تفسير سورة الذاريات

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
( مكية وهي ستون آية وثلاثمائة وستون كلمة وألف ومائتان وتسعة وثلاثون حرفا )

سورة الذاريات
(مكية وهي ستون آية وثلاثمائة وستون كلمة وألف ومائتان وتسعة وثلاثون حرفا) بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤)
قوله عز وجل: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً يعني الرياح التي تذر التراب فَالْحامِلاتِ وِقْراً يعني السحاب يحمل ثقلا من الماء فَالْجارِياتِ يُسْراً يعني السفن تجري في الماء جريا سهلا فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً يعني الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به وقيل: هم أربعة: جبريل صاحب الوحي إلى الأنبياء الأمين عليه وصاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل صاحب الصور واللوح، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح. وقيل: هذه الأوصاف الأربعة في الرياح لأنها تنشئ السحاب وتسيره ثم تحمله وتقله ثم تجري به جريا سهلا ثم تقسم الأمطار بتصريف السحاب أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعته وقدرته. والمعنى: أقسم بالذاريات بهذه الأشياء، وقيل: فيه مضمر تقديره ورب الذاريات ثم ذكر جواب القسم فقال تعالى:
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٥ الى ١٤]
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)
إِنَّ ما تُوعَدُونَ أي من الثواب والعقاب يوم القيامة لَصادِقٌ أي الحق وَإِنَّ الدِّينَ أي الحساب والجزاء لَواقِعٌ أي لكائن ثم ابتدأ قسما آخر فقال تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ قال ابن عباس: ذات الخلق الحسن المستوي، وقيل: ذات الزينة حبكت بالنجوم وقيل: ذات البنيان المتقن وقيل: ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح وحبك الرمل ولكنها لا ترى لبعدها من الناس وجواب القسم قوله إِنَّكُمْ يعني يا أهل مكة لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يعني في القرآن وفي محمد صلّى الله عليه وسلّم يقولون في القرآن سحر وكهانة وأساطير الأولين وفي محمد صلّى الله عليه وسلّم ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وقيل: لفي قول مختلف أي مصدق ومكذب يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ أي يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه وهو من حرمه الله الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن وقيل: معناه أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فيقولون إنه ساحر وشاعر وكان ومجنون فيصرفونه عن الإيمان به قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ أي: الكذابون وهم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب مكة واقتسموا القول في النبي صلّى الله عليه وسلّم ليصرفوا الناس عن الإسلام. وقيل: هم الكهنة الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ أي في غفلة وعمى وجهالة ساهُونَ أي
﴿ فالحاملات وقراً ﴾ يعني السحاب يحمل ثقلاً من الماء.
﴿ فالجاريات يسراً ﴾ يعني السفن تجري في الماء جرياً سهلاً.
﴿ فالمقسمات أمراً ﴾ يعني الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به وقيل : هم أربعة : جبريل صاحب الوحي إلى الأنبياء الأمين عليه وصاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل صاحب الصور واللوح، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح. وقيل : هذه الأوصاف الأربعة في الرياح لأنها تنشئ السحاب وتسيره ثم تحمله وتقله ثم تجري به جرياً سهلاً ثم تقسم الأمطار بتصريف السحاب أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعته وقدرته. والمعنى : أقسم بالذاريات بهذه الأشياء، وقيل : فيه مضمر تقديره ورب الذاريات ثم ذكر جواب القسم فقال تعالى :﴿ إن ما توعدون لواقع ﴾.
﴿ إن ما توعدون ﴾ أي من الثواب والعقاب يوم القيامة ﴿ لصادق ﴾ أي الحق.
﴿ وإن الدين ﴾ أي الحساب والجزاء ﴿ لواقع ﴾ أي لكائن.
ثم ابتدأ قسماً آخر فقال تعالى :﴿ والسماء ذات الحبك ﴾ قال ابن عباس : ذات الخلق الحسن المستوي، وقيل : ذات الزينة حبكت بالنجوم وقيل : ذات البنيان المتقن وقيل : ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح وحبك الرمل ولكنها لا ترى لبعدها من الناس.
وجواب القسم قوله ﴿ إنكم ﴾ يعني يا أهل مكة ﴿ لفي قول مختلف ﴾ يعني في القرآن وفي محمد صلى الله عليه وسلم يقولون في القرآن سحر وكهانة وأساطير الأولين وفي محمد صلى الله عليه وسلم ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وقيل : لفي قول مختلف أي مصدق ومكذب.
