تفسير سورة المسد

تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة المسد من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير .
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ
تفسير سورة تبت
وهي مكية.
قال البخاري : حدثنا محمد بن سلام، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى :" يا صباحاه ". فاجتمعت إليه قريش، فقال :" أرأيتم إن حَدثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم، أكنتم تصدقوني ؟ ". قالوا : نعم. قال :" فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك. فأنزل الله :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ إلى آخرها١.
وفي رواية : فقام ينفض يديه، وهو يقول : تبا لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ ٢.
الأول : دعاء عليه، والثاني : خبر عنه. فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله٣ صلى الله عليه وسلم، واسمه : عبد العُزّى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عُتبة. وإنما سمي " أبا لهب " لإشراق وجهه، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه. .
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال : أخبرني رجل - يقال له : ربيعة بن عباد، من بني الديل، وكان جاهليًا فأسلم - قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز، وهو يقول :" يا أيها الناس، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه أحولُ، ذو غديرتين، يقول : إنه صابئ كاذب. يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا : هذا عمه أبو لهب ٤.
ثم رواه عن سُرَيج، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، فذكره. قال أبو الزناد : قلت لربيعة : كنت يومئذ صغيرًا ؟ قال : لا والله، إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة. تفرد به أحمد٥.
وقال محمد بن إسحاق : حدثني حُسَين بن عبد الله بن عُبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : إني لمع أبي رجل شاب، أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء، ذو جُمَّة، يَقِفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول :" يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفِّذَ عن الله ما بعثني به ". وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان، هذا يريد منكم أن تسلُخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أُقَيْش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه ". فقلت لأبي : من هذا ؟ قال : عمه أبو لهب٦.
رواه أحمد أيضا، والطبراني بهذا اللفظ٧.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زُرْعة قالا : حدثنا عبد الله بن الزبير الحُمَيدي، حدثنا سُفيان، حدثنا الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول :
مُذَممًا أبَينَا *** ودينَه قَلَينا *** وَأمْرَه عَصَينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنها لن تراني ". وقرأ قرآنا اعتصم به، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ]. فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبا بكر، إني أخبرت أن صاحبك هجاني ؟ قال : لا ورب هذا البيت ما هجاك. فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها. قال : وقال الوليد في حديثه أو غيره : فعثَرَت أم جميل في مِرْطها وهي تطوف بالبيت، فقالت : تَعس مُذَمَّم. فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب : إني لحصانُ فما أكلَّم، وثَقَافُ فما أعلَّم، وكلنا من بني العم، وقريش بعد أعلم٤.
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا : حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال : لما نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومعه أبو بكر. فقال له أبو بكر : لو تَنَحَّيت لا تُؤذيك بشيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنه سَيُحال بيني وبينها ". فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت : يا أبا بكر، هجانا صاحبك. فقال أبو بكر : لا ورب هذه البنية، ما نَطَق بالشعر، ولا يتفوه به. فقالت : إنك لمصدق، فلما ولت قال أبو بكر، رضي الله عنه : ما رأتك ؟ قال :" لا ما زال ملك يسترني حتى ولت ".
ثم قال البزار : لا نعلمه يُروَى بأحسنَ من هذا الإسناد، عن أبي بكر، رضي الله عنه٥.


١ - (١) صحيح البخاري برقم (٤٩٧٢)..
٢ - (٢) صحيح البخاري برقم (١٣٩٤، ٤٨٠١، ٣٥٢٥)..
٣ - (٣) في م: "أعمام النبي"..
٤ - (٤) المسند (٤/٣٤١)..
٥ - (٥) المسند (٤/٣٤١)..
٦ - (١) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/٤٢٣)..
٧ - (٢) المسند (٣/٤٩٢) والمعجم الكبير (٥/٦٣)..

تَفْسِيرُ سُورَةِ تَبَّتْ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥) ﴾
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَصَعِدَ الْجَبَلَ فَنَادَى: "يَا صَبَاحَاهَ". فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدثتكم أَنَّ الْعَدُوَّ مُصبحكم أَوْ مُمْسيكم، أَكَنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنِّي نذيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٍ". فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ تَبًّا لَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ إِلَى آخِرِهَا (١).
وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَامَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ. أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ (٢).
الْأَوَّلُ دُعَاءٌ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي خَبَرٌ عَنْهُ. فَأَبُو لَهَبٍ هَذَا هُوَ أَحَدُ أَعْمَامِ رَسُولِ اللَّهِ (٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ: عَبْدُ العُزّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عُتبة. وَإِنَّمَا سُمِّيَ "أَبَا لَهَبٍ" لِإِشْرَاقِ وَجْهِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْأَذِيَّةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبُغْضَةِ لَهُ، وَالِازْدِرَاءِ بِهِ، وَالتَّنَقُّصِ لَهُ وَلِدِينِهِ..
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ -يُقَالُ لَهُ: رَبِيعَةُ بْنُ عَبَّادٍ، مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا فَأَسْلَمَ -قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا" وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ أحولُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ، يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ. يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا: هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ (٤).
