تفسير سورة المزّمّل

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة المزمل من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة المزمل (١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١ - ﴿يَا أَيُّهَا (٢) الْمُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١] أجمعوا (٣) على أن المراد بالمزمل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن الخطاب له.
وأصله المتزمل بـ (التاء) في قول جميع أهل اللغة (٤)، فأدغم (التاء)
(١) مكية بقول أكثر المفسرين، وممن قال بذلك: الحسن، وعكرمة، وعطاء، وجابر، ومقاتل.
انظر: "تفسير مقاتل" ٢١٣/ أ، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٢٤، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٧/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٤، ورجح القرطبي القول إنها مدنية. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٠.
(٢) في (أ): يايها.
(٣) أجمع المفسرون على ذلك، وقد ذكر ابن جرير هذا القول من غير ذكر الخلاف له. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٤، وحكى الإجماع الفخر في "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧١، وعزاه البغوي إلى الحكماء "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠١. وممن ذهب إلى هذا القول أنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٩، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٦، والخازن في "لباب التأويل" ٤/ ٣٢٠، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٣، والشوكاني في "فتح القدير" ٥/ ٣٠٤.
(٤) حكى الإجماع الفراء عن القراء في "معاني القرآن" ٣/ ١٩٦. وممن قال بذلك من أهل اللغة: الأخفش في "معاني القرآن" ٢/ ٧١٦، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٩، والنحاس في "إعراب القرآن" ٥/ ٥٥، وابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ٢٦٤. وحكاه الأزهري عن أبي إسحاق في "تهذيب اللغة" ١٣/ ٢٢٢، مادة: (زمل)، وكذا صاحب اللسان: ١١/ ٣١١ مادة: (زمل). كما قال به أصحاب التفسسير، انظر المراجع السابقة في الحاشية: ٥، إضافة إلى السمرقندي =
341
في (الزاي) (١) (٢).
واختلفوا في: لِمَ تزمل بثوبه.
فقال ابن عباس: كان يفرق (٣) من جبريل (عليه السلام) (٤)، ويتزمل بالثياب في أول ما جاء حتى رآه وكلمه فأنس به (٥).
وقال الكلبي: إنما تزمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بثيابه وتهيأ (٦) للصلاة (٧). وهو اختيار الفراء، قال: المزمل الذي قد تزمل بثيابه (٨)، وتهيأ للصلاة، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-. (٩)
وقال السدي: أراد: يا أيها (١٠) النائم (١١)، وعلى هذا إنما تزمل
= في "بحر العلوم" ٣/ ٤١٥. وانظر أيضًا "البيان في غريب إعراب القرآن" لأبي البركات بن الأنباري ٢/ ٤٦٩، و"إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن" لأبي البقاء العكبري ٢/ ٢٧١.
(١) في (ع): الزاء.
(٢) قال الزجاج: التاء تدغم في الزاي لقربها منها، يقال: تَزَمَّل فلان إذا تلفف بثيابه، وكل شيء لفف فقد زُمِّل. "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٩.
(٣) الفَرَق بالتحريك: الخوف والفزع، يقال: يفرق فرقًا. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" ٣/ ١٩٦.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧١ بمعناه.
(٦) ليتهب (أ) هكذا وردت في نسخة (ع)، ولا تستقيم العبارة إلا لو كان المراد به (أ) تأهب، وسها الناسخ عن ذلك.
(٧) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧١.
(٨) قوله: تزمل في ثيابه: بياض في (ع).
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٦ برواية: رسول الله بدلاً من النبي.
(١٠) في (أ): يايها.
(١١) "الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٨/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٦، و"زاد المسير" ٨/ ١١٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٣.
342
للنوم (١).
ومعنى التزمل: التلفف (٢) في الثوب، واللباس، يقال: تزمل الرجل، وزمل غيره (٣)، ومنه قول امرئ القيس (٤):
كبيرُ أناسٍ في بِجَادٍ (٥) مُزَمَّلِ (٦)
(١) بياض في (ع).
(٢) بياض في (ع).
(٣) انظر مادة: (زمل) في كل من "الصحاح" ٤/ ١٧١٨، و"لسان العرب" ١١/ ٣١١، و"القاموس المحيط" ٣/ ٢٩٠، "تاج العروس" ٧/ ٣٦٠.
(٤) بياض في (ع).
(٥) غير واضحة في (ع).
(٦) هذا عجز بيت، وصدره:
كأنَّ ثَبيرًا في عَرَانينِ بلِهِ
هكذا ورد في "شرح المعلقات السبع"، و"معاني القرآن وإعرابه"، وفي "ديوانه" ٦٢: وَبْلِهِ، وكذا في النكت والعيون، وورد بألفاظ أخرى نحو:
كأنَّ أبانًا في أفانين وَدْقِهِ
هكذا ورد عند المبرد في الكامل، وابن عطية، وفي اللسان. ومعنى البيت كما في شرح المعلقات: ثبير: جبل بعينه، العرنين: الأنف، وقال جمهور الأئمة: هو معظم الأنف، والجمع العرانين، ثم استعار العرانين لأوائل المطر، لأن الأنوف تتقدم الوجوه. البجاد: كساء مخطط، والجمع البجد. التزميل: التلفيف بالثياب، وقد زملته بثيابه فتزمل بها أي لففته بها، وجر مزملاً على جوار بجاد، وإلا فالقياس يقتضي رفعه لأنه وصف كبير أناس. والمعنى: يقول: كأن ثبيرًا في أوائل مطر هذا السحاب سيد أناس قد تلفف بكساء مخطط، شبه تغطيته بالغثاء بتغطي هذا الرجل بالكساء. انظر: "شرح المعلقات السبع" لأبي عبد الله الزوزني: ٥٤. مواضع ورود البيت: "ديوانه" ٦٢ ط دار صادر، و"لسان العرب" ١١/ ٣١١ مادة: (زمل)، و"الكامل" ٢/ ٩٩٣، و"معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٩، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٨/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٥، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٦، و"زاد =
343
والقول في تزَمُّلِهِ عليه السلام (١) ما ذكره ابن عباس، فقد روى في حديث المبعث (٢) أنه كان يأتي أهله فيقول: "زملوني زملوني" (٣).
قالوا (٤): وخوطب بهذا (٥) الخطاب؛ لأنه في أول ما بدئ بالوحي
= المسير" ٨/ ١١٢، حاشية ٣ ورد بيت الشعر في النسخة الأزهرية، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٠، و"الدر المصون" ٦/ ٤٠١.
(١) في (ع): -صلى الله عليه وسلم-.
(٢) بياض في (ع).
(٣) الحديث أخرجه البخاري في "الجامع الصحيح" ١/ ١٤، ح: ٣، كتاب: الوحي باب: ١٣، وجـ: ٣/ ٣٢٧، ح: ٤٩٥٣ - ٤٩٥٤، كتاب: التفسير باب: ٩٦، ٤/ ٢٩٥، ح: ٢٩٨٢، كتاب: التعبير باب أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة، من طريق عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاء الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)﴾، فرجع بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- فقال: زمِّلوني، زمِّلوني... " الحديث. كما أخرجه مسلم ١/ ١٣٩، ١٤٣، ح: ٢٥٢، ٢٥٥، كتاب الإيمان: باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والإمام أحمد في "المسند" ٣/ ٣٢٥، ٣٧٧، ٦/ ٢٢٣ بمعناه، ٢٣٣.
(٤) أي الحكماء كما ذكر الثعلبي في "الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٨/ أ - ب، والبغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٦، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ١١٢، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣١.
(٥) بياض في (ع).
344
ولم يكن قد بلغ (١) شيئًا، ولا قام بالدعوة، (وأمر بالرسالة) (٢) بعد، ثم خوطب بعد ذلك بالنبي والرسول.
قوله تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)﴾، أي: للصلاة.
قال ابن عباس: إن قيام الليل (٣) كان فريضة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى النبيين [قبله] (٤)، كقوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ﴾ [الإسراء: ٧٩] الآية (٥).
وقوله: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ قال الكلبي: يعني بالقليل الثلث الأخير (٦).
قال ابن قتيبة: أي صلِّ الليل إلا شيئاً يسيرًا (٧) تنام فيه، وهو الثلث (٨).
ثم قال: ﴿نِصْفَهُ﴾ قال أبو إسحاق: (نصفه) بدل من (الليل) كما تقول: ضربت زيداً رأسه، فإنما ذكر زيدًا لتوكيد الكلام، وهو أوكد من قولك: ضربت رأس زيد (٩).
فالمعنى: قم نصف الليل إلا قليلاً، وقوله: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ هو قوله: {أَوِ
(١) بياض في (ع).
(٢) قوله: وأمر بالرسالة بياض في (ع).
(٣) قوله: إن قيام الليل: بياض في (ع).
(٤) في (ع): قوله، ولعل الصواب قبله إذ بها تصلح العبارة، والله أعلم.
(٥) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٣.
(٦) في (ع): الآخر. وانظر قول ابن عباس في "النكت والعيون" ٦/ ١٢٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٣، و"الدر المصون" ٦/ ٤٠٢، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٥.
(٧) في (أ): قليلاً.
(٨) "تأويل مشكل القرآن" ٢٦٤ بنصه.
(٩) زيدا هكذا وردت منصوبة في معاني القرآن وإعرابه.
345
انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا}، أي من النصف، ولكنه (١) ذكر ثانياً مع الزيادة، وهو قوله: ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾. فالمعنى: قم نصف الليل، أو انقص من نصف الليل، أو زد على نصف الليل) (٢).
قال المفسرون (٣): أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث، أو زِدْ على النصف (٤) إلى الثلثين، جعل له سعة في مدة قيامه في (٥) الليل، وخيره في هذه الساعات للقيام، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- وطائفة من المؤمنين معه [يقومون] (٦)
(١) غير مقروءة في (ع).
(٢) ما بين القوسين من قول الزجاج "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٣٩ بيسير من التصرف. وذكر أبو البقاء العكبري وجهًا آخر، قال: " (نصفه) بدل من (قليلاً)، وهو أشبه بظاهر الآية؛ لأنه قال: (أو انقص منه أو زد عليه) والهاء فيهما للنصف". انظر: "التبيان في إعراب القرآن" ٢/ ١٢٤٦، إملاء ما من به الرحمن: ٢/ ٢٧١. وإلى هذا ذهب ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٧، والزمخشري في "الكشاف" ٤/ ١٥٢. قال الزمخشري: والمعنى: التخيير بين أمرين: بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين، وهما: النقصان من النصف، والزيادة عليه. "الكشاف" مرجع سابق. وهناك أقوال أخرى في تقدير الآية، فليراجع في ذلك: "الدر المصون" ٦/ ٤٠٢ - ٤٠٣، و"الكشاف" مرجع سابق، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦١ - ٣٦٢. وما نقله الإمام الواحدي عن المفسرين وجدته عند ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ٢٦٤ بنحوه، ولعله نقله عنه.
(٣) وممن حكى قولهم شيء من الاختصار، وعزاه إليهم: ابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ١١٣، وكتابه أيضًا "نواسخ القرآن" ٢٤٦، والشوكاني في "فتح القدير" ٥/ ٣١٦، كما ذكره ابن جرير الطبري بمعناه في "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٤، والبغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٧، والقرطبي في "الجامع" ١٩/ ٣٤.
(٤) و (٥) بياض في (ع).
(٦) يقولون: هكذا وردت في النسختين: (أ)، ع، والصواب ما أثبتناه، وانظر: "الوسيط" ٤/ ٣٧١.
