والألف في " اسم " ألف وصل، لأنك تقول : " سُمْيّ " وحذفت لأنها ليست من اللفظ.
( اب ) اسمٌ، لأنك تقول إذا صغّرته : " سُمَيّ "، فتذهب الألف. وقوله :﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾، وقوله :﴿ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ﴾ فهذا موصول لأنك تقول : " مُرَيَّة " و " ثُنَيَّا عشر ". و [ قوله ] :﴿ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ﴾ موصول : لأنك تقول : " ثُنَيَّتا عشرةَ "، وقال :﴿ إِذْ أرسلنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾، وقال :﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ﴾، لأنك تقول في " اثنين " : " ثُنَيِّيّن " وفي " آمرئ " : " مُرَيّءِ " فتسقط الألف. وإنما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما أرادوا استئنافه فلم يصلوا إلى الابتداء بساكن، فأحدثوا هذه الألف ليصلوا إلى الكلام بها. فإذا اتصل [ الكلام ] بشيء قبله استغنى عن هذه الألف. وكذلك كل ألف كانت في أول فعل أو مصدر، وكان " يَفْعل " من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة فتلك ألف وصل نحو قوله :﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ﴿ اهْدِنَا ﴾. لأنك تقول : " يَهْدِي " فالياء مفتوحة. وقوله :﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ ﴾ و [ قوله ] :﴿ يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ﴾، وقوله :﴿ عَذَابٌ ( ٤١ ) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾، وأشباه هذا في القرآن كثيرة. والعلة فيه كالعلّة في " اسم "، و " اثنين " وما أشبهه، لأنه لما سكن الحرف الذي في أول الفعل جعلوا فيه هذه الألف ليصلوا إلى الكلام به إذا استأنفوا.
وكل هذه الألفات ( ٢ء ) اللواتي في الفعل إذا استأنفتهنّ مكسورات، فإذا استأنفت قلت ﴿ اهْدِنَا الصّرَاطَ ﴾، ﴿ ابْنِ لِي ﴾، ﴿ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ ﴾، إلا ما كان منه ثالث حروفه مضموما فانك تضم أوله إذا استأنفت، تقول :﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾، وتقول ﴿ اذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً ﴾. وإنما ضمت هذه الألف إذا كان الحرف الثالث مضموماً لأنهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفاً ساكنا، فثقل عليهم أن يكونوا في كسر ثم يصيروا إلى الضم. فأرادوا أن يكونا جميعاً مضمومين إذا كان ذلك لا يغير المعنى.
وقالوا في بعض الكلام في " المُنْتِن " : مِنْتِن ". وإنما هي من " " أنتن " فهو " مُنْتِن "، مثل " أكرم " فهو " مُكْرِم ". فكسروا الميم لكسرة التاء. وقد ضم بعضهم التاء فقال " مُنْتُن " لضمة الميم. وقد قالوا في " النَقِد " : " النِقِد " فكسروا النون لكسرة القاف. وهذا ليس من كلامهم إلا فيما كان ثانيه احد الحروف الستة نحو " شعير ". والحروف الستة : الخاء والحاء والعين والغين والهمزة والهاء.
وما كان على " فُعِلَ " مما في أوله هذه الألف الزائدة فاستئنافه أيضا مضموم نحو :﴿ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ ﴾ لان أول " فُعِلَ " أبدا مضموم، [ ٢ب ] والثالث من حروفها أيضا مضموم.
وما كان على " أَفعَلُ أنا " فهو مقطوع الألف وإن كان من الوصل، لأن " أَفْعَلُ " فيها ألف سوى ألف الوصل، وهي نظيرة الياء في " يَفْعَل ". وفي كتاب الله عز وجل ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، و ﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ ﴾و ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾.