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُرَيج، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ -قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: قُلْتُ لِرَبِيعَةَ: كُنْتُ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِنِّي يَوْمَئِذٍ لَأَعْقِلُ أَنِّي أَزَفْرُ الْقِرْبَةَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٥).
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حُسَين بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبيد اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ عَبَّادٍ الدِّيلِيَّ يَقُولُ: إِنِّي لَمَعَ أَبِي رَجُلٌ شَابٌّ، أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُ الْقَبَائِلَ -ووراءه
(١) صحيح البخاري برقم (٤٩٧٢).
(٢) صحيح البخاري برقم (١٣٩٤، ٤٨٠١، ٣٥٢٥).
(٣) في م: "أعمام النبي".
(٤) المسند (٤/٣٤١).
(٥) المسند (٤/٣٤١).
514
رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ، ذُو جُمَّة -يَقِفُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَبِيلَةِ فَيَقُولُ: "يَا بَنِي فُلَانٍ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، آمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُصَدِّقُونِي وَتَمْنَعُونِي حَتَّى أنفِّذَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ". وَإِذَا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ قَالَ الْآخَرُ مِنْ خَلْفِهِ: يَا بَنِي فُلَانٍ، هَذَا يُرِيدُ مِنْكُمْ أَنْ تسلُخوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَحُلَفَاءَكُمْ مِنَ الْجِنِّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أُقَيْش، إِلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تَسْمَعُوا لَهُ وَلَا تَتَّبِعُوهُ. فَقُلْتُ لِأَبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ (١).
رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَالطَّبَرَانِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ (٢).
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ أَيْ: خَسِرَتْ وَخَابَتْ، وَضَلَّ عَمَلُهُ وَسَعْيُهُ، ﴿وَتَبَّ﴾ أَيْ: وَقَدْ تَبَّ تَحَقُّقُ خَسَارَتِهِ وَهَلَاكِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: ﴿وَمَا كَسَبَ﴾ يَعْنِي: وَلَدَهُ. وَرُوي عَنْ عَائِشَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحُسْنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، مِثْلَهُ.
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم لما دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِيمَانِ، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: إِذَا كَانَ مَا يَقُولُ ابْنُ أَخِي حَقًّا، فَإِنِّي أَفْتَدِي نَفْسِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ بِمَالِي وَوَلَدِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
وَقَوْلُهُ: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ أَيْ: ذَاتَ شَرَرٍ وَلَهِيبٍ وَإِحْرَاقٍ شَدِيدٍ.
﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ سَادَاتِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، وَهِيَ: أُمُّ جَمِيلٍ، وَاسْمُهَا أَرْوَى بنتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ. وَكَانَتْ عَوْنًا لِزَوْجِهَا عَلَى كُفْرِهِ وَجُحُودِهِ وَعِنَادِهِ؛ فَلِهَذَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَونًا عَلَيْهِ فِي عَذَابِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. وَلِهَذَا قَالَ: ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ يَعْنِي: تَحْمِلُ الْحَطَبَ فَتُلْقِي عَلَى زَوْجِهَا، لِيَزْدَادَ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ، وَهِيَ مُهَيَّأة لِذَلِكَ مُسْتَعِدَّةٌ لَهُ.
﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعُرْوَةُ: مِنْ مَسد النَّارِ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحُسْنِ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالسُّدِّيِّ: ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، [وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ] (٣).
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطِيَّةَ الْجَدَلِيِّ، وَالضَّحَّاكِ، وَابْنِ زَيْدٍ: كَانَتْ تَضَعُ الشَّوْكَ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقِيلَ: كَانَتْ تُعَيِّرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَقْرِ، وَكَانَتْ تَحْتَطِبُ، فَعُيِّرَتْ بِذَلِكَ.
كَذَا حَكَاهُ، وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَحَدٍ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَتْ لَهَا قِلَادَةٌ فَاخِرَةٌ فَقَالَتْ: لَأُنْفِقَنَّهَا فِي عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: فَأَعْقَبَهَا اللَّهُ بِهَا حَبْلًا فِي جِيدِهَا من مسد النار.
(١) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/٤٢٣).
(٢) المسند (٣/٤٩٢) والمعجم الكبير (٥/٦٣).
(٣) زيادة من م.
515
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُلَيْمٍ (١) مَوْلَى الشَّعْبِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْمَسَدُّ: اللِّيفُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: الْمَسَدُّ: سِلْسِلَةٌ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا.
