدعونا إليه وذلك أن الله سبحانه وتعالى ختم على قلوبهم فصارت لا تعي ولا تفهم ما ينفعها وإن كانوا في الظاهر يسمعون ويفهمون ﴿ وإنا لنراك فينا ضعيفاً ﴾ قال ابن عباس وقتادة : كان أعمى، قال الزجاج : ويقال إن حمير كانوا يسمون المكفوف ضعيفاً وقال الحسن وأبو روق ومقاتل : يعني ذليلاً، قال أبو روق : إن الله سبحانه وتعالى لم يبعث نبياً أعمى ولا نبياً به زمانة، وقيل : كان ضعيف البصر وقيل المراد بالضعف العجز عن الكسب والتصرف وقيل هو الذي يتعذر عليه المنع عن نفسه ويدل على صحة هذا القول ما بعده وهو قوله ﴿ ولولا رهطك ﴾ يعني جماعتك وعشيرتك قيل الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل : إلى السبعة ﴿ لرجمناك ﴾ يعني لقتلناك بالحجارة والرجم أسوأ القتلات وشرها، وقيل : معناه لشتمناك وأغلظنا لك القول ﴿ وما أنت علينا بعزيز ﴾ يعني بكريم وقيل بممتنع منا والمقصود من هذا الكلام وحاصله أنهم بينوا لشعيب عليه السلام أنه لا حرمة له عندهم ولا في صدورهم وأنهم إنما لم يقتلوه ولم يسمعوه الكلام الغليظ الفاحش لأجل احترامهم رهطه وعشيرته وذلك لأنهم كانوا على دينهم وملتهم ولما قالوا لشعيب عليه السلام هذه المقالة أجابهم بقوله ﴿ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ﴾.
﴿ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ﴾ يعني أهيب عندكم من الله وأمنع حتى تركتم قتلي لمكان رهطي عندكم فالأولى أن تحفظوني في الله ولأجل الله لا لرهطي لأن الله أعز وأعظم ﴿ واتخذتموه وراءكم ظهرياً ﴾ يعني ونبذتم أمر الله وراء ظهوركم وتركتموه كالشيء الملقى الذي لا يلتفت إليه ﴿ إن ربي بما تعملون محيط ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأحوالكم جميعاً لا يخفى عليه منها شيء فيجازيكم بها يوم القيامة.
﴿ ويا قوم اعملوا على مكانتكم ﴾ يعني على تؤدتكم وتمكنكم من أعمالكم وقيل المكانة الحالة والمعنى اعملوا حال كونكم موصفين بعناية المكنة والقدرة من الشر ﴿ إني عامل ﴾ يعني ما أقدر عليه من الطاعة والخير وهذا الأمر في قوله اعملوا فيه وعيد وتهديد عظيم ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى :﴿ سوف تعلمون ﴾ أينا الجاني على نفسه المخطئ في فعله.
فإن قلت أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في قوله سوف تعلمون.
قلت إدخال الفاء في قوله : فسوف تعلمون، وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ونزعها في قوله سوف تعلمون وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا فما يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون يعني عاقبة ذلك فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف للتفنن في البلادة كما هو عادة بلغاء العرب وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف للتفنن في البلادة كما هو عادة بلغاء العرب وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه والمعنى سوف تعلمون ﴿ من يأتيه عذاب يخزيه ﴾ يعني بسبب عمله السيء أو أينا الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه ﴿ ومن هو كاذب ﴾ يعني فيما يدعيه ﴿ وارتقبوا ﴾ يعني وانتظروا العاقبة ما يؤول إليه أمري وأمركم ﴿ إني معكم رقيب ﴾ أي منتظر، والرقيب بمعنى المراقب.
والخير وهذا الأمر في قوله اعملوا فيه وعيد وتهديد عظيم ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: سَوْفَ تَعْلَمُونَ أينا الجاني على نفسه المخطئ في فعله.
فإن قلت أي فرق بين إدخال الفاء ونزعها في قوله سوف تعلمون.
قلت إدخال الفاء في قوله: فسوف تعلمون، وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ونزعها في قوله سوف تعلمون وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا فما يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون يعني عاقبة ذلك فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف للتفنن في البلادة كما هو عادة بلغاء العرب وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه والمعنى سوف تعلمون مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ يعني بسبب عمله السيء أو أينا الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ يعني فيما يدعيه وَارْتَقِبُوا يعني وانتظروا العاقبة ما يؤول إليه أمري وأمركم إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ أي منتظر، والرقيب بمعنى المراقب.
[سورة هود (١١): الآيات ٩٤ الى ١٠١]
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١)
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني بعذابهم وإهلاكهم نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني بفضل منا بأن هديناهم للإيمان ووفقناهم للطاعة وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني ظلموا أنفسهم بالشرك والبخس الصَّيْحَةُ وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم صيحة فخرجت أرواحهم وماتوا جميعا، وقيل: أتتهم صيحة واحدة من السماء فماتوا جميعا فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ يعني ميتين وهو استعارة من قولهم جثم الطير إذا قعد ولطأ بالأرض كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يعني كأن لم يقيموا بديارهم مدة من الدهر مأخوذ من قولهم غني بالمكان إذا أقام فيه مستغنيا به عن غيره أَلا بُعْداً يعني هلاكا لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ قال ابن عباس «لم تعذب أمتان قط بعذاب واحد إلا قوم شعيب وقوم صالح فأما قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم وأما قوم شعيب فأخذتهم الصيحة من فوقهم» قوله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا يعني بحججنا والبراهين التي أعطيناه الدالة على صدقه ونبوته وَسُلْطانٍ مُبِينٍ يعني ومعجزة باهرة ظاهرة دالة على صدقة أيضا قال بعض المفسرين المحققين سميت الحجة سلطانا لأن صاحب الحجة يقهر من لا حجة معه كالسلطان يقهر غيره، وقال الزجاج: السلطان هو الحجة وسمي السلطان سلطانا لأنه حجة الله في الأرض إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ يعني أتباعه وأشراف قومه فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ يعني ما هو عليه من الكفر وترك الإيمان بما جاءهم به موسى وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يعني وما طريق فرعون وما هو عليه بسديد ولا حميد العاقبة ولا يدعو إلى خير يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ يعني كما تقدم قومه فأدخلهم البحر في الدنيا كذلك يتقدم قومه يوم القيامة فيدخلهم النار ويدخل هو أمامهم، والمعنى كما كان قدوتهم في الضلال والكفر في الدنيا فكذلك هو قدوتهم وإمامهم في النار وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ يعني: وبئس الدخل المدخول فيه وقيل شبه الله تعالى فرعون في تقدمه على قومه إلى النار بمن يتقدم
﴿ كأن لم يغنوا فيها ﴾ يعني كأن لم يقيموا بديارهم مدة من الدهر مأخوذ من وقولهم غني بالمكان إذا أقام فيه مستغنياً به عن غيره ﴿ ألا بعداً ﴾ يعني هلاكاً ﴿ لمدين كما بعدت ثمود ﴾ قال ابن عباس «لم تعذب أمتان قط بعذاب واحد إلى قوم شعيب وقوم صالح فأما قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم وأما قوم شعيب فأخذتهم الصيحة من فوقهم ».
