أخبرني محمد بن القاسم الفقيه قال : حدّثنا محمد بن زيد العدل قال : حدّثنا أبو يحيى البزاز قال : حدّثنا منصور قال : حدّثنا محمد بن عمران قال : حدّثنا أبي عن مخالد عن علي بن زيد عن زر بن حبيش عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة والمرسلات كتب أنه ليس من المشركين ).
وروى الأسود بن يزيد عن عبدالله بن مسعود : قرأت ) والمرسلات عرفاً ( على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة الجن ونحن نسير.
ﰡ
مكّية، وهي ثمان مائة وستة عشر حرفا، ومائة واحدى وثمانون كلمة، وخمسون آية
أخبرني محمد بن القاسم الفقيه قال: حدّثنا محمد بن زيد العدل قال: حدّثنا أبو يحيى البزاز قال: حدّثنا منصور قال: حدّثنا محمد بن عمران قال: حدّثنا أبي عن مخالد عن علي بن زيد عن زر بن حبيش عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والمرسلات كتب أنه ليس من المشركين» [٨٢] «١».
وروى الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود: قرأت وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً على رسول الله ﷺ ليلة الجن ونحن نسير «٢».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١ الى ٣٢]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤)فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩)
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩)
انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢)
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً يعني الرياح بعضها بعضا كعرف الفرس، وقيل كثيرا. يقول العرب:
الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه فأكثروا، وهذا معنى قول مجاهد وقتادة، ورواية أبي العبيد عن ابن مسعود، والعوفي عن ابن عباس، وقال أبو صالح ومقاتل: يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف اسم واحد من أمر الله ونهيه، وهي رواية مسروق عن ابن مسعود.
(٢) تفسير القرطبي: ١٩/ ١٥٣.
وَالنَّاشِراتِ نَشْراً يعني الرياح اللينة وقال أبو صالح هي المطرق. قال الحسن: هي الرياح يرسلها الله نشرا بين يدي رحمته اقسم الله بالرياح ثلاث مرات، مقاتل: هم الملائكة ينشرون الكتب.
فَالْفارِقاتِ فَرْقاً قال ابن عباس وأبو صالح ومجاهد والضحاك: يعني الملائكة التي تفرّق بين الحقّ والباطل، وقال قتادة والحسن وابن كيسان: يعني آي القرآن فرّقت بين الحلال والحرام، وقيل: يعني السحابات الماطرة تشبيها بالناقة الفارق، وهي الحامل التي تجزع حين تضع، ونوق فراق.
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً يعني الملائكة التي تنزل بالوحي نظيره قوله سبحانه: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ «١». عُذْراً أَوْ نُذْراً يعني الأعذار والإنذار واختلف القرّاء فيهما فخففهما الأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي واختاره أبو عبيد قال: لأنهما في موضع مصدرين أنما هو الأعذار والإنذار وليس بجمع فيثقّلا، وثقلهما الحسن، وهي رواية الأعشى والجعفي عن أبي بكر عن عاصم، والوليد عن أهل الشام، وروح عن يعقوب الياقوت بتثقيل النذر وتخفيف العذر وهما لغتان، وقرأ إبراهيم التيمي وقتادة عذرا ونذرا بالواو العاطفة ولم يجعلا ألف بينهما.
إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ محي نورها، وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ شقت وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ قلعت من أماكنها، وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ جمعت لميقات يوم معلوم، واختلف القراء فيه فقرأ ابو عمرو وقّتت بالواو وتشديد القاف وعلى الأصل، وقرأ أبو جعفر بالواو والتخفيف، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي: أُقِتَتْ بالألف وتخفيف القاف، وقرأ الآخرون بالألف والتشديد وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم، والعرب تعاقب بين الواو والهمزة كقولهم وكّدت واكّرت وورّخت الكتاب وأرّخته وودّشت من القوم وأرّشت ووشاح وأشاح وأكاف ووكاف ووسادة وأسادة، وقال النخعي: رعدت.
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ أي وقتت من الأجل وقيل: أخّرت لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ من الأمم المكذّبين في قديم الدهر ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ السالكين سبيلهم في الكفر والتكذيب، وقرأ الأعرج نُتْبِعْهُمُ بالجزم وقرأ ابن مسعود سنتبعهم.
كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ. إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وهو وقت الولادة فَقَدَرْنا
قرأ عليّ والحسن
وهي اختيار الكسائي، وقرأ الباقون بالتخفيف من القدرة واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله فَنِعْمَ الْقادِرُونَ ويجوز أن يكون التشديد والتخفيف بمعنى واحد كقوله سبحانه وتعالى نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ «١» فهي بالتخفيف والتشديد، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً وعاء أَحْياءً وَأَمْواتاً تجمعهم أحياء على ظهرها فإذا ماتوا ضمتهم إليها في بطنها وقال [بنان الصفّار] : خرجنا في جبانة مع الشعبي فنظر إلى الجبانة فقال: هذه الأموات، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الأحياء.
