تفسير سورة النّور

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة النور من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
وهي مدنية وفيها من الأحكام والنسخ مواضع ١.
١ أوصلها ابن الفرس إلى ثمانية وعشرين آية..

قوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ﴾ :
وقد تقدم الكلام في سورة النساء على ما نسخته هذه الآية ١ وهي آخر آية نزلت في حد الزاني. وهي الآية ظاهرها العموم في كل زان وزانية مسلمين كانا أو كافرين. وقد قال بذلك أهل الظاهر وأبو حنيفة، فرأوا أن الكافر حده الجلد بكرا كان أو ثيبا، وهو قول المغيرة من أصحاب مالك. وقال الشافعي حد الكافر في الزنا كحد المسلم، إن كان بكرا جلد مائة جلدة وإن كان ثيبا رجم واحتج بعموم الآية وبالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجم اليهوديين ٢ واعتذر من لم يقل بقول الشافعي عن الحديث. فقال أبو حنيفة إنما حكم عليهم بحكم التوراة، وقال مالك رحمه الله تعالى إنما حكم عليهم بالرجم لأنهم لم يكونوا أهل ذمة فكان دمهم مباحا. إلا أن هذا التأويل يضعفه قتل المرأة. كما ضعف بعضهم تأويل أبي حنيفة بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اقتدى بالتوراة وغير هؤلاء، وهم مالك وأصحابه، رأوا أن المراد بها المسلمون دون المشركين وأن الكافر لا يحد بكرا كان أو ثيبا ويرد إلى أهل دينه. قال بعضهم بدليل أنها نزلت ناسخة للآية الواردة في المسلمين وهي قوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ الآية [ النساء : ١٥ ]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ٣ الحديث.
وظاهرها أيضا العموم في الأحرار والعبيد وقد قال به أهل الظاهر إلا في إيناث العبيد فإنهم يرون أنهن خارجات من هذا العموم بقوله تعالى :﴿ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] فيرون أن العبد يجلد مائة بحكم العموم والأمة خمسين بحكم الآية المخصصة. وأنكر هذا العموم الجمهور إذ لا فرق بين العبد والأمة في مثل هذا فأجروا على العبد حكم الأمة الثابت لها بالآية التي احتجوا بها، وظاهرها أيضا العموم في الإبكار والثيبين ٤. وقد قال بذلك أيضا أهل الظاهر ورأوا أن الثيب يجلد بالآية ثم يرجم بالحديث فجمعوا عليه الحدين. وروي عن علي بن أبي طالب أنه جلد الهمدانية ٥ ثم رجمها، وقال جلدتها بكتاب الله تعالى ورجمتها بالسنة. واحتجوا أيضا بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة والرجم " ٦ ولم يقل غيرهم بذلك العموم فلم يروا الشيئين مرادين بالآية ورأوا أن حديث عبادة منسوخ بما ثبت من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجم دون الجلد في حديث أنس وفي قصة ماعز ٧ وقصة العامرية. وهذا الدليل يخصص الظاهر الذي يحتجون به من القرآن. وبعضهم يسمي هذا التخصيص الذي ذكرته نسخا، وبعضهم يقول إن الشيئين يرادان بالآية أيضا، لكن يقول الناسخ لتلك الآية الثيبين القرآن الذي ارتفع لفظه وبقي حكمه وهو الذي قرأ عمر على المنبر بمحضر الصحابة : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ٨. والأصح ما ذكرته أولا. وحديث علي يحتمل أن يكون كتمه الإحصان فلم يعلم به حتى جلدها. والخوارج بإجماعهم يرون الآية عامة في الإبكار والثيبين ولا يرون الرجم ويقولون ليس في كتاب الله تعالى رجم وهو ٩ خلاف لا يعتد به. وظاهر الآية أيضا الجلد دون التغريب وقد قال به أبو حنيفة وذكره بعضهم عن مالك واستدل بالآية قال : ولم يذكر التغريب فكان إثباته زيادة في النص نسخ ولا يصح نسخ القرآن بأخبار الآحاد. ولم ير مالك في المشهور عنه وجميع أصحابه ذلك بل رأوا الجلد ثابتا بالآية والتغريب ثابتا بالسنة. وقال عليه الصلاة والسلام : " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " ١٠ فجمعوا بينهما ولم يروا الزيادة في النص نسخا هذا إذا لم تغير الزيادة فيه الحكم الأول. ولا تغريب عند مالك وجميع أصحابه على الحرة خلافا للشافعي، ومن حجتهم ظاهر الآية، ولم يأت ما يزيل ذلك الظاهر. فإن قيل وهو حجة مالك قد جاء هذا الحديث : " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " فكما أزلتم ظاهر الآية في الرجل البكر به فهلا فعلتم ذلك في المرأة البكر ؟ قيل قد جاء أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها " ١١ فلو كان التغريب للنساء لأدى ذلك إلى ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم من في هذا الحديث وفي نفيها تعريض لهتك سترها فكان تركها أولى. والأمة والعبد أيضا عند مالك وأصحابه لا يغربان. وللشافعي في ذلك قولان، والحجة لمالك قوله تعالى :﴿ الزانية والزاني ﴾ ولم يذكر تغريبا، وقال :﴿ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] فلم يذكر تغريبا فلا١٢ يثبت إلا حيث يقوم الدليل مع ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس في الأمة إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ١٣ فكرر الجلد ١٤ ولم يذكر التغريب. وحد العبد على النصف من حد البكر الحر سواء زنا بحرة أو بأمة، خلافا للأوزاعي في قوله إن زنا بحرة رجم وإن زنا بأمة جلد، وهذا فاسد لقوله عز وجل :﴿ الزانية والزاني ﴾ ولم يفرق. واختلف في المجنون إذا زنا بعاقلة هل تحد العاقلة أم لا ؟ فقال أبو حنيفة لا حد عليها، وغيره يرى أن عليها الحد لعموم قوله تعالى :﴿ الزانية والزاني ﴾. واختلف أيضا في الصغير يفجر بكبيرة هل تحد الكبيرة أم لا على قولين. حجة القول بحدها عموم الآية، ومن حجة من لا يرى الحد أن هذا ليس بزنا فليس بداخل في الآية. واختلف في الكبير يفجر بصغيرة هل يحد أم لا ؟ فعن مالك في ذلك روايتان. وحجة القول بالحد عموم الآية. واختلف في الوطء في الدبر هل هو زنى أم لا ؟ فعند مالك رحمه الله تعالى أنه زنى يقام فيه الحد وغيره لا يراه زنى ١٥ والكلام في هذا هل اسم الزنى واقع عليه أم هو قياس ؟ فإذا كان اسم الزنى واقعا عليه فالعموم في الآية شامل له. وإن كان قياسا فهو صحيح، إن شاء الله تعالى. واختلف فيمن زنى ببهيمة هل عليه حد أم لا ؟ فالمشهور أنه لا حد في ذلك، وفي كتاب ابن شعبان أن الحد فيه واجب، وهذا بعيد لأن فاعل ذلك ليس بزان لأنه معلوم أن الزنى إنما هو بالآدمية، فقد خرج هذا من لفظ الآية بعرف اللفظ فلا حد فيه. واختلف في من زنى بحربية ببلاد الحرب، فالمشهور في المذهب أن عليه الحد وقال أشهب لا حد عليه. وحجة القول الأول عموم الآية. واختلف أيضا فيمن زنى بنصرانية وإن لم تكن ببلاد الحرب، ففي المذهب أن عليه الحد خلافا لأبي حنيفة والشافعي، وحجة القول الأول عموم الآية. واختلف أيضا إذا دخل المسلم دار الحرب فزنى بمسلمة وكذلك إذا زنى في عسكر أهل البغي. ففي المذهب أن عليه الحد خلافا لأبي حنيفة في قوله : لا حد عليه إلا أن يكون على الجيش أميرا أو في مصر من الأمصار. ودليل القول الأول الآية. واختلف فيمن زنى بأمة له فيها شرك، ففي المذهب أنه لا حد عليه عالما كان بالتحريم أو غير عالم.
وفي خارج المذهب أن عليه الحد إن كان عالما بذلك لأنه زنى وقد حرم الله تعالى الزنا وأوجب فيه الحد. وحجة القول الأول في درء الحد الشبهة التي في وطئه باختلاط ملكه بملك شريكه وقد قال عليه الصلاة والسلام : " ادرأوا الحدود بالشبهات " ١٦ فهذا مخصص لعموم الآية. واختلف فيمن زنى بأمة ولده، ففي المذهب أنه لا حد عليه، وذهب داود إلى أن عليه الحد لعموم الآية، وحجة القول الأول الشبهة له في مال ولده وقد قال عليه الصلاة والسلام : " أنت ومالك لأبيك " ١٧ واختلف فيمن زنى بأمة امرأته، فقال مالك إن عليه الحد، وقال قوم لا حد عليه، وحجة القول الأول ١٨ عموم الآية وأنه لا شبهة للزوج في مال الزوجة. واختلف فيمن زنى بميتة، فقال مالك عليه الحد، وقال ابن عبد الحكم لا حد عليه، وحجة مالك عموم الآية. وكذلك اختلفوا في المرأة إذا استدخلت ذكر نائم، فقال مالك رحمه الله تعالى عليها الحد، وقال أبو حنيفة لا حد عليها، وحجة مالك أن هذا زنى فهو داخل تحت العموم. واختلف فيمن أكره على الزنا هل عليه حد أم لا على قولين، وحجة القول الأول عموم الآية ١٩. واختلف فيمن زنا ولم يعلم أن الزنا حرام، فالمشهور من المذهب أن الحد واجب ولا تسقطه الجهالة وذهب أصبغ إلى أن الحد يسقط بذلك، وروي عن عمر بن الخطاب، والحجة للقول الأول عموم الآية. واختلف فيمن زنا بذات محرم منه، فقال مالك والشافعي عليه الحد، وروي عن البراء بن عازب وجابر أنه يقتل وحجة القول الأول ٢٠ عموم الآية ٢١ وحجة القول الآخر حديث البراء بن عازب الذي ذكره الترمذي وغيره حين قال في رجل زنا بأمه : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب عنقه وأستبقي ماله ٢٢ وكذلك اختلف فيمن وطئ أمه أو أخته أو بنته بنكاح أو بملك يمين وهو عالم بالتحريم فعند مالك أنه يحد، وقال أبو حنيفة لا يحد لأن النكاح وعقد الملك شبهة، وحجة مالك أنه إذا كان عالما بالتحريم فهو زنا والعقد غير مقصود فدخل تحت عموم الآية. وأما أبو حنيفة فالتفت بالتحريم ٢٣ فهو زنا والعقد غير مقصود فدخل تحت عموم الآية. وأما أبو حنيفة فالتفت في هذه المسألة إلى صورة العقد ولم يلتفت إلى المقصود وأبعد في هذا النوع من النظر حتى قال فيمن استأجر امرأة ليزني بها أنه لا حد عليه وزاد على ذلك فقال : من أعطى امرأة ذهبا أو فضة ثم زنا بها فلا حد عليه وإن لم يعط ذلك على وجه الإجارة. وهذا تعمق في النظر أدى إلى الزنا المحض فلا يلتفت إليه. واختلف فيمن زنا ثم تاب هل تسقط التوبة عن الحد أم لا ؟ وكذلك في حد السرقة وشرب الخمر. فالمشهور أن الحد لا تسقطه التوبة في شيء من ذلك لقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني ﴾ الآية وقوله تعالى :﴿ والسارق والسارقة ﴾ [ المائدة : ٣٨ ] الآية ولم يفرق. وذهب الشافعي وأبو حنيفة والثوري وغيرهم بجلد الرجل قائما والمرأة قاعدة واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : " فرأيت الرجل يمنا على المرأة " قال مالك ومن تبعه يضرب الرجل والمرأة قاعدين وهما سواء في ذلك ومن حجته قوله تعالى :﴿ فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ فسوى بينهما في الجلد ولم يفرق بين الرجل والمرأة. واختلفوا في مواضع الضرب من جسده بعد أن اتفقوا على تجنب المقاتل والوجه والعورة، فعند مالك أن الضرب ٢٤ لا يكون إلا على الظهر خاصة، وعند الشافعي أن الأعضاء كلها تضرب ما عدا المتفق عليه، وعند أبي حنيفة أن الأعضاء كلها تضرب ما عدا المتفق عليه وما عدا الرأس. ومن حجة من لم يقصر الضرب على الظهر قوله تعالى :﴿ فاجلدوا كل واحد منهما ﴾ فأطلق ولم يخص، وحجة مالك قوله عليه الصلاة والسلام : " البينة أو حد في ظهرك " ٢٥ وقول عمر : لأوجعهن متينك ٢٦. واختلف هل يجرد المحدود أم لا بعد الاتفاق على أن المرأة لا تجرد وتستر بما لا يقيها الضرب. فعند مالك وغيره أنه يجرد، وروي عن النخعي والشعبي وغيرهما أنه لا يجرد ويترك عليه قميص، وروى عن ابن مسعود أنه قال : لا يحل في هذه الأمة التجريد. وقال الأوزاعي الإمام مخير إن شاء جرد وإن شاء لم يجرد، ودليل القول الأول قوله تعالى :﴿ فاجلدوا كل واحد منهما ﴾ والجلد يقتضي مباشرة أبدانهما.
– قوله تعالى :{ ولا تأخذكم ب
١ راجع ذلك في الإيضاح ص ٣١٢ – ٣١٤..
٢ جاء في الموطأ: حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟" فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرجم، فآتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ثم قرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما. فقال عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يحمي على المرأة يقيها الحجارة. قال مالك: يعني يحني، يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه، راجع الموطأ، كتاب الحدود، باب: ما جاء في الرجم ٢/ ١٧٧. والحديث أخرجه أيضا مسلم عن عبد الله بن عمر فراجعه في صحيحه: كتاب الحدود، باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنا ٥/ ١٢٢..
٣ أخرج مسلم عن عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا..." راجع صحيح مسلم كتاب الحدود، باب: حد الزنا ٥/ ١١٥..
٤ "الثيبين" كلمة ساقطة في (ب)، (هـ)..
٥ وفي كتاب ابن المواز: من جلد في الزنا مائة جلدة ثم ثبت أنه محصن فإنه يرجم ولا يجزؤه الجلد. انظر المنتقى للباجي، كتاب الحدود، باب: ما جاء في الرجل ٧/ ١٣٨..
٦ الحديث أخرجه مسلم، كتاب الحدود، باب: حد الزنا ٥/ ١١٥..
٧ قال عيسى بن دينار: وكان يتيما عند هزال. وهذا هو ماعز بن مالك الأسلمي. راجع القصتين في المنتقى للباجي، كتاب الحدود، باب: ما جاء في الرجم ٧/ ١٣٤ – ١٣٦..
٨ الحديث ذكره مالك في الموطأ، كتاب الحدود، باب: ما جاء في الرجم ٢/ ١٨٠..
٩ في (ح): "وهذا"..
١٠ وجاء في الموطأ عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ".... أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله...." وجلد الابن مائة وغربه عاما. انظر الموطأ، كتاب الحدود، باب: ما جاء في الرجم ٢/ ١٧٩..
١١ رواه مالك عن أبي هريرة بلفظ: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها" راجع الموطأ، كتاب الجامع، باب: ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء ٢/ ١٧٨..
١٢ في (أ)، (ح): "فلم"..
١٣ والحديث أخرجه مسلم بألفاظ مختلفة فراجعه في صحيحه. كتاب الحدود، باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنا ٥/ ١٢٤..
١٤ "فكرر الجلد" كلام ساقط في (ح)..
١٥ قال الباجي: قال أبو حنيفة ليس فيه حد وإنما فيه التعزير. راجع المنتقى، كتاب الحدود، باب: ما جاء في الرجم ٧/ ١٤١..
١٦ الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحدود، باب: ما جاء في درء الحدود ٨/ ٢٣٨..
١٧ الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب النفقات، باب: نفقة الأبوين ٧/ ٤٨٠. وابن ماجه في السنن، كتاب التجارات، باب: ما للرجل من مال وولد ٢/ ٧٦٩..
١٨ "الأول" كلمة ساقطة في (ج)، (ح)، (د)، (هـ)..
١٩ "واختلف فيمن أكره على الزنا.... إلى قوله: عموم الآية" كلام ساقط في (ح)، (د)..
٢٠ "الأول" كلمة ساقطة في (ح)، (د)..
٢١ "واختلف فيمن زنا بذات محرم منه... إلى: عموم الآية" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٢٢ راجع سنن ابن ماجه، كتاب الحدود، باب: من تزوج امرأة أبيه من بعده ٢/٨٦٩..
٢٣ "فعند مالك أنه يحد... إلى: بالتحريم" كلام ساقط في (أ)..
٢٤ في (ز): "الجلد"..
٢٥ الحديث أخرجه الترمذي عن ابن عباس، كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة النور ٥/ ٣٣١..
٢٦ قال الباجي: والجلد إنما يكون في الظهر وما قاربه. انظر المنتقى، كتاب الحدود ٧/ ١٤٢..
قوله تعالى :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ والذين يرمون المحصنات ﴾ :
اختلف في هذه الآية على قولين، أحدهما : أنها منسوخة إلا أن الذين ذهبوا إلى هذا اختلفوا فقال سعيد بن المسيب إن هذا حكم كان في الزناة عاما أن لا يتزوج زان إلا زانية ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في هذه السورة :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ [ النور : ٣٢ ] فدخلت الزانية في أيامى المسلمين وقال مجاهد فيما ذكر أبو عبيد إن هذا الحكم إنما كان في نفر مخصوصين كانوا يزنون ببغايا في الجاهلية، فلما أسلموا لم يمكنهم الزنا فأرادوا لفقرهم تزوج أولئك النسوة إذ كانوا من عاداتهن الإنفاق على من يتزوجهن، فنزلت الآية بسببهن فحرمت على أولئك النفر نكاح غيرهم من المؤمنين ثم نسخت بقوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ ١. قال أبو الحسن : دليل النسخ أنه جوز للزاني أن ينكح المشركة وللمشرك أن ينكح الزانية وذلك غير جائز فإنه منسوخ بقوله تعالى :﴿ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ﴾ ٢ [ البقرة : ٢٢١ ] وإذا صح النسخ جاز تزوج الزاني العفيفة والعفيف الزانية. وتزوج الزاني الزانية لعموم قوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ [ النور : ٣٢ ] وقد أنكر القول بالنسخ شيخنا أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى لوجهين : أحدهما أنا لا ندري أي الآيتين المتقدمة من المتأخرة. والثاني أن قوله :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية ﴾ خاص وقوله :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ عام، والعام لا ينسخ الخاص ٣ والثاني أنها محكمة. إلا أن من ذهب إلى هذا اختلفوا في التأويل، فقال ابن عباس وغيره إن النكاح في الآية بمعنى الجماع لا بمعنى التزوج، والقصد بالآية على هذا تشنيع ٤ الزنا وأنه محرم واتصال الآية على هذا التأويل بما قبلها حسن فيكون المعنى فيها أن الزاني لا يزني إلا بزانية مثله مسلمة أو مشركة، وكذلك الزانية من المسلمات لا تزني إلا مع زان من المسلمين أو مع مشرك ٥ وهذا أحسن ما في الآية. إلا أن الزجاج قد أنكره وقال لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزوج. وهذا ليس كما قال، وفي القرآن ﴿ حتى تنكح زوجا غيره ﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ] وبينه النبي صلى الله عليه وسلم أنه بمعنى الوطء. وقد مر الكلام عليه في سورة البقرة. وقال عبد الله بن عمر وروي عن ابن عباس أيضا وغيره أن الآية نزلت في قوم مخصوصين كانوا في الجاهلية يزنون ببغايا مشهورات فلما جاء الإسلام وأسلموا ولم يمكن الزنا وكانوا فقراء أرادوا زواج أولئك النسوان لفقرهم إذ كان من عادة أولئك النساء الإنفاق على من يتزوجهن، فنزلت الآية بسببهن. والإشارة بالزاني إلى أحد أولئك وحمله عليه اسم الزاني الذي كان في الجاهلية ٦. والنكاح في الآية على هذا القول التزوج وفي الآية على هذا التأويل معنى التوجع عليهم والتوبيخ لهم كأنه قال أي مصاب هذا الزاني لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة، أي تنزع نفوسهم إلى هذه الرذائل.
وقوله تعالى :﴿ وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ أي نكاح أولئك البغايا. فيزعم أهل هذا التأويل أن نكاح أولئك البغايا حرمه الله تعالى على أمة نبينا صلى الله عليه وسلم. وحكى الطبري عن ابن عباس في سياق هذا القول أنه كانت لهم بيوت في الجاهلية تسمى المواخير فكانوا يؤجرون فيها فتيانهم وكانت بيوتا معلومة للزنا فحرم الله تعالى ذلك على المؤمنين ٧.