قوله عز وجل :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ﴾ يعي بحججنا والبراهين التي أعطيناه الدالة على صدقه ونبوته ﴿ وسلطان مبين ﴾ يعني ومعجزة باهرة ظاهرة دالة على صدقة أيضاً قال بعض المفسرين المحققين سميت الحجة سلطاناً لأن صاحب الحجة يقهر من لا حجة معه كالسلطان يقهر غيره، وقال الزجاج : السلطان هو الحجة وسمي السلطان سلطاناً لأنه حجة الله في الأرض.
﴿ إلى فرعون وملئه ﴾ يعني أتباعه وأشراف قومه ﴿ فاتبعوا أمر فرعون ﴾ يعني ما هو عليه من الكفر وترك الإيمان بما جاءهم به موسى ﴿ وما أمر فرعون برشيد ﴾ يعني وما طريق فرعون وماهو عليه بسديد ولا حميد العاقبة ولا يدعو إلى خير.
﴿ يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ﴾ يعني كما تقدم قومه فأدخلهم البحر في الدنيا كذلك يتقدم قومه يوم القيامة فيدخلهم النار ويدخل هو أمامهم، والمعنى كما كان قدوتهم في الضلال والكفر في الدنيا فكذلك هو قدوتهم وإمامهم في النار ﴿ وبئس الورد المورود ﴾ يعني : وبئس الدخل المدخول فيه وقيل شبه الله تعالى فرعون في تقدمه على قومه إلى النار بمن يتقدم على الوارد إلى الماء وشبه أتباعه بالواردين بعده ولما كان ورود الماء محموداً عند الواردين لأنه يكسر العطش قال في حق فرعون وأتباعه فأوردهم النار وبئس الورد المورود لأن الأصل فيه قصد الماء واستعمل في ورود النار على سبيل الفظاعة.
﴿ وأتبعوا في هذه ﴾ يعني في هذه الدنيا ﴿ لعنة ﴾ يعني طرداً وبعداً عن الرحمة ﴿ ويوم القيامة ﴾ يعني وأتبعوا لعنة أخرى يوم القيامة مع اللعنة التي حصلت لهم في الدنيا ﴿ بئس الرفد المرفود ﴾ يعني بئس العون المعان وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعنة في الآخرة وقيل معناه بئس العطاء المعطى وذلك أن ترادف عليهم لعنتان لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ ذلك من أنباء القرى ﴾ يعني من أخبار أهل القرى وهم الأمم السالفة والقرون الماضية ﴿ نقصّه عليك ﴾ يعني نخبرك به يا محمد لتخبر قومك أخبارهم لعلهم يعتبرون بهم فيرجعوا عن كفرهم أو ينزل بهم مثل ما نزل بهم من العذاب ﴿ منها ﴾ يعني من القرى التي أهلكنا أهلها ﴿ قائم وحصيد ﴾ يعني منها عامر ومنها خراب وقيل منها قائم يعني الحيطان بغير سقوف ومنها ما قد محي أثره بالكلية شبهها الله تعالى بالزرع الذي بعضه قائم على سوقه وبعضهم قد حصد وذهب أثره والحصيد بمعنى المحصود.
﴿ وما ظلمناهم ﴾ يعني بالعذاب والإهلاك ﴿ ولكن ظلموا أنفسهم ﴾ يعني بالكفر والمعاصي ﴿ فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ﴾ يعني بعذابهم أي لم تنفعهم أصنامهم ولم تدفع عنهم العذاب ﴿ وما زادوهم غير تتبيب ﴾ يعني غير تخسير وقيل غير تدمير.
على الوارد إلى الماء وشبه أتباعه بالواردين بعده ولما كان ورود الماء محمودا عند الواردين لأنه يكسر العطش قال في حق فرعون وأتباعه فأوردهم النار وبئس الورد المورود لأن الأصل فيه قصد الماء واستعمل في ورود النار على سبيل الفظاعة وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ يعني في هذه الدنيا لَعْنَةً يعني طردا وبعدا عن الرحمة وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يعني وأتبعوا لعنة أخرى يوم القيامة مع اللعنة التي حصلت لهم في الدنيا بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ يعني بئس العون المعان وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعنة في الآخرة وقيل معناه بئس العطاء المعطى وذلك أنه ترادف عليهم لعنتان لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة.
وقوله سبحانه وتعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى يعني من أخبار أهل القرى وهم الأمم السالفة والقرون الماضية نَقُصُّهُ عَلَيْكَ يعني نخبرك به يا محمد لتخبر قومك أخبارهم لعلهم يعتبرون بهم فيرجعوا عن كفرهم أو ينزل بهم مثل ما نزل بهم من العذاب مِنْها يعني من القرى التي أهلكنا أهلها قائِمٌ وَحَصِيدٌ يعني منها عامر ومنها خراب وقيل منها قائم يعني الحيطان بغير سقوف ومنها ما قد محي أثره بالكلية شبهها الله تعالى بالزرع الذي بعضه قائم على سوقه وبعضهم قد حصد وذهب أثره والحصيد بمعنى المحصود وَما ظَلَمْناهُمْ يعني بالعذاب والإهلاك وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني بالكفر والمعاصي فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني بعذابهم أي لم تنفعهم أصنامهم ولم تدفع عنهم العذاب وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ يعني غير تخسير وقيل غير تدمير.
[سورة هود (١١): الآيات ١٠٢ الى ١٠٦]
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦)
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ يعني وهكذا أخذ ربك إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ الضمير في وهي عائد على القرى والمراد أهلها إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (ق) عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ﷺ «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد» فالآية الكريمة في الحديث دليل على أن من أقدم على ظلم فإنه يجب أن يتدارك ذلك بالتوبة والإنابة ورد الحقوق إلى أهلها إن كان الظلم للغير لئلا يقع في هذا الوعيد العظيم والعذاب الشديد ولا يظن أن هذه الآية حكمها مختص بظالمي الأمم الماضية بل هو عام في كل ظالم ويعضده الحديث والله أعلم.
قوله عز وجل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني ما ذكر من عذاب الأمم الحالية وإهلاكهم لعبرة وموعظة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ يعني أن إهلاك أولئك عبرة يعتبر بها وموعظة يتعظ بها من كان يخشى الله ويخاف عذابه في الآخرة لأنه إذا نظر ما أحل الله بأولئك الكفار في الدنيا من أليم عذابه وعظيم عقابه وهو كالأنموذج مما أعد لهم في الآخرة اعتبر به فيكون زيادة في خوفه وخشيته من الله ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ يعني يوم القيامة تجمع فيه الخلائق من الأولين والآخرين للحساب والوقوف بين يدي رب العالمين وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يعني يشهده أهل السماء وأهل الأرض وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يعني وما نؤخر ذلك اليوم وهو يوم القيامة إلا إلى وقت معلوم محدود وذلك الوقت لا يعلمه أحد إلا الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِ يعني ذلك اليوم لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ قيل: إن جميع الخلائق يسكتون في ذلك اليوم فلا يتكلم أحد فيه إلا بإذن الله تعالى.
فإن قلت كيف وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه وتعالى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وقوله إخبارا عن محاجة الكفار «والله ربنا ما كنا مشركين» والأخبار أيضا تدل على الكلام في ذلك اليوم.
