تفسير سورة السجدة

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة السجدة مكية وهي ثلاثون آية مدني وكوفي، وتسع وعشرون آية بصري

الم (١)
﴿الم﴾ على أنها اسم السورة مبتدأ وخبره
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)
﴿تنزيل الكتاب﴾ وإن حعلتها تعديداً للحروف ارتفع تنزيل بأنه خبر مبتدأ محذوف أو هو مبتدأ خبره ﴿لا ريب فيه﴾ أو يرتفع بالابتداء وخبره ﴿من رّبّ العالمين﴾ ولا ريب فيه اعتراض لا محل له والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة كأنه قال لا ريب في ذلك أي في كونه منزلاً من رب العالمين لأنه معجز للبشر ومثله أبعد شيء من الريب ثم أضرب عن ذلك إلى قوله
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣)
﴿أم يقولون افتراه﴾ أي اختلقه محمد لأن أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل والهمزة معناه بل أيقولون افتراه انكارا لقولهم وتعجبنا منهم لظهور أمره فى عجز بلغئهم عن مثل ثلاث آيات منه ﴿بل هو الحقّ﴾ ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق ﴿من رّبّك﴾ ولم يفتره محمد ﷺ كما قالوا تعنتاً وجهلاً ﴿لتنذر قوماً﴾ أي العرب ﴿مّا أتاهم مّن نّذيرٍ مّن قبلك﴾ ما للنفى والجملة صفة لقوما ﴿لعلّهم يهتدون﴾ على
5
الترجي من رسول الله ﷺ كما كان لعله يتذكر على الترجي من موسى وهرون
6
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٤)
﴿الله الّذي خلق السّماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش﴾ استولى عليه بإحداثه ﴿ما لكم مّن دونه﴾ من دون الله ﴿من وليّ ولا شفيعٍ﴾ أي إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم ولياً أي ناصراً ينصركم ولا شفيعاً يشفع لكم ﴿أفلا تتذكّرون﴾ تتعظون بمواعظ الله
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥)
﴿يدبّر الأمر﴾ أي أمر الدنيا ﴿من السّماء إلى الأرض﴾ إلى أن تقوم الساعة ﴿ثمّ يعرج إليه﴾ ذلك الأمر كله أي يصير إليه ليحكم فيه ﴿في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ﴾ وهو يوم القيامة ﴿مّمّا تعدّون﴾ من أيام الدنيا ولاتمسك للمشبهة بقوله إليه في إثبات الجهة لأن معناه إلى حيث يرضاه أو أمره كما لاتشبث لهم بقوله إنى ذاهب إلى
السجدة (١١ - ٦)
ربى إنى مهاجر إلى ربى ومن يخرج من بيته مهاجر إلى الله
ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦)
﴿ذلك عالم الغيب والشهادة﴾ أى الوصوف بما مر عالم ما غاب عن الخلق وما شاهدوه ﴿العزيز﴾ الغالب أمره ﴿الرّحيم﴾ البالغ لطيفه وتيسيره وقيل لا وقف عليه لأن
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧)
﴿الّذي﴾ صفته ﴿أحسن كلّ شيءٍ﴾ أي حسنه لأن كل شيء مرتب على ما اقتضته الحكمة ﴿خلقه﴾ كوفي ونافع وسهل على الوصف أي كل شيء خلقه فقد أحسن خلقه غيرهم على البدل أي أحسن خلق كل شيء ﴿وبدأ خلق الإنسان﴾ آدم ﴿من طينٍ﴾
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨)
﴿ثمّ جعل نسله﴾ ذريته ﴿من سلالةٍ﴾ من نطفة ﴿مّن مّاءٍ﴾ أي مني وهو بدل من سلالة ﴿مّهينٍ﴾ ضعيف حقير
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٩)
﴿ثمّ سواه﴾ قومه كقوله في أحسن تقويم ﴿ونفخ﴾ أدخل ﴿فيه من رّوحه﴾ الإضافة للاختصاص كأنه قال ونفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبعلمه ﴿وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة﴾ لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا ﴿قليلاً مّا تشكرون﴾ أي تشكرون قليلاً
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (١٠)