﴿ يؤفك عنه من أفك ﴾ أي يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه وهو من حرمه الله الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وقيل : معناه أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فيقولون إنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون فيصرفونه عن الإيمان به.
﴿ قتل الخراصون ﴾ أي : الكذابون وهم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب مكة واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن الإسلام. وقيل : هم الكهنة.
﴿ الذين هم في غمرة ﴾ أي في غفلة وعمى وجهالة ﴿ ساهون ﴾ أي لاهون غافلون عن أمر الآخرة والسهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه.
﴿ يسألون أيان يوم الدين ﴾ أي يقولون يا محمد متى يوم الجزاء يعني يوم القيامة تكذيباً واستهزاء.
قال الله تعالى :﴿ يوم هم ﴾ أي يكون هذا الجزاء في يوم هم ﴿ على النار يفتنون ﴾ أي يدخلون ويعذبون بها.
وتقول لهم خزنة النار :﴿ ذوقوا فتنتكم ﴾ أي عذابكم ﴿ هذا الذي كنتم به تستعجلون ﴾ أي في الدنيا تكذيباً به.
لاهون غافلون عن أمر الآخرة والسهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ أي يقولون يا محمد متى يوم الجزاء يعني يوم القيامة تكذيبا واستهزاء قال الله تعالى: يَوْمَ هُمْ أي يكون هذا الجزاء في يوم هم عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ أي يدخلون ويعذبون بها وتقول لهم خزنة النار: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ أي عذابكم هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ أي في الدنيا تكذيبا به.
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ١٥ الى ١٨]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)
قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يعني في خلال الجنات عيون جارية آخِذِينَ ما آتاهُمْ أي ما أعطاهم رَبُّهُمْ أي من الخير والكرامة إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ أي قبل دخولهم الجنة كانوا محسنين في الدنيا ثم وصف إحسانهم فقال تعالى: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ أي كانوا ينامون قليلا من الليل ويصلون أكثره. وقال ابن عباس: كانوا قل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئا إما من أولها أو من أوسطها عن أنس بن مالك في قوله: «كانوا قليلا من الليل ما يهجعون» قال: كانوا بين المغرب والعشاء أخرجه أبو داود.
وقيل: كانوا لا ينامون حتى يصلون العتمة وقيل: قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها، ووقف بعضهم على قوله: كانوا قليلا، أي من الناس ثم ابتدأ من الليل ما يهجعون أي لا ينامون بالليل البتة بل يقومون الليل كله في الصلاة والعبادة وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي ربما مدوا عبادتهم إلى وقت السحر ثم أخذوا في الاستغفار وقيل: معناه يستغفرون من تقصيرهم في العبادة وقيل: يستغفرون من ذلك القدر القليل الذي كانوا ينامونه من الليل وقيل: معناه يصلون بالأسحار لطلب المغفرة (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» ولمسلم قال: «فيقول أنا الملك أنا الملك» وذكر الحديث وفيه «حتى يضيء الفجر» وزاد في رواية «من يقرض غير عديم ولا ظلوم».
(فصل) هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان معروفان:
أحدهما: وهو مذهب السلف وغيرهم أنه يمر كما جاء من غير تأويل ولا تعطيل ويترك الكلام فيه وفي أمثاله مع الإيمان به وتنزيه الرب تبارك وتعالى عن صفات الأجسام.
المذهب الثاني: وهو قول جماعة من المتكلمين وغيرهم أن الصعود والنزول من صفات الأجسام والله تعالى يتقدس عن ذلك. فعلى هذا يكون معناه نزول الرحمة والألطاف الإلهية وقربها من عباده والإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. وتخصيصه بالثلث الأخير من الليل، لأن ذلك وقت التهجد والدعاء وغفلة أكثر الناس عن التعرض لنفحات رحمة الله تعالى وفي ذلك الوقت تكون النية خالصة والرغبة إلى الله تعالى متوفرة فهو مظنة لقبول الإجابة والله تعالى أعلم (ق).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل يتهجد قال: اللهم لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك الحق وقولك الحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت». زاد في رواية: «وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك» زاد النسائي: «ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
﴿ آخذين ما آتاهم ﴾ أي ما أعطاهم ﴿ ربهم ﴾ أي من الخير والكرامة ﴿ إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ﴾ أي قبل دخولهم الجنة محسنين في الدنيا.