قوله عز وجل :﴿ إن في ذلك لآية ﴾ يعني ما ذكر من عذاب الأمم الحالية وإهلاكهم لعبرة وموعظة ﴿ لمن خاف عذاب الآخرة ﴾ يعني أن إهلاك أولئك عبرة يعتبر بها وموعظة يتعظ بها من كان يخشى الله ويخاف عذابه في الآخرة لأنه إذا نظر ما أحل الله بأولئك الكفار في الدنيا من أليم عذابه وعظيم عقابه وهو كالنموذج مما أعد لهم في الآخرة اعتبر به فيكون زيادة في خوفه وخشيته من الله ﴿ ذلك يوم مجموع له الناس ﴾ يعني يوم القيامة تجمع فيه الخلائق من الأولين والآخرين للحساب والوقوف بين يدي رب العالمين ﴿ وذلك يوم مشهود ﴾ يعني يشهده أهل السماء وأهل الأرض.
﴿ وما نؤخره إلا لأجل معدود ﴾ يعني وما نؤخر ذلك اليوم وهو يوم القيامة إلا إلى وقت معلوم محدود وذلك الوقت لا يعلمه أحد إلا الله تعالى.
﴿ يوم يأت ﴾ يعني ذلك اليوم ﴿ لا تكلم نفس إلا بإذنه ﴾ قيل : إن جميع الخلائق يسكتون في ذلك اليوم فلا يتكلم أحد فيه إلا بإذن الله تعالى.
فإن قلت كيف وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه وتعالى :﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ﴾ وقوله إخباراً عن محاجة الكفار ﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾ والأخبار أيضاً تدل على الكلام في ذلك اليوم.
قلت : يوم القيامة يوم طويل وله أحوال مختلفة وفيه أهوال عظيمة ففي بعض الأحوال لا يقدرون على الكلام لشدة الأهوال وفي بعض الأحوال يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون وفي بعضها تخفف عنهم تلك الأهوال فيحاجون ويجادلون وينكرون، وقيل : المراد من قوله لا تكلم نفس إلا بإذنه الشفاعة يعني لا تشفع نفس لنفس شيئاً إلا أن يأذن الله لها في الشفاعة ﴿ فمنهم ﴾ يعني فمن أهل الموقف ﴿ شقي وسعيد ﴾ الشقاوة خلاف السعادة والسعادة هي معاونة الأمور الإلهية للإنسان ومساعدته على فعل الخير والصلاح وتيسيره لها ثم السعادة على ضربين سعادة دنيوية وسعادة أخروية وهي السعادة القصوى لأن نهايتها الجنة وكذلك الشقاوة على ضربين أيضاً شقاوة دنيوية وشقاوة أخروية وهي الشقاوة القصوى لأن نهايتها النار فالشقي من سبق له الشقاوة في الأزل والسعيد من سبقت له السعادة في الأزل ( ق ).
عن علي بن أبي طالب قال :«كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكت بمخصرته ثم قال : ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسيصير لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ﴾ » الآية. بقيع الغرقد هو مقبرة أهل المدينة الشريفة ومدفنهم والمخصرة كالسوط والعصا ونحو ذلك مما يمسكه بيده الإنسان والنكت بالنون والتاء المثناة من فوق ضرب الشيء بتلك المخصرة أبو اليد ونحو ذلك حتى يؤثر فيه واستدل بعض العلماء بهذه الآية وهذا الحديث على أن أهل الموقف قسمان شقي وسعيد لا ثالث لهما وظاهر الآية والحديث يدل على ذلك لكن بقي قسم آخر مسكوت عنه وهو من استوت حسناته وسيئاته وهم أصحاب الأعراف في قول والأطفال والمجانين الذين لا حسنات لهم ولا سيئات فهؤلاء مسكوت عنهم فهم تحت مشيئة الله عز وجل يوم القيامة يحكم فيهم بما يشاء وتخصيص هذين القسمين بالذكر لا يدل على نفي القسم الثالث.
﴿ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها ﴾ أي في النار من العذاب والهوان ﴿ زفير وشهيق ﴾ أصل الزفير ترديد النفس في الصدر حتى تنتفخ منه الضلوع والشهيق رد النفس إلى الصدر أو الزفير مده وإخراجه من الصدر وقال ابن عباس : الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف، وقال الضحاك ومقاتل : الزفير أول صوت الحمار والشهيق آخره إذا رده إلى صدره وقال أبو العالية، الزفير في الحلق والشهيق في الجوف.
قلت: يوم القيامة يوم طويل وله أحوال مختلفة وفيه أهوال عظيمة ففي بعض الأحوال لا يقدرون على الكلام لشدة الأهوال وفي بعض الأحوال يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون وفي بعضها تخفف عنهم تلك الأهوال فيحاجون ويجادلون وينكرون، وقيل: المراد من قوله لا تكلم نفس إلا بإذنه الشفاعة يعني لا تشفع نفس لنفس شيئا إلا أن يأذن الله لها في الشفاعة فَمِنْهُمْ يعني فمن أهل الموقف شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ الشقاوة خلاف السعادة والسعادة هي معاونة الأمور الإلهية للإنسان ومساعدته على فعل الخير والصلاح وتيسيره لها ثم السعادة على ضربين سعادة دنيوية وسعادة أخروية وهي السعادة القصوى لأن نهايتها الجنة وكذلك الشقاوة على ضربين أيضا شقاوة دنيوية وشقاوة أخروية وهي الشقاوة القصوى لأن نهايتها النار فالشقي من سبق له الشقاوة في الأزل والسعيد من سبقت له السعادة في الأزل (ق).
عن علي بن أبي طالب قال: «كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله ﷺ فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسيصير لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى الآية. بقيع الغرقد هو مقبرة أهل المدينة الشريفة ومدفنهم والمخصرة كالسوط والعصا ونحو ذلك مما يمسكه بيده الإنسان والنكت بالنون والتاء المثناة من فوق ضرب الشيء بتلك المخصرة أو باليد ونحو ذلك حتى يؤثر فيه واستدل بعض العلماء بهذه الآية وهذا الحديث على أن أهل الموقف قسمان شقي وسعيد لا ثالث لهما وظاهر الآية والحديث يدل على ذلك لكن بقي قسم آخر مسكوت عنه وهو من استوت حسناته وسيئاته وهم أصحاب الأعراف في قول والأطفال والمجانين الذين لا حسنات لهم ولا سيئات فهؤلاء مسكوت عنهم فهم تحت مشيئة الله عز وجل يوم القيامة يحكم فيهم بما يشاء وتخصيص هذين القسمين بالذكر لا يدل على نفي القسم الثالث فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها أي في النار من العذاب والهوان زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ أصل الزفير ترديد النفس في الصدر حتى تنتفخ منه الضلوع والشهيق رد النفس إلى الصدر أو الزفير مده وإخراجه من الصدر وقال ابن عباس: الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف، وقال الضحاك ومقاتل:
الزفير أول صوت الحمار والشهيق آخره إذا رده إلى صدره وقال أبو العالية: الزفير في الحلق والشهيق في الجوف.
[سورة هود (١١): الآيات ١٠٧ الى ١٠٨]
خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)
خالِدِينَ فِيها يعني لابثين مقيمين في النار ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ قال الضحاك: يعني ما دامت سموات الجنة والنار وأرضهما ولا بد لأهل الجنة وأهل النار من سماء تظلهم وأرض تقلهم فكل ما علاك فأظلك فهو سماء وكل ما استقر عليه قدمك فهو أرض وقال أهل المعاني هذه عبارة عن التأبيد وذلك على عادة العرب فإنهم يقولون لا آتيك ما دامت السموات والأرض وما اختلف الليل والنهار يريدون بذلك التأبيد.
