تفسير سورة الزخرف

تفسير البغوي
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي .
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً يَعْنِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً [يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمْ يُولَدْ لَهُمَا، وَهَذَا عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ]، وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ. إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُكَلِّمُ اللَّهَ وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا كَمَا كَلَّمَهُ مُوسَى وَنَظَرَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَنْظُرْ مُوسَى إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً يُوحِي إِلَيْهِ فِي الْمَنَامِ أَوْ بِالْإِلْهَامِ، أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، يُسْمِعُهُ كَلَامَهُ وَلَا يَرَاهُ كَمَا كَلَّمَهُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا، إِمَّا جِبْرِيلَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ، أَيْ يُوحِيَ ذَلِكَ الرَّسُولُ إِلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ بِإِذْنِ اللَّهِ مَا يَشَاءُ، قَرَأَ نَافِعٌ: أَوْ يُرْسِلَ بِرَفْعِ اللَّامِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، فَيُوحِيَ سَاكِنَةَ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِنَصْبِ اللَّامِ وَالْيَاءِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ الْوَحْيِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُوحِيَ إِلَيْهِ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا. إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ.
وَكَذلِكَ، أَيْ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى سَائِرِ رُسُلِنَا، أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نُبُوَّةً.
وَقَالَ الْحَسَنُ: رَحْمَةً. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: وَحْيًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كِتَابًا، وَقَالَ الرَّبِيعُ: جِبْرِيلَ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: يَعْنِي الْقُرْآنَ. مَا كُنْتَ تَدْرِي، قَبْلَ الْوَحْيِ، مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، يَعْنِي شَرَائِعَ الْإِيمَانِ وَمَعَالِمَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ: الْإِيمَانُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الصَّلَاةُ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] وَأَهْلُ الْأُصُولِ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا مُؤْمِنِينَ قَبْلَ الْوَحْيِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْبُدُ اللَّهَ قَبْلَ الْوَحْيِ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَرَائِعُ دِينِهِ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْإِيمَانَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي الْقُرْآنَ. نَهْدِي بِهِ، نُرْشِدُ بِهِ، مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي، أَيْ لَتَدْعُو، إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، يَعْنِي الْإِسْلَامَ.
صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)، أَيْ أُمُورُ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا فِي الْآخِرَةِ.
سُورَةُ الزُّخْرُفِ
مكية وهي تسع وثمانون آية
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥)
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)، أَقْسَمَ بِالْكِتَابِ الَّذِي أَبَانَ طَرِيقَ [١] الْهُدَى مِنْ طَرِيقِ [٢] الضَّلَالَةِ وَأَبَانَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنَ الشَّرِيعَةِ.
إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣)، قَوْلُهُ جَعَلْنَاهُ أَيْ صَيَّرْنَا [قِرَاءَةَ] هَذَا الْكِتَابَ عَرَبِيًّا.
وَقِيلَ: بَيَّنَّاهُ. وَقِيلَ: سَمَّيْنَاهُ. وَقِيلَ: وَصَفْنَاهُ، يُقَالُ جَعَلَ فُلَانٌ زَيْدًا أَعْلَمَ النَّاسِ، أي وصفه بهذا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزُّخْرُفِ: ١٩] وَقَوْلُهُ: جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الْحِجْرِ:
٩١]، وَقَالَ: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ [التَّوْبَةِ: ١٩]، كُلُّهَا بِمَعْنَى الْوَصْفِ وَالتَّسْمِيَةِ.
وَإِنَّهُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، فِي أُمِّ الْكِتابِ، فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَالَ قَتَادَةُ: أُمُّ الْكِتَابِ أَصْلُ الْكِتَابِ، وَأُمُّ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَ، فَالْكِتَابُ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَرَأَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ. لَدَيْنا، فَالْقُرْآنُ مُثَبَّتٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَمَا قَالَ: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢) [الْبُرُوجِ: ٢١- ٢٢]. لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ، قَالَ قَتَادَةُ: يُخْبِرُ عَنْ مَنْزِلَتِهِ وَشَرَفِهِ، أَيْ إِنْ [٣] كَذَّبْتُمْ بِالْقُرْآنِ يَا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا لَعَلِيٌّ رَفِيعٌ شَرِيفٌ مُحْكَمٌ مِنَ الْبَاطِلِ.
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً، يُقَالُ: ضَرَبْتُ عَنْهُ وَأَضْرَبْتُ عَنْهُ إِذَا تَرَكْتُهُ وَأَمْسَكْتُ عَنْهُ وَالصَّفْحُ مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ صَفَحْتَ عَنْهُ إِذَا أَعْرَضْتَ عَنْهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ [٤] تُوَلِّيَهُ صَفْحَةَ وَجْهِكَ وَعُنُقِكَ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْقُرْآنُ، وَمَعْنَاهُ: أَفَنَتْرُكُ عَنْكُمُ الْوَحْيَ وَنُمْسِكُ عَنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ فَلَا نَأْمُرُكُمْ وَلَا نَنْهَاكُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ أَسْرَفْتُمْ فِي كُفْرِكُمْ وَتَرَكْتُمُ الْإِيمَانَ؟ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ، أَيْ لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَجَمَاعَةٍ، قَالَ قَتَادَةُ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ رُفِعَ [٥] حِينَ رَدَّهُ أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَهَلَكُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَادَ عَلَيْهِمْ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَكَرَّرَهُ عَلَيْهِمْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَفَنُضْرِبُ عَنْكُمْ بذكرنا إِيَّاكُمْ صَافِحِينَ مُعْرِضِينَ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ والسدي: أَفَنَطْوِي عَنْكُمُ الذِّكْرَ طَيًّا فَلَا تُدْعَوْنَ وَلَا تُوعَظُونَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
أَفَنَتْرُكُكُمْ سُدًى لَا نَأْمُرُكُمْ وَلَا ننهاكم. قال مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: أَفَنُعْرِضُ عَنْكُمْ وَنَتْرُكُكُمْ فَلَا نُعَاقِبَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ. أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ، قَرَأَ أَهْلُ المدينة وحمزة والكسائي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى مَعْنَى إِذْ كُنْتُمْ كَقَوْلِهِ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آلِ عِمْرَانَ: ١٣٩]، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ عَلَى مَعْنَى لِأَنْ كنتم [قوما] [٦] مسرفين مشركين.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦ الى ١٢]
وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠)
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢)
(١) فِي المطبوع «طرق» والمثبت عن ط والمخطوط (أ) وط.
(٢) في المطبوع والمخطوط (ب) «طرق» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.
(٣) في المطبوع «أو» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «حين توليه وصفحة » والمثبت عن المخطوط (ب).
(٥) في المخطوط (ب) «دفع» والمثبت عن ط والمخطوط (أ).
(٦) زيادة عن المخطوط (ب) وط.
وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ، أَيْ وَمَا كَانَ يَأْتِيهِمْ، مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، كَاسْتِهْزَاءِ قَوْمِكَ بِكَ، يُعَزِّي نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً، أَيْ أَقْوَى مِنْ قَوْمِكَ يَعْنِي الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ أُهْلِكُوا بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ، أَيْ صِفَتُهُمْ وَسُنَّتُهُمْ وَعُقُوبَتُهُمْ، فَعَاقِبَةُ هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ فِي الْإِهْلَاكِ.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ، أَيْ سَأَلْتَ قَوْمَكَ، مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ، وأقروا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهَا، وَأَقَرُّوا بِعِزِّهِ وَعِلْمِهِ ثُمَّ عَبَدُوا غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا قُدْرَتَهُ عَلَى الْبَعْثِ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ. إِلَى هَاهُنَا تَمَّ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ ثُمَّ ابْتَدَأَ دَالًّا عَلَى نَفْسِهِ بِصُنْعِهِ فَقَالَ:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠). إِلَى مَقَاصِدِكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ.
