ﰡ
(١) - يُمَجِّدُ اللهُ تَعَالى نَفْسَهُ الكَرِيمَةَ، وَيُخْبِرُ عِبَادَهُ بِأَنَّهُ هُوَ المُسْتَوْجِبُ الثَّنَاءَ المُطْلَقَ (الحَمْدُ) فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَفي السَّماوَاتِ والأَرضِ، لأََنَّهُ الخَالِقُ الرَّازِقُ، المُتَفَضِّلُ عَلَى الخَلائِقِ، فِي الدُّنيا وَفي الآخِرَةِ، وَهُوَ المَالِكُ لِلُوجُودِ جَمِيعِه بِمَنْ فِيهِ وَمَا فِيهِ، وَهُوَ الحَاكِمُ المُتَصَرِّفُ فِيه، وَالجَميعُ تَحْتَ قَهرِهِ وَحُكْمِهِ، وَهُوَ الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَهُوَ الخَبِيرُ الذِي لاَ تَخْفَى عَلَيهِ خَافِيةٌ مِنْ أَحْوالِ الخَلْقِ.
مَا يَلِجُ - مَا يَدْخُلُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَطَرٍ وَغيرِهِ.
مَا يَعْرُجُ - مَا يَصْعَدُ مِنَ المَلاَئِكَةِ وَالأَعْمَالِ.
(٣) - بَعْدَ أًَنْ أَبَانَ اللهُ تَعَالى أَنَّهُ صَاحِبُ الحَمْدِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَفِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ عَلَى مَا أَسْدَى إِلى عِبَادِهِ مِنَ النِّعَم، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَولِهِ إِنَّ كَثيراً مِنْ خَلْقِهِ يُنْكِرِ الآخِرَةَ، وَيَسْتَهزِئُ بِمَنْ يَعْتَقِدُ بِوُقُوعِها، وَيَسْتَعجِلُ بِالعَذَابِ الذِي يَتَهَدَّدُ اللهُ بهِ المُجْرِمينَ الكَافِرينَ، فَيقُولُ تَعَالى: وَقَال الذِينَ كَفَروا بِاللهِ وَنِعَمِهِ عَلَيهِمْ، وَجَحَدُوا بِما تَهْدِي إِليهِ العُقُولُ السَّلِيمَةُ: إِنَّهُ لاَ رَجْعَةَ إِلى الحَيَاةِ بَعْدَ أَنْ يَمُوتَ البَشَرُ، وَلاَ بَعْثَ وَلاَ حِسَابَ وَلاَ عِقَابَ، وَمَا يُهْلِكُهُمْ إِلاَّ الدَّهْرُ.. ثُمَّ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ بِأَنْ يَرُدَّ عَلَيهِمْ مُقْسِماً بِرَبِّهِ العَظِيمِ عَلَى أَنَّ المَعَادَ سَيَقَعُ، لا مَحَالَةَ، وَلاَ شَكَّ في ذلِكَ، وَلكِنَّ وَقْتَ مَجِيءِ السَّاعَةِ التِي تَقُومُ فِيهَا القِيَامَةُ، وَيَبْعَثُ فِيها اللهُ الخَلائِقِ، لاَ يَعْلَمُهُ إلاّ اللهُ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، الذِي لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيءٌ دَخَل فِي الأَرْضِ، أَوْ صَعِدَ فِي السَّمَاءِ، فَهُوَ تَعَالى يَعْلَمُ مَا يَتَفَرَّقُ مِنْ ذَرّاتِ أَجْسَادِ الأَموَاتِ وأَيْنَ تَسْتَقِرُّ فَيَجْمَعُها يَومَ القِيَامَةِ بأَمرٍ مِنْهُ فَيُعِيدُها خَلْقاً جَدِيداً كَمَا كَانَتْ، وَقَدْ أوْدَعَ اللهُ تَعَالى كُلَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ وَلا يَنْسَى.
وَهذِهِ الآيَةُ إِحْدَى ثَلاثِ آياتٍ فِي القُرآنِ، أَمرَ اللهُ فِيها الرَّسُولَ الأكرمَ بِأَنْ يُقَسِمَ بِرَبِّهِ العَظِيمِ عَلَى أَنَّ السَّاعَةَ سَتَقُومُ، وَأَنَّ الأَمواتَ سَيُبْعَثُونَ لِلْحِسَابِ.
الآيَةُ الأولَى جَاءَت فِي سُورَةِ يُونُس: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ وَالآيَةُ الثَّانيَةُ جَاءَتْ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ: ﴿زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ.﴾ والثَّالثَةُ هذهِ الآيَةُ.
لا يَعْزُبُ - لاَ يَغِيبُ عَنْهُ وَلاَ يَخْفَى عَلَيهِ.
مِثْقَالُ ذَرَّةٍ - مِقْدَارُ أَصْغَرِ مَا يُوزَنُ.
(٤) - وَالحِكْمَةُ فِي قِيامِ السَّاعَةِ، وَحَشْرِ الخَلاَئِقِ هِيَ لِحِسَابِهِمْ عَلَى مَا قَدَّمُوا مِنْ عَمَلٍ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيا، فَيَجْزِي اللهُ المُؤْمِنِينَ بِرَبِّهِمْ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، الذِينَ عَمِلُوا العَمَلَ الصَّالِحَ بالحُسْنَى، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ فِي جَنَّتِهِ، وَيُؤتِيهِمْ رِزْقاً كَرِيماً وَاسِعاً.
(٥) - أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَسَعَوْا فِي صَدِّ النَّاسِ عَنِ اتِّبَاعِ مَا دَعَتْهُمْ إِليهِ الرُّسُلُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَسُبُلِ الهُدَى، وَأَجْهَدُوا أَنْفُسَهُمْ فِي مَحَارَبةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَقُرآنِهِ... فإِنَّ اللهَ سَيُعَذِّبُهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ عَذَاباً أَليماً.
مُعَاجِزينَ - مُسَابِقِينَ ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يَفُوتُونَ اللهَ هَرَباً.
الرِّجْزَ - العَذَابُ الشَّديدُ المُؤْلِمُ.
(٦) - والمُْؤْمِنُونَ الذِينَ صَدَّقُوا الرُّسُلَ فِيمَا جَاؤُوهُمْ بهِ مِنْ رَبِّهمْ واعتَقَدُوا بأَنَّ الله سَيَحْشُرُ العِبَادَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِيُحاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَإِنَّهُمْ حِينَما يَرَوْنَ قِيَامَ السَّاعَةِ يَقُولُونَ: مَا أَنْزلَهُ اللهُ إِليكَ يَا مُحَمَّدُ هُوَ الحَقُّ الذِي لاَ شَكَّ فِيهِ وَلا مِرْيَةَ، وَهُوَ يُرْشِدُ مَنِ اتَّبَعَهُ إِلى سَبيلِ اللهِ الذِي لا يُغَالَبُ ولا يُمَانَعُ (العَزِيزُ) وَهُوَ المَحْمُودُ فِي جَميعِ مَا قَالَ وَشَرَعَ وَقَدَّرَ.
