تفسير سورة النّمل

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة النمل من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ هذه السورة مكية بلا خلاف * ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها واضحة لأنه قال وما تنزلت به الشياطين وقبله وأنه لتنزيل رب العالمين وقال هنا طس تلك آيات القرآن أي الذي هو تنزيل رب العالمين وأضاف الآيات إلى القرآن والكتاب المبين على سبيل التفخيم لها والتعظيم لأن المضاف إلى العظيم عظيم والمبين تقدّم الكلام عليه.﴿ هُدًى ﴾ قيل إلى الجنة.﴿ وَبُشْرَىٰ ﴾ بالثواب ولما كان الإِيقان بالآخرة مما هو ثابت عندهم مستقر الديمومة جاءت الجملة إسمية وأكد المسند إليه فيها بتكراره فقيل:﴿ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ وجاء خبر المبتدأ أفعلاً ليدل على الديمومة واحتمل أن تكون تلك الجملة استئناف اخبار * قال ابن عطية: والأخسرون جمع أخسر لأن أفعل صفة لا يجمع إلا أن يضاف فيقوى ويثبت في الأسماء وفي هذا نظر " انتهى " لا نظر في كونه يجمع جمع سلامة أو جمع تكسير إذا كان بال بل لا يجوز فيه إلا ذلك إذا كان قبله ما يطابقه في الجمعية فتقول الزيدون هم الأفضلون والأفاضل والهندات هن الفضليات والفضل وأما قوله لا يجمع إلا أن يضاف فلا يتعين إذ ذاك جمعه بل إذا أضيف إلى نكرة فلا يجوز جمعه وإن أضيف إلى معرفة جاز فيه الجمع والإِفراد على ما قرر ذلك في كتب النحو.﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ ﴾ لما تقدّم تلك آيات القرآن خاطب نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله: وإنك أي هذا القرآن الذي تلقيته هو من عند الله وهو الحكيم العليم لا كما ادعاه المشركون من أنه إفك وأساطير وكهانة وشعر وغير ذلك من تقولاتهم وبني الفعل للمفعول وحذف الفاعل وهو جبريل عليه السلام للدلالة عليه في قوله:﴿ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ ﴾[الشعراء: ١٩٣] ولقي مخفضاً يتعدى إلى واحد والتضعيف فيه للتعدية فيتعدى به إلى اثنين وكأنه كان غائباً عنه فلقيه فتلقاه. و ﴿ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾ على الإِضافة وبشهاب منوناً قبس بدلاً منه والظاهر أن الضمير في جاءها عائد على النار ونودي المفعول الذي لم يسم فاعله ضمير عائد على موسى عليه السلام وان على هذا يجوز أن تكون مفسرة لوجود شرطها ويجوز أن تكون مصدرية إما الثنائية التي تنصب المضارع وبورك صلة لها والأصل حرف الجر أي بأن بورك وبورك الخبر وإما المخففة من الثقيلة وأصلها بحرف الجر ومن مفعول لم يسم فاعله قال الزمخشري فإِن قلت هل يجوز أن تكون يعني أن في قوله ان بورك المخففة من الثقيلة وتقديره أنه بورك والضمير ضمير الشأن والقصة قلت لا لأنه لا بد من قد فإِن قلت فعلى إضمارها قلت لا يصح لأنها علامة ولا تحذف " انتهى " يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وبورك فعل دعاء كما تقول بارك الله فيك وإذا كان دعاء لم يجز دخول قد عليه فيكون كقوله تعالى: والخامسة إن غضب الله عليها في قراءة من جعله فعلاً ماضياً وكقول العرب إما أن جزاك الله خيراً وإما أن يغفر الله لك وكان الزمخشري بنى ذلك على أن بورك خبر لادعاء فلذلك لم يجز أن تكون المخففة من الثقيلة. و ﴿ مَن فِي ٱلنَّارِ ﴾ موسى عليه السلام ومن حولها هم الملائكة وجعلت النار ظرفاً له عليه السلام. لما كان طالباً لها وجائياً إليها والظاهر أن الضمير في أنه ضمير الشأن. و ﴿ أَنَا ٱللَّهُ ﴾ جملة في موضع الخبر. و ﴿ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ صفتان قال الزمخشري: يجوز أن يكون الضمير في أنه راجعاً إلى ما دل عليه ما قبله يعني مكلمك أنا والله بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان للبيان " انتهى " إذا حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فلا يجوز أن يعود الضمير على ذلك المحذوف إذ قد غير الفعل عن نائبه له وعزم على أن لا يكون محدثاً عنه فعود الضمير إليه مما ينافي ذلك إذ قد يصير معنى به مقصوداً.﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ﴾ تقدم الكلام عليه وهنا شبهها حالة اهتزازها بالجان قيل وهو صغار الحيات شبهها بها في سرعة اضطرابها وحركتها مع عظم جثتها * ولما رأى موسى عليه السلام هو الأمر الهائل.﴿ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ أي لم يرجع.﴿ إِلاَّ مَن ظَلَمَ ﴾ إستثناء منقطع والمعنى لكن من ظلم من غيرهم.﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ فِي تِسْعِ آيَاتٍ ﴾ أي في جملة تسع آيات وتقدم الكلام على الآيات في الأعراف.﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ أي ذاهباً إلى فرعون.﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا ﴾ ضمن جحدوا معنى كفروا فلذلك عداه بالباء وانتصب.﴿ ظُلْماً ﴾ على أنه مفعول من أجله والعامل فيه جحدوا.﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً ﴾ هذا ابتداء قصص وإخبار بمغيبات وغير منكر علماً لأنه طائفة من العلم * ومنطق الطير استعاره لما يسمع منها من الأصوات وهو حقيقة في بني آدم لما كان سليمان يفهم منه ما يفهم من كلام بني آدم كما يفهم بعض الطير من بعض أطلق عليه منطق.﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ظاهره العموم المراد الخصوص أي من كل شىء يصلح لنا ونتمناه وأريد به كثرة ما أوتي فكأنه مستغرق لجميع الأشياء.﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ يحشر أولهم على آخرهم أي يوقفوا متقدمو العسكر حتى يأتي آخرهم فيجتمعون لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة.﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا ﴾ هذه غاية لشىء مقدر أي وساروا حتى إذا أتوا أو يضمن يوزعون معنى فعل يقتضي أن تكون حتى غاية له أي فهم يسيرون منكوفاً بعضهم من مفارقة بعض وعدي أتوا بعلى أما لأن إتيانهم كان من فوق واما أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشىء إذا أتى على آخره وأنفذه وذكروا اختلافاً كثيراً في صغر هذه النملة وكبرها وفي اسمها العلم ما لفظه وليت شعري من الذي وضع لفظاً يحضها أبنو آدم أم النمل وقالوا كانت نملة عرجاء ولحوق التاء في قالت لا يدل على أن النملة مؤنثة بل يصح أن يقال في المذكر قالت نملة لأن نملة وإن كانت بالتاء وهو مما لا يتميز فيه المذكر من المؤنث وما كان كذلك كالنملة والقملة مما بينه في الجمع وبين واحده من الحيوان تاء التأنيث فإِنه يخبر عنه إخبار المؤنث ولا يدل كونه يخبر عنه إخبار المؤنث على أنه ذكر أو أنثى لأن التاء دخلت فيه للفرق لا دالة على التأنيث الحقيقي بل دالة على الواحد من هذا الجنس والضمير في أدخلوا ضمير جمع من يعقل وكذلك ضمير الخطاب في مساكنكم لما كان النمل قابلاً لفعل ما أمروا به نزلوا منزلة جمع من يعقل ووادي النمل قيل بالشام وقيل بأقصى اليمن وفي الكلام حذف تقديره فسمع سليمان قولها:﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ ﴾ أي اجعلني أزع شكر نعمتك وارتبطه حتى لا ينفلت مني حتى لا أنفك شاكراً لك.﴿ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ ﴾ الآية الظاهر أنه تفقد جميع الطير وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك والاهتمام بالرعايا قيل وكان يأتيه من كل صنف واحد وفي الكلام حذف تقديره ففقد الهدهد حين تفقد الطير.﴿ أَمْ ﴾ هنا هي المنقطعة تتقدّر ببل والهمزة ودل قوله من الغائبين أنه كان في عسكر سليمان من كان يغيب عنه.
﴿ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ أبهم العذاب الشديد وفي تعيينه أقوال مضطربة فمنها أنه يحشره مع غير جنسه والسلطان المبين الحجة والعذر وفيه دليل على الاغلاظ على العاصين وعقابهم وبدأ أولاً بأخف العقابين وهو التعذيب ثم أتبعه بالأشد وهو إذهاب المهجة بالذبح وأقسم على هذين لأنهما من فعله وأقسم على الإِتيان بالسلطان وليس من فعله لما نظم الثلاثة في الحكم باه كأنه قال ليكونن أحد هذه الثلاثة والمعنى ان أتى بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح وإلا كان أحدهما * والظاهر أن الضمير في مكث عائد على الهدهد أي غير زمن بعيد أي عن قريب ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على إسراعه خوفاً من سليمان وليعلم كيف كان الطير مسخراً له ولبيان ما أعطي من المعجزة الدالة على نبوته وعلى قدرة الله تعالى وكان فيما روي قد أعلم بما أقسم به سليمان فبادر إلى جوابه بما يسكن غيظه عليه وهو أن غيبته كانت لأمر عظيم عرض له.﴿ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ وفي هذا جسارة من لديه علم لم يكن عند غيره وتبجحه بذلك وإبهام حتى تتشوق النفس إلى معرفة ذلك المبهم ما هو ومعنى الإِحاطة هنا أنه علم علماً ليس عند نبي الله سليمان عليه السلام قال الزمخشري: ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتي من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة والإِحاطة بالمعلومات الكثيرة إبتلاء له في علمه وتنبيهاً على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به لتتحاقد إليه نفسه ويصغر إليه علمه ويكون لطفاً له في ترك الإِعجاب الذي هو فتنة للعلماء وأعظم بها فتنة والإِحاطة بالشىء علماً أن يعلم من جميع جهاته لا يخفى منه معلوم قالوا وفيه دليل على بطلان قول الرافضة ان الإِمام لا يخفى عليه شىء ولا يكون في زمانه أحد علم منه " انتهى " ولما أبهم في قوله: بما لم تحط به انتقل إلى ما هو أقل منه إبهاماً وهو قوله:﴿ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ إذ فيه إخبار بالمكان الذي جاء منه وأنه له علم بخبر مستيقن له وقرىء فمكث بضم الكاف وفتحها وذكر أن مثل سبأ بنبأ يسمى تجنيس التصريف قال: وهو أن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف ومنه قول ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ولفظ بناء لا يكون إلا الخبر الذي له شأن ولفظ الخبر مطلق فيطلق على ماله شأن وما ليس له شأن ولما أبهم الهدهد أولاً ثم أبهم ثانياً دون ذلك الإِبهام صرح بما كان أبهمه فقال:﴿ إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ﴾ ومعنى وجدت هنا أصبت والضمير في تملكهم عائد على سبأ إن كان أريد به القبيلة وإن أريد الموضع فهو على حذف مضاف أي وجئتك من أهل سبأ والمرأة بلقيس بنت شراحيل وكان أبوها ملك اليمن كلها وقد ولده أربعون ملكاً ولم يكن له ولد غيره فغلبت على الملك وكانت هي وقومها مجوساً يعبدون الشمس.﴿ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ هذا على سبيل المبالغة والمعنى من كل شىء احتاجت إليه أو من كل شىء في أرضها.﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ قيل كرسيها وكان مرصعاً بالجواهر وما أحسن ائتلافات هذه الأخبار بعد تهدد الهدهد وعلمه بذلك أخبر أولاً باطلاعه على ما لم يطلع عليه سليمان تحصناً من العقوبة برتبة العلم الذي حصلت له فتشوق السامع إلى ذلك ثم أخبر ثانياً بمتعلق ذلك العلم وهو أنه من سبأ وأنه أمر متقين لا يشك فيه فزاد تشوق السامع إلى سماع ذلك النبأ ثم أخبر ثالثاً عن الملك الذي أوتيته امرأة وكان سليمان قد سأل الله تعالى أن يؤتيه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ثم أخبر رابعاً ما ظاهره الاشتراك وبين هذه المرأة التي ليس من شأنها ولا من شأن النساء أن تملك فحول الرجال وهو قول وأوتيت من كل شىء وقوله ولها عرش عظيم وكان سليمان له بساط قد صنع له وكان عظيماً ولم يتأثر سليمان للإِخبار بهذا كله إذ هو أمر دنياوي أخبره خامساً بما يهزه لطلب هذه الملكة ودعائها إلى الإِيمان بالله تعالى وإفراده بالعبادة فقال:﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ وقرىء إلا بالتخفيف وهو حرف استفتاح وياء للتنبيه واسجدوا فعل أمر وقرىء ألا بالتشديد وهي أدغمت نونها في لا التي للنفي ويسجدوا فعل مضارع منصوب بأن والمعنى فهم لا يهتدون لنفي سجودهم لله تعالى أي الحامل لهم على انتفاء الهداية إنتفاء سجودهم لله تعالى لأن الذنب يجر الذنب فلما انتفى عنهم السجود انتفت الهداية وفي البحر إعراب يوقف عليه فيه * والخبء مصدر أطلق على المخبوء وهو المطر والنبات وغيرهما مما خبأه الله تعالى من غيوبه * والظاهر أن في السماوات متعلق بالخبء أي المخبوء في السماوات * والظاهر أن قوله ألا يسجدوا إلى العظيم من كلام الهدهد ولما فرغ الهدهد من كلامه وأبدى عذره في غيبته أخر سليمان أمره إلى أن يتبين له صدقه فقال:﴿ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ ﴾ والنظر هنا التأمل والتصفيح وأصدقت جملة معلق عنها سننظر وهي في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن نظر بمعنى التأمل والتفكر إنما يتعدى بحرف الجر الذي هو في وعادل بين الجملتين بأم ولم يكن التركيب أم كذبت لأنه كان ثم كذابون وفي الكلام حذفت تقديره فأمر بكتابة كتاب إليهم وبذهاب الهدهد رسولاً إليهم بالكتاب فقال إذهب بكتابي هذا أي الحاضر المكتوب الآن فألقه إليهم ثم تول عنهم أي تنح عنهم إلى مكان قريب بحيث تسمع ما يصدر منهم وما يرجع به بعضهم إلى بعض من القول وفي قوله إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم دليل على إرسال الكتب للمشركين من الإِمام يبلغهم الدعوة ويدعوهم إلى الإِسلام وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما من ملوك العرب وقال وهب أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسبما يتأدب به مع الملوك بمعنى وكن قريباً بحيث تسمع مراجعتهم * ومعنى فانظر ماذا يرجعون أي تأمل واستحضره في ذهنك وقيل معناه فانتظر وماذا إن كان معنى فانظر معنى التأمل بالفكر كان أنظر معلقاً * وما داما كلمة استفهام في موضع نصب وإما أن تكون ما استفهاماً وذا موصول بمعنى الذي فعلى الأول يكون يرجعون خبراًعن ماذا وعلى الثاني يكون ذا هو الخبر * ويرجعون صلة ذا وإذا كان معنى فانظر فانتظر فليس فعل قلب فيعلق بل يكون ماذا كله موصولاً بمعنى الذي أي فانتظر الذي يرجعون والمعنى فانظر ماذا يرجعون حتى ترد إلى ما يرجعون من القول وفي الكلام حذف تقديره فذهب وألقى الكتاب وتفكر فيما يرجع به إليه.﴿ قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ الآية فقيل ان الهدهد ألقى الكتاب من كوة كانت في القصر وتوارى فيها فأخذت الكتاب ونادت أشراف قومها وكانت قارئة عربية من قوم تبع.﴿ قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ ﴾ وكرم الكتاب لطبعه بالخاتم وفي الحديث كرم الكتاب ختمه أو لكونه من سليمان وكانت عالمة بملكه ثم أخبرتهم فقالت:﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ ﴾ كأنها قيل لها ممن الكتاب وما هو فقالت إنه من سليمان وإنه كيت وكيت أبهمت أولاً ثم فسرت وفي بنائها ألقي للمفعول دلالة على جهلها بالملقى حيث حذفته أو تحقيراً له حيث كان طائراً إن كانت شاهدته والظاهر أن بداءة الكتابة من سليمان بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخر ما قص الله منه خاصة وأن من:﴿ أَلاَّ تَعْلُواْ ﴾ مفسرة ولا تعلو فهي لمشاكلة عطف الأمر عليه ولما قرأت على الملأ الكتاب ورأت ما فيه من الأمر بالانتقال إلى سليمان استشارتهم في أمرها وكانت بأرض مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام والمراد هنا أشيروا علي بما عندكم فيما حدث لها من الرأي السديد والتدبير وقصدت بإِشارتهم واستطلاع آرائهم واستعطافهم وتطييب نفوسهم ليمالؤها ويقوموا معها.﴿ مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً ﴾ أي مبرمة وفاصلة أمراً.﴿ حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴾ أي تحضروا عندي فلا أستبد بأمر بل تكونون حاضرين معي وما كنت قاطعة أمراً عام في كل أمر أي إذ كانت عادتي هذه معكم فكيف لا أستشيركم في هذه الحادثة الكبرى التي هي الخروج من الملك والانسلاك في طاعة غيري والصيرورة تبعاً فراجعها الملأ بما أقر عينها من قولهم نحن أولو قوة أي قوة بالعدة والعدد. و ﴿ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ أي أصحاب شجاعة وخبرة ثم قالوا.﴿ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ وذلك من حسن محاورتهم إذ وكلوا الأمر إليها وفيه دليل على الطاعة المفرطة أي نحن ذكرنا ما نحن عليه ومع ذلك فالأمر موكول إليك كأنهم أشاروا أولاً بالحرب أو أرادوا نحن أبناء الحرب لا أبناء الاستشارة وأنت ذات الرأي والتدبير الحسن فانظري ماذا تأمرين به نرجع إليك ونتبع رأيك وفانظري من التأمل والتفكر وماذا هو المفعول الثاني لتأمرين والمفعول الأول محذوف لفهم المعنى أي تأمريننا به والجملة معلق عنها أنظري فهي في موضع مفعول لأنظري بعد إسقاط الحرف من إسم الإِستفهام ولما وصل إليها كتاب سليمان لا على يد رجل بل على طائر استعظمت ملك سليمان وعلمت أن من سخر له الطير حتى يرسله بأمر خاص إلى شخص خاص مغلق عليه الأبواب غير ممتنع عليه تدويخ الأرض وملوكها فأخبرت بحال الملوك ومالت إلى المهاداة والصلح فقالت:﴿ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً ﴾ أي تغلبوا عليها.﴿ أَفْسَدُوهَا ﴾ أي خربوها بالهدم والحرق والقطع وأذلوا أعزة أهلها بالقتل والنهب والأسر وقولها فيه تزييف لآرائهم في الحرب وخوف عليهم وحياطة لهم واستعظام لملك سليمان عليه السلام وجاء لفظ الهدية مبهماً وقد ذكروا في تعيينها أقوالاً مضطربة وذكروا من حليها في الهدية ومن حال سليمان حين وصلت إليه الهدية وكلامه مع رسلها ما الله أعلم بصحته.
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﰿ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
﴿ فَنَاظِرَةٌ ﴾ معطوف على مرسلة. و ﴿ بِمَ ﴾ متعلق بيرجع والنظر هنا معلق أيضاً والجملة في موضع مفعول به وفيه دلالة على أنها لم تثق بقبول الهدية بل جوزت الرد وأرادت بذلك أن ينكشف لها غرض سليمان والهدية إسم لما يهدى كالعطية إسم لما يعطى وروي أنها قالت لقومها إن كان ملكاً ديناوياً أرضاه المال وعملنا معه بحسب ذلك وإن كان نبياً لم يرضه المال وينبغي لنا أن نتبعه على دنيه وفي الكلام حذف فأرسلت الهدية.﴿ فَلَمَّا جَآءَ ﴾ أي الرسول سليمان والمراد بالرسول الجنس لا حقيقة المفرد وكذلك الضمير في إرجع والرسول يقع على الجمع والمفرد والمذكر والمؤنث. و ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ﴾ إستفهام إنكار واستقلال وفي ذلك دلالة على عزوفه عن الدنيا وعدم تعلق قلبه بها عليه السلام ثم ذكر نعمة الله عليه وأن ما آتاه الله من النبوة وسعة الملك ﴿ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ ﴾ بما يهدي إليكم.﴿ تَفْرَحُونَ ﴾ لحبكم الدنيا.﴿ ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ ﴾ وهو خطاب للرسول الذي جاء بالهدية وهو المنذر بن عمرو أمير الوفد والمعنى إرجع إليهم بهديتهم ثم أقسم سليمان فقال:﴿ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ ﴾ متوعداً لهم وفيه حذف أي إذا لم يأتوني مسلمين ودل هذا التوعد على أنهم كانوا كفاراً باقين على الكفر إذ ذاك والضمير في بها عائد على الجنود ومعنى.﴿ لاَّ قِبَلَ ﴾ لا طاقة وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة أي لا يقدرون أن يقاتلوهم والضمير في منها عائد على سبأ وهي أرض بلقيس وقومها وانتصب أذلة على الحال.﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ حال أخرى والذل ذهاب ما كانوا فيه من العز والصغار وقوعهم في أسر واستبعاد ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقة بعد أن كانوا ملوكاً.﴿ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا ﴾ الآية قال ابن عباس: كان سليمان مهيباً لا يبتدأ بشىء حتى يكون هو الذي يسأل عنه فنظر ذات يوم رهجاً قريباً منه فقال ما هذا؟ قالوا بلقيس فقال ذلك.﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ ﴾ الآية وكان سليمان عليه السلام يجلس في مجلس الحكم من الصبح إلى الظهر فقيل من مقامك أي من مجلس الحكم وقيل قبل أن تستوي من جلوسك قائماً.﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ ﴾ أي على الإِتيان به.﴿ لَقَوِيٌّ ﴾ على حمله.﴿ أَمِينٌ ﴾ لا أختلس منه شيئاً.﴿ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ ﴾ قيل هو آصف بن برخيا وقيل غير ذلك والعلم الذي أوتيه إسم الله الأعظم والظاهر أن ارتداد الطرف حقيقة ولذلك روي أن سليمان قال: أريد أسرع من ذلك حين أجابه العفريت فروي أن آصف قال لسليمان عليه السلام: مد عينيك حتى ينتهي ظرفك فنظر نحو اليمن فدعا آصف فغار العرش من مكانه بمأرب ثم نبع عند مجلس سليمان عليه السلام بالشام بقدرة الله تعالى.﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ ﴾ في الكلام حذف تقديره فدعا الله فأتاه به فلما رآه أي عرش بلقيس وانتصب مستقراً على الحال وعنده معمول له والظرف إذا وقع في موضع الحال كان العامل فيه واجب الحذف فقال ابن عطية وظهر العامل في الظرف من قوله مستقراً وهذا هو المقدر أبداً في كل ظرف جاءها هنا مظهراً وليس في كتاب الله مثله " انتهى ".﴿ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ﴾ أي هذا الإِتيان بعرشها وتحصيل ما أردت من ذلك هو فضل ربي علي وإحسانه ثم علل ذلك بقوله:﴿ لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ وتلقى سليمان النعمة وفضل الله بالشكر إذ ذاك نعمة متجددة والشكر قيد النعم. و ﴿ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ في موضع نصب ليبلوني وهو معلق لأنه في معنى التمييز والتمييز في معنى العلم وكثر التعليق في هذا الفعل إجراء له مجرى العلم وإن لم يكن مرادفاً له لأن مدلوله الحقيقي هو الإِختبار.﴿ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ أي ذلك الشكر عائد ثوابه إليه إذا كان قد صان نفسه عن كفران النعمة وفعل ما هو واجب عليه من شكر نعمة الله عليه.﴿ وَمَن كَفَرَ ﴾ أي فضل الله ونعمته عليه.﴿ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ﴾ عن شكره إذ ثمرة شكره لا يعود نفعها إلى الله لأنه هو الغني المطلق الكريم بالانعام على من كفر نعمته والظاهر أن قوله: فإِن ربي غني كريم هو جواب الشرط ولذلك أضمرنا في قوله غني أي عن شكره ويجوز أن يكون الجواب محذوفاً دل عليه ما قبله من قسيمة أي ومن كفر فلنفسه أي ذلك الكفر عائد عقابه عليه.﴿ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا ﴾ أمر بالتنكير وهو أن يزاد فيه وينقص والتنكير جعله متنكراً متغيراً عن شكله وهيئته.﴿ فَلَمَّا جَآءَتْ ﴾ في الكلام حذف تقديره فنكروا عرشها ونظروا ما جوابها إذ سئلت عنه فلما جاءت.﴿ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾ أي أمثل هذا العرش الذي رأيتيه عرشك الذي تركتيه ببلادك ولم يأت التركيب أهذا عرشك بل جاء بأداة التشبيه لئلا يكون ذلك تلقينا لها ولما رأته على هيئة لا تعرفها فيه وتميزت فيه أشياء من عرشها لم تجزم بأنه هو ولا نفته النفي البالغ بل أبرزت ذلك في صورة تشبيهية فقالت:﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ وذلك من جودة ذهنها حيث لم تجزم في الصورة المختلفة بأحد الجائزين من كونه إياه أو من كونه ليس إياه وقابلت تشبيههم بتشبيهها والظاهر أن قوله:﴿ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ ﴾ إلى قوله من قوم كافرين ليس من كلام بلقيس وإن كان متصلاً بكلامها فقيل هو من كلام سليمان عليه السلام والصرح كل بناء عال ومنه ابن لي صرحاً الآية ولما وصلت بلقيس أمر سليمان الجن فصنعت له صرحاً وهو السطح من الصحن من غير سقف وجعلته مبنياً كالصهريج وملىء ماء وبث فيه السمك والضفادع وطبق بالزجاج الأبيض الشفاف ولهذا جاء صرحاً وجعل لسليمان في وسطه كرسي فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإِنس فلما وصلت بلقيس قيل لها أدخلي إلى نبي الله سليمان فرأت اللجة وفزعت ولم يكن لها بد من امتثال الأمر فكشفت عن ساقيها فرأى سليمان ساقيها سالمتين مما قالت الجن فيها فلما بلغت هذا الحد قال لها سليمان انه صرح ممرد من قوارير فعند ذلك استسلمت بلقيس وأذعنت وأسلمت وأقرت على نفسها بالظلم وفي الكلام حذف تقديره فدخلت امتثالاً للأمر واللجة الماء الكثير وكشف ساقيها عادة كل من كان لابساً وأراد أن يخوض الماء إلى مقصد له ولم يكن المقصود من الصرح إلا تهويل الأمر وحصل كشف الساق على سبيل التبع قال ابن عطية: ومع ظرف بني على الفتح وأما إذا سكنت العين فلا خلاف أنه حرف جاء لمعنى " انتهى " الصحيح أنها ظرف فتحت العين أو سكنت وليس التسكين مخصوصاً بالشعر كما زعم بعضهم بل ذلك لغة لبعض العرب والظرفية فيها مجاز وإنما هو إسم يدل على معنى الصحبة.﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ﴾ الآية ثمود هي بعد عاد الأولى وصالح أخوهم في النسب لما ذكر قصة موسى وداود وسليمان وهم من بني إسرائيل ذكر قصة من هو من العرب يذكر بها قريشاً والعرب وينبههم على من تقدم من الأنبياء من العرب كان يدعو إلى إفراد الله تعالى بالعبادة ليعلموا أنهم في عبادة الأصنام على ضلالة وإن شأن الأنبياء عربهم وعجمهم هو الدعاء إلى عبادة الله تعالى وإن في أن اعبدوا الله يجوز أن تكون مفسرة لأن أرسلنا يتضمن معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية أي بأن اعبدوا فحذف حرف الجر فعلى الأول لا موضع لها من الإِعراب وعلى الثاني ففي موضعها خلاف أهو في موضع نصب أم في موضع جر والظاهر أن الضمير في فأداهم عائد على ثمود وان قومه انقسموا فريقين مؤمناً وكافراً وقد جاء ذلك مفسراً في سورة الأعراف في قوله: قال الذين استكبروا للذين استضعفوا لمن آمن منهم وإذا هنا هي الفجائية وعطف بالفاء الذي تقتضي التعقب المهلة فكان المعنى أنهم بادروا بالاختصام متعقباً دعاء صالح إياهم إلى عبادة الله تعالى وجاء يختصمون على المعنى لأن الفريقين جمع قوله﴿ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾[الأعراف: ٧٦] فقال آمنتم وهو ضمير الجمع وإن كان الفريق المؤمن هو صالحاً وحده فإِنه قد انضم إلى قومه والمجموع جمع وأوثر يختصمون على يختصمان وإن كان من حيث التثنية جائزاً فصيحاً لأنه مقطع فصل واختصامهم دعوى كل فريق أن الحق معهم وقد ذكر الله تعالى تخاصمهم في الأعراف ثم تلطف صالح بقومه ورفق بهم في الخطاب فقال منادياً لهم على جهة التحنن عليهم.﴿ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ أي بوقوع ما يسوؤكم.﴿ قَبْلَ ﴾ الحالة.﴿ ٱلْحَسَنَةِ ﴾ وهي رحمة الله تعالى وكان قد قال لهم في حديث الناقة ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم فقالوا له: إئتنا بعذاب الله.﴿ قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ﴾ أي تشاء منا بك وبالذين آمنوا معك فرد عليهم بقوله:﴿ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ أي حظكم في الحقيقة من خير أو شر هو من عند الله وبقضائه إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم * ثم انتقل إلى الاخبار عنهم بحالهم فقال:﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ بشهواتكم أي تسعفون بها وجاء تفتنون بتاء الخطاب على مراعاة أنتم وهو الكثير في لسان العرب ويجوز يفتنون بالياء للغيبة على مراعاة لفظ قوم وهو قليل تقول العرب أنت رجل تأمر بالمعروف بتاء الخطاب وبياء الغيبة * والمدينة مجتمع ثمود وقريتهم وهي الحجر وذكر المفسرون أسماء التسعة وفي بعضها اختلاف ورأسهم قدار بن سالف وأسماء لا تنضبط بشكل ولا بتعيين وكانوا عظماء القرية وأغنياءها وفساقها * والرهط من الثلاثة إلى العشرة والنفر من الثلاثة إلى التسعة واتفق المفسرون على أن المعنى تسعة رجال.﴿ قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ ﴾ معناه تحالفوا وقرىء لتبينته ثم لتقولن وضم ما قبل نون التوكيد وقرىء بالنون فيهما وفتح ما قبل نون التوكيد والظاهر أن في الكلام حذف معطوف يدل على ما قبله والتقدير ما شهدنا مهلك أهله ومهلكه ودل عليه قولهم لنبيتنه وما روي أنهم عزموا على قتله وقتل أهله ويكون قوله:﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ كذباً في الاخبار أوهموا قومهم أنهم إذا قتلوه وأهله سراً ولم يشعر بهم أحد وقالوا تلك المقالة انهم صادقون وهم كاذبون ومكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون * والظاهر أن كيف خبر كان وعاقبة الإِسم والجملة في موضع نصب بانظر وهي معلقة وقرىء إنا بكسر الهمزة على الاستئناف وقرىء بفتحها فإِنا بدل من عاقبة أوجز لكان وكيف في موضع الحال أو خبر مبتدأ محذوف أي هي أي العاقبة تدميرهم أو يكون التقدير لأنا وحذف حرف الجر وعلى كلا القولين يجوز أن تكون كان تامة وعاقبة فاعلاً بها وأن تكون زائدة وعاقبة مبتدأ خبره كيف ولما أمر تعالى بالنظر فيما جرى لهم من الهلاك في أنفسهم بين ذلك والإِشارة إلى منازلهم وكيف خلت منهم وخراب البيوت خلوها من أهلها حتى لا يبقى منهم أحدكما تعاقب به الظلمة إذ يدل ذلك على استئصالهم.﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾ الآية ولوطاً عطف على صالحاً أي أرسلنا لوطاً. و ﴿ أَتَأْتُونَ ﴾ إستفهام إنكار وتوبيخ وأبهم أولاً في قوله الفاحشة ثم عينها في قوله:﴿ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ ﴾ وقوله:﴿ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ أي تعلمون قبح هذا الفعل المبتكر الذي أحدثتموه وأنه من أعظم الخطايا أو آثار العصاة قبلكم أو ينظر بعضكم لبعض لا يستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك وانتصب شهوة على أنه مفعول من أجله وتجهلون غلب فيه الخطاب كما غلب في قوله بل أنتم قوم تفتنون ومعنى تجهلون أي عاقبة ما أنتم عليه أو تفعلون فعل السفهاء المجان ولما أنكر عليهم ونسبهم إلى الجهل ولم تكن لهم حجة فيما يأتونه من ذلك عدلوا إلى المغالبة والإِيذاء وتقدّم معنى يتطهرون في الاعراف وباقي الآية تقدم تفسير نظيره في الأعراف. و ﴿ فَسَآءَ ﴾ بمعنى بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره مطرحم.﴿ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ﴾ الآية لما فرع من قصص هذه السورة أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بحمده تعالى وبالسلام على المصطفين وأخذ في مباينة واجب الوجود للأصنام التي أشركوها مع الله تعالى وعبدوها وابتدأ في هذا التقرير لقريش وغيرهم بالحمدلة وكأنها صدر خطبة لما يلقى من البراهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة * ولما كان خلق السماوات والأرض وإنزال الماء من السماء لا شبهة للعاقل في أن ذلك لا يكون إلا لله تعالى وكان الإِثبات مما قد يتسبب فيه الإِنسان بالبذر والسقي والتهيئة ويسوغ لفاعل السبب نسبة فعل المسبب إليه بين تعالى اختصاصه بذلك بطريق الإِلتفاف وتأكيد ذلك بقوله: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ألا ترى أن المتسبب لذلك قد لا يأتي على وفق مراده ولو أتى فهو جاهل لطبعه ومقداره وكيفيته فكيف يكون فاعلاً لها * والبهجة الجمال والنضرة والحسن لأن الناظر فيها يبتهج أي يسر ويفرح وقوله:﴿ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ إستفهام فيه تبكيت وتوبيخ وتهكم بحالهم وتنبيه على موضع التباين بين الله تعالى وبين الأوثان التي يعبر عنها بما التي هي لما لا يعقل إذ معلوم عند من له عقل أنه لا يشرك في الخيرية بين الله وبينهم وكثيراً ما يجيء هذا النوع من أفعل التفضيل حيث يعلم ويتحقق أن لها شركة فيها وإنما يذكر على سبيل إلزام الخصم وتنبيهه على خطأ مرتكبه وقرىء: ذات بهجة بالإِفراد وجمع التكسير يجري في الوصف مجرى الواحدة كقوله تعالى:﴿ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾[البقرة: ٢٥] أو هو على معنى جماعة.﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ﴾ قد تقدّم أن نفي مثل هذه الكينونة قد يكون ذلك لاستحالة وقوعه كهذا أو لامتناع وقوعه شرعاً أو لنفي الأولوية والمعنى هنا أن إنبات ذلك منكم محال لأنه إبراز شىء من العدم إلى الوجود وهذا ليس بمقدور إلا الله تعالى ولما ذكر منته عليهم خاطبهم بذلك ثم لما ذكر ذمهم عدل من الخطاب إلى الغيبة فقال:﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ إما التفاتاً وإما إخباراً للرسول عليه الصلاة والسلام بحالهم أي يعدلون عن الحق أو يعدلون به غيره أي يجعلون له مثيلاً وعديلاً ولما ذكر تعالى أنه منشىء السماوات والأرض وذكر شيئاً مشتركاً بين السماء والأرض وهو إنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق بالأرض ذكر شيئاً مختصاً بالأرض وهو جعلها قراراً أي مستقراً لكم بحيث يمكنكم الإِقامة بها والاستقرار عليها ولا يديرها الفلك قيل لأنها مضمحلة في جنب الفلك كالنقطة في وسط الرحى.﴿ وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ ﴾ أي بين أماكنها في شعابها وأوديتها.﴿ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً ثوابت حتى لا تنكفىء بكم وتميد. والبحران العذب والملح والحاجز الفاصل من قدرة الله تعالى وما أحسن ما جاء تركيب هذه الجمل بلفظ وجعل إذ صارت كل جملة مستقلة بذاتها بخلاف عطف المفردات وجاءت بلفظ الماضي دلالة على أن لا تجدد فيها بخلاف الجمل التي بعدها فإِنها جاءت بلفظ المضارع الدال على التكرار والتجدد.﴿ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ ﴾ المضطر إسم مفعول وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو حادث من حوادث الدهر إلى الإِلتجاء إلى الله تعالى والتضرع إليه فيدعوه لكشف ما اعتراه من ذلك وإزالته عنه.﴿ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ ﴾ هو كل ما يسوء وهو عام في كل ضر انتقل من حالة المضطر وهي خاص إلى أعم وهو ما يسوء سواء كان المكشوف عنه في حال الاضطرار أو فيما دونهم وخلفاء أي الأمم السالفة أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظلمة البر هي ظلمة الليل وهي الحقيقة وتنطلق مجازاً على الجهل وعلى انبهام الأمر يقال أظلم على الأمر وهداية البر تكون بالعلامات وهداية البحر تكون بالعلامات وهداية البحر تكون بالنجوم.﴿ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ تقدم تفسير نظير هذه الجملة وقرىء عما تشركون بتاء الخطاب.﴿ أَمَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ﴾ الظاهر أن الخلق هو المخلوق وبدؤه اختراعه وإنشاؤه ويظهر أن المقصود هو من يعيده في الآخرة من الإِنس والجن والملك لا عموم المخلوق ولما كان إيجاد بني آدم إنعاماً إليهم وإحساناً ولا تتم النعمة إلا بالرزق قال:﴿ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ بالمطر.﴿ وٱلأَرْضِ ﴾ بالنبات.﴿ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ﴾ أي أحضروا حجتكم ودليلكم على ما تدعون من إنكار شىء مما تقدم تقريره.﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في ان مع الله إلهاً آخر فأين دليلكم عليه وهذا رجع إلى ما تقدم من جميع الاستفهام الذي جاء به على سبيل التقرير وناسب ختم كل استفهام بما تقدمه كما ذكر إيجاد العلم العلوي والسفلي ختم بقوله: بل هم قوم يعدلون ولما ذكر جعل الأرض مستقراً ختم بقوله: ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ إذ كان فيهم من يعلم ويفكر في ذلك ولما ذكر إجابة دعاء المضطر ختم بقوله: ﴿ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ إشارة إلى توالي النسيان على الإِنسان إذا صار في خير وزال اضطراره ولما ذكر الهداية في الظلمات قال عما يشركون واعتقب كل واحدة من هذه الجمل قوله أإله مع الله على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو تعالى قيل سأل الكفار عن وقت القيامة التي وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وألحوا عليه فنزل:﴿ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ ﴾ الآية والمتبادر إلى الذهن أن من فاعل بيعلم والغيب مفعول وإلا الله استثناء منقطع لعدم إندراجه في مدلول لفظ من جاء مرفوعاً على لغة تميم ودلت هذه الآية على أنه تعالى هو المنفرد بعلم الغيب * وأيان تقدم الكلام فيها في الأعراف وهي هنا إسم استفهام بمعنى متى وهي هنا معمولة ليبعثون ويشعرون معلق والجملة التي فيها استفهام في موضع نصب به وقرىء بل إدراك أصله تدارك وقرىء أدرك على وزن أفعل قال ابن عباس: المعنى بل تدارك علمهم ما جهلوه في الدنيا أي علموه في الآخرة بمعنى تكامل علمهم في الآخرة بأن كل ما وعدوا به حق وهذا حقيقة إثبات العلم لهم لمشاهدتهم عياناً في الآخرة ما وعدوا به عياناً في الدنيا وكونه بمعنى المضي ومعناه الاستقبال لأن الاخبار به صدق فكأنه قد وقع.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ ﴾ الآية ناسب ذكر مقالتهم في استبعادها وأن ما وعدوا به من ذلك ليس بصحيح إنما ذلك ما سطر الأولون من غير إخبار بذلك عن حقيقة ثم ذكروا أنهم وعدوا ذلك هم وآباؤهم فلم يقع شىء من هذا الموعود ثم جزموا وحصروا أن ذلك من أكاذيب من تقدم وجاء هنا تقديم الموعود به وهو هذا وتأخر في آية أخرى على حسب ما سيق الكلام لأجله ثم أمر نبيه عليه السلام أن يأمرهم بالسير في الأرض وتقدم الكلام في نظيره وأراد بالمجرمين الكافرين ثم سلى نبيه فقال:﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ أي في كونهم لم يسلموا ولم يذعنوا إلى ما جئت به ولما استعجلت قريش بأمر الساعة أو بالعذاب الموعود به هم وسألوا عن الوقت الموعود على سبيل الاستهزاء قيل له:﴿ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم ﴾ أي تبعكم عن قرب وصار كالرديف التابع لكم بعض ما استعجلتم به وهو كان عذاب يوم بدر وقيل عذاب القبر وقرىء: ردف لكم بكسر الدال وفتحها وهما لغتان وأصله التعدي بمعنى تبع ولحق فاحتمل أن يكون مضمناً معنى اللازم ولذلك فسره ابن عباس وغيره بازف وقرب لما كان يجيء بعد الشىء قريباً منه ضمن معنه ومزيد اللام في مفعوله لتأكيد وصول الفعل إليه كما زيدت الباء في ولا تلقوا بأيديكم وقد عدى بمن على سبيل التضمين لما يتعدى بها قال الشاعر: فلما ردفنا من عمير وصحبه * تولوا سراعاً والمنية تعنق. أي دنوا من عمير وبدأ فيما يحض الإِنسان ثم عم كل غائبة عبر أولاً بالمحال وهي الصدور عن الحال فيها وهي القلوب الظاهر عموم قوله من غائبة أي ما من شىء في غاية الغيبوبة والخفاء إلا في كتاب عند الله تعالى ومكنون علمه * ومن غائبة في موضع المبتدأ ومن زائدة وفي كتاب خبره.﴿ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ ولما كان القرآن وما قص الله فيه لا يكاد يجدي عندهم أخبر الله عنهم أنهم موتى القلوب أو شبهوا بالموتى وإن كانوا أحياء صحاح الأبصار كأنه إذا تلى عليهم لا تعيه آذانهم فكانت حالتهم لانتفاء جدوى السماع كحالة الموتى.﴿ وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ ﴾ حيث يضلون الطريق فلا يقدر أحد أن يزيل ذلك عنهم ويحولهم هداة بصراء إلا الله تعالى وقرىء بهادي العمى إسم فاعل مضاف وقرىء بهاد منونا العمى وقرىء: تهدي مضارع هدي العمى بالنصب.﴿ إِن تُسْمِعُ ﴾ هم الذين علم الله أنهم يصدقون بآياته.﴿ فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴾ منقادون للحق.﴿ وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم ﴾ أي إذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمنه القول الأزلي من الله تعالى كقوله﴿ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ ﴾[الزمر: ٧١] فالمعنى إذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه فيهم من العذاب أخرج لهم دابة من الأرض ووقع عبارة عن الثبوت واللزوم وروي أن خروجها حين ينقطع الخبر ولا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يبقى منيب ولا تائب وفي الحديث أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الإِشراط ولم يعين الأول منهما وكذلك الدجال وظاهر الأحاديث أن طلوع الشمس آخرها والظاهر أن الدابة التي تخرج واحدة وروي أنها تخرج كل بلد دابة مما هو مثبوت نوعها في الأرض وليست واحدة فيكون قوله: دابة إسم جنس واختلفوا في كيفيتها اختلافاً كثيراً وقيل تخاطبهم فتقول للمؤمن هذا مؤمن وللكافر هذا كافر وقيل تكلمهم تجرحهم من الكلم وروي أنها تسم الكافر في جبهته فتربده وتمسح على وجه المؤمن فتبيضه.﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ﴾ الآية الحشر الجمع على عنف من كل أمة أي من الأمم ومن هي للتبعيض فوجاً أي جماعة كثيرة.﴿ مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ﴾ من للبيان أي الذين يكذبون والآيات القرآن.﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ تقدم تفسيره.﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوا ﴾ أي إلى الموقف.﴿ قَالَ أَكَذَّبْتُم ﴾ إستفهام توبيخ وتقريع وإهانة.﴿ وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً ﴾ الظاهر أن الواو للحال أي أوقع تكذيبهم بها غير متدبرين لها ولا محيطين بكنهها وأم هنا منقطعة فتقدّر ببل وحدها انتقل من الاستفهام الذي يقتضي التوبيخ إلى الاستفهام عن عملهم أيضاً على جهة التوبيخ أي أي شيء كنتم تعملون والمعنى إذ كان لكم عمل أو حجة فهاتوا وليس لهم عمل ولا حجة فيما عملوه إلا الكفر والتكذيب وماذا بجملته يحتمل أن يكون استفهاماً منصوباً بخبر كان وهو تعملون وأن تكون ما هو الإِستفهام وإذا موصولة بمعنى الذي فيكونان مبتدأ وخبرا وكان صلة لذا والعائد محذوف تقديره الاستفهام وذا موصولة بمعنى الذي فيكونان مبتدأ وخبراً وكان صلة لذا والعائد محذوف تقديره أي شىء الذي كنتم تعملونه.﴿ وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ ﴾ أي العذاب الموعود به بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله ولما ذكر أشياء من أحوال يوم القيامة ليرتدع بسماعها من أراد الله تعالى ارتداعه نبههم على ما هو دليل على التوحيد والحشر بما هم يشاهدونه في حالة حياتهم وهو تقليب الليل والنهار من نور إلى ظلمة ومن ظلمة إلى نور وفاعل ذلك واحد وهو الله تعالى * قال الزمخشري: وهو مراعى من حيث المعنى وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف لأن معنى مبصراً لتبصروا فيه طريق التقليب في المكاسب " انتهى " الذي يظهر أن هذا من باب ما حذف من أوله ما أثبت نظيره في مقابله وحذف من آخر، ما أثبت في أوله فالتقدير جعلنا الليل مظلماً لتسكنوا فيه والنهار مبصراً لتتصرفوا فيه فالابصار ينشأ عنه التصرف في المصالح ويدل عليه قوله:﴿ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾[الإسراء: ١٢] فالكون علة لجعل الليل مظلماً والتصرف علة لجعل النهار مبصراً وتقدم لنا الكلام على نظير هذين الحذفين مشبعاً في البقرة في قوله:﴿ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ ﴾[البقرة: ١٧١].
﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ ﴾ تقدم الكلام عليه وهذه النفخة هي نفخة الفزع وروى أبو هريرة أن الملك له في الصور ثلاث نفخات نفخة الفزع وهو فزع الحياة الدنيا وليس بالفزع الأكبر ونفخة الصعق ونفخة القيام من القبور وعبر هنا بالماضي في قوله: ففزع وإن كان لم يقع إشعاراً بصحة وقوعه وأنه كائن لا محالة.﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ أي فلا ينالهم هذا الفزع وروي أبو هريرة حديثاً" أنهم الشهداء متقلدون السيوف حول العرش "وقد صححه القاضي أبو بكر بن العربي وقرىء: أتوه فعلاً ماضياً وآتوه إسم فاعل والضمير في آتوه عائد على الموقف يجوز أن يراد رجوعهم إلى الله وانقيادهم له. و ﴿ دَاخِرِينَ ﴾ حال ومعناه منقادين ذليلين.﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ ﴾ هو من رؤية العين.﴿ تَحْسَبُهَا ﴾ حال من فاعل ترى أو من الجبال وجامدة من جمد مكانه إذا لم يبرح منه وهذه الحال للجبال عقيب النفخ في الصور وهي أول أحوال الجبال تموج وتسير ثم ينسفها الله فتصير كالعهن ثم تكون هباءً منبثاً في آخر الأمر.﴿ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ﴾ جملة حالية أي تحسبها في رأى العين ثابتة مقيمة في أماكنها وهي سائرة وتشبيه مرورها بمر السحاب في كونها تمر مراً حثيثاً كمر السحاب وانتصب.﴿ صُنْعَ ٱللَّهِ ﴾ على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي تليها. فالعامل فيه مضمر من لفظه والحسنة الإِيمان ورتب على ذلك شيئين أحدهما أنه له خير منها ويظهر أن خير ليس أفعل تفضيل ومن لابتداء الغاية أي له خير من الخيور مبدؤه ومنشؤه منها أي من جهة هذه الحسنة أو خير هنا الثواب والأجر والأمن من الفزع وقرىء: من فزع بالتنوين * ويومئذٍ منصوب على الظرف معمول لقوله آمنون أو لفزغ أو في موضع الصفة لفزع أي كائن في ذلك الوقت وقرىء بإِضافة فزع إلى يومئذٍ بكسر الميم حركة إعراب وفتحها حركة بناء لإِضافة إلى مبنى والتنوين في يومئذٍ تنوين العوض حذفت الجملة وعوض منها والأولى أن تكون الجملة المحذوفة ما قرب من الظرف أي يوم إذ جاء بالحسنة والسيئة الكفر والمعاصي فيمن ختم الله عليه من أهل المشيئة بدخول النار وخصت الوجوه إذ كانت أشرف الأعضاء ويلزم من كبها في النار كب الجميع أو عبر بالوجه عن جملة الإِنسان والظاهر من كب أنهم يلقون في النار منكوسين أعلاهم قبل أسفلهم.﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ ﴾ خطاب لهم على إضمار القول أي يقال لهم وقت الكب هل تجزون ثم أمر تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول:﴿ إِنَّمَآ أُمِرْتُ ﴾ والآمر هو الله تعالى على لسان جبريل عليه السلام.﴿ أَنْ أَعْبُدَ ﴾ أي أفرده بالعبادة والبلد هي مكة وأسند التحريم إليه تشريفاً لها واختصاصاً.﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ أي المنقادين إلى أمر الله فأعبده كما أمرني.﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ أي أتلو عليكم القرآن.﴿ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ ﴾ به ووحد الله تعالى وامتثل أمر نبيه عليه الصلاة والسلام وآمن بما جاء به فثمرة هدايته مختصة به.﴿ وَمَن ضَلَّ ﴾ فوبال ضلاله مختص به حذف جواب من ضل لدلالة مقابلة عليه ويحتمل أن يكون:﴿ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ ﴾ ويحتاج إلى رابط يعود على من تقديره من المنذرين له.﴿ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ﴾ أمر أن يقول ذلك فيحمد ربه على ما خصه به من شرف النبوة والرسالة.﴿ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ تهديد لأعدائه بما يريهم الله من آياته التي تضطرهم إلى معرفتها والإِقرار إلى أنها آيات الله تعالى ولما قسمهم إلى مهتد وضال أخبر تعالى أنه محيط بأعمالهم غير غافل عنها وقرىء يعملون بياء الغيبة التفاتاً من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة.
Icon