ومقتضى هذا القول أن الزاني لا يتزوج زانية ولا مشركة، والزانية لا تتزوج زانيا ولا مشركا، إلا أنه قال إنها وردت في قوم مخصوصين، والعام إذا خرج على سبب خاص قد اختلف فيه هل يحمل على عمومه أو يقصر على سببه. وإذا حمل على عمومه فلا يجوز على هذا أن يتزوج الزاني الزانية ويجوز أن يتزوج العفيفة، وكذلك العكس. وكذلك روي عن ابن مسعود أنه قال في الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها : إنهما زانيان ما عاشا. وروي مثله عن عائشة وعلي والبراء، وروي عن ابن مسعود أنه إذا تاب حل له أن يتزوج من أولئك البغايا ٨. والبغايا المذكورات : عناق، واسم الذي هم بتزوجها دلدل ٩ وكان يخرج مع المسلمين من مكة سرا ففطنت له ودعته إلى نفسها فأبى الزنا وأراد التزوج فاستأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية. ولما دعته وأبى قالت له : أي تبور والله لأفضحنك. وأم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ١٠ ويقال فيها أم مهزم. وحنة القبطية جارية العاص بن وائل ١١. وجارية صفوان بن أمية أم عليط. وجارية عمر بن هشام بن ربيعة ١٢ فرسة. وجارية هلال بن أنس ١٣ فرنتا من ذوات الرايات التي تعرف مناولهن بها. وعلى هذا كانت بالمدينة إماء عبد الله بن أبي وغيرهن ١٤. وقال الحسن : معنى الآية على ظاهرها وهي محكمة في الزاني المجلود والزانية المجلودة أي لا يزوج المجلود إلا مجلودة. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " ١٥.
وقوله تعالى :﴿ وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ يريد الزنا. وهذا القول يضعفه ذكر المشرك في الآية لأنه لا يحرم على قوله للزاني أن يتزوج مشركة وللزانية أن تتزوج من مشرك، وهذا في غاية البعد. وقد ضعف بعضهم هذا القول والحجة به قالوا : وأما الحديث فلا يصح ١٦ وقال بعضهم إنه منسوخ ١٧. وللاختلاف في تفسير الآية اختلف في ابتداء تزوج ١٨ الزاني العفيفة والعفيف الزاني على ثلاثة أقوال : المنع وهو مروي عن الزهري، وهو الذي يأتي على مذهب الحسن في تفسير الآية، وروي عن علي أنه فرق بين رجل وامرأة زنيا قبل أن يدخل بها وربما قال من يقول بهذا إن الآية منسوخة في المشركة خاصة دون الزانية، وهؤلاء يرون عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي بن كعب ١٩ وابن عمر مثل قولهم ٢٠. ومن حجة هؤلاء حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين المتلاعنين.
والكراهة وهو المشهور في المذهب فإن وقع جاز، وسبب الكراهة إشكال ظاهر الآية.
والجواز وهذا أيضا في المذهب وروي عن الزهري وعليه يأتي قول من رأى النسخ في الآية ورأى النكاح فيها بمعنى الوطء. ومن حجة أهل هذا القول أيضا عموم قوله تعالى :﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء ﴾ الآية [ النساء : ٣ ].
واختلف في الزاني يتزوج الزانية كان زنى كل واحد منهما بصاحبه أو بغيره، على حسب الاختلاف في المسألة الأولى المنع وهو قول ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة. وهذا يرده تأويل الحسن في الآية، ويعضده تأويل عبد الله بن عمر.
والكراهة والجواز وهما المشهوران. وعلى القول بأنه لا يمنع فلا بد من الاستبراء إن أراد الزواج خلافا لأبي حنيفة والشافعي، وقولهما إنه ليس بواجب. وحجتنا قوله عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره " ٢١.
واختلف في الرجل تزني امرأته تحته هل ينفسخ ٢٢ نكاحه أم لا ؟ فالمشهور أنه لا ينفسخ، وقيل ينفسخ وحكي عن الحسن وأبي عبيد. قال بعضهم وهو قول أهل البصرة. وكذلك اختلف إذا زنى الرجل هل يحرم على المرأة أم لا ؟ فعند أهل البصرة أنه يحرم وقال غيرهم لا يحرم وعلى هذا يأتي تفسير الحسن للآية، وقد تقدم ما يوهن تفسيره ويقوي سواه. ومن الدليل للقول المشهور قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال : " طلقها " قال : إني أحبها. قال : " أمسكها ". وقد تأول بعضهم : إن امرأتي لا ترد يد لامس، أن معناه أنها لا ترد طالب ماله من محتاج أو سارق ونحو ذلك وأنشدوا على هذا :
ألستم لئاما تردون جاركم ولولاهم لم تمنعوا كف لامس ٢٣
وفي قوله تعالى :﴿ وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ دليل على أنه لا تحريم على الكافرين وأنه لا اعتراض لنا في زناهم وفسوقهم وفجورهم إذا قدرنا على أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله. وإذا لم يحرم الله عز وجل عليهم الزنا فلا خطاب عليهم في تحليل ولا تحريم حتى يدخلوا في الإسلام. فإن احتج محتج بقوله تعالى :﴿ وطعامكم حل لهم ﴾ [ المائدة : ٥ ] فقيل إنما معناه حل لكم أن تطعموهم منه.
١ راجع الإيضاح ص ٣١٢، ٣١٣، المحرر الوجيز ١١/ ٢٦٧..
٢ راجع قول أبي الحسن في أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٩٦..
٣ راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٣١٩..
٤ في (أ)، (ز) زيادة:"أمر"..
٥ راجع الإيضاح ص ٣١٢، ٣١٣..
٦ ذكره أيضا ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٦٧..
٧ نقله ابن عطية عن الطبري في المحرر الوجيز فراجعه في ١١/٢٦٧- ٢٦٩..
٨ ذكر الأثر الكيا الهراسي في أحكام القرآن ٤/ ٢٩٦..
٩ دلدل: قال ابن عاشور: كان رجل يقال له مرفد بن أبي مرفد. راجع التحرير والتنوير ١٨/ ١٥٢، ١٥٣..
١٠ السائب بن أبي السائب المخزومي صيفي بن عائد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. له صحبة. اختلف في تاريخ وفاته اختلافا كثيرا. انظر تهذيب التهذيب ٣/ ٤٤٨..
١١ العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم بن لؤي من سادة قريش، من الذين أظهروا العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم. انظر سيرة ابن هشام ١/ ٤١٠..
١٢ عمر بن هشام بن ربيعة، أبو حفص، صاحب مظالم الري. روى عن النضر بن شبيل ومعاذ بن خالد بن شقيق والفضل بن موسى وفضالة بن إبراهيم. انظر تهذيب التهذيب ٧/ ٥٠٥..
١٣ هلال بن أنس: لم أعثر على ترجمته..
١٤ راجع القصة في أسباب النزول للواحدي ص ٢٣٦، لباب النقول للسيوطي ص ٥٥٩، التحرير والتنوير لابن عاشور ١٨/ ١٥٣..
١٥ ذكر الحديث ابن عطية في المحرر الوجيز. وقال ذكره أيضا ابن كثير وقال فيه: وهذا حديث لا يصح. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٦٩. وقال ابن خويز منداد: وإنما ذكر المجلود لاشتهاره بالفسق وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره، فأما من لم يشتهر بالفسق فلا. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١٧١..
١٦ قاله ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٦٩..
١٧ وهو قول ابن المسيب فراجعه في المحرر الوجيز ١١/ ٢٦٩..
١٨ في (أ)، (ز): "تزويج"..
١٩ أبي بن كعب بن عبد الله بن مالك الأنصاري، سيد القراء. قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك" انظر الإصابة ١/ ٣١ – ٣٣..
٢٠ راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ١٠٨، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٤٧..
٢١ الحديث أخرجه أحمد في مسنده عن رويفع بن ثابت الأنصاري ٤/ ١٠٨..
٢٢ في (أ)، (هـ)، (ز): "يفسخ"..
٢٣ نسب الجصاص البيت إلى جريج الخطفي. راجع أحكام القرآن، باب: تزويج الزانية ٥/ ١٠٩، والبيت من البحر المتقارب..
قوله تعالى :﴿ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ والذين يرمون أزواجهم ﴾ :
نزلت في القذف والرمي أصله من الرمي بالحجارة والسهام ثم استعير للقذف لما بينهما من الشبهة. وقد قال امرؤ القيس١ : وجرح اللسان كجرح اليد. فكأنه تعالى قال والذين يقذفون المحصنات. والقذف أيضا الرمي. قال تعالى :﴿ ويقذفون من كل جانب ( ٨ ) دحورا ﴾ [ الصافات : ٨، ٩ ] وتقول العرب : فلان بين حاذف وقاذف. إلا أنه قد خص في إطلاق أهل الشرع بالرمي في الزنا ولا خلاف في صريح ذلك أنه داخل في حكم الآية. واختلف في التعريض بالزنا هل يجري مجرى الصريح في ذلك أم لا ؟ فمالك يوجب الحد والشافعي وكافة العلماء على خلافه. ووجه قول مالك حمل المفهوم على الصريح كحمله عليه في ألفاظ الشرع، وقال الشافعي لما كان التعريض في الخطبة ليس كالصريح حملنا التعريض بالقذف عليه وهو أولى لقوله عليه الصلاة والسلام : " ادرأوا الحدود بالشبهات " ٢ والمحصنات هنا أهل العفة باتفاق ٣ واختلف في الحرية والإسلام هل هما داخلان تحت لفظ المحصنات مع العفة ٤ أم لا على ما يأتي تفسيره. واتفقوا أن التزويج لا مدخل له في هذه الآية. واختلف في سبب نزول هذه الآية. فقال سعيد بن جبير سببها ما قيل في عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وقيل بل نزلت بسبب ما قيل في القذف عاما لا في تلك النازلة ٥ واختلف أيضا في الآية هل هي في النساء خاصة – والرجال داخلون فيها بالمعنى – أم هي في الرجال والنساء سواء ؟ فقيل هي في النساء لقوله :﴿ المحصنات ﴾ وهذا لا يكون إلا في النساء، وخصهم تعالى بالذكر إذ كان رميهم بالفاحشة أنكر في النفس وأشنع، وقذف الرجل داخل في حكم الآية بالمعنى والإجماع، وهذا نحو نصه تعالى على لحم الخنزير ودخل شحمه ودماؤه وغضاريفه ونحو ذلك من أعضائه في ذلك المعنى وبالإجماع، ومثل قوله تعالى في الإماء :﴿ فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] والعبيد مثلهن باتفاق. ومثله قوله عليه الصلاة والسلام : " من أعتق شركا له في العبد " ٦ والأمة مثله باتفاق. وقد اختلف هل يسمى مثل هذا قياسا أم لا ؟ وقيل بل الآية في الرجال والنساء وأن المعنى فيها : والذين يرمون الأنفس ٧ المحصنات، فهي تعم بلفظها النساء والرجال. وقوله تعالى :﴿ والذين يرمون ﴾ عام في كل بالغ عاقل ٨ مسلم أو نصراني. إلا أنه اختلف في العبد هل هو مخصص من هذا اللفظ أم لا. فذهب ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز ومن قال بقولهما إلى أنه غير مخصص من لفظ الآية وأن حده في القذف ثمانون جلدة كما نص في الآية، وبه قال الأوزاعي. وذهب الجمهور إلى أنه مخصص منها بقوله تعالى :﴿ فعليهن نصف ما على المحصنات ﴾ [ النساء : ٢٥ ] وأن حده نصف حد الحر أربعون ٩.
وقوله تعالى :﴿ المحصنات ﴾ أراد باللفظ أهل العفة وقد اتفقوا على أن من قذف – من ثبت عليه الزنا – بالزنا الذي قد ثبت أنه لا حد عليه لأن العفة من ذلك لم تقع بوجه. واختلفوا إذا قذفه بزنا آخر غير الذي ثبت عليه. فالمشهور أنه لا حد على القذف، وقيل يحد لأن سقوط العفة في ذلك لم تعلم، وإلى نحو هذا ذهب أبو ثور. والقول الأول أصح لأن العفة بظاهر هذا الزنا الثابت قد سقطت ولا حد على من قذف غير عفيف بقوله تعالى :﴿ المحصنات ﴾. فعلى المشهور يكون لفظ المحصنات في الآية فيمن لم تعرف ١٠ له غير العفة أبدا. وعلى القول الثاني يكون اللفظ في ذلك وفيمن لم تعرف صحة ما روي به وإن لم يعلم متصل العفة. وظاهر الآية العفاف في المسلمين والكافرين وأنه من قذف أهل الكفر فعليه الحد. وقد قيل بذلك على ما ذكرت ١١ بعض المتأخرين. وقد قال بذلك الظاهر قوم منهم ابن المسيب، ورأيت له في الذي يقذف النصرانية ولا ولد مسلم أنه يحد. ورأيت لغيره في النصرانية تحت المسلم أنه إذا قذفها جلد الحد ١٢. والذي عليه الجمهور أن المراد بالآية المقذوفون من المسلمين ١٣ وأن الكفار مخصوصون من عمومها بالقياس على الفاسق الملئ ١٤ وهذا إذا جعلنا الإحصان في الآية العفة خاصة. وأما إن جعلنا العفة والإسلام فليس للآية عموم يحتج به في ذلك. وظاهر الآية أيضا العموم في الأحرار والعبيد وأنه من قذف منهم أحدا كان عليه الحد. وقد قال بذلك بعض أهل الظاهر داود ومن تابعه ١٥. والذي عليه الأكثر أن المراد بالآية الأحرار دون العبيد وأنه لا حد على من قذف مملوكا وأنهم مخصوصون من ذلك العموم، قال بعضهم لقوله " أخر حد المماليك وأهل الذمة إلى يوم القيامة " ١٦. ومعناه الحدود التي لهم ١٧ وهذا كما قلنا على القول بأن الإحصان في الآية العفة خاصة أو العفة والإسلام خاصة. وأما إن فسر اللفظ بذلك وبالحرية جميعا فلا عموم له يحتج به. وظاهر الآية أيضا العموم في البالغين وغيرهم وأنه من قذف منهم أحدا فعليه الحد، وقد قيل ذلك على ما حكاه بعض المتأخرين. ورأيت لإسحاق أن الغلام إذا كان يطأ مثله حد قاذفه ١٨ والذي عليه الجمهور أن المراد بالآية البالغون وأن الذين لم يبلغوا مخصوصون من عموم الآية بقوله عليه الصلاة والسلام : " رفع القلم عن ثلاثة " ١٩ فذكر الصبي حتى يحتلم. إلا أنه اختلف في المذهب في بلوغ النساء ما هو، فالمشهور أنه إمكان الوطء، وقال ابن عبد الحكم وابن الجهم ٢٠ الحيض، وهذا القول أجرى مع الظاهر. وظاهر الآية العموم في الأحمق وغيره وأنه من قذف الأحمق عليه الحد وقد قال بذلك ٢١ بعض المتأخرين. والذي عليه الجمهور أن المراد بالآية العقلاء وأن ما عداهم فلا حد على قاذفهم إذا قذفهم بما يكون في حال زوال عقولهم وأنهم مخصوصون من عموم الآية بقوله عليه الصلاة والسلام : " رفع القلم عن ثلاث " فذكر الصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق، وظاهر الآية أيضا العموم في الممكن من الوطء وغير الممكن مثل المجبوب ومن جرى مجراه، وأن من قذف مجبوبا فعليه الحد وقد قال بذلك ابن حنبل وإسحاق والبتي. والذي عليه الأكثر أن المراد بالآية المتمكنون من الوطء وأنهم مخصوصون من عموم الآية بالقياس على الصبي وأنه من قذف مجبوبا لا حد عليه ٢٢. واختلف فيمن أقر على نفسه بالزنا ثم رجع بعد ذلك هل يحد للقذف أم لا ؟ والمشهور أنه لا حد عليه لأن الله تعالى قال :﴿ والذين يرمون المحصنات ﴾ وهذا لم يرم أحدا. واختلف في المرمي به الذي يجب فيه ٢٣ حد القذف ما هو، فعند مالك والشافعي أنه الزنا واللواط، وعند أبي حنيفة الزنا خاصة وهذا بناء منه على أصله في أن اللواط لا يجب به الحد وإنما يجب به التعزير٢٤ وحجة القول الأول قوله تعالى :﴿ والذين يرمون ﴾، والزنا يراد به القذف. ومن يرمي باللواط فقد قذف، ولفظ الآية تعمه. واختلف فيمن قذف أحدا ببهيمة، فقال ابن شهاب عليه الحد، والمشهور أنه لا حد فيه لأن الآية على ما فهم منها إنما جاءت في الآدميين لا في البهائم ٢٥. واختلف فيمن قذف ابنه أو ابن ابنه هل عليه حد أم لا على قولين في المذهب. قال ابن المنذر : وظاهر الآية يدل على الحد وليس مع من أزال الحد في هذا حجة. واختلف فيمن قال لآخر يا فاعلا بأمه أو فعلت بأمك، فالمشهور أن عليه الحد، وقال أصحاب الرأي لا حد عليه في الوجهين. وحجة الأول ظاهر الآية وأن هذا قاذف بلا خلاف. واختلف في القوم في دار الحرب يقذف بعضهم بعضا، فالمشهور أن على القاذف منهم الحد وقال أصحاب الرأي لا يحد. قال ابن المنذر يحد على ظاهر الآية. واختلف فيمن قذف رجلا بالزنا فحد له ثم عاد له فقذفه هل يحد له أيضا على قولين في المذهب. ووجه القول بالحد عموم الآية ٢٦ واختلف فيمن قذف جماعة هل يحد لكل واحد منهم حدا أم حدا واحدا لجميعهم. فذهب مالك وأبو حنيفة رحمهما الله ومن تابعهما إلى أنه يحد ٢٧ حدا واحدا قذفهم في كلمة واحدة أو مفترقين في مجالس شتى. وقال الشافعي لكل واحد حد، وقال عطاء وغيره إن كان القاذف بكلمة واحدة فحد واحد، وإن كان قذف هذا ثم هذا كان لكل واحد منهم حد. وذكره بعضهم عن مالك رحمه الله تعالى. وقال عروة بن الزبير وغيره إن جاؤوا جميعا حدوا حدا واحدا وإن جاؤوا مفترقين حد لكل واحد منهم، وهو قول المغيرة فيمن قذف أناسا في أوقات شتى ٢٨ واستدل بعضهم من الآية على تصحيح القول الأول بأن قال قاذف المحصنة قاذف لها وللذي زنا بها ولم يوجب الله تعالى عليه إلا حدا واحدا مع قوله أيضا :﴿ والذين يرمون المحصنات ﴾ وهي جماعة. واختلف في القذف هل يتعلق به حق الله تعالى أم لا على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه يتعلق به فلا يجوز فيه العفو بلغ الإمام أو لم يبلغه وهو مذهب أبي حنيفة، وعليه تدل رواية أشهب عن مالك. ويأتي على هذا أن حد القذف يقيمه ٢٩ الإمام إذا انتهى إليه، رفعه إليه صاحبه أو أجنبي. والثاني : أنه لا يتعلق به حق الله ولصاحبه أن يعفو بلغ الإمام أو لم يبلغه ٣٠ وهو أحد قولي مالك وقول الشافعي. والثالث : أنه حق لصاحبه ما لم يبلغ الإمام فإذا بلغ الإمام صار حقا لله تعالى، وهو أحد قولي مالك ٣١. وحجة القول بأن لله تعالى فيه حقا أنهم قد اتفقوا على أن الزنا من حقوق الله لا يجوز فيه العفو فقسنا عليه القذف لأن الله تعالى قال :﴿ والذين يرمون المحصنات ﴾ وقال :﴿ الزانية والزاني ﴾ فوجب إجراء الأمرين على الظاهر لأنه لم يشترط العفو. وفي هذا حجة أخرى أن المخاطبة بالجلد إنما هي للولاة فذلك يدل على أن لله تعالى فيه حقا ولا يجوز فيه العفو.
قوله تعالى :﴿ ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ﴾ :
شدد الله تعالى بها على القاذف سترا على عباده وزجرا عن أذاهم. وحكم هذه الشهادة التي ذكرها الله تعالى هي أن تكون على معاملة بالغة كالورود في المكحلة. واختلف هل يراع فيها أن تكون في موطن واحد أم لا ؟ فراعاه الأكثر ولم يراعه ابن الماجشون وأبو حنيفة ومن حجتهما ظاهر الآية إذا لم يفرق بين موطن واحد ومواطن، وحجة القول الأول قياس المواطن على الأزمنة إذ لم يختلفوا فيها. واختلف هل من شرطها أن يأتي الشهداء مجتمعين أم لا ؟ فرأى ذلك مالك وقال عبد الملك تقبل شهادتهم مجتمعين أو مفترقين، ومن حجة هذا القول ظاهر الآية إذ لم يذكر الله تعالى في الشهداء اجتماعا ولا افتراقا ٣٢. واختلف إن شهد للقاذف أقل من أربعة هل يحد الشهود أم لا ؟ فعند مالك والشافعي وغيرهما أنهم يحدون هم وهو. وقال أبو حنيفة وابن حنبل وغيرهما الشهود ليسوا بقذفة فلا يجلدون ومن حجة هؤلاء أن يقولوا مفهوم الآية أنه إن شهد أقل من أربعة لم تجز شهادتهم على المقذوف ولم يبرأ القاذف ويجلد، فمقتضى هذا أن الشهود لا يجلدون. وحجة القول الأول أنهم قد صاروا قذفة إذ لم تكمل بهم الشهادة. واختلف أيضا إذا شهد أربعة بالزنا أحدهم زوجها. ففي المذهب أن الزوج يلاعن ويحد الشهود وهو أحد قولي الشافعي، وقال أيضا أنهم لا يجلدون، وقال أبو حنيفة تقبل شهادتهم وتحد المرأة ٣٣ وهذا إذا جاء مع الشهود مجيء الشهادة من غير أن يتقدم منه إليها قذف. والدليل على المخالف للمذهب قوله تعالى :﴿ والذين يرمون المحصنات ﴾ الآية. وظاهره يقتضي أن يأتي بأربعة شهداء سواه. وكذلك الخلاف إذا شهد أربعة فساق ٣٤ فردت شهادتهم. فقال أبو حنيفة وغيره لا يحدون، والجمهور على أنهم يحدون، قا
١ في الجامع لأحكام القرآن نسبه القرطبي إلى النابغة جزء ١٢/ ١٧٢. ونسبه ابن العربي إلى أبي كبشة. راجع أحكام القرآن ٣/ ١٣٢٠.