وما كان من نحو الألفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم، وكانت لا تسقط في التصغير فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله :﴿ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ ﴾، وقوله ﴿ يَا أَبَانَا ﴾، وقوله، ﴿ إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ ﴾، و ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ﴾ ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ ﴾، لأنها إذا صغرت ثبتت الألف فيها، تقول في تصغير " إحدى " : " أُحَيْدى "، و " أحَد " : " أُحَيْد "، و " أَبانا " : " أُبَيُّنا " و كذلك " أُبَيّانِ " و " أُبَيُّونَ ". وكذلك [ الألف في قوله ] ﴿ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ﴾و ﴿ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾، لأنك تقول في " الأنصار " : " أُنَيْصار "، وفي " الأنباءِ " : " أُبَيْناء " و " أُبَيْنُون ".
وما كان من الألفات في أول فعل أو مصدر، وكان " يَفْعل " من ذلك الفعل ياؤه مضمومة، فتلك الألف مقطوعة. تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله ﴿ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾، لأنك تقول : " يُنْزَل ". فالياء مضمومة. و ﴿ رَبَّنَا آتِنَا ﴾ تقطع لان الياء مضمومة، لأنك تقول : " يُؤْتِى ". وقال ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾و ﴿ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ لأنك تقول : " يُؤتِي "، و " يُحْسِن " [ ٣ء ]. وقوله :﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾، و ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ فهذه موصولة لأنك تقول : " يَأتي "، فالياء مفتوحة. وإنما الهمزة التي في قوله :﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ همزة كانت من الأصل في موضع الفاء من الفعل، ألا ترى أنها ثابتة في " أتيت " وفي " أتى " لا تسقط. وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء الله. وقوله :﴿ آتِنَا ﴾ يكون من " آتى " و " آتاه الله "، كما تقول : " ذهب " و " أذهبه الله " ويكون على " أَعطنا ". قال ﴿ فَآتِهِمْ عَذَاباً ﴾ على " فَعَل " و " أَفْعَلَهُ غيرُه ".
وأما قوله :﴿ الرحمن الرَّحِيمِ ( ١ ) الْحَمْدُ ﴾ ( ٢ ) فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الألف واللام حتى ذهبت الألف في اللفظ. وذلك لان كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالألف تذهب إذا اتصلت بكلام قبلها. وإذا استأنفتها كانت مفتوحة أبدا لتفرق بينها وبين الألف التي تزاد مع غير اللام، ولان هذه الألف واللام هما جميعاً حرف واحد ك " قد " و " بل ". وإنما تعرف زيادتهما بأن تروم ألفا ولاما أخريين تدخلهما عليهما، فان لم تصل الى ذلك عرفت انهما [ ٣ب ] زائدتان ألا ترى أن قولك " الحمدُ للّهِ " وقولك : " العالمين " وقولك " التي " و " الذي " " و الله " لا تستطيع أن تدخل عليهن ألفا ولاما أخريين ؟ فهذا يدل على زيادتهما، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الألف. إلا أن توصل بألف الاستفهام فتترك مخففة، [ و ] لا يخفف فيها الهمزة الأناس من العرب قليل، وهو قوله ﴿ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ﴾ وقوله ﴿ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ وقوله ﴿ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾. وإنما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر. ألا ترى انك لو قلت وأنت تستفهم : " الرجل قال كذا وكذا " فلم تمددها صارت مثل قولك " الرجل قال كذا وكذا " إذا أخبرت.
وليس سائر ألفات الوصل هكذا. قال﴿ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ﴾، وقال ﴿ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ ﴾. فهذه الألفات مفتوحة مقطوعة، لأنها ألف استفهام، وألف الوصل التي كانت في " اصطفى " [ و " افترى " ] قد ذهبت، حيث اتصلت الصاد [ والفاء ] بهذه الألف التي قبلها للاستفهام. وقال من قرأ هذه الآية ﴿ كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ ﴾ ﴿ أَتَّخَذْنَاهُمْ ﴾ فقطع ألف " أَتخذناهم " فإنما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها، لأنها إذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت. وقد قرئ هذا الحرف موصولا، وذلك إنهم حملوا قوله ﴿ أَمْ زَاغَتْ [ ٤ء ] عَنْهُمُ الأَبْصَار ﴾على قوله ﴿ مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ ﴾ ﴿ أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَار ﴾.