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ، أَيْ بِقَدْرِ حَاجَتِكُمْ إِلَيْهِ لَا كَمَا أَنْزَلَ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ بِغَيْرِ قَدْرٍ حتى أهلكهم. فَأَنْشَرْنا، أحيينا، بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ، أَيْ كَمَا أَحْيَيْنَا هَذِهِ الْبَلْدَةَ الْمَيْتَةَ بِالْمَطَرِ كَذَلِكَ، تُخْرَجُونَ، مِنْ قُبُورِكُمْ أحياء.
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها، أَيِ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا. وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ مَا تَرْكَبُونَ، فِي الْبَرِّ والبحر.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٣ الى ١٨]
لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧)
أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨)
لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ، ذَكَرَ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ رَدَّهَا إِلَى (مَا). ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ، بِتَسْخِيرِ الْمَرَاكِبِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا، ذلك لَنَا هَذَا، وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، مُطِيقِينَ، وَقِيلَ: ضَابِطِينَ.
155
وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)، لَمُنْصَرِفُونَ فِي الْمَعَادِ.
«١٨٨٠» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ [مُحَمَّدٍ] [١] الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [حِينَ] [٢] رَكِبَ فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، ثُمَّ حَمِدَ ثَلَاثًا وَكَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لي [٣]، فإنه لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، ثم ضحك، فقيل [٤] : مَا يُضْحِكُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فعل مثل مَا فَعَلْتُ، وَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْتُ: ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْنَا: مَا يُضْحِكُكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعَبْدُ»، أَوْ قَالَ: «عَجِبْتُ لِلْعَبْدِ إِذَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا أنت [٥] ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا هو».
قوله تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً، أَيْ نَصِيبًا وَبَعْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمْ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَمَعْنَى الْجَعْلِ هَاهُنَا الْحُكْمُ بِالشَّيْءِ، وَالْقَوْلُ كَمَا تَقُولُ: جَعَلْتُ زَيْدًا أَفْضَلَ النَّاسِ، أَيْ وَصَفْتُهُ وَحَكَمْتُ بِهِ، إِنَّ الْإِنْسانَ، يَعْنِي الْكَافِرَ، لَكَفُورٌ، جَحُودٌ لِنِعَمِ اللَّهِ، مُبِينٌ، ظَاهِرُ الْكُفْرَانِ.
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ، هذا استفهام توبيخ وإنكار، اتَّخَذَ رَبُّكُمْ لِنَفْسِهِ الْبَنَاتِ، وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ، كَقَوْلِهِ: أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً [الْإِسْرَاءِ: ٤٠].
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا، بِمَا جَعَلَ الله شَبَهًا وَذَلِكَ أَنَّ وَلَدَ كُلِّ شَيْءٍ يُشْبِهُهُ، يَعْنِي إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْبَنَاتِ كَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٥٨] : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى، ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، من الغيظ والحزن.
أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: يُنَشَّأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ، أَيْ يُرَبَّى، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ، أَيْ يَنْبُتُ وَيَكْبُرُ، فِي الْحِلْيَةِ، فِي الزِّينَةِ يَعْنِي النِّسَاءَ، وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ، فِي الْمُخَاصَمَةِ غَيْرُ مُبِينٍ لِلْحُجَّةِ مِنْ ضَعْفِهِنَّ وَسَفَهِهِنَّ، قَالَ قَتَادَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَلَّمَا تَتَكَلَّمُ امرأة تريد أَنْ تَتَكَلَّمَ بِحُجَّتِهَا إِلَّا تَكَلَّمَتْ بالحجة عليها، أَوَمَنْ في مَحَلِّ مَنْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالنَّصْبُ عَلَى الْإِضْمَارِ، مجازه: أو من ينشؤ في الحلية يجعلونه
١٨٨٠- إسناده صحيح، أحمد الرمادي ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، أبو إسحق هو عمرو بن عبد الله السّبيعي.
- وهو في «شرح السنة» ١٣٣٦ بهذا الإسناد.
- وهو في «المصنف» لعبد الرزاق عن معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبراني في «الوعاء» ٧٨٢ والبيهقي ٥/ ٢٥٢ من طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه النسائي في «اليوم والليلة» ٥٠٢ والحاكم ٢/ ٩٩ والطبراني ٧٨٥ من طريق منصور بن المعتمر عن أبي إسحاق به.
- وأخرجه أبو داود ٢٦٠٢ والترمذي ٣٤٤٦ وابن حبان ٢٦٩٨ والطبراني في «الدعاء» ٧٨٤ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٨١ من طرق عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسحاق به.
- وأخرجه أحمد ١/ ٩٧ و١٢٨ والطبراني ٧٨١ و٧٨٣ و٧٨٦ والدارمي في «الرد على بشر المريسي» ص ٢٠٢ برقم ١٣٨- بترقيمي- وابن حبان ٢٦٩٧ من طرق عن أبي إسحاق السبيعي به.
- وأخرجه الحاكم ٢/ ٩٨- ٩٩ والطبراني في «الدعاء» ٧٧٨ من طريقين عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ ميسرة بن حبيب عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ علي بن ربيعة به.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، مع أن ميسرة والمنهال لم يرو لهما مسلم.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ١٧٧ و «الدعاء» ٧٧٩ من طريق ابن لهيعة قال حدثني عبد ربه بن سعيد عن يونس ابن خباب عن شقيق الأزدي عن علي بن ربيعة به.
- وابن لهيعة ضعيف، وكذا يونس بن خباب قال فيه البخاري: منكر الحديث.
- وله شاهد من حديث ابن عمر، أخرجه مسلم ١٣٤٢ وأبو داود ٢٥٩٩ وغيرهما.
- وانظر «الكشاف» ١٠٠٢ و «أحكام القرآن» ١٩٤٣ بتخريجي. والله الموفق.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيد في المطبوع «ذنوبي».
(٤) في المطبوع «فقال» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة». [.....]
(٥) في المطبوع «إلا الله» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
156
بَنَاتِ اللَّهِ، وَالْخَفْضُ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: مِمَّا يَخْلُقُ، وَقَوْلِهِ: بِما ضَرَبَ.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٩ الى ٢٣]
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَبُو عَمْرٍو عِبادُ الرَّحْمنِ بِالْبَاءِ وَالْأَلِفِ بَعْدَهَا وَرَفْعِ الدَّالِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ، [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٦]، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: عِنْدَ الرَّحْمَنِ بِالنُّونِ وَنَصْبِ الدَّالِ عَلَى الظَّرْفِ وَتَصْدِيقُهُ كقوله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [الْأَعْرَافِ:
٢٠٦] الْآيَةَ: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا لم يسم فاعله، وليّنوا الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ أَحَضَرُوا خَلْقَهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ أَحَضَرُوا خَلْقَهُمْ حِينَ خُلِقُوا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) [الصَّافَّاتِ: ١٥٠]، سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ، عَلَى الْمَلَائِكَةِ أنهم بنات الله، وَيُسْئَلُونَ، عَنْهَا.
«١٨٨١» قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: لَمَّا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهُمْ إِنَاثٌ [١] ؟
قَالُوا: سَمِعْنَا مِنْ آبَائِنَا وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْذِبُوا فَقَالَ اللَّهُ تعالى: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ، عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ.
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ، وقال مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْأَوْثَانَ وَإِنَّمَا لَمْ يُعَجِّلْ عُقُوبَتَنَا عَلَى عِبَادَتِنَا إِيَّاهَا لِرِضَاهُ مِنَّا [٢] بِعِبَادَتِهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، فِيمَا يَقُولُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ مَا هُمْ إِلَّا كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ مِنَّا بِعِبَادَتِهَا، وَقِيلَ: إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ، فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ وَإِنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ.
أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ، أَيْ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ بِأَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ، فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ.
بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ، عَلَى دِينٍ وَمِلَّةٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى إِمَامٍ. وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ، جَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِاتِّبَاعِ آبَائِهِمْ الأولين مُهْتَدِينَ.
وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها، أَغْنِيَاؤُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا، إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ، بِهِمْ.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٤ الى ٣١]
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)
بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)
١٨٨١- واه بمرة، ذكره المصنف هاهنا معلقا عن الكلبي ومقاتل وسنده إليهما مذكور في أول الكتاب، ولا يصح هذا الخبر، فالكلبي متروك متهم، ومقاتل إن كان ابن سليمان، فهو كذاب، وإن كان ابن حيان، فقد روى مناكير. وذكره الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٦٨ عن الكلبي ومقاتل معلقا بدون إسناد.
(١) في المطبوع «بنات الله» والمثبت عن المخطوط و «ط».
(٢) في المطبوع «منها» والمثبت عن ط والمخطوط.
قالَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ: قالَ عَلَى الْخَبَرِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ قُلْ عَلَى الْأَمْرِ، أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: «جِئْنَاكُمْ» عَلَى الْجَمْعِ، وَالْآخَرُونَ [جِئْتُكُمْ] [١] عَلَى الْوَاحِدِ، بِأَهْدى، بِدِينٍ أَصْوَبَ، مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ، قال الزجاج: قال لَهُمْ [يَا مُحَمَّدُ] [٢] أَتَتَّبِعُونَ مَا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ وَإِنْ جِئْتُكُمْ بأهدى منه؟ فأبوا أن يقبلوه. قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ.
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ، أَيْ بَرِيءٌ، وَلَا يُثَنَّى «الْبَرَاءُ» وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ النَّعْتِ. مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [خَلَقَنِي] فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧)، يُرْشِدُنِي لِدِينِهِ.
وَجَعَلَها، يَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَةَ، كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ [في ذريته] [٣]، قَالَ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ: يَعْنِي كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ، وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي فِي ذُرِّيَّتِهِ قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَزَالُ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَيُوَحِّدُهُ وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: يَعْنِي جعل وَصِيَّةَ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا بَنِيهِ بَاقِيَةً فِي نَسْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ
[الْبَقَرَةِ: ١٣٢].
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي قَوْلَهُ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْبَقَرَةِ: ١٣١]، وَقَرَأَ: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ [الْحَجِّ: ٧٨]، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، لَعَلَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَتَّبِعُونَ هَذَا الدِّينَ وَيَرْجِعُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ إِلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ أُعَاجِلْهُمْ بالعقوبة على كفرهم، حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ، يَعْنِي الْقُرْآنُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْإِسْلَامُ. وَرَسُولٌ مُبِينٌ، يُبَيِّنُ لَهُمُ الْأَحْكَامَ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْإِنْعَامِ [٤] أَنْ يُطِيعُوهُ فَلَمْ يَفْعَلُوا وَعَصَوْا.
وَهُوَ قوله: وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ، يَعْنِي الْقُرْآنُ، قالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)، يَعْنُونَ الْوَلِيدَ بن مغيرة مِنْ مَكَّةَ، وَعُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ بِالطَّائِفِ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَابْنُ عَبْدِ يَالَيْلَ الثَّقَفِيُّ مِنَ الطَّائِفِ. وَقِيلَ:
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنَ الطَّائِفِ حَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)
(١) زيادة عن المخطوط (ب).
٢ زيادة عن المخطوط (ب).
٣ زيادة عن المخطوط (ب).
(٤) في المطبوع «هذه الأحكام» والمثبت عن ط والمخطوط.
158
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ، يَعْنِي النُّبُوَّةَ، قَالَ مُقَاتِلٌ: يقولو بأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعوها [١] حيث شاؤوا؟ ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، فَجَعَلْنَا هَذَا غَنِيًّا وَهَذَا فَقَيرًا وَهَذَا مالكا [٢] وَهَذَا مَمْلُوكًا فَكَمَا فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ كَمَا شِئْنَا، كَذَلِكَ اصْطَفَيْنَا بِالرِّسَالَةِ مَنْ شِئْنَا، وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ، بِالْغِنَى وَالْمَالِ، لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا، لِيَسْتَخْدِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيُسَخِّرُ الْأَغْنِيَاءُ بِأَمْوَالِهِمُ الْأُجَرَاءَ الْفُقَرَاءَ بِالْعَمَلِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَبَبَ الْمَعَاشِ هَذَا بِمَالِهِ، وَهَذَا بِأَعْمَالِهِ، فَيَلْتَئِمُ قِوَامُ أَمْرِ الْعَالَمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ بِمَالِهِمْ بعضا بالعبودية والملك. وَرَحْمَتُ رَبِّكَ، يَعْنِي الْجَنَّةَ، خَيْرٌ، لِلْمُؤْمِنِينَ، مِمَّا يَجْمَعُونَ، مِمَّا يَجْمَعُ الْكُفَّارُ من الأموال.
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، أَيْ لَوْلَا أَنْ يَصِيرُوا كُلُّهُمْ كُفَّارًا فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الْكُفْرِ، لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: سُقُفاً بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: ٢٦]، وقرأ الآخرون بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ عَلَى الْجَمْعِ، وَهِيَ جَمْعُ سَقْفٍ مِثْلُ رَهْنٍ وَرُهُنٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا. وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ سَقِيفٍ. وَقِيلَ: جَمْعُ سُقُوفٍ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَمَعارِجَ، مَصَاعِدَ وَدَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ، عَلَيْها يَظْهَرُونَ، يَعْلُونَ وَيَرْتَقُونَ، يُقَالُ: ظَهَرْتُ عَلَى السَّطْحِ إِذَا عَلَوْتُهُ.
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً، مِنْ فِضَّةٍ، وَسُرُراً أَيْ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سُرُرًا من فضة، عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ.
وَزُخْرُفاً، أَيْ وَجَعَلْنَا مَعَ ذَلِكَ لَهُمْ زُخْرُفًا وَهُوَ الذَّهَبُ، نَظِيرُهُ: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ [الْإِسْرَاءِ: ٩٣]، وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا، قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ لَمَّا بِالتَّشْدِيدِ عَلَى مَعْنَى: وَمَا كُلُّ ذَلِكَ إِلَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. فَكَانَ: لَمَّا بِمَعْنَى إِلَّا، وَخَفَّفَهُ الْآخَرُونَ عَلَى مَعْنَى وَكُلُّ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ: إِنْ لِلِابْتِدَاءِ، وَمَا صلة، يريدان هَذَا كُلَّهُ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَزُولُ وَيَذْهَبُ، وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ، خَاصَّةً يَعْنِي الْجَنَّةَ.
«١٨٨٢» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ أَنَا أبو بكر أحمد [٣] بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ أَنَا أحمد بن سيار القرشي
١٨٨٢- جيد. إسناده ضعيف لضعف زكريا بن منظور، لكن توبع وللحديث شواهد يتقوى بها، والله أعلم.
- أبو حازم هو سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» ٣٩٢٢ بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه ٤١١٠ والحاكم ٤/ ٣٠٦ من طريق عن ابن منظور به.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٢٠ من طريق عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم به.
- قال الترمذي: صحيح غريب.
- وقال الحاكم: صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: زكريا بن منظور ضعفوه.
- وقال البوصيري في «الزوائد» زكريا ضعيف، وأصل المتن صحيح.
(١) في المطبوع «فيصنعونها» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «ملكا» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «حمد» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
159
ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ أَبُو مسلم ثنا [١] زكريا بْنُ مَنْظُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةَ مَاءٍ».
«١٨٨٣» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [٢] الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُجَالِدِ [٣] بْنِ سَعِيدٍ عَنْ قَيْسُ بْنُ [أَبِي] [٤] حَازِمٍ عَنْ المستورد بن شداد أحد [٥] بَنِي فِهْرٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيِّتَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا» [قَالُوا] : مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أهلها».
- قلت: ابن منظور تابعه عبد الحميد بن سليمان في رواية الترمذي، لكنه ضعيف كما في «الضعفاء» للذهبي.
- وللحديث شواهد منها:
- حديث أبي هريرة.