امرؤ القيس: ابن حجر بن الحارث الكندي أشهر شعراء العرب على الإطلاق، مولده بنجد باليمن. اشتهر بلقبه واختلف في اسمه فقيل حندج، وقيل مليكة وقيل عدي. كان أبوه ملك غطفان. توفي نحو سنة ٤٩٧م. انظر تهذيب ابن عساكر ٣/ ١٠٤..

٢ الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الحدود، باب: ما جاء في درء الحدود ٨/ ٢٣٨..
٣ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٩٨، أحكام القرآن للجصاص، باب: حد القذف ٥/ ١١..
٤ "مع العفة" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٥ قال الصابوني: والصحيح ما ذكره القرطبي واختاره الطبري أن هذه الآية نزلت بسبب القذفة عامة لا في تلك النازلة بعينها فهي حكم من الله عام لكل قاذف. ومن المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. راجع روائع البيان ٢/ ٥٨..
٦ الحديث أخرجه مالك عن عبد الله بن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر الموطأ، كتاب العتاقة والولاء، باب: من أعتق شركا له في مملوك ٢/ ١٣٥..
٧ "الأنفس" كلمة ساقطة في (د)..
٨ من قوله: "المحصنات... إلى: عاقل" كلام ساقط في (ح)..
٩ راجع أحكام القرآن للجصاص، باب: حد القذف ٥/ ١١١..
١٠ في (هـ): "لم تعلم"..
١١ في (أ)، (ز): "حكى"..
١٢ راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١٧٤..
١٣ "المقذوفون من المسلمين" كلام ساقط في (ب)..
١٤ "الملئ" كلمة ساقطة في (هـ)..
١٥ قال الصابوني: وأما ابن حزم فقد خالف جمهور الفقهاء فرأى أن قذف العبد يوجب الحد وأنه لا فرق بين الحر والعبد في هذه الناحية.... راجع روائع البيان ٢/ ٦٣..
١٦ وفي حديث آخر عن أبي هريرة: من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال. أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب: التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا ٥/ ٩٢..
١٧ "التي لهم" كلام ساقط في (ح)..
١٨ ذكره أيضا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١٧٥..
١٩ الحديث أخرجه الترمذي في سننه عن علي بن أبي طالب، كتاب الحدود، باب: ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد ٤/ ٣٢..
٢٠ ابن الجهم: لعله أبو الحسن علي بن الجهم بن بدر بن الجهم بن مسعود القرشي الشامي، نشأ ببغداد وكان يختلف إلى أحمد بن حنبل. توفي سنة ٢٤٩هـ/ ٨٦٩م. انظر الوافي ١٢/ ١٩..
٢١ في (ج)، (ح)، (و) زيادة: "على ما ذكر"..
٢٢ قال الصابوني: وقال مالك رحمه الله إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنا كان قذفا. وقال أحمد رحمه الله في الصبية بنت تسع يحد قاذفها. راجع روائع البيان ٢/ ٦٢..
٢٣ "فيه" كلمة ساقطة في (و)..
٢٤ قال الجصاص قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا لأحد ثلاث: زنا بعد إحصان وكفر بعد إيمان وقتل نفس بغير نفس" وفاعل ذلك (أي اللواط) خارج عن ذلك لأنه لا يسمى زنا... راجع أحكام القرآن ٥/ ١٠٤..
٢٥ "لا في البهائم" كلام ساقط في (أ)، (د)، (و)، (ز)..
٢٦ "واختلف فيمن قذف رجلا بالزنا... إلى: الآية" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٢٧ "حدا أم حدا واحدا... إلى: أنه يحد" كلام ساقط في (ح)..
٢٨ راجع مختلف هذه الأحكام في أحكام القرآن للجصاص، باب: في حد القذف ٥/ ١١٢، ١١٣..
٢٩ "يقيمه" كلمة ساقطة في (هـ)..
٣٠ "وهو مذهب أبي حنيفة... إلى قوله: "يبلغه" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٣١ راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ١١٤. أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٣٢٣ – ١٣٢٤، الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١٧٧..
٣٢ راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٣٢٣، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١٧٧..
٣٣ راجع أحكام القرآن للجصاص، باب: شهادة القذف ٥/ ١٢٩، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١٧٧ – ١٨٩..
٣٤ في (أ)، (ز): "فسق"..
ثم استثنى تعالى فقال :﴿ إلا الذين تابوا ﴾ فاستثنى من تاب وأصلح من بعد القذف ووعدهم بالرحمة والغفران. فالاستثناء غير عامل في جلده القذف بإجماع. وعامل في فسقه بإجماع. واختلف في عمله في رد الشهادة فقال أبو حنيفة وغيره ٤١ لا يعمل الاستثناء في رد الشهادة وإنما يزول فسقه عند الله تعالى ولا تقبل شهادته ولو تاب على حال من الأحوال فرد الاستثناء إلى أقرب مذكور في الآية، وهو مذهب جماعة من الأصوليين. وقال جمهور الناس الاستثناء عامل في رد الشهادة فإن تاب القاذف قبلت شهادته، فرد الاستثناء إلى الجملتين، وهو مذهب جماعة من الأصوليين أيضا. وقد سمى بعضهم هذا الاستثناء نسخا ٤٢ وليس نسخا باتفاق.
واختلفوا في صفة توبة القاذف التي ذكر الله تعالى، فقيل لا تكون إلا بأن يكذب نفسه بالقذف الذي حد فيه، وهكذا فعل شبل بن معبد ونافع تابا عن القول في المغيرة وأكذبا أنفسهما فقبل عمر شهادتهما، وأبى أبو بكرة نفيع من إكذاب نفسه فرد عمر شهادته حتى مات، وهو قول الشعبي وغيره. وقيل توبته صلاح حاله وندمه على ما فرط منه وإن لم يكذب نفسه، وهو قول مالك. وهذا القول أصح لأن أصل التوبة الإنابة والرجوع من حال المعصية إلى حال الطاعة ومن ندم على ما فرط، وصلحت حاله، فهو رجوع منه. وقد قال تعالى :﴿ إلا من تاب ﴾ ولم يخصص رجوعا من رجوع. واختلف على القول بإجازة شهادته في أي شيء تجوز ؟ ٤٣ فالمشهور عن مالك أنها تجوز في كل شيء بإطلاق، وكذلك كل من حد في شيء من الأشياء. وقال سحنون من حد في شيء من الأشياء فلا تجوز شهادته فيه. وقال مطرف وابن الماجشون من حد في قذف أو زنا فلا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا ولا في قذف ولا في لعان وإن كان عدلا، وروي هذا عن مالك. والقول الأول أصح لقوله تعالى :﴿ إلا الذين تابوا من بعد ذلك ﴾ الآية فعم ولم يخص قبول شهادتهم في شيء دون شيء. واختلف متى تسقط شهادة القاذف ؟ فقيل بنفس القذف، وهو قول ابن الماجشون وأصبغ، وبه يقول الشافعي. وقيل لا تسقط حتى يقام عليه الحد وهو قول مالك وأكثر أصحابه وبه يقول أبو حنيفة ٤٤ وهذا هو الصحيح لأن الله تعالى إنما نهى عن قبول شهادتهم إذا لم يأتوا بأربعة شهداء، وللقاذف الإتيان بالشهداء ما لم يحد، فهذا نفي أن شهادته لا تسقط إلا بإقامة الحد عليه، وما لم يقع عليه الحد فلم يتبين فسقه لاحتمال أن يأتي بالشهداء أو يعفو عنه المقذوف أو يقوله بما رماه به من الزنا. واحتج بذلك إسماعيل القاضي بترتيب ترك قبول الشهادة بعد الجلد. وفيه نظر.
قوله تعالى :﴿ والذين يرمون أزواجهم.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ إن الذين جاءوا بالإفك.... ﴾ :
اختلف في سبب هذه الآية. فقيل قصة عويمر العجلاني ١ الذي قال : يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال : " قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها " فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ثم قال : " انظروها فإن جاءت به أسحم أديفح العينين عظيم الإليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها. وإن جاءت به أحيمر كأنه وحدة فلا أراه إلا كاذبا ". قالت فجاءت به على النعت المكروه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ". والقصة طويلة وهي مشهورة، وفي ألفاظ الحديث اضطراب. وقيل سببها قصة هلال ٢ وذلك أنه لما نزلت الآية المتقدمة :﴿ والذين يرمون المحصنات ﴾ عم ظاهرها الأزواج وغيرهن. وقال سعد بن عبادة : يا رسول الله لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء. فوالله لآتي بهم حتى يفرغ من حاجته. وفي بعض الأحاديث : والله لأضربنه بالسيف غير مصبح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تسمعون ما يقول سيدكم ؟ " قالوا لا أكلمه يا رسول الله فإنه رجل غيور ما تزوج فينا قط إلا عذراء ولا طلق امرأة فاجترأ أحد منا أن يتزوجها. وفي بعض الأحاديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير من سعد، والله أغير مني " فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية الرافقي فرمى زوجته بشريك بن سحماء البلوي ٣ فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضربه حد القذف، واجتمعت الأنصار فقالوا ابتلينا بما قال سعد يجلد هلال وتبطل شهادته في المسلمين، فبينما هم كذلك إذ نزلت الآية فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما في المسجد. وقيل لكل واحد منهما عند الخامسة : اتق الله فإن عذاب الله تعالى أشد عذاب وأنها الموجبة التي توجب عليك العذاب. فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت ثم قالت : لا أفضح قومي سائر القوم ولجت. وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وولدت غلاما كأنه جمل أورق ثم كان بعد ذلك الغلام أميرا بمصر. والحديث أطول من هذا ولكن اختصرته كما فعلت بالأول ٤ وهذا القول في الآية أشهر.
وقد قيل في هذه الآية إنها ناسخة لقوله تعالى :﴿ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ﴾ الآية ٥ وهذا ليس بنسخ وإنما تخصيص عموم.
قوله تعالى :﴿ والذين يرمون أزواجهم ﴾ هذه الآية عامة لكل زوجين إلا من خصص منهما بدليل كالكافرين إلا أن يرضيا بأحكامنا. وظاهرهما أنهما سواء في الأحرار والعبيد، وقد قال بذلك الظاهر مالك والشافعي وغيرهما ولم يقل به أبو حنيفة ورأى أنه لا لعان بين هذين. قال لأن المراد بالآية من تجوز شهادته من الأزواج لأن الله تعالى استثناهم من الشهداء بقوله تعالى :﴿ ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ﴾ فسماهم شهداء بذلك إذ المستثنى من جنس المستثنى منه، وقال :﴿ فشهادة أحدهم ﴾ فدل على أن اللعان شهادة والعبد لا تجوز شهادته وليس ذلك بصحيح لأن الاستثناء منقطع والمعنى فيه : ولم يكن لهم شهداء غير قولهم الذي ليس بشهادة، كما قالوا الصبر حيلة من لا حيلة له والجوع زاد من لا زاد له. فاللعان يمين وليس بشهادة وإنما أخذ من باب الشهادة بالعين والقلب فسمي شهادة لهذه العلة، فالخلاف يرجع إلى أن اللعان هل هو يمين أو شهادة ؟ وظاهرها أيضا العموم في المحدودين في القذف وغير المحدودين، وقد قال به مالك والشافعي وغيرهما ولم يقل به أبو حنيفة، فرأى أنه لا يلاعن المحدود في القذف وعلته في ذلك ما قدمته أيضا. ومما يرد عليه به من قوله إنه يرى اللعان للفاسق المعلوم بالفسق وشهادته لا تجوز، وكذلك الأعمى وشهادته عنده لا تجوز. وظاهر الآية العموم في الصغيرة التي لا تحمل والكبيرة اليائسة وأنه من قذف زوجته – وإن كانت يؤمن عليها الحمل – لاعن وإلا حد. وقيل لا يلاعن. وحكي عن ابن الماجشون لا حد على من قذف من لم تبلغ. قال اللخمي فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل ٦.
واختلف أيضا إذا كان الزوج خصيا أو مجبوبا، فقيل يلاعن لعموم الآية، وقيل لا يلاعن. يعني قائل هذا لأن صدقهما ظاهر. واتفق في المذهب على أن الآية دالة على وجوب اللعان بادعاء رؤية لا مسيس بعدها من غير ظاهرة الحمل، وبإنكار الوطء جملة أو منذ مدة لا تلحق في مثلها الأنساب. واختلف في نفي الحمل إذا ادعى الزوج قبله الاستبراء. فالمشهور أن اللعان يجب بذلك. وحكي عن مالك أنه قال مرة أن الولد لا ينفى بالاستبراء لأن الحيض يأتي على الحمل. وقاله أشهب في كتاب محمد ٧ وقاله المغيرة أيضا ٨. والقول أصح على ظاهر الآية لأن هذا قد رمى زوجته. وعن مالك في الاستبراء قولان : أحدهما : أنه حيضة، والثاني : أنه ثلاث حيض.
واختلف أيضا في وجوب اللعان في نفي الحمل مجردا دون ادعاء الاستبراء على قولين مرويين عن مالك. فمن الحجة للقول باللعان عموم الآية والقول بنفي اللعان في ذلك أظهر لما يعضده من النظر. واختلف أيضا في وجوب اللعان بادعاء رؤية الزنا على حامل بينة الحمل على ثلاثة أقوال مروية عن مالك : أحدها : إيجاب الحد ولا لعان. والثاني : إيجاب اللعان وسقوط النسب به. والثالث : إيجاب اللعان وثبوت النسب، وهذا القول أظهر لعموم الآية. واختلف أيضا فيمن قذف الزوجة قذفا ٩ مجردا دون أن يقرن بذلك ادعاء رؤية أو نفي حمل هل فيه لعان أم لا على قولين مرويين عن مالك. ووجه القول باللعان عموم الآية. واختلف فيمن ادعى رؤية ثم مس بعدها. ففي المذهب أنه يحد ولا يلاعن. وقال الباجي يلاعن على مذهب الشافعي. ومن حجة هذا القول عموم الآية ١٠ والقول الأول أظهر من جهة النظر. وفي المذهب أنه يلاعن بنفي الحمل دون قذف. وذهب الشافعي في أحد قوليه إلى أنه لا يلاعن بذلك إلا أن يقذفها. والقول الأول أظهر لأن من نفي حملا فقد قذف. واختلف هل يلاعن وهي حامل أم حتى تضع على قولين مرويين عن مالك. وحجة القول باللعان عموم الآية. واختلف فيمن نفى حملا وادعى مع ذلك رؤية وأقام البينة على من زنى بها هل يسقط اللعان أم لا ؟ ففي المذهب أنه لا يسقط اللعان من أجل الحمل. وذهب قوم إلى أنه يسقط لعموم الآية. واختلف إذا قال لزوجته : زنيت، قبل الزوجية. في المذهب أنه لا يحد ولا يلاعن. وقال أبو حنيفة يلاعن. ودليل القول الأول قوله تعالى :﴿ والذين يرمون أزواجهم ﴾ ولم تكن هذه زوجة. واختلف في لعان الأخرس والخرساء إن فهم عنهما بإشارة أو كتابة. ففي المذهب أنه يصح. وقال أبو حنيفة والشافعي لا يصح. ودليل القول الأول عموم الآية. وقد اختلف في الأعمى يقذف. فقال ابن القاسم يلاعن لعموم الآية، وقاله مالك أيضا. وروي عن مالك أيضا أنه لا يصح أن يلاعن إلا أن يقول لمست فرجها في فرجه. واختلف إذا رمى زوجته برجل مخصوص سماه هل يحد حد القذف لذلك الرجل مع لعانه لزوجته أم لا ؟ فالجمهور على أنه يحد. وقال الشافعي لا يحد لأن الله تعالى قد صدقه في نفس الواقعة مع إيمانه فصار ذلك شبهة في درء الحد عنه مع أنه لم يأت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حد الذي قذف شريك بن السمحاء بامرأته. وفي صفة اللعان اضطراب كثير. اختلف هل تقول : أشهد بالله الذي لا إله إلا هو، ولا بد أوله أن يقتصر على : أشهد بالله. فالمشهور أنه يقول أشهد بالله. وفي كتاب ابن المواز أنه يزيد : الذي لا إله إلا هو. والأول أظهر على لفظ الآية لأنه تعالى قال :﴿ أربع شهادات بالله ﴾ ولم يزد. وكذلك اختلف في الحالف في الأموال. واختلف أيضا هل له أن يحلف بصفة من صفات الله تعالى كقوله : أشهد بعلم الله. ففي كتاب محمد أنه يجزيه. وعلى أصل أشهب أنه لا يجزيه لأنه قال إذا حلف في الأموال قال : والله، ولم يزد. أو قال : والذي لا إله إلا هو، لم يجزه. والحالف بالذي لا إله إلا هو حالف بالذات، فإذا لم يجزه اليمين عنده به لم تجزه اليمين بالصفة. والذي يأتي على أصل أشهب أليق بظاهر الآية لأنه تعالى إنما ذكر أن الشهادة في ذلك إنما هي بالله. واختلف أيضا إذا قال : أشهد بالرحمن أو باسم من أسماء الله تعالى ما عدا اسم الجلالة. ففي شرح الرسالة أن النظر يقتضي أنه لا يجوز إلا ما نص عليه، وهذا خلاف لقول مالك لأنه أجاز اللعان بالصفة فأحرى أن تجوز بالأسماء وهو المراد بالقرآن أن يحلف به، وليس بمقصور على هذا الاسم الله. وقد قال عليه الصلاة والسلام :
" من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " ١١ ولا اختلاف في أن الحالف بالرحمن حالف بما يجوز له وداخل فيما أباح النبي صلى الله عليه وسلم الحلف به. واختلف إذا قال : أقسم ولم يقل أشهد. ففي شرح الرسالة ذلك أن النظر يقتضي أن لا يجوز إلا ما نص عليه في ذلك. والظاهر قول مالك أنه يجوز وأنه المراد بالقرآن لأن الحكم إنما هو للمعاني لا للألفاظ ١٢.
– قوله تعالى :﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ :
اختلف إذا لم يقله الحالف، فأجاز ابن القاسم أن لا يثبته الحالف في لعانه وأثبته في كتاب محمد، وهو أحسن لورود القرآن به. وفي البخاري قال : أمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يلاعنا بما في القرآن ١٣. واختلف إذا جعل مكان : إني لمن الصادقين، ما كذبت عليها أو مكان اللعنة الغضب أو مكان الغضب اللعنة. فعلى ما في كتاب محمد يجزيه، وعلى ما حكى عبد الوهاب لا يجزيه لمخالفته القرآن. والأول أظهر لمراعاة المعاني. واختلف إذا كان اللعان على رؤية هل يلزمه أن يقول بعد قوله إني لمن الصادقين لرأيتها تزني زنا كالمرود في المكحلة، أم له أن يقتصر على قوله لرأيتها تزني. فالمشهور جواز الاختصار على لرأيتها تزني. وقال في كتاب محمد يقول كما يقول الشهود ويوقف على ذلك. وقال أصبغ يقول ذلك كل مرة. ووجه هذا القول أن الله تعالى قد سماها شهادة فيجب أن يقول كما يقول الشهود. وهذا الذي ذكرناه بقوله الملاعن عن أربع مرات كما جاء في الآية فإن أتى بدون أربع شهادات لم تقع الفرقة وإن حكم بها الحاكم خلافا لأبي حنيفة في قوله ١٤ إن أتى بثلاث وقعت الفرقة إن حكم بها الحاكم. ودليل القول الأول قوله تعالى :﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ﴾ الآية ثم يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وقد مر ذكر الخلاف في وضع الغضب موضع اللعنة أو اللعنة موضع الغضب فلا معنى لإعادته. وتقول المرأة أربع مرات أيضا مثل ما قال الرجل إلا في موضعين : أحدهما : أنها تقول في موضع : إني لمن الصادقين، إنه لمن الكاذبين، وفي الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. وتقول في نفي الزنا : ما رآني أزني وليس عليها أن تزيد كالمرود في المكحلة. واختلف في نفي الحمل كيف يكون بعد الشهادة، فالمشهور أنه يقول لزنت وتقول هي ما زنيت، وفي كتاب محمد : ما هذا الحمل مني. وعلى هذا تقول هي أنه لمنه. وقال ابن شعبان : قال بعض أصحابنا وتقول إني استبرئت. واختلف في الموضع الذي يلتعن فيه فقالوا في المسجد وعند الإمام. وقال عبد الملك في المسجد أو عند الإمام – يريد أيهما كان – وهذا أظهر على لفظ الآية لعدم التخصيص فيها. واختلف أيضا في الوقت فقال
١ عويمر العجلاني: هو ابن أبي أبيض العجلاني وقيل ابن أبي الحرث بن زيد بن جابر بن الجد العجلاني. انظر الاستيعاب لابن عبد البر ٣/ ١٢٢٦ والإصابة ٣/ ٤٥..