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ: هُوَ قِلَادَةٌ مِنْ نَارٍ، طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: المَسَدُ: اللِّيفُ. والمَسَد أَيْضًا: حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ أَوْ خُوصٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ أَوْ أَوْبَارِهَا، وَمَسَدْتُ الْحَبْلَ أمسدُهُ مَسْدًا: إِذَا أجْدتُ فَتله (٢).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ أَيْ: طَوْقٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَلَّا تَرَى أَنَّ الْعَرَبَ يُسَمَّوْنَ البَكْرة مَسَدًا؟
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو زُرْعة قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الحُمَيدي، حَدَّثَنَا سُفيان، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ تَدْرُسَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ، وَلَهَا وَلْوَلَةٌ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ، وَهِيَ تَقُولُ:
مُذَممًا أبَينَا ودينَه قَلَينا وَأمْرَه عَصَينا
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَنَا أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تَرَاكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي". وَقَرَأَ قُرْآنًا اعْتَصَمَ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٤٥]. فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي؟ قَالَ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا هَجَاكِ. فَوَلَّتْ وَهِيَ تَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي ابْنَةُ سَيِّدِهَا. قَالَ: وَقَالَ الْوَلِيدُ فِي حَدِيثِهِ أَوْ غَيْرِهِ: فعثَرَت أُمُّ جَمِيلٍ فِي مِرْطها وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَتْ: تَعس مُذَمَّم. فَقَالَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي لحصانُ فَمَا أكلَّم، وثَقَافُ فَمَا أعلَّم، وَكُلُّنَا مِنْ بَنِي الْعَمِّ، وَقُرَيْشٌ بَعْدُ أَعْلَمُ (٣).
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ جَاءَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ تَنَحَّيت لَا تُؤذيك بِشَيْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ سَيُحال بَيْنِي وَبَيْنِهَا". فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، هَجَانَا صَاحِبُكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَرَبِّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ مَا نَطَق بِالشِّعْرِ وَلَا يَتَفَوَّهُ بِهِ. فَقَالَتْ: إِنَّكَ لَمُصَدِّقٌ، فَلَمَّا وَلَّتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَتْكَ؟ قَالَ: "لَا مَا زَالَ مَلَكٌ يَسْتُرُنِي حَتَّى ولت".
(١) في أ: "سليمان".
(٢) الصحاح للجوهري، مادة "مسد" (١/٥٣٥).
(٣) مسند الحميدي (١/١٥٣) ورواه أبو يعلى في مسنده (١/٥٣) من طريق سفيان به، وسبق تخريجه عند تفسير الآية: ٤٥ من سورة الإسراء.
516
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُروَى بأحسنَ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (١).
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ أَيْ: فِي عُنُقِهَا حَبْلٌ فِي نَارِ [جَهَنَّمَ] (٢) تُرفَع بِهِ إِلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ يُرْمَى بِهَا إِلَى أَسْفَلِهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ دَائِمًا.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دَحْية فِي كِتَابِهِ التَّنْوِيرِ (٣) -وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ-وعُبر بِالْمَسَدِ عَنْ حَبْلِ الدَّلْوِ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدَّيْنُورِيُّ فِي كِتَابِ "النَّبَاتِ": كُلُّ مَسَد: رِشَاءٌ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ:
وَبَكْرَةً ومِحْوَرًا صِرَارًا... وَمَسَدًا مِنْ أَبَقٍ مُغَارًا...
قَالَ: والأبقُ: القنَّبُ.
وَقَالَ الْآخَرُ:
يَا مَسَدَ الخُوص تَعَوّذْ مِنِّي... إنْ تَكُ لَدْنًا لَيّنا فَإِنِّي...
مَا شئْتَ مِنْ أشْمَطَ مُقْسَئِنّ...
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ مُنْذُ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ فَأَخْبَرَ عَنْهُمَا بِالشَّقَاءِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ، لَمْ يُقَيِّضْ لَهُمَا أَنْ يُؤْمِنَا، وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، لَا مُسِرًّا وَلَا مُعْلِنًا، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ.
[آخِرُ تَفْسِيرِ "تَبَّتْ" وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة] (٤)
(١) مسند البزار برقم (٢٢٩٤) "كشف الأستار"، ورواه أبو يعلى في مسنده (١/٣٣) من طريق عبد السلام بن حرب به، وقال الهيثمي في المجمع (٧/١٤٤) :"فيه عطاء بن السائب وقد اختلط".
(٢) زيادة من م، أ.
(٣) التنوير في مولد السراج المنير لابن دحية الكلبي، عمله لملك إربل. انظر: وفيات الأعيان (٣/١٢٢).
(٤) زيادة من م، أ.
517
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِهَا وَفَضِيلَتِهَا (١)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسّر الصَّاغَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُو لَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " (٢).
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ -زَادَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَمَحْمُودُ بْنُ خِدَاش -عَنْ أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُيَسّر بِهِ (٣) -زَادَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالتِّرْمِذِيُّ-قَالَ: " الصَّمَدُ " الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُوَلَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ، " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شِبْهٌ (٤) وَلَا عَدْلٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعْدٍ (٥) مُحَمَّدِ بْنِ مُيَسّر، بِهِ. ثُمَّ رواه الترمذي عن عبد ابن حُمَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ "أَخْبَرَنَا". ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعْدٍ (٦).
حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَعْنَاهُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ: حَدَّثَنَا سُرَيج (٧) بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " إِلَى آخِرِهَا. إِسْنَادُهُ مُقَارِبٌ (٨).