346
علي هذه المقادير (١)، وشق ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري كم صلى، وكم بقي من الليل، وكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب، حتى خفف الله عنهم، ونسخ ذلك بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ﴾ الآية، وهي آخر هذه السورة.
قال (سماك الحنفي (٢) سمعت) (٣) ابن عباس (يقول) (٤): لما أنزل الله أول المزمل كانوا يقومون (٥) مثل (٦) قيامكم في رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها (٧) سنة) (٨).
(١) بياض في (ع).
(٢) سِماك بن الوليد الحَنفي، أبو زُمَيْل اليمامي، سكن الكوفة، روى عن ابن عباس، وثقه أحمد، وابن معين، وقال أبو حاتم وغيره: صدوق لا بأس به، روى له البخاري في الأدب، والباقون. انظر: "الإكمال" لابن ماكولا ٤/ ٩٣، و"تهذيب الكمال" ١٢/ ١٢٥، ت: ٢٥٨٢، و"سير أعلام النبلاء" ٥/ ٢٤٩، ت: ١١١، و"الكاشف" ١/ ٣٢٢، ت: ٢١٦٥.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) ساقط من (ع).
(٥) بياض في (ع).
(٦) في (أ): قبل.
(٧) غير واضحة في (ع).
(٨) الأثر أخرجه أبو داود في "سننه" ١/ ٣٢٩، أبواب قيام الليل. والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٥، كتاب التفسير: سورة المزمل، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي في التلخيص، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" ٢/ ٧٠٤، ح: ٤٦٤٠، كتاب الصلاة، باب في قيام الليل. ومخرج أيضًا في "الصحيح المسند من أسباب النزول" لأبي عبد الرحمن الوادعي: ٢٢٢، وقال: الحديث رجاله رجال الصحيح إلا أحمد بن محمد المروزي، أبا الحسن بن شبويه، وهو ثقة، وأخرب ابن جرير، ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن أبي حاتم كما =
347
وكان في رواية الوالبي: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المؤمنين (١)، فخفف الله عنهم، وأنزل عليهم: ﴿أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى﴾ (٢).
وقال في رواية عطاء (الخراساني) (٣) كان هذا بمكة، فلمَّا قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة نسختها: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ﴾ إلى آخر السورة (٤).
وروى (قيس بن وهب (٥)، عن أبي عبد الرحمن السُّلَميّ (٦)،
= في تفسير ابن كثير، ورجاله رجال الصحيح. كما ورد في "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد: ٢٥٧، رقم: ٤٦٩، و"الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس ٢٩١، و"نفس الصباح" ٢/ ٧٥٨، "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٤ - ١٢٥، و"أحكام القرآن" للجصاص: ٣/ ٤٦٨، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٨٩/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٥، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٢ وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، ومحمد بن نصر، والطبراني في "المعجم الكبير" ١٢/ ١٩٦: ح: ١٢٨٧٧.
(١) بياض في (ع).
(٢) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٥، و"الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ٢٥٦ رقمه: ٤٦٨.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) وردت رواية عطاء عن ابن عباس في "الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس: ٢٩١، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي ٢٤٧.
(٥) قيس بن وَهْب الهمداني الكوفي، روى عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، ووثقه أحمد ابن حنبل، وابن معين، والعِجليُّ، وذكره ابن حبان في الثقات، روى له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه.
انظر: "الجرح والتعديل" ٧/ ١٠٤، ت: ٥٩٤، و"الثقات" لابن أبي حاتم ٥/ ٣١٤، و"تهذيب الكمال" ٢٤/ ٨٦، ت: ٤٩٢٦.
(٦) أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة، عبد الله بن حبيب بن ربيعة، ولأبيه صحبة، وولد هو في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقرأ القرآن وجوده، وبرع في حفظه، وعرض على عثمان، وعلي، وابن مسعود وغيرهم، وكان ثقة كبير القدر، وحديثه في الكتب الستة. توفي سنة ٧٤ هـ، وقيل غير ذلك. انظر: "تاريخ بغداد" ٩/ ٤٣٠، ت: =
348
وقال) (١): (إنه) (٢) لما نزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ﴾ قاموا حولًا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، فنزلت: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ﴾ فاستراح (٣) الناس (٤).
وقال مقاتل: كان هذا بمكة قبل أن (تفرض الصلوات) (٥) الخمس (٦).
= ٥٠٨٤، و"معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار" ١/ ٥٢، ت: ١٥، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي ٢٧/ ت: ٤١.
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) ساقط من (ع).
(٣) غير واضحة في (ع).
(٤) وردت الرواية عن أبي عبد الرحمن السلمي في "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٥، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٥ - ٤٦٦، و"الدر" ٨/ ٣١٢ وعزاها إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن نصر. وانظر أيضًا "الناسخ والمنسوخ" للأزهري: ٣٤. ما مضى من الأقوال يبين أن الله سبحانه قد فرض في أول الإسلام قيام الليل على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى المسلمين، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حوالي سنة حتى انتفخت أقدامهم، ثم خفف الله بعد ذلك، ونسخ فرضية قيام الليل بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾. إلى آخر سورة المزمل: ٢٠، فأصبح قيام الليل تطوعًا بعد أن كان فريضة. وممن ذهب إلى القول إلى أن أول المزمل منسوخ بآخرها قتادة السدوسي في "الناسخ والمنسوخ" ٢٩١، وهبة الله بن سلامة في "الناسخ والمنسوخ" ١٨٨، و"المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ" ٥٨.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٦) "بحر العلوم" ٣/ ٤١٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٥، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٦. وهذا القول من مقاتل أن قيام الليل منسوخ بالصلوات الخمس، يرده الأقوال الماضية المتعاضدة في أن قيام الليل الوارد في أول المزمل منسوخ بآخر ما جاء في سورة المزمل. والله أعلم.
349
قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ قال عطاء عن ابن عباس: بينة بيانًا (١).
وروى الكلبي عنه: على هَيْنَتِك (٢) ترتيلًا (٣).
وقال الضحاك: انْبِذْه حرفًا (٤) حرفًا (٥).
وعن مجاهد قال: بعضه في أثر بعض (٦) (٧).
وقال قتادة في هذه الآية: بلغنا أن عامة قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- (٨) كانت بالمد (٩).
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٧، من طريق مقسم عن ابن عباس، كما ورد من غير ذكر طريق عطاء في "النكت والعيون" ٦/ ١٢٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٧، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢١، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٣ وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن منيع في مسنده، ومحمد بن نصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) هينتك: الهَوْن: مصدر الهيِّن في معنى السكينة والوقار، تقول: تكلَّم على هِينَتِك. "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٤٠ - ٤٤١، مادة: (هون).
(٣) بمعناه في "الكشف والبيان" ١/ ١٩٩/ ب، كما ورد قوله من ذكر طريق الكلبي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٧، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٢.
(٤) بياض في (ع).
(٥) "لسان العرب" ١١/ ٢٦٥ مادة: (رتل).
(٦) قوله: في إثر بعض: بياض في (ع).
(٧) انظر قوله في "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٦، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٩٩/ أ، و"أحكام القرآن" لابن العربي ٤/ ١٨٧٥، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٤ وعزاه إلى البيهقي في "شعب الإيمان" ٢/ ٣٩٢، ت: ٢١٦١.
(٨) قوله: قراءة النبي صلى: بياض في (ع).
(٩) ورد قوله في "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٤، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٧، و"الدر المنثور" مرجع سابق، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن نصر، وابن المنذر، كما رواه البخاري ٣/ ٣٥٠، ح: ٥٠٤٥ - ٥٠٤٦، كتاب فضائل القرآن، باب مد القراءة من طريق قتادة عن أنس، وأيضًا بهذا الطريق في "مسند الإمام أحمد" ٣/ ١٢٧.
350
قال أبو إسحاق: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ بيِّنه تبيينًا، والتبيين لا يتم (١) بأن يعجل في القرآن، إنما يتم (٢) بأن تبين جميع الحروف، وتُوفّى حقَّها من الإشباع (٣).
وقال المبرد: معنى الترتيل: التوقف، والتمهل، والإفهام، وأصله من قولهم: ثغر رتل (٤) إذا كان بين الثنايا افتراق ليس بالكبير (٥).
وقال ابن الأعرابي: ما أعلم الترتيل إلا التحقيق والتبيين (٦).
(وقال) (٧) الليث: (الرتل: تنسيق الشيء، وثغر (٨) رتل (٩) حسن التنضيد، ورتلت الكلام (١٠) ترتيلاً إذا تمهلت فيه، وأحسنت تأليفه، وهو يترتل في كلامه) (١١).
(١) غير مقروءة في (ع).
(٢) قوله: إنما يتم: غير مقروءة في (ع).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٠ برواية: "في الإشباع" بدلاً من: "من الإشباع".
(٤) قوله: ثغر رتل: غير مقروء في (ع).
(٥) "التفسير الكبير" ٣/ ١٧٣ مختصرًا.
(٦) قلت: لعل الإمام الواحدي نقله عن أبي العباس كما في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢٦٨ مادة: (رتل)، وليس عن ابن الأعرابي. وانظر: "لسان العرب" ١١/ ٢٦٥ مادة: (رتل).
(٧) ساقط من (أ).
(٨) الثَّغر: ما تقدم من الأسنان. "الصحاح" ٢/ ٦٠٥ مادة: (ثغر).
(٩) في (أ): ريك.
(١٠) بياض في (ع).
(١١) ما بين القوسين قول الليث، نقله عنه الواحدي من "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٦٨ مادة: (رتل). وقد جاء في المفردات: رتل: الرَّتَلُ: اتساق الشيء وانتظامه على استقامة، والترتيل: إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة.: ١٨٧ مادة: (رتل).
351
٥ - قوله تعالى (١): ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)﴾ (قال الكلبي: سننزل عليك من السماء قولًا ثقيلاً) (٢). (٣) ليس على ثقل الحفظ له، واعتياصه (٤)، ولكن ما قال الحسن أنهم ليهذونه هذًّا (٥)، ولكن العمل به ثقيل (٦)، وهذا قول أكثر المفسرين أن ثقله يعود إلى العمل به.
قال قتادة: تثقل والله فرائضه وحدوده (٧).
وقال مقاتل: يثقل لما فيه من الأمر والنهي (٨) والحدود (٩).
(١) ساقط من (ع).
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) غير مقروء في النسختين
(٥) الهذُّ: سرعة القطع، تقول: تهذ القرآن هذًّا، فتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" ٥/ ٥٢٥، وانظر: "معجم مقاييس اللغة" ٦/ ٨ مادة: (هذَّ)، و"المصباح المنير" ١/ ٧٨٣ مادة: (هذَّ).
(٦) ورد قول الحسن في "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٧ بنحوه، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ١٩٩/ ب بنحوه، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨، و"أحكام القرآن" لابن العربي: ٤/ ١٨٧٦، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٧ بمعناه، و"زاد المسير" ٨/ ١١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٢ بمعناه، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن نصر، وابن المنذر، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٦.
(٧) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٤، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٢٧، و"بحر العلوم" ٣/ ٤١٦، و"الكشف والبيان" حـ: ١٢: ١٩٩/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨، و"زاد المسير" ٨/ ١١٣ بمعناه، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٥ وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن نصر، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٦.
(٨) بياض في (ع).
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨.
352
(وعلى هذا القول سمي ثقيلاً؛ لأن الحلال والحرام، والصلاة، والصيام، وجميع ما أمر الله أن يعمل به، ونهى عنه، لا يؤديه أحد إلا بتكلف (ما يثقل) (١) [عليه] (٢)) (٣).