(٨) - وَهذا قَوْلٌ لاَ يَقُولُهُ إِلا رَجُلٌ تَعمَّدَ الافْتَراءَ عَلَى اللهِ، والزَّعْمَ بِأَنَّ الله أَوْحَى إِليهِ ذَلِكَ، أَوْ رَحُلٌ مَجْنُونٌ مَعْتُوهٌ، قَدِ اخْتَلَّ عَقْلُهُ، فَصَارَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَتَخَيَّلُهُ.
وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هؤُلاءِ المُكَذِّبِينَ قَائِلاً: إِنًَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَمَا زَعَمُوا وَتَوهَّمُوا، وَقَدَّرُوا، فَمُحَمَّدٌ ليسَ مُفْتَرِياً، وَلا مَجْنُوناً، وَإِنَّما هُو البَرُّ الرَّشِيدُ، الذِي جَاءَ بِالحَقِّ مِنْ عِنْدِ رَبِّهَ، وَإِنَّهُمْ هُمُ الكَاذِبُونَ الجُهَلاءُ، المُوغِلُونَ فِي الكُفِرِ والضَّلاَلَةِ، وَهذا مَا سَيْؤَدِّي بِهِمْ إِلى عَذَابِ اللهِ فِي الآخِرَةِ.
بَهِ جِنَّةٌ - بِهِ جُنُونٌ يُوهِمُهُ مَا يَقُولُ.
(٩) - ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ تَعَالى بِمَا يَرَوْنَهُ بِأَعْيُنِهِمْ فِي هذا الوُجُودِ حَوْلَهم، مِمَّ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالى عَلَى فِعْلِ مَا يَشَاءُ، فَقَالَ: أَفَلَمْ يَنْظُرْ هؤلاءِ المُكَذِّبُونَ بِالمَعَادِ إِلى الأَرْضِ التِي يَقِفُونَ عَلَيها، وَالسَّمَاءِ التِي تُظِلُّهُمْ وَتُحِيطُ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَيَعْلَمُوا أَنَّ قُدْرَةَ اللهِ مُحِيطَةٌ بِهِمْ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أض، ْ يَأْمُرَ الأَرْضَ فَتَنْخَسِفَ بِهِمْ، وَأَنْ يَأْمُرَ السَّمَاءَ فَتَسْقُطَ عَلَيهِمْ قِطَعاً (كِسَفاً) وَتُدَمِّرَهُمْ، فَاللهُ تَعَالى قَادِرٌ عَلى ذَلِكَ، وَلِكِنَّهُ يُؤَخِّرُ وَقُوعَهُ إِلى أَجَلٍ حَدَّدَهُ هُوَ، وَعَيَّنَ مِيَقَاتَهُ. وفي النَّظَرِ إِلى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ دَلاَلةٌ كَافِيةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعالى عَلى بَعْثِ الأَجْسَادِ مِنَ الأَجْدَاثِ لِكُلِّ عَبْدٍ فَطِن، مُنِيبٍ إِلى رَبِّهِ.
نَخْسِفْ بِهِمْ الأَرْضَ - نُغَيِّبْ بِهِمُ الأَرْضَ.
كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ - قِطَعاً مِنْها.
مُنيب - رَاجِعٍ إِلى رَبِّهِ بِالتَّوبَةِ وَالطَّاعَةِ.
(١٠) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى عَمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى عَبْدِهِ دَاوُدَ، عَليهِ السَّلاَمُ، مِنَ الفَضْلِ المُبينِ، إِذْ جَمَع لَهُ المُلْكَ المُتَمَكِّنَ، والنُّبُوَّةَ، والصَّوْتَ الرَّخِيمَ، فَكَانَ إِذا سَبَّحَ رَافعاً صَوْتَهُ كَانَتِ الجِبالُ تُرَجِّعُ تَسْبِيحَهُ، وَتَقِفُ لهُ الطُّيُورُ، وَتُجَاوِبُهُ مُسَبِّحَةً بِأْصْوَاتِها، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى دَاوُدَ أَيْضاً بِأَنْ أَلآنَ لَهُ الحَدِيدَ، وَعَلَّمَهُ صُنْعَ الدُّرُوع، وَجَعَلَهَا حَلَقاً مُتَدَاخِلاً لِوِقَايَةِ المُجَاهِدِينَ فِي سَبيلِ اللهِ، مِنْ بَأْسِ الأَعْدَاءِ، أَثْناءَ القِتَالِ، وَكَانَتْ الدُّرُوعَ تُصْنَعُ قَبْلاً صَفَائِحَ تَعُوقُ حَرَكَةَ لاَبِسِيها، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ حَلَقاً مَتَدَاخِلاً أَصْبَحَتْ حَرَكَةُ لاَبِسِيهَا أَكْثَرَ سُهُولَةً.
أَوِّبِي - رَجِّعِي وَرَدِّدِي مَعَهُ التَّسِبِيحَ.
أَلاَن - جَعَلَهُ لَيِّناً طَرِيّاً.
(١١) - وَأَلْهَمَهُ اللهُ تَعَالى أَنْ يَصْنَعَ مِنَ الحَدِيدِ الذِي أَلاَنَهُ لَهُ الدًّرُوعَ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَأَحْكُمِ نِظَامٍ (سَابِغَاتٍ) فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ مِسْمَاراً وَسَطاً لا رَفِيعاً وَلاَ غَلِيظاً، فَتَجِيءُ الحَلَقَاتُ عَلى قَدَرِ الحَاجَةِ (وَقَدِّر فِي السَّرْدِ).
ثُمَّ أَمرَ اللهُ تَعَالى دَاوُدَ بِشُكْرِهِ تَعالى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَليهِ، وَذلِكَ بِأَنْ يَعْمَلَ هُوَ وَأْهْلُهُ أَعْمَالاً صَالِحَةً تُرضِي اللهَ، وَقَالَ لَهُ تَعَالى إِنَّهُ بَصيرٌ بأَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ، لاَ يَخْفى عَلَيهِ مِنْها شَيءٌ.
سَابِغَاتٍ - دُرُوعاً كَامِلَةً وَاسِعةً.
السَّرْدِ - حَلَقِ الحَدِيدِ - وَقِيلَ إِنَّهُ النَّسْجُ أَيِ الصُّنْعُ وَرَبْطُ الحَلَقَاتِ بَعْضِها بِبَعْضٍ.
قَدَّرْ فِي السَّرْدِ - أَيِ اقْتَصِدْ واجْعَلِ الحَلَقَاتِ مُتَجَانِسَةً مُتَقَارِبَةً.