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سُرَيج (٩) فَذَكَرَهُ (١٠). وَقَدْ أَرْسَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَرَوَى عُبيد بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "
(١) في م، أ: "وفضلها".
(٢) المسند (٥/١٣٣).
(٣) سنن الترمذي برقم (٣٣٦٤) وتفسير الطبري (٣٠/٢٢١، ٢٢٣).
(٤) في م، أ: "له شبيه".
(٥) في م، أ: "سعيد".
(٦) سنن الترمذي برقم (٣٣٦٥).
(٧) في أ: "شريح".
(٨) في م: "إسناده متقارب".
(٩) في أ: "شريح".
(١٠) مسند أبي يعلى (٤/٣٨، ٣٩) وتفسير الطبري (٣٠/٢٢١)، ومجالد ضعيف في روايته عن الشعبي عن جابر.
518
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، مُرْسَلًا (١).
ثُمَّ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ الطَّائِفِيِّ، عَنِ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ شَيْءٍ نِسْبَةٌ، وَنِسْبَةُ اللَّهِ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ " وَالصَّمَدُ لَيْسَ بِأَجْوَفَ] (٢) (٣).
حَدِيثٌ آخَرُ فِي فَضْلِهَا: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ الذُهليّ-حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ: أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحمد بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدثه، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -وَكَانَتْ فِي حِجْر عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَريَّة، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "سَلُوهُ: لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ ". فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ".
هَكَذَا رَوَاهُ فِي كِتَابِ "التَّوْحِيدِ" (٤). وَمِنْهُمْ مَنْ يُسْقِطُ ذِكْرَ "مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيِّ". وَيَجْعَلُهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، بِهِ (٥).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: "وَقَالَ عُبَيد اللَّهِ (٦) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤمَهم فِي مَسْجِدِ قُبَاء، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " حَتَّى يَفرُغ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. فكلَّمه أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجزئُك حَتَّى تَقْرَأَ بِالْأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وتَقرأ بِأُخْرَى. فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكَتْكُمْ. وَكَانُوا يَرَونَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤمهم غَيْرُهُ. فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: "يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا حَمَلَكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ ". قَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. قَالَ: "حُبك إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ" (٧).
هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ، عَنِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً (٨). ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ. قَالَ: وروى
(١) ورواه الطيالسي عن قيس، عن عاصم، عن أبي وائل مرسلا، ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (٨٩).
(٢) زيادة من أ.
(٣) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٤٢٣) "مجمع البحرين" من طريق عبد الرحمن بن نافع، عن علي بن ثابت، عن الوازع، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ، وقال: "لا يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تفرد به عبد الرحمن".
(٤) صحيح البخاري برقم (٧٣٧٥).
(٥) صحيح مسلم برقم (٨١٣)، وسنن النسائي (٢/١٧٠).
(٦) في أ: "وقال عبد الله".
(٧) صحيح البخاري برقم (٧٧٤).
(٨) سنن الترمذي برقم (٢٩٠١).
519
مُبَارك بْنِ فَضالة، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " قَالَ: "إِنَّ حُبَّك إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ".
وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ التِّرْمِذِيُّ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مُتَّصِلًا فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُبُّكَ (١) إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ" (٢).
حَدِيثٌ فِي كَوْنِهَا تَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مالك، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالَّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ (٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لِتَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ". زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٤).
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، والقَعْنَبِيّ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ، بِهِ (٥). وَحَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَسْنَدَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكٍ، بِهِ (٦).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَالضَّحَّاكُ المَشْرِقيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلْثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟ ". فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطيق ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلْثُ الْقُرْآنِ" (٧).
تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخعي وَالضَّحَّاكِ بْنِ شُرَحبيل الْهَمْدَانِيِّ الْمَشْرِقِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ القَرَبرِيّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ وراقُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُرْسَلٌ، وَعَنِ الضَّحَّاكِ مُسْنَدٌ (٨).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَة، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَاتَ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ يَقْرَأُ اللَّيْلَ كُلَّهُ بِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "
(١) في م: "إن حبك".
(٢) المسند (٣/١٤١).
(٣) في م: "فقال رسول الله".
(٤) صحيح البخاري برقم (٧٣٧٤).
(٥) صحيح البخاري برقم (٥٠١٣، ٦٦٤٣) وسنن أبي داود برقم (١٤٦١) وسنن النسائي (٢/١٧١).
(٦) سنن النسائي الكبرى برقم (٨٠٢٩) وبرقم (١٠٥٣٦).
(٧) صحيح البخاري برقم (٥٠١٥).