وروي عن الحسن (أيضًا) (٤) أنه قال: معناه: إنه ثقيل في الميزان يوم القيامة (٥).
ونحو هذا قال ابن زيد: هو والله ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا، ثقل في الموازين يوم القيامة (٦).
وذهب قوم من المفسرين (٧) إلى أن المراد بثقله: أنه ثقيل المحمل، واحتجوا بما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يثقل عليه الوحي عند نزوله، حتى روي (أن الوحي نزل عليه وهو على ناقته فثقل عليها حتى وضعت جرانها (٨) فلم
(١) ساقطة من (أ).
(٢) ساقطة من النسختين، وما أثبته من "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٠، وبها يستقيم المعنى، والله أعلم.
(٣) ما بين القوسين من قول الزجاج، نقله عنه الإمام الواحدي بتصرف: ٥/ ٢٤٠.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٥ وعزاه إلى ابن نصر، وابن المنذر.
(٦) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٧، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨، و"زاد المسير" ٨/ ١١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٤.
(٧) منهم: هشام بن عروة عن أبيه، وابن زيد، وعائشة، وابن الزبير. انظر أقوالهم في "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٧، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠٠/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨، و"زاد المسير" ٨/ ١١٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٤.
(٨) الجران: مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره. "المصباح المنير" ١/ ١١٩.
353
تستطع أن تتحرك) (١).
وقال الفراء: ﴿قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ أي ليس بالخفيف، ولا السَّفْساف (٢)؛ لأنه كلام ربنا تعالى وجلّ ذكره (٣).
وذكر الزجاج هذا القول فقال: ويجوز على مذهب أهل اللغة أن يكون معناه: أنه قول له وزْنٌ في صِحَّتِه، وبيانه، ونفعه، كما تقول: هذا كلام رصينٌ (٤)، وهذا قول لذو وزن إذا كنت تستجيده، وتعلم أنه قد وقع موقع الحكمة والبيان (٥).
وقال غيرهما (٦): جعله ثقيلًا من جهة عظم قدره، وجلالة خطره،
(١) الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٠٥، كتاب التفسير: تفسير سورة المزمل، من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوحي إليه، وهو على ناقته، وضعت جرانها، فلم تستطع أن تتحرك. وتلت قول الله عز وجل: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)﴾ قال عنه: حديث صحيح، ووافقه الذهبي في التلخيص. كما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٦/ ١١٨ مختصرًا. ورواه ابن جرير الطبري عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث. "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٧، قال عنه ابن كثير: وهو مرسل. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٤. وانظر: "الدر المنثور" ٨/ ٣١٦ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن نصر.
(٢) السَّفْساف: الرديء من كل شيء، والأمر الحقير، وكل عمل دون الأحكام سفساف، وأصله ما يطير من غبار الدقيق إذا نخل، والتراب إذا أثير. "لسان العرب" ٩/ ١٥٥ مادة: (سفف).
(٣) في (ع): تبارك وتعالى، بدلاً من: تعالى وجل ذكره.
(٤) الرصين: المحكم الثابت. "لسان العرب" ١٣/ ١٨١ مادة: (رصن).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٠ برواية: "له وزن" بدلاً من: "لذو وزن".
(٦) أي الأزهري، وانظر قوله في "تهذيب اللغة" ٩/ ٧٩ مادة: (ثقل)، وينتهي قوله بـ: "فهو ثقل وثقيل". وفي "التفسير الكبير" ٣/ ١٧٤ أورد قول الأزهري بغير عزو.
354
وكل شيء نفيس عِلْق خطير (١)، فهو ثقل وثقيل. وتأويل هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء: (قولًا ثقيلًا) يعني: كلامًا عظيمًا (٢).
قال أبو علي الفارسي: ويجوز أن يكون المراد به ثقيل على من (عانده) (٣) فرده ولم ينفذ له (٤).
٦ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ قال أبو عبيدة: ناشئة الليل: ساعات الليل، وآناء الليل ناشئة بعد ناشئة (٥).
(وروى عمرو (٦) عن أبيه: نشأ الليل: ارتفع (٧)) (٨).
وقال ابن قتيبة: هي آناء الليل، وساعاته هي مأخوذة من نَشَأَتْ تنشَأ نَشْأ، أي ابتدأت، وأقبلت شيئًا بعد شيء، وأنشأها الله فنشأت.
والمعنى: إن ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم (٩).
(ونحو هذا قال المبرد (١٠)، وصاحب النظم في: (ناشئة الليل)، وهو قول أكثر المفسرين) (١١).
(١) في (أ): خضير.
(٢) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧٤، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٢.
(٣) ساقطة من (ع).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٣ بنصه.
(٦) هو: عمرو بن أبي عمرو الشيباني إسحاق بن مرار.
(٧) وانظر قول أبي عمرو في "تهذيب اللغة" ١١/ ٤١٩ مادة: (نشأ).
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٩) "تأويل مشكل القرآن" ٣٦٥ بشيء يسير من التصرف.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
355
قال الحسن: كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة (١).
وهو قول عكرمة (٢)، وأبي مجلز (٣)، ومجاهد (٤)، والسدي (٥) (٦)، قالوا: الليل كله ناشئة.
وهذا قول ابن عباس (٧)، وابن الزبير (٨). (٩) في رواية ابن أبي مُلَيْكة،
(١) "تفسير" الإمام مجاهد ٦٧٩، و"أحكام القرآن" للجصاص: ٣/ ٤٦٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨ بنحوه، و"زاد المسير" ٨/ ١١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٩، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٦ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن نصر، و"السنن الكبرى" للبيهقي: ٣/ ٢٩، ح: ٤٧٥٤، كتاب: الصلاة باب من فتر عن قيام الليل فصلى ما بين المغرب والعشاء.
(٢) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٨.
(٣) ورد قوله في "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٩، و"الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٠/ ب، و"زاد المسير" ٨/ ١١٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٧ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن نصر، و"السنن الكبرى" ٣/ ٣٠، ح: ٤٧٥٥، كتاب الصلاة: باب من فتر عن قيام الليل.
(٤) تفسير الإمام مجاهد ٦٧٩، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٢٨ - ١٢٩، و"أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٤٨٦، و"زاد المسير" ٨/ ١١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٤.
(٥) ورد قوله في "تهذيب اللغة" ١١/ ٤١٩ مادة: (نشأ).
(٦) (والسدي) ساقط من (أ).
(٧) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٨ - ١٢٩، و"أحكام القرآن" للجصاص: ٣/ ٤٦٨، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠٠/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨، و"أحكام القرآن" لابن العربي: ٤/ ١٨٧٧، و"زاد المسير" ٨/ ١١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٩، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٦ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، و"السنن الكبرى" ٣/ ٢٩، ح: ٤٧٥١، كتاب الصلاة: باب من فتر عن قيام الليل.
(٨) المراجع السابقة عدا "زاد المسير"، و"الجامع لأحكام القرآن".
(٩) وردت في النسخة (أ) هكذا: ابن الزبير وابن عباس.
356
عنهما (١) جميعًا، قال: سألتهما عن ناشئة الليل، فقالا: الليس كله ناشئة. وقال آخرون: (ناشئة الليل) قيام الليل، وهو قول الكلبي (٢)، و (٣) مقاتل (٤)، (ومعاوية بن قرة) (٥) (٦)، وابن مسعود (٧)، وسعيد بن جبير (إلا أنهما قالا) (٨): هي بالحبشية.
قال سعيد بن جبير: هي بلسان الحبشية نشأ: قام (٩).
(١) في (أ): عنها.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) (الكلبي و) ساقط من (أ).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ أ.
(٥) ورد قوله هذا في "تهذيب اللغة" ١١/ ٤١٩ مادة: (نشأ).
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٠٥، كتاب التفسير: تفسير سورة المزمل، وصححه، ووافقه الذهبي في التلخيص. "الوسيط" ٤/ ٣٧٣ وعبارته: "هي بالحبشية قيام الليل".
(٨) العبارة الواردة بين القوسين الصغيرين: "إلا أنهما قالا" لا تعود على ابن مسعود وسعيد بن جبير، وإنما تعود على سعيد بن جبير وابن زيد، والسبب في ذلك أني لم أعثر إلا على قولي سعيد بن جبير وابن زيد مشتركين في هذا المعنى، ومصحوبين أثناء العزو إليهما كما في "الكشف والبيان" جـ: ١٢: جـ: ٢٠٠/ ب،: قال: وقال سعيد بن جير وابن زيد: أي ساعة قام من الليل فقد نشأ، وهو بلسان الحبشة: نشأ إذا قام. وانظر أيضًا "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٧، و"زاد المسير" ٨/ ١١٤.
(٩) انظر مواضع ورود قول سعيد بن جبير في "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٨ من طريقه إلى ابن عباس، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٠/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٨، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٧، و"السنن الكبرى" ٣/ ٣٠، ح ٤٧٥٧، كتاب الصلاة، باب من فتر عن قيام الليل عن سعيد بن جبير. وانظر تفسير سعيد بن جبير: ٣٥٩.
357
قال صاحب النظم: الناشئة على هذا القول مصدر من قولك: نشأ الشيء، وقد تضع العرب الفاعلة مواضع المصادر، كما قلنا في الخاطئة، وفي الجاثية، والكاذبة، واللاغية.
وفي ناشئة الليل قول آخر، وهو قول علي بن الحسين (١) (رضي الله عنه) (٢) قال: هو ما بين المغرب إلى العشاء (٣). وهو قول أنس.
روى ثابت أنه كان يصلي ما بين المغرب والعشاء، ويقول: هي: (ناشئة الليل) (٤).
ونحو ذلك روي عن سعيد بن جبير (٥)، (وهو قول الضحاك (٦)،
(١) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أبو الحسن، المعروف بزين العابدين، ويقال له: علي الأصغر، وليس للحسين رضي الله عنه عقب إلا من ولد زين العابدين، وهو أحد الأئمة الاثني عشر، ومن سادات التابعين، وأمه أم ولد اسمها غزالة، وقيل: سلافة، كان كثير البر بأمه، ومناقبه كثيرة، ولد سنة ٣٨ هـ، وتوفي سنة ٩٤ هـ، وقيل غير ذلك، ودفن بالبقيع. انظر: "صفة الصفوة" ٢/ ٦٦، ت: ١٦٥، و"وفيات الأعيان" ٣/ ٢٦٦، ت: ٤٢٢، و"العبر" ١/ ٨٣.
(٢) ساقطة من (أ).
(٣) ورد قوله في تفسير الإمام مجاهد ٦٧٩، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠٠/ ب، و"الكشاف" ٤/ ١٥٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٩، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٧ وعزاه إلى ابن نصر، وابن المنذر، و"السنن الكبرى" ٣/ ٣٠، ح: ٤٧٥٦، كتاب الصلاة: باب من فتر عن قيام الليل.
(٤) ذكر رواية أنس من غير طريق ثابت في "النكت والعيون" ٦/ ١٢٧، و"زاد المسير" ٨/ ١١٤، وذكرت من طريق ثابت عن أنس في "السنن الكبرى" ٣/ ٢٩، كتاب الصلاة: باب من فتر عن قيام الليل.
(٥) تفسير الإمام مجاهد ٦٧٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٧ وعزاد إلى ابن أبي شيبة.
(٦) "تهذيب اللغة" ١١/ ٤١٩ مادة: (نشأ).
