تفسير سورة الإخلاص

التفسير الوسيط للزحيلي
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب التفسير الوسيط المعروف بـالتفسير الوسيط للزحيلي .
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ

[سورة الإخلاص (١١٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)
«١» «٢» «٣» [الإخلاص: ١١٢/ ١- ٤].
أخرج أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم عن أبي بن كعب رضي الله عنه: أن المشركين سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نسب ربه- تعالى عما يقول الجاهلون- فنزلت هذه السورة.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن اليهود دخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا له: يا محمد، صف لنا ربك وانسبه، فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى خرّ مغشيا عليه، ونزل عليه جبريل عليه السّلام بهذه السورة:
سورة الإخلاص.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية، وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: قالت الأحزاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: انسب لنا ربك، فأتاه الوحي بهذه السورة.
والمعنى: قل أيها الرسول لمن سألك عن صفة ربك ونسبته: هو الله أحد، أي واحد فرد في ذاته وصفاته، لا شريك له، ولا نظير، ولا عديل، ليس كمثله شيء، وليس مركّبا ولا متعددا، وهُوَ مبتدأ أول، واللَّهُ مبتدأ ثان، وأَحَدٌ خبره، والجملة: خبر المبتدأ الأول، والتصدير بضمير الشأن هُوَ للتنبيه على فخامة الكلام الآتي، وبيان خطورته وروعته، لأن الضمير يدعوك إلى ترقب ما بعده.
فإذا جاء تفسيره وتوضيحه، تمكن في النفس تمكنا تاما، ولم يقل (الله الأحد) لأن المقصود إثبات أن الله جل جلاله واحد، ليس متعددا في ذاته، فلو قيل: (الله الأحد) لأوهم التعدد، والمقصود نفي التعدد الذي كان المشركون يعتقدونه.
والله هو الصمد: أي المقصود وحده في قضاء الحوائج، لأنه القادر على تحقيقها.
(١) واحد في ذاته وصفاته وأفعاله.
(٢) المقصود وحده في قضاء الحوائج.
(٣) مكافئا ومماثلا.
2958
فالصمد: هو الذي يصمد إليه في الحوائج، أي يقصد، وصمد من باب نصر، أي قصد.
والمعنى المراد: هو الله الذي يقصد إليه كل مخلوق، لا يستغني عنه أحد، وهو الغني عنهم. وهذا لإبطال اعتقاد المشركين العرب وأمثالهم، بوجود الوسائط والشفعاء. قال ابن عباس في تفسير الصمد: يعني الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، وهو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، هذه صفته، لا تنبغي إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار.
وليس لله مصدر ولا ذرية فهو لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) أي إنه سبحانه لم يصدر عنه ولد، ولم يصدر هو عن شيء، لأنه لا يجانسه شيء، ولأنه قديم غير محدث، لا أول لوجوده، وليس بجسم. وهذا نفي للشبه والمجانسة، ووصف بالقدم (الأزلية) والأولية، ونفي الحدوث. بل ونفي النهاية والفناء، كما في آية أخرى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: ٥٧/ ٣].
ثم إن الجملة الأولى لَمْ يَلِدْ ذات هدف مزدوج، فهي نفي لوجود الولد لله، ورد على المشركين الذين زعموا أن الملائكة بنات الله، وعلى اليهود القائلين:
عزير: ابن الله، وعلى النصارى الذين قالوا بالتثليث، وبأن المسيح ابن الله، وعلى المانوية القائلين بألوهية النور والظلمة، وعلى الصابئة الذين يعبدون النجوم. وكذلك الجملة الثانية مزدوجة الأثر: نفي لوجود الوالد، وسبق العدم، بمعنى أنه لم يكن غير موجود ثم وجد.
2959
ثم نفى الله تعالى عن ذاته مشابهة الحوادث فقال: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤) أي ليس لله أحد يساويه، ولا يماثله، ولا يشاركه، وهذا متعدد الهدف، فهو نفي لوجود الصاحبة، وإبطال لما يعتقد به المشركون العرب، من أن لله ندّا في أفعاله (والند: النظير والمثيل) حيث جعلوا الملائكة شركاء لله، والأصنام والأوثان أندادا لله تعالى. فهذه السورة تتضمن أن الله واجب الوجود، ويحتاج إليه كل شيء موجود، وهو منزه عن كل ما لا يليق به، وليس كمثله شيء.
ولهذه السورة نظائر أخرى، منها آية: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام: ٦/ ١٠١]. أي إنه مالك كل شيء وخالقه، فكيف له من خلقه نظير؟!.
جاء في صحيح البخاري: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا، وهو يرزقهم ويعافيهم».
2960
تفسير سورة الفلق
التعوذ من شر الخلق
الله تعالى ملجأ كل المخلوقات، فهو الذي يمنع الشر والسوء، ويحمي من كل أذى، ويعافي كل مبتلى إن شاء. وقد علّمنا كيفية اللجوء إليه في الأزمات المستعصية، والتخلص من الأوهام والتخيلات، ومن تغوّل مردة الجن والشياطين، وذلك في سورة الفلق المكية في قول، والصحيح أنها مدنية، لأن اليهود سحروا النبي عليه الصلاة والسّلام في المدينة، وكذا سورة الناس مدنية على الصحيح، فبعد أن شرح الله تعالى أمر الألوهية في السورة التي سبقتها وهي سورة الإخلاص، جاء بهذه السورة شرحا لما يستعاذ منه بالله تعالى، من الشر الذي في مراتب العالم ومراتب مخلوقات الله.
وسورة الفلق والسورة التي بعدها وهي سورة الناس، نزلتا معا، كما في الدلائل للبيهقي، فلذلك قرنتا مع ما اشتركنا فيه من التسمية بالمعوذتين، ومن الافتتاح بقل أعوذ.
أخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس».
وسورة الفلق هي:
2961
Icon