- أخرجه البزار كما في «المجمع» ١٠/ ٢٨٨ وقال الهيثمي: فيه صالح مولى التوأمة ثقة، لكنه اختلط، وبقية رجاله ثقات.
- وحديث ابن عباس:
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٣/ ٣٠٤ وإسناده ضعيف.
- وحديث ابن عمر:
أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» ٢/ ٩٢ وإسناده ضعيف.
- وحديث عثمان بن عبيد الله عن رجال مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.
- أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ٥٠٩.
فالحديث بمجموع طرقه يرقى إلى درجة الحسن الصحيح، والله أعلم.
- وانظر «الكشاف» ١٠٠٣ بتخريجي، والله الموفق.
١٨٨٣- صحيح. إسناده لين لأجل مجالد بن سعيد، لكن للحديث شواهد.
- وهو في «شرح السنة» ٢٩٢٠ بهذا الإسناد.
- وهو في «الزهد» ٥٠٨ عن مجالد بن سعيد به.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٢١ من طريق ابن المبارك به.
- وأخرجه ابن ماجه ٤١١١ من طريق مجالد بن سعيد به.
- وللحديث شواهد كثيرة منها:
- حديث جابر: عند مسلم ٢٩٥٧ وأبي داود ١٨٦.
- وحديث ابن عباس: عند أحمد ١/ ٣٢٩ وأبو يعلى ٢٥٩٣ وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٢٨٦- ٢٨٧: وفيه محمد بن مصعب، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجالهم رجال الصحيح.
- وحديث أبي هريرة: عند أحمد ٢/ ٣٣٨ وفيه أبو المهزم، ضعفه الجمهور، وبقية رجاله رجال الصحيح.
- وحديث ابن عمر: عند الطبراني كما في «المجمع» ١٠/ ٢٨٨ وفيه يحيى بن عبد الله البابلي، وهو ضعيف، قاله الهيثمي.
- وحديث أبي الدرداء: عند البزار ٣٦٩٠ ورجاله ثقات كما في «المجمع» ١٠/ ٢٧٨. [.....]
(١) في المطبوع «أبو بكر بن ممعلور» والمثبت عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
ووقع في المخطوط (أ) «زكريا بن ممطور» وفي المخطوط (ب) «زكريا بن منصور».
(٢) تصحف في المخطوط (ب) إلى «يوسف».
(٣) في المطبوع «خالد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «أخو» والتصويب عن «شرح السنة» والمخطوط.
160

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ، أَيْ يُعْرِضُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَخَفْ عِقَابَهُ، وَلَمْ يَرْجُ ثَوَابَهُ، يُقَالُ: عشوت إلى النار أعشوا عَشْوًا، إِذَا قَصَدْتُهَا مُهْتَدِيًا بِهَا، وَعَشَوْتُ عَنْهَا أَعْرَضْتُ عَنْهَا، كَمَا يَقُولُ: عَدَلْتُ إِلَى فُلَانٍ وَعَدَلْتُ عَنْهُ وَمِلْتُ إِلَيْهِ وَمِلْتُ عَنْهُ.
قال القرظي: يول ظَهْرَهُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: يَظْلِمُ بِصَرْفِ بَصَرِهِ عَنْهُ. قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: أَصْلُ الْعَشْوِ النَّظَرُ بِبَصَرٍ ضَعِيفٍ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَنْ يَعْشُ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ يَعْمَ، يُقَالُ عَشَى يَعْشَى عشيا إِذَا عَمِيَ فَهُوَ أَعْشَى، وَامْرَأَةٌ عَشْوَاءُ. نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً، قَرَأَ يَعْقُوبُ: يُقَيِّضْ بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، نُسَبِّبُ لَهُ شَيْطَانًا وَنَضُمُّهُ إِلَيْهِ وَنُسَلِّطُهُ عَلَيْهِ. فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، لَا يُفَارِقُهُ يُزَيِّنُ لَهُ الْعَمَى وَيُخَيِّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى الْهُدَى.
وَإِنَّهُمْ، يَعْنِي الشَّيَاطِينَ، لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، أَيْ لَيَمْنَعُونَهُمْ عَنِ الْهُدَى وجمع الكنانة لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فِي مَذْهَبٍ جَمْعٌ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ، وَيَحْسَبُ كُفَّارُ بَنِي آدَمَ أنهم على هدى.
حَتَّى إِذا جاءَنا، قَرَأَ أَهْلُ الْعِرَاقِ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ: جاءَنا عَلَى الْوَاحِدِ يَعْنُونَ الْكَافِرَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: جَاءَانَا، عَلَى التَّثْنِيَةِ يَعْنُونَ الكافر وقرينه قد جُعِلَا فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ. قالَ، الْكَافِرُ لِقَرِينِهِ الشَّيْطَانِ، يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، أَيْ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَغَلَبَ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: الْقَمَرَانِ، وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: الْعُمَرَانِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمَشْرِقَيْنِ مَشْرِقَ الصَّيْفِ وَمَشْرِقَ الشِّتَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: إِذَا بُعِثَ الْكَافِرُ زُوِّجَ بِقَرِينِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ [١] فَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى النَّارِ.
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ، فِي الْآخِرَةِ، إِذْ ظَلَمْتُمْ، أَشْرَكْتُمْ فِي الدُّنْيَا، أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ، يَعْنِي لَا يَنْفَعُكُمُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعَذَابِ وَلَا يُخَفِّفُ الِاشْتِرَاكُ عنكم الْعَذَابِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكُفَّارِ وَالشَّيَاطِينِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الِاعْتِذَارُ وَالنَّدَمُ الْيَوْمَ فَأَنْتُمْ وَقُرَنَاؤُكُمُ الْيَوْمَ مُشْتَرِكُونَ فِي الْعَذَابِ كَمَا كُنْتُمْ مُشْتَرِكِينَ فِي الدُّنْيَا فِي الكفر.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٠ الى ٤٤]
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)، يَعْنِي الْكَافِرِينَ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ لَا يُؤْمِنُونَ.
(١) في المطبوع «الشيطان» والمثبت عن ط والمخطوط.
161
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ، بِأَنْ نُمِيتَكَ قَبْلَ أَنْ نُعَذِّبَهُمْ، فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، بِالْقَتْلِ بَعْدَكَ.
أَوْ نُرِيَنَّكَ، فِي حَيَاتِكَ، الَّذِي وَعَدْناهُمْ، مِنَ الْعَذَابِ، فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ، قَادِرُونَ مَتَى شِئْنَا عَذَّبْنَاهُمْ وَأَرَادَ بِهِ مُشْرِكِي مَكَّةَ انْتَقَمَ مِنْهُمْ يَوْمَ بدر، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
عَنَى بِهِ أَهْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نقمة شديدة [عليهم] [١] فِي أُمَّتِهِ، فَأَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَذَهَبَ بِهِ وَلَمْ يُرِهْ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا الَّذِي يَقَرُّ عَيْنَهُ، وَأَبْقَى النِّقْمَةَ بَعْدَهُ.
«١٨٨٤» وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ مَا يُصِيبُ أُمَّتَهُ بَعْدَهُ فما رؤي ضَاحِكًا مُنْبَسِطًا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ لنفسه.
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣).
وَإِنَّهُ، يَعْنِي القرآن، لَذِكْرٌ لَكَ، أي لَشَرَفٌ لَكَ، وَلِقَوْمِكَ، مِنْ قُرَيْشٍ، نَظِيرُهُ: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠]، أَيْ شَرَفُكُمْ، وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ، عَنْ حَقِّهِ وَأَدَاءِ شُكْرِهِ.
«١٨٨٥» رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سُئِلَ لِمَنْ هَذَا الْأَمْرُ بَعْدَكَ لَمْ يُخْبِرْ [٢] بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا سُئِلَ لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: لِقُرَيْشٍ.
«١٨٨٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ [أَبِي] [٣] شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا علي بن الجعد أنا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ اثْنَانِ».