358
والحكم (١)، واختيار الكسائي (٢)) (٣) قالوا: ﴿نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ أوله، (وهي رواية عطاء عن) (٤) ابن عباس قال: يريد أول ما ينشأ (٥).
وروي عن عائشة (رضي الله عنها) (٦) أنها قالت: الناشئة القيام بعد النوم (٧).
وهو قول ابن الأعرابي، قال: إذا نمت من أول الليلة نومة، ثم قمت، فتلك النشأة، ومنه: (ناشئة الليل) (٨).
وقوله تعالى: ﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا﴾. قال ابن عباس: هى أشد على المصلي (٩).
وقال قتادة: يقول أثبت في الخير (١٠).
(وقال الكلبي: يقول أشد نشاطًا للرجل إذا كان محتسبًا
(١) ورد قوله في "تهذيب اللغة" ١١/ ٤١٩ مادة: (نشأ).
(٢) المرجع السابق، و"البحر المحيط" ٨/ ٢٦٣.
(٣) ما بين القوسين أسقطه ناسخ النسخة: أ، واكتفى بقوله: وغيره بدلًا من تعدادهم.
(٤) ساقطة من (أ).
(٥) "زاد المسير" ٨/ ١١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٩، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٦، و"السنن الكبرى" ٣/ ٣٠، كتاب: الصلاة باب من فتر عن قيام الليل.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) "الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠٠/ ب، و"الكشاف" ٤/ ١٥٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٩، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٢.
(٨) "زاد المسير" ٨/ ١١٤، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٧.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ذكر في "الوسيط" ٤/ ٣٧٣ من غير عزو.
(١٠) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٩، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠١/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٩.
359
للصلاة (١)) (٢).
وقال الفراء: (يقول) (٣): أثبت قيامًا؛ لأن النهار يضطرب (فيه) (٤) الناس، ويتقلبون فيه للمعاش، قال: وقال بعضهم: هي أشد على المصلي من صلاة النهار؛ لأن الليل للنوم (٥).
وذكر أبو إسحاق المعنيين جميعًا فقال: معناه: وهي أبلغ في القيام وأغلظ على الإنسان من القيام بالنهار؛ لأن الليل جعل ليسكن فيه (٦).
وقال ابن قتيبة: ﴿أَشَدُّ وَطْئًا﴾ أثقل على المصلي من ساعات النهار. وقال وهو من قولك: اشتدت على القوم وَطْأةُ سُلْطانِهم، إذا ثقل عليهم ما يُلزمهم ويأخذهم به، فأعلم الله نبيه أن الثواب في قيام الليل على (قدر) (٧) شدة الوطأة وثقلها (٨).
وقال أبو علي: المعنى: (إن صلاة ناشئة الليل أشق على الإنسان من القيام بالنهار؛ لأن الليل للدعة (٩) والسكون، وجاء في الحديث: (اللهم
(١) ورد قوله في "النكت والعيون" ٦/ ١٢٧ مختصرًا جدًا، وكذا في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) انظر قول الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ١٩٧ بتصرف يسير.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٠ مختصرًا.
(٧) ساقط من (أ).
(٨) ورد قول ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ٢٦٥ بنصه، وانظر: "تفسير غريب القرآن" ٤٩٣ مختصرًا.
(٩) الدَّعة: الخفض في العيش والراحة، والهاء عوض من الواو. "لسان العرب" ٨/ ٣٨١ مادة: (ودع)، وانظر: "الصحاح" ٣/ ١٢٩٥ مادة: (ودع).
360
اشدد وطأتك (١) على مضر) (٢).
هذا الذي ذكرنا على قراءة من قرأ (وَطْأةً) بفتح الواو مقصورًا (٣).
ومن قرأ (وِطاءً) بكسر الواو والمد (٤)، فقال مجاهد: أجدر أن
(١) معنى "وطأتك" أي أخذهم أخذاً شديدًا. "النهاية" ٥/ ٢٠٠. وقال النووي: الوطأة بفتح الواو وإسكان الطاء، وبعدها همزة: وهي العباس. "شرح صحيح مسلم" ٥/ ١٨٦.
(٢) الحديث: أخرجه البخاري ١/ ٢٦٠، ح: ٨٠٤، كتاب: الأذان، باب يهوي بالتكبير حين يسجد، من طريق أبي هريرة في حديث طويل، وفي ١/ ٣١٧، ح: ١٠٠٦، كتاب الاستسقاء: باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي كتاب الجهاد، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والذلة: ٢/ ٢٤٠، ح، ٢٩٣٢، وفي كتاب الأنبياء: باب قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)﴾ ٢/ ٤٧٠، ح: ٣٣٨٦، وكتاب التفسير، باب ٣ سورة آل عمران: ٩ "ليس لك من الأمر شيء" ٣/ ٢١١، ح: ٤٥٦٠، وكتاب التفسير ٤ سورة النساء ٢١ باب "فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم" ٣/ ٢٢٠، ح: ٤٥٩٨، وكتاب الأدب، باب تسمية الوليد: ٤/ ١٢٨، ح: ٦٢٠٠، وكتاب الإكراه: ٤/ ٢٨٤، ح: ٦٩٤٠. كما أخرجه مسلم في ١/ ٤٦٧، ح: ٢٩٤ - ٢٩٥، كتاب المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة. وأبو داود في "سننه" ١/ ٣٦٤، كتاب الصلاة: باب القنوت في الصلاة وابن ماجه في "سننه" ١/ ٢٢٦، ح: ١٢٣٥، كتاب إقامة الصلاة: باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر. والنسائي في "سننه" (المجتبى): ٢/ ٥٤٧، ح: ١٠٧٢ - ١٠٧٣، كتاب التطبيق: باب القنوت في صلاة الصبح. والإمام أحمد في "المسند" ٢/ ٢٣٩، ٢٥٥، ٢٧١، ٤١٨، ٥٠٢، ٥٢١.
(٣) قرأ بذلك: نافع، وابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف، وأبو جعفر. انظر: "السبعة" ٦٥٨، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٢٣، و"الحجة" ٦/ ٣٣٥، و"المبسوط" ٣٨٦، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٤٤، و"حجة القراءات" ٧٣٠، و"النشر" ٢/ ٣٩٣، و"الوافي" ٣٧٤.
(٤) قرأ بذلك: أبو عمرو، وابن عامر. انظر المراجع السابقة.
361
يواطئ (١) سمعه وبصره (٢)) (٣). (وهو قول مقاتل (٤)، وروي ذلك عن ابن عباس قالوا: يواطئ السمع والقلب (٥)) (٦).
قال ابن قتيبة: من قرأ: (وِطاءً) على تقدير: (فعال) فهو مصدر لِوَاطأت فلانًا على كذا مُواطأة ووِطاءً. وأراد أن القراءة في الليل يتواطأ فيها قلب المصلي (٧)، ولسانه، وسمعه، (وبصره) (٨) على التفهم والأداء، والاستماع بأكثر مما يتواطأ عليه بالنهار (٩).
(وروى ابن سلام عن يونس: (أشد وِطاءً) قال: ملاءمة ومُوافقة، ومن ذلك قوله: ﴿لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٣٧]، أي: ليوافقوا.
قال أبو علي: وكأن المعنى إن صلاة ناشئة الليل يواطئ السمع القلب فيها أكثر مما يواطئ (في ساعات (١٠)) النهار؛ لأن البال أفرغ للانقطاع عن كثير مما يشتغل بالنهار) (١١).
(١) غير واضحة في (ع).
(٢) ورد قوله في "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٠، وعبارته: "قال: تُواطئ قلبك وسمعك وبصرك"، وفي رواية أخرى عنه: "أجدر أن تواطئ سمعك وقلبك"، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٧ بمعناه، وانظر: "الحجة" ٦/ ٣٣٥.
(٣) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن "الحجة" ٦/ ٣٣٥ باختصار.
(٤) الذي ورد عنه في تفسيره: ٢١٣/ (أ) "قال: يعني مواطأة بعضه لبعض".
(٥) تفسير الإمام مجاهد: ٦٧٩ بمعناه، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٣٩.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) في (أ): الإنسان، وأثبت ما جاء في نسخة (ع) لموافقته النص الحقيقي.
(٨) ساقط من (ع).
(٩) "تأويل مشكل القرآن" ٣٦٥ - ٣٦٦، بإضافة: وبصره عند الواحدي.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(١١) ما بين القوسين نقله الواحدي عن "الحجة" لأبي علي: ٦/ ٣٣٥ بتصرف يسير.
362
واختار أبو عبيدة هذه القراءة (١)، قال: لأن التفسير يصدقها، إنما هي مواطأة السمع والبصر إياه إذا قام يصلي في ظلمة الليل (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ (٣) قال عطاء عن ابن عباس: يريد أحسن لفظًا (٤).
وقال الكلبي: وأبين قولاً بالقرآن (٥).
قال ابن قتيبة: أي أخلص للقول، وأسمع له؛ لأن الليل تهدأ عنه الأصوات، وتنقطع فيه الحركات، ويخلص القول، ولا يكون دون تسَمُّعِهِ وتَفَهُّمِهِ حائل (٦).
وقال أبو عدي: أي أشد استقامة وصوابًا لفراغ البال، وانقطاع ما يشغل، وأنشد (٧) (فقال) (٨):
له ولها وقعٌ بكلِّ قرارة ووقع بمستن الفضاء قويم (٩)
(١) في (أ): بهذه الأقراء.
(٢) لم أعثر على قوله في "مجاز القرآن"، ووجدت معنى قوله في "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧٦. والوطء في اللغة كلمة تدل على تمهيد شيء وتسهيله، ووطأت له المكان، والوِطاء: ما توطأت به من فرش، ووَطِئته برجلي أطؤه، والمواطأة: الموافقة على أمر يواطئه كل واحد لصاحبه. انظر: "معجم مقاييس اللغة" ٦/ ١٢٠ - ١٢١ (وطأ).
(٣) قوله تعالى: ﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ غير مقروءة في (أ).
(٤) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧٦.
(٥) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٩، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٧.
(٦) "تأويل مشكل القرآن" ٣٦٦ برواية: "فيخلص" بدلاً من "ويخلص".
(٧) لم أعثر على قائله.
(٨) ساقطة من (ع).
(٩) لم أعثر على مواضع وروده.
363
أي مستقيم) (١).
٧ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (٧)﴾. قال جماعة من المفسرين (٢): فراغًا طويلاً، وسعة لتصرفك، وقضاء حوائجك.
والمعنى: إن لك في النهار فراغًا للنوم، والتصرف في الحوائج فضل من الليل.
هذا قول أهل التفسير. قال أبو عبيدة: ﴿سَبْحًا طَوِيلًا﴾: منقلبًا طويلًا (٣).
وقال المبرد: تقلبًا فيما تحب، قال: وبهذا سمي السابح لتقلبه بيديه ورجليه (٤).
وقال ابن قتيبة: أي تصرفًا، وإقبالاً، وإدبارًا في حوائجك وأشغالك (٥).
(ونحو هذا قال الفراء (٦)، والزجاج (٧)) (٨).
قال (٩) ابن الأعرابي: معناه اضطرابًا ومعاشًا (١٠).
(١) ما بين القوسين من قول أبي علي الفارسي في "الحجة" ٦/ ٣٣٥ - ٣٣٦ بنصه.
(٢) قال بذلك: ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، وعطاء. انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٤، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٣١، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٧، و"زاد المسير" ٨/ ١١٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤١.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٣ نقله عنه بنصه.
(٤) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧٧.
(٥) "تأويل مشكل القرآن" ٣٦٦ بنصه، وانظر: "تفسير غريب القرآن" ٤٩٤.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٧.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٠.