ثم وصف إحسانهم فقال تعالى :﴿ كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ﴾ أي كانوا ينامون قليلاً من الليل ويصلون أكثره. وقال ابن عباس : كانوا كل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئاً إما من أولها أو من أوسطها عن أنس بن مالك في قوله :﴿ كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ﴾ قال : كانوا بين المغرب والعشاء أخرجه أبو داود.
وقيل : كانوا لا ينامون حتى يصلون العتمة وقيل : كل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها، ووقف بعضهم على قوله : كانوا قليلاً، أي من الناس ثم ابتدأ من الليل ما يهجعون أي لا ينامون بالليل البتة بل يقومون الليل كله في الصلاة والعبادة.
﴿ وبالأسحار هم يستغفرون ﴾ أي ربما مدوا عبادتهم إلى وقت السحر ثم أخذوا في الاستغفار وقيل : معناه يستغفرون من تقصيرهم في العبادة وقيل : يستغفرون من ذلك القدر القليل الذي كانوا ينامونه من الليل وقيل : معناه يصلون بالأسحار لطلب المغفرة ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له » ولمسلم قال :«فيقول أنا الملك أنا الملك » وذكر الحديث وفيه «حتى يضيء الفجر » وزاد في رواية «من يقرض غير عديم ولا ظلوم ».
( فصل )
هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان معروفان :
أحدهما : وهو مذهب السلف وغيرهم أنه يمر كما جاء من غير تأويل ولا تعطيل ويترك الكلام فيه وفي أمثاله مع الإيمان به وتنزيه الرب تبارك وتعالى عن صفات الأجسام.
المذهب الثاني : وهو قول جماعة من المتكلمين وغيرهم أن الصعود والنزول من صفات الأجسام والله تعالى يتقدس عن ذلك. فعلى هذا يكون معناه نزول الرحمة والألطاف الإلهية وقربها من عباده والإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. وتخصيصه بالثلث الأخير من الليل، لأن ذلك وقت التهجد والدعاء وغفلة أكثر الناس عن التعرض لنفحات رحمة الله تعالى وفي ذلك الوقت تكون النية خالصة والرغبة إلى الله تعالى متوفرة فهو مظنة لقبول الإجابة والله تعالى أعلم ( ق ).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك الحق وقولك الحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ». زاد في رواية :" وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك " زاد النسائي :" ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ( خ ) عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال اللهم اغفر لي، أو قال دعا أستجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته " قوله تعار من الليل يقال : تعارَّ الرجل من نومه إذا انتبه وله صوت.
العظيم» (خ) عن عبادة بن الصامت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال اللهم اغفر لي، أو قال دعا أستجيب له فإن توضأ وصلّى قبلت صلاته» قوله تعار من الليل يقال: تعارّ الرجل من نومه إذا انتبه وله صوت وقوله عز وجل:
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ١٩ الى ٢٤]
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ أي نصيب قيل إنه ما يصلون به رحما أو يقرون به ضيفا أو يحملون به كلّا أو يعينون به محروما وليس بالزكاة قاله ابن عباس. وقيل: إنه الزكاة المفروضة لِلسَّائِلِ أي الذي يسأل الناس ويطلب منهم وَالْمَحْرُومِ قيل هو الذي ليس له في الغنائم سهم ولا يجري عليه من الفيء شيء قال ابن عباس رضي الله عنهما: المحروم الذي ليس له في فيء الإسلام سهم. وقيل: معناه الذي حرم الخير والعطاء، وقيل: المحروم، المتعفف الذي لا يسأل. وقيل: هو صاحب الجائحة الذي أصيب زرعه وثمره أو نسل ماشيته وقيل: هو المحارف المحروم في الرزق والتجارة وقيل: هو المملوك وقيل: هو المكاتب، وأظهر الأقوال، أنه المتعفف لأنه قرنه بالسائل والمتعفف لا يسأل ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل إنما يفطن له متيقظ وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ أي عبر من البحار والجبال والأشجار والثمار وأنواع النبات لِلْمُوقِنِينَ أي بالله الذي يعرفونه ويستدلون عليه بصنائعه وَفِي أَنْفُسِكُمْ أي آيات إذ كنتم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما إلى أن تنفخ الروح.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع وقيل: يريد سبيل الغائط والبول يأكل ويشرب من مدخل واحد ويخرج من سبيلين وقيل: يعني تقويم الأدوات السمع والبصر والنطق والعقل إلى غير ذلك من العجائب المودعة في ابن آدم أَفَلا تُبْصِرُونَ يعني كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ قال ابن عباس هو المطر وهو سبب الأرزاق وَما تُوعَدُونَ يعني من الثواب والعقاب. وقيل: من الخير والشر. وقيل: الجنة والنار ثم أقسم سبحانه وتعالى بنفسه فقال: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ أي ما ذكر من الرزق وغيره مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ أي بلا إله إلا الله.