«١٨٨٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا
١٨٨٤- ضعيف. أخرجه الطبري ٣٠٨٧٢ عن قتادة مرسلا، فهو ضعيف.
١٨٨٥- لا أصل له. ذكره المصنف تعليقا، وراوية الضحاك هو جويبر بن سعيد ذاك المتروك، حيث روى تفسيرا كاملا عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وهو مصنوع، والضحاك لم يلق ابن عباس.
١٨٨٦- إسناده صحيح على شرط البخاري.
زيد هو ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
- وَهُوَ في «شرح السنة» ٣٧٤١ بهذا الإسناد.
- وهو في «الجعديات» ٢١٩٥ عن عاصم بن محمد به.
- أخرجه البخاري ٢١٩٥ و٧١٤٠ ومسلم ١٨٢٠ وأحمد ٢/ ٢٩ و٩٣ و١٢٨ وأبو يعلى ٥٥٨٩ وابن حبان ٦٢٦٦ و٦٦٥٥ والبيهقي في «السنن» ٨/ ١٤١ وفي «الدلائل» ٦/ ٥٢٠- ٥٢١ من طرق عن عاصم بن محمد به.
١٨٨٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن دينار.
- وهو في «صحيح البخاري» ٣٥٠٠ و٧١٣٩ عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٤/ ٩٤ وابن أبي عاصم في «السنة» ١١١٢ من طريق بشر بن شعيب عن أبيه به.
- وأخرجه ابن أبي عاصم ١١١٣ من طريق نعيم بن حماد عن ابن الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ به.
- ونعيم بن حماد، ضعيف لكنه توبع.
- وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ٣٤٩٥ ومسلم ١٨١٨ وأحمد ٢/ ١٦١ و٢٤٢ وابن حبان ٦٢٦٤ والبغوي في «شرح السنة» ٣٧٣٨ و٣٧٣٩.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يجب» والمثبت عن المخطوط.
(٣) زيادة عن «شرح السنة» والمخطوط (أ).
162
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ».
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقَوْمُ هُمُ الْعَرَبُ، فَالْقُرْآنُ لَهُمْ شَرَفٌ إِذْ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، ثُمَّ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الشَّرَفِ الْأَخَصَّ فَالْأَخَصَّ مِنَ الْعَرَبِ، حَتَّى يَكُونَ الْأَكْثَرُ لِقُرَيْشٍ وَلِبَنِي هَاشِمٍ.
وقيل: (ذكر لك) شَرَفٌ لَكَ بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الْحِكْمَةِ (وَلِقَوْمِكَ) الْمُؤْمِنِينَ بِمَا هُدَاهُمُ اللَّهُ بِهِ، (وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) عَنِ الْقُرْآنِ وَعَمَّا يَلْزَمُكُمْ مِنَ الْقِيَامِ بحقه.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٥ الى ٥٠]
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩)
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)
قوله عزّ وجل: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)، اخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْمَسْئُولِينَ [١].
«١٨٨٨» قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ آدَمَ وَوَلَدَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَأَذَّنَ جِبْرِيلُ ثُمَّ أَقَامَ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ بِهِمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ له جبريل [٢] : يا محمد وَسْئَلْ [٣] مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَسْأَلُ فَقَدِ اكْتَفَيْتُ».
وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالُوا: جَمَعَ اللَّهُ لَهُ الرسل [٤] لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ فَلَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَسْأَلْ.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: سَلْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُ إِلَيْهِمُ الْأَنْبِيَاءَ هَلْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ والضحاك والسدي والحسن [٥] [والقائلين بذلك] استدلوا عليه بقراءة [٦] عبد الله وأبي: «واسئل الَّذِينَ أَرْسَلَنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ رُسُلَنَا»، ومعنى
- وحديث جابر عند البخاري ٤٨١٨ والترمذي ٣٢٥١ وأحمد ١/ ٢٢٩ و٢٨٦ وابن حبان ٦٢٦٣ والبغوي في «شرح السنة» ٣٧٤٠. [.....]
١٨٨٨- ضعيف جدا بهذا اللفظ. ذكره المصنف تعليقا، فهو واه. ولم أره عند غير المصنف، حتى السيوطي لم يذكره في «الدر» ولابن كثير في تفسيره، وورد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ قوله، أخرجه الطبري ٣٠٨٨٧ وهذا مرسل وابن زيد متروك، فالخبر واه بمرة.
- وكونه صلى عليه السلام بالأنبياء ليلة الإسراء صحيح، وتقدم.
(١) تصحف في المخطوط (ب) إلى «المشركين».
(٢) في المطبوع والمخطوط (أ) «سل يا محمد» والمثبت عن المخطوط (ب).
(٣) زيادة عن المخطوط (ب).
(٤) في المطبوع «المرسلين» والمثبت عن المخطوط.
(٥) زيد في المطبوع «ومقاتل».
(٦) في المطبوع والمخطوط (أ) «يدل عليه قراءة» والمثبت عن المخطوط (ب).
الْأَمْرِ بِالسُّؤَالِ التَّقْرِيرُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ رَسُولٌ وَلَا كِتَابٌ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وجلّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧)، اسْتِهْزَاءٌ.
وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها، قَرِينَتِهَا وَصَاحِبَتِهَا الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا، وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ، بِالسِّنِينَ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ وَالطَّمْسِ، فَكَانَتْ هَذِهِ دَلَالَاتٍ لِمُوسَى، وَعَذَابًا لَهُمْ، فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَكْبَرَ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، عَنْ كُفْرِهِمْ.
وَقالُوا، لِمُوسَى لَمَّا عَايَنُوا الْعَذَابَ، يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ، يَا أَيُّهَا الْعَالِمُ الْكَامِلُ الْحَاذِقُ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا تَوْقِيرًا وَتَعْظِيمًا لَهُ لِأَنَّ السِّحْرَ عِنْدَهُمْ كَانَ عِلْمًا عَظِيمًا وَصِفَةً مَمْدُوحَةً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَا أَيُّهَا الَّذِي غَلَبَنَا بِسِحْرِهِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: خَاطَبُوهُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ عِنْدَهُمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِالسَّاحِرِ. ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ، أَيْ بِمَا أَخْبَرْتَنَا مِنْ عَهْدِهِ إِلَيْكَ إِنْ آمَنَّا كَشَفَ عَنَّا الْعَذَابَ فَاسْأَلْهُ يَكْشِفُ عَنَّا الْعَذَابَ، إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ، مؤمنون فدعى مُوسَى فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)، يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ وَيُصِرُّونَ عَلَى كفرهم.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥١ الى ٥٧]
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥)
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧)
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ، أَنْهَارُ النِّيلِ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِي، مِنْ تَحْتِ قصوري، وقال قتادة: يجري بَيْنَ يَدِي فِي جِنَانِي وَبَسَاتِينِي. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِأَمْرِي.
أَفَلا تُبْصِرُونَ، عَظَمَتِي وَشِدَّةَ مُلْكِي.
أَمْ أَنَا خَيْرٌ، بَلْ أَنَا خَيْرٌ، (أَمْ) بِمَعْنَى بَلْ وَلَيْسَ بِحَرْفِ عَطْفٍ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ (أَمْ)، وَفِيهِ إِضْمَارٌ مَجَازُهُ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ تُبْصِرُونَ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ أَنَا خَيْرٌ، مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ، ضَعِيفٌ حَقِيرٌ يَعْنِي مُوسَى، قَوْلُهُ: وَلا يَكادُ يُبِينُ يُفْصِحُ بِكَلَامِهِ لِلُثْغَتِهِ الَّتِي فِي لسانه.