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٩) في (ع): وقال.
(١٠) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٧.
364
وقال الليث: (فراغًا للقمر (١)) (٢).
(ومعنى ذكر هذا الفراغ، والتصرف هاهنا ما ذكرنا أنه يفرغ في النهار للنوم، والتصرف في الحوائج فيكون ليلهُ للصلاة) (٣).
(وقال) (٤) أبو إسحاق: أي (إن) (٥) فاتك من الليل شيء، ذلك في النهار فراغ (٦) قال: وهو معنى قوله: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾.
قال مقاتل: بالتوحيد (٧).
قوله تعالى (٨): ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ قال ابن عباس: أخلص إليه إخلاصًا (٩)، (وهو قول مقاتل (١٠)، والكلبي (١١)، ومجاهد (١٢)،
(١) ورد معنى قوله في "تهذيب اللغة"، المرجع السابق بلفظ: فراغًا للنوم.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) ساقط من (ع).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٠ بنصه. وإضافة إلى ما ذكره الواحدي، فـ"السبح" في اللغة: الفراغ. انظر مادة: (بتل) في "الصحاح" ١/ ٣٧٢، و"لسان العرب" ٢/ ٤٧٠.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ أ.
(٨) (قوله تعالى) ساقط من (ع).
(٩) "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٢، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠١/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٩، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٢.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ أ.
(١١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٢) "تفسير الإمام مجاهد" ٦٨٠، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٣٢، و"أحكام القرآن" للجصاص: ٣/ ٤٦٩، و"بحر العلوم" ٣/ ٤١٧، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٨،=
365
والضحاك (١)).
وقال قتادة: أخلص لله العبادة والدعوة (٢).
وجميع المفسرين فسروا التبتل بالإخلاص (٣).
وأصل معنى التبتل في اللغة: القطع (٤)، (وقيل لمريم: البتول؛ لأنها انقطعت إلى الله في العبادة، وصدقة بَتْلة: مُنْقطعة من مال صاحبها) (٥).
= و"زاد المسير" ٨/ ١١٥، و"الجامع لأحكام القرآن بمعناه" ١٩/ ٤٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٨ وعزاه أيضًا إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن نصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٥/ ٣٤٣، ح: ٦٨٦٢.
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٣. وما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٥، و"أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٣٦٩، و"بحر العلوم بمعناه" ٣/ ٤١٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن نصر، وابن المنذر.
(٣) وقد نقل الإجماع عن المفسرين: الفخر الرازي، انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٧٨، كما عزا القول بالإخلاص إلى المفسرين: اليزيدي، انظر: "غريب القرآن" ٣٩٦، وقال الطبري: "بنحو الذي قلنا قال أهل التأويل" وساق عبارات المفسرين في معنى "التبتل" الإخلاص. "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٢. وقد تنوعت ألفاظ المفسرين في التبتل، وكلها تحمل معنى واحدًا، فمنهم من قال: الإخلاص، ومنهم من قال: الانقطاع، ومنهم من قال: بالتفرغ للعبادة، ومنهم من قال: التوكل على الله توكيلًا، وآخرون قالوا: تضرع إليه تضرعًا، وقد ذكر الإمام الواحدي ذلك. وإضافة إلى ما عزاه إلى المفسرين، انظر: "نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن" ١٧٤، و"تفسير المشكل" لمكي بن أبي طالب: ٣٦٢، و"النكت والعيون" ٦/ ١٢٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٩، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٨، و"زاد المسير" ٨/ ١١٥، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٦.
(٤) انظر هذا المعنى اللغوي في مادة (بتل) في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢٩١، و"الصحاح" ٤/ ١٦٣، و"لسان العرب" ١١/ ٤٢، وانظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ١٧١.
(٥) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن الزجاج. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" =
366
وقال اللبث: البتْل: تمييز الشيء من الشىِء، والبَتول: كل امرأة تنقبض [عن] (١) الرجال لا شهوة لها، ولا حاجة فيهم، ومنه التَّبتُّل: وهو ترك النكاح، والزهد فيه.
وقال (ربيعة) (٢) بن مَقْرُوم (٣):
لو أنها عَرَضت لأشْمَطَ راهب عبدَ الإلهَ صرورةً متبتِّلِ (٤)) (٥)
هذا معنى الحرف في اللغة، وأما في الآية، فقال أبو إسحاق: انقطع إليه في العبادة (٦).
وقال الفراء: يقال للعابد إذا ترك كل شيء، وأقبل على العبادة: قد
= ٥/ ٢٤١، وانظر: "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢٩١.
(١) في (أ)، و (ع) من، والمثبت من "تهذيب اللغة".
(٢) ساقط من (أ).
(٣) ربيعة بن مقروم بن قيس ببن جابر بن خالد بن إلياس بن مضر بن نزار، شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، عاش في الإسلام زمانًا، شهد القادسية، وجلولاء، وهو من شعراء مضر المعدودين. انظر: "الشعر والشعراء" ١٩٨، و"خزانة الأدب" ٨/ ٤٣٨، و"المفضليات" لأبي العباس المفضل الضبي: ٣٥٥، و"الأغاني" ١٩/ ٩٠.
(٤) في (أ): متعبد. وورد البيت منسوبا في "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٩١ مادة: (بتل)، و"لسان العرب" ١١/ ٤٣ مادة: (بتل)، و"غريب الحديث" لأبي عبيد: ٢/ ١٧١، و"الأغاني" ١٩/ ٩٢، وقد وجدت البيت للنابغة في "ديوانه" ٤١ ط المؤسسة العربية برواية "متعبد" بدلاً من "متبتل"، وكذلك نسبه أبو عبيد في "غريب الحديث" للنابغة أيضًا ١/ ٤٢١، ومعنى البيت: الراهب: العابد، الأشمط: الذي خالطه الشيب، الصرورة: الذي لم يتزوج. "ديوان النابغة" ٤١.
(٥) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢٩١ مادة: (بتل).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤١ بنصه.
367
تبتل، أي قطع كل شيء إلا أمر الله وطاعته (١).
وهذا يؤدي معنى الإخلاص الذي ذكر أهل التفسير.
وقال زيد بن أسلم: التبتل: رفض الدنيا (٢) وما فيها، والتماس (٣) ما عند الله (٤).
وقال ابنه: (تبتل إليه): تفرغ لعبادته (٥).
وهذا كله يرجع: (٦) إلى معنى الانقطاع إليه عما سواه.
وقال الأخفش في قوله: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ لم يجيء بمصدره، ومصدره (٧) التبتل (٨).
وقال غيره (٩): جاء تبتيلًا على بَتِّلْ نفسك إليه تبتيلاً، فوقع المصدر موقع مقاربه في المعنى، ويكون التقدير: وتبتل مبتلًا نفسك إليه تبتيلاً، كما قال: ﴿أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح: ١٧]، وهذا معنى قول أبي إسحاق: تبتل محمول على معنى بَتَّل إليه تبتيلًا (١٠).
(١) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٨بنصه.
(٢) بياض في (ع).
(٣) بياض في (ع).
(٤) ورد قوله في "الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠١/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٩، و"المحرر والوجيز" ٥/ ٣٨٨، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٣٨.
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٣، وهو عبد الرحمن بن زيد.
(٦) بياض في (ع).
(٧) في (أ): مصدره.
(٨) "معاني القرآن" ٢/ ٧١٧ نقله عنه بنصه.
(٩) ممن قال بذلك: سيبويه. انظر: "الكتاب" ٤/ ٨١.
(١٠) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤١. وقوله (إليه) سقط من (أ).
368
قوله تعالى (١): ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾.
(الرفع (٢) في قوله: (رب المشرق) (٣) يحتمل أمرين:
أحدهما: القطع من قوله: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ على تقدير: هو رب المشرق، فيكون خبر ابتداء (٤) محذوف، كقوله: ﴿بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ﴾ [الحج: ٧٢]، وقوله: ﴿مَتَعٌ قَلِيلٌ﴾ [آل عمران: ١٩٧]، أي: فعليهم متاع قليل.
والثاني: أن يرفعه بالابتداء، وخبره الجملة التي: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، والعائد إليه الضمير المنفصل، والخفض (٥) على اتباع قوله: ﴿اسْمَ رَبِّكَ﴾) (٦).
قوله: ﴿فَأتًخِذهُ وكيلًا﴾ قال الكلبي: يقول: اتخذه يا محمد كفيلًا على ما قال لك إنه سيفعله بك (٧).
(١) ساقطة من (ع).
(٢) قرأ بالرفع: "رب المشرق" ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم. انظر كتاب: السبعة ٦٥٨، و"القراءات وعلل النحويين": ٢/ ٧٢٤، و"الحجة" ٦/ ٣٣٦، و"الكشف" ٢/ ٢٤٥، و"إتحاف فضلاء البشر" ٤٣٦.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) بياض في (ع).
(٥) قرأ ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ﴾ بالخفض: عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي، وابن عامر، ويعقوب، وخلف، ووافقهم الأعمش وابن محيصن. انظر كتاب: السبعة ٦٥٨، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٢٤، و"الكشف" ٢/ ٢٤٥، و"إتحاف فضلاء البشر" ٤٣٦.
(٦) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن "الحجة" لأبي علي الفارسي ٦/ ٣٣٦ بتصرف يسر.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
369
وهذا المعنى أراد الزجاج (١) بقوله: اتخذه كفيلًا بما وعدك (٢).
وهو قول الفراء (٣).
١٠ - ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾. لك من التكذيب والأذى.
﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ واعتزلهم اعتزالًا حسنًا، لا جزع فيه.
قال الكلبي (٤)، ومقاتل (٥): قالوا هذا قبل أن (٦) أمر بالقتال (٧).
(١) قوله: أراد الزجاج: بياض في (ع).
(٢) ورد قوله في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤١ بنصه.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٨.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب.
(٦) بياض في (ع).
(٧) قال أبو جعفر النحاس في قوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠)﴾: "كان هذا قبل أن يؤمر بالقتال وقتلهم، فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك". "الناسخ والمنسوخ" ٢٩٢.
وبهذا قال أيضًا هبة الله بن سلامة في "الناسخ والمنسوخ" ١٨٧، والخزرجي في "نفس الصباح" ٢/ ٧٥٨، وابن الجوزي في "المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ" ٥٨، وابن البارزي في "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" ٥٥. وقال بذلك أيضًا قتادة في "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٢، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤١، والماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ١٢٩، والبغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٠٩. قلت: ليس في الآية ما يدعو إلى القول بالنسخ، فالصبر على الأذى، وهجر الكفر وأهله ليس فيه ما يعارض الجهاد في سبيل الله، "بل الهجر من باب العقوبات الشرعية، فهو من جنس الجهاد في سبيل الله، وهذا يفعل لأن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله"، وقد ذهب أئمة إلى عدم القول بالنسخ في هذه الآية، ولهذا لم يوردوها في "الناسخ والمنسوخ"، نحو الزهري في كتابه: "الناسخ والمنسوخ"، والبغدادي أيضًا في كتابه: "الناسخ والمنسوخ"، =
370
(قوله تعالى) (١): ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد دعني ومن كذبك، وهذا كقوله: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ﴾ [القلم: ٤٤] (٢).
قال الزجاج: العرب إذا أرادت أن تأمر إنسانًا [فإن] (٣) له هَمَّة بأمر أو خصم له تقول: دعني وذاك، ودعني وفلانًا، ليس أنه حال بينه وبين ذلك الأمر، أو ذلك الإنسان، ولكن تأويله: لا تهتم به، فإني أكفيكه (٤).