(١٢) - وَيَقُولُ تَعَالى إِنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ سُلَيمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ، بِأَنْ سَخَّر لَهُ الرِّيحَ، يَنْتَفِعُ بِها فِي أُمُورٍ يَعْرِفُها هُوَ، وَكَانَتِ الرِّيحُ حِينَ تَسيرُ تَقْطَعُ خِلاَلَ فَترَةِ الغَدَاةِ (أَيْ مِنَ الصُّبْحِ حَتَّى الزَّوَالِ) مَسَافَةً يَقْطَعُها الرّاكِبُ المُجِدُّ خِلاَلَ شَهرٍ كَامِلٍ. وَكَانَتْ تَقْطَعُ فِي فَترةِ الرَّواحِ (أَيْ مِنَ الزَّوَالِ حَتَّى مَغِيبِ الشَّمْسِ) مَسَافَةً يَقْطَعُها الرَّاكِبُ المُجِدُّ خِلاَلَ شَهْرٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالى إِنَّهُ آذَابَ النُّحَاسَ (القِطْرَ) لِسُلَيْمَانَ مِنْ دُونِ حَاجَةٍ إِلى نَارٍ، فَكَانَ النُّحَاسُ يَخْرُجُ مِنْ عينٍ فِي الأَرضِ سَائِلاً ذَائباً، وَكَأَنَّهُ يَنْبُوعُ مَاءٍ (وَلِذَلِكَ قَالَ عَيْنَ القِطْرِ) وَسَخَّرَ تَعَالى لِسُلَيمَانَ الجِنَّ يَعْمَلُونَ بإِذْنِهِ تَعَالى مَا يَأْمُرُهُمْ سُلَيمَانُ بهِ مِنَ الأَعْمَالِ - وَقَدْ جَاءَ تَفْصِيلُها فِي الآيةِ التَّاليةِ - وَمَنْ شَذَّ عَنْ طَاعَةِ سُلَيْمَانَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الله يُذِيقُهُ عَذاباً أَليِماً.
(وَقَدْ يَكُونُ المَعْنَى: وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ عَنْ طَاعَةِ اللهِ فِيما أَمَرَهُ مِنْ العَمَلِ بِأَمْرِ سُلَيْمَانَ فَإِنَّ اللهَ يُعَذِّبُهُ عَذاباً أَلِيماً).
زَاغَ عَنِ الأَمْرِ - خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَعَدَلَ عَنْهَا.
غُدُوُّهَا شَهْرٌ - جَرْيُها بِالغَدَاةِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ.
رَوَاحُها شَهْرٌ - جَرْيُها بِالعَشِيِّ كذِلِكَ.
عَيْنَ القِطْرِ - عَيْنَ النُّحَاسِ يَنْبُعُ ذَائِباً كَالمَاءِ.
(١٣) - وَكَانَتِ الجِنُّ تَعْمَلُ لِسُلَيْمَانَ مَا يَشَاءُ: مِنْ قُصُورٍ شَامِخَاتٍ (مَحَارِيبَ)، وَصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ (تَمَاثِيلَ)، وَقِصَاعٍ لِلطَّعَامِ ضَخْمَةٍ (جِفَانٍ) كَأَنَّها أَحْوَاضُ المَاءِ (كَالجَوَابِ) وَقُدُورٍ ثَوَابِتَ لا تُنْقَلُ مِنْ مَكَانِها لِضَخَامِتِهَا (رَاسِيَاتٍ).
وَقَالَ اللهُ تَعَالى لآلى دَاوُد: اعْمَلُوا بِطَاعَةِ رَبِّكُم شُكْراً لَهُ عَلَى أَنْعُمِهِ التِي لا تُحْصَى عَلَيكم، وَقَليلٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ يُطِيعُهُ شُكْراً لَهُ عَلَى أَنْعُمِهِ.
(وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: " ثَلاَثٌ مَنْ أُوتِيهنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَمَا أُوتِي آلُ دَاوُدَ: العَدْلُ فِي الرِّضَا وَالغَضَبِ، وَالقَصْدُ فِي الفَقْرِ والغِنَى، وَخَشْيَةُ اللهِ في السِّرِّ والعَلَنِ "). (رَوَاهُ التَّرمذِي).
تَمَاثِيلَ - صُوَرٍ مُجَسَّمَةٍ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيرِهِ.
جِفَانٍ كَالجَوَابِ - قِصَاعٍ كِبَارٍ كَحِيَاضِ المِياهِ العِظَامِ قُدُورٍ رَاسِيَاتٍ - ثَابِتَاتٍ عَلَى المَوَاقِدِ لِعِظَمِهَا.
المَحَارِيبُ - القُصُورُ الشَّامِخَاتُ (أَوِ المَسَاجِدُ لِلْعِبَادَةِ).
المِنْسَأَةُ - العَصَا.
خَرَّ - سَقَطَ.
دَابَّةُ الأَرضِ -حَشَرةُ الأَرْضِ التِي تَأْكُلً الخَشَبَ.
(١٥) - كَانَتْ قَبِيلَةُ سَبَأٍ تَسْكُنُ اليَمَنَ، وَقِيلَ إِنَّ (سَبَأَ) جَدَّهُمْ هُوَ يَشْجُبُ بْنُ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ.
وَيَقُولُ اللهُ تَعَالى: إِنَّ هذِهِ القَبيلَةَ كَانَتْ فِي نِعْمَةٍ وَفِي غِبْطةٍ فِي بِلادِهِمْ وَعَيْشِهِمْ، وَاتِّسَاعِ أَرْزَاقِهِمْ. وَكَانَتْ لَهُمْ حَدَائِقُ غَنَّاءُ، وَبَسَاتِينُ فَيْحَاءُ، عَنْ يَمِينِ الوَادِي الذِي أَقَامُوا فِيهِ السَّدَّ فِي مَأْرِبٍ، وَعَنْ شِمَالِهِ. ثُمَّ بَعَثَ اللهُ إليهِمُ الرُّسُلَ تَأْمُرُهُمْ بِعِبادَةِ اللهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَبِأَنْ يَأْكُلُوا مِنَ الرِّزْقِ الذي يَسَّرَهُ لَهُمْ اللهُ، وَبِأًنْ يَشْكُرُوه عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيهِمْ رَبُّهُمْ مِنَ البَلَدِ الطَّيِّبِ، والرِّزْقِ الوَفير، فَأَطَاعُوا، وَعَبَدُوا اللهَ وَشَكَرُوهُ إِلى حِينٍ.
سَبَأْ - قَبِيلَةٌ فِي اليَمَنِ - وَبَلْدَةٌ أَيْضاً.
آيةٌ - بُرْهَانٌ وَدَلاَلَةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ.
