هي مكية، نزلت بعد سورة الفجر.
ومناسبتها لما قبلها : أنه ذكر في السابقة ﴿ وسيجنبها الأتقى ﴾ [ الليل : ١٧ ] ولما كان سيد الأتقين رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب ذلك سبحانه بذكر نعمه عز وجل عليه.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح المفردات : الضحى : صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقى أشعتها على هذا الكون، وسجى : أي سكن ؛ والمراد سكن الأحياء فيه وانقطعوا عن الحركة، ما ودعك ربك : أي ما تركك، وما قلى : أي وما قلاك وما أبغضك، والقلى : شدة الكره والبغض.المعنى الجملي : أجمع الرواة على أن سبب نزول هذه السورة حدوث فترة الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه حزن لذلك حزنا شديدا حتى غدا مرارا إلى الجبال ليتردى من شواهقها، وأنه ما كان يمنعه إلا تمثل الملك له وإخباره إياه أنه رسول الله حقا.
وإنما حزن لهذه الفترة خيفة أن يكون ذلك من غضب أو ِقَلى من ربه له، بعد أن ذاق حلاوة الاتصال به، وشاهد من جمال الأنس بالوحي ما يثير لواعج شوقه إلى التزود منه، وقد كان يعلم أنه بشر، لا فضل له على غيره إلا بهذا القرب الذي يعلو به على من عداه، وقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على تكميل نفسه وإعدادها لتحمل ما هي بسبيله من أعباء الرسالة.
لا جرم يكون حزنه لهذه الفترة شديدا، وأن يتوجس منه خيفة، ولا عجب أن يدعوه ذلك إلى التفكير فيما كان يفكر فيه، وأن يهم بتنفيذه.
ومن ثم نزلت هذه السورة حاملة له أجمل البشرى، ملقية في نفسه الطمأنينة، معددة ما أنعم الله به عليه، وكأنه تعالى يقول لرسوله : إن من أنعم عليك بكذا وكذا لم يكن ليتركك ولا ينساك بعد أن هيأك لحمل أمانته، وأعدك للاضطلاع بأعباء رسالته، فلا تحزن على ما كان من فترة الوحي عنك، ولا يكن في صدرك حرج منها، فما ذلك إلا لتثبيت قلبك، وتقوية نفسك على احتمال مشاقها.
الإيضاح :﴿ والضحى* والليل إذا سجى* ما ودعك ربك وما قلى ﴾ أقسم سبحانه لرسوله بآيتين عظيمتين من آياته في الكون ضحى النهار وصدره والليل وظلامه- إنه ما تركك وما أبغضك كما يقال لك وما تتوهم في نفسك.
﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ أي وإن أحوالك في مستأنف حياتك خير لك مما مضى منها، وأن كل يوم ستزداد عزا إلى عز، وسيرتفع شأنك كل يوم عما قبله، وسأمنحك كل آن جلالا فوق جلالك، ورفعة فوق رفعتك ؛ وكأنه يقول له لا تظنّنّ أني كرهتك أو تركتك، بل أنت عندي اليوم أشد تمكينا وأقرب اتصالا.
ولقد صدق الله وعده، فما زال يسمو بنبيه، ويرفع درجته يوما بعد يوم حتى بلغ الغاية التي لم يبلغها أحد قبله، فجعله رسول الرحمة والهداية والنور إلى جميع خلقه، وجعل محبته من محبة الله، واتباعه والاقتداء به سببا للفوز العظيم بنعيمه، وجعله وأمته شهداء على الناس جميعا، ونشر دينه، وبلغ دعوته إلى أطراف المعمورة، فأي فضل فوق ذلك الفضل ؟ وأي نعمة أضفى من هذه النعمة ؟ وأي إكرام فوق هذا الإكرام ؟ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وإنما حزن لهذه الفترة خيفة أن يكون ذلك من غضب أو ِقَلى من ربه له، بعد أن ذاق حلاوة الاتصال به، وشاهد من جمال الأنس بالوحي ما يثير لواعج شوقه إلى التزود منه، وقد كان يعلم أنه بشر، لا فضل له على غيره إلا بهذا القرب الذي يعلو به على من عداه، وقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على تكميل نفسه وإعدادها لتحمل ما هي بسبيله من أعباء الرسالة.
لا جرم يكون حزنه لهذه الفترة شديدا، وأن يتوجس منه خيفة، ولا عجب أن يدعوه ذلك إلى التفكير فيما كان يفكر فيه، وأن يهم بتنفيذه.