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ، إِنْ كَانَ صَادِقًا، أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَرَأَ حَفْصٌ وَيَعْقُوبُ أَسْوِرَةٌ جَمَعَ سِوَارٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ أَسَاوِرَةٌ عَلَى جَمْعِ الْأَسْوِرَةِ، وَهِيَ جَمْعُ الْجَمْعِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا إِذَا سَوَّدُوا رَجُلًا سَوَّرُوهُ بِسِوَارٍ وَطَوَّقُوهُ بِطَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ يَكُونُ ذَلِكَ دَلَالَةً لِسِيَادَتِهِ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: هَلَّا أَلْقَى رَبُّ مُوسَى عَلَيْهِ أَسْوِرَةً مِنْ ذَهَبٍ إِنْ كَانَ سَيِّدًا تَجِبُ عَلَيْنَا طَاعَتُهُ. أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ، متتابعين يجب أن يقارن [١] بعضها [٢] بَعْضًا يَشْهَدُونَ لَهُ بِصِدْقِهِ وَيُعِينُونَهُ على أمره.
(١) في المطبوع «يتابع» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «بعضهم» والمثبت عن المخطوط.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ، أَيِ اسْتَخَفَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ الْقِبْطَ، أَيْ وَجَدَهُمْ جُهَّالًا، وَقِيلَ:
حَمَلَهُمْ عَلَى الْخِفَّةِ وَالْجَهْلِ. يُقَالُ: اسْتَخَفَّهُ عَنْ رَأْيِهِ إِذَا حَمَلَهُ عَلَى الْجَهْلِ وَأَزَالَهُ عَنِ الصَّوَابِ، فَأَطاعُوهُ، عَلَى تَكْذِيبِ مُوسَى، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.
فَلَمَّا آسَفُونا، أَغْضَبُونَا، انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سَلَفاً بِضَمِّ السِّينِ وَاللَّامِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ جَمْعُ سَلِيفٍ مِنْ سَلُفَ بِضَمِّ اللَّامِ يُسْلِفُ، أَيْ تَقَدَّمَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ عَلَى جَمْعِ السَّالِفِ مِثْلُ حَارِسٍ وَحَرَسٍ وَخَادِمٍ وَخَدَمٍ وَرَاصِدٍ وَرَصَدٍ، وَهُمَا جَمِيعًا الْمَاضُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الْأُمَمِ، يُقَالُ: سَلُفَ يُسْلِفُ إِذَا تَقَدَّمَ وَالسَّلَفُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْآبَاءِ فَجَعَلْنَاهُمْ مُتَقَدِّمِينَ لِيَتَّعِظَ بِهِمُ الْآخَرُونَ. وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ، عِبْرَةً وَعِظَةً لِمَنْ بَقِيَ بَعْدَهُمْ. وَقِيلَ: سَلَفًا لِكُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى النَّارِ وَمَثَلًا لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ.
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا.
«١٨٨٩» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مُجَادَلَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزَّبْعَرِيِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاءِ:
٩٨]، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْكِسَائِيُّ يَصِدُّونَ بِضَمِّ الصَّادِ، أَيْ يُعْرِضُونَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً [النِّسَاءِ:
٦١]، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الصَّادِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ يَعْرُشُونَ وَيَعْرِشُونَ، وَشَدَّ عَلَيْهِ يَشُدُّ وَيَشِدُّ، وَنَمَّ بِالْحَدِيثِ يَنُمُّ وَيَنِمُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ يَضِجُّونَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: يَصِيحُونَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعُجُّونَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَجْزَعُونَ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: يَضْجَرُونَ: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ يَقُولُونَ مَا يريد منّا محمد إِلَّا أَنْ نَعْبُدَهُ وَنَتَّخِذَهُ إِلَهًا كما اتخذت النصارى عيسى.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٨ الى ٦١]
وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)
وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ، قَالَ قَتَادَةُ: أَمْ هُوَ يَعْنُونَ مُحَمَّدًا فَنَعْبُدُهُ وَنُطِيعُهُ وَنَتْرُكُ آلِهَتَنَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ أَمْ هُوَ يعنون عِيسَى، قَالُوا: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّ كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي النَّارِ فَنَحْنُ نَرْضَى أَنْ تَكُونَ آلِهَتُنَا مَعَ عِيسَى وَعُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ فِي النَّارِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا ضَرَبُوهُ، يَعْنِي هَذَا الْمَثَلَ، لَكَ إِلَّا جَدَلًا، خُصُومَةً بِالْبَاطِلِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨] هَؤُلَاءِ الْأَصْنَامُ. بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ.
«١٨٩٠» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عبد الله
١٨٨٩- تقدم في سورة الأنبياء، آية: ٩٨.
١٨٩٠- حسن. إسناده غير قوي لأجل أبي غالب، فقد وثقه قوم وضعفه آخرون، لكن توبع، فالحديث حسن.
- أبو غالب اسمه حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وقيل: نافع، وهو مولى خالد بن عبد الله القسري.
165
الحمشاوي [١] أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حِمْدَانَ القطيعي ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير ثنا حَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ»، ثُمَّ قَرَأَ: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ.
ثُمَّ ذَكَرَ عِيسَى فَقَالَ: إِنْ هُوَ، مَا هُوَ يَعْنِي عِيسَى السَّلَامُ، إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ، بِالنُّبُوَّةِ، وَجَعَلْناهُ مَثَلًا آيَةً وَعِبْرَةً، لِبَنِي إِسْرائِيلَ، يَعْرِفُونَ بِهِ قُدْرَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا يَشَاءُ حَيْثُ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ.
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً، أَيْ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَهْلَكْنَاكُمْ وَجَعَلْنَا بَدَلًا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً، فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ، يكونون خلفاء مِنْكُمْ يُعَمِّرُونَ الْأَرْضَ وَيَعْبُدُونَنِي وَيُطِيعُونَنِي. وَقِيلَ: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَإِنَّهُ، يَعْنِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، يَعْنِي نُزُولَهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ يُعْلَمُ بِهِ قُرْبُهَا، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَقَتَادَةُ: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْعَيْنِ أَيْ أَمَارَةٌ وَعَلَامَةٌ.
«١٨٩١» وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: «لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَهْلِكُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ».
«١٨٩٢» وَيُرْوَى: «أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى ثَنِيَّةٍ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَعَلَيْهِ مُمَصَّرَتَانِ [٢]، وَشَعْرُ رَأْسِهِ دَهِينٌ، وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ وَهِيَ الَّتِي يَقْتُلُ بِهَا الدَّجَّالَ، فيأتي بيت المقدسي وَالنَّاسُ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَتَأَخَّرُ الْإِمَامُ فَيُقَدِّمُهُ عِيسَى وَيُصَلِّي خَلْفَهُ عَلَى شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَقْتُلُ الْخَنَازِيرَ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيُخَرِّبُ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ، وَيَقْتُلُ النَّصَارَى إِلَّا مَنْ آمَنَ به».
- وهو في «مسند أحمد» ٥/ ٢٥٦ عن عبد الله بن نمير بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٢٥٣ وابن ماجه ٤٨ وأحمد ٥/ ٢٥٢ والحاكم ٢/ ٤٤٨ والطبري ٣٠٩٣٨ و٣٠٩٣٩ من طرق عن الحجاج بن دينار به.
وتصحّف «أبو غالب» إلى «أبو طالب» في «سنن ابن ماجه».
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
- وأخرجه الطبري ٣٠٩٤٠ من طريق الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبي أمامة به. والقاسم لين الحديث، وضعفه بعضهم، لكن يصلح للاعتبار بحديثه، وفي الباب أحاديث.
- فهو حسن إن شاء الله، وانظر «فتح القدير» ٢٢٣٩ بتخريجي.
١٨٩١- متفق عليه، وتقدم في سورة النساء عند آية: ١٥٩.
١٨٩٢- لم أقف له على إسناد، وقال الحافظ ابن حجر في «تخريج الكشاف» ٤/ ٢٦٠: أخرجه الثعلبي بغير سند، وهو موجود في أحاديث متفرقة اهـ.
- قلت: صدره منكر وهو قوله «يَنْزِلُ عَلَى ثَنِيَّةٍ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ» فإنه معارض بما في الصحيح عند مسلم «ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق» وفي رواية «عند مسجدها»، انظر صحيح مسلم ٢٩٣٧.