جَنَّتَانِ -بُسْتَانَانِ أَوْ جَمَاعَتَانِ مِنَ البَسَاتِينِ.
بَلْدَةٌ طََيِّبَةٌ - زَكِيَّةٌ مُسْتَلَذَّةٌ.
(١٦) - ثُمَّ أَعْرَضُوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَشُكْرِهِ عَلى أَنْعُمِهِ، وَكَفَرُوا بِرَّبهمْ وَنِعَمِهِ، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ تَعَالى عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ سَيْلاً ضَخْماً كَسَرَ السَّدَّ وَخَرَّبَهُ، وَاقْتَلَعَ حِجَارَتَهُ، المُرْكُومَ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ لِحَجْزِ المَاءِ، فَتَدَفَّقَ المَاءُ مِنَ السَّدِّ، وَذَهَبَ بالجنَانِ وَالبَسَاتِينِ والخُضْرَةِ والنُّضْرَةِ، وَأْهْلَكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ، فَتَفَرَّقَ القَوْمُ فِي البِلادِ، وَأَبْدَلَهُمُ اللهُ بِتِلْكَ الجِنَانِ الفَيْحَاءِ، والثِّمَارِ الوَفِيرَةِ، وَالنِّعَمِ الكَثِيرَةِ، بَسَاتِينَ لَيْسَ فِيها إٍلا بَعْضُ الأَشْجَارِ ذَاتِ الثَّمَرِ المُرِّ المَذَاقِ (أُكُلٍ خَمْطٍ)، وَبَعْضَ أَشْجَارٍ مِنَ الطَّرْفَاءِ (أَثْلٍ) وَأَشْجَار قَلِيلة مِنَ النَّبْقِ (السِّدْرِ).
فَأَعْرَضُوا - أَي عَنِ الشُّكْرِ وَتَوَلَّوا عَنْ دَعْوَةِ أَنْبِيَائِهِمْ.
سَيْلَ العِرِمِ - سَيْلَ السَّدِّ أَوِ المَطَرِ الشَّدِيدِ.
أُكُلٍ خَمْطٍ - ثَمَرٍ مُرٍّ حَامِضٍ بَشِعٍ.
أًثْلٍ - ضَرْبٍ مَنَ الطَّرْفاءِ (وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الشَّجَرِ).
سِدْرٍ - الضَّالِ أَو شَجَرَةِ النِّبْقِ.
(١٧) - وَقَدْ عَاقَبْنَاهُمْ ذَلِكَ العِقَابَ الأَليمَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَجُحُودِهِمْ بِنِعَمهِ، وَعُدُولِهِمْ عَن الحَقِّ إِلى البَاطِلِ، وَاللهُ لا يُجَازِي مِثْلَ هذَا الجَزاءِ الشَّدِيدِ المُسْتَأْصِلِ إٍِلا الجَحُودَ الكَثِيرَ الكُفْرِ باللهِ وَنِعَمِهِ (الكَفُورَ).
(١٨) - وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهَ تَعَالى مَا كَانَ لِسَبأٍ مِنْ نَعِيمٍ وَسَعَادَةٍ، وَوَفْرَةِ رِزْقٍ فِي مَسَاكِنِهِمْ فِي اليَمَنِ، ذَكَرَ تَعَالى هُنَا مَا كَانَ قَدْ مَنَّ بِهِ عَلَيهِمْ فِي مَسَالِكِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ، فَكَانُوا يَمُرُّونَ فِي أَراضٍ عَامِرَةٍ آمِنةٍ، فِيها قَرىً ظاهِرَةٌ عَلى مَسَافَاتِ مُتَقَارِبَةِ (قَدَّرْنَا فِيها السَّيرِ)، يَجِدُونَ فِيها المَاءَ والزَّادَ والعَلَفَ، فَلا يَحْتَاجُونَ إِلى حَمْلِ زَادٍ وَلا مُؤُونَةٍ، فَيَخْرُجُونَ صَبَاحاً من قَرْيَةٍ، وَيَبِيتُونَ مَسَاءً فِي قريةٍ أُخْرَى، إِلى أَنْ يَصِلُوا إِلى قُرَى الشَّامِ (التي بَارَكْنا فِيها).
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالى إٍِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: سِيرُوا فِي هذِهِ القُرى التِي تَقَعُ بَيْنَ اليَمَنِ، وَبَيْنَ بِلادِ الشَّامِ، لَيَالِيَ وأَيَّاماً لاَ تَخْشَوْنَ شَيْئاً مِنَ الجُوعِ أَوِ العَطَشِ أَوْ بَطْشِ الأَعْدَاءِ.
قُرىً ظَاهِرَةً - مُتَوَاصِلَةً مُتَقَارِبَةً.
قَدَّرْنَا فِيها السَّيرَ - جَعَلْنَاهُ عَلَى مَرَاحِلَ مُتَقَارِبَةٍ.
آمِنينَ - مِنْ بَطْشِ الأَعْدَاءِ وَمِنَ الجُوعِ والعَطَشِ.
(١٩) - فَبَطِرُوا وَمَلُّوا تِلْكَ النِّعْمَةَ، وآثَروا الذِي هُوَ أَدْنَى عَلَى الذِي هُوَ خَيْرٌُ فَطَلُبُوا أَنْ يَفْصِلَ اللهُ بَينَ القُرى بِمَفَاوِزَ وَقِفَارٍ، لِيُظْهِرَ القَادِرُونَ مِنْهُمْ مَا لَديهِمْ مِنْ زَادٍ وَفيرٍ، وَرَوََاحِلَ، تَكَبُّراً وَفَخْراً عَلى العَاجِزينَ الفَقَراءِ، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ الظُّلْمِ للأنْفُسِ بُكُفْرانِ نِعْمَةِ اللهِ، والبَطَرِ، فَجَعَلَهُمْ أَحاديثَ لِلنَّاسِ، يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُمْ فِي مَجَالسِ سَمَرِهِمْ، وَمَزَّقَ شَمْلَهُمْ وَبَدَّدَهُ، فَتَفَّرقُوا فِي البِلادِ.
وَيَجبُ أَنْ يَكُونَ مَا حَلَّ بِهُؤلاءِ آيَةً وَعِبرَةً لِكُلِّ عَبْدٍ صَبُورٍ عَلَى الابْتَلاءِ، شَكُور عَلَى النَّعْمَاءِ.
فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ - أَخْبَاراً يُتَلَهَّى بِها.
مَزَّقَنَاهُمْ - فَرَّقْنَاهُمْ فِي البِلادِ.
صَدَّقَ عَلَيهِمْ - حَقَّقَ عَلَيهِمْ.