وأصل الكفت: الجمع والضمّ، وكانوا يسمّون بقيع الغرقد كفتة لأنه مقبرة تضمّ الموتى، ومثله
قول النبي (عليه السلام) «خمروا آنيتكم وأوّكوا أسقيتكم وأجيفوا الأبواب وأطفئوا المصابيح واكفتوا صبيانكم فإنّ للشيطان انتشارا وخطفة»
[٨٣] «٢» يعني بالليل، ويقال للأرض: كافتة.
وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً عذبا وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ثم أخبر أنه يقال لهم يوم القيامة: انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ في الدنيا انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ يعني دخان جهنم إذا ارتفع أشعب، وقيل: أنها عنق يخرج من النار فينشعب ثلاث شعب فأمّا النور فيقف على رؤوس المؤمنين والدخان يقف على رؤس المنافقين واللهب الصافي يقف على رؤس الكافرين، وقال مقاتل: هو السرادق والظل من يحموم.
لا ظَلِيلٍ لا كنين وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّها يعني جهنم تَرْمِي بِشَرَرٍ، وهي ما تطاير من النار إذا التهبت واحدتها شررة كَالْقَصْرِ وقرأ عيسى بشرار وهي لغة تميم واحدها شرارة.
كَالْقَصْرِ وقرأه العامّة بسكون الصاد، وقال ابن مسعود: يعني الحصون والمدائن وهو واحد القصر وهي رواية الوالي عن ابن عباس قال: كالقصر العظيم، وقال القرظي: إنّ على جهنم سورا فما خرج من وراء السور مما يرجع إليه في عظم القصر ولون النار.
وروى سعيد عن عبد الرحمن بن عابس قال: سألت ابن عباس عن قوله سبحانه: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ قال هي الخشب العظام المقطعة وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندّخره للشتاء فكنّا نسمّيها القصر، وقال مجاهد: هي حزم الشجر، وقال سعيد ابن جبير والضحاك: هي أصول النخل والشجر العظام واحدتها قصرة مثل تمرة وتمر وجمر
وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس: كَالْقَصَرِ بفتح الصاد أراد أعناق النخل
، والقصرة العنق وجمعها قصر وقصرات، وقرأ سعيد بن جبير كَالْقِصَرِ بكسر القاف وفتح الصاد قال أبو حاتم: ولعله لغة ونظيرها في الكلام حاجة وحوج، كأنه ردّ الكناية إلى اللفظ.
(٢) الفائق في غريب الحديث: ١/ ٣٤٢.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٣٣ الى ٥٠]
كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧)هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧)
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)
كأنه جمالات قرأ ابن عباس جمالات بضم الجيم كأنها جمع جماله وهي الشيء المجمّل، وقرأ حمزة والكسائي وخلف جِمالَتٌ بكسر الجيم من غير ألف على جمع الجمل مثل حجر وحجارة، وقرأ يعقوب جُمالة بضم الجيم من غير ألف أراد الأشياء العظام المجموعة، وقرأ الباقون جِمالات بالألف وكسر الجيم على جمع الجمال، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير:
هي جبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال، صُفْرٌ جمع الأصفر يعني لون النار، وقال بعض أهل المعاني: أراد سودا، لأنّ في الخبر أن شرر نار جهنم سود كالقير، والعرب يسمي السود من الإبل صفرا، وقال الشاعر:
تلك خيلي منه وتلك ركابي | هن صفرا أولادها كالزبيب «١» |
وإنّما سمّيت سود الإبل صفرا لأنه يشوب سوادها بشيء من صفرة، كما قيل لبيض الظباء:
أدم، لأن بيضها يعلوه كدرة.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ رفع عطف على قوله يُؤْذَنُ...
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ قال أبو عثمان: أمسكتهم رؤية الهيبة وحياء الذنوب، وقال الحسن: وهي عذر لمن أعرض عن منعمه وجحده وكفر بنعمه. هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ جمع الظل وقرأها الأعرج في ظلل على جمع الظلة وَعُيُونٍ وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ويقال لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا في الدنيا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ مشركون مستخفون للعذاب، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا صلّوا لا يَرْكَعُونَ لا يصلّون،
قال مقاتل: نزلت في ثقيف حين
، وقال ابن عباس: إنما يقال لهم: هذا يوم القيامة حين يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أي بعد القرآن يُؤْمِنُونَ إذا لم يؤمنوا به، وقال أهل المعاني: ليس قوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ تكرارا غير مفيد لأنه أراد بكلّ قول منه غير ما أراد بالقول الاخر كأنه ذكر شيئا ثم قال: ويل للمكذّبين بهذا والله أعلم.