تفسير سورة الفاتحة

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ
الجزء الأول
سورة الفاتحة
مكيّة وهي سبع آيات خمسة وعشرون كلمة مائة وثلثة وعشرون حرفا ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فاتحة الكتاب وأم القران سميت بهما لانها اصل القران منها يبدا- وهى السبع المثاني لانها سبع آيات بالاتفاق وتثنى في الصلاة وقيل أنزلت مرتين- بمكة والمدينة- والأصح انها مكية قبل سورة حجر- روى ابن جرير عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال هى أم القران وهى فاتحة الكتاب وهى السبع المثاني انتهى- وهى سورة الكنز روى إسحاق بن راهويه عن على رضى الله عنه قال حدثنا نبى الله ﷺ انها أنزلت من كنز تحت العرش- وهى سورة الشفاء لما سنذكر في الفضائل انها شفاء من كل داء
بِسْمِ أسقطت الالف لكثرة استعمالها وطولت الباء عوضا- قال البغوي قال عمر بن عبد العزيز طولوا الباء واظهر والسين ودور والميم تعظيما لكتاب الله عز وجل- والاسم مشتق من السمو دون الوسم بدلالة سمى وسميت والمراد به المسمى او الاسم نفسه- والباء للمصاحبة او الاستعانة او التبرك- والاستعانة يكون بذكر الله متعلق بمقدر بعدها لما في قوله تعالى بسم الله مجريها- وليتحقق الابتداء بالتسمية تحقيقا- روى عبد القادر الرهاوي في الأربعين عن ابى هريرة عنه ﷺ كل امر ذى بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم اقطع- يعنى بسم الله اقرأ اللَّهِ قيل جامد- والحق انه مشتق «١» من الله بمعنى المعبود حذفت الهمزة وعوضت عنها الالف واللام لزوما ومن أجل
(١) الاولى ان يقال مأخوذ من الله بمعنى المعبود فان الحذف والتعويض لا يسمى اشتقاقا في عرفهم- منه رحمه الله- الخطبة من الناشر
2
التعويض «١» اللازم قيل يا الله- إذ لا معنى للاشتقاق إلا كون اللفظين شاركين في المعنى والتركيب- ثم جعل علما لذات الواجب الوجود المستجمع للكمالات المنزه عن الرذائل ولذا يوصف ولا يوصف به- ويقال للتوحيد لا الله الا الله وقد يطلق على الأصل فيقال وهو الله في السّموت وفي الأرض الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) مشتقان من الرحمة بمعنى رقة القلب المقتضى للتفضل والإحسان- واسماء الله تعالى انما تؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي فانها انفعالات- قيل هما للمبالغة بمعنى واحد- والحق ان الرحمن ابلغ لزيادة البناء ولذا اختص بالله دون الرحيم قال ابن عباس هما اسمان رقيقان أحدهما ارقّ من الاخر والزيادة قد يعتبر بالكمية فيقال رحمن الدنيا ورحيم الاخرة فان الرحمة في الاخرة للمتقين وقد يعتبر بالكيفية فيقال رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا فان نعم الاخرة في الاخرة للمتقين وقد يعتبر بالكيفية فيقال رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا فان نعم الاخرة كلّها جليلة- وفي الدنيا حقيرة وجليلة وقدّم الرحمن لاختصاصه بالله كالاعلام ولتقدم عموم الرحمة فى الدنيا وهى مقدم بالزمان- ذهب قراء المدينة والبصرة وابو حنيفة وغيره من فقهاء الكوفة الى انها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور والافتتاح بها للتيمن فقيل وليست من القران- والحق انها من القران أنزلت للفصل روى الحاكم وصححه على شرطهما عن ابن عباس قال كان رسول الله ﷺ لا يعرف فصل السورتين حتى ينزل بسم الله الرّحمن الرّحيم ورواه ابو داؤد مرسلا وقال والمرسل أصح وسئل محمد بن الحسن عنها فقال ما بين الدفتين كلام الله تعالى قلت ولو لم تكن من القران لما كتبوها في المصاحف مع المبالغة في تجريد القران كما لم يكتبوا