(٢١) - وَلَمْ يَكُنْ لإِبلِيسَ عَلَيهِمْ مِنْ سُلْطَةٍ يَحْمِلُهُمْ بِها كَرْهاً عَلى الكُفْرِ، والبَطَرِ، والعِصْيَانِ، وَإنمَا دَعَاهُمْ فأَطَاعُوهُ وَقَدْ سَلَّطَهُ الله عَلَيهِمْ، لَيَخْتَبِرَهُمْ، لِيُظْهِرَ حَالَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ، وَيُصَدِّقُ بالثَّوابِ والعِقَابِ، مِمَّن هُوَ فِي شَكٍّ مِنْها، فَلاَ يُؤْمِنُ بِمَعَادٍ وَلا حَشْرٍ وَلاَ ثَوَابٍ وَلا عِقَابٍ. وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ حَفِيظٌ عَلَى أَعمالِ العِبَادِ، لاَ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شيءٌ، وَهُوَ يُحْصِيهَا عَلَيهِمْ ثُمَّ يُجَازِيِهِمْ بِها فِي الآخِرَةِ إِنْ خَيْراً فَخَيْراً وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً.
سُلْطَانٍ - تَسَلُّطٍ واسْتِيلاءٍ بِالوَسْوَسَةِ والإِغْوَاءِ.
(٢٢) - قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤلاءِ المُشْرِكِينِ، مِنْ قَوْمِكَ، مُوَبِّخاً وَمَقَرِّعاً وَمُبَيِّناً لَهُمْ سُوءَ صَنِيعِهِمْ بِالشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الأَصْنَامِ: ادْعُوا هذِهِ الأَصْنَامَ، التي تَزْعُمُونَ أَنْ لَهَا شَرِكَةً مَعَ اللهِ فِي العِبَادَةِ، فِي أُمُورِكُمْ الهَامَّةِ لِتَدفعَ عنكم الضُّرَّ وَالبَلاَءَ، أَوْ لِتَجْلُبَ لَكُمُ النَّفْعَ إِنِ اسْتَطَاعَتْ، لِتَرَوْا أَنَّها لا تَمْلِكُ أَنْ تَأْتِيَ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ خَيرٍ أَوْ شَرٍّ فِي السَّمَاوَاتِ، وَلا في الأَرْضِ، كَمَا لاَ تَمْلِكُ ذَرَّةً فِيهِمَا عَلَى سَبيلِ الشِّرْكَةِ لِلْخَالِقِ العَظيمِ.
وَليسَ للهِ مِنْ هذِهٍ الآلِهَةِ المَزْعُومَةِ مَنْ يُعِينُهُ، وَيُظَاهِرُهُ عَلَى خَلْقِ شَيءٍ، أَوْ فِعْلِ شَيءٍ، فَكَيفَ تَعْبَدُونَ هذِهِ الأَصْنَامَ العَاجِزَةَ يَا أَيُّها المُشْرِكُونَ؟ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ - وَزْنَ أَصْغَرِ مَا يُوزَنُ مِنْ نَفْعٍ أَوْ ضَرذٍ.
ظِهِيرٍ - مُعِينٍ عَلَى الخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ.
(٢٣) - وَلِعَظَمَةِ اللهِ وَجَلاَلِهِ لاَ يَجْرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَهُ فِي شَيءٍ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأذَنَ اللهُ لَهُ في الشَّفَاعَةِ، وَهُوَ تَعَالى لا يَأْذَنُ لأَحَدٍ أَنْ يَشْفَعَ لِهؤُلاءِ الكَافِرينَ، لأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِيهِمْ لاَ تَكُونَ أَبداً.
يَقِفُ النَّاسُ بَيْنَ يَدِيِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجِلِينَ فَزِعِينَ مُنْتَظِرِينَ الإِذْنَ بالشَّفَاعَة، حَتَّى إٍذا أَذِنَ للشَّافِعِينَ، وَهَدَأَتْ نُفُوسُ المُنْتَظِرِينَ، وَزَايلَها الخَوْفُ (فَزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ)، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذا قَالَ رَبُّكُمْ فِي الإِذْنِ والشَّفَاعَةِ؟ قَالُوا: قَالَ رَبُّنا الحَقَّ، وَهُوَ الإِذْنَ بالشَّفَاعَةِ لِمَنْ ارْتَضَى. والآيَاتُ تَدُلُّ عَلى أَنَّ المَشْفُوعَ لَهُمْ هُمُ المُؤمِنُونَ. أَمّا الكَافِرُونَ فهُم بِمَعْزِلٍ عَنْ مَوْقِفِ الشَّفَاعَةِ. وَاللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ المُتَفَرِّدُ بِالعُلُوِّ والكِبْرِيَاءِ، لا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ.
فُزَّع عَنْ قُلُوبِهِمْ - أُزِيلَ عَنْها الفَزَعُ وَالخَوْفُ.
الحَقَّ - قَالَ القَوْلَ الحَقَّ - وَهُوَ الإِذْنُ بِالشَّفَاعَةِ.
(٢٤) - قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤلاءِ المُشْركِينَ بِرَبِّهِمْ: مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ بِإِنْزَالِ الغَيْثِ عَلَيكُمْ فَتَرْتَوِي الأَرْضُ وَالأَنْعَامُ وَالبَشَرُ، وَمَنْ يُخْرِجُ الأَقْوَاتَ مِنَ الأَرْضِ رِزْقاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُم؟ فَإِذا سَكَتُوا عَنِ الجَوَابِ فَقُلْ لَهُمْ: هُوَ اللهُ. وَإِنَّهُ لاَبُدّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الفَرِيقَينِ أَنَا أَوْ أَنْتُمْ، عَلَى هُدىً، وَيكُونُ الآخَرُ عَلى ضَلالٍ، وَبِما أَنَّنِي أَقَمْتُ البُرهَانَ عَلَى صِحَّةٍ التَّوْحِيدِ، وَعَلى صَوَابِ مَا نَحْنُ عَليهِ مِنَ الهُدىً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلانِ مَا أَنْتُمْ عََلَيهِ يَا أَيُّها المُشْرِكُونَ مِنَ الشِّرْكِ، وَعِبَادَةِ غيرِ اللهِ.
(٢٥) - وَقُلْ لِهؤُلاءِ المُشْرِكينَ: إِنَّكُمْ لاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا نَكْتَسِبُهُ نَحْنُ مِنْ آثامٍ، وَنَجْتَرِحُهُ مِنْ ذُنُوبٍ، وَنَحْنُ لاَ نُسأَلُ عَنْ عَمَلٍ تَعْمَلُونَهُ أَنْتُمْ، خَيْراً كَانَ أَوْ شَرّاً.
أَجْرَمْنا - اكْتَسَبْنَا مِنَ الخَطَايَا.
يَفْتَحُ بَيْنَنَا - يَقْضِي، وَيَحْكُمُ بَيْنَنا.