ومن ثم نزلت هذه السورة حاملة له أجمل البشرى، ملقية في نفسه الطمأنينة، معددة ما أنعم الله به عليه، وكأنه تعالى يقول لرسوله : إن من أنعم عليك بكذا وكذا لم يكن ليتركك ولا ينساك بعد أن هيأك لحمل أمانته، وأعدك للاضطلاع بأعباء رسالته، فلا تحزن على ما كان من فترة الوحي عنك، ولا يكن في صدرك حرج منها، فما ذلك إلا لتثبيت قلبك، وتقوية نفسك على احتمال مشاقها.
الإيضاح :﴿ والضحى* والليل إذا سجى* ما ودعك ربك وما قلى ﴾ أقسم سبحانه لرسوله بآيتين عظيمتين من آياته في الكون ضحى النهار وصدره والليل وظلامه- إنه ما تركك وما أبغضك كما يقال لك وما تتوهم في نفسك.
ثم زاده في البشرى فقال :
﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ﴾ أي ولسوف يظاهر ربك عليك نعمه، ويوالي عليك مننه، ومنها توارد الوحي عليك بما فيه إرشادك وإرشاد قومك إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وسيظهر دينك على الأديان كلها، وتعلو كلمتك ويرتفع شأنك على شؤون الناس جميعا.
الإيضاح :﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ﴾ أي ألم تكن يتيما لا أب لك يعنى بتربيتك، ويقوم بشؤونك، ويهتم بنشأتك، فما زال يحميك ويتعهدك برعايته، ويجنبك أدناس الجاهلية وأوضارها حتى رقيت إلى ذروة الكمال الإنساني.
وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم يتيما، إذ توفي أبوه وهو في بطن أمه، فلما ولد عطف الله عليه قلب جده عبد المطلب، فما زال يكفله خير كفالة حتى توفي والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ في سن الثامنة، فكفله عمه أو طالب بوصية من عبد المطلب، فكان به حفيا، شديد العناية بأمره، وما زال يتعهده حتى كبر وترعرع، حتى أرسله الله رسولا، فقام يؤازره وينصره، ويدفع عنه أذى قريش حتى مات، فاستطاعت قريش أن تنال منه، وتجرّأ عليه سفهاؤهم، وسلّطوا عليه غلمانهم، حتى اضطروه إلى الهجرة.
ولو تدبر المنصف في رعاية الله له، وحياطته بحفظه وحسن تنشئته، لوجد من ذلك العجب، فلقد كان اليتيم وحده مدعاة إلى المضيعة وفساد الخلق، لقلة من يحفل باليتيم ويحرص عليه، وكان في خلق أهل مكة وعاداتهم ما فيه الكفاية في إضلاله لو أنه سار سيرتهم، لكن عناية الله كانت ترعاه، وتمنعه السير على نهجهم، فكان الوفي الذي لا يمين، والأمين الذي لا يخون، والصادق الذي لا يكذب، والطاهر الذي لا يدنّس برجس الجاهلية.
شرح المفردات : ضالا فهدى : أي غافلا عن الشرائع فهداك إلى مناهجها، .
﴿ ووجدك ضالا فهدى ﴾ أي ووجدك حائرا مضطربا في أمرك، مع اعتقادك أن قومك ليسوا على بصيرة من أمرهم، فعبادتهم باطلة، ومعتقداتهم فاسدة، وكان يفكر في دين اليهودية، ثم يرى اليهود أنفسهم ليسوا على حال خير من حال قومه، إذ بدلوا دينهم، وخالفوا ما كان عليه رسولهم، فيبدو عليه الإعراض عنه، ثم يفكر في دين عيسى عليه الصلاة والسلام، فيرى النصارى على حال شر من حال اليهود، فيرجع عن التفكير فيه، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يعرف ما حوته تلك الأديان من الأحكام والشرائع.
وأعظم أنواع حيرته ما كان يراه في العرب أنفسهم من سخف في العقائد، وضعف في البصائر، باستيلاء الأوهام عليهم وفساد أعمالهم، وشؤمها في أحوالهم، بتفرق الكلمة، وتفانيهم في سفك الدماء، والإشراف على الهلاك باستبعاد الغرباء لهم وتحكمهم فيهم ؛ فالحبشة والفرس من جانب، والرومان من جانب آخر.
فما العمل في تقويم عقائدهم، وتخليصهم من تحكم العادات فيهم ؟ وأيّ الطرق ينبغي أن يسلك في إيقاظهم من سباتهم ؟.
وقصارى ذلك : إنه كان في قرارة نفسه يعتقد أن قومه قد ضلوا سواء السبيل، وبدّلوا دين أبيهم إبراهيم، وكانت حال أهل الأديان الأخرى ليست خيرا من حالهم لكن الإله الحكيم لم يتركه ونفسه، بل أنزل عليه الوحي ببين له أوضح السبل كما قال :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾ [ الشورى : ٥٢ ].