وقوله سبحانه وتعالى: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ اختلف العلماء في معنى هذين الاستثناءين فقال ابن عباس والضحاك: الاستثناء الأول المذكور في أهل الشقاء يرجع إلى قوم من المؤمنين يدخلهم الله النار بذنوب اقترفوها ثم يخرجهم منها فيكون استثناء من غير الجنس لأن الذين أخرجوا من النار سعداء في الحقيقة استثناهم الله تعالى من الأشقياء ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ «إن الله سبحانه وتعالى يخرج
503
قوما من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة» وفي رواية «إن الله يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة» أخرجه البخاري ومسلم، عن أنس أن رسول الله ﷺ قال «يخرج من النار قوم بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين» وفي رواية «ليصيبن أقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة لهم ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته فيقال لهم الجهنميون» (خ) عن عمران بن حصين أن النبي ﷺ قال «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين» وأما الاستثناء الثاني المذكور في أهل السعادة فيرجع إلى مدة لبث هؤلاء في النار قبل دخولهم الجنة فعلى هذا القول يكون معنى الآية فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك أن يخرجهم منها فيدخلهم الجنة إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ أن يدخله النار أولا ثم يخرجه منها فيدخله الجنة فحاصل هذا القول إن الاستثناءين يرجع كل واحد منهما إلى قوم مخصوصين هم في الحقيقة سعداء أصابوا ذنوبا استوجبوا بها عقوبة يسيرة في النار ثم يخرجون منها فيدخلون الجنة لأن إجماع الأمة على أن من دخل الجنة لا يخرج منها أبدا وقيل إن الاستثناءين يرجعان إلى الفريقين السعداء والأشقياء وهو مدة تعميرهم في الدنيا واحتباسهم في البرزخ وهو ما بين الموت إلى البعث ومدة وقوفهم للحساب ثم يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيكون المعنى خالدين في الجنة والنار إلا هذا المقدار، وقيل: معنى إلا ما شاء ربك سوى ما شاء ربك فيكون المعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة على ذلك وهو كقولك لفلان علي ألف إلا ألفين أي سوى ألفين وقيل إلا بمعنى الواو بمعنى وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وخلود هؤلاء في الجنة فهو كقوله تمجد وتعالى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا أي ولا الذين ظلموا وقيل معناه ولو شاء ربك لأخرجهم منها ولكنه لم يشأ لأنه حكم لهم بالخلود فيها، قال الفراء: هذا استثناء استثناه الله ولا يفعله كقوله والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزمه أن يضربه فهذه الأقوال في معنى الاستثناء ترجع إلى الفريقين والصحيح هو القول الأول ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى:
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ يعني من إخراج من أراد من النار وإدخالهم الجنة فهذا على الإجمال في حال الفريقين فأما على التفصيل فقوله إلا ما شاء ربك في جانب الأشقياء يرجع إلى الزفير والشهيق وتقريره أن يفيد حصول الزفير والشهيق مع خلود لأنه إذا دخل الاستثناء عليه وجب أن يحصل فيه هذا المجموع والاستثناء في جانب السعداء يكون بمعنى الزيادة يعني إلا ما شاء ربك من الزيادة لهم من النعيم بعد الخلود، وقيل: إن الاستثناء الأول في جانب الأشقياء معناه إلا ما شاء ربك من أن يخرجهم من حرّ النار إلى البرد والزمهرير وفي جانب السعداء معناه إلا ما شاء ربك أن يرفع بعضهم إلى منازل أعلى منازل الجنان ودرجاتها والقول الأول هو المختار ويدل على خلود أهل الجنة في الجنة أن الأمة مجتمعة على من دخل الجنة لا يخرج منها بل هو خالد فيها.
وقوله سبحانه وتعالى في جانب السعداء عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ يعني غير مقطوع قال ابن زيد: أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالذي يشاء لأهل الجنة فقال تعالى عطاء غير مجذوذ ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار وروي عن ابن مسعود أنه قال «ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا» وعن أبي هريرة نحوه، وهذا إن صح عن ابن مسعود وأبي هريرة: فمحمول عند أهل السنة على إخلاء أماكن المؤمنين الذين استحقوا النار من النار بعد إخراجهم منها لأنه ثبت بالدليل الصحيح القاطع إخراج جميع الموحدين وخلود الكفار فيها أو يكون محمولا على إخراج الكفار من حر النار إلى برد الزمهرير ليزدادوا عذابا فوق عذابهم والله أعلم.
504
﴿ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ﴾ أن يدخله النار أولاً ثم يخرجه منها فيدخله الجنة فحاصل هذا القول إن الاستثناءين يرجع كل واحد منهما إلى قوم مخصوصين هم في الحقيقة سعداء أصابوا ذنوباً استوجبوا بها عقوبة يسيرة في النار ثم يخرجون منها فيدخلون الجنة لأن إجماع الأمة على أن من دخل الجنة لا يخرج منها أبداً وقيل إن الاستثناءين يرجعان إلى الفريقين السعداء والأشقياء وهو مدة تعميرهم في الدنيا واحتباسهم في البرزخ وهو ما بين الموت إلى البعث ومدة وقوفهم للحساب ثم يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيكون المعنى خالدين في الجنة والنار إلا هذا المقدار، وقيل : معنى إلا ما شاء ربك سوى ما شاء ربك فيكون المعنى خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة على ذلك وهو كقولك لفلان علي ألف إلا ألفين أي سوى ألفين وقيل إلا بمعنى الواو بمعنى وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وخلود هؤلاء في الجنة فهو كقوله تمجدو تعالى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا فيها، قال الفراء : هذا استثناء استثناه الله ولا يفعله كقوله والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزمه أن يضربه فهذه الأقوال في معنى الاستثناء ترجع إلى الفريقين والصحيح هو القول الأول ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى :﴿ إن ربك فعال لما يريد ﴾ يعني من إخراج من أراد من النار وإدخالهم الجنة فهذا على الإجمال في حال الفريقين فأما على التفصيل فقوله إلا ما شاء ربك في جانب الأشقياء يرجع إلى الزفير والشهيق وتقريره أن يفيد حصول الزفير والشهيق مع خلود لأنه إذا دخل الاستثناء عليه وجب أن يحصل فيه هذا المجموع والاستثناء في جانب السعداء يكون بمعنى الزيادة يعني إلا ما شاء ربك من الزيادة لهم من النعيم بعد الخلود، وقيل : إن الاستثناء الأول في جانب الأشقياء معناه إلا ما شاء ربك من الزيادة لهم من النعيم بعد الخلود، وقيل : إن الاستثناء الأول في جانب الأشقياء معناه إلا ما شاء ربك من أن يخرجهم من حرّ النار إلى البرد والزمهرير وفي جانب السعداء معناه إلا ما شاء ربك أن يرفع بعضهم إلى منازل أعلى منازل الجنان ودرجاتها والقول الأول هو المختار ويدل على خلود أهل الجنة في الجنة أن الأمة مجتمعة على من دخل الجنة لا يخرج منها بل هو خالد فيها.