أمين- والدليل على انها ليست من الفاتحة ما رواه الشيخان عن انس قال صليت خلف رسول الله ﷺ وخلف ابى بكر وخلف عمر فلم يجهر أحد منهم ببسم الله الرحمن الرحيم- وما سنذكر من حديث ابى هريرة قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين في الفضائل وما رواه احمد ان عبد الله بن مغفل قال سمعنى ابى وانا فى الصلاة اقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العلمين فلما انصرف قال يا بنى إياك والحدث فى الإسلام فانى صليت خلف رسول الله ﷺ وابى بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يفتتحون القران ببسم الله الرحمن الرحيم ولم ار رجلا قط ابغض اليه الحدث منه- ورواه الترمذي فقال
(١) مجرد التعويض لا يصلح علة لذلك والا لا نتقض بالناس ونحوه فلا بد في تتميم الكلام من قيد اخر- منه رحمه الله
3
فيه صليت مع النبي ﷺ وابى بكر وعمر وعثمان ولم يسمع منهم أحد يقولها- وذهب قراء مكة والكوفة واكثر فقهاء الحجاز الى انها من الفاتحة دون غيرها من السور وانما كتبت عليها للفصل لما روى الحاكم وقال اسناده صحيح عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قال هى أم القران وقال بسم الله الرّحمن الرّحيم الاية السابعة قراها علىّ ابن عباس كما قراتها ثم قال بسم الرحمن الرحيم الاية السابعة ولما روى الترمذي عن ابن عباس قال كان رسول الله ﷺ يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم- قلت في الحديث الاول قول ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم الاية السابعة ظن «١» منه ليس بمرفوع وما رواه الترمذي ليس اسناده بقوى- وذهب جماعة الى انها من الفاتحة وكذا من كل سورة الا سورة التوبة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي لانها كتبت فى المصحف بخط «٢» سائر القران- قلت وهذا يدل على انها من القران لا من السورة كيف وقد صح عنه ﷺ انه قال سورة من القران ثلاثون اية في سورة الملك- وسنذكر هناك ان شاء الله تعالى- ولا يختلف العادون انه ثلاثون اية من غير بسملة.
الْحَمْدُ هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري نعمة كان او غيرها فهو أعم من الشكر فى المتعلق فان الشكر يخص النعمة وأخص منه في المورد فان الشكر من اللسان والقلب والجوارح ولذا قال عليه السلام الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده- رواه عبد الرزاق عن قتادة عن عبد الله بن عمرو- والمدح أعم من الحمد مطلقا لانه على مطلق الجميل- والتعريف للجنس اشارة الى ما يعرفه كل أحد- او للاستغراق إذ الحمد كله له تعالى وهو خالق افعال العباد وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وفيه دليل على انه تعالى حىّ قادر مريد عالم حتى يستحق الحمد لِلَّهِ اللام للاختصاص يقال الدار لزيد- والجملة الخبرية الاسمية دالة على استمرار الاستحقاق قصد بها الثناء بمضمونها وفيه تعليم وتقديره قولوا الحمد لله حتى يناسب قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرّبّ بمعنى المالك يقال رب الدار لمالكه ويكون بمعنى التربية وهو التبليغ الى الكمال تدريجا وصف به كالصوم والعدل ولا يقال على غيره تعالى الا مقيدا كرب الدار وفيه دليل على ان العالم محتاج في البقاء ايضا- والعلمين جمع
(١) كون الآيات توقيفية لا مجال للعقل فيها امر مقرر عندهم فكيف يظن بابن عباس هذا الظن مع ان للموقوف حكم المرفوع فى أمثال ذلك- قلت المسألة إذا كانت روايات الصحابة فيها مختلفة لا يجوز هناك ان يقال للموقوف حكم المرفوع كذا في اصول القوم الطريق في أمثال ذلك ذكر الروايات- منه نور الله مرقده.
