تفسير سورة الشمس

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة الشمس مكية، وآيها خمس عشرة.

والشمس وضحاها
أي ضوئِها إذَا أشرقتْ وقام سلطانُها وقيل الضَّحوةُ ارتفاعُ النهارِ والضُّحى فوقَ ذلكَ والضحاءُ بالفتحِ والمدِّ إذا امتدَّ النهارُ وكادَ ينتصفُ
والقمر إِذَا تلاها
بأنْ طلعَ بعد غروبِها وقيل إذا تلا طلوعُه طلوعَها وقيلَ إذا تلاهَا في الاستدارةِ وكمال النُّورِ
والنهار إِذَا جلاها
أي جَلَّى الشمسَ فإنها تتجلَّى عند انبساطِ النهارِ فكأنه جلاَّها مع أنَّها التي تبسطُه أو جلَّى الظلمةَ أو الدُّنيا أو الأرضَ وإن لم يجْرِ لها ذكر للعلم بها
والليل إِذَا يغشاها
أي الشمسَ فيغطي ضوؤها أو الآفاقَ أو الأرضَ وحيثُ كانت الواواتُ العاطفةُ نوائبَ للواو الأُولى القسميةِ القائمةِ مقامَ الفعلِ والباءُ سادَّةً مسدَّهما معاً في قولكَ أقسمُ بالله حققْن أن يعمَلن عملَ الفعلِ والجارّ جميعاً كما تقول ضرب زيد عَمراً وبكرٌ وخالدا
والسماء وَمَا بناها
أيْ ومَنْ بنَاها وإيثارُ مَا على مَنْ لإرادةِ الوصفيةِ تفخيماً كأنَّه قيلَ والقادرِ العظيمِ الشأنِ الذي بناهَا وجعلَها مصدريةً مخلٌّ بالنظمِ الكريمِ وكذا الكلامُ في قولِه تعالَى
والأرض وَمَا طحاها
أي بسطَها من كلِّ جانبٍ كدحاها
163
٩١ سورة الشمس (٧ ١٣)
164
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
أي أنشأَها وأبدعَها مستعدةً لكمالاتِها والتنكيرُ للتفخيمِ على أنَّ المرادَ نفسُ آدمَ عليه السَّلامُ أو للتكثيرِ وهو الأنسبُ للجوابِ
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
أي افهمها اياهما وعرفها حالهما من الحُسْنِ والقُبحِ وما يؤدي إليه كلٌّ منهُمَا ومكَّنها من اختيارِ أيِّهما شاءتْ وتقديمُ الفجورِ لمراعاةِ الفواصلِ
قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها
أيْ فازَ بكلِّ مطلوبٍ ونجَا من كلِّ مكروهٍ مَنْ أنماهَا وأعلاها بالتقوى وهو جوابُ القسمِ وحذفُ اللامِ لطولِ الكلامِ وتكريرُ قَدْ في قولِه تعالَى
وَقَدْ خَابَ مَن دساها
لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بتحقيقِ مضمونِه والإيذانِ بتعلقِ القسمِ بهِ أيضاً أصالةً أيْ خسرَ مَنْ نقصَها وأخفَاها بالفجورِ وأصلُ دَسَّى دَسَّسَ كتقضَّى وتَقْضَّضَ وقيلَ هو كلامٌ تابعٌ لقولِه تعالى ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ بطريقِ الاستطرادِ وإنما الجوابُ ما حذفَ تعويلاً على دلالة قولِه تعالى
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا
عليه كأنه قيل ليدمد من الله تعالَى على كفارِ مكةَ لتكذيبِهم رسولِ الله ﷺ كما دمدمَ على ثمودَ لتكذيبِهم صالحاً عليهِ السلامُ وهو على الأولِ استئنافٌ واردٌ لتقريرِ مضمونِ قولِه تعالى ﴿وَقَدْ خَابَ من دساها﴾ والطَّغوى بالفتحِ الطُّغيانُ والباءُ للسببيةِ أيْ فعلتِ التكذيبَ بسببِ طُغيانِها كما تقولُ ظلمنِي بجراءتِه على الله تعالى أو صلةٌ للتكذيبِ أيْ كذَّبتْ بمَا او عدت بهِ منَ العذابِ ذي الطَّغوى كقولِه تعالَى ﴿فَأُهْلِكُواْ بالطاغية﴾ وقُرِىءَ بطُغواهَا بضم الطاء وهو أيضاً مصدرٌ كالرُّجعى
إِذِ انبعث أشقاها
منصوبٌ بكذبتْ أو بالطَّغوى أيْ حينَ قامَ أَشْقى ثمودٍ وهو قدار بن سلف أو هُو ومَنْ تصدَّى معه لعقرِ الناقةِ من الأشقياء فان أفعل التفصيل إذا أضيفَ يصلُح للواحدِ والمتعددِ والمذكرِ والمؤنثِ وفضلُ شقاوتِهم على مَنْ عداهُم لمباشرتِهم العقَر معَ اشتراكِ الكل في الرضابه
فَقَالَ لَهُمُ
أي لثمودَ
رَسُولِ الله
أي صالحٌ عليه السلامُ عبرَ عنه بعنوانِ الرسالةِ إيذاناً بوجوبِ طاعتِه وبياناً لغايةِ عُتوهم وتمادِيهم في الطغيانِ وهو السرُّ في إضافةِ الناقةِ إلى الله تعالَى في قولِه تعالى
نَاقَةُ الله
164
٩١ سورة الشمس (١٤ ١٥)
أي ذرُوا ناقةَ الله
وسقياها
ولا تذودُوها عنها في نوبتها
165
فَكَذَّبُوهُ
أي في وعيدِه بقولِه تعالَى ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقد جوز أن يكون ضميرُ لهُم للأشقينِ ولا يلائمهُ ذكرُ سقياهَا
فَعَقَرُوهَا
أي الأشقى والجمعُ على تقديرِ وحدتِه لرِّضا الكلِّ بفعلِه وقال قَتَادةُ بلغنا أنَّه لم يعقرْها حتى تابعَه صغيرُهم وكبيرُهم وذكرُهم وأنثاهُم وقال الفرَّاءُ عقرَها اثنانِ والعربُ تقولُ هذانِ أفضلُ الناسِ
فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ
فأطبقَ عليهم العذابَ وهو من تكريرِ قولِهم ناقة مدمدمة إذا ألبسَها الشحمُ
بِذَنبِهِمْ
بسببِ ذنبِهم المحكيِّ والتصريحُ بذلكَ مع دِلالة الفاءِ عليهِ للإنذارِ بعاقبةِ الذنبِ ليعتبرَ به كلُّ مذنبٍ
فَسَوَّاهَا
أي الدمدمةَ بينهُم لم يفلتْ منهُم أحدٌ من صغيرٍ وكبيرٍ أو فسوَّى ثمودَ بالأرضِ أو سوَّاها في الهلاكِ
وَلاَ يَخَافُ عقباها
أي عاقبتَها وتبعتَها كما يخافُ سائرُ المعاقبينَ من الملوكِ فيبقِي بعضَ الإبقاءِ وذلك أنَّه تعالَى لا يفعلُ فعلاً إلاَّ بحقَ وكلُّ من فعلَ بحق فانه لا يخافُ عاقبةَ فعلِه وإنْ كانَ من شأنِه الخوفُ والواوُ للحالِ أو للاستئنافِ وقُرِىءَ فَلاَ يخافُ وقرىء لم يخفْ عنْ رسولِ الله ﷺ مَنْ قرأَ سورةَ الشمسِ فكأنما تصدقَ بكلِّ شيءٍ طلعتْ عليهِ الشمسُ والقمرُ
165
٩٢ سورة الليل (١ ٨)
سورة الليل مكية وآيها احدى وعشرون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيم

166
Icon