(٨) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٩/٦٠) :"والمراد أن رواية إبراهيم النخعي عن أبي سعيد منقطعة، ورواية الضحاك عنه متصلة"
520
فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَعدلُ نِصْفَ الْقُرْآنِ، أَوْ ثُلْثَهُ" (١).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا حُييّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَلَّا يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُومَ بِثُلْثِ الْقُرْآنِ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ فَقَالُوا: وَهَلْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: فَإِنَّ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ثُلْثُ الْقُرْآنِ. قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْمَعُ أَبَا أَيُّوبَ، فَقَالَ: "صَدَقَ أَبُو أَيُّوبَ" (٢).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كيسَان، أَخْبَرَنِي أَبُو حَازم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "احشُدوا، فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلْثَ الْقُرْآنِ". فَحُشِدَ مَنْ حُشِدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلْثَ الْقُرْآنِ". إِنِّي لَأَرَى هَذَا خَبَرًا جَاءَ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنِّي قُلْتُ: سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلْثَ الْقُرْآنِ، أَلَا وَإِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، بِهِ (٣) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَاسْمُ أَبِي حَازِمٍ سَلْمَانُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامة، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَساف، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيم (٤) عَنْ عَمْرِو بْنِ ميمون، عن عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى، عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلْثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟ فَإِنَّهُ مَنْ قَرَأَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ " فِي لَيْلَةٍ، فَقَدْ قَرَأَ لَيْلَتَئِذٍ ثُلْثَ الْقُرْآنِ".
هَذَا حَدِيثٌ تُسَاعيّ الْإِسْنَادِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ (٥) بُنْدَارٍ -زَادَ التِّرْمِذِيُّ وَقُتَيْبَةُ-كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، بِهِ (٦). فَصَارَ لَهُمَا عُشَاريا. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: "عَنِ امْرَأَةِ أَبَى أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ"، بِهِ [وَحَسَّنَهُ] (٧). ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَقَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مَسْعُودٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَحْسَنَ مِنْ رِوَايَةِ "زَائِدَةَ". وَتَابَعَهُ عَلَى رِوَايَتِهِ إِسْرَائِيلُ، وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ. وَقَدْ رَوَى شُعبةُ وغيرُ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه.
(١) المسند (٣/١٥).
(٢) المسند (٢/١٧٣).
(٣) سنن الترمذي برقم (٢٩٠٠) وصحيح مسلم برقم (٨١٢).
(٤) في أ: "بن خيثم".
(٥) في أ: "يسار".
(٦) سنن الترمذي برقم (٢٨٩٦) وسنن النسائي (٢/١٧٢).
(٧) زيادة من م، أ.
521
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْم، عَنْ حُصَين، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَاف، عَنْ عَبْدِ الرحمن ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -أَوْ: رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ بِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فَكَأَنَّمَا قَرَأَ بِثُلْثِ الْقُرْآنِ" (١).
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، مِنْ حَدِيثِ هُشَيم، عَنْ حُصَين، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، بِهِ (٢). وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ: هِلَالُ بْنُ يَسَافٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكيع، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ (٣) عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: " " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تعدُل ثلث الْقُرْآنِ" (٤).
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّنافسي، عَنْ وَكيع، بِهِ (٥). وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا (٦).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْز، حَدَّثَنَا بُكَير بْنُ أَبِي السَّميط (٧) حَدَّثَنَا قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَان بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أيعجزُ أحدُكم أَنْ يَقرأ كُلَّ يَوْمٍ ثُلْثَ الْقُرْآنِ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ أضعفُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْجَزُ. قَالَ: "فَإِنَّ اللَّهَ جَزأ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ثُلْثُ الْقُرْآنِ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، بِهِ (٨).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ -ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ -عَنْ عَمِّهِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ عَوْفٍ-عَنْ أُمِّهِ -وَهِيَ: أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عُقْبَةَ (٩) بْنِ أَبِي مُعَيط -قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تَعدلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ".
وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ، بِهِ (١٠). ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَوْلَهُ (١١). وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الفُضَيل الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدثوه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال:
(١) المسند (٥/١٤١).
(٢) سنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٢١).
(٣) في م: "إسحاق".
(٤) المسند (٤/١٢٢).
(٥) سنن ابن ماجة برقم (٣٧٨٩).
(٦) سنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٢٩، ١٠٥٢٥، ١٠٥٢٨).
(٧) في أ: "حدثنا بكر بن أبي السمط".
(٨) المسند (١/٤٤٧) وصحيح مسلم برقم (٨١١) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٣٧).
(٩) في م: "عتبة".
(١٠) سنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٣١).
(١١) سنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٣٣).
522
" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تَعدلُ ثُلُثَ القرآن لِمَنْ صَلَّى بِهَا" (١).
حَدِيثٌ آخَرُ فِي كَوْنِ قِرَاءَتِهَا تُوجِبُ الْجَنَّةَ: قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبيد بْنِ حُنَين قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَجَبَتْ". قُلْتُ: وَمَا وَجَبت؟ قَالَ: "الْجَنَّةُ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ (٢). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ: "حُبّك إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ".