وقوله سبحانه وتعالى في جانب السعداء ﴿ عطاء غير مجذوذ ﴾ يعني غير مقطوع قال ابن زيد : أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالذي يشاء لأهل الجنة فقال تعالى عطاء غير مجذوذ ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار وروي عن ابن مسعود أنه قال «ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً » وعن أبي هريرة نحوه، وهذا إن صح عن ابن مسعود وأبي هريرة : فمحمول عند أهل السنة على إخلاء أماكن المؤمنين الذي استحقوا النار من النار بعد إخراجهم منها لأنه ثبت بالدليل الصحيح القاطع إخراج جميع الموحدين وخلود الكفار فيها أو يكون محمولاً على إخراج الكفار من حر النار إلى برد الزمهرير ليزدادوا عذاباً فوق عذابهم والله أعلم.

[سورة هود (١١): الآيات ١٠٩ الى ١١١]

فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١)
قوله سبحانه وتعالى: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ يعني فلا تك في شك يا محمد في هذه الأصنام التي يعبدها هؤلاء الكفار فإنها لا تضر ولا تنفع ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ يعني أنه ليس لهم في عبادة هذه الأصنام مستند إلا أنهم رأوا آباءهم يعبدونها فعبدوها مثلهم وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ يعني وإنا مع عبادتهم هذه الأصنام نرزقهم الرزق الذي قدرناه لهم من غير نقص فيه ويحتمل أن يكون المراد من توفية نصيبهم يعني من العذاب الذي قدر لهم في الآخرة كاملا موفرا غير ناقص.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني التوراة فَاخْتُلِفَ فِيهِ يعني في الكتاب فمنهم مصدق به ومكذب به كما فعل قومك يا محمد بالقرآن ففيه تسلية للنبي ﷺ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يعني بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة لكان الذي يستحقونه من تعجيل العقوبة في الدنيا على كفرهم وتكذيبهم وهو قوله تبارك وتعالى: لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يعني لعذبوا في الحال وفرغ من عذابهم وإهلاكهم وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ يعني من القرآن ونزوله عليك يا محمد مُرِيبٍ يعني أنهم قد وقعوا في الريب والتهمة وَإِنَّ كُلًّا يعني من الفريقين المختلفين المصدق والمكذب لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ اللام لام القسم تقديره والله ليوفينهم جزاء أعمالهم في القيامة فيجازي المصدق على تصديقه الجنة ويجازي المكذب على تكذيبه النار إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده وإن دقت ففيه وعد للمحسنين المصدقين وفيه وعيد وتهديد للمكذبين الكافرين.
[سورة هود (١١): الآيات ١١٢ الى ١١٥]
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)
قوله سبحانه وتعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ الخطاب فيه للنبي ﷺ يعني فاستقم يا محمد على دين ربك والعمل به والدعاء إليه كما أمرك ربك والأمر في فاستقم للتأكيد لأن النبي ﷺ كان على الاستقامة لم يزل عليها كقولك للقائم قم حتى آتيك أي دم على ما أنت عليه من القيام حتى آتيك وَمَنْ تابَ مَعَكَ يعني ومن آمن معك من أمتك فليستقيموا أيضا على دين الله والعمل بطاعته قال عمر بن الخطاب: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ منه روغان الثعلب (م). عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال «قل آمنت بالله ثم استقم» وَلا تَطْغَوْا يعني ولا تجاوزوا أمري إلى غيره ولا تعصوني وقيل معناه ولا تغلوا في الدين فتجاوزوا ما أمرتكم به ونهيتكم عنه إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها قال ابن عباس: ما نزلت آية على رسول الله ﷺ هي أشد عليه من هذه الآية ولذلك قال شيبتني هود وأخواتها (خ) عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» قوله: إن الدين يسر، اليسر ضد العسر وأراد به التسهيل في الدين وترك التشدد فإن هذا الدين مع يسره وسهولته قوي فلن يغالب ولن يقاوى فسددوا أي اقصدوا السداد من الأمور وهو الصواب وقاربوا أي اطلبوا المقاربة وهي القصد الذي لا غلو فيه ولا تقصير والغدوة الرواح بكرة والرواح الرجوع عشيا والمراد منه اعملوا أطراف النهار وقتا وقتا والدلجة
505
سير الليل والمراد منه اعملوا بالنهار واعملوا بالليل أيضا وقوله شيء من الدلجة إشارة إلى تقليله.
وقوله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قال ابن عباس: ولا تميلوا والركون هو المحبة والميل بالقلب، وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم، وقال السدي: لا تداهنوا الظلمة، وعن عكرمة لا تطيعوهم، وقيل: معناه ولا تسكنوا إلى الذين ظلموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ يعني فتصيبكم النار بحرها وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعني أعوانا وأنصارا يمنعونكم من عذابه ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ يعني ثم لا تجدون لكم من ينصركم ويخلصكم من عقاب الله غدا في القيامة ففيه وعيد لمن ركن إلى الظلمة أو رضي بأعمالهم أو أحبهم فكيف حال الظلمة في أنفسهم نعوذ بالله من الظلم.
قوله عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ سبب نزول هذه الآية ما رواه الترمذي عن أبي اليسر قال «أتتني امرأة تبتاع تمرا فقلت إن في البيت تمرا هو أطيب منه فدخلت معي فأهويت إليها فقبلتها فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا فلم أصبر فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا فلم أصبر فأتيت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له فقال أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظن أنه من أهل النار قال وأطرق رسول الله ﷺ طويلا حتى أوحى الله إليه وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إلى قوله ذلك ذكرى للذاكرين.
قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها رسول الله ﷺ فقال أصحابه يا رسول الله ألهذا خاصة أم للناس عامة قال بل للناس عامة»
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وقيس بن الربيع ضعّفه وكيع وغيره وأبو اليسر هو كعب بن عمرو (ق). عن عبد الله بن مسعود «أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له فنزلت وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ الآية فقال الرجل يا رسول الله ألي هذه الآية قال لمن عمل بها من أمتي وفي رواية فقال رجل من القوم يا نبي الله هذه له خاصة قال بل للناس كافة» عن معاذ بن جبل قال «أتى النبي ﷺ رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلا لقي امرأة وليس بينهما معرفة فليس يأتي الرجل إلى امرأته شيئا إلا قد أتى هو إليها إلا أنه لم يجامعها قال فأنزل الله عز وجل وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ فأمره النبي ﷺ أن يتوضأ ويصلي قال معاذ فقلت يا رسول الله أهي له خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال: بل للمؤمنين عامة» أخرجه الترمذي وقال هذا الحديث ليس بمتصل لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ.