﴿وقالوا﴾ القائل أبيّ بن خلف ولرضاهم بقوله أسند إليهم ﴿أئذا ضللنا في الأرض﴾ أي صرنا تراباً وذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن أو غبنا في الأرض بالدفن فيها وقرأ عليٌّ ضللنا بكسر اللام يقال ضل يضل وضل يضل وانتصب الظرف في أئذا ضللنا بما يدل عليه ﴿أئنا لفي خلقٍ جديدٍ﴾ وهو نبعث ﴿بل هم بلقاء ربّهم كافرون﴾ جاحدون لما ذكر كفرهم بالبعث أضرب عنه إلى ما هو أبلغ وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة لا بالبعث وحده
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)
﴿قل يتوفّاكم مّلك الموت الّذي وكّل بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون﴾ أي يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم ثم ترجعون إلى ربكم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء وهذا معنى لفاء الله والتوفى استبفاء النفس وهي الروح أي يقبض أرواحكم أجمعين من قولك توفيت حقي من فلان إذا أخذته وافيا كملا من غير نقصان وعن مجاهد حويت لملك الموت الأرض وجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء وقيل ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه ثم يأمر أعوانه بقبضها والله تعالى هو الآمر لذلك كله وهو الخالق لأفعال المخلوقات وهذا وجه الجمع بين هذه
7
الآية وبين قوله توفته رسلنا وقوله الله يتوفى الانفس
السجدة (١٦ - ١٢)
حين موتها
8
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)
﴿ولو ترى﴾ الخطاب لرسول الله ﷺ أو لكل أحد ولو امتناعية والجواب محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً ﴿إذ المجرمون﴾ هم الذين قالوا أئذا ضللنا فى الأرض ولو واذ للمضي وإنما جاز ذلك لأن المترقب من الله بمنزله الموجود لا يقدر لنرى ما يتناوله كأنه قيل ولو تكون منك الرؤية واذ ظرف له ﴿ناكسو رؤوسهم﴾ من الذل والحياء والندم ﴿عند ربّهم﴾ عند حساب ربهم ويوقف عليه لحق الحذف اذ التقدير يقولون ﴿ربنا أبصرنا﴾ صدق وعدك ووعيدك وسمعنا منك تصديق رسلك أو كنا عميا وصما فأبصرناوسمعنا ﴿فارجعنا﴾ إلى الدنيا ﴿نعمل صالحاً﴾ أي الإيمان والطاعة ﴿إنّا موقنون﴾ بالبعث والحساب الآن
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣)
﴿ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها﴾ في الدنيا أي لو شئنا أعطينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم اختيار ذلك لاهتدوا لكن لم نعطهم ذلك الطف لما علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره وهو حجة على المعتزلة فإن عندهم شاء الله أن يعطي كل نفس ما به اهتدت وقد أعطاها لكنها لم تهدوهم أوّلوا الآية بمشيئة الجبر وهو تأويل فاسد لما عرف في تبصر الأدلة ﴿ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين﴾ ولكن وجب القول مني بما علمت أنه يكون منهم ما يستوجبون به جهنم وهو ما علم منهم أنهم يختارون الرد والتكذيب وفي تخصيص الإنس والجن إشارة إلى أنه عصم ملائكته عن عمل يستوجبون به جهنم
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤)
﴿فذوقوا﴾ العذاب ﴿بما نسيتم لقاء﴾ بما تركتم من علم لقاء {يومكم
8
هذا} وهو الإيمان به ﴿إنّا نسيناكم﴾ تركنا كم فى العذاب كالمنسى ﴿وذوقوا عذاب الخلد﴾ أى العذاب الدائم للذى لا انقطاع له ﴿بما كنتم تعملون﴾ من الكفر والمعاصى
9
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥)
﴿إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذكّروا بها﴾ أي وعظوا بها ﴿خرّوا سجّداً﴾ سجدوا لله تواضعاً وخشوعاً وشكراً على ما رزقهم من الإسلام ﴿وسبّحوا بحمد ربّهم﴾ ونزهوا الله عما لا يليق به وأثنوا عليه حامدين له ﴿وهم لا يستكبرون﴾ عن الإيمان به والسجود له
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦)
﴿تتجافى﴾ ترتفع وتتنحى ﴿جنوبهم عن المضاجع﴾ عن الفرش ومضاجع النوم قال سهل وهب لقوم هبة وهو أن أذن لهم في مناجاته وجعلهم من أهل وسيلته ثم مدحهم عليه