هُوَ الفَتَّاحُ - القَاضِي وَالحَاكِمُ.
كُلاَّ - ارْتَدِعُوا عَنْ دَعْوَى الشَّرِكَةِ.
(٢٨) - وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ إِلى قَوْمِكَ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلى الخَلْقِ جَمِيعاً، مُبَشِّراً مَنْ أَطَاعَ الله بالثَّوابِ الجَزِيلِ، والجَنَّاتِ العَالِيَاتِ، وَمُنْذِراً مَنْ عَصَاهُ بِالعَذَابِ الأَلِيمِ. وَلكِنَّ أكثرَ الناسِ لاَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَيَحْمِلُهُم جَهْلُهُمْ عَلَى الإِصْرَارِ عَلَى مَا هُمْ عَليهِ مِنَ الغَيِّ وَالضَّلاَلِ.
كَافَّةً لِلنَّاسِ - إِلى النَّاسِ جَمِيعاً.
(٢٩) - وَيَقُولُ هؤَلاءِ المُشْرِكُونَ اسْتَهْزَاءً وَتَعَنُّتاً: مَتَى يَكُونُ هذَا اليَوْمُ الذِي تَعِدُونَنَا فِيهِ بِالثَّوابِ، وَالعِقَابِ، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ فِيما تَقُولُونَ؟
(٣٠) - فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: لَكُمْ مِيعَادٌ مُؤَجَّلٌ، فإِذا حَانَ مَوْعِدَهُ فَلا يُؤخَّرُ سَاعَةً وَلا يَقَدَّمُ.
(٣١) - وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذا القُرْآنِ، وَلاَ بِالكُتُبِ التِي تَقَدَّمَتْهُ، وَلاَ بِمَا اشْتَملَتْ عَليهِ مِنْ أُمورِ الغَيْبِ، وَالبَعْثِ، وَالنُّشُورِ، وَالحِسَابِ، وَالجَزَاءِ، وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَليهم، قَائِلاً لرَسُولِهِ الكَرِيمِ: لَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ حَالَ أُولئِكَ الكُفَّارِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهُمْ وَقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ، لِلْحِسَابِ وَالجَزَاءِ، وَقَدْ عَلَتْهُمُ الذِّلَّةُ والمَهَانَةُ.. إذاً لَرَأَيْتَ أَمراً عَجَباً، إِذْ يَقُولُ الأتْبَاعُ المُسْتَضْعَفُونَ لِلسَّادَةِ المُسْتَكْبِرِينَ الذِينَ حَمَلُوهُمْ عَلى اتِّبَاعِ سَبيلِ الغَيِّ والضَّلاَلةِ: لَولا أَنَّكُم صَدَدْتُمُونا عَنِ الهُدَى، وَحَمَلْتُمُونَا عَلى اتِّبَاعِكُمْ حَمْلاً لَكُنّا آمَنَّا بِرَبِّنا، وَبِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ.
مَوْقُوفُونَ - مَحْبُوسُونَ فِي مَوْقِفِ الحِسَابِ.
يَرْجِعُ - يَرُدُّ.
(٣٣) - فَقَالَ الأَتباعُ المُسْتَضْعَفُونَ لِلسَّادَةِ: بَلْ أَنْتُمُ الذِينَ كُنْتُمْ تُوَسْوِسُونَ لَنَا بِالكُفْرِ لَيلاً وَنَهَاراً، وَتُغُونَنا بِالّّثَّبَاتِ عَلَى الكًُفْرِ، وَالإِقَامَةِ عَلَيهِ، وَتُخْبِرُونَنا أَنَّنا عَلَى هُدىً فِيمَا نَعْبُدُهُ مِنْ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ وَأَندَادٍ.
وَيَتَوَقَّفُ الحِوَارُ بَيْنَ الأَتْبَاعِ المُسْتَضْعَفِينَ وَبَينَ السَّادَةِ المَتْبُوعِينَ، وَيُسِرُّ كُلُّ فَرِيقٍ في نَفْسِهِ ما يَشْعُرُ بِهِ مِنْ حَسْرَةٍ وَنَدَمٍ عَلَى ما فَرَّطَ في جَنْبِ اللهِ، وَمَا قَصَّرَ في طَاعَتِهِ، حِينَ يَرَى العَذابَ الذِي أَعَدَّهُ اللهُ لِلْكَفَرةِ المُجْرِمينَ. ثُمَّ تُوضَعُ الأَغْلالُ وَسِلاسِلُ الحَدِيدِ فِي أَعْنَاقِ هؤلاءِ، وَهُمْ في النَّارِ.
والعَذَابُ الذِي يَلْقَوْنَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ إِنذَما هُوَ الجَزَاءُ الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ عَلى مَا اجْتَرَحُوا مِنَ الكُفْرِ وَالآثامِ والسَّيِّئَاتِ فِي الدُّنيا.
مَكْرُ اللَيْلِ والنَّهَارِ - صَدَّنا مَكرُكُمْ بِنَا فِيهِمَا.
أَنْدَاداً - أمْثَالاً مِنْ مَخْلُوقَاتٍ نَعْبُدُهَا.
أَسَرُّوت النَّدَامَةَ - أَخَفُوا النَّدَمَ أَوْ أَظْهَرُوهُ.
الأَغْلاَلَ - القُيُودَ التِي نًجْمَعُ الأَيدِي إِلى الأَعْنَاقِ.
(٣٤) - ثُمَّ يَقُولُ تَعَالى لِرَسُولِهِ ﷺ: إِنَّهُ لَيْسَ أَوَّلَ رَسُولٍ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ، فَكُلُّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى الأَقوَامِ كَذَّبَهُ أُولُو النِّعْمَةِ وَالمَالِ وَالجَاهِ فِيها (مُتْرَفُوهَا)، وأَعْلَنُوا لَهُ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ دَعوَةٍ إِلى تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالى، وَالبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ وَالأَوْثَانِ وَالأَنْدَادِ.
مُتْرَفُوهَا - مُنَعَّمُوهَا وَقَادَةُ الشَّرِّ فِيها.
(٣٥) - وَقَالَ المُتْرَفُونَ مُتَفَاخِرِينَ: إِنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَتْبَاعِ الرَّسُولِ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً، ظَنّاً مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ دِلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ لَهُمْ وَعِنَايَتِهِ بِهِمْ، إِذْ لَوْ كَانُوا عَلَى خَطأٍ وَضَلالٍ لَمَا أَعْطَاهُمُ اللهُ مَا أَعْطَاهُمْ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالى لَنْ يُعَذِّبَهُمْ.
يَقْدِرُ - يُضَيِّقُ الرِّزْقَ عَلى مَنْ يَشَاءُ لِحِكْمَةٍ.