أما التفسير فقوله سبحانه وتعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ يعني صلاة الغداة والعشي وقال مجاهد:
طرفي النهار يعني صلاة الصبح والظهر والعصر وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ يعني صلاة المغرب والعشاء، وقال مقاتل: صلاة الصبح والظهر طرف وصلاة العصر والمغرب طرف وزلفا من الليل يعني صلاة العشاء وقال الحسن طرفي النهار الصبح والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء وقال ابن عباس طرفي النهار الغداة والعشي يعني صلاة الصبح والمغرب قال الإمام فخر الدين الرازي: كثرت المذاهب في تفسير طرفي النهار والأشهر أن الصلاة التي في طرفي النهار هي الفجر والعصر وذلك لأن أحد طرفي النهار هو طلوع الشمس والثاني هو غروبها فالطرف الأول هو صلاة الفجر والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب لأنها داخلة تحت قوله تعالى وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ فوجب حمل الطرف الثاني على صلاة العصر وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ يعني وأقم الصلاة في زلف من الليل وهي ساعاته واحدتها زلفة وأصل الزلفة المنزلة والمراد بها صلاة المغرب والعشاء إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يعني إن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات ويكفرنها (م) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن زاد في رواية ما لم تغش الكبائر» وزاد في رواية أخرى «ورمضان إلى
506
قوله عز وجل :﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب ﴾ يعني التوراة ﴿ فاختلف فيه ﴾ يعني في الكتاب فمنهم مصدق به ومكذب به كما فعل قومك يا محمد بالقرآن ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾ يعني بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة لكان الذي يستحقونه من تعجيل العقوبة في الدنيا على كفرهم وتكذيبهم وهو قوله تبارك وتعالى :﴿ لقضي بينهم ﴾ يعني لعذبوا في الحال وفرغ من عذابهم وإهلاكهم ﴿ وإنهم لفي شك منه ﴾ يعني من القرآن ونزوله عليك يا محمد ﴿ مريب ﴾ يعني أنهم قد وقعوا في الريب والتهمة.
﴿ وإن كلاًّ ﴾ يعني من الفريقين المختلفين المصدق والمكذب ﴿ لما ليوفينهم ربك أعمالهم ﴾ اللام لام القسم تقديره والله ليوفينهم جزاء أعمالهم في القيامة فيجازي المصدق على تصديقه الجنة ويجازي المكذب على تكذيبه النار ﴿ إنه بما يعملون خبير ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده وإن دقت ففيه وعد للمحسنين المصدقين وفيه وعيد وتهديد للمكذبين الكافرين.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ فاستقم كما أمرت ﴾ الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم يعني فاستقم يا محمد على دين ربك والعمل به والدعاء إليه كما أمرك ربك والأمر في فاستقم للتأكيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الاستقامة لم يزل عيها كقولك للقائم قم حتى آتيك أي دُم على ما أنت عليه من القيام حتى آتيك ﴿ ومن تاب معك ﴾ يعني ومن آمن معك من أمتك فليستقيموا أيضاً على دين الله والعمل بطاعته قال عمر بن الخطاب : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ منه روغان الثعلب ( م ). عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال «قل آمنت بالله ثم استقم » ﴿ ولا تطغوا ﴾ يعني ولا تجاوزوا أمري إلى غيره ولا تعصوني وقيل معناه ولا تغلوا في الدين فتجاوزوا ما أمرتكم به ونهيتكم عنه ﴿ إنه بما تعملون بصير ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها قال ابن عباس : ما نزلت آية على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أشد عليه من هذه الآية ولذلك قال شيبتني هود وأخواتها ( خ ) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة » قوله : إن الدين يسر، اليسر ضد العسر وأراد به التسهيل في الدين وترك التشدد فإن هذا الدين مع يسره وسهولته قوي فلن يغالب ولن يقاوى فسددوا أي اقصدوا السداد من الأمور وهو الصواب وقاربوا أي اطلبوا المقاربة وهي القصد الذي لا غلو فيه ولا تقصير والغدوة الرواح بكرة والرواح الرجوع عشياً والمراد منه اعملوا أطراف النهار وقتاً وقتاً والدلجة سير الليل والمراد مه اعملوا بالنهار واعملوا بالليل أيضاً وقوله شيء من الدلجة إشارة إلى تقليله.
وقوله تعالى :﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾ قال ابن عباس : ولا تميلوا والركون هو المحبة والميل بالقلب، وقال أبو العالية : لا ترضوا بأعمالهم، وقال السدي : لا تداهنوا الظلمة، وعن عكرمة لا تطيعوهم، وقيل : معناه ولا تسكنوا إلى الذين ظلموا ﴿ فتمسكم النار ﴾ يعني فتصيبكم النار بحرها ﴿ وما لكم من دون الله من أولياء ﴾ يعني أعواناً وأنصاراً يمنعونكم من عذابه ﴿ ثم لا تنصرون ﴾ يعني ثم لا تجدون لكم من ينصركم ويخلصكم من عقاب الله غداً في القيامة ففيه وعيد لمن ركن إلى الظلمة أو رضي بأعمالهم أو أحبهم فكيف حال الظلمة في أنفسهم نعوذ بالله من الظلم.
قوله عز وجل :﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار ﴾ سبب نزول هذه الآية ما رواه الترمذي عن أبي اليسر قال «أتتني امرأة تبتاع تمراًَ فقلت إن في البيت تمراً هو أطيب منه فدخلت معي فأهويت إليها فقبلتها فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً فلم أصبر فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً فلم أصبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال أخلفت غازياً في سبيل الله في أهله بمثل هذا حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظن أنه من أهل النار قال وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً حتى أوحى الله إليه وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إلى قوله ذلك ذكرى للذاكرين.
قال أبو اليسر : فأتيته فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابه يا رسول الله ألهذا خاصة أم للناس عامة قال «بل للناس عامة » قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب وقيس بن الربيع ضعّفه وكيع وغيره وأبو اليسر هو كعب بن عمرو ( ق ). عن عبد الله بن مسعود «أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فنزلت ﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل ﴾ الآية فقال الرجل يا رسول الله ألي هذه الآية قال لمن عمل بها من أمتي وفي رواية فقال رجل من القوم يا نبي الله هذه له خاصة قال بل للناس كافة » عن معاذ بن جبل قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلاً لقي امرأة وليس بينهما معرفة فليس يأتي الرجل إلى امرأته شيئاً إلا قد أتى هو إليها إلا أنه لم يجامعها قال فأنزل الله عز وجل ﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ﴾ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ ويصلي قال معاذ فقلت يا رسول الله أهي له خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقال :«بل للمؤمنين عامة ؟ » أخرجه الترمذي وقال هذا الحديث ليس بمتصل لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ.
أما التفسير فقوله سبحانه وتعالى :﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار ﴾ يعني صلاة الغداة والعشي وقال مجاهد : طرفي النهار يعني صلاة الصبح والظهر والعصر ﴿ وزلفاً من الليل ﴾ يعني صلاة المغرب والعشاء، وقال مقاتل : صلاة الصبح والظهر طرف وصلاة العصر والمغرب طرف وزلفاً من الليل يعني صلاة العشاء وقال الحسن طرفي النهار الصبح والعصر وزلفاً من الليل المغرب والعشاء وقال ابن عباس طرفي النهار الغداة والعشي يعني صلاة الصبح والمغرب قال الإمام فخر الدين الرازي : كثرت المذاهب في تفسير طرفي النهار والأشهر أن الصلاة التي في طرفي النهار هي الفجر والعصر وذلك لأن أحد طرفي النهار هو طلوع الشمس والثاني هو غروبها فالطرف الأول هو صلاة الفجر والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب لأنها داخلة تحت قوله تعالى ﴿ وزلفاً من الليل ﴾ فوجب حمل الطرف الثاني على صلاة العصر ﴿ وزلفاً من الليل ﴾ يعني وأقم الصلاة في زلف من الليل وهي ساعاته واحدتها زلفة وأصل الزلفة المنزلة والمراد بها صلاة المغرب والعشاء ﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾ يعني إن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات ويكفرنها ( م ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن زاد في رواية ما لم تغش الكبائر » وزاد في رواية أخرى «ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر » ( ق ) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا » ( خ ) عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات » قال الحسن وما يبقى من الدرن.