حَدِيثٌ فِي تَكْرَارِ قِرَاءَتِهَا: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ: حَدَّثَنَا قَطن بن نُسير، حدثنا عيسى ابن مَيْمُونٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَمَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي لَيْلَةٍ (٤) فَإِنَّهَا تعدلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ؟ " (٥)
هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَأَجْوَدُ مِنْهُ حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدمي، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا ابن أبي ذئب، عن أسيدُ ابن أَبِي أَسِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبيب، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَصَابَنَا طَش وَظُلْمَةٌ، فَانْتَظَرْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا، فَخَرَجَ فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: "قُلْ". فَسَكَتُّ. قَالَ: "قُلْ". قُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: " " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثًا، تَكْفِكَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، بِهِ (٦). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ مُعَاذِ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَذَكَرَهُ [وَلَفْظُهُ: "يَكْفِكَ كُلَّ شَيْءٍ"] (٧) (٨).
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاحِدًا أَحَدًا صَمَدًا، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، ولم يكن له كفوا أحدا، عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِب لَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٩) وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرّة: ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ بمُرّة.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَة، حدثنا زَبَّان بن
(١) سنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٣٢).
(٢) الموطأ (٢/٢٠٨) وسنن الترمذي برقم (٢٨٩٧) وسنن النسائي (٢/١٧١).
(٣) في م: "سمعت نبي الله".
(٤) في أ: "في كل ليلة".
(٥) مسند أبي يعلى (٨/١٥٠)، وقال الهيثمي في المجمع (٧/١٤٧) :"فيه عبيس، وهو متروك".
(٦) زوائد المسند (٥/٣١٢) وسنن أبي داود برقم (٥٠٨٢) وسنن الترمذي برقم (٣٥٧٥) وسنن النسائي (٨/٢٥٠).
(٧) زيادة من م.
(٨) سنن النسائي (٨/٢٥١).
(٩) المسند (٤/١٠٣).
523
فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَرَأَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " حَتَّى يَخْتِمَهَا، عَشْرَ مَرَّاتٍ، بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ". فَقَالَ عُمَرُ: إِذَنْ نَسْتَكْثِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (١).
وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عُقَيْلٍ زَهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ-قَالَ الدَّارِمَيُّ: وَكَانَ مِنَ الْأَبْدَالِ -أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَرَأَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " عَشْرَ مَرَّاتٍ، بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَرَأَهَا عِشْرِينَ مَرَّةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثِينَ مَرَّةً بَنَى اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَةَ قُصُورٍ فِي الْجَنَّةِ". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذَا لِتُكْثُرْ قُصُورُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ" (٢). وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ الْعَطَّارُ، أَخْبَرَتْنِي أُمُّ كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيَّةُ، عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَرَأَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " خَمْسِينَ مَرَّةً غُفرت لَهُ (٣). ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً" (٤) إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ فِي يَوْمٍ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " مِائَتَيْ مَرَّةٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ حَسَنَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ" (٥). إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ: ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيِّ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، بِهِ. وَلَفَظُهُ: "مَنْ قَرَأَ كُلَّ يَوْمٍ، مِائَتَيْ مَرَّةٍ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " مُحِيَ عَنْهُ ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَين".
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَنَامَ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ قَرَأَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " مِائَةَ مَرَّةٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَهُ الرَّبُّ، عَزَّ وَجَلَّ: يَا عَبْدِي، ادخُل عَلَى يَمِينِكَ الْجَنَّةَ" (٦). ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رُوي مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا حَبّان بْنُ أَغْلَبَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "من قَرَأَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " مِائَتَيْ مَرَّةٍ، حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ ذُنُوبَ مِائَتَيْ سَنَةٍ" (٧). ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ إِلَّا الحسن بن أبي جعفر، والأغلب بن
(١) المسند (٣/٤٣٧).
(٢) سنن الدارمي برقم (٣٤٢٩).
(٣) في م، أ: "غفر الله له".
(٤) ورواه الدارمي في السنن برقم (٣٤٣٨) : حدثنا نصر بن علي بمثله سواء.
(٥) مسند أبي يعلى (٦/١٠٣).
(٦) سنن الترمذي برقم (٢٨٩٨).
(٧) ورواه ابن الضريس في فضائل القرآن برقم (٢٦٧) والخطيب في تاريخ بغداد (٦/١٨٧) من طريق الحسن بن أبي جعفر، عن ثابت به.
524
تَمِيمٍ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي سُوءِ الْحِفْظِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الدُّعَاءِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ: قَالَ النَّسَائِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ مِغْول، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيدة، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، يَدْعُو يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَهُ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمَ، الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ" (١).
وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّة أَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ طُرُق، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْول، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيدة، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ (٢). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي قِرَاءَتِهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى [الْمُوصِلِيُّ] (٣) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ (٤) عَنْ أَبِي شَدَّادٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ مَنْ جَاءَ بِهِنّ مَعَ الْإِيمَانِ دَخَل مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ، وزُوّج مِنَ الْحَوَرِ الْعِينِ حَيْثُ شَاءَ: مَنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ، وَأَدَّى دَيْنًا خَفِيًّا، وَقَرَأَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ". قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوْ إِحْدَاهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَوْ إِحْدَاهُنَّ" (٥)
حَدِيثٌ فِي قِرَاءَتِهَا عِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّرَّاجُ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَة بْنِ (٦) عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " حِينَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ، نَفَتِ الْفَقْرَ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَالْجِيرَانِ" (٧). إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ (٨) مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ بِضِيَاءٍ وَشُعَاعٍ وَنُورٍ لَمْ نرها طلعت فيما مضى
(١) سنن النسائي الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي (٢/٩٠).