وقيل: شبه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي ومعناه إنه لحق كما أنك تتكلم. وقيل: إن معناه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة وقال بعض الحكماء معناه كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره كذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له لا يقدر أن يأكل رزق غيره.
قوله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ يعني هل أتاك يا محمد حديث الذين جاءوا إبراهيم بالبشرى فاستمع نقصصه عليك وقد تقدم ذكر عددهم وقصتهم في سورة هود الْمُكْرَمِينَ قيل: سماهم مكرمين لأنهم كانوا ملائكة كراما عند الله. وقيل: لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وهو أكرم الخلق على الله يومئذ وضيف الكريم مكرمون.
وقيل: لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أكرمهم بتعجيل قراهم وخدمته إياهم بنفسه وطلاقة وجهه لهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سماهم مكرمين لأنهم كانوا غير مدعوين (ق) عن أبي شريح العدوي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.
﴿ وفي الأرض آيات ﴾ أي عبر من البحار والجبال والأشجار والثمار وأنواع النبات ﴿ للموقنين ﴾ أي بالله الذي يعرفونه ويستدلون عليه بصنائعه.
﴿ وفي أنفسكم ﴾ أي آيات إذ كنتم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً إلى أن تنفخ الروح.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع وقيل : يريد سبيل الغائط والبول يأكل ويشرب من مدخل واحد ويخرج من سبيلين وقيل : يعني تقويم الأدوات السمع والبصر والنطق والعقل إلى غير ذلك من العجائب المودعة في ابن آدم ﴿ أفلا تبصرون ﴾ يعني كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث.
﴿ وفي السماء رزقكم ﴾ قال ابن عباس هو المطر وهو سبب الأرزاق ﴿ وما توعدون ﴾ يعني من الثواب والعقاب. وقيل : من الخير والشر. وقيل : الجنة والنار.
ثم أقسم سبحانه وتعالى بنفسه فقال ﴿ فورب السماء والأرض إنه لحق ﴾ أي ما ذكر من الرزق وغيره ﴿ مثل ما أنكم تنطقون ﴾ أي بلا إله إلا الله.
وقيل : شبه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي ومعناه إنه لحق كما أنك تتكلم. وقيل : إن معناه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة وقال بعض الحكماء معناه كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره كذلك كل إنسان يأكل من رزق نفسه الذي قسم له لا يقدر أن يأكل رزق غيره.
قوله تعالى :﴿ هل أتاك حديث ضيف إبراهيم ﴾ يعني هل أتاك يا محمد حديث الذين جاؤوا إبراهيم بالبشرى فاستمع نقصصه عليك وقد تقدم ذكر عددهم وقصتهم في سورة هود ﴿ المكرمين ﴾ قيل : سماهم مكرمين لأنهم كانوا ملائكة كراماً عند الله. وقيل : لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وهو أكرم الخلق على الله يومئذ وضيف الكريم مكرمون.
وقيل : لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أكرمهم بتعجيل قراهم وخدمته إياهم بنفسه وطلاقة وجهه لهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : سماهم مكرمين لأنهم كانوا غير مدعوين ( ق ) عن أبي شريح العدوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ».

[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٢٥ الى ٣٤]

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩)
قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أي غرباء لا نعرفكم.