قال العلماء : الصغائر من الذنوب تكفرها الأعمال الصالحات مثل الصلاة والصدقة والذكر والاستغفار ونحو ذلك من أعمال البر وأما الكبائر من الذنوب فلا يكفرها إلا التوبة النصوح ولها ثلاث شرائط : الشرط الأول : الإقلاع عن الذنب بالكلية.
الثاني : الندم على فعله.
الثالث : العزم التام أن لا يعود إليه في المستقبل، فإذا حصلت هذه الشرائط صحت التوبة وكانت مقبولة إن شاء الله تعالى، وقال مجاهد في تفسير الحسنات إنها قول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والقول الأول أصح أنها الصلوات الخمس وهو قول ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب ومجاهد في إحدى الروايتين عنه والقرظي والضحاك وجمهور المفسرين ﴿ ذلك ﴾ إشارة إلى ما تقدم ذكره من الاستقامة والتوبة وقيل هو إشارة إلى القرآن ﴿ ذكرى للذاكرين ﴾ يعني عظة للمؤمنين المطيعين.
﴿ واصبر ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني واصبر يا محمد على أذى قومك وما تلقاه منهم، وقيل معناه واصبر على الصلاة ﴿ فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ﴾ يعني أعمالهم، قال ابن عباس : يعني المصلين.
رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (ق) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا» (خ) عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات» قال الحسن وما يبقى من الدرن.
قال العلماء: الصغائر من الذنوب تكفرها الأعمال الصالحات مثل الصلاة والصدقة والذكر والاستغفار ونحو ذلك من أعمال البر وأما الكبائر من الذنوب فلا يكفرها إلا التوبة النصوح ولها ثلاث شرائط: الشرط الأول: الإقلاع عن الذنب بالكلية.
الثاني: الندم على فعله.
الثالث: العزم التام أن لا يعود إليه في المستقبل، فإذا حصلت هذه الشرائط صحت التوبة وكانت مقبولة إن شاء الله تعالى، وقال مجاهد في تفسير الحسنات إنها قول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والقول الأول أصح أنها الصلوات الخمس وهو قول ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب ومجاهد في إحدى الروايتين عنه والقرظي والضحاك وجمهور المفسرين ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم ذكره من الاستقامة والتوبة وقيل هو إشارة إلى القرآن ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ يعني عظة للمؤمنين المطيعين وَاصْبِرْ الخطاب للنبي ﷺ يعني واصبر يا محمد على أذى قومك وما تلقاه منهم، وقيل معناه واصبر على الصلاة فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يعني أعمالهم، قال ابن عباس: يعني المصلين.
[سورة هود (١١): الآيات ١١٦ الى ١١٩]
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)
قوله سبحانه وتعالى: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ يعني فهلا كان من القرون التي أهلكناهم مِنْ قَبْلِكُمْ يعني يا أمة محمد أُولُوا بَقِيَّةٍ يعني أولوا تمييز وطاعة وخير يقال فلان ذو بقية إذا كان فيه خير وقيل معناه أولوا بقية من خير يقال فلان على بقية من الخير إذا كان على خصلة محمودة يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ يعني يقومون بالنهي عن الفساد في الأرض والآية للتقريع والتوبيخ يعني لم يكن فيهم من فيه خير ينهى عن الفساد عن الأرض فلذلك أهلكناهم إِلَّا قَلِيلًا هذا استثناء منقطع معناه لكن قليلا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ يعني من آمن الأمم الماضية وهم أتباع الأنبياء كانوا ينهون عن الفساد في الأرض وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ يعني واتبع الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي ما تنعموا فيه والترف التنعم والمعنى أنهم اتبعوا ما تعودوا به من النعم وإيثار اللذات على الآخرة ونعيمها وَكانُوا مُجْرِمِينَ يعني كافرين وَما كانَ رَبُّكَ يعني وما كان ربك يا محمد لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ يعني لا يهلكهم بظلم منه وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ يعني: في أعمالهم ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السيئات، وقيل: في معنى الآية وما كان ربك ليهلك القرى بمجرد شركهم إذا كانوا مصلحين يعني يعامل بعضهم بعضا بالصلاح والسداد والمراد من الهلاك عذاب الاستئصال في الدنيا أما عذاب الآخرة فهو لازم لهم ولهذا قال بعض الفقهاء إن حقوق الله مبناها على المسامحة والمساهلة وحقوق العباد مبناها على التضييق والتشديد قوله عز وجل: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً
يعني كلهم على دين واحد وشريعة واحدة وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ يعني على أديان شتى ما بين يهودي ونصراني ومجوسي ومشرك ومسلم فكل أهل دين من
﴿ وما كان ربك ﴾ يعني وما كان ربك يا محمد ﴿ ليهلك القرى بظلم ﴾ يعني لا يهلكهم بظلم منه ﴿ وأهلها مصلحون ﴾ يعني : في أعمالهم ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السيئات، وقيل : في معنى الآية وما كان ربك ليهلك القرى بمجرد شركهم إذا كانوا مصلحين يعني يعامل بعضهم بعضاً بالصلاح والسداد والمراد من الهلاك عذاب الاستئصال في الدنيا أما عذاب الآخرة فهو لازم لهم ولهذا قال بعض الفقهاء إن حقوق الله مبناها على المسامحة والمساهلة وحقوق العباد مبناها على التضييق والتشديد.
قوله عز وجل :﴿ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ﴾ يعني كلهم على دين واحد وشريعة واحدة ﴿ ولا يزالون مختلفين ﴾ يعني على أديان شتى ما بين يهودي ونصراني ومجوسي ومشرك ومسلم فكل أهل دين من هذه الأديان قد اختلفوا في دينهم أيضاً اختلافاً كثيراً لا ينضبط عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تفرق اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين والنصارى مثل ذلك وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة » أخرجه أبو داود والترمذي بنحوه عن معاوية قال «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة » أخرجه أبو داود قال الخطابي : قوله صلى الله عليه وسلم «وستفترق أمتي » فيه دلالة على أن هذه الفرق غير خارجة من الملة والدين إذ جعلهم من أمته وقال غيره المراد بهذه الفرق أهل البدع والأهواء الذين تفرقوا واختلفوا وظهروا بعده كالخوارج والقدرية والمعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع والأهواء والمراد بالواحدة هي فرقة السنة والجماعة الذين اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ إلا من رحم ربك ﴾ يعني لكن من رحم ربك فمنّ عليه بالهداية والتوفيق إلى الحق، وهداه إلى الدين القويم والصراط المستقيم فهم لا يختلفون ﴿ ولذلك خلقهم ﴾ قال الحسن وعطاء وللاختلاف خلقهم.
قال أشهب : سألت مالك بن أنس عن هذه الآية فقال خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : وللرحمة خلقهم يعني الذين يرحمهم.