- ولباقيه شاهد بنحوه من حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد ٢/ ٤٠٦ وإسناده على شرط مسلم. [.....]
(١) في المطبوع «الجمشاوي» والمثبت عن المخطوط (أ) ووقع في المخطوط (ب) «الجمشاذى» وفي «ط» :«الحمشاوي».
(٢) في المطبوع «وعليه ثوبان مصرتان» والمثبت عن المخطوط (أ) والمخطوط (ب).
166
«١٨٩٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا ابن بكير ثنا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ» ؟
وَقَالَ الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ: وَإِنَّهُ يَعْنِي وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ يُعْلِمُكُمْ قِيَامَهَا. وَيُخْبِرُكُمْ بِأَحْوَالِهَا وَأَهْوَالِهَا، فَلا تَمْتَرُنَّ بِها، فَلَا تَشُكَّنَّ فِيهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُكَذِّبُوا بِهَا، وَاتَّبِعُونِ، عَلَى التَّوْحِيدِ، هَذَا، الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ، صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٢ الى ٦٦]
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٦٦)
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ، لَا يَصْرِفَنَّكُمُ، الشَّيْطانُ، عَنْ دِينِ اللَّهِ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ، بِالنُّبُوَّةِ، وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، مِنْ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ، قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي اخْتِلَافَ الْفِرَقِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى أَمْرِ عِيسَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى فِي الْإِنْجِيلِ إِنَّمَا هُوَ بَعْضُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ فِي غَيْرِ الْإِنْجِيلِ مَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ، هل ينتظرون، إِلَّا السَّاعَةَ، يَعْنِي أَنَّهَا تَأْتِيهِمْ لَا مَحَالَةَ فَكَأَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهَا، أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً، فَجْأَةً، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٧ الى ٧١]
الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١)
١٨٩٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- ابن بكير هو يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بكير، الليث هو ابن سعد، يونس هو ابن يزيد، ابن شهاب هو الزهري محمد بن مسلم، نافع هو ابن عباس.
- وهو في «شرح السنة» ٤١٧٢ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٣٤٤٩ عن الليث بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٥٥ ح ٢٤٤ وابن مندة في «الإيمان» ٤١٤ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٨٩٥ من طريق يونس بهذا الإسناد.
- أخرجه مسلم ١٥٥ ح ٢٤٥ وعبد الرزاق ٢٠٨٤١ وأحمد ٢/ ٣٣٦ وابن حبان ٦٨٠٢ وابن مندة ٤١٥ و٤١٦ من طرق عن الزهري به.
- وفي الباب أحاديث.
167
الْأَخِلَّاءُ، عَلَى الْمَعْصِيَةِ فِي الدُّنْيَا، يَوْمَئِذٍ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ، إِلَّا الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
«١٨٩٤» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي عَقِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّ أَبَا الْفَرَجِ الْبَغْدَادِيَّ الْقَاضِيَ أَخْبَرَهُمْ عن محمد بن جرير ثنا ابن عبد الأعلى ثنا ابن [١] ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: خَلِيلَانِ مُؤْمِنَانِ وَخَلِيلَانِ كَافِرَانِ، فَمَاتَ أَحَدُ الْمُؤْمِنَيْنِ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي [٢] مُلَاقِيكَ، يَا رَبِّ فَلَا تُضِلَّهُ بَعْدِي وَاهْدِهِ كَمَا هَدَيْتَنِي وَأَكْرِمْهُ كَمَا أَكْرَمْتَنِي، فَإِذَا مَاتَ خَلِيلُهُ الْمُؤْمِنُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَيَقُولُ: لِيُثْنِ أَحَدُكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ: نِعْمَ الْأَخُ، وَنِعْمَ الْخَلِيلُ، وَنِعْمَ الصَّاحِبُ، قَالَ: وَيَمُوتُ أَحَدُ الْكَافِرَيْنِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا كَانَ يَنْهَانِي عَنْ طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلَاقِيكَ، فَيَقُولُ بِئْسَ الْأَخُ، وَبِئْسَ الْخَلِيلُ، وَبِئْسَ الصَّاحِبُ.
يَا عِبادِ، أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ يَا عِبَادِي، لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
روي عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّ النَّاسَ حِينَ يُبْعَثُونَ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا فزع، فينادي مناديا: يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨)، فَيَرْجُوهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ فَيُتْبِعُهَا.
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩)، فَيَيْأَسُ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ.
فَيُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠)، تُسَرُّونَ وَتُنَعَّمُونَ.
يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ، جَمْعُ صَحْفَةٍ وَهِيَ الْقَصْعَةُ الْوَاسِعَةُ، مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ، جَمْعُ كُوبٍ وَهُوَ إِنَاءٌ مُسْتَدِيرٌ مُدَوَّرُ الرَّأْسِ لَا عُرَى لَهَا، وَفِيها، أَيْ فِي الْجَنَّةِ، مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَحَفْصٌ «تَشْتَهِيهِ»، وَكَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِحَذْفِ الْهَاءِ. وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ.
«١٨٩٥» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الحارث أنا
١٨٩٤- موقوف ضعيف. إسناده ضعيف، وعلته الإرسال، أبو إسحاق لم يسمع من علي.
- وأخرجه الطبري ٣٠٩٧٣ من طريق ابن عبد الأعلى به لكن ليس فيه ذكر قتادة، فهو إما سقط من مطبوع الطبري أو زيد في إسناد الثعلبي، فالله أعلم.
- ووصله عبد الرزاق في «التفسير» ٢٧٨٣ من وجه آخر عن أبي إسحق عن الحارث الأعور عن علي، والحارث ضعيف الحديث.
١٨٩٥- إسناده ضعيف لأجل إرساله، ورجاله ثقات، وورد من وجوه لا تقوم بها حجة.
- سفيان هو ابن سعيد الثوري.
- وهو في «شرح السنة» ٤٢٨١ بهذا الإسناد.
- وهو في «الزهد» ٢٧١ «زيادات نعيم بن حماد» عن سفيان بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي بإثر ٢٥٤٣ من طريق ابن المبارك به.
قال الترمذي: وهذا أصح من حديث المسعودي.
(١) في المطبوع «عن قتادة ثنا أبو ثور» والمثبت عن «تفسير الطبري».
(٢) في المخطوط (ب) «بأنني».
168
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ؟ فَإِنِّي أَحَبُّ الْخَيْلَ، فَقَالَ: «إِنْ يدخلك الله الجنة فلا تَشَاءُ أَنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فَتَطِيرُ بِكَ فِي أَيِّ الْجَنَّةِ شِئْتَ، إِلَّا فَعَلَتْ»، وقال أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي الجنة إبل؟ فإني أحب الإبل، فَقَالَ: «يَا أَعْرَابِيُّ إِنْ يُدْخِلْكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَصَبْتَ فِيهَا مَا اشتهت نفسك ولذت عينك».
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٧٢ الى ٨١]
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦)
وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١)
- وأخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» ٤٢٤ والبيهقي في «البعث» ٤٣٩ من طريق حنش بن الحارث عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ عبد الرحمن بن ساعدة قال: كنت أحب الخيل.... فذكره وإسناده ضعيف.
- ووثق رواته الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٤١٣ والمنذري في «الترغيب» ٥٥٢٢.
مع أن عبد الرحمن بن ساعدة قال عنه أبو حاتم في «العلل» ٢/ ٢١٥: لا يعرف.
وقال ابن حجر في «الإصابة» ٣/ ٤٨- ١٤٩: إن المحفوظ إنما هو عبد الرحمن بن سابط.
- وأخرجه أبو نعيم بإثر ٤٢٤ من طريق حنش بن الحارث عن علقمة قال: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ له عمير بن ساءة: يا رسول الله إني يعجبني الخيل... فذكره.
- وأخرجه الترمذي ٢٥٤٣ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٤٢٥ والبيهقي في «البعث» ٤٣٦ من طرق عن المسعودي عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنْ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.... فذكره.