٢ هلال: هو هلال بن أمية. سبقت ترجمته ص ١٥٤..
٣ شريك بن سحماء البلوي: هو شريك بن سحمان بن عبده بن مغيب بن الجد. صاحب اللعان وهو الذي قذفه هلال بن أمية بامرأته. فقيل هو أول من لاعن في الإسلام. لم يذكر له تاريخ وفاة. انظر الجوهرة للبري ١/ ٤٦٧ والإصابة لابن حجر ٢/ ١٤٧..
٤ راجع القصة في لباب النقول ص ٥٦٦، وفي أسباب النزول للواحدي ص ٢٣٨، وفي المحرر الوجيز ١١/ ٢٧٣، وفي أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٣٢٨ وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/١٨٣..
٥ راجع الإيضاح ص ٣١٥..
٦ راجع نحو ذلك في أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٣٣٣، وفي أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٠٣ – ٣٠٥، وفي المحرر الوجيز ١١/ ٢٧٣، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١٨٥، ١٨٦..
٧ محمد: هو محمد بن المواز، أبو عبد الله. تفقه بابن الماجشون وابن عبد الحكم. وهو من كبار علماء المالكية. توفي سنة ٢٦٩هـ/ ٨٨٢م. وقيل غير ذلك. انظر الديباج لابن فرحون ص ٢٣٢..
٨ قال المغيرة: لا ينفى الولد إلا بخمس سنين. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٧٦..
٩ "قذفا" كلمة ساقطة في غير (ج)، (ح)، (ز)..
١٠ "واختلف فيمن ادعى رؤية... إلى: عموم الآية" كلام ساقط في (أ)..
١١ الحديث أخرجه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر. كتاب النذور والأيمان، باب: جامع الأيمان ١/ ٣١٢..
١٢ راجع المنتقى، كتاب الحدود، باب: ماء جاء في القذف والنفي والتعريض ٧/ ١٤٦ – ١٥٢، أحكام القرآن، باب: اللعان ٥/ ١٣٣ – ١٤٠، أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/٣٠٣- ٣٠٧، أحكام القرآن لابن العربي ٣/١٣٢٨- ١٣٣٥، المحرر الوجيز ١١/ ٢٧٥ – ٢٧٧، الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١٨٧ – ١٩٥..
١٣ راجع صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: قوله عز وجل: ﴿والذين يرمون أزواجهم﴾ ٤/١٧٧١..
١٤ " "فإن أتى بدون أربع شهادات... إلى: في قوله" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
قوله تعالى :﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون ﴾ :
يعني بقوله :﴿ بأنفسهم ﴾ أي بإخوانهم. وفي هذه الآية دليل على أن لا يحكم بالظن وأن من عرف بالصلاح لا يعدل به عن ذلك لخبر محتمل. وفيه أيضا ١ دليل على أن القاذف مكذب شرعا إلا أن يأتي بأربعة شهداء. وأما أمر عائشة رضي الله تعالى عنها فيقطع على التكذيب بقذفها في الغيب وإن لم يقطع في حق ٢ غيرها بذلك. قال أبو الحسن : وقد قال علماؤنا من صدق قذفة عائشة فهو كافر لأنه راد لخبر الله تعالى الدال على كذبهم. وعلى هذا قال أصحابنا فيمن وجد مع امرأة رجلا فاعترفا بالنكاح أنه لا يجوز تكذيبهما ويجب تصديقهما. وقال مالك يحدان ما لم يقيما بينة على النكاح يخالف به ظاهر هذه الآية، وعليه بنى أبو حنيفة جواز دينار ودرهم بدينارين ودرهمين تحسينا للظن بالمؤمنين. وقال الشافعي قريبا منه فيمن أوصى بطبل وله طبلان طبل لهو وطبل حرب أنه يحمل على طبل الحرب تحسينا للظن بالمؤمنين وحمل أمورهم على ما يجوز ٣.
١ "أيضا" كلمة ساقطة في (ج)، (ح)..
٢ في (أ)، (هـ)، (ز): "في قذف"..
٣ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٠٨، ٣٠٩..
قوله تعالى :﴿ ولا يأتل أولوا الفضل منكم... والسعة ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ إن الذين يرمون المحصنات ﴾ :
نزلت هذه الآية على مشهور الروايات ١ في قصة أبي بكر الصديق ومسطح بن أثاثة ٢ ابن بنت خالته وكان أبو بكر ينفق عليه فلما وقع أمر الإفك وقال فيه مسطح ما قال حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه. واعتذر إليه مسطح وقال : كنت أغشي مجلس حسان ٣ فأسمع ولا أقول. فقال : لقد ضحكت وشاركت فيما قيل، ومن على يمينه. فنزلت الآية ٤ وقيل بل نزلت من أجل جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك وقالوا : والله ما نصل من تكلم في شأن عائشة. فنزلت الآية، والأول أصح. إلا أن لفظ الآية عام بأن لا يحلف أحد على منع فضل لمن كانت صفته هذه. ورأى الفقهاء أن من حلف أن لا يفعل سنة من السنن أو مندوبا إليه أنها حرمة في شهادته، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أيكم المتآلي على الله أن لا يفعل خيرا " ٥. وفي الآية دليل على أن الأولى بالإنسان إذا حلف على أمر فرأى غيره خيرا منه أن يحنث ولا يستمر على اليمين كما قال عليه الصلاة والسلام : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير " ٦ وفي هذا دليل بطلان قول أبي حنيفة في أن الأيمان تحرم وأن الكفارة وجبت لكون المحلوف عليه محرما بحكم يمينه، " وهذا أبين في هذا المعنى. وقد قال قوم ٧ إنه إذا حلف فلا كفارة كفارته أن يفعل ما هو خير، وهذا بعيد وقد قال عليه الصلاة والسلام : " فليفعل الذي هو خير وليكفر عن يمينه ".
١ في (أ)، (ز): "الرواة"..
٢ مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف. توفي سنة ٣٤هـ/ ٦٥٤م. انظر الإصابة ٣/ ٣٨٨..
٣ حسان: هو حسان بن ثابت بن المنذر من بني النجار الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ٥٤هـ/ ٦٧٦م. انظر الإصابة ٢/ ٢٣٧..
٤ راجع لباب النقول ص ١٥٨٠، أسباب النزول ص ٢٤٣..
٥ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، كتاب الصلح، باب: هل يشير الإمام بالصلح ٣/ ١٧٠..
٦ الحديث أخرجه مالك عن أبي هريرة في الموطأ، كتاب النذور والأيمان، باب: ما تجب فيه الكفارة من الأيمان ١/ ٣١١..
٧ في (أ)، (ز): "بعضهم"..
قوله تعالى :﴿ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ يوم تشهد ﴾.
اختلفت في هذه الآية. فقيل نزلت في شأن عائشة خاصة هذا الحكم إنما كان لها خاصة دون سائر النساء المؤمنات المحصنات ١ وقال جماعة ٢ بل ذلك لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنين. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا هل لمن قذف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ٣ توبة أم لا. فذهب ابن عباس إلى أنه لا تقبل له توبة وتأول عليه ظاهر الآية. ورأى الآية الأخرى :﴿ والذين يرمون المحصنات.... ﴾ إلى قوله ﴿ إلا الذين تابوا ﴾ في سائر القاذفين. ورأى غيره أن التوبة مقبولة والدليل على ذلك معاتبة الله تعالى من قطع المنفعة عمن كان ينفق عليه من أجل الإفك. وقال قوم إنها في عائشة إلا أن المراد بها كل من كان بالصفة التي وصف الله تعالى فيها، فهي عامة في كل محصنة لم تقارب سوءا ٤ وقال بعض من ذهب إلى هذا القول أن الآية نزلت أولا في القاذفين ثم نزلت بعد الآية التي في صدر السورة التي فيها التوبة ٥. وهذا القول أظهر في الآية من سائر الأقوال. فتحمل على عمومها في وجوب العذاب العظيم واللعنة في الدنيا والآخرة في كل من قذف محصنة إلا أن يتوب، فإن الله تعالى يقبل توبته على ما ورد في آية أخرى. وكما لم تقصر الآية في وجوب الجلد على أصحاب الإفك كذلك لا تقصر الثانية فيما تضمنت من الوعيد على من قذف عائشة أو سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. والمعروفون من أهل الإفك مسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ٦ وجلدا الحد، وعبد الله بن أبي علي من ذكر بعضهم. واختلف في حسان فقيل كان منهم وجلد الحد وقيل لم يكن منهم ولا جلد الحد. واختلف في الذي عني منهم بقوله تعالى :﴿ والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ﴾ [ النور : ١١ ] فقيل عبد الله بن أبي وهو المشهور، وقيل حسان. والأخبار في هؤلاء كثيرة وليس هذا الكتاب بموضع لذلك.
١ نسبه القرطبي إلى ابن جبير. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٠٩..
٢ منهم ابن عباس والضحاك. قاله ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٨٧..
٣ "دون سائر المؤمنين.... إلى: وسلم" كلام ساقط في (ح)..
٤ في (ح): "شرا"..
٥ راجع نحو ذلك في المحرر الوجيز ١١/ ٢٨٧، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٠٩..
٦ حمنة بنت جحش الأسدية أخت أم المؤمنين زينب. كانت زوج مصعب بن عمير ثم تزوجها طلحة بن عبيد الله. شهدت أحدا وكانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى. انظر الإصابة ٤/ ٢٩٩..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:قوله تعالى :﴿ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ يوم تشهد ﴾.
اختلفت في هذه الآية. فقيل نزلت في شأن عائشة خاصة هذا الحكم إنما كان لها خاصة دون سائر النساء المؤمنات المحصنات ١ وقال جماعة ٢ بل ذلك لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنين. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا هل لمن قذف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ٣ توبة أم لا. فذهب ابن عباس إلى أنه لا تقبل له توبة وتأول عليه ظاهر الآية. ورأى الآية الأخرى :﴿ والذين يرمون المحصنات.... ﴾ إلى قوله ﴿ إلا الذين تابوا ﴾ في سائر القاذفين. ورأى غيره أن التوبة مقبولة والدليل على ذلك معاتبة الله تعالى من قطع المنفعة عمن كان ينفق عليه من أجل الإفك. وقال قوم إنها في عائشة إلا أن المراد بها كل من كان بالصفة التي وصف الله تعالى فيها، فهي عامة في كل محصنة لم تقارب سوءا ٤ وقال بعض من ذهب إلى هذا القول أن الآية نزلت أولا في القاذفين ثم نزلت بعد الآية التي في صدر السورة التي فيها التوبة ٥. وهذا القول أظهر في الآية من سائر الأقوال. فتحمل على عمومها في وجوب العذاب العظيم واللعنة في الدنيا والآخرة في كل من قذف محصنة إلا أن يتوب، فإن الله تعالى يقبل توبته على ما ورد في آية أخرى. وكما لم تقصر الآية في وجوب الجلد على أصحاب الإفك كذلك لا تقصر الثانية فيما تضمنت من الوعيد على من قذف عائشة أو سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. والمعروفون من أهل الإفك مسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ٦ وجلدا الحد، وعبد الله بن أبي علي من ذكر بعضهم. واختلف في حسان فقيل كان منهم وجلد الحد وقيل لم يكن منهم ولا جلد الحد. واختلف في الذي عني منهم بقوله تعالى :﴿ والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ﴾ [ النور : ١١ ] فقيل عبد الله بن أبي وهو المشهور، وقيل حسان. والأخبار في هؤلاء كثيرة وليس هذا الكتاب بموضع لذلك.
١ نسبه القرطبي إلى ابن جبير. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٠٩..
٢ منهم ابن عباس والضحاك. قاله ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٨٧..
٣ "دون سائر المؤمنين.... إلى: وسلم" كلام ساقط في (ح)..
٤ في (ح): "شرا"..
٥ راجع نحو ذلك في المحرر الوجيز ١١/ ٢٨٧، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٠٩..
٦ حمنة بنت جحش الأسدية أخت أم المؤمنين زينب. كانت زوج مصعب بن عمير ثم تزوجها طلحة بن عبيد الله. شهدت أحدا وكانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى. انظر الإصابة ٤/ ٢٩٩..

قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ قل للمؤمنين ﴾ :
سبب هذه الآية أن امرأة من الأنصار قالت يا رسول الله إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها لا والدي ولا ولدي وأنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال. فنزلت تلك الآية وهي محمولة على العموم في جميع الناس في كل زمان ١ ولهذا قال ابن عباس وغيره إنه لا ينبغي للإنسان أن يدخل البيت الذي يأتيه إلا بعد الاستئناس. وجاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال له : أأستأذن على أمي ؟ قال : " نعم ". قال : إنما هي أمي ولا خادم لها غيري. قال : " أتحب أن تراها عريانة ؟ " قال : لا. قال : " فاستأذن عليها " ٢ قالت زينب ٣ امرأة أبي مسعود ٤ كان أبو مسعود إذا جاء منزله تنحنح مخافة أن يهجم على ما يكره ٥. وقال ابن عباس تستأذن على أمك وعلى أختك وعلى كل من لا يجوز أن ترى منها عورة ٦. وظاهر الآية وجوب الاستئذان والسلام، إلا أن المشهور من السلام أنه لا يبلغ مبلغ الوجوب. وقد اختلف في معنى قوله تعالى :﴿ حتى تستأنسوا ﴾ فذهب بعضهم إلى أن معناه أن يعلم الداخل أن المدخول عليه لا يكره دخوله، فالاستئناس على هذا شيء يرجع إلى ما في القلب لا إلى النطق باللسان وهو الثقة بالمقصود، ورجح هذا إسماعيل القاضي وتأول عليه حديث عمر بن الخطاب في حديث المشربة. قال إسماعيل ولا بد مع ذلك من الاستئذان. وذهب ابن القاسم في جامع العتبية إلى أنه التسليم وهو بعيد لأنه تعالى قال :﴿ حتى تستأنسوا وتسلموا ﴾ فلو كان كذلك لكان معنى الكلام حتى تسلموا وتسلموا. وذهب جماعة – منهم مالك – إلى أن الاستئناس في الآية غير التسليم وأنه الاستئذان، إلا أنهم اختلفوا في مطابقة اللفظ للمعنى. فذهب الأكثر إلى أنهما متطابقان، إلا أنهم اختلفوا في كيفية التطابق فذهب جماعة – منهم الزجاج وغيره – إلى أن معنى تستأنسوا في اللغة، تستأذنوا. قال وكذلك جاء في التفسير. والاستئناس الاستعلام بمعنى تستأنسوا : تستعلموا. يريد أهلها ٧ أن يدخلوا أم لا قالوا وآنس الشيء في اللغة علمه إما بالقلب وإما بالحس. والاستعلام لا يكون إلا بالصواب لمن في البيت أو بالتنحنح ونحو ذلك ولا معنى للاستئذان إلا ذلك. فاستأنسوا على هذا القول راجع إلى الاستئذان ومعنى لفظه الاستعلام. وذهب جماعة منهم أيضا إلى أن معناه تستأذنوا، إلا أنهم قالوا إنه مأخوذ من الأنس، وإليه ذهب الطبري وقال : وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم مختبرا بذلك من فيه وهل فيه أحد وليؤذنهم أنه داخل عليهم فيأنسوا إلى إذنهم له في ذلك ويأنسوا إلى استئذانهم إياه٨ وحكي عن العرب سماعا اذهب فاستأنس حتى ترى أحدا في الدار. وهذا يمكن أن يحمل على القول الأول فلا يكون فيه حجة لما ذكره الطبري وكذلك قول عمر : استأنس يا رسول الله، وعمر واقف بباب الغرفة ٩ الحديث المشهور يمكن أن يتأول على القولين جميعا. وذهب قوم إلى أن اللفظ غير مطابق للمعنى وقالوا إنما تستأنسوا وهم من الكاتب على ما جاء عن ابن عباس أنه قال إنما هي حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها وحكى أبو حاتم ١٠ هذه القراءة حتى تسلموا وتستأذنوا وهو في قراءة عبد الله ١١ حتى تستأذنوا وتسلموا. وهذا القول خطأ لأن تستأنسوا قد ثبت بين اللوحين ونقلته الكافة نقل التواتر فهو القرآن وغيره ليس بقرآن إذ لم يأت إلا من نقل الآحاد، وما كان كذلك لم يقنع أن يعارض به الثابت بالتواتر مع أنا نجد للثابت بالتواتر معنى صحيحا. والذي ينبغي أن يقال في قراءة من قرأ تستأذنوا أنها على جهة التفسير. واختلف هل في هذه الآية تقديم وتأخير أم لا ؟ فذهب الفراء والكسائي١٢ إلى أن فيها تقديما تأخيرا وأن معناها حتى تسلموا وتستأذنوا وهي ١٣ بمعنى تستأنسوا وإنما قالا ذلك لما ذكرناه من قراءة أبي ومن تابعه على رواية أبي حاتم. وذهب غيرهما أنه لا تقديم ولا تأخير في الآية وأنها على ما قرئت عليه من القراءة المشهورة، فالاستئذان مشروع بالقرآن والسنة. وقد قال عليه الصلاة والسلام : " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " ١٤وقد اختلف في كيفية الاستئذان وهي الاستئناس المذكور في الآية. فقيل السلام خاصة على ما روي عن ابن القاسم قال : يسلم ثلاث مرات فإن أذن له وإلا انصرف. وقد بينا ضعف هذا القول. وقال الأكثر إن الاستئذان غير السلام وأنه يجمع بينهما كما جاء في الآية. واختلف فيما يبدأ به السلام أو الاستئذان، فعلى قول الفراء والكسائي يأتي أن يبدأ بالسلام. وكيفية ذلك أن يقول : السلام عليكم، أأدخل ؟ ثلاث مرات. ومن حجة هذا القول إن عمر فيما روى عنه ابن عباس : قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له قلت : السلام عليك يا رسول الله أيدخل عمر ١٥ وما جاء عنه عليه الصلاة والسلام : " لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام " ١٦ وجاء في الحديث أيضا أن رجلا جاء إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج أو أتلج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة : " قولي لهذا يقول السلام عليكم أأدخل " فسمعه الرجل فقالها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ادخل " ١٧ وعلى مذهب من لا يرى في الآية تقديما ولا تأخيرا ويراعى ما ابتدئ به في اللفظ يرى أن يبدأ بالاستئذان قبل السلام، واختار هذا القول بعض المتأخرين. وعلى مذهب من لا يراعي اللفظ ويرى التخيير في ذلك بأن الواو لا ترتيب فيها. وقد اختلفت الروايات في صفة استئذان أبي موسى على عمر بن الخطاب. فروي أنه قال السلام عليكم أدخل، ثلاث مرات. وروي أنه قال يستأذن أبو موسى، يستأذن الأشعري، يستأذن عبد الله بن قيس ١٨ وقد قال أبو أيوب الأنصاري : قلت يا رسول الله هذا السلام فما الاستئذان ؟ قال : " يتكلم الرجل بتسبيح وتكبير وتنحنح يؤذن أهل البيت " ١٩ وإذا قلنا إن الاستئذان مشروع فهل له حد أم لا ؟ فقيل أما في الآية فليس فيه دليل على شيء من ذلك بل هي مبيحة للاستئذان جملة دون حد فيه وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الاستئذان ثلاث فإن أذنوا لك فادخل وإلا فارجع " ٢٠ وفي حديث آخر أن أبا سعيد قال : كنت جالسا في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال : استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت فقال ما منعك قلت : استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع والله لا تقيمن على ذلك بينة أو لأوجعنك ". أفيكم أحدا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قال أبي بن كعب : والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم. فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك الحديث مفسرا للآية وأن غاية الاستئذان ثلاث ٢١. واختلف في المذهب هل تجوز الزيادة على الثلاث إن لم يسمع أم لا ؟ فقيل : له أن يزيد، وحجة هذا القول ظاهر الآية إذ لم يأت فيه حد وإنما أطلق لفظ الاستئذان إطلاقا. وقيل لا يزيد، على هذا يدل مذهب أبي موسى، وحجة هذا القول أن الحديث مفسر للآية، وقيل إنه.... ٢٢.
١ ذكر القصة الواحدي في أسباب النزول ص ٢٤٤، ٢٤٥، والسيوطي في لباب النقول ص ٥٨٤..
٢ الحديث رواه مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار. انظر الموطأ، كتاب الجامع، باب: الاستئذان ٢/ ٢٦٩..