(٢) سنن أبي داود برقم (١٤٩٣) وسنن الترمذي برقم (٣٤٧٥) وسنن ابن ماجة برقم (٣٨٥٧).
(٣) زيادة من م.
(٤) في م، أ، هـ: "عمر بن شيبان".
(٥) مسند أبي يعلى (٣/٣٣٢)، وقال الهيثمي في المجمع (١٠/١٠٢) :"فيه عمر بن نبهان وهو متروك".
(٦) في م، أ، هـ: "عن".
(٧) المعجم الكبير (٢/٣٤٠).
(٨) كذا ترجمه البخاري في التاريخ (٦/٥٠٧)، وابن حبان في المجروحين (٢/١٨١)، وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح (٦/٣٥٥)، والذهبي في الميزان (٣/١٠٦)، كذا: "العلاء بن يزيد، أبو محمد الثقفي" وكأن هذا هو الراجح، لكن أثبتنا الأول لكونه وقع في النسخ هكذا، وكذلك في مسند أبي يعلى، أما الدلائل فقد وقع فيه على الكنية فأثبتناه كما هو فيه.
525
بِمِثْلِهِ، فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (١) يَا جِبْرِيلُ، مَا لِي أَرَى الشَّمْسَ طَلَعَتِ الْيَوْمَ (٢) بِضِيَاءٍ وَنُورٍ وَشُعَاعٍ لَمْ أَرَهَا طَلَعَتْ بِمِثْلِهِ فِيمَا مَضَى؟ ". قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيُّ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. قَالَ: "وَفِيمَ ذَلِكَ؟ " قَالَ: كَانَ يُكْثِرُ قِرَاءَةَ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فِي اللَّيْلِ وَفِي النَّهَارِ، وَفِي مَمْشَاهُ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، فَهَلْ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَقْبِضَ لَكَ الْأَرْضَ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَصَلَّى عَلَيْهِ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي [كِتَابِ] (٣) دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْعَلَاءِ أَبِي (٤) مُحَمَّدٍ (٥) -وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ -فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمِ الشَّامِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ -مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْبَصْرَةِ عِنْدِي-عَنْ مَحْمُودٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (٦) عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيُّ، فَتُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ الْأَرْضَ، فَلَمْ تَبْقَ شَجَرَةٌ وَلَا أَكَمَةٌ إِلَّا تَضَعْضَعَتْ، فَرَفَعَ سَرِيرَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ وَخَلْفُهُ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فِي كُلِّ صَفٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا جِبْرِيلُ، بِمَ نَالَ هَذِهِ الْمَنِزَلَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ ". قَالَ بِحُبِّهِ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَقِرَاءَتِهِ إِيَّاهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا قَائِمًا (٧) وَقَاعِدًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ (٨).
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ الْهَيْثَمِ الْمُؤَذِّنِ، عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (٩)، وَمَحْبُوبُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: "لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ" (١٠). وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، تَرَكْنَاهَا (١١) اخْتِصَارًا، وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي فَضْلِهَا مَعَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ، حَدَّثَنِي عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَابْتَدَأْتُهُ فأخذتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِمَ نَجَاةُ الْمُؤْمِنِ؟ قَالَ: "يَا عُقْبَةُ، احْرُسْ لِسَانَكَ وَلِيَسَعْكَ بيتُك، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ". قَالَ: ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَابْتَدَأَنِي فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: "يَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، أَلَّا أَعُلِّمُكَ خَيْرَ ثَلَاثِ سُوَر أُنْزِلَتْ فِي التوراة، والإنجيل،
(١) في م: "فقال لي".
(٢) في م: "يومئذ".
(٣) زيادة من م.
(٤) في أ: "العلاء بن محمد".
(٥) مسند أبي يعلى (٧/٢٥٦) ودلائل النبوة (٥/٢٤٥).
(٦) وقع في أصل مسند أبي يعلى: "محمود بن عبد الله" ووقع هنا: "محمود أبي عبد الله" - كما ترى- والصواب: "محبوب ابن هلال" كما في رواية البيهقي، والله أعلم.
(٧) في م: "وقائما".
(٨) مسند أبي يعلى (٧/٢٥٨).
(٩) دلائل النبوة (٥/٢٤٦) ورواه ابن الضريس في فضائل القرآن برقم (٢٧٢)، من طريق محبوب بن هلال به، وساقه المؤلف في البداية والنهاية من رواية البيهقي (٥/١٤)، وقال: "منكر من هذا الوجه".
(١٠) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٨/٣٨٩).