وإسناده ضعيف، المسعودي صدوق، لكنه اختلط.
- وورد مختصرا من حديث أبي أيوب، عند الترمذي ٢٥٤٤ وأبي نعيم في «صفة الجنة» ٤٢٣ والطبراني في «الكبير» ٤٠٧٥ من طريق أبي معاوية عن واصل بن سائب عن أبي سورة عنه وإسناده ضعيف جدا.
- قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بالقوي، ولا نعرفه من حديث أبي أيوب إلّا من هذا الوجه، وأبو سورة هو ابن أخي أبي أيوب يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن معين جدا.
- وقال: سمعت البخاري يقول: أبو سورة هذا منكر الحديث يروي مناكير عن أبي أيوب لا يتابع عليها.
- وفي إسناده واصل بن السائب، وهو ضعيف، كذا إسناده منقطع بين أبي سورة وبين أبي أيوب.
- وورد أيضا من حديث أبي هريرة مختصرا أخرجه أبو نعيم ٥٢٦ من طريق علقمة عن أبي صالح عنه. وإسناده ضعيف، فيه أبو طيبة عيسى بن سليمان ضعفه ابن معين.
- وأخرجه هناد في «الزهد» ٨٤ من طريق ليث عن علقمة مفضلا، والليث قد اختلط.
- قال ابن القيم في «حادي الأرواح» ص ١٧٨: إن علقمة بن مرثد اضطرب في إسناد هذا الحديث. فمرة يقول: عن سليمان بن بريدة، عن أبيه. ومرة يقول: عن عبد الرحمن بن سابط عن عمير بن ساعدة. ومرة يقول: عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم، والترمذي جعل هذا أصح من حديث المسعودي، لأن سفيان أحفظ منه وأثبت.
وقد رواه أبو نعيم عن حديث علقمة هذا فقال: عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره اهـ.
الخلاصة: هو حديث ضعيف مضطرب الإسناد، غريب المتن، وانظر: «الضعيفة» ١٩٨٠ وقد صوب الإرسال الترمذي وابن حجر.
169
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ «١٨٩٦» وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَنْزِعُ رَجُلٌ مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ ثمرها إِلَّا نَبَتَ مَكَانَهَا مِثْلَاهَا».
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ، الْمُشْرِكِينَ، فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يَا مالِكُ، يَدْعُونَ خَازِنَ النَّارِ، لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، لِيُمِتْنَا رَبُّكَ فَنَسْتَرِيحَ فَيُجِيبُهُمْ مَالِكٌ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ، قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ، مُقِيمُونَ فِي الْعَذَابِ.
«١٨٩٧» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ] [١] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكًا فَلَا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ، قَالَ: هَانَتْ وَاللَّهِ دَعْوَتُهُمْ عَلَى مَالِكٍ وَعَلَى رَبِّ مَالِكٍ، ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ، قَالَ: فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ قَدْرَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ اخسأوا فيها ولا تكلمون، قال: فو الله مَا نَبَسَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ في نار جهنم تشبه أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ أَوَّلُهَا زَفِيرٌ وَآخِرُهَا شَهِيقٌ.
لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ، يَقُولُ أَرْسَلَنَا إِلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ رَسُولَنَا بِالْحَقِّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ.
أَمْ أَبْرَمُوا، أَمْ أَحْكَمُوا، أَمْراً، فِي الْمَكْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّا مُبْرِمُونَ، مُحْكِمُونَ أَمْرًا فِي مُجَازَاتِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ كَادُوا شَرًّا كِدْتُهُمْ مِثْلَهُ.
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ، مَا يُسِرُّونَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَيَتَنَاجَوْنَ بِهِ بَيْنَهُمْ، بَلى، نَسْمَعُ ذَلِكَ ونعلمه، وَرُسُلُنا، أَيْضًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَعْنِي الْحَفَظَةَ، لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١)، يَعْنِي إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فِي قَوْلِكُمْ وَعَلَى زَعْمِكُمْ، فأنا أول من عبده بِأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا وَلَدَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنْ كانَ أَيْ مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الشَّاهِدِينَ لَهُ بِذَلِكَ، جَعَلَ: إِنْ بِمَعْنَى الْجَحْدِ: وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فأنا أول من أعبده
١٨٩٦- ضعيف. أخرجه البزار ٣٥٣٠ والطبراني في «الكبير» ١٤٤٩ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٣٤٥ من طريق ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثوبان مرفوعا.
- ومداره على ريحان بن سعيد، وهو لين، وشيخه عباد ضعفه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن الجنيد والساجي، ثم هو مدلس.
- وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٤١٤: رواه الطبراني والبزار، ورجال الطبراني، وأحد إسنادي البزار ثقات!؟
١٨٩٧- موقوف. رجاله ثقات مشاهير، وهو صحيح إن كان قتادة سمعه من أبي أيوب، فإن قتادة مدلس، وساقه بصيغة تدل على عدم سماعه، وبكل حال هو أثر.
- قتادة هو ابن دعامة، أبو أيوب هو يحيى بن مالك، وقيل: حبيب بن مالك.
- وهو في «الزهد» ٣١٩ «زيادات نعيم بن حماد» عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ بهذا الإسناد.
- الخلاصة: هو موقوف، والأشبه أنه متلقى عن أهل الكتاب، فقد وقع لعبد الله زاملتان عن أهل الكتاب يوم اليرموك، فكان يحدث بهما.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من المخطوط.
170
بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا وَلَدَ لَهُ. وقيل: العابدين بمعنى الآنفين، يعني أَوَّلُ الْجَاحِدِينَ وَالْمُنْكِرِينَ لِمَا قُلْتُمْ. وَيُقَالُ:
مَعْنَاهُ أَنَا أَوَّلُ مَنْ غَضِبَ لِلرَّحْمَنِ أَنْ يُقَالَ لَهُ وَلَدٌ، يُقَالُ: عَبَدَ يَعْبُدُ إِذَا أنف أو غضب عبدا. وَقَالَ قَوْمٌ:
قُلْ مَا يُقَالُ: عَبَدَ فَهُوَ عَابِدٌ، إِنَّمَا يُقَالُ: عبد فهو عبد.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨٢ الى ٨٩]
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ فَقَالَ: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) عَمَّا يَقُولُونَ مِنَ الْكَذِبِ.
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا، فِي بَاطِلِهِمْ، وَيَلْعَبُوا، فِي دُنْيَاهُمْ، حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ، قَالَ قَتَادَةُ: يُعْبَدُ فِي السَّمَاءِ وَفِي الْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَهُوَ الْحَكِيمُ، فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ، الْعَلِيمُ، بِمَصَالِحِهِمْ.
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥)، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «يَرْجِعُونَ» بِالْيَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ.
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، وَهُمْ عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ فَإِنَّهُمْ عُبِدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلَهُمُ الشَّفَاعَةُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَقِيلَ: مِنْ فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ، وَأَرَادَ بِالَّذِينِ يدعون عيسى وعزير وَالْمَلَائِكَةَ، يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الشفاعة إلّا لمن شَهِدَ بِالْحَقِّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَأَرَادَ بشهادة الحق قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ، بِقُلُوبِهِمْ مَا شَهِدُوا بِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧)، يُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ.
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ، يَعْنِي قَوْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاكِيًا إِلَى رَبِّهِ يَا رَبِّ، إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ، قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَقِيلِهِ بِجَرِّ اللَّامِ وَالْهَاءِ عَلَى مَعْنَى وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَعِلْمُ قِيلِهِ يَا رَبِّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ، وَلَهُ وجهان: أحدهما معناه: أما يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَقِيلِهِ يَا رَبِّ، وَالثَّانِي:
وَقَالَ قِيلَهُ.
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ، أَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَقُلْ سَلامٌ، مَعْنَاهُ: الْمُتَارَكَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [الْقَصَصِ: ٥٥]، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ بِالتَّاءِ، وقرأ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ.
Icon