تفسير سورة المسد

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة المسد من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة المسد
مكية، وهي خمس آيات.

روى الشيخان في الصحيحين أنه لما نزلت قوله تعالى :﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ٢١٤ ﴾ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاربه فأنذرهم. وفي رواية عند البخاري وغيره صعد على الصفا فنادى، فاجتمعت إليه قريش :" أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم مصدقي " ؟ قالوا : بلى. قال :" فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب : تبا لك، ألهذا جمعتنا ؟ وأخذ ليرميه، فنزلت :﴿ تبّت ﴾١ التباب : خسران يؤدي إلى الهلاك، أي هلكت. ﴿ يدا أبي لهب ﴾ أي نفسه كما في قوله تعالى :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة ﴾٢، وقيل : إنما خصتا بالذكر لما أخذ حجر الرمي. وقيل أراد بها دنياه وآخرته. وقيل : أراد ماله وملكه، يقال : فلان قليل ذات يد. قرأ ابن كثير ( أبي لهب ) بإسكان الهاء، والباقون بفتحها. واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، قال مقاتل : كنى باللهب لحسنه وإشراق وجهه، وإنما ذكر ها هنا بالكنية لاستكراه ذكر اسمه، ولأنه لما كان من أصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله، ومجانسة قوله ﴿ ذات لهب ﴾. ﴿ وتبّ ﴾ إخبار بعد إخبار للتأكيد، أو الأولى دعائية، والثاني إخبارية، والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه.
١ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة المسد (٤٩٧٢).
وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين ٢١٤﴾ (٢٠٨)..

٢ سورة البقرة: الآية: ١٩٥.
قال ابن مسعود : لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله عز وجل، قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإنني أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى :﴿ ما أغنى عنه ماله ﴾. ( ما ) نافية، أو استفهامية للإنكار، يعني ما يدفع عنه عذاب ما جمع من المال، أو أي شيء يغني عنه ماله ؟ وكان صاحب مال ومواش ﴿ وما كسب ﴾ من المال والولد. عن عائشة مرفوعا :" أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم كسبكم " ١ رواه البخاري في التاريخ والترمذي. وقد افترس ولده عتبة أسد في طريق الشام كما ذكرنا في سورة عبس، ومات أبو لهب بالعدس بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وترك ثلاثا حتى أنتن، ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه. أوعده الله تعالى بالنار فقال ﴿ سيصلى نارا ذات لهب ٣ ﴾.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده (١٣٥٦)..
﴿ سيصلى نارا ذات لهب ٣ ﴾ أي تلتهب، جملة مستأنفة، أو في مقام التعليل لقوله﴿ ما أغنى ﴾. اتفق القراء على فتحة هاء لهب ها هنا لرعاية القوافي.
﴿ وامرأته ﴾ عطف على المستكن في ﴿ سيصلى ﴾ سوغه الفصل، أو مبتدأه بعده خبره، وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ﴿ حمّالة الحطب ﴾ قرأ عاصم بالنصب على الذم والشتم، والباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ. أخرج ابن جرير عن ابن إسحاق عن رجل من همدان -يقال له : يزيد- أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبي صلى الله عليه وسلم الشوك والعضاه لتعقرهم، فنزلت، وكذا روي عن الضحاك، وأخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله، وهي رواية عطية عن ابن عباس. وقال قتادة ومجاهد والسدي : كانت تمشي بالنميمة، وتنقل الحديث، فتلقي العداوة بين الناس، وتوقد نارا، كما توقد الحطب نارا. وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا، قال الله تعالى :﴿ وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ﴾١.
١ سورة الأنعام، الآية: ٣١..
﴿ في جيدها ﴾ عنقها ﴿ حبل من مسد ﴾ خبر لامرأته بعد خبر على تقدير كونه مبتدأ، أو حال منه على تقدير كونه فاعلا سيصلى. قال ابن عباس وعروة بن الزبير : المراد به سلسلة فتلت من حديد فتلا محكما، ذرعها سبعون ذراعا، يدخل في فمها ويخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها. والمسد ما فتل وأحكم من أي شيء كان. وروى الأعمش عن مجاهد :﴿ من مسد ﴾ أي من حديد. وقال الشعبي ومقاتل : من ليف مفتول، وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح، فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها. وقال ابن زيد : حبل من شجر ينبت باليمن يقال له : مسد، وقال قتادة : هي قلادة، قال الحسن : كانت خرزات في عنقها، وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة، فقالت : لأنفقها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم. قلت : فإن كان المراد بثبوت حبل كائنا من مسد- أي حديد- في جيدها في الآخرة، فهي إما خبر لامرأته بعد خبر إن كان مبتدأ، أو حال منه إن كان فاعل سيصلي، وحمالة الحطب على تقدير النصب تكون معترضة للذم، ولا يجوز أن يكون في جيدها حبل من مسد حالا من الضمير المستكن في حمالة الحطب، لعدم اتحاد زمان الحال حينئذ ؛ لأن حمل الحطب كان في الدنيا، إلا أن يقال معنى حمالة الحطب أنها تحمل حطب جهنم كالزقوم والضريع، أو ما يوقد به جهنم جزاء لما كانت تحمل الحطب في الدنيا بعدواة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كذا ذكر البيضاوي، لكن لم ينقل هذا التأويل من السلف، وأن المراد به ثبوت حبل في عنقها في الدنيا، فحينئذ إما خبر مبتدأ محذوف، أي هي، أو خبر بعد خبر لامرأته، أو حال من الضمير المستكن في حمالة الحطب بلا إشكال، والظاهر على هذا التأويل أن يكون في الكلام على الحقيقة، وما قال الشعبي فهو مستبعد جدا لكونها وزوجها في بيت عز وثروة وجدة، والله تعالى أعلم. . .
Icon