(٢) اى كتبت على كل سورة اولا بخط سائرها فهو يدل على انها جزؤ من كل سورة- منه رحمه الله
عالم لا واحد له في الاستعمال من لفظه- والعالم اسم لما يعلم به الصانع كالخاتم وهو الممكنات بأسرها قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ يعنى موسى رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا وجمع بملاحظة أجناس تحته وغلّب العقلاء- وقال وهب لله ثمانية عشر الف عالم الدنيا عالم منها وما العمران في الخراب الا كفسطاط في صحراء- وقال كعب الأحبار لا يحصى عدد العالمين وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وقيل العالم اسم لذوى العلم من الملائكة والثقلين وتناول غيرهم استتباعا.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) أجاز القراء فيه الروم وقفا وكذا في كل مكسور- فيه دليل على ان البسملة ليست من الفاتحة كيلا يلزم التكرار «١» وقيل كرر للتعليل.
ملك يوم الدّين (٤) قرا عاصم والكسائي ويعقوب مالك والآخرون ملك وقرا ابو عمرو الرّحيم ملك بإدغام الميم في الميم وكذالك يدغم كل حرفين متحركين من جنس واحد- او مخرج واحد- او قريبى المخرج- امّا إذا كانا مثلين في كلمتين فذلك واقع فى سبعة عشر حرفا- الا في مواضع عديدة وهى الباء والتاء والثاء والحاء المهملة والراء والسين المهملة والعين وعشرة أحرف بعدها نحو لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ثالِثُ ثَلاثَةٍ لا أَبْرَحُ حَتَّى فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ إِنَّكَ كُنْتَ بِنا جَعَلَ لَكُمُ يَعْلَمُ ما أَحْسَنُ نَدِيًّا إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ إِنَّهُ هُوَ ولا تمنع صلة الهاء نُودِيَ يا مُوسى إذا لم يكن الحرف الاول تاء المتكلم او المخاطب كنْتُ تُراباً
... فَأَنْتَ تُكْرِهُ ولا منونا نحو واسِعٌ عَلِيمٌ ولا مشددا نحو فَتَمَّ مِيقاتُ والمواضع العديدة المستثناة منها يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ لا يدغم فيه ابو عمرو لاخفاء النون قبلها اتفاقا- ومنها كل موضع التقيا فيه مثلان بسبب حذف وقع في اخر الكلمة الاولى نحو يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ إِنْ يَكُ كاذِباً يَخْلُ لَكُمْ ففى هذه الكلمات لابى عمرو وجهان الإظهار والإدغام ومنها عند البعض آلَ لُوطٍ والصحيح ادغامه ومنها واو هو إذا كان الهاء مضموما على قراءة ابى عمرو ووقع بعده واو نحو هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وذلك في ثلاثة عشر موضعا فاختلف في ادغامه لكن رواية الإدغام أقوى ومنها واو هو إذا كان الهاء ساكنا على قراءته وهو ثلاثة «٢» مواضع فَهُوَ وَلِيُّهُمُ وَهُوَ واقِعٌ
(١) منقوض هو بنحو فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وغيرها من الآيات التي كرر تكرارها- قلت تكرار فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما يستحسنه الفصحاء والشعراء كما يكون في الشعر ترجيعا واما التكرار بلا نسق فليس من هذا القبيل كما لا يخفى على من له ادنى تأمل- منه رحمه الله
(٢) الصحيح خمسة مواضع- ابو محمد عفا الله عنه وفي القران وَما يَعْلَمُ إلخ في الأصل الاحرف في الأصل لك.
