تفسير سورة الشمس

التفسير الوسيط للزحيلي
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب التفسير الوسيط المعروف بـالتفسير الوسيط للزحيلي .
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ

تفسير سورة الشمس
تزكية النفس وعذاب المكذبين
النفس الغريزية تحتاج إلى تعديل الغرائز والتزكية، والتوجيه نحو الأفضل، وجهاد الشيطان والهوى. فإذا جاهد الإنسان هواه وكبح شهواته، كان مؤمنا حق الإيمان، وإذا أهمل نفسه، وتركها تسير على وفق المزاج والأهواء، خاب وخسر، وقد أقسم الله على ذلك. والخيبة والخسران تقتضي التعرض للعذاب، والعذاب واقع على المكذبين حتما، كما وقع على قبيلة ثمود بسبب طغيانها وكفرها، واعتدائها على رسل الله ومعجزاتهم. أخبر الله تعالى بذلك في سورة الشمس المكية بالاتفاق.
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١ الى ١٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)
وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩)
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤)
وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» «٧» «٨» «٩» «١٠» «١١» «١٢» «١٣» «١٤» «١٥» «١٦» [الشمس: ٩١/ ١- ١٥].
(١) ارتفاع الضوء وكماله.
(٢) اتبعها واستمد نوره منها.
(٣) كشفها وأظهرها.
(٤) يزيل ضوءها. [.....]
(٥) بسطها ووسعها.
(٦) عدّلها وكملها.
(٧) أفهمها ما يسبب هلاكها وخسرانها، وما يحفظها من الهلاك.
(٨) طهرها ونماها.
(٩) خسر من أهمل تزكية نفسه وتهذيبها.
(١٠) بطغيانها.
(١١) الذي عقر الناقة.
(١٢) شربها الخاص.
(١٣) فذبحوها.
(١٤) أطبق عليهم.
(١٥) سوى عليهم الأرض.
(١٦) عاقبتها.
2882
المعنى: أقسم بالشمس المضيئة نفسها، سواء غابت أم طلعت، وبضوئها وضحاها الذي يعم الأفق، لأنه مبعث حياة الأحياء، وأقسم بالقمر المنير إذا تبع الشمس في الطلوع بعد غروبها، أو أقسم برب الشمس والضحى والقمر، والضحى: ارتفاع الضوء وكماله، أو هو النهار كله، أو حر الشمس، والقمر يتلو الشمس من أول الشهر إلى نصفه في الغرب، تغرب هي ثم يغرب هو، ويتلوها في النصف الآخر بنحو آخر، وهو أن تغرب هي فيطلع هو. والواقع أن هذا اتباع لا يختص بنصف أول الشهر ولا بآخره.
وأقسم بالنهار إذا جلّى الشمس وكشفها وأظهر تمامها، ففي اكتمال النهار اكتمال وضوح الشمس. وأقسم بالليل إذا يغشى الشمس ويغطي ضوءها بظلمته، فيزيل الضوء وتغيب الشمس، وتظلم الدنيا في نصف الكرة الأرضية، ثم تطلع في النصف الآخر، وهذا رد على المشركين الذين يؤلهون الكواكب، والثنوية الذين يقولون بإلهين اثنين: النور والظلمة، لأن الإله لا يغيب ولا يتبدل حاله.
ثم ذكر الله تعالى صفات الكون حيث قال: وأقسم بالسماء وبناء الله تعالى لها بالكواكب، وأقسم بالأرض والذي بسطها من كل جانب، وجعلها ممهدة موطأة للسكنى.
وقوله: وَما بَناها ووَ ما طَحاها ما فيهما: بمعنى الذي، أي ومن بناها، لأن (ما) تقع عامة لمن يعقل ولمن لا يعقل، فيجيء القسم بنفسه تعالى، ويحتمل أن تكون (ما) في جميع ذلك مصدرية، كأنه تعالى قال: والسماء وبنيانها.
وأقسم بالنفس الإنسانية، والذي خلقها سوية مستقيمة، على الفطرة القويمة، وتسويتها: إكمال عقلها ونظرها، وإعطاؤها ما تحتاجه لتدبير البدن، وهي الحواس الظاهرة والباطنة، ثم ألهمها وأفهمها ما هو شر وفجور، وما هو خير وتقوى، وما
2883
فيهما من قبح وحسن، لتمييز الخير من الشر. وقوله: فَأَلْهَمَها أي عرفها طرق ذلك.
وجواب القسم في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ أي لقد أفلح، أي قد فاز بكل مطلوب، وظفر بكل محبوب، من زكى نفسه، فهذبها وطهرها ونماها بالخيرات، وعوّدها على التقوى والعمل الصالح، وخسر وخاب من أغوى نفسه وأهملها ولم يهذبها، وتركها تنغمس في المعاصي، ولم يتعهدها بالطاعة والعمل الصالح.
أي إن العذاب واقع على المكذبين بالحساب والجزاء الأخرى، لا محالة، فقد كذبت قبيلة ثمود بالحجر بين الشام والحجاز نبيها صالحا عليه السّلام بسبب طغيانها وبغيها، فإنه الذي حملها على التكذيب. والطغيان: مجاوزة الحد في المعاصي. وذلك حين قام أشقى ثمود: وهو قدار بن سالف، بعقر ناقة صالح عليه السّلام، بتحريض قومه ورضاهم بما يفعل، فكان عقرها دليلا على تكذيبهم جميعا لنبيهم، وبرهانا على صدق رسالته، حين حل بهم العذاب الذي أوعدهم به.
فقال لهم، أي لجماعة الأشقياء نبي الله صالح عليه السّلام: ذروا ناقة الله، واحذروا التعرض لها، أو أن تمسوها بسوء، واتركوها وما تشربه من الماء المخصص لها، بحسب القسمة المتفق عليها، لها شرب يوم، ولكم شرب يوم معلوم.
فكذبوه في تحذيره إياهم من العذاب، ولم يبالوا بما أنذرهم به من العقاب، فعقر الأشقى تلك الناقة، وقومه راضون بما فعل، فنسب العقر إليهم جميعا، فأطبق العذاب عليهم وأهلكهم الله بذنوبهم، وغضب عليهم، فدمرهم وعمهم بالعقاب، وسوى القبيلة في الهلاك، لم ينج منهم أحد، واستوت العقوبة على صغيرهم وكبيرهم، ولا يخاف هذا الأشقى من عاقبة فعله، فالفاعل يعود على أشقاها المنبعث، ويحتمل أن يكون الفاعل هو الله تعالى، أي فلا تبعة على الله تعالى في فعله
2884
بهم، لا يسأل عما يفعل، ويحتمل أن يكون الفاعل هو صالح عليه السّلام، أي لا يخاف عقبى الله تعالى بهذه الفعلة بهم، إذ قد كان أنذرهم وحذّرهم.
وقوله: فَدَمْدَمَ معناه: أنزل العذاب مقلقا لهم، مكرّرا ذلك، وهي الدّمدمة.
2885
Icon