٣ زينب: هي زينب بنت معاوية، وقيل بنت أبي معاوية بن عتاب بن الأسعد بن عامرة بن حطيط بن جشم بن ثقيف. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر الإصابة لابن حجر ٤/ ٣١٣..
٤ أبي مسعود: لعله عقبة بن عمرو البدري. انظر طبقات ابن سعد ١/ ٩٢، و٢/ ١٢٦..
٥ الأثر: ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٩٠..
٦ ذكره الكيا الهراسي في أحكام القرآن ٤/ ٣١١..
٧ "أهلها" كلمة ساقطة في (هـ)..
٨ راجع جامع البيان للطبري ١٨/ ١١٢..
٩ الحديث أخرجه ابن عبد البر عن ابن عباس. ورواه الترمذي في سننه كتاب الاستئذان، باب: ما جاء في الاستئذان ثلاثة ٥/ ٥٣..
١٠ أبو حاتم: هو محمد بن إدريس بن داود بن مهران. حافظ للحديث، من أقران البخاري. توفي ببغداد سنة ٢٧٧هـ/ ٨٩٠م. انظر تهذيب التهذيب ٩/ ٣١..
١١ عبد الله: لعله عبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي، أبو عبد الرحمن المكي القارئ. أخذ عنه أهل مكة القراءة. انظر تهذيب التهذيب ٥/ ٢٢٩..
١٢ الكسائي: هو أبو الحسن بن حمزة الكسائي الأسدي المقرئ النحوي. اختلف في تاريخ وفاته. انظر معرفة القراء الكبار للذهبي ١/ ١٠٧..
١٣ في (أ)، (د)، (و)، (ز): "وهو"..
١٤ الحديث أخرجه الترمذي في سننه عن سهل بن سعد. كتاب الاستئذان، باب: من اطلع في دار قوم من غير إذنهم ٥/ ٦٤..
١٥ الحديث رواه ابن عبد البر عن ابن عباس. راجع الدر المنثور..
١٦ الحديث أخرجه الترمذي عن جابر، كتاب الاستئذان، باب: ما جاء في السلام قبل الكلام ٥/ ٥٩..
١٧ الحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب: كيف الاستئذان ٥/ ٣٦٩..
١٨ عبد الله بن قيس: هو أبو موسى الأشعري. راجع ترجمته ص ٢٤..
١٩ الحديث رواه الطبراني وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٨..
٢٠ الحديث رواه مالك في الموطأ عن أبي موسى الأشعري، كتاب الجامع، باب: الاستئذان ٢/ ٢٧٠..
٢١ الأثر رواه مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، كتاب الجامع، باب: الاستئذان ٢/ ٢٧٠..
٢٢ بياض في جميع النسخ، وقد جاء في النسخة (و): بياض في الأصل. راجع حكم الاستئذان في أحكام القرآن للجصاص، باب: الاستئذان ٥/ ١٦٥ – ١٧٢، وفي أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٣٤٦ – ١٣٥١، وفي المحرر الوجيز ١١/ ٢٨٩ – ٢٩٢، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/٢١٣ – ٢١٩..
وقوله تعالى :﴿ فإن لم تجدوا فيها أحدا ﴾ :
يعني ١ بيوت الغير إن لم تكن معمورة. وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال : معنى هذه الآية : إن لم يكن لكم فيها متاع. ثم ضعفه الطبري. والإذن على هذا إنما ينبغي أن يكون من أهل البيوت، فإن كان الإذن صبيا وكان رسولا جاز. كذا قال أبو الحسن ٢.
١ في (أ)، (ز): "يريد"..
٢ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣١١..
قوله تعالى :﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ( ٢٩ ) ﴾ :
سببها أنه لما نزلت آية الاستئذان تعمد قوم فكانوا لا يأتون موضعا خربا ولا مسكونا إلا سلموا واستأذنوا فنزلت الآية ١. واختلف في المتاع ما هو، فقيل معناه تجارات لكم ٢ أي لجماعتكم يبتاع بعضهم من بعض كما قال تعالى :﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ فأجاز قائل هذا أن يدخل هذه البيوت بغير إذن. وقال عكرمة كان ابن عمر يستأذن في مثل هذه متاع البيت من الثياب والبسط وهو الذي يأتي على ما حكى الطبري عن مجاهد ٣ وهذا ضعيف جدا. وقيل هو المنافع عامة أي لكم فيها حاجة ٤ فعلى هذا يجوز للرجل أن يدخل البيوت غير المسكونة بلا إذن إذا كان لها إليها حاجة. وعلى القول الأول لا يجوز أن يدخلها إلا أن يكون له فيها متاع كالبسط والثياب ونحو ذلك، أو تكون بيوتا موضوعة للتجارة على القول الآخر ولما أباح في هذه الآية دخول الرجل بيتا غير بيته بغير إذن وهو غير مسكون ونهى في الآية التي قبلها أن يدخل أحد بيتا غير بيته بغير إذن ولم يفرق بين مسكون وغيره، فاختلف في ذلك، فقيل الآية الأولى منسوخة بالأخيرة، وهو قول ابن عباس ٥ وقد تكلمنا غير مرة على مثل هذا هل يصح فيه النسخ أم لا فلا معنى لإعادته. وقيل ليس في الآيتين ناسخ ولا منسوخ بل هما جميعا محكمتان وأن الآية الأولى يراد بها البيوت التي ليس لها ساكن ولا أرباب وأن الآية الأخرى يراد بها البيوت التي لا ساكن لها. وهذا القول أصح. وقد صرف قوم من أهل العلم في هذه البيوت أمثلة، فقال محمد بن الحنفية ٦ وقتادة ومجاهد هي الحمامات والفنادق التي في طرق المسلمين. قال مجاهد لا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل. وقال عطاء هي الخرب التي يدخلها الإنسان للبول والغائط.
وقال ابن زيد والشعبي هي حوانيت القيسرية والسوق. وقال الشعبي لأنهم جاؤوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم. وهذا القول فاسد بإجماع لأن حوانيت القيسرية مشعولة بأموال الناس فلا يجوز أن يدخلها لا من أذن له ربها بإجماع. وقال محمد بن الحنفية أيضا أراد تعالى دور مكة على القول بأنها غير متملكة وأن الناس شركاء فيها وقد مر الكلام على ذلك ٧.
١ وقال الواحدي: فلما نزلت هذه الآية (يعني قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم﴾) قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طريق الشام ليس فيها ساكن. فأنزل الله تعالى: ﴿ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة﴾ الآية. راجع أسباب النزول ص ٢٤٥، لباب النقول ص ٥٨٤..
٢ "تجارات لكم" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٣ راجع أحكام القرآن للجصاص، باب: في الاستئذان على المحرم ٥/ ١٧١..
٤ نسبه القرطبي إلى جابر بن زيد. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٢١..
٥ نقله ابن عطية عن الطبري وهو قول عكرمة والحسن بن أبي الحسن أيضا. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٩١..
٦ محمد بن الحنفية: سبقت ترجمته ص ٢١..
٧ ذكر نحو ذلك الجصاص في أحكام القرآن، باب: في الاستئذان على المحرم ٥/ ١٧٠. وابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٩٣، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٢١..
قوله تعالى :﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ :
﴿ من ﴾ في هذه ١ الآية يحتمل أن تكون لابتداء الغاية لأن البصر مفتاح القلب ولأجل ذلك خص الأمر بغضه. ويحتمل أن تكون للتبعيض وهو الذي ذهب إليه أكثر المفسرين، وذلك أن الإنسان لا يملك أول نظرة وإنما يؤمر بالغض فيما بعد ذلك، فلم يغض إذن بصره جملة إنما غض منه. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد هذا وهو قوله لعلي بن أبي طالب : " لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة " ٢الحديث. وقال جرير بن عبد الله البجلي ٣ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال : " اصرف بصرك " ٤ ويحتمل أن تكون ﴿ من ﴾ لبيان الجنس كأنه قال : غضب، احتمل أن يريد من يدك أو لسانك أو من كذا أو من كذا وأتى بمن لتبين الجنس المنهي عنه. وكيفما كان فقد حصل بهذه الآية الأمر بغض البصر وحفظ الفرج ولم يبين تعالى الأشياء التي يغض عنها البصر والأشياء التي يغض منها الفرج، ومعلوم بالعادة أن المراد بها المحرم دون المحلل. والأمر في ذلك على الوجوب. فمن الأشياء التي يجب غض البصر عنها باتفاق العورات وما تخشى الفتنة منه وإن لم تكن عورة كالنظر إلى وجه المرأة، وقد صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل ٥ عن الخثعمية. وما جرت به العادة بأن يكتمه الناس بعضهم عن بعض كالنظر في كتاب الرجل بغير إذن، وقد ورد فيه نهي، والنظر إلى ما عدا هذه الأشياء مباح. وقد يباح أيضا النظر إلى الأشياء الممنوعة لوجوه وأمور يقتضيها كالنظر إلى المرأة الشابة والغلام عند الشهادة ونحو ذلك، وكالنظر إلى العورة في بعض الأحوال وعند بعض العلماء. وقد اختلف إذا أراد نكاح المرأة هل يجوز أن يقتبلها النظر من الكوة ؟ فكره ذلك مالك ولم يبحه ومن حجته عموم هذه الآية، وحكى عبد الوهاب عن مالك الجواز. وأجاز ذلك ابن وهب وغيره للآثار المروية في ذلك، من ذلك٦ حديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها ما يعجبه فليفعل " قال جابر : فلقد خطبت امرأة من بني سلمة وكنت أتخبأ لها في أصول النخل حتى رأيت منها بعض ما يعجبني، فخطبتها فزوجتها ٧ وقال عليه الصلاة والسلام : " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " ٨. وإذا قلنا بجواز ذلك. فقال مالك لا ينظر إلا إلى الوجه والكفين. وأجاز بعضهم النظر إلى جميع البدن ما عدا السوأتين وأبا أبو حنيفة النظر إلى ظهور القدمين وذكر بعضهم أن مالك يشترط إذن المرأة في ذلك. وقال الشافعي لا يحتاج إلى إذنها. ومن الناس من منع النظر جملة. واختلف أيضا في النظر إلى ما عدا الفرج من الأمة عند الشراء على قولين : أحدهما : أنه يجوز، والثاني : أنه لا ينظر منها عند الشراء ٩ إلا إلى كفيها ووجهها، وعموم الآية حجة لهذا القول، وعلى هذا اختلف فيما تستره الأمة في الصلاة من جسدها، فقيل هي كالرجل عورتها من السرة إلى الركبة خاصة وقيل هي كالحرة في ذلك.
– قوله تعالى :﴿ ويحفظوا فروجهم ﴾ :
فيه تأويلان أحدهما : أن يريد ترك الزنا. والثاني : أن يريد ستر العورة. والأحسن في هذا أن يقال إن اللفظ عام لهما فيحمل على عمومه. واختلف في نظر الرجل إلى فرج زوجته وأمته ونظر المرأة إلى فرج زوجها وسيدها. ففي المذهب الجواز، وللشافعي قولان : أحدهما أنه لا يجوز ومن حجته عموم الآية. وحجة القول الأول أن الآية إنما وردت في النظر إلى ما حرم على الرجل وأما ما أحل له – وإن كان عورة – فلا. وبهذه الآية حرم ١٠ العلماء دخول الحمام بغير مئزر أو بمئزر مع من يدخله بغير مئزر. وأما دخوله للرجال – إذا لم يدخله أحد منهم إلا بمئزر – ففيه قولان. الجواز، وروي عن مالك في جامع العتبية أنه قال : لا بأس بذلك ولا حرج فيه. والكراهة، وروي عن مالك في الوضوء في العتبية أنه سئل عن الغسل بالماء السخن من الحمام فقال : والله ما دخوله عندي بصواب فكيف يغسل بذلك الماء ؟. فوجه الجواز أن العورة فيه مستورة فليس ثم ما يؤمر الإنسان بغض البصر عنه. ووجه الكراهة مخافة التطلع على العورة. وأما دخول النساء مستترات الحمام فاختلف فيه. ففي المختصر منعهن إياه جملة. وقيل يمنعن إلا لعلة من مرض أو غسل من حيض أو نفاس أو شدة برد وما أشبه ذلك. إنما منعهن ذلك لما لم يكن ثم حمامات منفردة، فأما اليوم مع إفرادهن فلا يمنعن. ويأتي على هذا القول الاختلاف في دخولهن بالجواز والكراهة بأنهن في ذلك بمنزلة الرجال فيتحصل فيهن أربعة أقوال. ووجه الجواز أنهن مستترات. فارتفع موضع النهي بقوله تعالى :﴿ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ﴾. وقوله تعالى :﴿ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ﴾ أمر للنساء بغض البصر كما أمر الرجال به. والكلام في هذه الآية كالكلام في الآية التي قبلها ١١. إلا أنه اختلف هل بدن المرأة عورة مستورة عن المرأة كما هو عن الرجل أم لا ؟ فذهب عبد الوهاب إلى أنه كذلك، وعلى هذا يتركب القول بمنعهن دخول الحمام. وذهب غيره إلى أنه ليس كذلك وأنه يجوز للمرأة أن تنظر من المرأة إلى ما لا يجوز للرجل أن ينظر من الرجل بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب " ١٢. وإذا كان كذلك فليست المرأة مأمورة بغض البصر عن بدن المرأة وإنما هي مأمورة بالغض عن عورتها والرجل مأمور بالغض عن بدن المرأة لأنها عورة له. فعلى هذا ينبغي أن تحمل الآيتان. وقد اختلف في العيب إذا كان بالحرة في غير الفرج هل يبقر عنه الثوب فينظر إليه الرجال أو ينظر إليه النساء، على قولين. حجة المنع ظاهر قوله تعالى :﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ﴾ واختلف أيضا في بدن الرجل هل هو عورة على المرأة أم لا على قولين. فعلى القول بأنه عورة فالآية مشتملة على أمرهن بغض البصر عنه. وأما بدن الرجل على الرجل فليس بعورة ولذلك لم يقل أحد بمنعهم من الحمام إذا دخلوه بالمئزر. وأما رؤية المرأة الرجال من غير نظر إلى عورة فمباح كما قلنا في نظر الرجال إلى النساء إلا أن يخاف الفتنة عليهن. والدليل على ذلك حديث عائشة في نظرها إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب بالمسجد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس ١٣ :" اعتري عند ابن أم مكتوم ١٤ فإنه رجل أعمى تضعين عنده ثيابك " ١٥ إلا أنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعارض ذلك ويدل على أنه لا يجوز نظر المرأة إلى الرجل. وهو حديث أم سلمة قالت : كنت أنا وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ابن أم مكتوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " احتجبا منه " فقلنا إنه أعمى. فقال : " أفعمياوان أنتما " ١٦ وقد تأوله قوم على أنه مخصوص في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
١ "هذه" كلمة ساقطة في غير (أ)، (ز)..
٢ الحديث أخرجه الترمذي في سننه عن ابن بريدة، كتاب الأدب، باب: ما جاء في نظرة الفجأة ٥/ ١٠١..
٣ جرير بن عبد الله البجلي، صحابي. كان جميلا، قال عمر: هو يوسف هذه الأمة. وقدمه عمر في حروب العراق. توفي سنة ٥١هـ/ ٦٤١م. انظر خزانة الأدب للبغدادي ٣/ ٣٩٧..
٤ الحديث أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الأدب، باب: ما جاء في نظرة الفجأة ٥/ ١٠١..
٥ الفضل: هو الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم. كان أبوه من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام. انظر الإصابة ٢/ ٣٤٠..
٦ "من ذلك" كلام ساقط في (د)..
٧ الحديث أخرجه أبو داود ي سننه، كتاب النكاح، باب: في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها ٢/ ٢٦٥. وأحمد في مسنده عن جابر ٣/ ٣٣٤..
٨ الحديث أخرجه الترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب: ما جاء في النظر إلى المخطوبة ٣/ ٣٩٧..
٩ "عند الشراء" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
١٠ في (أ)، (ز): "منع"..
١١ راجع حكم دخول الحمام في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٢٤، ٢٢٥..
١٢ الحديث أخرجه أبو دود عن أبي سعيد الخدري، كتاب الحمام، باب: ما جاء في التعري ٤/ ٣٠٥..
١٣ فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية أخت الضحاك. توفيت نحو سنة ٨٠هـ/ ٦٧٠م. انظر التهذيب ١٢/ ٤٤٣..
١٤ ابن أم مكتوم: انظر ترجمته ص ١٥٥..
١٥ الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي سلمة، كتاب الطلاب، باب: المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ٢/ ١١١٥..
١٦ الحديث أخرجه الترمذي في سننه عن نبهان مولى أم سلمة، كتاب الأدب، باب: ما جاء في احتجاب النساء من الرجال ٥/ ١٠٢..
– قوله تعالى :﴿ ويحفظن فروجهن ﴾ :
الكلام فيه كالكلام في الآية المتقدمة. إلا أنه اختلف هل يجوز للنساء النظر إلى فرج الحرة إذا ادعى الزوج أن بفرجها عيب ؟ فأجازه سحنون ومنعه مالك وغيره. وحجة من أجازه للضرورة بسبب اتهام المرأة في الإنكار. وأما إن كان العيب ببدن المرأة فلا خلاف أنه يجوز نظر النساء إليها للعلة المذكورة. وأما عورات الصبيان فالنظر إليها مستخف، وقد أجاز مالك أن يغسل النساء الصبي الأجنبي ابن سبع سنين ونحو ذلك. وقال ابن الجلاب ابن خمس سنين ونحو ذلك. واختلف أصحابنا في غسل الرجل الصبية الأجنبية بنت أربعة أعوام، وخمس، فأجازه أشهب ما لم تكن تشتهى، وهو قول عيسى بن دينار. وقال ابن القاسم لا يغسلها بحال. وقد ذكر البخاري أن أم خالد أتت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيها وعليها قميص أصفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سنه " قالت فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزجرني أبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعها " ١ الحديث. ففيه مباشرة الصبية الصغيرة له صلى الله عليه وسلم وذلك كمباشرته هو إياها ولم ينهها، ولو كان حراما لنهاها كما نهى الحسن على التمرة الساقطة. وفي بعض الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالحسن بن علي ففرج بين فخذيه وقبل ربيبه، وقد حمل أمامة ٢ على عاتقه في الصلاة. وذكر صاحب البسيط ٣ عن بعض أصحاب الشافعي أن النظر إلى فرج المرأة حرام وإن كان ابن يومه، ورأى ٤ تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم كان وراء ثوب.
وقوله تعالى :﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾ :
هذه الآية تقتضي نهي النساء عن إظهار الزينة عامة. ثم استثنى تعالى من ذلك ظاهر الزينة وهو ما لا بد من النظر إليه، وذلك المعنى بقوله :﴿ إلا ما ظهر منها ﴾. والنهي أيضا عام في الستر للزينة الباطنة عن جميع الناس إلا من خصص تعالى بالذكر في الآية التي بعد هذه. وقد اختلف السلف في الذي أبيح للمرأة إظهاره بقوله :﴿ إلا ما ظهر منها ﴾، فقال ابن مسعود هو الثياب. فعلى هذا يلزم المرأة ستر جميع جسدها ولا يجوز أن تظهر منه شيئا لا وجهها ولا كفيها ولا غير ذلك، وتكون عورة كلها. وقال الحسن وسعيد بن جبير : الثياب والوجه. وقال سعيد بن جبير أيضا والأوزاعي وغيرهما : الثياب والوجه والكفان. وقال ابن عباس وغيرهما : الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتح ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس، وعلى هذا لا يجوز أن تظهر ظهور قدميها ٥ وكذلك قال مالك في الصلاة. وقال أبو حنيفة ليس عليها أن تغيب ظهور قدميها في الصلاة، فعلى قوله ليس ذلك بعورة. وعلى هذا يأتي الخلاف فيما يجوز النظر إليه منها عند الشهادة عليها أو عند سبب يوجب النظر إليها. فعلى قول لا يجوز النظر إلى شيء منها ولا يشهد عليها إلا من يعرف صوتها أو من يعرفه بها من يثقه. وعلى قول يجوز إلى الوجه والكفين وهو قول مالك وأصحابه. وعلى قول إلى الوجه والكفين والقدمين. وعلى قول الوجه واليدين والقدمين ونصف الذراع. وقد جاء ٦ حديث في معنى نصف الذراع عن النبي صلى الله عليه وسلم ٧ وقد جعل ابن عباس على ما تقدم الخضاب من الزينة الظاهرة. قال شيخنا أبو بكر بن العربي : هو عند مالك من الزينة الباطنة.
وقوله تعالى :﴿ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ﴾ :
سبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالخمر سدلنها من ورائهن كما تصنع النبط فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر عليها، فأمر الله تعالى بلي الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر ٨ وقالت عائشة : رحم الله المهاجرات الأول لما نزلت هذه الآية عمدن إلى أكتف المروط فشققنها أخمرة وضربن بها على الجيوب. ودخلت عائشة على حفصة بنت أخيها عبد الرحمن وقد اختمرت بشيء يشف عن عنقها وما هنالك، فشقته عليها وقالت : إنما يضرب بالكثيف الذي يستر ٩.
وقوله تعالى :﴿ ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.... ﴾ :
المراد بالزينة هنا الزينة الباطنة خاصة، خلاف ما هي في الآية قبلها، ولما ذكر تعالى ما أباح من الزينة الظاهرة أن يراه غير ذي محرم ذكر في هذه الآية الأخرى ما أباح رؤيته من الزينة الباطنة لذي محرم وغيرهم ثم ما أباحه تعالى في هذه الآية ليسوا فيه على استواء بل منهم من له من ذلك ما لا يباح لغيره ممن ذكر في الآية. وقد فسر ابن عباس الزينة المذكورة في هذه الآية بما يشترك فيه جميع المذكورين فقال : ليبدين لهؤلاء المذكورين القرطة والقلائد والشروك والسوار ونحوه ثم قال وأما خلخالها ومعضداها ونحوهما فلا تبديه إلا لزوجها. وقد تقدم لابن عباس أن القرطة من الزينة الظاهرة وقد جعلها هنا من الباطنة فانظر ذلك. ثم بدأ بالبعولة وهم الأزواج قال الشاعر :
ففدينا البعولة والبنين ١٠
لأن حرمتهم في الكشف عليها أعلى الحرم لأن النظر إلى كل شيء منها مباح له ولا يشاركه أحد في ذلك. ثم ثنى بالآباء وهم من له عليهن ولادة، وهم دون البعولة فيجوز له النظر إلى كل ما ليس بعورة من بناتهم. ثم ذكر آباء البعولة ثم أبناءهن ثم أبناء البعولة ثم إخوانهن وهم الإخوة. وأكثر ما يكون هذا الجمع للأخ من الصداقة، ثم من بني الإخوة ثم من بني الأخوات فينبغي أن يكونوا في الكشف دون الآباء على طريق الاستحسان، وأن تختلف أيضا درجاتهم على حسب القربى. وقد رخص العلماء في تقبيل الرجل كبار الولد وسائر الأهل. فقال مالك رحمه الله تعالى في الذي يقدم من سفره فتلقاه ابنته فتقبله وأخته وأهل بيته، لا بأس بذلك. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ولده وخاصة فاطمة. وكان أبو بكر يقبل عائشة. وفعل ذلك أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال إسماعيل القاضي : وهذا إذا كان الولد مأمونا. ويجوز مثل ذلك للولد أن يقبل أمه إذا كان مأمونا ولا يجوز ذلك للأخ ومن دونه فمن ذكر في الآية من ذوي الأرحام ثم قال :﴿ أو نسائهن ﴾ فقال بعضهم أراد جميع نساء المؤمنين. وقال بعضهم أراد جميع المؤمنات. فعلى القول الأول تكون الكتابية إذا كانت تحت مؤمن ممن أبيح لها النظرة إلى المؤمنات. وعلى القول الثاني لا تكون. وأما المشركات اللائي لسن من نساء المؤمنين فلا يجوز لهن ذلك لظاهر الآية على القولين. وقد روي عن عمر ما يعضد ذلك أنه كتب إلى عماله أن لا يترك امرأة من نساء أهل الذمة تدخل الحمام مع المسلمات. واحتج بهذه الآية. وفي كتابه لأبي عبيدة بن الجراح ١١ أنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمام مع نساء المسلمين، فامنع من ذلك وحل دونه فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة. قال فعند ذلك قام أبو عبيدة فابتهل وقال : أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها سود الله تعالى وجهها يوم تبيض الوجوه ١٢ ثم قال :﴿ أو ما ملكت أيمانهم ﴾ فيدخل في هذا الإماء المؤمنات وغير المؤمنات ١٣ واختلف في العبيد الذكور البالغين هل هم داخلون تحت العموم فيباح لهم النظر إلى مولاتهم أم لا ؟ فقيل المراد ما ملكت أيمانهن من الولادة الأطفال لا الرجال إلا أن يكون الرجل محرما ١٤. قالوا وأن الظاهر يقتضي خلاف ذلك. لكن قياس الشرع يأبى هذا الظاهر. ورجح هذا القول أبو الحسن ١٥. وهو ضعيف لمخالفته الظاهر ولأن الطفل قد ذكر بعد ذلك. وقال ابن المسيب لا يغرنكم ظاهر هذه الآية إنما عنى بها الإماء ولم يعن بها العبيد، وهو قول الشافعي وعطاء ومجاهد ١٦ وإلى نحو هذا ذهب ابن عبد الحكم فقال : لا يجوز للمكاتب أن يرى شعر سيدته وإن كان وغدا، ولا يخلو معها في بيت. وذهب ابن عباس في أحد أقواله إلى أن الآية على العموم في الإماء والعبيد وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة ١٧ فعلى هذا يجوز للعبد أن يرى شعر سيدته وغدا كان أو غير وغد، وكذلك المكاتب. وإلى نحو هذا ذهب مالك، إلا أنه اشترط أن يكون وغدا لا منظر له. فهذه ثلاثة أقوال في عبد نفسها. قال إسماعيل القاضي : والقول بأن العبيد داخلون في عموم الآية أعلى. واختلف في عبد زوجها أو عبد الأجنبي هل يدخل عليها ويرى شعرها أم لا على قولين. والمشهور منهما المنع. والحجة لجواز ذلك لعبد الزوج قوله تعالى :﴿ ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم ﴾ [ النور : ٥٨ ]. ف ﴿ الذين ﴾ تقع على الذكور، والمخاطبة بالآية للأزواج. ومن حجة جواز ذلك لعبد الزوج قراءة من قرأ :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾. وكذلك الخلاف في العبد الخصي، فمنعه مالك منها مرة إلا أن يكون ملكا لها ولا منظر له. وأباحه في القول الآخر إذا كان لها أو لزوجها، وإن لم يكن وغدا، ثم أباحه وإن كان لأجنبي، في قول ثالث ١٨.
ثم قال تعالى :﴿ التابعين غير أولي الإربة ﴾ :
واختلف المفسرون في تأويل ذلك، فقال بعضهم هو المغفل. وقال الشعبي هو الذي لا إرب له في النساء. وقال عكرمة المخنث الذي لا يقوم له. وقال بعضهم الشيخ الهرم والخنثى والعنين. وقال عطاء هو الذي يتبعك وهمته بطنه. وقال الحسن هو الأحمق. وقال طاووس هو الأحمق الذي ليس له في النساء حاجة. وهذه الأقوال ينبغي أن تساق على جهة التمثيل لا على أن الآية مقصورة على وجه من تلك الوجوه ١٩. والذي ينبغي أن يقال به ٢٠ في الآية أن فيها شرطين في غير ذوي المحارم ٢١ وهما الاتباع ومعناه أن يتبع لشيء بعطاء على ذلك كالوكيل والمتصرف. والثاني عدم الإربة في الوطء فلا يجوز أن يدخل عليها لغير ضرورة من غير ذوي المحارم إلا من كان فيه هذان الشرطان. ومن لم يكونا فيه فلا يجوز له الدخول عليها. وذهب بعض المفسرين إلى مراعاة الشرط الواحد وهو أن يكون من غير أولي الإربة. وذكر بعضهم شرط الاتباع على ما يعطاه وحده. والأصح ما ذكرته من اعتبار الشرطين. وقد اختلف في دخول الحر الخصي على قولين مرويين عن مالك. والأصح أن لا يجوز دخوله كما ذكرنا إلا أن يجتمع فيه الشرطان. وفي الصحيحين أن مخنثا كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقال له هيت فقال لعبد الله بن أبي أمية : إن فتح الله عليكم الطائف غدا فاسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بادية ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منه : " لا يدخل هذا عليكن " ٢٢ فلم ينكر صلى الله عليه وسلم دخوله قبل ذلك وأنكره حين سمع كلامه ونهى عن دخوله. وقد اختلف الأصوليون في النهي على ما يحمل ابتداء هل هو على التحريم حتى يتبين أن المراد به الكراهة أو على الكراهة حتى يتبين أن المراد به التحريم ؟ وإلى أنه على الكراهية في هذا الحديث ذهب اللخمي.
ثم قال تعالى :﴿ أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ﴾ :
يريد بالطفل الذين لم يراهقوا، وبالذين لم يظهروا على عورات النساء ٢٣ على ما قال بعضهم ٢٤ الذين لم يطأوا النساء. وعلى ما قال بعضهم الذين لم يدروا ما عورات النساء ٢٥. وهذا أحسن وإن كان القولان يرجعان إلى معنى واحد، فأباح الله تعالى للمذكورين في هذه الآية على اختلاف درجاتهم في الاطلاع على النساء من غير ضرورة واختلف هل يجوز أن يرى الرجل شعر ختنته أم لا على قولين. وسئل عن ذلك سعيد بن جبير فتلا قوله تعالى :﴿ ولا يبدين زينتهن ﴾ ثم قال : لا أراها فيهن. واختلف في العم والخال هل تضع المرأة خمارها عنده
١ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد، باب: من تكلم بالفارسية ٣/ ١١١٧..
٢ أمامة: وهي أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، باب: في رحم الصغير وتوقير الكبير ٧/ ٤٦٦..
٣ صاحب البسيط: وهو الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري المتوفى سنة ٤٦٨هـ. راجع كشف الظنون لحاجي خليفة ١/ ٢٤٥..
٤ في (و)، (ز): "وتأول"..
٥ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/٢٩٥..
٦ "جاء" كلمة ساقطة في (ح)..
٧ والحديث ذكره القرطبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى ههنا" وقبض على نصف الذراع. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٩٢.
٨ نسبه ابن عطية إلى النقاش. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٩٦..
٩ وفي الموطأ: وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى حفصة خمار رقيق فشقته عائشة وكستها خمارا كثيفا. راجع الموطأ: كتاب الجامع، باب: ما يكره للنساء لبسه من الثياب ٢/ ٢٤٦..
١٠ البيت من البحر الوافر..
١١ هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهري القرشي، الصحابي الشجاع أحد العشرة المبشرين بالجنة. توفي سنة ١٨هـ/ ٦٣٩م. انظر حلية الأولياء للأصبهاني ١/ ١٠٠..
١٢ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٩٧..
١٣ "وغير المؤمنات" كلام ساقط في (أ)، (ب)، (د)، (هـ)..
١٤ "محرما" بياض في (ب)..
١٥ راجع قوله في أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣١٢.
١٦ راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٣٤، وروائع البيان ٢/ ١٦٣..
١٧ راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٩٧..
١٨ راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٣٣، ٢٣٤..
١٩ راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ١٧٦..
٢٠ "به" ساقط في (ج)، (ح)، (هـ)..
٢١ في (د)، (هـ): "المحرم".
.

٢٢ والقصة ذكرها الجصاص في أحكام القرآن ٥/ ١٧٦، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٣٥، ٢٣٦..
٢٣ "يريد الطفل.... إلى: النساء" كلام ساقط في (ج)، (ح)..
٢٤ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٩٨..
٢٥ وهو قول مجاهد، واختاره الجصاص. راجع أحكام القرآن ٥/ ١٧٧..
– قوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ والذين يبتغون الكتاب ﴾ :
الأيامى الذين لا أزواج لهم رجالا كانوا أو نساء. قال الشاعر : لله در على أيم منهم وناكح ١ والمخاطبون بهذه الآية في إنكاح الأيامى هم الأولياء. وقيل كل أحد كان وليا أو مأذونا له. والأول أظهر لأن المقصود من الخطاب ترك الفضل والمنع وذلك يقتضي الاختصاص بالأولياء والحاكم، فإن هؤلاء الذين يجب عليهم التزويج دون الأجانب. وعلى القولين ففي الآية دليل على عدم استقلال المرأة بالإنكاح. واستدل بعضهم على ذلك أيضا بما يعقب قوله :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ في قوله :﴿ والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ قالوا فكما لم يصح للعبد والأمة ولاية كذلك الأيامى المعطوف عليهما ذلك القول. وقد اختلف في المرأة هل يجوز لها٢ أن تتزوج بغير ولي أم لا ٣ فمنع جملة في المذهب وأجيز جملة في الثيبات والأبكار البوالغ وهو قول أبي حنيفة. وأجيز في الثيبات ومنع في البكر وهو قول أهل الظاهر. واعتبر أبو يوسف إذن الولي خاصة فهذه أربعة أقوال أجراها على الأصول القول الأول. وفي هذه الآية دليل عليه كما قدمنا. وإذا قلنا بذلك فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم منتهى هذه الولاية إذ الآية تحتمل أن يزوج الولي الأيم شاءت أو أبت، ويحتمل أن يكون بأمرها، فقال عليه الصلاة والسلام : " الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها " ٤ فجعل الأيم أحق بنفسها أي أن الولي لا يزوجها إلا بإذنها. ثم قال " والبكر تستأذن في نفسها " أي لا يعقد عليها الولي أيضا إلا بإذنها، وهي داخلة تحت قوله عليه الصلاة والسلام : " الأيم أحق بنفسها " وقد كان ذلك يغني عن هذا، إلا أنه لما اختلفت سورة الإذن منها أعاد ذكرها فقال : " والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها "، فجعل إذنها الصمات بخلاف غيرها من الأيامى. وهذا ٥ في غير البكر ذات الأب فإن الأب يعقد عليها ولا يحتاج إلى إذن بدليل قوله عليه الصلاة والسلام في بعض رواية هذا الحديث : " واليتيمة تستأمر في نفسها " ٦، وهذا هو تحصيل مذهب مالك رحمه الله تعالى في الآية والحديث. وقد تعلق بعضهم – وهو داود الأصبهاني – ٧ بظاهر الحديث فلم يجز للأب ولا لغيره إنكاح البكر صغيرة كانت أم كبيرة إلا بإذنها. ورأى بعضهم أن له ذلك في الصغيرة من الأبكار دون المبالغة. ووجه تعلق ٨ هذين القولين ما جاء في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام : " والبكر تستأذن في نفسها " فتأوله كل فريق على رأيه. وروي عن الحسن أن الأب يزوج البكر والثيب بغير إذنهما وإن كرهتا. فهذه أربعة أقوال في ذات الأب أعدلها قول مالك رحمه الله تعالى : وظاهر الآية يقتضي أن ذلك نكاح للأولياء ولم يشترط الإذن، إلا أن الدليل القاطع دل على أن المالكات أمورهن من النساء ومن لا أب لها من غير المالكات أمورهن لا يزوجن إلا بإذنهن وبقي الغير تحت العموم حتى يخصص بدليل قاطع.
– وقوله تعالى :﴿ والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ :
يريد الذين يصلحون للنكاح منهم ذكورهم وإناثهم. والمخاطبون بإنكاحهم السادة، ولا خلاف في هذا. وقد اختلف هل للسيد أن يجبر عبده وإماءه على النكاح أم لا ؟ ففي المذهب أن له أن يجبر إذا لم يرد ضررا. وحكي عن أبي حنيفة مثله، وهو أحد قولي الشافعي. وفي أحد قولي الشافعي أنه لا يجبرهما، قاله أبو ثور واستحسنه المروزي، وقال أصحاب الرأي يكره أمته ولا يكره عبده ٩ فهذه ثلاثة أقوال أصحها القول الأول دليله قوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ ولم يشترط رضاهم. وقد تعترض هذه الحجة بأنه يلزم مثل ذلك في الأيامى الأحرار لأن الأمر في الآية ورد فيها ورودا واحدا. وقد قال النخعي كانوا يكرهون المملوكين على النكاح ويغلقون عليهم لأبواب ١٠ واختلف هل يجبر السيد ١١ على إنكاح العبد إذا طلب منه ذلك أم لا ؟ فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يجبر، وقال الشافعي يجبر ومن حجته قوله تعالى :﴿ وأنكحوا ﴾ فأمر بإنكاحهم. والحجة للقول الأول مبسوطة في غير ما كتاب من كتب المذهب، والذي يقال في الآية إن الأمر فيها أمر ١٢ عام فهو ١٣ يختلف على حسب النظر والأثر. فمن الناس من يلزم إنكاحه إذا طلب ذلك بظاهر الآية ومنهم من لا يلزم له ذلك بحسب ما تخصص به العموم في القياس أو الأثر ١٤.
وقوله تعالى :﴿ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ﴾ :
وعد تعالى بإغناء الفقراء المتزوجين طلب رضا الله تعالى. وقد قال ابن مسعود : التمسوا الغنى في النكاح. وقال عمر رضي الله تعالى عنه : عجبي لمن لا يطلب الغنى بالنكاح، وذكر الآية. واحتج بعضهم بهذه الآية على أنه لا يفرق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيرا لا يقدر على النفقة لأن الله تعالى قال :﴿ يغنهم الله من فضله ﴾ ولم يفرق بينهم، وهو قول بعض العلماء ١٥. وهذا الانتزاع ضعيف وليس الآية بحكم فيمن عجز عن النفقة وإنما هي وعد بالإغناء كما قد وعد به مع التفرق في قوله تعالى :﴿ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ﴾ [ النساء : ١٣٠ ] ثم قال تعالى :﴿ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ﴾ فأمر كل من يتعذر عليه النكاح بأي وجه كان أن يستعفف عما حرمه الله تعالى. ثم لما كان أغلب الموانع من النكاح عدم المال وعده بالإغناء من فضله. وقال قوم من المفسرين أن المراد بالنكاح هنا ما ينكح به من المهر والنفقة وحملهم على ذلك قوله تعالى :﴿ حتى يغنيهم الله من فضله ﴾ ١٦ والقول الأول أظهر لعموم ما قالوه وغيره. وقد استدل بعضهم بهذه الآية على بطلان نكاح المتعة، قال : ولا يفهم منه التحريم بملك اليمين لأن من لا يقدر على النكاح لعدم المال لا يقدر على شراء الجارية غالبا ١٧.
١ الشاعر هو أمية بن عبد الله بن الصلت بن أبي ربيعة بن عمرو الثقفي. شاعر جاهلي حكيم من أهل الطائف، أدرك الإسلام ولم يسلم، وشعره من الطبقة الأولى. توفي سنة ٥هـ/ ٦٢٦م. والبيت ذكره ابن عطية بلفظ لله دربني على أيم منهم وناكح. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٠٠..
٢ "لها" ساقط في (أ)، (ج)، (ح)، (ز)..
٣ "أم لا" كلام ساقط في (ح)..
٤ الحديث أخرجه مالك في الموطأ عن ابن عباس، كتاب النكاح، باب: استئذان البكر والأيم في أنفسهما ١/ ٣٥٨..
٥ "منها أعاد... إلى: وهذا" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٦ الحديث ذكره الباجي في المنتقى عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل. كتاب النكاح، باب: استئذان البكر والأيم في نفسها ٣/ ٢٦٦..
٧ داود الأصبهاني: هو داود بن علي بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان الظاهري، أحد الأئمة المجتهدين في الإسلام. توفي سنة ٢٧٠هـ/ ٨٨٤م. انظر حلية الأولياء للأصبهاني ١/ ٣٧٧..
٨ "تعلق" كلمة ساقطة في (أ)..
٩ قال القرطبي: تمسك أصحاب الشافعي فقالوا: العبد مكلف فلا يجبر على النكاح لأن التكليف يدل على أن العبد كامل من جهة الآدمية، وإنما تتعلق به المملوكية فيما كان حضا للسيد من ملك الرقبة والمنفعة، بخلاف الأمة فإن له حق المملوكية في بضعها ليستوفيه. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٤١..
١٠ "في الأيامى الأحرار.... إلى: الأبواب" كلام ساقط في (أ)، (ز). راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٤١..
١١ في (ح) زيادة: العبد..
١٢ "أمر" كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
١٣ "فهو" كلمة ساقطة في (أ)، (ج)، (ح)..
١٤ "بظاهر الآية... إلى: الأثبر" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
١٥ ذكر ذلك ابن عطية ورواه عن النقاش. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٠٠..
١٦ "وقال قوم... إلى: فضله" كلام ساقط في (أ)، (ب)، (د)، (ز)..
١٧ قاله الكيا الهراسي في أحكام القرآن ٤/ ٣١٤..
– قوله تعالى :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ولا تكرهوا ﴾ :
أمر تعالى في هذه الآية السادة أن يكاتبوا مملوكيهم إذا طلبوا ذلك إليهم وعلم السادة فيهم خيرا. وسبب هذه الآية أن غلاما سأل مولاه الكتابة فأبى عليه فنزلت الآية. قال بعضهم والغلام غلام حويطب بن عبد العزى ١ وهو الذي كان سأل حويطباء وقال بعضهم الغلام صبيح القبطي ٢ غلام حاطب بن أبي بلتعة ٣. وقد اختلف في هذا الأمر بالكتابة هل هو على الوجوب أو على الندب ؟ ففي المذهب أنه على الندب. وفي غير المذهب لعطاء وداود وغيرهما أنه على الوجوب واختاره الطبري وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب لأنس بن مالك في سيرين حين سأل سيرين الكتابة فتلكأ أنس، فقال له لتكاتبه أو لأوجعنك بالدرة ٤ فعلى هذا يلزم الرجل إذا طلب عبده منه الكتابة أن يكاتبه ويجبر على ذلك كله خلافا للقول الأول. واحتج أهل القول الأول في ذلك لأمرين : أحدهما : قياس الكتابة على البيع، قالوا فكما لو سأله البيع لم يلزمه، كذلك إن سأله الكتابة لأنه بيع، وحملوا بهذا الدليل بالآية الأمر على الندب. وإطلاق المحتج بهذا أن الكتابة بيع، فيه نظر. لأن كسب العبد لسيده فكيف يبيع ماله بماله ؟ وقد قال كثير من العلماء بأنهما من باب العتق. والقولان في المذهب. وقال بعضهم الكتابة غدر ومخالفة لقياس الأصول. فالأصل فيها الحظر، والأمر إذا صدر بعد الحظر فهو محمول على الإباحة. وفي هذا القول ضعف لأنا لا نعلم قط ٥ أن الكتابة محظورة ثم أبيحت. واختلف هل للسيد أن يجبر عبده على الكتابة إن لم يتبع ذلك منه على قولين منصوصين في المذهب. ومن حجة القول بسقوط الجبر أن الله تعالى إنما أمر بالكتابة إذا ابتغاها العبد، فدليل هذا أنه إذا لم يبتغها لم ينبغ أن يكره عليها. واختلف في الخير المذكور في الآية ما هو ؟ فقيل المال ٦ ولم ير من قال هذا أن يكاتب العبد إلا إذا علم أن له مالا يؤدي منه أو من اتجر فيه.