5
قال بعضهم فيها الإظهار بلا خلاف وقال بعضهم بخلاف والإظهار أقوى «١» - هذا إذا كان المثلان فى كلمتين واما إذا كانا في كلمة واحدة فلم يأت عنه الإدغام الا في موضعين مناسككم فى البقرة وما سلككم في المدثر هذا ادغام المثلين- واما ادغام المتقاربين في كلمة واحدة فالقاف تدغم في الكاف إذا كان قبلهما متحرك وبعدهما ميم نحو يَرْزُقُكُمْ بخلاف مِيثاقَكُمْ ونَرْزُقُكَ وحكى الخلاف في ادغام طَلَّقَكُنَّ ولا يدغم غيره- وفي كلمتين تدغم ستة عشر حرفا إذ لم يكن منونا ولا تاء مخاطب ولا مجزوما ولا مشددا- الحاء تدغم في العين في زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وروى ادغامها في العين حيث التقيا «٢» نحو ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ... الْمَسِيحُ عِيسَى... فَلا جُناحَ عَلَيْهِما والقاف في الكاف وبالعكس عند تحرك ما قبلهما نحو خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ... لَكَ قُصُوراً بخلاف فَوْقَ كُلِّ وَتَرَكُوكَ قائِماً والجيم في التاء في كلمة ذِي الْمَعارِجِ تعرج وفي الشين فى أَخْرَجَ شَطْأَهُ والشين في السين في ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا والضاد في الشين في لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ والسين في الزاء في إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وفي الشين في الرَّأْسُ شَيْباً والدال تدغم في حروف عشرة حيث جاءت نحو الْمَساجِدِ تِلْكَ عَدَدَ سِنِينَ الْقَلائِدَ ذلِكَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ يُرِيدُ ثَوابَ تُرِيدُ زِينَةَ نَفْقِدُ صُواعَ مِنْ بَعْدِ ظلم داوُدُ جالُوتَ وفي دارُ الْخُلْدِ جَزاءً خلاف ولم يلق الدال طاء في القران ولم تدغم الدال مفتوحة بعد ساكن بحرف بغير التاء فلا تدغم لِداوُدَ سُلَيْمانَ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ آلَ داوُدَ شُكْراً آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ بعد ظلم بَعْدَ ثُبُوتِها وتدغم كاد تزيغ بعد توليدها ولا ثالث لهما- والتاء تدغم في تلك العشرة الا في التاء من باب المثلين وقد مر ذكره وكذا في الطاء حيث جاءت ولم يلق التاء دالا الا والتاء ساكنة نحو أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما وذلك واجب الإدغام- نحو الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً الذَّارِياتِ ذَرْواً بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ولا ثانى له والنّبوّة ثمّ يقول إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً الْمَلائِكَةُ صَفًّا والْمَلائِكَةُ ظالِمِي فى النساء والنحل ليس غيرهما عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ والتاء لم تقع
(١) عند النحاة لا عند القراء- ابو محمد عفا الله عنه
(٢) وذلك شاذ.