(٣٧) - قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّ اَمْوَالَكُمُ التي تُفَاخِرُونَ النَّاسَ بِها، وَأَوْلادَكُم الذِينَ تَسْتَكْبِرُونَ بِهِمْ عَلَى النَّاسِ، لا تُقرِّبُكُمْ مِنَ اللهِ، وَليسَتْ دَليلاً عَلَى عِنَايَتِهِ بِكُمْ، وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً جَزَاءَ عَمَلِهِ فَيَجْزِيهِ بِالحَسَنَةِ عَشَرَةَ أَمْثَالِها إِلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ، وَيَجْعَلُ مَسْكَنَهُ فِي غُرُفَاتِها العَالِيَةِ، وَهُوَ آمِنٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَشَرٍّ وَهَوْلٍ.
زُلْفَى - تَقْرِيباً.
لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ - لَهُمُ الثَّوَابُ المُضَاعَفُ.
فِي الغُرُفَاتِ - المَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ العَالِيَةِ في الجَنَّةِ.
(٣٨) - أَمَّا الذِينَ يَسْعَوْنَ فِي مُعَارَضَةِ آيَاتِ اللهِ، وَتَعْجِيزِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ الكِرَامِ، وَيَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ سَبيلِ اللهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ الكَرِيمُ، وَعَن الإِيمَانِ بآياتِ اللهِ والتَّصْدِيقِ بِها.. فأُولئِكَ تُحْضِرُهُمْ مَلاَئِكَةُ العَذَابِ إٍلى جَهَنَّمَ لِيَدْخُلُوها، وَيَذْوقُوا العَذَابَ فِيها، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَسَعْيِهِمْ فِي مَنْعِ النَّاسِ عَنِ الإِيمَانِ باللهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ.
مُعَاجِزينَ - مُسَابِقِينَ ظَنّاً مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَفُوتُونَنا.
مُحْضَرُونَ - تُحْضِرُهُمُ الزَّبَانِيَةُ إِلى جَهَنَّمَ.
(٣٩) - وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ: إِنَّ اللهَ تَعَالى هُوَ الذِي يُقَسِّمُ الرِّزْقَ بَيْنَ النَّاسِ، فَيُوسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ حِيناً، وَيُضَيِّقُ عَلَيهِ حِيناً آخَرَ لِحِكْمَةٍ يَراها، فَلاَ تَخْشَوا الفَقْرَ، وَأَنفِقُوا فِي سبيلِ اللهِ، وَتَقَرَّبُوا إِليهِ بِأَمْوَالِكُمْ لتَنَالُوا رِضَاهُ. وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفقةٍ في وَجهٍ، أَمَرَكُمُ اللهُ بِالإِنْفَاقِ فيهِ، أَوْ أَباَحَهُ لَكُمْ، فَهُوَ يُعَوِّضُها عَلَيكُمْ بَدَلاً مِنْهَا مَالاً فِي الدنيا، وَثَواباً فِي الآخِرَةِ، وَاللهُ تَعَالى خَيْرُ الرَّازِقِينَ، فَيَرزُقُكُمْ مِنْ حَيثُ لاَ تَحْتَسِبُونَ.
(٤٠) - وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ ذَلِكَ اليومَ الذِي يَحْشُرُ اللهُ فِيهِ المُسْتَكْبِرينَ مِنْهُمْ والمُسْتَضْعَفينَ مَعَ المَلائِكةِ، الذينَ كَانَ المُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمْ طَمَعاً فِي شَفَاعَتِهِمْ، وَلِيُقرِّبُوهُمْ إِلى اللهِ زُلْفَى، ثُمَّ يَسْأَلُ اللهُ تَعَالى المَلاَئِكَةَ قَائلاً: هَلْ أَنْتُمْ أَمَرْتُمْ هُؤلاءِ بِعِبَادَتِكُمْ؟
(٤١) - فَتَرُدُّ المَلاَئِكَةُ عَلَى سُؤَالِ الرَّبِّ العَظِيمِ قَائِلِينَ: تَعَالَيتَ رَبَّنَا، وَتَقَدَّسْتَ، وَتَنَزَّهَتْ أَسْمَاؤُكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ إِلهٌ، نَحْنُ نَعْبُدُكَ، وَنَبْرأُ إِليكَ مِنْ هَؤْلاءِ، وَأَنْتَ الذِي نَوَالِيهِ مِنْ دُونِهِمْ، فَلا مُوَلاَةَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُم، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَنا، بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ لأَنَّهُمْ هُمُ الذِينَ زَيَّنُوا لَهُمُ الشِّرْكَ، وِعِبَادَةَ الأَصْنَامِ، وأَضَلُّوهُمْ فَأَطَاعُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَكْثَرُهُمْ بِهِمْ يُؤْمِنُونَ وَيُصَدِّقُونَ.
أَنْتَ وَلِيًُّنا - أَنْتَ الذِي نَوَالِيهِ.
(٤٣) - وَقَدِ اسْتَحَقَّ هؤُلاءِ المُشْرِكُونَ العَذَابَ الأَلِيمَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لأَنَّهُمْ كَانُوا إِذا تُلِيَتْ عَلَيهم آياتُ كِتابِ اللهِ، الدَّالَّةُ عَلى التّوحِيدِ، وَبُطلاَنِ الشِّرْكِ يَقُولُونَ: إِنَّ هذا الرَّدلَ يريدُ أَنْ يَصْرِفَكُمْ عَنِ الدِّينِ الحَقِّ، دِينِ الآباءِ والأجدادِ لِيجْعَلَكُمْ مِنْ أتباعِهِ، دُونَ أَنْ يكُونَ لهُ حُجَّةٌ وبُرْهَانٌ عَلى صِحَّةِ مَا يَقُولُ. وَقَالُوا: إِنَّ القُرآنَ الذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ إِنَّهُ نَزَلَ عَلَيهِ مِنَ السَّمَاءِ، إِنْ هُوَ إِلا كَذِبٌ افْتَراهُ وَصَنَعُهُ وَنَسَبَهُ إِلى اللهِ، تَرْوِيجاً لِدَعْوَتِهِ. وَقَالَ المُشْرِكُونَ عَنِ الذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ مُشْتَمِلاً عَلَى الشَّرائِعِ وَالهَدَى: إِنْ هذا إلاَّ سِحْرٌ بَيِّنٌ لاَ خَفَاءَ فِيهِ. وَقَدْ أًثَّر هذا السِّحْرُ عَلَى عُقُولِنا وَقُلُوبِنَا.
إِفْكٌ مُفْتَرىً - كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ وَمَنْسُوبٌ إِلى اللهِ.