وروي عن ابن عمر وسلمان ٧ أنهما أبيا من كتابة عبدين رغبا في الكتابة ووعدا باسترقاق الناس. فقال كل واحد منهما لعبده : أتريد أن تطعمني أوساخ الناس. وقيل هو الصلاح في الدين، وإليه ذهب عبيدة السلماني ٨. وقيل هو القوة على الأداء وهو قول مالك، وهو أظهر الأقوال ٩ وقد اختلفت الرواية عن مالك في كتابة الصغير فأجازه في قول وكرهه في آخر إلا أن يفوت بالأداء. وعلى اختلاف قوله في إسلام المراهق يختلف في كتابته. ومذهب الشافعي أن الكتابة لا تصح إلا من البالغ العاقل. والأظهر من القولين المنع على قول مالك، ومذهبه في أن الخير القوة على الأداء وذلك في الأغلب معدوم في الصغار. واختلف أيضا قوله في كتابة الأمة التي لا صنعة لها، وبجوازه قال الشافعي، وهو ظاهر الآية إذا كانت لها قوة على الأداء بخدمة أو غيرها وبه قال ابن المنذر واحتج بحديث بريرة ١٠ وإنما منع من ذلك من منع لما روي من حديث عثمان رضي الله تعالى عنه أنه قال : لا تكلف الأمة الكسب فإنها تكسب بفرجها. واختلف في حال المكاتب إذا كوتب، فقيل هو عبد ما بقي عليه ١١ درهم، وهو قول جمهور الناس. وقيل هو عبد حتى يؤدي نصف الكتابة، فإذا أداها فهو حر. وروي عن عمر وعلي بن أبي طالب. وقيل هو عبد حتى يؤدي ثلث كتابته وروي عن ابن مسعود وشريح. وقيل إذا أدى ربع الكتابة فهو حر. وقيل إذا أدى قيمته فهو حر ١٢، وروي عن ابن مسعود. وقيل إذا أدى ربع قيمته فهو حر، وروي عن ابن مسعود أيضا. وقيل إذا أدى عتق منه بقدر ما أدى، وقيل هو حر بعقد الكتابة ويلزمه الأداء ١٣ والقول الأول أظهر الأقوال على مفهوم الآية لأنه تعالى أمر بالكتابة وهو أن يؤخذ منه مال على أن يعتق، فهذا أمر مفهوم أنه لا يتم إلا بالوفاء بشروطه.
وقوله تعالى :﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ هذا أمر بأن يعان المكاتب على مكاتبته. واختلف في هذا الأمر لمن هو ؟ فقيل للناس أجمعين وهو مذهب النخعي والحسن وبريرة وقيل لولاة الأمور، وهو قول زيد بن أسلم. والأمر على هذين القولين أمر ندب. وقيل بل الخطاب لسادة المكاتبين، واختلف الذين ذهبوا إلى هذا هل هو أمر إيجاب أو أمر ندب. ففي المذهب أنه أمر ندب ١٤ فلا يحكم على السيد به. وعند الشافعي أنه واجب يحكم به على السيد وعلى ورثته ١٥. والقول الأول أظهر لتكون الآية متشاكلة فيكون أولها ندبا وآخرها ندبا، فكما لا تجب على السيد الكتابة لا يجب عليه الوضع. وقد رد إسماعيل القاضي على الشافعي فقال : كيف تكون الكتابة ندبا والإيتاء واجبا ؟ وكيف يكون الأصل ندبا والفرع واجبا ؟ قال أبو الحسن هذا غير واجب ألا ترى أن النكاح غير واجب وإذا نكح الرجل وجب عليه أشياء بنسبة ذلك ١٦.
وقوله تعالى :﴿ وآتوهم ﴾ :
معناه أعطوهم. فقال بعضهم إنه يعطيهم السادة من أموالهم من غير الكتابة ما يستعين به المكاتبون من غير أن يوضع عنهم من الكتابة شيء. وقيل معناه الحط من الكتابة. وقيل معناه أن يعطوا من الزكاة لقوله تعالى :﴿ وآتوهم من مال الله ﴾ ١٧ والأظهر من إطلاق هذا اللفظ أنه الزكاة وإن كانت الأموال كلها يجوز أن يطلق عليها هذا اللفظ. ومال الكتابة لما وجب لحق الله تعالى ولغرض الحرية حسن أن يقال فيه مال الله ١٨ فاللفظ محتمل لهذه الوجوه. وأكثر العلماء حملوه على الحط من الكتابة، ثم اختلفوا في قدر ما يوضع منها. فروي عن علي أنه استحب ربع الكتابة. قال الزهراوي ١٩ وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن راهويه ٢٠ مثل ذلك قال : ويجبر عليه وتلا الآية. قال وأجمع أهل التأويل على أنه ربع. وروي عن ابن مسعود والحسن أنهما استحسنا الثلث. وروي عن قتادة العشر. وروي عن بعضهم أنه كان يختار أن يوضع على المكاتب آخر نجومه. وقيل يوضع عنه من كتابته شيء ولم يحد. وهو قول ابن جبير والثوري والشافعي : قال الشافعي : والشيء أقل ما يقع عليه اسم شيء ويجبر عليه. وإلى نحو هذا ذهب مالك في ترك الحد فيه إلا أنه لا يرى الجبر عليه كما قدمنا ٢١. والحجة لعدم الحد في ذلك قوله تعالى :﴿ وآتوهم من مال الله ﴾ ولم يحد. فدل أن ذلك موكول إلى الاجتهاد. واختلف هل يكون الوضع في أول الكتابة أو آخرها ؟ فرأى عمر أن يكون ذلك من أول النجوم مبادرة إلى الخير خوف ألا يدرك آخرها. ورأى مالك وغيره أن يكون الوضع في آخر نجم وهو قول عبد الله بن عمر ولم يحد في هذا قوم أول الكتابة من آخرها تعلقا بظاهر الآية ٢٢ واعلم أن الكتابة لفظ شرعي ولم تكن قبل ورود الشرع على ما هي في الشرع. لأن الشرع جعلها على وجه المخصوص وقيدها بشروط مخصوصة، فهي كلفظ الصلاة والصيام في الشرع. ومن أهل العلم من قال تقتضي بلفظها التأجيل فلا تكون إلا مؤجلة. ومنهم من قال لا يعقد ٢٣ ذلك من ظاهر لفظها لأن الشيء قد يكتب ولا تأجيل فيه٢٤ وقد يكتب مع التأجيل٢٥ فالظاهر لا يدل على الأجل. فعلى هذا القول تجوز الكتابة حالة. واختلفوا في صورة الكتابة، فقال بعضهم هي أن يكاتبه على دراهم معلومة فيعتق بالأداء في وقته. وقال بعضهم بل لا بد أن تقول في عقد الكتابة : فإذا أديت إلي فأنت حر. فتجمع بين العقد وبين تعليق الحرية بالصفة لأن عنده أن العقد بين السيد وبينه لا يصح وتعليقه له بهذه الصفة يصح فلا بد من ضم ذلك إليه. ولم يختلفوا في أن الكتابة رخصة لأنا لو خلينا والعقد لكان عقدها باطلا، لأن من المكاتب إزالة سلكه بملكه. قوله تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ﴾ وروي عن ابن عباس وغيره أن سبب هذه الآية أن عبد الله بن أبي بن سلول كانت له جاريتان إحداهما تسمى معاذة والأخرى مسيكة فكان يكرههما على الزنا ويضربهما عليه ابتغاء العقد عليه والولد. وقيل : كان اسم إحدى الجاريتين زينب والأخرى معاذة ومعاذة هي أم خولة التي جادلت النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها. وقيل : إنها كانت أمة واحدة اختلف في اسمها قيل : مسيكة وقيل : معاذة، فكان عبد الله يأمرها بالزنا والكسب فشكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين ٢٦ وقوله تعالى :﴿ إن أردن تحصنا ﴾. واختلف إلى ما رجع هذا الشرط. فقيل : لأنه لا يتصور إكراههن إلا إذا لم يردن الزنا، وهو التحصن، وأما إذا أردنه فلا يتصور الإكراه٢٧.
وقيل : هو متعلق بقوله تعالى قبل هذا :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ وقيل : الشرط ملغى٢٨، والأول أظهر وأحسن. وهذه الآية تدل بإطلاقها على تحريم الإكراه على الزنا وعلى تحريم أخذ العقد وهو المراد بنهيه عليه الصلاة والسلام عن مهر البغي. وفيها دليل أيضا على أن الإكراه يصح في الزنا وعلى أن المكرهة لا إثم عليها من حيث قال :﴿ فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ﴾ قوله تعالى :﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال ﴾.
قال الضحاك : الصبح والعصر. وقال ابن عباس : أراد ركعتي الضحى والعصر وأن ركعتي الضحى لفي كتاب الله تعالى وما يغوص عليها الأغواص، ثم قرأ الآية ٢٩، وقد اختلف في هذه الصلاة : فلم يرها قوم وقالوا : إنها بدعة فرووا عن ابن مسعود أنه كان لا يصليها وعن عبد الرحمان بن عوف مثل ذلك. ورووا عن ابن عمر أنه قال فيها : بدعة قال مرة نعمة البدعة. وسئل أنس عنها فقال : الصلوات خمس. ورآها قوم واستحبوها وعليه يدل قول عائشة : ما ترك صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأستحبها وروي عنها أنها قالت : لو نشر أبواي من قبرهما ما تركتهما.
وعليه تدل الآية على تفسير ابن عباس. وجاء عن أبي هريرة أنه قال : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى وقوم على وتر. وذهب قوم من السلف إلى أنها تصلى في بعض الأيام دون بعض ورووا عن ابن سعيد أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها وروي عن ابن عباس وابن عمر نحو ذلك٣٠. قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ليس على الأعمى حرج ﴾.
اختلف في المراد بالذين ملكت أيمانكم. فقيل : المراد بهم النساء من الإماء خاصة وهو قول عبد الرحمن السلمي ٣١ قال : وسئل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت. وذكر بعضهم عن ابن عمر نحوه. وقيل : المراد بها الرجال خاصة وهو المشهور من قول ابن عمر. وقيل : المراد به الرجال والنساء جميعا، ورجح ذلك الطبري٣٢، وقال أبو الحسن : لا يدخل في هذا العموم العبيد البالغون لأنه يستوي في وجوب الاستئذان عليهم هذه الأوقات الثلاث وغيرها من حيث يحرم عليهم النظر إلى عورة سيدهم وإلى بدن سيدتهم، لا يدخل في العموم أيضا الأطفال لأن المعنى من ذلك قد حصل من قوله تعالى :﴿ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ﴾. وقوله تعالى :﴿ والذين لم يبلغوا الحلم ﴾ ٣٣. يريد الأطفال الذين لم يبلغوا إلا أنهم عقلوا معاني الكشفة وقوله :﴿ ثلاث مرات ﴾ الآية.
أمر تعالى أن لا يدخل من تقدم ذكره ممن يملك، والأطفال على أهليهم في هذه الأوقات الثلاث حتى يستأذنوا لأن هذه الأوقات مضنة انكشاف العورة، وهي عند الصباح لأن الناس في ذلك الوقت عراة في مضاجعهم، وقد ينكشف النائم وقت القائلة – وهي الظهيرة- لأن النهار يظه
١ حويطب بن عبد العزى: هو حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس، من بني عامر، بن لؤي. صحابي قرشي أسلم يوم الفتح. توفي سنة ٥٤هـ/ ٦٧٤م. انظر إمتاع الأسماع ١/ ٣٩٢..
٢ صبيح القبطي: لعله صبيح مولى أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس. انظر الاستيعاب لابن عبد البر ٢/ ١٩١..
٣ نسب ابن عطية هذا القول إلى مكي. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٠١..
٤ راجع القصة في المحرر الوجيز ١١/ ٣٠١، وفي أحكام القرآن للجصاص، باب: المكاتبة ٥/ ١٨٠، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٤٥..
٥ "قط" كلمة ساقطة في (ج)، (ح)..
٦ نسبه الجصاص إلى ابن جريج وعطاء. راجع أحكام القرآن، باب: المكاتبة ٥/ ١٨٠..
٧ سلمان: هو أبو عبد الله سلمان الفارسي صحابي جليل شاهد الخندق وهو الذي أشار بحفره. توفي سنة ٣٤هـ/ ٦٥٦م. انظر الإصابة ٤/ ٢٢٣..
٨ عبيدة السلماني: هو عبيدة بن عمر السلماني المرادي. أسلم أيام فتح مكة ولم ير الرسول صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ٧٢هـ/ ٦٩١م. انظر تذكرة الحفاظ ١/ ٤٧..
٩ راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٠١..
١٠ بريرة: هي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلها مولاة عائشة رضي الله تعالى عنها. وكانت مولاة لقوم من الأنصار. انظر الإصابة لابن حجر ٤/ ٣٤٥. والحديث ذكره القرطبي بقوله: روى الأئمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخلت علي بريرة فقالت: إن أهلي كاتبوني على تسع إواق في تسع سنين كل سنة أوقية، فأعينيني.... الحديث. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٤٦..
١١ "عليه" كلمة ساقطة في (أ)..
١٢ "وقيل إذا أدى قيمته... إلى: فهو حر" كلام ساقط في (هـ)..
١٣ راجع أحكام القرآن للجصاص، باب: المكاتب متى يعتق ٥/ ١٨٥، ١٨٦، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٤٨..
١٤ "وقيل بل الخطاب.... إلى: ندب" كلام ساقط في (هـ)..
١٥ راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٥٢..
١٦ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣١٧..
١٧ راجع روائع البيان للصابوني ٢/ ١٩٣، وأحكام القرآن للجصاص، باب: المكاتبة ٥/ ١٨٣..
١٨ "مال الله" كلام ساقط في (ح)..
١٩ في (ج)، (هـ): "الزهري" والصواب ما أثبتناه. والزهراوي: هو محمد بن أحمد الزهراوي. عالم وفقيه. من آثاره الناسخ والمنسوخ في القرآن. انظر معجم المؤلفين لكحالة ٨/ ٢٦١..
٢٠ ابن راهويه: هو إسحاق بن راهويه. انظر ترجمته ص ١٦٥..
٢١ راجع مختلف هذه الأقوال في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٥٢..
٢٢ راجع مختلف هذه الأقوال أيضا في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٥٢، ٢٥٣..
٢٣ في (هـ): "لا يفعل"..
٢٤ "فيه" كلمة ساقطة في (أ)، (د)، (و)، (ز)..
٢٥ "فلا تكون إلا مؤجلة.... إلى التأجيل) كلام ساقط في (ب)..
٢٦ وقيل: غير ذلك. راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٤٦..
٢٧ نسبه القرطبي إلى ابن العربي. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٥٥..
٢٨ راجع مختلف هذه الأقوال في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٥٥..
٢٩ راجع القول في المحرر الوجيز ١١/ ٣٠٩..
٣٠ راجع حكم صلاة الضحى في الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ١٥٩ – ١٦١..
٣١ عبد الرحمن السلمي: هو عبد الرحمان بن الحباب الأنصاري السلمي، وثقه ابن حبان وروى عنه البكير بن الأشج. انظر. إسعاف المبطأ ٢/٣٣٦..
٣٢ راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٣، وجامع البيان..
٣٣ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٢٠..
وقوله تعالى :﴿ من قبل صلاة الفجر ﴾ :
يعني من قبل صلاة الصبح. ففي هذا دليل على أن بعد صلاة الصبح ليس بوقت انكشاف لا ينبغي النوم فيه. وقد روي ما يعضد هذا عن عبيد بن عمير ١ أن عبد الله بن الزبير قال له : يا عبيد أما علمت أن الأرض حجت إلى ربها عز وجل من نوم العلماء بالضحى مخافة الغفلة عليهم. وروي عن عثمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصبحة تمنع بعض الرزق " ٢ وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول : النوم ثلاثة : فنوم خرق ونوم خلق ونوم حمق. فأما نوم خرق فنومة الضحى يقضي الناس حوائجهم وهو نائم. وأما نومة خلق فنومة القائلة. وأما نومة حمق فنومة حين تحضر الصلاة ٣ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه النومة : " محيرة منخرة، محفرة " ٤. فهذه الأحاديث كلها مع دليل الآية حجة في أنه لا يجوز النوم في ذلك الوقت. وفي العتبية عن مالك أنه سئل عن النوم بعد الصبح فقال : ما أعلم حراما. فظاهر قوله إجازة النوم في ذلك الوقت، ولم يصح عنده – والله أعلم – شيء من الأحاديث، فلذلك أجازه.
وفي قوله تعالى :﴿ وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ﴾ :
يريد القائلة، دليل على ٥ أن النوم في هذا الوقت جائز ٦ وأنه في غير ذلك الوقت من النهار ليس كذلك. وقد اختلف في ذلك فكرهه بعضهم لما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عليا في حاجة بعد أن صلى الظهر بالصهباء فرجع وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها " قالت أسماء فطلعت الشمس حتى وقفت على الجبال وعلى الأرض ثم قال علي رضي الله تعالى عنه فتوضأ وصلى العصر ثم غابت ٧.
وفي قوله تعالى :﴿ ومن بعد صلاة العشاء ﴾ :
دليل على النوم في هذا الوقت وهو المعروف المباح. وقد جاء من الآثار ما يعضد ذلك. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها ٨.
وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على الحديث بعد العشاء ويقول : اسمروا أول الليل ونوموا آخره وقال سلمان الفارسي إياكم وسمر أول الليل فإنه مهدنة للآخرة فمن فعل ذلك فليصل ركعتين قبل أن يأوي إلى فراشه. وكان إبراهيم وابن سيرين يكرهان الكلام بعد العشاء وهذا في السمر لغير العلم وأفعال البر. وأما السهر لهذا فجائز. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سهر بعدها غير مرة. قال عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة كلها في أمر من أمور المسلمين وأنا معه ٩ وجاء في بعض الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره السمر إلا لمصل أو مسافر أو مذاكر ١٠ وفي الآية – على ما قدمنا – دليل على أن النوم قبل العشاء ليس كالنوم بعدها، وقد اختلف فيه. فكان ابن عمر يكاد يسب الذي ينام قبل العشاء. وكرهه أنس وعمر وأبو هريرة وابن عباس وغيرهم، وهو قول مالك في العتبية والكوفيين، رخصت فيه طائفة. روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان ربما نام قبل العشاء وكان ابن عمر ينام ويوكل من يوقظه. وعن أبي موسى وعبيدة مثله. وعن ابن سيرين وعروة أنهم كانوا ينامون نومة الصلاة، وكان أصحاب عبد الله يفعلون ذلك، وقال به بعض الكوفيين واحتج له الطحاوي.
وقوله تعالى :﴿ ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ﴾ :
فيه دليل على أن الموالي في الاستئذان في الدخول على العبيد في هذه الأوقات مثل ما على العبيد.
١ عبيد بن عمير: لعله عبيد بن عمير مولى ابن عباس. ويقال مولى أم الفضل. روى عن ابن عباس وعنه ابن أبي ذئب. انظر تهذيب التهذيب ٧/ ٧٢..
٢ الحديث ذكره البيهقي في شعب الإيمان، باب: في تعديد نعم الله عز وجل وشكرها، فصل في النوم وآدابه ٤/ ١٨٠..
٣ الأثر: ذكره البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو، باب: في تعديد نعم الله عز وجل وشكرها، فصل في النوم وآدابه ٤/ ١٨٢..
٤ الحديث لم أفق عليه في كتب الأحاديث التي وقعت بين يدي..
٥ "على" كلمة ساقطة في (ب)، (ح)، (د)، (هـ)..
٦ "جائز" كلمة ساقطة في (ح)..
٧ الحديث اعتبره ابن الجوزي والحافظ ابن عساكر ومحمد بن ناصر البغدادي من الموضوعات. راجع شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير ص ١٤٤..
٨ منها ما رواه أبو برزة. قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. راجع سنن الدارمي، كتاب الصلاة، باب: النهي عن النوم قبل العشاء والحديث بعدها ص ٣٣٢..