6
مفتوحة بعد ساكن الا وهو حرف خطاب ولا ادغام فيه الا في مواضع وقعت بعد الف فمنها لا خلاف في ادغامه وهو أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وفي الباقي خلاف نحو حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها- وايضا خلاف في بعض تاء مكسورة آتِ ذَا الْقُرْبى ولْتَأْتِ طائِفَةٌ وفي جِئْتَ شَيْئاً مكسور التاء خلاف في ادغامه مع انه تاء خطاب ولا خلاف في الإظهار إذا كانت مفتوحة جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً والثاء تدغم في خمسة أحرف حيث جاءت نحو حَيْثُ تُؤْمَرُونَ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ وَالْحَرْثِ ذلِكَ وليس غيره وحَيْثُ شِئْتُمْ وحَدِيثُ ضَيْفِ وليس غيره والذال في السين والصاد فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فى الكهف في موضعين- مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً- واللام تدغم في الراء وبالعكس الا إذا انفتحا بعد ساكن فتدغم نحومَثَلِ رِيحٍ
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ لا نحو فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ لكن لام قال إذا كان الراء بعده تدغم وان كان مفتوحا بعد ساكن قالَ رَبِّ قالَ رَجُلانِ قالَ رَبُّكُمْ والنون تدغم في اللام والراء إذا تحرك ما قبلها نحو إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ خَزائِنَ رَحْمَةِ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ تَبَيَّنَ لَهُمُ لا إذا سكن ما قبلها نحو يَخافُونَ رَبَّهُمْ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ الا نون نحن تدغم في اللام حيث جاءت وان كانت بعد ساكن نحو نَحْنُ لَهُ وفَما نَحْنُ لَكَ وهو عشر مواضع والميم المتحرك ما قبلها إذا كان بعدها باء تسكن وتخفى- والباء في يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ حيث اتى تدغم في الميم وهى خمسة مواضع سوى ما فى البقرة فانه ساكن الباء في قراءة ابى عمرو وفيه الإدغام الصغير- وحيث ما يجوّز ابو عمرو الإدغام الكبير فله هناك ثلاثة أوجه اخر الإشمام والروم والإظهار غير ان الإشمام يقع في الحروف المضمومة فقط والروم في المضمومة والمكسورة دون المفتوحة والإشمام عبارة عن ضم الشفتين كقبلة المحبوب اشارة الى الضمة والروم عبارة عن الإخفاء والتلفظ ببعض الحركة لكن الإشمام والروم عنده في سائر الحروف غير الباء مع الميم وبالعكس نحو نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ يَعْلَمُ ما أَعْلَمُ بِما كانُوا والإدغام لا يتاتى «١» إذا كان قبل الحرفين حرف ساكن صحيح نحو خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بَعْدِ ظُلْمِهِ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا دارُ الْخُلْدِ جَزاءُ لاجتماع الساكنين فالادغام
(١) هذا عند المتأخرين والنحاة واما عند المتقدمين فالادغام المحض أصح قال المحقق والإدغام الصحيح هو الثابت عند قدماء الائمة من اهل الأداء والنصوص مجتمعة عليه- ابو محمد عفا الله عنه
7
هناك بنطق بعض الحركة وهو الإخفاء والروم والتعبير هناك بالإدغام تجوز اما إذا كان الساكن حرف مد او لين صح الإدغام نحو فِيهِ هُدىً وقالَ لَهُمْ ويَقُولُ رَبَّنا وقَوْمُ مُوسى وكَيْفَ فَعَلَ واللَّهُ أَعْلَمُ- الملك والمالك قيل معناهما واحد الرّبّ مثل فرهين وفارهين وحذرين وحاذرين والحق ان المالك من الملك بالكسر بمعنى الرب يقال مالك الدار ورب الدار والملك من الملك بالضم بمعنى السلطان هما صفتان له تعالى والقراءتان متواترتان فلا يجوز ان يقال الملك هو المختار- وقيل الملك والمالك بمعنى القادر على الاختراع من العدم الى الوجود فلا يطلق على غيره تعالى الا مجازا- ويوم الدّين يوم القيامة والدين الجزاء ومنه كما تدين تدان وهو مثل مشهور وحديث مرفوع رواه ابن عدى في الكامل بسند ضعيف وله شاهد مرسل عند البيهقي واخرج احمد عن مالك ابن دينار انه في التورية والديلمي عن فضالة بن عبيدة مرفوعا انه في الإنجيل وقال مجاهد يوم الدين اى الحساب ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ اى الحساب المستقيم وقيل القهر منه دنته فدان