قال ابن عباس: قال في نفسه هؤلاء قوم لا نعرفهم وقيل: إنما أنكر أمرهم، لأنهم دخلوا بغير استئذان وقيل: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض فَراغَ أي عدل ومال إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ أي جيد وكان مشويا. قيل: كان عامة مال إبراهيم البقر فجاء بعجل فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ هذا من آداب المضيف أن يقدم الطعام إلى الضيف ولا يحوجهم السعي إليه فلما لم يأكلوا قالَ أَلا تَأْكُلُونَ يعني أنه حثهم على الأكل. وقيل:
عرض عليهم الأكل من غير أن يأمرهم فَأَوْجَسَ أي فأضمر مِنْهُمْ خِيفَةً لأنهم لم يتحرموا بطعامه قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ أي يبلغ ويعلم وقيل: عليم أي نبي فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ قيل لم يكن ذلك إقبالا من مكان إلى مكان بل كانت في البيت فهو كقول القائل أقبل يفعل كذا إذا أخذ فيه فِي صَرَّةٍ أي في صيحة والمعنى أنها أخذت تولول وذلك من عاد النساء إن سمعن شيئا فَصَكَّتْ وَجْهَها قال ابن عباس: لطمت وجهها. وقيل: جمعت أصابعها وضربت جبينها تعجبا وذلك من عادة النساء أيضا إذا أنكرن شيئا وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ معناه: أتلد عجوز عقيم وذلك لأن سارة لم تلد قبل ذلك قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاما إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ثم إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما علم حالهم وأنهم من الملائكة قالَ فَما خَطْبُكُمْ أي فما شأنكم وما طلبكم أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يعني قوم لوط لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ قيل هو الآجر مُسَوَّمَةً أي معلمة قيل على كل حجر اسم من يهلك به.
وقيل: معلمه بعلامة تدل على أنها ليست من حجارة الدنيا عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ قال ابن عباس يعني المشركين لأن الشرك أسرف الذنوب وأعظمها.
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٣٥ الى ٤٣]
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩)
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣)
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها أي في قرى قوم لوط مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ أي أهل بيت مِنَ الْمُسْلِمِينَ يعني لوطا وابنتيه وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعا لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم.
لأن الإسلام أعم من الإيمان. وإطلاق العام على الخاص لا مانع منه فإذا سمي المؤمن مسلما، لا يدل على اتحاد مفهوميهما وَتَرَكْنا فِيها أي في مدينة قوم لوط آيَةً أي عبرة لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ والمعنى تركنا فيها علامة للخائفين تدلهم على أن الله مهلكهم فيخافون مثل عذابهم قوله عز وجل: وَفِي مُوسى أي وتركنا في إرسال موسى آية وعبرة إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي حجة ظاهرة فَتَوَلَّى أي أعرض عن الإيمان بِرُكْنِهِ أي بجمعه وجنوده الذين كان يتقوى بهم وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ أي فأغرقناهم في البحر هُوَ مُلِيمٌ
أي آت بما يلام عليه من دعوى الربوبية وتكذيب الرسل وَفِي
﴿ فراغ ﴾ أي عدل ومال ﴿ إلى أهله فجاء بعجل سمين ﴾ أي جيد وكان مشوياً. قيل : كان عامة مال إبراهيم البقر فجاء بعجل.
﴿ فقربه إليهم ﴾ هذا من آداب المضيف أن يقدم الطعام إلى الضيف ولا يحوجهم السعي إليه فلما لم يأكلوا ﴿ قال ألا تأكلون ﴾ يعني أنه حثهم على الأكل. وقيل : عرض عليهم الأكل من غير أن يأمرهم.
﴿ فأوجس ﴾ أي فأضمر ﴿ منهم خيفة ﴾ لأنهم لم يتحرموا بطعامه ﴿ قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ﴾ أي يبلغ ويعلم وقيل : عليم أي نبي.
﴿ فأقبلت امرأته ﴾ قيل لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان بل كانت في البيت فهو كقول القائل أقبل يفعل كذا إذا أخذ فيه ﴿ في صرة ﴾ أي في صيحة والمعنى أنها أخذت تولول وذلك من عاد النساء إن سمعن شيئاً ﴿ فصكت وجهها ﴾ قال ابن عباس : لطمت وجهها. وقيل : جمعت أصابعها وضربت جبينها تعجباً وذلك من عادة النساء أيضاً إذا أنكرن شيئاً ﴿ وقالت عجوز عقيم ﴾ معناه : أتلد عجوز عقيم وذلك لأن سارة لم تلد قبل ذلك.
﴿ قالوا كذلك قال ربك ﴾ أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاماً ﴿ إنه هو الحكيم العليم ﴾ ثم إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما علم حالهم وأنهم من الملائكة.
﴿ قال فما خطبكم ﴾ أي فما شأنكم وما طلبكم ﴿ أيها المرسلون ﴾.