السجدة (٢١ - ١٦)
فقال نتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴿يدعون﴾ داعين ﴿ربّهم﴾ عابدين له ﴿خوفاً وطمعاً﴾ مفعول له أي لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم فى رحمته وقم المتهجدون وعن النبى ﷺ في تفسيرها قيام العبد من الليل وعن ابن عطاء أبت جنوبهم أن تسكن على بساط الغفلة وطلبت بساط القرية يعني صلاة الليل وعن أنس كان أناس من أصحاب النبى ﷺ يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الأخيرة فنزلت فيهم وقيل هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها ﴿وممّا رزقناهم ينفقون﴾ في طاعة الله تعالى
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)
﴿فلا تعلم نفسٌ مّا أخفي لهم﴾ ما بمعنى الذي أخفي على حكاية النفس حمزة ويعقوب ﴿مّن قرّة أعينٍ﴾ أي لا يعلم أحد ما أعد لهؤلاء من
9
الكرامة ﴿جزاءً﴾ مصدر أى جوز واجزاء ﴿بما كانوا يعملون﴾ عن الحسن رضى الله عنه أخفى القوم أعمالا فى الدنيا فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وفيه دليل على أن المراد الصلاة في جوف الليل ليكون الجزاء وفاقاً ثم بين أن من كان في نور الطاعة والايمان لايستوى مع من هو في ظلمة الكفر والعصيان بقوله
10
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (١٨)
﴿أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً﴾ أي كافرا وهما محمولان على لفظ من قوله ﴿لاّ يستوون﴾ على المعنى بدليل قوله
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩)
﴿أمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم جنّات المأوى﴾ هي نوع من الجنان تأوي إليها أرواح الشهداء وقيل هي عن يمين العرش ﴿نزلاً بما كانوا يعملون﴾ عطاء بأعمالهم والنزل عطاء النازل ثم صار عاماً
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠)
﴿وأمّا الّذين فسقوا فمأواهم النّار﴾ أي ملجؤهم ومنزلهم ﴿كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم﴾ أي تقول لهم خزنة النار ﴿ذوقوا عذاب النّار الّذي كنتم به تكذّبون﴾ وهذا دليل على أن المراد بالفاسق الكافر إذالتكذيب يقابل الايمان
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١)
﴿ولنذيقنّهم مّن العذاب الأدنى﴾ أي عذاب الدنيا من الأسر وما محنوا به من السنة سبع سنين ﴿دون العذاب الأكبر﴾ أي عذاب الآخرة أي نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة عن الدار انى العذاب الادنى الخذلال والعذاب الأكبر الخلود في النيران وقيل العذاب الأدنى عذاب القبر ﴿لعلّهم﴾ لعل المعذبين بالعذاب الأدنى ﴿يرجعون﴾ يتوبون عن الكفر
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢)
﴿ومن أظلم ممن ذكر﴾
السجدة (٢٧ - ٢٢)
وعظ ﴿بآيات ربّه﴾ أي بالقرآن {ثمّ أعرض
10
عنها} أى فتولى عنها ولم يتدبر فيهاوثم للاستبعاد أي أن الإعراض عن مثل هذه الآيات في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل كما تقول لصاحبك وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعاداً لتركه الانتهاز ﴿إنّا من المجرمين منتقمون﴾ ولم يقل منه لأنه إذا جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم فقد دل على اصابة الاطلم النصيب الا وفر من الانتقام ولو قال بالضمير لم يفد هذه الفائدة
11
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٣)
﴿ولقد آتينا موسى الكتاب﴾ التوراة ﴿فلا تكن في مريةٍ﴾ شك ﴿من لقائه﴾ من لقاء موسى الكتاب أو من لفائك موسى ليلة المعراج أو يوم القيامة أو من لقاء موسى ربه في الآخرة كذا عن النبى ﷺ ﴿وجعلناه هدًى لّبني إسرائيل﴾ وجعلنا الكتاب المنزل على موسى لقومه هدى
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)