وقال الفراء : خلق أهل الرحمة للرحمة وخلق أهل الاختلاف للاختلاف، وقيل : خلق الله عز وجل أهل الرحمة للرحمة لئلا يختلفوا وخلق أهل العذاب لأن يختلفوا وخلق الجنة وخلق لها أهلاً وخلق النار وخلق لها أهلاً فحاصل الآية أن الله خلق أهل الباطل وجعلهم مختلفين، وخلق أهل الحق وجعلهم متفقين فحكم على بعضهم بالاختلاف ومصيرهم إلى النار وحكم على بعضهم بالرحمة وهم أهل الاتفاق ومصيرهم إلى الجنة ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله تبارك وتعالى :﴿ وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾ وهذا صريح بأن الله سبحانه وتعالى خلق أقواماً للجنة وللرحمة فهداهم ووفقهم لأعمال أهل الجنة وخلق أقواماً للضلالة والنار فخذلهم ومنعهم من الهداية.
هذه الأديان قد اختلفوا في دينهم أيضا اختلافا كثيرا لا ينضبط عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال «تفرق اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين والنصارى مثل ذلك وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» أخرجه أبو داود والترمذي بنحوه عن معاوية قال «قام فينا رسول الله ﷺ فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة» أخرجه أبو داود قال الخطابي: قوله ﷺ «وستفترق أمتي» فيه دلالة على أن هذه الفرق غير خارجة من الملة والدين إذ جعلهم من أمته وقال غيره المراد بهذه الفرق أهل البدع والأهواء الذين تفرقوا واختلفوا وظهروا بعده كالخوارج والقدرية والمعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع والأهواء والمراد بالواحدة هي فرقة السنة والجماعة الذين اتبعوا الرسول ﷺ في أقواله وأفعاله.
وقوله سبحانه وتعالى: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ يعني لكن من رحم ربك فمنّ عليه بالهداية والتوفيق إلى الحق، وهداه إلى الدين القويم والصراط المستقيم فهم لا يختلفون وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ قال الحسن وعطاء وللاختلاف خلقهم.
قال أشهب: سألت مالك بن أنس عن هذه الآية فقال خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: وللرحمة خلقهم يعني الذين يرحمهم.
وقال الفراء: خلق أهل الرحمة للرحمة وخلق أهل الاختلاف للاختلاف، وقيل: خلق الله عز وجل أهل الرحمة للرحمة لئلا يختلفوا وخلق أهل العذاب لأن يختلفوا وخلق الجنة وخلق لها أهلا وخلق النار وخلق لها أهلا فحاصل الآية أن الله خلق أهل الباطل وجعلهم مختلفين، وخلق أهل الحق وجعلهم متفقين فحكم على بعضهم بالاختلاف ومصيرهم إلى النار وحكم على بعضهم بالرحمة وهم أهل الاتفاق ومصيرهم إلى الجنة ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله تبارك وتعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وهذا صريح بأن الله سبحانه وتعالى خلق أقواما للجنة وللرحمة فهداهم ووفقهم لأعمال أهل الجنة وخلق أقواما للضلالة والنار فخذلهم ومنعهم من الهداية.
[سورة هود (١١): الآيات ١٢٠ الى ١٢٣]
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)
قوله سبحانه وتعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ لما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة الكريمة قصص الأمم الماضية والقرون الحالية وما جرى لهم مع أنبيائهم خاطب نبيه ﷺ بقوله وكلّا نقص عليك يا محمد من أنباء الرسل يعني من أخبار الرسل وما جرى لهم مع قومهم ما نثبت به فؤادك يعني ما نقوي به قلبك لتصبر على أذى قومك وتتأسى بالرسل الذين خلوا من قبلك وذلك لأن النبي ﷺ إذا سمع هذه القصص وعلم أن حال جميع الأنبياء مع أتباعهم هكذا سهل عليه تحمل الأذى من قومه وأمكنه الصبر عليه وَجاءَكَ يا محمد فِي هذِهِ الْحَقُّ اختلفوا في هذا الضمير إلى ماذا يعود فقيل معناه وجاءك في هذه الدنيا الحق وفيه بعد لأنه لم يجر للدنيا ذكر حتى يعود الضمير إليها وقيل في هذه الآية وقيل في هذه السورة وهو الأقرب وهو قول الأكثرين فإن قلت جاءه الحق في سورة القرآن فلم خص هذه السورة بالذكر قلت لا يلزم من تخصيص هذه السورة بالذكر أن لا يكون قد جاءه الحق في غيرها من السور بل القرآن كله حق وصدق وإنما
508
خصها بالذكر تشريفا لها وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي وهذه السورة موعظة يتعظ بها المؤمنون إذا تذكروا أحوال الأمم الماضية وما نزل بهم وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ فيه وعيد وتهديد يعني اعملوا ما أنتم عاملون فستعلمون عاقبة ذلك العمل فهو كقوله: اعملوا ما شئتم إِنَّا عامِلُونَ يعني ما أمرنا به ربنا وَانْتَظِرُوا يعني ما يعدكم به الشيطان إِنَّا مُنْتَظِرُونَ يعني ما يحل بكم من نقمة الله وعذابه إما في الدنيا وإما في الآخرة وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني يعلم ما غاب عن العباد فيهما يعني أن علمه سبحانه وتعالى نافذ في جميع الأشياء خفيها وجليها وحاضرها ومعدومها لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يعني إلى الله يرجع أمر الخلق كلهم في الدنيا والآخرة فَاعْبُدْهُ يعني أن من كان كذلك كان مستحقا للعبادة لا غيره فاعبده ولا تشتغل بعبادة غيره وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ يعني وثق به في جميع أمورك فإنه يكفيك وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ قال أهل التفسير هذا خطاب للنبي ﷺ ولجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم والمعنى أنه سبحانه وتعالى يحفظ على العباد أعمالهم لا يخفى عليه منها شيء فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
قال كعب الأحبار: خاتمة التوراة خاتمة سورة هود والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
509
﴿ وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم ﴾ فيه وعيد وتهديد يعني اعملوا ما أنتم عاملون فستعلمون عاقبة ذلك العمل فهو كقوله : اعملوا ما شئتم ﴿ إنا عاملون ﴾ يعني ما أمرنا به ربنا.
﴿ وانتظروا ﴾ يعني ما يعدكم به الشيطان ﴿ إنا منتظرون ﴾ يعني ما يحل بكم من نقمة الله وعذابه إما في الدنيا وإما في الآخرة.
﴿ ولله غيب السماوات والأرض ﴾ يعني يعلم ما غاب عن العباد فيهما يعني أن علمه سبحانه وتعالى نافذ في جميع الأشياء خفيها وجليها وحاضرها ومعدومها لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ﴿ إليه يرجع الأمر كله ﴾ يعني إلى الله يرجع أمر الخلق كلهم في الدنيا والآخرة ﴿ فاعبده ﴾ يعني أن من كان كذلك كان مستحقاً للعبادة لا غيره فاعبده ولا تستغل بعبادة غيره ﴿ وتوكل عليه ﴾ يعني وثق به في جميع أمورك فإنه يكفيك ﴿ وما ربك بغافل عما تعملون ﴾ قال أهل التفسير هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم والمعنى أنه سبحانه وتعالى يحفظ على العباد أعمالهم لا يخفى عليه منها شيء فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
قال كعب الأحبار : خاتمة التوراة خاتمة سورة هود والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon