ﰡ
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١ الى ١٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤)وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩)
وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤)
أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)
اللغة:
(الطُّورِ) جبل معروف وقيل إن الطور كل جبل ينبت الشجر المثمر وما لا ينبت فليس بطور، وقال المبرد: «يقال لكل جبل طور فإذا دخلت الألف واللام للمعرفة فهو لشيء بعينه».
(رَقٍّ) الرق بالفتح والكسر جلد رقيق يكتب فيه وجمعه رقوق والرق بالكسر المملوك وعبارة الراغب «الرق كل ما يكتب فيه جلدا كان أو غيره وهو بفتح الراء على الأشهر ويجوز كسرها كما قرئ شاذا وأما الرق الذي هو ملك الأرقاء فهو بالكسر لا غير» وقال الزمخشري:
«والرق: الصحيفة وقيل الجلد الذي يكتب فيه الكتاب الذي يكتب فيه الأعمال».
(الْمَسْجُورِ) المملوء بالماء.
(تَمُورُ) تضطرب وتجيء وتذهب وفي المختار: «مار من باب قال تحرك وذهب ومنه قوله تعالى: يوم تمور السماء مورا قال الضحاك:
تموج موجا وقال أبو عبيدة والأخفش تكفّأ».
(اصْلَوْها) في المصباح صلي بالنار وصليها صلى من باب تعب وجد حرها والصلاء وزان كتاب حر النار وصليت اللحم أصليه من باب رمى شويته.
(يُدَعُّونَ) الدع هو الدفع وقيل هو أن تغل الأيدي إلى الأعناق وتجمع النواحي إلى الأقدام ثم يدفعون دفعا عنيفا على وجوههم، وفي المختار: «دعه دفعه وبابه ردّ ومنه قوله تعالى «فذلك الذي يدع اليتيم».
(وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) الواو حرف قسم وجر وهي أقسام خمسة جوابها إن عذاب ربك لواقع والواو الأولى للقسم والواوات بعدها للعطف أو كل واحدة منها للقسم وفي رق متعلقان بمسطور أو نعت آخر لكتاب (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) عطف على قوله والطور أو كل منها قسم مستقل بنفسه وجوابها جميعا قوله: (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) إن واسمها واللام المزحلقة وواقع خبر إن (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) ما نافية وله خبر مقدم ومن حرف جر زائد ودافع مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر، وهذه الجملة خبر ثان لإن أو صفة لواقع (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) الظرف متعلق بواقع أي يقع العذاب في ذلك اليوم وتكون جملة النفي معترضة بين العامل ومعموله وقيل الظرف متعلق بدافع وجملة تمور السماء في محل جر بإضافة الظرف إليها ومورا مفعول مطلق (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) الجملة عطف على جملة تمور السماء مورا (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) الفاء الفصيحة لأن في الكلام معنى المجازاة والتقدير إذا كان ما ذكر فويل لمن يكذب الله ورسوله، وويل مبتدأ ساغ الابتداء به لتضمنه معنى الدعاء ويومئذ ظرف منصوب بويل وإذ ظرف مضاف إلى ظرف مثله والتنوين عوض عن جملة وللمكذبين هو الخبر لويل (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) الذين نعت للمكذبين وهم مبتدأ وفي خوض متعلقان بيلعبون وجملة يلعبون خبرهم والجملة لا محل لها لأنها صلة الذين (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) الظرف بدل من يوم تمور السماء مورا أو من يومئذ قبله وجملة يدعون في محل جر بإضافة الظرف إليها ويدعون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وإلى نار جهنم متعلقان بيدعون ودعا مفعول مطلق (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) الجملة
البلاغة:
١- الاستعارة التصريحية في قوله «الذين هم في خوض يلعبون» :
الأصل في الخوض أن يكون في الماء يقال خاض الماء: دخله ثم غلب على الخوض في الباطل وغيره، شبّه الكذب والاندفاع في الباطل
٢- التنكير: ونكر كتاب في قوله «وكتاب مسطور» لأنه كتاب مخصوص من بين جنس الكتب كقوله: «ونفس وما سواها».
٣- الالتزام: وفي قوله «والطور وكتاب مسطور» فن الالتزام وقد تقدمت الإشارة إليه فقد جاءت الطاء قبل واو الردف لازمة.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١٧ الى ٢٨]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١)
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)
(فاكِهِينَ) ناعمين متلذذين وقال الزجّاج والفرّاء: فاكهين معجبين بما آتاهم ربهم وفي المختار: «فكه الرجل من باب سلم فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاجا والفكه أيضا البطر الأشر وقرئ ونعمة كانوا فيها فكهين أي أشرّين وفاكهين أي ناعمين والمفاكهة الممازحة وتفكّه تعجب وقيل تندم قال الله تعالى: فظلتم تفكهون أي تندمون وتفكّه بالشيء تمتع به».
(بِحُورٍ) الحور: جمع حوراء من الحور وهو شدّة بياض العين في شدة سوادها.
(عِينٍ) العين: جمع عيناء وهو الواسعة العينين.
(أَلَتْناهُمْ) نقصناهم وفي المصباح «ألت الشيء ألتا من باب ضرب نقص ويستعمل متعديا أيضا فيقال ألته».
(السَّمُومِ) النار لدخولها في المسام وهي في الأصل الريح الحارّة تتخلل المسام والجمع سمائم وقال ثعلب: السموم شدّة الحر وشدّة البرد في النهار وقال أبو عبيدة: السموم بالنهار وقد يكون بالليل والحرّ بالليل وقد يكون بالنهار. وقيل أصل السموم من السم الذي هو مخرج النفس فكل خرق سم أو من السم الذي يقتل.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) إن واسمها وفي جنات خبرها ونعيم عطف على جنات والكلام مستأنف مسوق لزفّ البشرى للمتقين ويجوز أن يكون تتمة المقول للكفّار زيادة في إغاظتهم وإدخال الحسرة إلى قلوبهم (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) فاكهين: حال وبما متعلقان بفاكهين وما موصولة واقعة على الفواكه التي في الجنة أي متلذذين بفاكهة الجنة ويجوز أن تكون الباء بمعنى في أي فيما آتاهم من الثمار وغير ذلك ويجوز أن تكون ما مصدرية أيضا وآتاهم ربهم فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ووقاهم عطف على الصلة أي فاكهين بإيتاء ربهم وبوقايتهم له عذاب الجحيم ويجوز أن تكون الواو حالية فتكون الجملة في محل نصب على الحال وقد مقدّرة عند من يشترط اقترانها بالماضي الواقع حالا وأجاز الزمخشري أن تكون معطوفة على جنات وعذاب الجحيم مفعول به ثان (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجملة مقول قول محذوف وهنيئا حال أو مفعول مطلق فتكون بمعنى المصدر، وقد تقدم الكلام مشبعا على هنيئا في سورة النساء، وبما متعلقة بكلوا أو اشربوا وجملة كنتم صلة وكان واسمها وجملة تعملون خبر كنتم، وأجاز الزمخشري أن تكون الباء زائدة وما فاعل هنيئا ولكن زيادة الباء ليست مقيسة إلا في فاعل كفى وقد أنكر عليه أبو حيان ذلك (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) متكئين حال من الضمير المستكن في قوله في جنات أي كائنون في جنات حال كونهم متكئين أو من فاعل كلوا أو من مفعول آتاهم أو من مفعول وقاهم وعلى سرر متعلقان بمتكئين ومصفوفة نعت لسرر والواو حرف عطف وزوّجناهم فعل وفاعل ومفعول به وبحور متعلقان بزوّجناهم وعين نعت لحور (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ
في الواو ثلاثة أقوال نسردها فيما يلي ثم نبيّن مواضع الرجحان: ١- استئنافية والذين مبتدأ والخبر جملة ألحقنا بهم ذريتهم وعليه أكثر المفسرين والمعربين. ٢- قال أبو البقاء: منصوب بفعل محذوف على تقدير وأكرمنا الذين آمنوا. ٣- قال الزمخشري: والذين آمنوا معطوف على حور عين أي قرناهم بالحور وبالذين آمنوا أي بالرفقاء والجلساء منهم كقوله تعالى إخوانا على سرر متقابلين فيتمتعون تارة بملاعبة الحور وتارة بمؤانسة الإخوان المؤمنين. وقد ردّ أبو حيان على الزمخشري فقال: «ولا يتخيل أحد أن قوله والذين آمنوا معطوف على بحور عين غير هذا الرجل وهو تخيل أعجمي مخالف لفهم العربي» ونحن لا نتردد في مشايعة أبي حيان في ردّه. وجملة آمنوا صلة الذين واتبعتهم ذريتهم عطف على آمنوا وبإيمان حال من ذريتهم أي حال كون الذرية ملتبسة بإيمان وجملة ألحقنا بهم ذريتهم خبر الذين (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) الواو حرف عطف وألتناهم فعل وفاعل ومفعول به ومن عملهم حال ومن حرف جر زائد وشيء مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول ثان وكل مبتدأ وامرئ مضاف إليه، وبما الباء حرف جر وما موصولة أو مصدرية والجار والمجرور متعلقان برهين ورهين خبر كل (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) وأمددناهم عطف على ما تقدم وبفاكهة متعلقان بأمددناهم ولحم عطف على فاكهة ومما صفة وجملة يشتهون صلة الموصول (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) الجملة مستأنفة وقيل نصب على الحال من مفعول أمددناهم ويتنازعون فعل مضارع وفاعل وفيها متعلقان بيتنازعون وكأسا مفعول به ولا نافية للجنس أهملت لتكررها ولغو مبتدأ خبره فيها ولا تأثيم عطف عليه وسوغ الابتداء به تقدّم النفي عليه، ومعنى يتنازعون الكأس يتجاذبونها تجاذب ملاعبة إذ أهل الدنيا لهم لذة في ذلك، وقيل معنى يتنازعون يتعاطون قال الأخطل:
نازعته طيب الراح الشمول وقد | صاح الدجاج وحانت وقعة الساري |
وجملة يتساءلون حال (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) قالوا فعل وفاعل وإن واسمها وجملة كنّا خبرها وجملة إنّا كنّا مقول القول وقبل ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى والظرف متعلق بمحذوف حال ومشفقين خبر كنّا (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) الفاء حرف عطف ومنّ الله فعل وفاعل وعلينا متعلقان بمنّ ووقانا عطف على منّ وعذاب السموم مفعول به ثان (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) إن واسمها وكان واسمها ومن قبل حال وجملة ندعوه خبر كنّا وجملة كنّا خبر إنّا وإن واسمها وهو ضمير فصل أو عماد والبرّ الرحيم خبران لإنه وجملة إنه تعليلة لا محل لها.
البلاغة:
التشبيه المرسل المجمل: في قوله: كأنهم لؤلؤ مكنون تشبيه مرسل مجمل، شبّه الغلمان باللؤلؤ المكنون في الأصداف لأنه أحسن وأصفى أو لأنه مخزون ولا يخزن إلا الثمين الغالي القيمة وصدف الدرّ غشاؤه الواحدة صدفة مثل قصبة وقصب.
الفوائد:
إذا تكررت لا النافية للجنس جاز فيها خمسة أوجه:
٢- رفعهما على أنها مهملة فما بعدها مبتدأ وخبر نحو: لا لغو فيها ولا تأثيم. وقول الحطيئة:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ | زغب الحواصل لا ماء ولا شجر |
لا خيل عندك تهديها ولا مال | فليسعد النطق إن لم تسعد الحال |
فلا لغو ولا تأثيم فيها | وما فاهوا به أبدا مقيم |
لا نسب اليوم ولا خلة | اتسع الخرق على الراقع |
فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨)
(الكاهن) الذي يذكر أنه يخبر عن الحق عن طريق العزائم، والكهانة صفة الكاهن.
(نَتَرَبَّصُ) التربص الانتظار بالشيء من انقلاب حال له إلى خلافها.