اى قهرته فذل او الإسلام او الطاعة فانه يوم لا ينفع فيه الا الإسلام والطاعة- وانما خص ذلك اليوم بالذكر لان في غيرها من الأيام قد يطلق الملك لغيره تعالى مجازا- ولان فيه إنذار ودعوة الى القول ب إِيَّاكَ نَعْبُدُ أضاف الصفة الى الظرف اجراء له مجرى المفعول به نحو يا سارق الليلة ومعناه الماضي على طريقة نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ فان المتيقن كالواقع فصح وقوعها صفة للمعرفة واجراء هذه الصفات على الله تعالى للتعليل على انه الحقيق بالحمد ومن لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل الحمد فضلا ان يعبد والتمهيد لقوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وقوله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يدل على الاختيار وينفى الإيجاب بالذات والوجوب عليه قضية لسوابق الأعمال ثم لما ذكر الحقيق بالحمد ووصفه بصفات عظام مميزة عن سائر الذوات وتعلق العلم بمعلوم معين خاطب بذلك فقال.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) أجاز القراء فيه الروم والإشمام في حالة الوقف وكذا في كل
مضموم- والمعنى يا من هو بالصفات المذكورة نخصك بالعبادة والاستعانة عليها وعلى جميع أمورنا- ومن عادة العرب التفنن في الكلام والالتفات من الغيبة الى الخطاب وبالعكس ومن التكلم إليهما وبالعكس تنشيطا للسامع- والعبادة أقصى الخضوع والتذلل ومنه طريق معبد اى مذلل والضمير في الفعلين للقارى ومن معه- وفيه اشعار على التزام الجماعة- وقدم المفعول للتعظيم والاهتمام والحصر قال ابن عباس معناه نعبدك ولا نعبد غيرك- رواه ابن جرير وابن ابى حاتم من طريق الضحاك عنه وقيل الواو في وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ للحال اى نعبدك مستعنين بك-.
اهْدِنَا اى أرشدنا بيان للمعونة المطلوب- او افراد لما هو المقصود الأعظم- والهداية دلالة بلطف ولذلك يستعمل في الخير- وأصله ان يعدى باللام او الى وقد يعدى بنفسه- وهذا الدعاء من المؤمنين ومن النبيّ ﷺ مع كونهم على الهداية لطلب التثبت او طلب مزيد الهداية فان الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى على مذهب اهل السنة الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) قرأ ابن كثير برواية قنبل الصراط معرفا باللام ومضافا في الفاتحة وسائر القران وكذا منكرا حيث اتى بالسين على الأصل لانه من سرط الطّعام اى ابتلعه- والطريق يسرط السابلة والباقون بالصاد وهو لغة قريش- وقرا خلف كلها بين الصاد والزاء وكذا خلاد هاهنا خاصة- والمستقيم المستوي والمراد طريق الحق- وقيل ملة الإسلام «١» - والقولان أخرجهما ابن جرير عن ابن عباس.
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (٥) بدل من الاول بدل الكل وفائدته التوكيد والتنصيص على ان طريقهم هو المشهود عليه بالاستقامة والمراد بالذين أنعمت عليهم كل من ثبّته الله تعالى على الايمان والطاعة مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ- قرأ حمزة عليهم- إليهم- لديهم- حيث وقع بضم الهاء وصلا ووقفا والباقون بكسرها- وضم ابن كثير كل ميم جمع مشبعا في الوصل إذا لم يلقها ساكن- وقالون يقول
(١) قال ابو العالية والحسن في تفسير اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صراط رسول الله وصاحباه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. وقال اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر وعمر- منه رحمه الله
9
بالتخيير في الإشباع وعدمه لقيها ساكن اولا «١» - وورش يشبع عند الف القطع فقط- وإذا تلقته الف الوصل وقبل الهاء كسر او ياء ساكنة نحو بِهِمُ الْأَسْبابُ وعَلَيْهِمُ الْقِتالُ ضم الهاء والميم حمزة والكسائي- وكسرهما ابو عمرو- وكذلك يعقوب إذا انكسر ما قبله- والآخرون ضموا الميم على الأصل وكسروا الهاء لاجل الياء والكسرة- وفي الوقف يكسر الهاء عند الكل لكسرة ما قبلها او الياء الا ما ذكرنا خلاف حمزة ويعقوب ابو محمد في الكلمات الثلث غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) بدل من الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ- اى المنعم عليهم هم السالمون من