(١١) في م: "تركنا ذكرها".
526
وقوله :﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ قال ابن عباس وغيره :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ يعني : ولده. وَرُوي عن عائشة، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، مثله.
وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان، قال أبو لهب : إذا كان ما يقول ابن أخي حقا، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي، فأنزل الله :﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾.
وقوله :﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ أي : ذات شرر ولهيب وإحراق شديد.
﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي : أم جميل، واسمها أروى بنتُ حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان. وكانت عونًا لزوجها على كفره وجحوده وعناده ؛ فلهذا تكون يوم القيامة عَونًا عليه في عذابه في نار جهنم. ولهذا قال :﴿ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ يعني : تحمل الحطب فتلقي على زوجها، ليزداد على ما هو فيه، وهي مُهَيَّأة لذلك، مستعدة له.
﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ قال مجاهد، وعروة : من مَسد النار.
وعن مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والثوري، والسدي :﴿ حَمَّالَةَ الحَطَبِ ﴾ كانت تمشي بالنميمة، [ واختاره ابن جرير ] ١.
وقال العوفي عن ابن عباس، وعطية الجدلي، والضحاك، وابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختاره ابن جرير.
قال ابن جرير : وقيل : كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب، فعيرت بذلك.
كذا حكاه، ولم يعزه إلى أحد. والصحيح الأول، والله أعلم.
قال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد، يعني : فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار.
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وكيع، عن سليم٢ مولى الشعبي، عن الشعبي قال : المسد : الليف.
وقال عروة بن الزبير : المسد : سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا.
وعن الثوري : هو قلادة من نار، طولها سبعون ذراعًا.
وقال الجوهري : المَسَدُ : الليف. والمَسَد أيضا : حبل من ليف أو خوص، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها، ومسدت الحبل أمسدُهُ مَسْدًا : إذا أجْدتُ فَتله٣.
وقال مجاهد :﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ أي : طوق من حديد، ألا ترى أن العرب يسمون البَكْرة مَسَدًا ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زُرْعة قالا : حدثنا عبد الله بن الزبير الحُمَيدي، حدثنا سُفيان، حدثنا الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول :
مُذَممًا أبَينَا *** ودينَه قَلَينا *** وَأمْرَه عَصَينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنها لن تراني ". وقرأ قرآنا اعتصم به، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ]. فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبا بكر، إني أخبرت أن صاحبك هجاني ؟ قال : لا ورب هذا البيت ما هجاك. فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها. قال : وقال الوليد في حديثه أو غيره : فعثَرَت أم جميل في مِرْطها وهي تطوف بالبيت، فقالت : تَعس مُذَمَّم. فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب : إني لحصانُ فما أكلَّم، وثَقَافُ فما أعلَّم، وكلنا من بني العم، وقريش بعد أعلم٤.
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا : حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال : لما نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومعه أبو بكر. فقال له أبو بكر : لو تَنَحَّيت لا تُؤذيك بشيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنه سَيُحال بيني وبينها ". فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت : يا أبا بكر، هجانا صاحبك. فقال أبو بكر : لا ورب هذه البنية، ما نَطَق بالشعر، ولا يتفوه به. فقالت : إنك لمصدق، فلما ولت قال أبو بكر، رضي الله عنه : ما رأتك ؟ قال :" لا ما زال ملك يسترني حتى ولت ".
ثم قال البزار : لا نعلمه يُروَى بأحسنَ من هذا الإسناد، عن أبي بكر، رضي الله عنه٥.


وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى :﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ أي : في عنقها حبل في نار [ جهنم ]٦ تُرفَع به إلى شفيرها، ثم يرمى بها إلى أسفلها، ثم كذلك دائما.
قال أبو الخطاب بن دَحْية في كتابه التنوير٧ - وقد رَوَى ذلك - : وعُبر بالمسد عن حبل الدلو، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب " النبات " : كلّ مَسَد : رشاء، وأنشد في ذلك :
وَبَكْرَةً ومِحْوَرًا صِرَارًا وَمَسَدًا مِنْ أبق مُغَارًا
قال : والأبقُ : القنَّبُ.
وقال الآخر :
يا مَسَدَ الخُوص تَعَوّذْ مني إنْ تَكُ لَدْنًا لَيّنا فإني
ما شئْتَ مِنْ أشْمَطَ مُقْسَئِنّ
قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى :﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما لا ظاهرًا ولا باطنًا، لا مسرًا ولا معلنًا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة.
[ آخر تفسير " تبت " ولله الحمد والمنة ]٨
١ - (٣) زيادة من م..
٢ - (١) في أ: "سليمان"..
٣ - (٢) الصحاح للجوهري، مادة "مسد" (١/٥٣٥)..
٦ - (٢) زيادة من م، أ..
٧ - (٣) التنوير في مولد السراج المنير لابن دحية الكلبي، عمله لملك إربل. انظر: وفيات الأعيان (٣/١٢٢)..
٨ - (٤) زيادة من م، أ..
Icon