وما كان من اسم في أوله ألف ولام تقدر أن تدخل عليهما ألفا ولاما أخريين، فالألف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله ﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ ﴾ لأنك لو قلت " الإِله " فأدخلت عليها ألفا ولاما جاز ذلك. وكذلك " أَلواح " و إلهام " و " إلقاء " مقطوع كله، لأنه يجوز إدخال ألف ولام أخريين. فأما " إلى " فمقطوعة ولا يجوز إدخال الألف واللام عليها لأنها ليست باسم، وإنما تدخل الألف واللام على الاسم. ويدلك على أن الألف واللام في " إلى " ليستا بزائدتين انك إنما وجدت الألف واللام تزادان في الأسماء، ولا تزادان في غير الأسماء، مثل " إلى " و " أَلاَّ ". ومع ذلك تكون ألف " إلى " مكسورة وألف اللام الزائدة لا تكون مكسورة.
وأما قوله ﴿ الْحَمْدُ للَّهِ ﴾ [ ٢ ] فرفعه على الابتداء. وذلك أن كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع، وخبره إن كان هو هو فهو أيضا مرفوع، نحو قوله ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ﴾ وما أشبه ذلك. وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها. فإنما رفع [ ٤ب ] المبتدأ ابتداؤك إياه، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم [ و ] كما كانت " أنَّ " تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر. وقال بعضهم : " رفع المبتدأ خبره " وكل حسن، والأول أقيس.
وبعض العرب يقول ﴿ الْحَمْدَ للَّهِ ﴾ فينصب على المصدر، وذلك أن أصل الكلام عنده على قوله " حَمْداً لله " يجعله بدلا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان " أَحْمَدُ " ونصبه على " أَحْمَدُ " حتى كأنه قال : " أَحْمَدُ حَمْداً " ثم ادخل الألف واللام على هذه.
وقد قال بعض العرب ﴿ الْحَمْدِ للَّهِ ﴾ فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة، وذلك أن الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك أواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو " حَيْثُ " جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال، وبعضهم يقول " حَوْثُ " و " حَيْثَ " ضم وفتح. ونحو " قَبْلُ " و " بَعْدُ " جعلتا مضمومتين على كل حال. وقال الله تبارك وتعالى ﴿ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴾ فهما مضموتان إلا أن تضيفهما، فإذا أضفتهما صرفتهما. قال ﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ﴾ و ﴿ كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ و ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ ﴾ وقال ﴿ من قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ﴾ وذلك أن قوله ﴿ أَن نَّبْرَأَهَا ﴾ اسم أضاف إليه ﴿ قَبْل ﴾ [ ٥ء ] وقال ﴿ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ ﴾. وذلك أن قوله ﴿ أَن نَّزغَ ﴾ اسم هو بمنزلة " النَزْغ "، لأن " أنْ " الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم، فأضاف إليها " بَعْد ". وهذا في القرآن كثير.
ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله عز وجل ﴿ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي ﴾ و ﴿ هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ ﴾ مكسورة على كل حال. فشبهوا " الحمدَ " وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة، كما قالوا " يا زيدُ ". وفي كتاب الله ﴿ يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ﴾ هو في موضع النصب، لان الدعاء كلّه في موضع نصب، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة فترك على لفظ واحد، يقولون : " ذهب أَمسِ بما فيه " و " لَقِيتهُ أمسِ يا فتى "، فيكسرونه في كل موضع في بعض اللغات. وقد قال بعضهم : " لَقِيتهُ الأمسِّ الأحدث "
وأما قوله ﴿ إيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ ( ٥ ) ولم يقل " أنت نعبد " [ ف ] لان هذا موضع نصب. وإذا لم يقدر في موضع النصب على الكاف أو الهاء وما أشبه ذلك من الإضمار الذي يكون للنصب جعل " أِيّاك " أو " إيَّاهُ " أو نحو ذلك مما يكون في موضع نصب. قال :﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى ﴾ لان هذا موضع نصب، تقول : " إني أَو زيداً منطلق ". و ﴿ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾. هذا في موضع نصب. كقولك : " ذهب القوم إلا زيدا ". [ و ] إنما صارت ﴿ إِيَّاكَ ﴾ [ في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ ]في موضع نصب من اجل ﴿ نَعْبُدُ ﴾ وكذلك :
﴿ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ( ٥ ) أيضاً. وإذا كان موضع رفع جعلت فيه " أنت " و " أنتما " و " أنتم "، و " هو " و " هي " وأشباه ذلك.