الغضب والضلال- او صفة له مبينة او مقيدة ان اجرى الموصول مجرى النكرة إذا لم يقصد به معهود- كما في قول الشاعر ولقد امرّ على اللّئيم يسبّنى- او جعل غير معرفة لاضافته الى ماله ضد واحد فيتعين- يقال عليكم بالحركة غير السكون- وعليهم في محل الرفع نائب مناب الفاعل- ولا مزيدة لتأكيد ما في غير من معنى النفي- كانه قال لا المغضوب عليهم- والغضب ثوران النفس لارادة الانتقام وإذ أسند الى الله أريد به المنتهى- والضلالة ضد الهداية وهو العدول عن الطريق الموصل وله عرض عريض- اخرج احمد في مسنده- والترمذي وحسنه- وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن عدى بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ان المغضوب عليهم اليهود وان الضالين النصارى- واخرج ابن مردوية عن ابى ذر نحوه- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم التفسير بذلك عن ابن عباس- وابن مسعود- والربيع ابن انس- وزيد بن اسلم- قال ابن ابى حاتم- لا اعلم في ذلك خلافا بين المفسرين- واللفظ عام يعم الكفار والعصاة والمبتدعة- قال الله تعالى في القاتل عمدا- وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ- وقال-فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ- وقال- الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا- والسنة عند ختم الفاتحة ان يقول أمين مفصولا- وأمين مخفف غير مشدد- جاء ممدودا ومقصورا قال البغوي قال ابن عباس معناه اسمع واستجب- واخرج الثعلبي عنه قال سالت النبي ﷺ عنه فقال افعل- روى ابن ابى شيبة في مصنفه والبيهقي فى الدلائل عن ابى ميسرة ان جبرئيل عليه السلام اقرأ النبىّ ﷺ الفاتحة فلما قال وَلَا الضَّالِّينَ قال له قل أمين- وروى ابو داود في سننه عن ابى زهير أحد الصحابة
(١) هذا التعميم من سباق قلم او من الناسخ لان الإشباع قبل الساكن ممنوع- ابو محمد عفا الله عنه
10
قال- أمين مثل الطابع على الصحيفة خرجنا مع رسول الله ﷺ ذات ليلة فاتينا على رجل قد ألح في المسألة فقال النبي ﷺ أوجب ان ختم- فقال رجل من القوم باىّ شىء يختم فقال أمين- واخرج ابو داود- والترمذي- والدارقطني- وصححه ابن حبان- كان النبي ﷺ إذا قرا ولا الضّالّين قال أمين- وفي الصحيحين عن ابى هريرة ان النبي ﷺ قال إذا قال الامام وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا أمين فان الملائكة تقول أمين- وان الامام يقول أمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.

فصل فى فضائل الفاتحة


عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ والذي نفسى بيده ما انزل في التورية ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القران مثلها- وانها لهى السبع المثاني التي أتاني الله عز وجل- رواه الترمذي وقال حسن صحيح- والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم- وعن ابن عباس قال بينا رسول الله ﷺ وعنده جبرئيل إذ سمع نقيضا من فوقه فرفع جبرئيل عليه السلام بصره الى السماء فقال هذا باب فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فاتى النبي ﷺ فقال ابشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرا حرفا منها الا أعطيته- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى- قسّمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقول الله حمدنى عبدى- يقول العبد الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقول الله اثنى علىّ عبدى- يقول العبد مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يقول الله تعالى مجدنى عبدى- يقول العبد إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يقول الله هذه الاية بينى وبين عبدى ولعبدى ما سال- يقول العبد اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ يقول فهؤلاء لعبدى ولعبدى ما سال- رواه مسلم- وعن عبد الملك بن عمير مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- فاتحة الكتاب شفاء من كل داء- رواه الدارمي في مسنده والبيهقي في شعب الايمان بسند صحيح- وعن عبد الله بن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الا أخبرك بأخير سورة نزلت في القران
11
Icon