شرح المفردات : عائلا : أي فقيرا.
﴿ ووجدك عائلا فأغنى ﴾ أي إنك كنت فقيرا لم يترك لك والدك من الميراث إلا ناقة وجارية، فأغناك بما أجراه لك من الربح في التجارة، وبما وهبته لك خديجة من مالها.
وخلاصة ما تقدم : إن من آواك في يتمك، وهداك من ضلالك، وأغناك من فقرك، لا يتركك في مستقبل أمرك.
شرح المفردات : فلا تقهر : أي فلا تستذل.
وبعد أن بين نعمه السابقة طالبه بشكر هذه النعم وأداء حقها فقال :
﴿ فأما اليتيم فلا تقهر ﴾ أي لا تقهر اليتيم ولا تستذله، بل ارفع نفسه بالأدب، وهذبه بمكارم الأخلاق، ليكون عضوا نافعا في جماعتك، لا جرثومة فساد يتعدى أذاها إلى كل من يخالطها من أمتك.
ومن ذاق مرارة الضيق في نفسه، فما أجدره أن يستشعرها في غيره، وقد كان صلى الله عليه وسلم يتيما، فباعد الله عنه ذل اليتيم فآواه، فمن أولى منه بأن يكرم كل يتيم شكرا لله على نعمته.
شرح المفردات : فلا تنهر : أي فلا تزجر.
﴿ وأما السائل فلا تنهر ﴾ أي وأما المستجدي فلا تزجره، ولكن تفضل عليه بشيء أو رده ردا جميلا، وقد يكون المراد من ( السائل ) المسترشد وهو أيضا يطلب الرفق به وبيان ما أشكل عليه من الأمر.
وإنما حزن لهذه الفترة خيفة أن يكون ذلك من غضب أو ِقَلى من ربه له، بعد أن ذاق حلاوة الاتصال به، وشاهد من جمال الأنس بالوحي ما يثير لواعج شوقه إلى التزود منه، وقد كان يعلم أنه بشر، لا فضل له على غيره إلا بهذا القرب الذي يعلو به على من عداه، وقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على تكميل نفسه وإعدادها لتحمل ما هي بسبيله من أعباء الرسالة.
لا جرم يكون حزنه لهذه الفترة شديدا، وأن يتوجس منه خيفة، ولا عجب أن يدعوه ذلك إلى التفكير فيما كان يفكر فيه، وأن يهم بتنفيذه.
ومن ثم نزلت هذه السورة حاملة له أجمل البشرى، ملقية في نفسه الطمأنينة، معددة ما أنعم الله به عليه، وكأنه تعالى يقول لرسوله : إن من أنعم عليك بكذا وكذا لم يكن ليتركك ولا ينساك بعد أن هيأك لحمل أمانته، وأعدك للاضطلاع بأعباء رسالته، فلا تحزن على ما كان من فترة الوحي عنك، ولا يكن في صدرك حرج منها، فما ذلك إلا لتثبيت قلبك، وتقوية نفسك على احتمال مشاقها.
الإيضاح :﴿ والضحى* والليل إذا سجى* ما ودعك ربك وما قلى ﴾ أقسم سبحانه لرسوله بآيتين عظيمتين من آياته في الكون ضحى النهار وصدره والليل وظلامه- إنه ما تركك وما أبغضك كما يقال لك وما تتوهم في نفسك.
شرح المفردات : فحدث : أي فأد الشكر لموليها.
﴿ وأما بنعمة ربك فحدث ﴾ أي أوسع في البذل على الفقراء بمالك، وأفض من نعمه الأخرى على طالبيها، وليس المراد مجرد ذكر الثروة والإفاضة في حديثها، فإن ذلك ليس من كرم الأخلاق في شيء.
وقد جرت عادة البخلاء أن يكتموا مالهم، لتقوم لهم الحجة في قبض أيديهم عن البذل، ولا تجدهم إلا شاكين من القُلِّ ؛ أما الكرماء فلا يزالون يظهرون بالبذل مما آتاهم الله من فضله، ويجهرون بالحمد لما أفاض عليهم من رزقه.
وقد استفاضت الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم كان كثير الإنفاق على الفقراء، عظيم الرأفة بهم، واسع الإحسان إليهم، وكان يتصدق بكل ما يدخل في ملكه ويبيت طاويا.
اللهم صلّ على محمد عبدك ورسولك الذي أوحيت إليه وأرضيته، وشرحت صدره، واجعلنا من الذين يقتفون آثاره، ويتّبعون سنته.