(٤٤) - وَرَدَّ اللهُ تَعَالى عَلَى هؤُلاءِ المُشْرِكِينَ القَائِلينَ: إِنَّ دِينَهُمْ هُوَ الدِّينَ الصَّحِيحُ، فَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ الصَّحِيحُ، فَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ الصَّحِيحَ لاَ يَكُونَ إِلا بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَبِكِتَابٍ يَنْزِلُ عَلَى الرَّسُولِ لِيُبَلِّغَهُ لِلنَّاسِ، وَيُبَيِّنَ لَهُمْ فِيهِ الشَّرائعَ والأًَحْكَامَ. وهؤُلاءِ المُشْرِكُونَ مِنْ أُمَّةٍ لَمْ يَأْتِها كِتَابٌ قَبْلَ القُرآانِ، وَلَمْ يُرْسِلِ اللهِ إليهمْ رَسُولاً قَبْلَ مُحَمَّدٍ، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَهُمْ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيهِ مِنْ شِرْكٍ هُوَ الدِّينَ الصَّحِيحُ؟
(٤٥) - وَكَانَ لَهُمْ عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ فِيمَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ، التِي بَلَغَتْ مِنَ القُوّةِ والبَأْسِ والغِنَى أَضْعافاً كَثيرةً مِمَّا بَلَغَهُ مُشْرِكُو قُرَيِشٍ، فَدَمَّرُهُمُ اللهُ، وَأَبَادَهُمْ لَمَّا كَذَّبُوا رُسُلَ اللهِ، وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللهِ شَيئاً، وَهُمْ يَرَوْنَ آثَارَ هذِهِ الأُمَمِ وَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ، فَكَيفَ وَجدُوا عِقَابَ اللهِ وَعَذَابَهُ وَنَكَالَهُ بِمَنْ كَفَرَواسْتَكْبَرَ، وَكَذَّبَ رُسَلَ اللهِ؟ (فَكَيفَ كَانَ نَكِيرِ).
مِعْشَارَ مَا آتَينَاهُمْ - عُشْرَ مَا أَعْطَينَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ.
(٤٦) - وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤُلاءِ المُشْرِكِينَ، الزَّاعِمِينَ أَنَّكَ مَجْنُونٌ: إِنَّنِي أَنْصَحُ لَكُمْ ألاَّ تُبَادِرُوا إِلى التَّكْذِيبِ عِنَاداً واسْتِكْباراً، بَلِ اتَّئدُوا، وَتَفَكَّروا مَلِيّاً فيمَا دَعَوْتُكُمْ إِليهِ، وَابحثوا عَنِ الحَقِّ وَالحَقيقةِ، إِمَا وَاحداً واحِداً، وَإِما اثْنَينِ اثْنَينِ (لأَنَّ الازْدِحَامِ يَكُونُ سَبَباً لِتَخْلِيطِ الكَلامِ، وقِلَّةِ الإِنْصَافِ) فَإِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، وَتَرَوَّوْا فِي أَمْرِهِمْ، وَصَلُوا إِلَى أَنَّ مُحَمَّداً ليسَ مَجْنُوناً، لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلاً، وأَصْدَقُهُمْ قَوْلاً، وَأَجْمَعُهُمْ لِلْكَمَالِ النَّفْسِيِّ وَالعَقْلِيِّ، وَهذا يُوجِبُ عَلَيهمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ، وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِرِسَالَتِهِ، وَأَنْ يَتذَبِعُوهُ فِيما يَدْعُوهُم إِليهِ، وَأَنَّهُ ليسَ إِلا نَذِيراً لِهؤلاءِ بِينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، يَحِلُّ بِهِمْ يَومَ القَيَامَةِ، إِنْ قَدِمُواعَلَى رَبذِهِمْ وَهُمْ نُصِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَإِشْرَاكِهِمْ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِدَعْوَةِ الرَّسُولِ، وَلَمْ يُحْدِثُوا تَوْبَةً.
مِنْ جِنَّةٍ - مِنْ جُنُونٍ.
(٤٨) - وَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: إِنْ رَبِّي يَقْذِفُ البَاطِلَ بِالحَقِّ، وَيَرْمِيهِ بِهِ حَتَّى يُبْطِلَهُ، وَيُزِيلَ آثارَهُ، وَيُشِيعَ الحَقَّ فِي الآفَاقِ، واللهُ تَعَالى هُوَ عَلاَّمُ الغُيوبِ فَلا تَخْفَى عَليهِ خَافِيةٌ فِي الأَرْضِ وَلا في السَّمَاءِ.
يَقْذِفُ بِالحَقِّ - يَرْمي بِهِ البَاطِلَ فَيَدْمَغُهُ.
(٤٩) - وَقُلْ: جَاءَ الحقُّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرْعُ العَظِيمُ (أي الإِسْلاَمُ) وَرَفِعَتْ رَايَتُهُ، وَعَلاَ ذِكْرُهُ وَذَهَبَ البَاطِلُ واضْمَحَلَّ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ بَقيَّةٌ تَفْعَلُ أَمراً ابْتِدَاءً (يُبدِيءُ) وَلا تَفْعَلُ فِعْلَهُ ثَانِيةً (يُعِيدُ).
فَزِعُوا - خَافُوا عِنْدَ المَوتِ أَوْ عِنْدَ البَعْثِ.
فَلا فَوْتَ - فَلا مَهْرَبَ، وَلاَ نَجَاةَ مِنَ العَذَابِ.
مَكَانٍ قَرِيبٍ - مَوْقِفِ الحِسَابِ.
(٥٢) - وَحِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِالحَقِّ (بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبالبَعْثِ) وَلَكِنْ أَنَّى لَهُمْ ذَلِكَ، وَكَيفَ لَهُمُ الإِيمَانُ بِسُهُولةٍ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ - وَهُوَ الدُّنْيا - التِي انْقَضَى وَقْتُها، وَأَصْبَحَتْ بَعيدَةً عَنْهُمْ، لأَنَّ الإِيمَانَ والعَمَلَ يَجِبُ أَنْ يكُونا فِي الدَّارِ الدُّنيا، أَمَّا الآخِرَةُ فَلَيْسَتْ دَاراً لِقَبُولِ التَّكَالِيفِ، إِنَّما هِيَ دَارُ الجَزاءِ.
التَّنَاوَشُ - التَّنَاوُلُ السَّهْلُ لِشيءٍ قَريبٍ - وَهُوَ هُنَا تَنَاوُلُ الإِيمَانِ والتَّوْبَةِ.
مِنْ مَكَانٍ بَعيدٍ - مِنَ الآخِرَةِ.
يَقْذِفُونَ بِالغَيبِ - يَرْجُمُونَ بِالظُّنُونِ.
بِأَشْيَاعِهِمْ - بِأَمْثَالِهِمْ مِنَ الكُفَّارِ.
مُرِيبٍ - مُوقِعٍ فِي الرِّيبَةِ وَالقَلَقِ.