وقوله تعالى: ﴿أُولِي النَّعْمَةِ﴾ قال ابن عباس (٥)، (ومقاتل (٦)) (٧): أولي الغنى، وكثرة الأموال.
وذكرنا تفسير النعمة فيما تقدم (٨).
= وكذلك الطبري، وابن كثير لم يروا فيها نسخًا. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٦. ما بين علامتي التنصيص نقلًا عن "مجموع الفتاوى" ٢٨/ ٢٠٨.
(١) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٢) لم أعثر على مصدر لقول ابن عباس.
(٣) فإنا هكذا وردت في كلا النسختين، وأثبت ما جاء في مصدر القول.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤١.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله، ولعله فسر الغنى في غير هذا الموطن. والله أعلم.
(٧) ساقط من (أ).
(٨) نحو ما جاء في سورة الدخان: ٢٧ ﴿وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧)﴾، وقد جاء في تفسيرها " (ونَعْمة) قال علماء اللغة: نَعْمة العيش -بفتح النون- حُسْنُهُ، وغَضَارَتُهُ، ونعمة الله: مَنُّه وعطاؤه، قال المفسرون: وعيش لين رغد كانوا متنعمين". ونحو ما جاء في سورة الزمر: ٨ قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾، وقد جاء في تفسير ﴿إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ﴾ "قال ابن عباس: يريد: غناه، وأنعم الله عليه بالصحة، وقال مقاتل: أعطاه الله الخير".
371
﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا﴾ قال ابن عباس: حياتهم حتى (يأتي الوعد (١)) (٢).
وقال الكلبي: نزلت في المُطْعِمِين ببدر، وهم عشرة من قريش، قتلهم الله ببدر (٣).
وقال مقاتل: يعني بني المغيرة، أهلكهم الله ببدر (٤).
ثم ذكر ما لهؤلاء عنده، فقال: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا (أَنْكَالًا) (٥)﴾ (٦)
قال المفسرون: إن عندنا في الآخرة أنكالاً، واحدها: نِكْل، وهو القيد في قول جميع المفسرين (٧)،............
(١) لم أعثر على مصدر قول ابن عباس.
(٢) ما بين القوسين بياض في (ع).
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب، و"زاد المسير" ٨/ ١٦٦، وقد ورد قول مقاتل عند تفسير الآية: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ [المزمل: ١١].
(٥) ساقط من (ع).
(٦) ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (١٢)﴾.
(٧) قال بذلك: ابن عباس، وعكرمة، وطاووس، ومحمد بن كعب، وعبد الله بن بريدة، وأبو مجلز، والضحاك، وقتادة، والسدي، والثوري، ومجاهد، وحماد ابن أبي سليمان، والحسن، وسليمان التيمي. انظر أقوالهم في تفسير الإمام مجاهد: ٦٨٠، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٣٤ - ١٣٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٥، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٦ - ٤٦٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٩، وانظر: "صحيح البخاري" ٣/ ٣١٦، كتاب التفسير: باب سورة المزمل (٧٣)، وقال بذلك ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ٤٩٤، وفسرها الطبري بذلك، وقال: "وبمثل الذي قلنا قال أهل التأويل" في "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٤، وبه قال أيضًا السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤١٧، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤١، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٢/ أ، والبغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٠، والزمخشري في "الكشاف" ٤/ ١٥٤، وابن الجوزي في "زاد =
372
(وأهل اللغة (١)) (٢). وقال الكلبي: أغلالًا من حديد (٣).
وقال أبو عمران الجوني: هي قيود لا تحل أبدًا (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾ لا يسوغ في الحلق، والغصة: ما يغص به الإنسان (٥).
= المسير" ٨/ ١١٦، والفخر الرازي في "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٨١. ومن أهل الغريب قال به: اليزيدي في "غريب القرآن" ٣٩٧، والسجستاني في "نزهة القلوب" ١٠٨، ومكي بن أبي طالب في "تفسير المشكل" ٣٦٢، والخزرجي في "نفس الصباح" ٧٤١، وابن الملقن في "تفسير غريب القرآن" ٥٠٥، ولم أجد من خالف ما قاله الواحدي غير أنه ذكر ابن الملقن معنى مصاحبًا للقيود وهو: العقوبات والقيود من العقوبات، وعليه لا يكون هناك من خالف الإجماع،
والله أعلم. وأما ما ذكره الشيخ السعدي من أن ﴿أَنكاَلًا﴾ أي عذابا شديدًا في تيسير الكريم الرحمن: ٥/ ٣٢٧. قلت: قول الشيخ السعدي، وإن كان في لفظه مخالفًا، فهو موافق في معناه، عام في دلالته؛ إذ القيود من أنواع العذاب الشديد، وعليه لا يكون مخالفًا لجمهور المفسرين.
(١) قال بذلك الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤١، والأخفش، انظر: "النكت والعيون" ٦/ ١٣٠، وهو قول الأزهري، والجوهري، والزبيدي. انظر مادة: (نكل) في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٤٥، و"الصحاح" ٥/ ١٨٣٥، و"القاموس المحيط" ٤/ ٦٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) ورد قوله من غير ذكر لفظ الحديد في كل من "النكت والعيون" ٦/ ١٣٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٥، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٤، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٨.
(٤) "الدر المنثور" ٨/ ٣١٩ بمعناه، وعزاه إلى عبد بن حميد، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٨.
(٥) قال ابن فارس: "غص": الغين والصاد ليس فيه إلا الغَصَص بالطعام. "معجم مقاييس اللغة" ٤/ ٣٨٣.
373
وقال ابن عباس (١)، والمفسرون (٢): يعني الزقوم. وهو قول مجاهد (٣)، (ومقاتل (٤)) (٥)، وعكرمة (٦).
وقال أبو إسحاق: أي طعامهم الضريع، كما قال عز وجل: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦)﴾ [الغاشية: ٦]، وهو شوك كالعَوْسَج (٧) (٨).
وهذا معنى قول ابن عباس [في رواية عكرمة]، قال: شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج (٩).
(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٥، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٩، وعزاه إلى الحاكم، ولم أجده في "المستدرك".
(٢) قال بذلك: الثعلبي في "الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠٢/ ب، والبغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٠.
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٥، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٠، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٩، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، و"فتح القدير" ٥/ ٣١٨.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب، و"زاد المسير" ٨/ ١١٦.
(٥) ساقط من (أ).
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) العوسج: هو شجر من شجر الشَّوك، وله ثمر أحمر مُدَوَّرٌ كأنه خرز العقيق. انظر "لسان العرب" ٢/ ٣٢٤ مادة: (عسج). وفي "تهذيب اللغة": "العوسج: شجر كثير الشوك، وهي ضروب، منها ما يثمر ثمرًا أحمر يقال له: المُصع". ١: ٣٣٨ مادة: (عسج).
(٨) ورد قول أبي إسحاق في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٢ بنصه.
(٩) بياض في الحرف الأخير من الكلمة في (ع). وورد قوله في "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٥، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٠، و"زاد المسير" ٨/ ١١٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٥، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٣١٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في صفة النار، وعبد الله بن =
374
ثم أخبر متى يكون ذلك فقال:
(قوله تعالى) (١): ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾ قال الزجاج: (يوم) منصوب معلق بقوله: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (١٢)﴾ [المزمل: ١٢]
أي ينكل بالكافرين ويعذبهم يوم ترجف الأرض والجبال، أي تزلزل وتحرك أغلظ حركة (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ قال (أبو زيد (٣)، و) (٤) الأصمعي (٥): الكثيب: القطعة من الرمل تنقاد (٦) مُحْدَوْدِبة (٧).
= أحمد في "زوائد الزهد"، وابن المنذر، والبيهقي في البعث: ٣٠٥ - ٣٠٦: ح: ٥٥١، و"المستدرك" ٢/ ٥٠٥ - ٥٠٦، كتاب: التفسير تفسير سورة المزمل، وصححه، وضعفه الذهبي في التلخيص وقال: شبيب ضعفوه.
(١) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٢. ولـ "يوم" أوجه أخرى في نصبها، فليراجع في ذلك "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري: ٢/ ١٢٤٧، و "الدر المصون" ٦/ ٤٠٧.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد له معنًى يقارب ما قاله الليث، وعبارته: قال: "كَثَب الطعام أكثبه كثبًا ونثرته نثرًا، وهما واحد". "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٨٥ مادة: (كثب).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) ورد قوله في "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٨٥ مادة: (كثب).
(٦) تنقاد: قال ابن منظور: "كل شيء من جبل أو مُسنَّاة كان مستطيلًا على وجه الأرض فهو قائد، وظهر من الأرض يقول وينقاد ويتقاود كذا وكذا ميلًا. القوداء: الطويلة، ومنه: رمل منقاد، أي: مستطيل". "لسان العرب" ٣/ ٣٧١ مادة: (قود).
(٧) مُحْدَوْدِبة: الحديث: حدور في صبب، كحدب الرِّيح والرَّمل. "لسان العرب" ١/ ٣٠١ مادة: (حدب). وقال ابن فارس: "الحاء والدال والباء: أصل واحد، وهو ارتفاع الشيء، فالحَدَب ما ارتفع من الأرض". "معجم مقاييس اللغة" ٢/ ٣٦ مادة: (حدب). وانظر: "المصباح المنير" ١/ ١٤٨ مادة: (حدب).
375
وقال الليث: الكثيب: نثر التراب، (أو الشيء) (١) يرمي به (٢) (٣).
والفعل اللازم الكثيب ينكثب انكثابًا، وسمي الكثيب كثيبًا؛ لأن ترابه دقاق، كأنه مكثوب منثور بعضه على بعض لرخاوته.
وقال أبو إسحاق: الكثيب: جمعه الكثبان، وهي القطع العظام من الرمل، ومعنى "مهيلًا" سائلًا قد سيّلَ، يقال: تراب مهيل، ومهيول، أي مَصْبُوبٌ مُسيّل، والأكثرون في اللغة: المهيل، وهو مثل قولك: مكيل، ومكيول، ومدين، ومديون، وذلك أن (الياء) تحذف منه الضمة، فتسكن هي و (الواو) فتحذف (الواو) لالتقاء الساكنين (٤). (ذكره الفراء (٥)، والزجاج (٦)) (٧).
قال أبو عبيدة (٨): يقال لكل شيء أرسلته إرسالاً من رمل، أو تراب، أو طعام، ونحوه: قد هِلْتُه أهيله هيلاً، إذا أرسلته مجرى، وهو طعام مهيل (٩).
قال مقاتل في قوله: ﴿كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ هو الرمل إذا حركته من تحته يتبع
(١) ساقطة من (أ).
(٢) قوله: يرمي به: بياض في (ع).
(٣) وانظر قول الليث في "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٨٥ (كثب)، و"لسان العرب" ١/ ٧٠٢.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٢ بيسير من التصرف.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٨.
(٦) كرر اسمه، انظر الهامش السابق رقم: ١.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) في (ع): أبو عبيد.
(٩) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٣، وقد ورد قوله مختصرًا في المجاز، وعبارته قال: "كثيبًا مهيلًا من هِلته تهيله".
376
بعضه بعضًا (١).
وقال الكلبي: هو الرمل الذي إذا أخذت منه شيئًا (٢) تبعك آخره (٣).
١٥ - قوله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ يعني أهل مكة. ﴿رَسُولًا﴾ يعني محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ﴿شَاهِدًا عَلَيْكُمْ﴾ بالتبليغ وإيمان من آمن وأجاب، وامتناع من امتنع وعصى.
﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا﴾ وهو موسى عليه السلام.
قال مقاتل: إنما ذكر فرعون، وموسى دونَ سائر الأمم (٤) والرسل؛ لأن أهل مكة ازدرؤوا محمدًا (٥) -صلى الله عليه وسلم-، واستخفوا (٦) به؛ لأنه ولد فيهم، كما أن فرعون ازدرأ (٧) موسى؛ لأنه رباه، وولد فيما بينهم، وهو قوله: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ [الشعراء: ١٨]. (٨)
قوله تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾ الوبيل: الثقيل الغليظ جدًّا، ومنه قولهم: صار هذا عليه وبالاً، أي أفضى به إلى غاية المكروه، ومن هذا قيل للمطر (٩) العظيم: وابل، وكلأ مُستوبل (١٠)، إذا أن عاقبته إلى مكروه.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) قوله: (منه شيئًا بياض في (ع).
(٣) ورد معنى قوله عند الماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ١٣٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٠، وبمعناه أيضًا في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٦.
(٤) بياض في (ع).
(٥) قوله: (ازدرؤوا محمدًا) بياض في (ع).
(٦) بياض في (ع).
(٧) بياض في (ع).
(٨) ورد قول مقاتل في "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٧.
(٩) بياض في (ع).
(١٠) غير مقروء في كلا النسختين.
377
(قاله المبرد (١)، والزجاج (٢)) (٣).
وقال أبو زيد: الوبيل: الذي لا يُسْتَمْرأ (٤)، (وماء وبيل، ووخيم: إذا كان غير مري) (٥). وقال المفسرون (٦): أخذًا وبيلاً: شديدًا، يعني: الغرق. قاله الكلبي (٧)، وقتادة (٨)، ومقاتل (٩).
يخوف أهل مكة بالعذاب، ثم خوفهم يوم القيامة:
قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ﴾. (وفي الآية تقديم وتأخير (١٠)، على تقدير: فكيف تتقون يومًا يجعل (١١) الولدان شيبًا إن كفرتم، والمعنى على تقدير المضاف (١٢): أي عذاب يوم، أي: بأي شيء تتحصنون من
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٢، وعبارته: "الوبيل: الثقيل الغليظ جدًّا، ومن هذا قيل للمطر الغليظ العظيم: وابل".
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٨٦ مادة: (وبل)، وانظر: "لسان العرب" ١١/ ٧٢٠.
(٥) ما بين القوسين من قول الأزهري، نقله عنه الواحدي من "تهذيب اللغة".
(٦) بياض في (ع). ومن المفسرين الذين قالوا بذلك: ابن عباس، ومجاهد، والسدي، والثوري. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٣٧، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٠. وإلى هذا القول أيضًا ذهب السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٣١٧، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٣/ أ، والبغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٠، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ١١٧.
(٧) "التفسير الكبير" ٣/ ١٨٣.
(٨) المرجع السابق، وانظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٥، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٣٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٧.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٣ ب، و"التفسير الكبير" ٣/ ١٨٣، قوله: (ومقاتل) ساقط من (أ).
(١٠) و (١١) و (١٢) بياض في (ع).
378
عذاب ذلك اليوم) (١)
﴿إِنْ كَفَرْتُمْ﴾ قال قتادة: والله لا يتقي من كفر بالله ذلك اليوم (٢).
قوله تعالى: ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾. وصف لهول ذلك اليوم الشديد، وهذا كما يقال: قد حدث أمر تشيب فيه النواصي، وشيب الصغير، مَثل للشدة العظيمة (٣).
قال المفسرون (٤):
(١) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن الزجاج بتصرف. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٢. قال ابن جرير عن معنى التقديم والتأخير: "ذكر ذلك كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود". "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٧ وقال ابن كثير عند تفسير الآية: يحتمل أن يكون (يومًا) معمولًا لتتقون، كما حكاه ابن جرير عن قراءة ابن مسعود: فكيف تخافون أيها الناس يوم يجعل الولدان شيبًا إن كفرتم، ولم تصدقوا به. ويحتمل أن يكون معمولًا لكفرتم، فعلى الأول: كيف يحصل لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم، إن كفرتم، وعلى الثاني: كيف يحصل لكم تقوى إن كفرتم يوم القيامة، وجحدتموه، وكلاهما معنى حسن، ولكن الأول أولى، والله أعلم. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٧.
(٢) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٢٥، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٢٧، و"الجامع" للقرطبي ١٩/ ٤٨، وبمعناه في "الدر المنثور" ٨/ ٣٢٠ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) قال ابن جرير: "وقوله: ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ يعني يوم القيامة، وإنما تشيب الولدان من شدة هوله وكربه". "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٧. إذا شيب الولدان ليس بمثل على هوله، وإنما حقيقة حكايته هول ذلك اليوم الذي يشيب له الصغير، فهو وصف حقيقة، وليس بمثل للشدة العظيمة. والله أعلم.
(٤) قال بذلك: ابن مسعود، وخيثمة بن عبد الرحمن، وابن عباس.
انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٣٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢١ وعزاه إلى ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه. وقال بذلك أيضا الثعلبي في "الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠٣/ أ، والبغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٠، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٤٩، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٦٧.
379
وذلك حين يقال لآدم: (قم فأبعث بعث النار) (١)
وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿يَوْمَ تَرَوُنَهَا﴾ (٢).
(١) الحديث أخرجه البخاري ٤/ ١٩٦٧، ح ٦٥٣٠، في الرقاق، باب قوله عز وجل: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾، من طريق أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله: يا آدم، فيقول: لبَّيْك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد... " الحديث. كما أخرجه البخاري: ٢/ ٤٥٨ ح: ٣٣٤٨ كتاب الأنبياء، باب: ٧. ومسلم ١/ ٢٠١ ح ٣٧٩، كتاب الإيمان، باب ٩٦. والترمذي في "سننه" ٤/ ٢٢٥٨ ح: ٢٩٤٠، كتاب الفتن: باب ٢٣، ٥/ ٣٢٢ ح: ٣١٦٨، كتاب التفسير، باب ٢٣، من طريق يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال عبد الله بن عمرو. والنسائي في "تفسيره" ٢/ ٤٧٤ ح: ٦٤٩، من طريق الترمذي.
(٢) سورة الحج: ٢: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢)﴾، وقد جاء في تفسيرها " ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾: ترون تلك الزلزلة، ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾، أي: في ذلك اليوم، ﴿عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ تنسى وتترك كل والدة ولدها، يقال: ذهل عن كذا يذهل ذهولًا إذا تركه أو شغله عنه شاغل، قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام، وهو قوله: ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾ يعني من هول ذلك اليوم، وهذا يدل على أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا؛ لأن بعد البعث لا يكون حبلى، وعند شدة الفزع تلقي المرأة جنينها، ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾ من شدة الخوف، ﴿وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ من الشراب. هذا قول جميع المفسرين. والمعنى: ترى الناس كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم يضطربون اضطراب السكران من الشراب، يدل على صحة هذا قراءة من قرأ "وتُرى الناس" بضم التاء، أي تظنهم، ولكن عذاب الله شديد" دليل على أن سكرهم من خوف العذاب". نقلت المختصر من الوسيط في تفسير القرآن العزيز: ٣/ ٢٥٧ - ٢٥٨، وما جاء فيه قد احتواه "البسيط" جـ: ٤: ٢/ أ - ب.
380
ثم وصف من هول ذلك اليوم، فقال: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾.
أي بذلك اليوم، يعني فيه. قاله الفراء (١)، وأبو حاتم (٢)، وهذا كما قال: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١)﴾ ومعنى منفطر: منشق (٣)، (قال أبو عبيدة) (٤) قال أبو عمرو بن العلاء: السماء منفطر، ولم يقل: منفطرة؛ لأن مجازها مجاز السقف، تقول: هذا سماء البيت (٥).
وقال الفراء: (السماء تؤنث وتذكر، وهي -هاهنا- في وجوه التذكير، وأنشد (٦):
فلو رَفَع السماءُ إليه قومًا لَحِقْنا بالنجومِ مع السحاب (٧))
(١) "معاني القرآن" ٣/ ١٩٩.
(٢) لم أعثر على مصدر لقول أبي حاتم.
(٣) انظر مادة: (فطر) في "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٢٥، و"الصحاح" ٢/ ٧٨١، و"لسان العرب" ٥/ ٥٥، و"تاج العروس" ٣/ ٤٧٠.
(٤) ساقطة من (ع).
(٥) ورد قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٤ بنصه، وانظر قضايا المذكر والمؤنث في مجاز القرآن. د. السيد أحمد علي: ١٥٢.
(٦) البيت لامرأة من العرب. انظر شرح أبيات "معاني القرآن" ٥٧، ش: ١١١.
(٧) ورد البيت في "معاني القرآن" ٣/ ١٩٩، شرح أبيات "معاني القرآن" المرجع السابق، و"المذكر والمؤنث" للفراء ١٠٢ برواية: (بالسماء) بدلاً من (بالنجوم)، و"المذكر والمؤنث" لابن الأنباري: ٣٦٧ رقم ٣٨٣ برواية (بالسماء) بدلاً من (بالنجوم)، و"لسان العرب" ٢٤/ ٣٩٨، (سما)، و"تاج العروس" ١٠/ ١٨٢ (سما)، و"المذكر والمؤنث" لأبي عبيد: ١٥٣، إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: لابن خالويه: ٩٨، المخصص: لابن سيده: ١٧/ ٢٢. وانظر أيضًا "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٨٩، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٨٥، و"الجامع لأحكام القرآن " ١٩/ ٥٠، و"الدر المصون" ٦/ ٤٥٩، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٦٥، و"روح المعاني" ٢٩/ ١١٠. موضع الشاهد: "السماء" زعموا أنه أراد الجمع، فذكر، =
381
قال أبو علي الفارسي: (﴿مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾) (١) ليس البخاري على الفعل، ولكن الذي للنسب، ويجوز أن تكون السماء جميعًا، فتكون من باب (الجراد المنتشر (٢))، و (الشجر الأخضر (٣))، و (أعجاز نخل منقعر (٤)) (ذكر ذلك في المسائل الحلبية (٥)) (٦).
وقوله: ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا﴾
قال مقاتل: يقول وعده بالبعث كائن (٧) لابد (٨).
= وهو جمع: "سماءة" أو "سماوة"، وقال قوم: هي بمنزلة "العين" لا علامة تأنيث بها فجاز تذكيرها. انظر شرح أبيات "معاني القرآن" مرجع سابق. وأيضًا من وجوه أنها لم تؤنث الصفة: أنها على النسبة أي ذات انفطار، كمرضع وحائض. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٣. وهناك أوجه أخرى، انظر: "الدر المصون" ٦/ ٤٠٩ للاستزادة. وما بين القوسين من قول الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ١٩٩ بنصه. وانظر: "المذكر والمؤنث" للفراء ١٠٢.
(١) (منطوبة) في كلا النسختين.
(٢) [القمر: ٧] ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧)﴾.
(٣) [يس: ٨٠] ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)﴾.
(٤) [القمر: ٢٠] ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠)﴾.
(٥) لم أعثر على قول الفارسي في المسائل الحلبية، ولكن وجدت نحو قوله في كتابه: "التكملة" ٣٥٤، قال: "وعلى النسب تأول الخليل قول الله -عز وجل-: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ كأنه قال: ذات انفطار، ولم يرد أن يُجريه على الفعل. ثم قال: وهذه التاء إذا دخلت على هذه الصفات الجارية على أفعالها لم يتغير بناؤها عما كانت عليه قبل، وذلك نحو: قائم، وقائمة، وضارب، وضاربة". وقد ورد قول أبي علي المذكور في المتن في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٥٠.