(الْمَنُونِ) المنيّة والموت من منّه إذا قطعه لأن الموت قطوع، وريبها: الحوادث التي تريب عند مجيئها قال:
تربص بها ريب المنون لعلها | سيهلك عنها بعلها أو سيجنح |
(الْمُصَيْطِرُونَ) جمع المسيطر وهو الغالب القاهر من سيطر عليه إذا راقبه وحفظه أو قهره، وحكى أبو عبيدة سيطرت عليّ إذا اتخذتني خولا، ولم يأت في كلام العرب اسم على مفيعل إلا خمسة ألفاظه:
مهيمن ومحيمر ومبيطر ومسيطر ومبيقر فالمحيمر اسم جبل والبواقي أسماء فاعلين، وفي الصحاح: المسيطر والمصيطر المسلط على الشيء
الإعراب:
(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) الفاء الفصيحة وذكر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت والفاء تعليلية وما نافية حجازية وأنت اسمها وبنعمة ربك يجوز في هذا الجار والمجرور أن يتعلق بما في ما من معنى النفي فتكون الباء للسببية وهذا أرقى الأوجه والمعنى انتفت عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة ربك عليك كما تقول: ما أنا بمعسر بحمد بالله وغناه وقال أبو البقاء إن الباء في موضع نصب على الحال والعامل فيها بكاهن أو مجنون والتقدير ما أنت كاهنا ولا مجنونا حال كونك ملتبسا بنعمة ربك وعلى هذا فهي حال لازمة والباء للملابسة وقيل الباء للقسم ونعمة ربك مقسم به متوسط بين اسم ما وخبرها فتتعلق بفعل محذوف تقديره أقسم والجواب محذوف والتقدير ونعمة ربك ما أنت بكاهن ولا مجنون وهو أضعفها (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أم منقطعة بمعنى بل وقد ذكرت هنا خمس عشرة مرة وكلها إلزامات ليس للمخاطبين بها جواب عنها، ويقولون فعل مضارع مرفوع وشاعر خبر لمبتدأ محذوف وجملة نتربص به صفة لشاعر وبه متعلقان بنتربص وريب المنون مفعول به (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) قل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وتربصوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والفاء تعليل للأمر المقصود به التهديد وإن واسمها ومعكم ظرف متعلق بمحذوف حال ومن المتربصين خبر إني وجملة تربصوا مقول القول (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أم حرف عطف بمعنى بل وقد تقدم القول فيها وتأمرهم
البلاغة:
١- في قوله «أم تأمرهم أحلامهم بهذا» مجاز عقلي فقد أسند الأمر إلى الأحلام وقد كان العرب يتفاخرون بعقولهم فأزرى الله بها حيث لم تثمر لهم معرفة الحق والباطل، ويجوز اعتبارها استعارة مكنية إن أريد التشبيه، وكل مجاز عقلي يصحّ أن يكون استعارة مكنية ولا عكس.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٣٩ الى ٤٩]
أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣)
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)
اللغة:
(مَغْرَمٍ) المغرم أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه.
(كِسْفاً) قطعة وقيل قطعا واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر.
(مَرْكُومٌ) موضوع بعضه فوق بعض.
(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) له خبر مقدّم والبنات مبتدأ مؤخر ولكم البنون عطف على له البنات (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) تسألهم فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنت ومفعول به أول وأجرا مفعول به ثان والفاء حرف عطف وهم مبتدأ ومن مغرم متعلقان بمثقلون ومثقلون خبر (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدّم والغيب مبتدأ مؤخر والفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة يكتبون خبر (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) يريدون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وكيدا مفعول به والفاء عاطفة والذين مبتدأ وهو من وضع الظاهر موضع المضمر وقد تقدمت الإشارة إليه وجملة كفروا صلة وهم مبتدأ والمكيدون خبره والجملة الاسمية خبر الذين (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) لهم خبر مقدم وإله مبتدأ مؤخر وغير الله نعت لإله وسبحان الله منصوب على المفعولية المطلقة وعمّا متعلقان بسبحان وجملة يشركون لا محل لها لأن ما موصولة أو مصدرية (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) الواو عاطفة وإن شرطية ويروا فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل وكسفا مفعول به ومن السماء صفة لكسفا ويقولوا جواب الشرط وسحاب خبر لمبتدأ محذوف ومركوم صفة لسحاب (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) الفاء الفصيحة لأنها جواب شرط مقدّر والتقدير إذا بلغوا في الكفر والعناد إلى هذا الحدّ وتبين أنهم لا يرجعون عن الكفر فدعهم حتى يموتوا عليه، وذرهم فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وحتى حرف غاية وجر ويلاقوا فعل مضارع مجزوم بأن مضمرة بعد حتى ويومهم مفعول به والذي نعت ليومهم وفيه متعلقان بقوله يصعقون وجملة يصعقون لا محل لها لأنها صلة الذي، ويصعقون
الفوائد:
ينوب عن الظرف ما كان مجرورا بإضافة أحد الظرفين إليه ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه بعد حذفه، والغالب في هذا