﴿ قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ﴾ يعني قوم لوط.
﴿ لنرسل عليهم حجارة من طين ﴾ قيل هو الآجر.
﴿ مسومة ﴾ أي معلمة قيل على كل حجر اسم من يهلك به.
وقيل : معلمه بعلامة تدل على أنها ليست من حجارة الدنيا ﴿ عند ربك للمسرفين ﴾ قال ابن عباس يعني المشركين لأن الشرك أسرف الذنوب وأعظمها.
﴿ فأخرجنا من كان فيها ﴾ أي في قرى قوم لوط ﴿ من المؤمنين ﴾.
﴿ فما وجدنا فيها غير بيت ﴾ أي أهل بيت ﴿ من المسلمين ﴾ يعني لوطاً وابنتيه وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعاً لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم. لأن الإسلام أعم من الإيمان. وإطلاق العام على الخاص لا مانع منه فإذا سمي المؤمن مسلماً، لا يدل على اتحاد مفهوميهما.
﴿ وتركنا فيها ﴾ أي في مدينة قوم لوط ﴿ آية ﴾ أي عبرة ﴿ للذين يخافون العذاب الأليم ﴾ والمعنى تركنا فيها علامة للخائفين تدلهم على أن الله مهلكهم فيخافون مثل عذابهم.
قوله عز وجل :﴿ وفي موسى ﴾ أي وتركنا في إرسال موسى آية وعبرة ﴿ إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ﴾ أي حجة ظاهرة.
﴿ فتولى ﴾ أي أعرض عن الإيمان ﴿ بركنه ﴾ أي بجمعه وجنوده الذين كان يتقوى بهم ﴿ وقال ساحر أو مجنون ﴾.
﴿ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ﴾ أي فأغرقناهم في البحر ﴿ وهو مليم ﴾ أي آت بما يلام عليه من دعوى الربوبية وتكذيب الرسل.
﴿ وفي عاد ﴾ أي وفي إهلاك عاد أيضاً آية وعبرة ﴿ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ﴾ يعني التي لا خير فيها ولا بركة فلا تلقح شجراً ولا تحمل مطراً.
﴿ ما تذر من شيء أتت عليه ﴾ أي من أنفسهم وأموالهم وأنعامهم ﴿ إلا جعلته كالرميم ﴾ أي كالشيء الهالك البالي وهو ما يبس وديس من نبات الأرض كالشجر والتبن ونحوه وأصله من رم العظم إذا بلي.
﴿ وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ﴾ يعني إلى وقت انقضاء آجالهم وذلك أنهم لما عقروا الناقة قيل لهم : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام.
عادٍ أي وفي إهلاك عاد أيضا آية وعبرة إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ يعني التي لا خير فيها ولا بركة فلا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ أي من أنفسهم وأموالهم وأنعامهم إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ أي كالشيء الهالك البالي وهو ما يبس وديس من نبات الأرض كالشجر والتبن ونحوه وأصله من رم العظم إذا بلي وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ يعني إلى وقت انقضاء آجالهم وذلك أنهم لما عقروا الناقة قيل لهم: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام.
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٤٤ الى ٥١]
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١)
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ أي تكبروا عن طاعة ربهم فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ أي بعد مضي ثلاثة أيام من بعد عقر الناقة وهي الموت في قول ابن عباس. وقيل: أخذهم العذاب والصاعقة كل عذاب مهلك وَهُمْ يَنْظُرُونَ أي يرون ذلك العذاب عيانا فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ أي فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض من تلك الصرعة وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ أي ممتنعين منا وقيل: ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من أمر الله وَقَوْمَ نُوحٍ قرئ بكسر الميم ومعناه وفي يوم نوح وقرئ بنصبها ومعناه: وأغرقنا قوم نوح مِنْ قَبْلُ أي من قبل هؤلاء وهم عاد وثمود وقوم فرعون إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ أي خارجين عن الطاعة.
قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ أي بقوة وقدرة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ قيل: هو من السعة: أي أوسعنا السماء بحيث صارت الأرض وما يحيط بها من السماء والفضاء وبالنسبة إلى سعة السماء كالحلقة الملقاة في الفلاة وقال ابن عباس: معناه قادرون على بنائها كذلك وعنه لموسعون أي الرزق على خلقنا وقيل: معناه وإنا ذوو السعة والغنى وَالْأَرْضَ فَرَشْناها أي بسطناها ومهدناها لكم فَنِعْمَ الْماهِدُونَ أي نحن وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ أي صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر والسهل والجبل والصيف والشتاء والجن والإنس والذكر والأنثى والنور والظلمة والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل والحلو والمر والحامض لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي فتعلمون أن خالق الأزواج فرد لا نظير له ولا شريك معه فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ أي: قل يا محمد ففروا إلى الله أي فاهربوا من عذابه إلى ثوابه بالإيمان والطاعة وقال ابن عباس ففروا منه إليه واعملوا بطاعته وقال سهل بن عبد الله ففروا مما سوى الله إلى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ أي مخوف مُبِينٌ أي بين الرسالة بالحجة الظاهرة والمعجزة الباهرة والباهرة القاطع وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أي وحدوده ولا تشركوا به شيئا إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ قيل: إنما كرر قوله إني لكم منه نذير مبين عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما.
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٥٢ الى ٥٧]
كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦)
ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)
كَذلِكَ أي كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كذلك ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي من قبل كفار
﴿ فما استطاعوا من قيام ﴾ أي فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض من تلك الصرعة ﴿ وما كانوا منتصرين ﴾ أي ممتنعين منا وقيل : ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من أمر الله.
﴿ وقوم نوح ﴾ قرئ بكسر الميم ومعناه وفي يوم نوح وقرئ بنصبها ومعناه : وأغرقنا قوم نوح ﴿ من قبل ﴾ أي من قبل هؤلاء وهم عاد وثمود وقوم فرعون ﴿ إنهم كانوا قوماً فاسقين ﴾ أي خارجين عن الطاعة.
قوله تعالى :﴿ والسماء بنيناها بأيد ﴾ أي بقوة وقدرة ﴿ وإنا لموسعون ﴾ قيل : هو من السعة : أي أوسعنا السماء بحيث صارت الأرض وما يحيط بها من السماء والفضاء وبالنسبة إلى سعة السماء كالحلقة الملقاة في الفلاة وقال ابن عباس : معناه قادرون على بنائها كذلك وعنه لموسعون أي الرزق على خلقنا وقيل : معناه وإنا ذوو السعة والغنى.
﴿ والأرض فرشناها ﴾ أي بسطناها ومهدناها لكم ﴿ فنعم الماهدون ﴾ أي نحن.
﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين ﴾ أي صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر والسهل والجبل والصيف والشتاء والجن والإنس والذكر والأنثى والنور والظلمة والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل والحلو والمر والحامض ﴿ لعلكم تذكرون ﴾ أي فتعلمون أن خالق الأزواج فرد لا نظير له ولا شريك معه.
﴿ ففروا إلى الله ﴾ أي : قل يا محمد ففروا إلى الله أي فاهربوا من عذابه إلى ثوابه بالإيمان والطاعة وقال ابن عباس ففروا منه إليه واعملوا بطاعته وقال سهل بن عبد الله ففروا مما سوى الله إلى الله ﴿ إني لكم منه نذير ﴾ أي مخوف ﴿ مبين ﴾ أي بين الرسالة بالحجة الظاهرة والمعجزة الباهرة والبرهان القاطع.
﴿ ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر ﴾ أي وحدوه ولا تشركوا به شيئاً ﴿ إني لكم منه نذير مبين ﴾ قيل : إنما كرر قوله إني لكم منه نذير مبين عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما.
﴿ كذلك ﴾ أي كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كذلك ﴿ ما أتى الذين من قبلهم ﴾ أي من قبل كفار مكة والأمم الخالية ﴿ من رسول ﴾ يعني يدعوهم إلى الإيمان والطاعة ﴿ إلا قالوا ساحر أو مجنون ﴾.
قال الله تعالى ﴿ أتواصوا به ﴾ أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضاً بالتكذيب وتواطؤوا عليه وفيه توبيخ لهم ﴿ بل هم قوم طاغون ﴾ أي لم يتواصلوا بهذا القول لأنهم لم يتلاقوا على زمان واحد بل جمعتهم على ذلك علة واحدة وهي الطغيان وهو الحامل لهم على ذلك القول.
﴿ فتولَّ عنهم ﴾ أي أعرض عنهم ﴿ فما أنت بملوم ﴾ أي لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وبذلت المجهود وما قصرت فيما أمرت به.
قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد على أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم.