(٦) ما بين قوسين ساقط من (أ).
(٧) غير واضحة في (ع).
(٨) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب.
382
قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ﴾
قال مقاتل: يعني آيات القرآن (١). ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ تذكير وموعظة. ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾، أي: بالطاعة والتصديق (٢).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ﴾ (٣) قال ابن عباس (٤)، ومقاتل (٥): أقلّ، كقوله: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ (٦) [البقرة: ٦١] (٧)، وقد مَرَّ.
قوله تعالى: ﴿وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ﴾ (عطف على قوله: (أدنى (٨)) و (أدنى) في موضع نصب (٩)، والتقدير: تقوم أدنى من ثلثي الليل (١٠)، وتقوم نصفه وثلثه.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) بياض في (ع).
(٣) قوله تعالى: (أدنى من ثلثي الليل) مطموس في (ع).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب.
(٦) (بالذي هو خير) ساقط من (ع).
(٧) قال الواحدي في تفسير "أدنى" البقرة: ٩٠: "يحتمل أن تكون "أدنى" أفعل من الدنو، ومعناه: أتستبدلون الذي هو أقرب وأسهل متناولًا يشارككم في وجدانه كل أحد بالرفيع الجليل الذي خصكم الله، وبين الأثرة لكم به على جميع الناس".
(٨) بياض في (ع).
(٩) قرأ بالنصب في "ونصفَه وثلثَه" عاصم، وحمزة، والكسائي، وابن كثير. انظر: "السبعة" ٦٥٨، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٢٤، و"الحجة" ٦/ ٣٣٦، و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" ٢/ ٣٥٤، و"التبصرة" ٧١٣، و"تحبير التيسير" ١٩٤، و"البدور الزاهرة" ٣٢٨.
(١٠) قرأ بجر "ونصفِه" أبو عمرو، ونافع، وابن عامر. انظر المراجع السابقة.
383
ومن قرأ بالجر (١) حمله على الحال في قوله: ﴿مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ﴾ والمعنى: أدنى من ثلثي الليل، ومن نصفه، وثلثه) (٢)، والوجه القراءة الأولى (٣).
قال ابن عباس: يريد: وتقوم نصفه وثلثه (٤).
(وقال أبو الحسن: الذي افترض الثلث، وأكثر من الثلث (٥)، والذين جروا كأن المعنى على قولهم: إنكم (لم) (٦) تؤدوا ما افترض عليكم، فقمتم أدنى من ثلثي الليل، ومن نصفه، ومن ثلثه، وليس المعنى على هذا) (٧).
وقال صاحب النظم: الأقل الذي افترض عليهم: الربع، لم ينقصوا
(١) ما بين القوسين من الحجة لأبي علي من غير عزو: ٦/ ٣٣٦ - ٣٣٧ بتصرف.
(٢) بياض في (ع).
(٣) قال الفراء في قراءة النصب: وهو أشبه بالصواب. "معاني القرآن" ٣/ ١٩٩. وقال الطبري: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٠.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله؛ غير أن لابن عباس ما يعضد أثره الحديث: أن ابن عباس بات ليلة عند ميمونة أم المؤمنين -وهي خالته- قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهلُه في طولها، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنٍّ معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي... " الحديث. صحيح مسلم: ١/ ٥٢٦ - ٥٢٧ ح: ١٨٢، صلاة المسافرين: باب ٢٥. ورواه أبو داود في "سننه" ١/ ٣٤٤، باب في صلاة الليل.
(٥) ومعنى قوله: الذي افترض الثلث وأكثر من الثلث تفسير لمعنى أدنى من نصفه، وأدنى من ثلثه، وهو معنى من قرأ بالنصب.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) ما بين القوسين نقله الواحدي عن أبي علي الفارسي من "الحجة" ٦/ ٣٣٧ بتصرف.
384
من الربع على قول من قرأ بالجر (١).
وقوله: ﴿وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ قال ابن عباس (٢)، ومقاتل (٣): يعني أصحابه الذين آمنوا به، كانوا يقومون معه ثلثًا ونصفًا.
﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ (فيعلم مقدار ثلثه (٤)، ونصفه، وثلثيه (٥)، وسائر أجزائه ومواقيته) (٦).
ويعلم أنكم: ﴿لَنْ تُحْصُوهُ﴾ (أي لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك، والقيام فيه) (٧).
قال مقاتل: كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر الله به من قيام ما فرض عليه، فقال الله تعالى (٨): ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ (٩) و (أن) مخففة من الثقيلة على تقدير: أنكم لن تحصوه (١٠). ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ فعاد عليكم بالعفو والتخفيف.
قال ابن عباس: فعفا عنكم ما لم تحيطوا بعلمه (١١).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب.
(٤) بياض في (ع).
(٥) في (أ): وثلثه.
(٦) و (٧) ما بين القوسين نقله الواحدي عن ابن قتيبة من "تأويل مشكل القرآن" ٢٦٤.
(٨) بياض في (ع).
(٩) ورد قوله في "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب، ٢١٤/ أ، و "معالم التنزيل" ٤/ ٤١١ مختصرًا، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٨٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٥١ - ٥٢.
(١٠) انظر: "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري ٢/ ١٢٤٨، و"البيان في غريب إعراب القرآن" لابن الأنباري ٢/ ٤٧٢.
(١١) لم أعثر على مصدر لقوله.
385
وقال مقاتل: فتجاوز عنكم بالتخفيف (١).
﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ قال ابن عباس: يريد غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسقط عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قيام الليل، وصار تطوعًا، وبقي ذلك فرضًا على رسول الله (٢) (صلى الله عليه وسلم) (٣).
وقال مقاتل: فاقرؤوا ما تيسر عليكم في الصلاة من القرآن من غير أن يوقت شيئًا (٤).
قال الحسن: يعني في صلاة المغرب والعشاء (٥).
وقالت عائشة (رضي الله عنها) (٦) في هذه الآية: صار قيام الليل تطوعًا بعد أن كان فرضًا (٧).
(١) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ أ.
(٢) ورد قوله في "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٨٧.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ أ.
(٥) "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١١، و"زاد المسير" ٨/ ١١٨، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٨٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٥٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٥.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) رواية عائشة رضي الله عنها مخرجة في صحيح مسلم: ١/ ٥١٣ ح: ١٣٩ (٧٤٦)، كتاب صلاة المسافرين: باب ١٨ من حديث طويل الشاهد فيه: أنبئيني عن قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: ألست تقرأ: يا أيها المزمل؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله -عز وجل- افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حولًا وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة" الحديث. وأبو داود في "سننه" ١/ ٣٣٧، باب في صلاة الليل. والنسائي في "سننه" ٣/ ٢٢١ - ٢٢٢ ح: ١٦٠٠، =
386
وروي عن الحسن (١) (والسدي (٢)) (٣) في تفسير: ﴿مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ أنه مائة آية. ثم عذرهم، وذكر عذرهم، فقال: ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى﴾ يعني فلا يطيقون قيام الليل. ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ (٤) يعني المسافرين للتجارة يطلبون من رزق الله، فلا يطيقون قيام الليل. ﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يعني المجاهدين لا يطيقون قيام الليل.
﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ﴾ (٥) عليكم. ﴿مِنْهُ﴾ أي من القرآن.
وقال (عبد الله بن مسلم) (٦) بن قتيبة: رخّص لهم أن يقوموا ما أمكن وخفّ لغير مدة معلومة، ولا مقدار، وكان هذا في صدر الإسلام، ثم نسخ بالصلوات الخمس.
= كتاب الصلاة، باب ٢. وأيضًا النسائي في "تفسيره" ٢/ ٤٧٠ ج: ٦٤٧ مختصرًا. والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٠٤ مختصرًا جداً وصححه، ووافقه الذهبي في التلخيص. والبيهقي في "سننه" ٢/ ٧٠٣ ح: ٤٦٣٨، كتاب الصلاة، باب ٥٩٣، و٣/ ٤٣ ح: ٤٨٠ كتاب الصلاة، باب ٦٤٣. وأحمد في "المسند" ٦/ ٥٣ - ٥٤.
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤١، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٥٢ بمعناه.
(٢) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤١، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠٣/ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٥٢، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢١، وانظر: "تفسير السدي" ٤٦٥.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) قوله (من فضل الله) ساقط من (أ).
(٥) قوله (وآخرون يقاتلون في سبيل الله) ساقط من (ع).
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
387
(كذلك قال المفسرون (١)) (٢).
وقوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾. قال مقاتل: يعني وأتموها لوقتها، فنسخ قيام الليل عن المؤمنين، وثبت على النبي (٣) -صلى الله عليه وسلم- خاصة (٤).
وقال ابن عباس في قوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ يريد هذه فريضة عليكم في محلها، وفي أوقاتها (٥).
﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾. قال ابن عباس: يريد سوى الزكاة من صلة الرحم، وقرى الضيف (٦).
وقال مقاتل: يعني الزكاة (٧) يعطيها طيبة بها نفسه، وهو معنى قوله: (حسنًا) (٨).
﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ قال (٩): يعني من صدقة فريضة كانت أو تطوع (١٠).
(١) "تأويل مشكل القرآن" ٢٦٤ - ٢٦٥ بنصه نقله الإمام الواحدي. وقد عني بقوله: كذلك قال المفسرون: مقاتلًا؛ لأنه هو الذي قال: إن أول السورة نسختها الصلوات الخمس، وقد ذكر الرد على ذلك في موضعه فليراجع.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) في (ع): ثبت على المؤمنين خاصة. ولا يستقيم الكلام بها في هذا الموضع، فلعلها سهو من الناسخ، والله أعلم.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ أ.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٢، و"زاد المسير" ٨/ ١١٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٥.
(٧) بياض في (ع).
(٨) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ أ.
(٩) يعني به مقاتلًا.
(١٠) لم أعثر على مصدر قوله.
388
﴿تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا﴾ قال (١): تجدوا ثوابه في الآخرة أفضل مما أعطيتم (٢).
وقال ابن عباس: تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا من الذي تؤخر إلى وصيتك عند الموت (٣).
وقال أبو إسحاق: وما تقدموا لأنفسكم من طاعة تجدوه خيرًا عند الله لكم من متاع الدنيا (٤)، (والقول ما قال ابن عباس (٥)).
قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٦)، أي: لذنوبكم، إن الله غفور الذنوب للمؤمنين، رحيم بهم. (قاله مقاتل (٧)) (٨).
وقال ابن عباس: غفور رحيم لمن لم يصر على ذنب (٩).
(١) يعني به مقاتلًا.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٤ نقله عنه بتصرف.
(٥) قلت: الآية عامة في كل ما يقدمه العبد من خير في الدنيا أنه أعظم أجرًا، وما يؤخره من وصية عند الموت، فهو من الخير الذي يقدمه لآخرته. قال الإمام الطبري في تفسير الآية: "وما تقدموا أيها المؤمنون لأنفسكم من نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حج أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم هو خيرًا لكم بما قدمتم في الدنيا، وثوابه أعظم من ذلك الذي قدمتموه لو لم تكونوا قدمتموه". "جامع البيان" ١٩/ ١٤٢.
(٦) قوله: (إن الله غفور رحيم) ساقط من (أ).
(٧) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٨٨.
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
389
سورة المدثر
391
Icon