٩ الأثر: ذكره الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء ١/ ٣١٥..
١٠ الحديث أخرجه أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود ١/ ٣٧٩..
– وقوله تعالى :﴿ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ﴾ الآية :
يقول إن الأطفال الذين أمروا بالاستئذان في الأوقات الثلاثة المذكورة وأبيح لهم الدخول بلا إذن في غير ذلك من الأوقات إذا بلغوا الحلم لم يدخلوا إلا باستئذان في كل وقت، وعلى حكم الرجال. وهذا عام في جميع البالغين من ابن وأخ وأب وغيره لا يجوز لهم أن يدخلوا إلا بإذن. قال الزهري يستأذن الرجل على أمه ١ وفي ذلك نزلت. وروي نحوه عن عمر وابن عباس وغيرهما.
١ ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣٠٨..
وقوله تعالى :﴿ والقواعد من النساء... ﴾ الآية :
اختلف في تعيينهم. فقيل اللواتي قعدن عن التصرف. وقيل هن اللواتي إذا رأيتهن تستقذرهن، وهو قول ربيعة. وقيل هن اللواتي قعدن عن الولد. قال بعضهم وليس بمستقيم لأن المرأة قد تقعد عن الولد وفيها مستمتع. قال بعضهم لما كان الغالب من النساء أن ذوات هذا السن لا مذهب ١ للرجال فيهن أبيح لهن ما لم يبح لغيرهن وأزيل عنهن كلفة التحفظ المتعب إذ علة التحفظ مرتفعة عنهن.
وقوله :﴿ فليس عليهن جناح.... ﴾ الآية :
قال ابن مسعود وابن جبير : الذي أبيح وضعه لهذه الصنيعة الجلباب الذي فوق الخمار والرداء. قال بعض العلماء : إنما ذلك في منزلها الذي يراها فيه ذوو محارمها. ثم ذكر تعالى أن استعفافهن عن وضع الجلابيب والتزامهن ما يلزم الشباب من الستر خير لهن وأفضل ٢.
١ في (ج)، (ح): "لا إرب"..
٢ راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٥، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣٠٩..
– قوله تعالى :﴿ ليس على الأعمى حرج.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ إنما المؤمنون.... ﴾ :
اختلف في المعنى الذي رفع الله تعالى فيه الحرج عن الأصناف الثلاثة : العمى والحرج والمرض. فقال ابن زيد هو الحرج في الغزو، أي لا حرج عليهم في تأخيرهم. وقيل هو في معنى المطاعم. واختلف من ذهب إلى ذلك في الحرج فيمن كان ؟ فقيل كانت العرب، ومن بالمدينة قبل المبعث، تجتنب الأكل مع أهل الأعذار. فبعضهم كان يفعل ذلك تقذرا لجولان اليد من الأعمى ولانبساط الجلسة من الأعرج ولرائحة المريض، ونحو ذلك. وهي أخلاق جاهلية وكبر، فنزلت الآية مؤدبة. وقيل إن أهل هذه الأعذار كانوا المتحرجين من الأكل مع الناس، ثم اختلف لم، فقيل من أجل عذرهم، فنزلت الآية ١ وقيل إن الناس كانوا إذا نهضوا إلى الغزو خلفوا أهل العذر في منازلهم وأموالهم فكان أهل العذر يتجنبون أكل مال الغائب فنزلت الآية مبيحة لهم أكل الحاجة من طعام الغائب إذا كان الغائب قد بنى على ذلك ٢ وقيل كان الرجل إذا ساق أهل العذر إلى بيته فلم يجد فيه شيئا ذهب بهم إلى بيوت قرابته فتحرج أهل الأعذار من ذلك وقيل إن التحرج المذكور إنما كان من الناس وذلك أنه لما نزلت :﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ قالوا : لا مال أعز من الطعام وتحرجوا من الأكل مع أهل الأعذار مخافة عليهم فيقعون في أكل المال بالباطل إذ هم مقصرون عن درجة الأصحاء لعدم الرؤية من الأعمى والعجز عن المزاحمة من الأعرج ولضعف المريض. فنزلت الآية في إباحة الأكل معهم ٣ ففي القول الأول التحرج مرفوع عن أهل الأعذار. وفي الآخر إنما هو مرفوع عن غيرهم من الناس. وفي القول الثاني مختلف عمن هو مرفوع. وقد اختلف في مواكلة الأجذم فأجازه قوم ومنعه آخرون. وقد جاء في الحديث ما ظاهره التعارض من ذلك ٤ والآية على أحد التأويلات المتقدمة حجة في الجواز. والذي ينبغي أن يقال في الآية أن الحرج مرفوع بها عن الأصناف الثلاثة في كل ما يضطرهم إليه العذر. فكل تكليف يتعلق بالبصر ٥ فقد سقط عن الأعمى. وكل تكليف يتعلق بالأعرج قبل عرجه ولا يمكنه معه فعله فقد سقط عنه تكليفه.
وقوله تعالى :﴿ ولا على أنفسكم ﴾ الآية :
عدد الله تعالى فيها البيوت التي أباح الأكل فيها بغير إذن. فبدأ تعالى ببيت الرجل نفسه إذ لا أخص به منه ولما لم يذكر تعالى من جملة البيوت بيوت الأبناء. قال جماعة من المفسرين إنه داخل في قوله تعالى :﴿ من بيوتكم ﴾ لأن بيت ابن الرجل بيته ٦ وهذه الآية تدل على أن للرجل أن يأكل من بيت ابنه من غير إذنه كما يأكل من بيت نفسه لأن له أن يأخذ ماله ويستحله. ثم ذكر بيوت الآباء، فأباح للآباء الأكل منها بغير إذن. ثم ذكر على نحو ذلك بيوت الأمهات ثم ذكر بيوت الإخوان وهم الإخوة ثم ذكر بيوت الأخوات ثم بيوت الأعمام ثم بيوت العمات ثم بيوت الأخوال ثم بيوت الخالات ثم قال :﴿ أو ما ملكتم مفاتحه ﴾ قيل يعني ما دفعت إليكم مفاتحه لتكون تحت نظركم على ما يأتي ذكره بعد هذا. وقيل المراد ما ملك الرجل من متاع نفسه. وهذا ضعيف لأن ما تقدم من قوله :﴿ بيوتكم ﴾ يغني عنه. وقيل معناه ما حزتم وصار في قبضتكم ٧ وعند جماعة من المفسرين أنه يدخل في الآية الوكلاء والعبيد والأجراء بالمعروف ٨. ثم قال تعالى :﴿ أو صديقكم ﴾ فقرن الله تعالى الصداقة بالقرابة. قال معمر : قلت لقتادة : ألا أشرب من هذا الحب ؟ قال أنت لي صديق فما هذا الاستئذان ٩ وقال ابن عباس الصداقة أوكد من القرابة ألا ترى استغاثة الجهنميين :﴿ فما لنا من شافعين ( ١٠٠ ) ولا صديق حميم ( ١٠١ ) ﴾ [ الشعراء : ١٠٠، ١٠١ ] واختلف المفسرون في هذه الآية في قوله :﴿ أو بيوت آبائكم.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ليس عليكم جناح ﴾ هل هي منسوخة أو محكمة ؟ فذهب قوم إلى أنها منسوخة وأنه لا يجوز أن يؤكل من بيت أحد إلا بإذنه. واختلفوا في الناسخ، فقال بعضهم نسخها قوله تعالى :﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ﴿ البقرة : ١٨٨ ﴾ وقوله تعالى :﴿ لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل من مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " ١٠. وقيل بل نسخها قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ﴾ [ النور : ٢٧ ]. وإذا منعوا الدخول بغير استئذان، كان الأكل أولى أن يمنع إلا بإذن. وقال بعضهم نسخها قوله عليه الصلاة والسلام : " إن دماءكم وأموالكم عليك حرام " ١١ وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر : " لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه " ١٢. قال ابن زيد وكانوا في أول أمرهم ليس على ١٣ أبوابهم غلق فكانت الستور مرخاة فربما جاء الرجل وهو جائع فدخل البيت وليس فيه أحد فسوغه تعالى أن يأكل. ثم الآن صارت الأغلاق على البيوت فلا تحل لأحد أن يفتحها فذهب هذا وانقطع وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه ". وقيل الآية محكمة. ثم اختلفوا في تأويلها. فقال ابن عباس هي محكمة ناسخة لما أحدث المؤمنون عند نزول قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ وذلك أنهم قالوا قد نهى عن أكل الأموال بالباطل، والطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحد أن يأكل عند أحد، فكف الناس عن أكل بعضهم عند بعض. فأنزل الله تعالى :﴿ ليس على الأعمى حرج... ﴾ الآية إلى آخرها ١٤.
ثم اختلف الذين ذهبوا إلى هذا هل الآية على عمومها في الإذن وغير الإذن لأنها أباحت الأكل من هذه البيوت ولم يخص إذنا من غير إذن إلا أنها خرجت على سبب الإذن، وبين الأصليين في ذلك اختلاف. فقال أبو عبيد ١٥ إنما هو بعد الإذن لأن الناس إنما توقفوا عن الأكل بعد الإذن فأباحه الله تعالى. وقال غيره الأكل جائز بالآية من غير إذن وليس في الآية ذكر الإذن. وقال أكثر أهل التأويل هي محكمة وذلك أنهم كانوا إذا خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيحهم عند أهل العلة ممن يتخلف وعند قربائهم، فكانوا يأذنون لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك. فكان المتخلفون يتقون أن يأكلوا منها ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم طيبة بذلك فأنزل الله تعالى هذه الآيات فأحله لهم. واعتبار الإذن أيضا على هذا القول يأتي على الخلاف المتقدم. ومن أباح الأكل من بيوت هؤلاء الأصناف بغير إذن فإنما يبيحه إذا كان يسيرا وعلم أن نفس صاحبه راضية ١٦.
وقوله تعالى :﴿ ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ﴾ :
أباح بهذه الآية الأكل على انفراد ومع الغير وهذا رد لمذهب قوم من العرب كانت لا تأكل أفرادا ألبتة، قاله الطبري ١٧ وكانوا يسمون الذي يأكل وحده المرضع. وكان أحدهم إذا وضع طعامه ليأكل أو حلب لقحته ليشرب نادى من حوله. فإن أجابه أحد وإلا نصب عودا أو خشبة عوض الأكل معه. وحكي أن رجلا من العرب نزل واديا وحلب لقحته ونادى من يشرب معه، ورجل يسمعه فلم يجبه واختفى له. فأخذ عودا أو خشبة فنصبها ثم أخذ الإناء ليشرب فخرج ذلك الرجل إليه فقال : يا موضع، اشرب وحدك فخشي الآخر أن يعلم بذلك فيعير بالشرب وحده فعدا عليه بالسيف فقتله فلما جاء الإسلام نزلت الآية. ومن ذلك قول بعضهم :
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لست آكله وحدي ١٨
وكان بعض العرب إذا كان له ضيف١٩ لا يأكل إلا أن يأكل معه فنزلت الآية مبينة سنة الأكل ٢٠. ويؤخذ من الآية أيضا أنه يجوز أن تجتمع الجماعة على طعام لهم فيأكلونه وإن تفاضلوا في الأكل. وقد كان يجوز أن يظن أن ذلك محرم من حيث لا يستوون في الأكل ولا يستوون في قدر ما طرح بين أيديهم ٢١ من الطعام. فأباح الله تعالى ذلك. وقد قال ابن عمر في قوم يأكلون تمرا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القران إلا أن يستأذن الرجل أخاه ٢٢ وهذا كله مع المسامحة، وأما مع المشاحة فلا يجوز. وقد اختلف في النهبة ٢٣ في الطعام يوضع للأكل في الأعراس وما ينتثر على رؤوس الصبيان ونحو ذلك وفي الآية حجة للقول بالجواز لعموم الآية.
قوله تعالى :﴿ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ﴾ :
اختلف في البيوت المذكورة في الآية ما هي. فقيل المساجد، وهو قول النخعي، والمعنى فسلموا على من فيها من صنفكم فإن لم يكن في المساجد أحد فالسلام أن يقول المرء : السلام على رسول الله. وقيل يقول : السلام عليكم، يريد الملائكة ثم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ٢٤ زاد بعضهم عن الحسن ٢٥ اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. وقيل البيوت هي البيوت المسكونة، وهو قول جابر وابن عباس وغيرهما ٢٦، والمعنى فسلموا على صنفكم أي ليسلم بعضكم على بعض. وذكر إسماعيل بن إسحاق أن المراد به أن يسلم الرجل على نفسه إن لم يكن هناك غيره ٢٧ فيكون المراد على هذا بالبيوت غير المسكونة ويسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وهذا القول أظهر على لفظ الآية. وقول من قال إن معنى قوله تعالى :﴿ فسلموا على أنفسكم ﴾ أي يسلم بعضكم على بعض فيه تجوز ٢٨. وأما البيوت فأكثر ما يطلق عرفا على بيوت السكنى سكنت أو لم تسكن. وقد اختلف فيمن حلف أن لا يدخل بيتا فدخل المسجد هل يحنث أم لا ؟.
١ راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٧..
٢ نسبه ابن عطية إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٧..
٣ قاله ابن عباس. راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٤٨، ٢٤٩..
٤ منها ما رواه البخاري وذكره النووي في شرح صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" وقد ذكر النووي عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم وقال: "كل ثقة بالله وتوكلا عليه". وقد ذهب عمر بن الخطاب إلى الأكل مع المجذوم والتوفيق بين الحديثين. انظر شرح النووي ٧/ ٣٧..
٥ في (ب)، (د)، (هـ): "النظر"..
٦ قال القرطبي: قال النحاس: وعارض بعضهم هذا القول فقال: هذا تحكم على كتاب الله تعالى: راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣١٤..
٧ نسبه ابن عطية إلى مجاهد والضحاك. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٧..
٨ راجع ذلك في المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٧، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣١٥..
٩ راجع القول في المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٧، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣١٥..
١٠ الحديث أخرجه البيهقي في سننه، كتاب الغصب، باب: من غصب لوحا فأدخله في سقيفته ٦/ ١٠٠. وذكره الدارقطني في سنه، كتاب البيوع ٣/ ٢٦..
١١ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة، كتاب الفتن، باب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "باب لا ترجعوا بعدي كفارا" ٨/٩١..
١٢ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عمر، كتاب اللقطة، باب: لا تحتلب ماشية أحد بغير إذن ٣/ ٩٥..
١٣ " على" كلمة ساقطة في (ح)..
١٤ قال ابن عطية: والنسخ لا يتصور في شيء من هذه الآيات بل هي كلها محكمة. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٨، ٣٢٩..
١٥ أبو عبيد: هو القاسم بن سلام أبو عبيد. الإمام المجتهد صاحب كتاب الأموال. توفي سنة ٢٢٥هـ/ ٨٤٣م. انظر تهذيب التهذيب ٨/ ٣١٥..
١٦ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٤٩، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٢٢..
١٧ راجع جامع البيان ١٨/ ٨٧، ١٢٤، ١٣١..
١٨ البيت من البحر الطويل..
١٩ "إذا كان له ضيف" كلام ساقط في (هـ)..
٢٠ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٤٩، ٢٥٠. وكذلك المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٨..
٢١ "أيديهم" كلمة ساقطة في (أ)..
٢٢ الحديث أخرجه الترمذي في السنن عن جابر، كتاب الاستئذان، باب: في السلام قبل الكلام ٥/ ٥٩..
٢٣ لعله النهد وهو ما يجمعه الرفقاء من مال أو طعام على قدر في النفقة ينفقونها بينهم، وقد تناهدوا. ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣١٧..
٢٤ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٨..
٢٥ "عن الحسن" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٢٦ أضاف القرطبي عطاء بن أبي رباح. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣١٨..
٢٧ ذكره الكيا الهراسي في أحكام القرآن ٤/ ٣٢٥..
٢٨ نسبه الكيا إلى الحسن. راجع أحكام القرآن ٤/ ٣٢٥..
– قوله تعالى :﴿ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ﴾ :
اختلف في سبب الآية فقيل إنما نزلت في وقت حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم خندق المدينة وذلك أن بعض المؤمنين كان يستأذن لضرورة وكان المنافقون يذهبون دون استئذان. فأخرج الله تعالى الذين لا يستأذنون عن صنيفة المؤمنين وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن للمؤمن الذي لا تدعوه ضرورة إلى حبسه وهو الذي يشاء ١ وقيل نزلت في عمر بن الخطاب وكان استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له وقال له : " يا أبا حفص لا تنسنا من صالح دعائك " ٢ والأمر الجامع يريد به ما للإمام حاجة إلى جمع الناس فيه لمصلحة. وروي عن مجاهد أن المراد به الجمعة والغزو. وقال الحسن الجمعة والأعياد وكل ما فيه خطبة. ولا شك أن المراد بقوله وإذا كانوا معه : أي مع الرسول. قال الحسن : ولا فرق بين الرسول ومن سواه من الأئمة فيما يلزم من استئذانهم لما في ذلك من أدب الدين وأدب النفس٣ واختلف في الإمام الذي يستأذن من هو ؟ فقيل هو إمام الإمرة خاصة، وهو ظاهر الآية. وقيل هو إمام الصلاة أيضا إذا قدمه إمام الإمرة ٤. وهو قول مكحول والزهري ٥ ولا خلاف في الغزو أنه يستأذن إمامه إذا كان له عذر يدعوه إلى الانصراف. واختلف في صلاة الجمعة إذا كان له عذر كالرعاف ونحوه هل يلزمه الاستئذان أم لا ؟ فذهب جماعة إلى أنه يلزمه الاستئذان للوالي إمام إمرة كان أو إمام صلاة. واحتجوا بالآية. وأنكر إسماعيل القاضي أن تكون الآية في ذلك المعنى. وقيل لا يلزمه إلا إن كان إمام إمرة. وقيل لا يلزمه الاستئذان وهو مذهب مالك. وقد مشى بعض الناس دهرا على استئذان إمام الصلاة. وروي أن هرم بن حيان ٦ كان يخطب فقام رجل فوضع يده على أنفه وأشار إلى هرم بالاستئذان فأذن له فلما قضيت الصلاة كشف من أمره أنه ذهب لغير ضرورة فقال هرم : اللهم أخر رجال السوء لزمان السوء ٧.
واختلف في قوله تعالى :﴿ فأذن لمن شئت منهم ﴾ هل هو محكم أو منسوخ ؟ فالمشهور أنه محكم. وقال قتادة هو منسوخ بقوله تعالى :﴿ عفا الله عنك لم أذنت.... لهم ﴾ ٨ الآية [ التوبة : ٤٣ ].
١ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٣٣٠..
٢ نسبه القرطبي إلى ابن عباس. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣٢١..
٣ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٢٥، ٣٢٦..
٤ "خاصة وهو ظاهر الآية.... إلى: الإمرة" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٥ راجع المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٩..
٦ هرم بن حيان: هو هرم بن حيان العبدي الأزدي من بني عبد القيس. قائد فاتح من كبار النساك من التابعين. توفي بعد سنة ٢٦هـ/ ٦٤٧م. انظر أسد الغابة لابن الأثير ٥/ ٥٧..
٧ راجع القصة في المحرر الوجيز ١١/ ٣٢٩..
٨ ونقل الجصاص عن سعيد عن قتادة قوله: كان الله قد أنزل قبل ذلك في سورة براءة: ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ فرخص له في هذه السورة: ﴿فأذن لمن شئت منهم﴾ فنسخت هذه الآية التي في سورة براءة. راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٠٠..
– وقوله تعالى :﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ﴾ :
اختلف في تأويله. فقيل معناه لا تدعوا رسول الله كدعاء بعضكم بعضا بالأسماء غير مهتبلين بذلك ولكن ادعوه بأشرف أسمائكم على مقتضى التوقير وذلك أن يقول يا رسول الله، برفق وبر. وهو قول مجاهد وغيره. وقيل المعنى لا تحسبوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض أي دعاؤه عليكم مجاب فاحذروه وهو قول ابن عباس١ وألفاظ الآية تدفع هذا المعنى مع أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعضد المعنى الأول. روي أنه كان مرة يمشي إذ صاح رجل بآخر يا أبا القاسم. فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إليه. فقال لم أعنك يا رسول الله. فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " ٢ وقد استدل بعض المتأخرين من هذه الآية على أنه لا يجوز أن يقال في الدعاء : ارحم محمد وآل محمد، كما يقال ذلك لغيره، فأنكر لفظ الرحمة. وهذا ضعيف بل ينبغي أن يجوز ذلك. وقد جاء في الحديث ما يعضده، وذلك أن أعرابيا قال اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد حجرت واسعا " ٣ فلم ينكر صلى الله عليه وسلم إلا التحجير، فدل إقراره على ذلك أنه جائز. وأما الاستدلال بالآية فضعيف وألفاظها تنبئ عنه.
قوله تعالى :﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره ﴾ أمر منه تعالى باتباع نبيه والتحذير من مخالفته.
١ ذكر ذلك ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٣٣٠..
٢ الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك، كتاب الآداب، باب: النهي عن التكني بأبي القاسم ٦/ ١٦٩..
٣ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، كتاب الأدب، باب: رحمة الناس بالبهائم ٧/ ٧٧..
Icon