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم ﴾ ( ٧ ) هؤلاء صفة ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ لان " الصراطَ " مضاف إليهم، فهم جرّ للإضافة. وأجريت عليهم " غيرَ " صفة أو بدلا. و " غَيْرٌ " و " مِثْلٌ " قد تكونان من صفة المعرفة التي بالألف واللام، نحو قولك : " إني لأَمرّ بالرجلِ غيرِكَ وبالرجلِ مثلِكَ فما يشتمني "، و " غيرٌ " و " مثلٌ " إنما تكونان صفة للنكرة، ولكنهما [ ٨ء ] قد احتيج إليهما في هذا الموضع فأجريتا صفة لما فيه الألف واللام، والبدل في " غير " أجود من الصفة، لان " الذي " و " الذين " لا تفارقهما الألف واللام، وهما أشبه بالاسم المخصوص من " الرجل " وما أشبهه.
و " الصراط " فيه لغتان، السين والصاد، إلا أنا نختار الصاد لان كتابها على ذلك في جميع القرآن.
وقد قال العرب " هم فيها الجَمّاءَ الغفيرَ " فنصبوا، كأنهم لم يدخلوا الألف واللام، وان كانوا قد اضهروهما كما أجروا " مثلك " و " غيرَك " كمجرى ما فيه الألف واللام وان لم يكونا في اللفظ. وإنما يكون هذا وصفا للمعرفة التي تجيء في معنى النكرة. ألا ترى انك إذا قلت : " إنّي لأَمرُّ بالرجلِ مِثلك " إنما تريد " برجلٍ مثلِك ". لأنك لا تحدّ له رجلا بعينه ولا يجوز إذا حددت له ذلك، إلا أن تجعله بدلا ولا يكون على الصفة. ألا ترى أنه لا يجوز " مررت بزيدٍ مثلِك " إلا على البدل. ومثل ذلك : " إنّي لأَمُرُّ بالرجلِ من أهل البصرة " ولو قلت : " إنّي لأَمُرُ بزيدٍ من أهل البصرة " لم يجز إلا أن تجعله في موضع حال. فكذلك ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم ﴾.
وقد قرأ قوم ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم ﴾ جعلوه على الاستثناء [ ٨ب ] الخارج من أول الكلام. ولذلك تفسير سنذكره إن شاء الله، وذلك انه إذا استثنى شيئا ليس من أول الكلام في لغة أهل الحجاز فانه ينصب [ و ] * يقول " ما فيها أحدٌ إلاّ حماراً "، وغيرهم يقول : " هذا بمنزلة ما هو من الأول " فيرفع. فذا يجرّ ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ ﴾ في لغته. وان شئت جعلت " غيرَ " نصبا على الحال لأنها نكرة والأول معرفة، وإنما جرّ لتشبيه " الذي ب " الرجل ". وليس هو على الصفة بحسن ولكن على البدل نحو ﴿ بِالنَّاصِيَةِ ﴾﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ ﴾.
ومن العرب من يقول :
" هِيّاك " بالهاء ويجعل الألف من " إيّاك " هاء فيقول " هِيّاك نعبد " كما تقول : " إيهِ " و " هِيهِ " وكما تقول : " هَرَقت " و " أَرَقْتُ ".
وأهل الحجاز يؤنثون " الصراطَ " كما يؤنثون " الطريقَ " و " الزُقاقَ " و " السبيل " و " السوقَ " و " الكَلاّءَ ". وبنو تميم يذكّرون هذا كله. وبنو أسد يؤنثون " الهُدى ".