فأنزل الله عز وجل :﴿ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ﴾ فطابت نفوسهم بذلك والمعنى عظ بالقرآن كفار مكة فإن الذكرى تنفع من علم الله أنه يؤمن منهم وقيل : معناه عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.
قوله عز وجل :﴿ وما خلقت الجن والإنس ﴾ أي من المؤمنين ﴿ إلا ليعبدون ﴾ قيل هذا خاص بأهل طاعته من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس «وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون » وقيل : معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي وهو ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة. وقال علي بن أبي طالب إلا ليعبدون أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي. وقيل : معناه إلا ليعرفوني وهذا حسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده. وقيل : معناه إلا ليخضعوا لي ويتذللوا لأن معنى العبادة في اللغة التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله متذلل للمشيئة لا يملك أحد لنفسه خروجاً عما خلق له. وقيل : معناه إلا ليوحدوني فأما المؤمن فيوحده اختياراً في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده اضطراراً في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء.
﴿ ما أريد منهم من رزق ﴾ أي ما أريد أن يرزقوا أحداً من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم لأني أنا الرزاق المتكفل لعبادي بالرزق القائم لكل نفس بما يقيمها من قوتها ﴿ وما أريد أن يطعمون ﴾ أي أن يطعموا أحداً من خلقي وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق كلهم عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه لما صح من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي » أخرجه مسلم ثم بين أن الرزاق هو لا غيره فقال تعالى :﴿ إن الله هو الرزاق ﴾.
مكة والأمم الخالية مِنْ رَسُولٍ يعني يدعوهم إلى الإيمان والطاعة إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ قال الله تعالى أَتَواصَوْا بِهِ أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضا بالتكذيب وتواطؤوا عليه وفيه توبيخ لهم بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ أي لم يتواصلوا بهذا القول لأنهم لم يتلاقوا على زمان واحد بل جمعتهم على ذلك علة واحدة وهي الطغيان وهو الحامل لهم على ذلك القول فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي أعرض عنهم فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ أي لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وبذلت المجهود وما قصرت فيما أمرت به.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واشتد على أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتولى عنهم فأنزل الله عز وجل: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فطابت نفوسهم بذلك والمعنى عظ بالقرآن كفار مكة فإن الذكرى تنفع من علم الله أنه يؤمن منهم وقيل: معناه عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.
قوله عز وجل: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ أي من المؤمنين إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قيل هذا خاص بأهل طاعته من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس «وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون» وقيل: معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي وهو ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة. وقال علي بن أبي طالب إلا ليعبدون أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي. وقيل: معناه إلا ليعرفوني وهذا حسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده. وقيل: معناه إلا ليخضعوا لي ويتذللوا لأن معنى العبادة في اللغة التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله متذلل للمشيئة لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق له. وقيل: معناه إلا ليوحدوني فأما المؤمن فيوحده اختيارا في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده اضطرارا في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ أي ما أريد أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم لأني أنا الرزاق المتكفل لعبادي بالرزق القائم لكل نفس بما يقيمها من قوتها وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ أي أن يطعموا أحدا من خلقي وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق كلهم عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه لما صح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي» أخرجه مسلم ثم بين أن الرزاق هو لا غيره فقال تعالى:
[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٥٨ الى ٦٠]
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ أي لجميع خلقه ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ يعني هو القوي الشديد المقتدر البليغ القوة والقدرة الذي لا يلحقه في أفعاله مشقة فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أي من أهل مكة ذَنُوباً أي نصيبا من العذاب مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود فَلا يَسْتَعْجِلُونِ أي بالعذاب لأنهم أخروا إلى يوم القيامة يدل عليه قوله عز وجل فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يعني يوم القيامة وقيل: يوم بدر والله تعالى أعلم بمراده.
﴿ فإن للذين ظلموا ﴾ أي من أهل مكة ﴿ ذنوباً ﴾ أي نصيباً من العذاب ﴿ مثل ذنوب أصحابهم ﴾ أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود ﴿ فلا يستعجلون ﴾ أي بالعذاب لأنهم أخروا إلى يوم القيامة يدل عليه قوله عز وجل ﴿ فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ﴾.
قوله عز وجل ﴿ فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ﴾ يعني يوم القيامة وقيل : يوم بدر والله تعالى أعلم بمراده.
Icon