﴿وجعلنا منهم أئمّةً﴾ بهمزتين كوفي وشامي ﴿يهدون﴾ بذلك الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه ﴿بأمرنا﴾ إياهم بذلك ﴿لمّا صبروا﴾ حين صبروا على الحق بطاعة الله أو عن المعاصي لما صبروا حمزة وعلى أي لصبرهم على الدنيا وفيه دليل على أن الصبر ثمرته إمامة الناس ﴿وكانوا بآياتنا﴾ التوراة ﴿يوقنون﴾ يعلمون علماً لا يخالجه شك
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥)
﴿إنّ ربّك هو يفصل﴾ يقضي ﴿بينهم يوم القيامة﴾ بين الأنبياء وأممهم أو بين المؤمنين والمشركين ﴿فيما كانوا فيه يختلفون﴾ فيظهر المحق من المبطل
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (٢٦)
﴿أولم﴾ الواو للعطف على المعطوف عليه منوي من جنس المعطوف أي أو لم يدع ﴿يهد﴾ يبين والفاعل الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب
11
نهد ﴿لهم﴾ لأهل مكة ﴿كم﴾ لا يجوز أن يكون كم فاعل يهدى لأن كم للاستفهام فلا يعمل فيه ما قبله ومحله نصب بقوله ﴿أهلكنا من قبلهم مّن القرون﴾ كعاد وثمود وقوم لوط ﴿يمشون في مساكنهم﴾ أي أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ﴿إنّ في ذلك لآياتٍ أفلا يسمعون﴾ المواعظ فيتعظوا
12
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (٢٧)
﴿أولم يروا أنّا نسوق الماء﴾ نجري المطر والأنهار ﴿إلى الأرض الجرز﴾ أي الأرض التي جرز نباتها أي قطع إما لعدم الماء أو لانه رعى ولا يقال
السجدة (٣٠ - ٢٧)
التى لا تنبت كالسباخ جرز بدليل قوله ﴿فنخرج به﴾ بالماء ﴿زرعاً تأكل منه﴾ من الزرع ﴿أنعامهم﴾ من عصفه ﴿وأنفسهم﴾ من حبه ﴿أفلا يبصرون﴾ بأعينهم فيستدلوا به على قدرته على احياء الموتى
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٨)
﴿ويقولون متى هذا الفتح﴾ النصر أو الفصل بالحكومة من قوله ربنا افتح بيننا وكان المسلمون يقولون إن الله سيفتح لنا على المشركين أو يفتح بيننا وبينهم فإذا سمع المشركون ذلك قالوا متى هذا الفتح أى فى أى رقت يكون ﴿إنّ كنتم صادقين﴾ في أنه كائن
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩)
﴿قل يوم الفتح﴾ أي يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم أو يوم نصرهم عليهم أو يوم بدر أو يوم فتح مكة ﴿لا ينفع الّذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون﴾ وهذا الكلام لم ينطبق جواباً على سؤالهم ظاهراً ولكن لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالاً منهم على وجه التكذيب والاستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم لا تستعجلوا به ولا تستهزؤا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلا ينفعكم الإيمان أو استنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا ومن
12
فسره بيوم الفتح أو بيوم بدر فهو يريد المقتولين منهم فإنهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل كما لم ينفع فرعون إيمانه عند الغرق
13
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)
﴿فأعرض عنهم وانتظر﴾ البصرة وهلا كهم ﴿إنهم منتظرون﴾ العلبة عليكم وهلاككم وكان عليه السلام لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل السجدة وتبارك الذى بيده الملك وقال من قرأ الم تنزيل في بيته لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال سورة الم تنزيل هي المانعة تمنع من عذاب القبر والله اعلم
13
سورة الأحزاب مدنية وهي ثلاث وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

قال ابى بن كعب رضى الله عنه لزركم تعدون سورة الأحزاب قال ثلاثاً وسبعين قال فو الذى يحلف به أبيّ إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم أراد أبيّ أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة رضى الله عنها فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض
14
Icon